228 و من كلام له ع
أَلَا وَ إِنَّ اللِّسَانَ بَضْعَةٌ مِنَ الْإِنْسَانِ- فَلَا يُسْعِدُهُ الْقَوْلُ إِذَا امْتَنَعَ- وَ لَا يُمْهِلُهُ النُّطْقُ إِذَا اتَّسَعَ- وَ إِنَّا لَأُمَرَاءُ الْكَلَامِ وَ فِينَا تَنَشَّبَتْ عُرُوقُهُ- وَ عَلَيْنَا تَهَدَّلَتْ غُصُونُهُ- وَ اعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ أَنَّكُمْ فِي زَمَانٍ- الْقَائِلُ فِيهِ بِالْحَقِّ قَلِيلٌ- وَ اللِّسَانُ عَنِ الصِّدْقِ كَلِيلٌ- وَ اللَّازِمُ لِلْحَقِّ ذَلِيلٌ- أَهْلُهُ مُعْتَكِفُونَ عَلَى الْعِصْيَانِ- مُصْطَلِحُونَ عَلَى الْإِدْهَانِ فَتَاهُمْ عَارِمٌ- وَ شَائِبُهُمْ آثِمٌ وَ عَالِمُهُمْ مُنَافِقٌ- وَ فَارِئُهُمْ مُمَاذِقٌ لَا يُعَظِّمُ صَغِيرُهُمْ كَبِيرَهُمْ- وَ لَا يَعُولُ غَنِيُّهُمْ فَقِيرَهُمْ بضعة من الإنسان قطعة منه- و الهاء في يسعده ترجع إلى اللسان- .
و الضمير في امتنع يرجع إلى الإنسان- و كذلك الهاء في لا يمهله يرجع إلى اللسان- . و الضمير في اتسع يرجع إلى الإنسان- و تقديره فلا يسعد اللسان القول- إذا امتنع الإنسان عن أن يقول- و لا يمهل اللسان النطق إذا اتسع للإنسان القول- و المعنى أن اللسان آلة للإنسان- فإذا صرفه صارف عن الكلام لم يكن اللسانناطقا- و إذا دعاه داع إلى الكلام- نطق اللسان بما في ضمير صاحبه- . و تنشبت عروقه أي علقت و روي انتشبت- و الرواية الأولى أدخل في صناعة الكلام- لأنها بإزاء تهدلت و التهدل التدلي- و قد أخذ هذه الألفاظ بعينها أبو مسلم الخراساني- فخطب بها في خطبة مشهورة من خطبه
ذكر من أرتج عليهم أو حصروا عند الكلام
و اعلم أن هذا الكلام قاله أمير المؤمنين ع- في واقعة اقتضت أن يقوله- و ذلك أنه أمر ابن أخته جعدة بن هبيرة المخزومي- أن يخطب الناس يوما فصعد المنبر- فحصر و لم يستطع الكلام- فقام أمير المؤمنين ع فتسنم ذروة المنبر- و خطب خطبة طويلة- ذكر الرضي رحمه الله منها هذه الكلمات- و روى شيخنا أبو عثمان في كتاب البيان و التبيين- أن عثمان صعد المنبر فأرتج عليه فقال- إن أبا بكر و عمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا- و أنتم إلى إمام عادل- أحوج منكم إلى إمام خطيب- و ستأتيكم الخطبة على وجهها ثم نزل- .
قال أبو عثمان و روى أبو الحسن المدائني قال- صعد ابن لعدي بن أرطاة المنبر- فلما رأى الناس حصر فقال- الحمد لله الذي يطعم هؤلاء و يسقيهم- و صعد روح بن حاتم المنبر- فلما رأى الناس قد رشقوه بأبصارهم- و صرفوا أسماعهمنحوه قال- نكسوا رءوسكم و غضوا أبصاركم- فإن أول مركب صعب- فإذا يسر الله عز و جل فتح قفل تيسر- ثم نزل- .
و خطب مصعب بن حيان- أخو مقاتل بن حيان خطبة نكاح فحصر فقال- لقنوا موتاكم لا إله إلا الله- فقالت أم الجارية عجل الله موتك أ لهذا دعوناك- . و خطب مروان بن الحكم فحصر فقال- اللهم إنا نحمدك و نستعينك و لا نشرك بك- . و لما حصر عبد الله بن عامر بن كريز- على المنبر بالبصرة و كان خطيبا- شق عليه ذلك فقال له زياد بن أبيه و كان خليفته- أيها الأمير لا تجزع- فلو أقمت على المنبر عامة من ترى- أصابهم أكثر مما أصابك- فلما كانت الجمعة تأخر عبد الله بن عامر- و قال زياد للناس- إن الأمير اليوم موعوك- فقيل لرجل من وجوه أمراء القبائل- قم فاصعد المنبر فلما صعد حصر- فقال الحمد لله الذي يرزق هؤلاء- و بقي ساكتا فأنزلوه و أصعدوا آخر من الوجوه- فلما استوى قائما قابل بوجهه الناس- فوقعت عينه على صلعة رجل- فقال أيها الناس إن هذا الأصلع قد منعني الكلام- اللهم فالعن هذه الصلعة- فأنزلوه- و قالوا لوازع اليشكري قم إلى المنبر فتكلم- فلما صعد و رأى الناس قال أيها الناس- إني كنت اليوم كارها لحضور الجمعة- و لكن امرأتي حملتني على إتيانها- و أنا أشهدكم أنها طالق ثلاثا- فأنزلوه- فقال زياد لعبد الله بن عامر- كيف رأيت قم الآن فاخطب الناس- .
و قال سهل بن هارون- دخل قطرب النحوي على المخلوع فقال- يا أمير المؤمنين كانت عدتك أرفع من جائزتك- و هو يتبسم- فاغتاظ الفضل بن الربيع- فقلت له إن هذا من الحصر و الضعف- و ليس من الجلد و القوة- أما تراه يفتل أصابعه و يرشح جبينه- . و دخل معبد بن طوق العنبري على بعض الأمراء- فتكلم و هو قائم فأحسن- فلما جلس تلهيع في كلامه- فقال له ما أظرفك قائما و أموقك قاعدا- قال إني إذا قمت جددت و إذا قعدت هزلت- فقال ما أحسن ما خرجت منها- . و كان عمرو بن الأهتم المنقري- و الزبرقان بن بدر عند رسول الله ص- فسأل ع عمرا عن الزبرقان فقال- يا رسول الله إنه لمانع لحوزته مطاع في أدانيه- فقال الزبرقان حسدني يا رسول الله- فقال عمرو يا رسول الله إنه لزمر المروءة- ضيق العطن لئيم الخال- فنظر رسول الله ص إلى وجه عمرو- فقال يا رسول الله رضيت فقلت أحسن ما علمت- و غضبت فقلت أقبح ما علمت- و ما كذبت في الأولى و لقد صدقت في الأخرى- فقال ع إن من البيان لسحرا – .
و قال خالد بن صفوان- ما الإنسان لو لا اللسان- إلا صورة ممثلة أو بهيمة مهملة-و قال ابن أبي الزناد- كنت كاتبا لعمر بن عبد العزيز- فكان يكتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب- في المظالم فيراجعه- فكتب إليه إنه يخيل إلي أني لو كتبت إليك- أن تعطي رجلا شاة لكتبت إلي- أ ضأنا أم معزا- فإذا كتبت إليك بأحدهما- كتبت إلي أ ذكرا أم أنثى- و إذا كتبت إليك بأحدهما- كتبت إلي صغيرا أم كبيرا- فإذا كتبت إليك في مظلمة- فلا تراجعني و السلام- . و أخذ المنصور هذا- فكتب إلى سلم بن قتيبة عامله بالبصرة- يأمره بهدم دور من خرج- مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن و عقر نخلهم- فكتب إليه بأيهما أبدأ بالدور أم بالنخل- يا أمير المؤمنين فكتب إليه- لو قلت لك بالنخل لكتبت إلي بما ذا أبدأ- بالشهريز أم بالبرني- و عزله و ولى محمد بن سليمان- .
و خطب عبد الله بن عامر مرة فأرتج عليه- و كان ذلك اليوم يوم الأضحى فقال- لا أجمع عليكم عيا و لؤما- من أخذ شاة من السوق فهي له و ثمنها علي- . و خطب السفاح أول يوم صعد فيه المنبر فأرتج عليه- فقام عمه داود بن علي فقال- أيها الناس إن أمير المؤمنين يكره أن يتقدم قوله فيكم فعله- و لأثر الأفعال أجدى عليكم من تشقيق المقال- و حسبكم كتاب الله علما فيكم- و ابن عم رسول الله ص خليفة عليكم- . قال الشاعر-
و ما خير من لا ينفع الدهر عيشه
و إن مات لم يحزن عليه أقاربه
كهام على الأقصى كليل لسانه
و في بشر الأدنى حديد مخالبه
و قال أحيحة بن الجلاح-
و الصمت أجمل بالفتى
ما لم يكن عي يشينه
و القول ذو خطل إذا
ما لم يكن لب يزينه
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 13