215 و من كلام له ع يحث فيه أصحابه على الجهاد
وَ اللَّهُ مُسْتَأْدِيكُمْ شُكْرَهُ وَ مُوَرِّثُكُمْ أَمْرَهُ- وَ مُمْهِلُكُمْ فِي مِضْمَارٍ مَمْدُودٍ لِتَتَنَازَعُوا سَبَقَهُ- فَشُدُّوا عُقَدَ الْمَآزِرِ وَ اطْوُوا فُضُولَ الْخَوَاصِرِ- لَا تَجْتَمِعُ عَزِيمَةٌ وَ وَلِيمَةٌ- مَا أَنْقَضَ النَّوْمَ لِعَزَائِمِ الْيَوْمِ- وَ أَمْحَى الظُّلَمَ لِتَذَاكِيرِ الْهِمَمِ مستأديكم شكره- أي طالب منكم أداء ذلك و القيام به- استأديت ديني عند فلان أي طلبته- .
و قوله و مورثكم أمره- أي سيرجع أمر الدولة إليكم و يزول أمر بني أمية- . ثم شبه الآجال التي ضربت للمكلفين- ليقوموا فيها بالواجبات و يتسابقوا فيها إلى الخيرات- بالمضمار الممدود لخيل تتنازع فيه السبق- . ثم قال فشدوا عقد المآزر- أي شمروا عن ساق الاجتهاد- و يقال لمن يوصى بالجد و التشمير اشدد عقدة إزارك- لأنه إذا شدها كان أبعد عن العثار و أسرع للمشي- . قوله و اطووا فضول الخواصر نهى عن كثرة الأكل- لأن الكثير الأكل لا يطوي فضول خواصره لامتلائها- و القليل الأكل يأكل في بعضها و يطوي بعضها- قال الشاعر-
كلوا في بعض بطنكم و عفوا
فإن زمانكم زمن خميص
و قال أعشى باهلة-
طاوي المصير على العزاء منصلت
بالقوم ليلة لا ماء و لا شجر
و قال الشنفري-
و أطوي على الخمص الحوايا كما
انطوت خيوطة ماري تغار و تفتل
ثم أتى ع بثلاثة أمثال مخترعة له لم يسبق بها- و إن كان قد سبق بمعناها- و هي قوله لا تجتمع عزيمة و وليمة- و قوله ما أنقض النوم لعزائم اليوم- و قوله و أمحى الظلم لتذاكير الهمم- . فمما جاء للمحدثين من ذلك- ما كتبه بعض الكتاب إلى ولده-
خدمة السلطان والكا
سات في أيدي الملاح
ليس يلتامان فاطلب
رفعة أو شرب راح
و مثله قول آخر لولده-
ما للمطيع هواه
من الملام ملاذ
فاختر لنفسك هذا
مجد و هذا التذاذ
و قال آخر-
و ليس فتى الفتيان من راح و اغتدى
لشرب صبوح أو لشرب غبوق
و لكن فتى الفتيان من راح
و اغتدىلضر عدو أو لنفع صديق
و هذا كثير جدا يناسب قوله لا تجتمع عزيمة و وليمة- و مثل قوله ما أنقض النوم لعزائم اليوم- قول الشاعر-
فتى لا ينام على عزمه
و من صمم العزم لم يرقد
و قوله و أمحى الظلم لتذاكير الهمم- أي الظلم التي ينام فيها لا كل الظلم- أ لا ترى أنه إذا لم ينم في الظلمة- بل كان عنده من شدة العزم- و قوة التصميم ما لا ينام معه- فإن الظلمة لا تمحو تذاكير هممه- و التذاكير جمع تذكار- . و المثلان الأولان أحسن من الثالث- و كان الثالث من تتمة الثاني- و قد قالت العرب في الجاهلية هذا المعنى- و جاء في القرآن العزيز- أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ- وَ لَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ- مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ وَ زُلْزِلُوا- حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ- مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ- . و هذا مثل قوله لا تجتمع عزيمة و وليمة- أي لا يجتمع لكم دخول الجنة و الدعة- و القعود عن مشقة الحرب
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 11