google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
200-220 خطبه ها شرح ابن ابی الحدیدخطبه ها شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

خطبه 211 شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

211 و من كلام له ع

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَعْدِيكَ عَلَى قُرَيْشٍ وَ مَنْ أَعَانَهُمْ- فَإِنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوا رَحِمِي وَ أَكْفَئُوا إِنَائِي- وَ أَجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتِي حَقّاً كُنْتُ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِي- وَ قَالُوا أَلَا إِنَّ فِي الْحَقِّ أَنْ تَأْخُذَهُ- وَ فِي الْحَقِّ أَنْ تَمْنَعَهُ فَاصْبِرْ مَغْمُوماً أَوْ مُتْ مُتَأَسِّفاً- فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِي رَافِدٌ وَ لَا ذَابٌّ وَ لَا مُسَاعِدٌ- إِلَّا أَهْلَ بَيْتِي فَضَنَنْتُ بِهِمْ عَنِ الْمَنِيَّةِ- فَأَغْضَيْتُ عَلَى الْقَذَى وَ جَرِعْتُ رِيقِي عَلَى الشَّجَا- وَ صَبَرْتُ مِنْ كَظْمِ الْغَيْظِ عَلَى أَمَرَّ مِنَ الْعَلْقَمِ- وَ آلَمَ لِلْقَلْبِ مِنْ وَخْزِ الشِّفَارِ قال الرضي رحمه الله- و قد مضى هذا الكلام في أثناء خطبة متقدمة- إلا أني ذكرته هاهنا لاختلاف الروايتين العدوى طلبك إلى وال ليعديك على من ظلمك- أي ينتقم لك منه- يقال استعديت الأمير على فلان فأعداني- أي استعنت به عليه فأعانني- .

و قطعوا رحمي و قطعوا قرابتي- أي أجروني مجرى الأجانب- و يجوز أن يريد أنهم عدوني- كالأجنبي من رسول الله ص- و يجوز أن يريد أنهم جعلوني كالأجنبي‏منهم- لا ينصرونه و لا يقومون بأمره- . و أكفئوا إنائي قلبوه و كبوه- و حذف الهمزة من أول الكلمة أفصح و أكثر- و قد روي كذلك- و يقال لمن قد أضيعت حقوقه- قد أكفأ إناءه تشبيها بإضاعة اللبن من الإناء- .

و قد اختلفت الرواية في قوله- إلا أن في الحق أن تأخذه- فرواها قوم بالنون و قوم بالتاء- و قال الراوندي إنها في خط الرضي بالتاء- و معنى ذلك أنك إن وليت أنت- كانت ولايتك حقا- و إن ولي غيرك كانت ولايته حقا- على مذهب أهل الاجتهاد- و من رواها بالنون فالمعنى ظاهر- . و الرافد المعين و الذاب الناصر- .

و ضننت بهم بخلت بهم- و أغضيت على كذا صبرت- . و جرعت بالكسر و الشجا ما يعترض في الحلق- . و الوخز الطعن الخفيف- و روي من خز الشفار و الخز القطع- و الشفار جمع شفرة و هي حد السيف و السكين و اعلم أن هذا الكلام- قد نقل عن أمير المؤمنين ع ما يناسبه و يجري مجراه- و لم يؤرخ الوقت الذي قاله فيه- و لا الحال التي عناها به- و أصحابنا يحملون ذلك على أنه ع- قاله عقيب الشورى و بيعة عثمان- فإنه ليس يرتاب أحد من أصحابنا على أنه تظلم و تألم حينئذ- .

و يكره أكثر أصحابنا- حمل أمثال هذا الكلام على التألم من يوم السقيفة- . و لقائل أن يقول لهم- أ تقولون إن بيعة عثمان لم تكن صحيحة- فيقولون لا فيقال‏لهم فعلى ما ذا تحملون كلامه ع- مع تعظيمكم له و تصديقكم لأقواله- فيقولون نحمل ذلك على تألمه و تظلمه منهم- إذا تركوا الأولى و الأفضل- فيقال لهم فلا تكرهوا قول من يقول من الشيعة و غيرهم- إن هذا الكلام و أمثاله صدر عنه عقيب السقيفة- و حملوه على أنه تألم و تظلم- من كونهم تركوا الأولى و الأفضل- فإنكم لستم تنكرون أنه كان الأفضل و الأحق بالأمر- بل تعترفون بذلك و تقولون ساغت إمامة غيره- و صحت لمانع كان فيه ع- و هو ما غلب على ظنون العاقدين للأمر- من أن العرب لا تطيعه- فإنه يخاف من فتنة عظيمة تحدث- إن ولي الخلافة لأسباب يذكرونها و يعدونها- و قد روى كثير من المحدثين- أنه عقيب يوم السقيفة تألم و تظلم- و استنجد و استصرخ- حيث ساموه الحضور و البيعة- و أنه قال و هو يشير إلى القبر- يا ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي- و أنه قال وا جعفراه و لا جعفر لي اليوم- وا حمزتاه و لا حمزة لي اليوم- .

و قد ذكرنا من هذا المعنى جملة صالحة فيما تقدم- و كل ذلك محمول عندنا- على أنه طلب الأمر من جهة الفضل و القرابة- و ليس بدال عندنا على وجود النص- لأنه لو كان هناك نص- لكان أقل كلفة و أسهل طريقا- و أيسر لما يريد تناولا أن يقول- يا هؤلاء إن العهد لم يطل- و إن رسول الله ص أمركم بطاعتي- و استخلفني عليكم بعده- و لم يقع منه ع بعد ما علمتموه و نص ينسخ ذلك- و لا يرفعه فما الموجب لتركي و العدول عني- .

فإن قالت الإمامية- كان يخاف القتل لو ذكر ذلك- فقيل لهم فهلا يخاف القتل- و هو يعتل و يدفع ليبايع- و هو يمتنع و يستصرخ تارة بقبر رسول الله ص-و تارة بعمه حمزة و أخيه جعفر و هما ميتان- و تارة بالأنصار و تارة ببني عبد مناف- و يجمع الجموع في داره- و يبث الرسل و الدعاة ليلا و نهارا إلى الناس- يذكرهم فضله و قرابته- و يقول للمهاجرين- خصمتم الأنصار بكونكم أقرب إلى رسول الله ص- و أنا أخصمكم بما خصمتم به الأنصار- لأن القرابة إن كانت هي المعتبرة- فأنا أقرب منكم- .

و هلا خاف من هذا الامتناع- و من هذا الاحتجاج و من الخلوة في داره بأصحابه- و من تنفير الناس عن البيعة- التي عقدت حينئذ لمن عقدت له- . و كل هذا إذا تأمله المنصف- علم أن الشيعة أصابت في أمر و أخطأت في أمر- أما الأمر الذي أصابت فيه فقولها- إنه امتنع و تلكأ و أراد الأمر لنفسه- و أما الأمر الذي أخطأت فيه- فقولها إنه كان منصوصا عليه نصا جليا بالخلافة- تعلمه الصحابة كلها أو أكثرها- و أن ذلك النص خولف طلبا للرئاسة الدنيوية- و إيثارا للعاجلة- و أن حال المخالفين للنص لا تعدو أحد أمرين- إما الكفر أو الفسق- فإن قرائن الأحوال و أماراتها لا تدل على ذلك- و إنما تدل و تشهد بخلافه- و هذا يقتضي أن أمير المؤمنين ع- كان في مبدإ الأمر يظن أن العقد لغيره- كان عن غير نظر في المصلحة- و أنه لم يقصد به إلا صرف الأمر عنه- و الاستئثار عليه- فظهر منه ما ظهر من الامتناع و العقود في بيته- إلى أن صح عنده و ثبت في نفسه- أنهم أصابوا فيما فعلوه و أنهم لم يميلوا إلى هوى- و لا أرادوا الدنيا و إنما فعلوا الأصلح في ظنونهم- لأنه رأى من بغض الناس له و انحرافهم عنه- و ميلهم عليه و ثوران الأحقاد التي كانت في أنفسهم- و احتدام النيران التي كانت في قلوبهم- و تذكروا التراث التي وتراهم فيما قبل بها- و الدماء التي سفكها منهم و أراقها- .

و تعلل طائفة أخرى منهم للعدول عنه بصغر سنه- و استهجانهم تقديم الشباب على الكهول و الشيوخ- . و تعلل طائفة أخرى منهم- بكراهية الجمع بين النبوة و الخلافة في بيت واحد- فيجفخون على الناس كما قاله من قاله- و استصعاب قوم منهم شكيمته و خوفهم تعديه و شدته- و علمهم بأنه لا يداجي و لا يحابي- و لا يراقب و لا يجامل في الدين- و أن الخلافة تحتاج إلى من يجتهد برأيه- و يعمل بموجب استصلاحه- و انحراف قوم آخرين عنه- للحسد الذي كان عندهم له في حياة رسول الله ص- لشدة اختصاصه له و تعظيمه إياه- و ما قال فيه فأكثر من النصوص الدالة على رفعة شأنه- و علو مكانه و ما اختص به من مصاهرته و أخوته- و نحو ذلك من أحواله معه- و تنكر قوم آخرين له- لنسبتهم إليه العجب و التيه كما زعموا- و احتقاره العرب و استصغاره الناس كما عددوه عليه- و إن كانوا عندنا كاذبين- و لكنه قول قيل و أمر ذكر و حال نسبت إليه- و أعانهم عليها ما كان يصدر عنه من أقوال توهم مثل هذا- نحو قوله فإنا صنائع ربنا و الناس بعد صنائع لنا- و ما صح به عنده- أن الأمر لم يكن ليستقيم له يوما واحدا- و لا ينتظم و لا يستمر- و أنه لو ولي الأمر لفتقت العرب عليه فتقا- يكون فيه استئصال شأفة الإسلام و هدم أركانه- فأذعن بالبيعة- و جنح إلى الطاعة و أمسك عن طلب الإمرة- و إن كان على مضض و رمض- . و قد روي عنه ع- أن فاطمة ع حرضته يوما على النهوض و الوثوب- فسمع صوت المؤذن أشهد أن محمدا رسول الله- فقال لها أ يسرك زوال هذا النداء من الأرض- قالت لا قال فإنه ما أقول لك- .

و هذا المذهب هو أقصد المذاهب و أصحها- و إليه يذهب أصحابنا المتأخرون من البغداديين و به يقول- . و اعلم أن حال علي ع في هذا المعنى- أشهر من أن يحتاج في الدلالة عليها- إلى الإسهاب و الإطناب- فقد رأيت انتقاض العرب عليه من أقطارها- حين بويع بالخلافة بعد وفاة رسول الله ص- بخمس و عشرين سنة- و في دون هذه المدة تنسى الأحقاد- و تموت التراث و تبرد الأكباد الحامية- و تسلو القلوب الواجدة- و يعدم قرن من الناس و يوجد قرن- و لا يبقى من أرباب تلك الشحناء و البغضاء إلا الأقل- فكانت حاله بعد هذه المدة الطويلة مع قريش- كأنها حاله لو أفضت الخلافة إليه يوم وفاة ابن عمه ص- من إظهار ما في النفوس و هيجان ما في القلوب- حتى أن الأخلاف من قريش- و الأحداث و الفتيان الذين لم يشهدوا وقائعه- و فتكاته في أسلافهم و آبائهم- فعلوا به ما لو كانت الأسلاف أحياء لقصرت عن فعله- و تقاعست عن بلوغ شأوه- فكيف كانت تكون حاله لو جلس على منبر الخلافة- و سيفه بعد يقطر دما من مهج العرب- لا سيما قريش الذين بهم كان ينبغي لو دهمه خطب أن يعتضد- و عليهم كان يجب أن يعتمد- إذن كانت تدرس أعلام الملة و تنعفي رسوم الشريعة- و تعود الجاهلية الجهلاء على حالها- و يفسد ما أصلحه رسول الله ص- في ثلاث و عشرين سنة في شهر واحد- فكان من عناية الله تعالى بهذا الدين- أن ألهم الصحابة ما فعلوه- و الله متم نوره و لو كره المشركون‏

فصل في أن جعفرا و حمزة لو كان حيين لبايعا عليا

و سألت النقيب أبا جعفر- يحيى بن محمد بن أبي يزيد رحمه الله- قلت له أ تقول إن حمزة و جعفرا لو كانا حيين- يوم مات رسول الله ص أ كانا يبايعانه بالخلافة- فقال نعم- كانا أسرع إلى بيعة من النار في يبس العرفج- فقلت له أظن أن جعفرا كان يبايعه و يتابعه- و ما أظن حمزة كذلك- و أراه جبارا قوي النفس شديد الشكيمة- ذاهبا بنفسه شجاعا بهمه- و هو العم و الأعلى سنا و آثاره في الجهاد معروفة- و أظنه كان يطلب الخلافة لنفسه- . فقال الأمر في أخلاقه و سجاياه كما ذكرت- و لكنه كان صاحب دين متين- و تصديق خالص لرسول الله ص- و لو عاش لرأى من أحوال علي ع- مع رسول الله ص ما يوجب أن يكسر له نخوته- و أن يقيم له صعره و أن يقدمه على نفسه- و أن يتوخى رضا الله و رضا رسوله فيه- و إن كان بخلاف إيثاره- .

ثم قال أين خلق حمزة السبعي- من خلق علي الروحاني اللطيف- الذي جمع بينه و بين خلق حمزة- فاتصفت بهما نفس واحدة- و أين هيولانية نفس حمزة- و خلوها من العلوم من نفس علي القدسية- التي أدركت بالفطرة لا بالقوة التعليمية- ما لم تدركه نفوس مدققي الفلاسفة الإلهيين- لو أن حمزة حيي حتى رأى من علي ما رآه غيره- لكان أتبع له من ظله- و أطوع له من أبي ذر و المقداد أما قولك هو و العم و الأعلى سنا- فقد كان العباس العم و الأعلى سنا- و قد عرفت ما بذله له و ندبه إليه- و كان أبو سفيان كالعم و كان أعلى سنا- و قد عرفت ما عرضه عليه- ثم قال ما زالت الأعمام تخدم أبناء الإخوة- و تكون أتباعا لهم- أ لست ترى داود بن‏علي و عبد الله بن علي- و صالح بن علي و سليمان بن علي- و عيسى بن علي و إسماعيل ابن علي- و عبد الصمد بن علي خدموا ابن أخيهم- و هو عبد الله السفاح بن محمد بن علي- و بايعوه و تابعوه- و كانوا أمراء جيوشه و أنصاره و أعوانه- أ لست ترى حمزة و العباس اتبعا ابن أخيهما صلوات الله عليه- و أطاعاه و رضيا برياسته و صدقا دعوته- أ لست تعلم أن أبا طالب- كان رئيس بني هاشم و شيخهم و المطاع فيهم- و كان محمد رسول الله ص يتيمه و مكفوله- و جاريا مجرى أحد أولاده عنده- ثم خضع له و اعترف بصدقه و دان لأمره- حتى مدحه بالشعر كما يمدح الأدنى الأعلى فقال فيه-

و أبيض يستسقى الغمام بوجهه
ثمال اليتامى عصمة للأرامل‏

يطيف به الهلاك من آل هاشم‏
فهم عنده في نعمة و فواضل‏

و إن سرا اختص به محمد ص- حتى أقام أبا طالب و حاله معه حاله مقام المادح له- لسر عظيم و خاصية شريفة- و إن في هذا لمعتبر عبرة- أن يكون هذا الإنسان الفقير- الذي لا أنصار له و لا أعوان معه- و لا يستطيع الدفاع عن نفسه- فضلا عن أن يقهر غيره- تعمل دعوته و أقواله في الأنفس- ما تعمله الخمر في الأبدان المعتدلة المزاج- حتى تطيعه أعمامه و يعظمه مربيه و كافله- و من هو إلى آخر عمره القيم بنفقته- و غذاء بدنه و كسوة جسده- حتى يمدحه بالشعر كما يمدح الشعراء الملوك و الرؤساء- و هذا في باب المعجزات عند المنصف- أعظم من انشقاق القمر و انقلاب العصا- و من أبناء القوم بما يأكلون و ما يدخرون في بيوتهم- .

ثم قال رحمه الله- كيف قلت أظن أن جعفرا كان يبايعه و يتابعه- و لا أظن في حمزة ذلك- إن كنت قلت ذلك لأنه أخوه- فإنه أعلى منه سنا هو أكبر من علي بعشرسنين- و قد كانت له خصائص و مناقب كثيرة- و قال فيه النبي ص قولا شريفا- اتفق عليه المحدثون- قال له لما افتخر هو و علي و زيد بن حارثة- و تحاكموا إلى رسول الله ص أشبهت خلقي و خلقي- فخجل فرحا ثم قال لزيد- أنت مولانا و صاحبنا فخجل أيضا- ثم قال لعلي أنت أخي و خالصتي- قالوا فلم يخجل- قالوا كان ترادف التعظيم له و تكرره عليه- لم يجعل عنده للقول ذلك الموضع- و كان غيره إذا عظم عظم نادرا- فيحسن موقعه عنده- و اختلف الناس في أي المدحتين أعظم- .

فقلت له- قد وقفت لأبي حيان التوحيدي في كتاب البصائر- على فصل عجيب يمازج ما نحن فيه- قال في الجزء الخامس من هذا الكتاب- سمعت قاضي القضاة أبا سعد بشر بن الحسين- و ما رأيت رجلا أقوى منه في الجدل- في مناظرة جرت بينه و بين أبي عبد الله الطبري- و قد جرى حديث جعفر بن أبي طالب و حديث إسلامه- و التفاضل بينه و بين أخيه علي- فقال القاضي أبو سعد- إذا أنعم النظر علم أن إسلام جعفر كان بعد بلوغ- و إسلام البالغ لا يكون إلا بعد استبصار و تبين- و معرفة بقبح ما يخرج منه و حسن ما يدخل فيه- و أن إسلام علي مختلف في حاله- و ذلك أنه قد ظن أنه كان عن تلقين- لا تبيين إلى حين بلوغه و أوان تعقبه و نظره- و قد علم أيضا أنهما قتلا- و أن قتلة جعفر شهادة بالإجمال- و قتلة علي فيها أشد الاختلاف- ثم خص الله جعفرا- بأن قبضه إلى الجنة قبل ظهور التباين- و اضطراب الحبل و كثرة الهرج- و على أنه لو انعقد الإجماع- و تظاهر جميع الناس على أن القتلتين شهادة- لكانت الحال في الذي رفع إليها جعفر أغلظ و أعظم- و ذلك أنه قتل مقبلا غير مدبر- و أما علي فإنه اغتيل اغتيالا و قصد من حيث لا يعلم- و شتان ما بين من فوجئ بالموت و بين من عاين مخايل الموت-و تلقاه بالنحر و الصدر- و عجل إلى الله بالإيمان و الصدق- أ لا تعلم أن جعفرا قطعت يمناه فأمسك اللواء بيسراه- و قطعت يسراه فضم اللواء إلى حشاه- ثم قاتله ظاهر الشرك بالله و قاتل علي ممن صلى إلى القبلة- و شهد الشهادة و أقدم عليه بتأويل- و قاتل جعفر كافر بالنص الذي لا خلاف فيه- أ ما تعلم أن جعفرا ذو الجناحين- و ذو الهجرتين إلى الحبشة و المدينة- .

قال النقيب رحمه الله اعلم فداك شيخك- أن أبا حيان رجل ملحد زنديق- يحب التلاعب بالدين- و يخرج ما في نفسه فيعزوه إلى قوم لم يقولوه- و أقسم بالله إن القاضي أبا سعد- لم يقل من هذا الكلام لفظة واحدة- و لكنها من موضوعات أبي حيان و أكاذيبه و ترهاته- كما يسند إلى القاضي أبي حامد المروروذي كل منكر- و يروى عنه كل فاقرة- .

ثم قال يا أبا حيان مقصودك أن تجعلها مسألة خلاف- تثير بها فتنة بين الطالبيين- لتجعل بأسهم بينهم- و كيف تقلبت الأحوال فالفخر لهم لم يخرج عنهم- . ثم ضحك رحمه الله حتى استلقى و مد رجليه- و قال هذا كلام يستغنى عن الإطالة في إبطاله بإجماع المسلمين- فإنه لا خلاف بين المسلمين في أن عليا أفضل من جعفر- و إنما سرق أبو حيان هذا المعنى الذي أشار إليه- من رسالة المنصور أبي جعفر إلى محمد بن عبد الله النفس الزكية- قال له و كانت بنو أمية يلعنون أباك في أدبار الصلوات المكتوبات- كما تلعن الكفرة فعنفناهم و كفرناهم- و بينا فضله و أشدنا بذكره فاتخذت ذلك علينا حجة- و ظننت أنه لما ذكرناه من فضله- أنا قدمناه على حمزة و العباس و جعفر- أولئك مضوا سالمين مسلمين منهم و ابتلي أبوك بالدماء- .

فقلت له رحمه الله و إذا لا إجماع في المسألة- لأن المنصور لم يقل بتفضيله عليهم-و أنت ادعيت الإجماع- فقال إن الإجماع قد سبق هذا القائل- و كل قول قد سبقه الإجماع لا يعتد به- . فلما خرجت من عند النقيب أبي جعفر- بحثت في ذلك اليوم في هذا الموضوع- مع أحمد بن جعفر الواسطي رحمه الله- و كان ذا فضل و عقل و كان إمامي المذهب- فقال لي صدق النقيب فيما قال- أ لست تعلم أن أصحابكم المعتزلة على قولين- أحدهما أن أكثر المسلمين ثوابا أبو بكر- و الآخر أن أكثرهم ثوابا علي- و أصحابنا يقولون إن أكثر المسلمين ثوابا علي- و كذلك الزيدية- و أما الأشعرية و الكرامية و أهل الحديث- فيقولون أكثر المسلمين ثوابا أبو بكر- فقد خلص من مجموع هذه الأقوال- أن ثواب حمزة و جعفر دون ثواب علي ع- أما على قول الإمامية و الزيدية و البغداديين كافة- و كثير من البصريين من المعتزلة فالأمر ظاهر- و أما الباقون فعندهم أن أكثر المسلمين ثوابا- أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي- و لم يذهب ذاهب إلى أن ثواب حمزة و جعفر- أكثر من ثواب علي من جميع الفرق- فقد ثبت الإجماع الذي ذكره النقيب- إذا فسرنا الأفضلية بالأكثرية ثوابا- و هو التفسير الذي يقع الحجاج و الجدال- في إثباته لأحد الرجلين- و أما إذا فسرنا الأفضلية بزيادة المناقب و الخصائص- و كثرة النصوص الدالة على التعظيم- فمعلوم أن أحدا من الناس- لا يقارب عليا ع في ذلك- لا جعفر و لا حمزة و لا غيرهما- .

ثم وقع بيدي بعد ذلك كتاب- لشيخنا أبي جعفر الإسكافي- ذكر فيه أن مذهب بشر بن المعتمر و أبي موسى- و جعفر بن مبشر و سائر قدماء البغداديين- أن أفضل المسلمين علي بن أبي طالب- ثم ابنه الحسن ثم ابنه الحسين- ثم حمزة بن عبد المطلب ثم جعفر بن أبي طالب- ثم أبو بكر بن أبي قحافة ثم عمر بن الخطاب- ثم عثمان بن عفان-قال و المراد بالأفضل أكرمهم عند الله- أكثرهم ثوابا و أرفعهم في دار الجزاء منزلة- . ثم وقفت بعد ذلك على كتاب- لشيخنا أبي عبد الله البصري- يذكر فيه هذه المقالة- و ينسبها إلى البغداديين- و قال إن الشيخ أبا القاسم البلخي كان يقول بها- و قبله الشيخ أبو الحسين الخياط- و هو شيخ المتأخرين من البغداديين- قالوا كلهم بها فأجبني هذا المذهب- و سررت بأن ذهب الكثير من شيوخنا إليه- و نظمته في الأرجوزة- التي شرحت فيها عقيدة المعتزلة فقلت-

و خير خلق الله بعد المصطفى
أعظمهم يوم الفخار شرفا

السيد المعظم الوصي‏
بعل البتول المرتضى علي‏

و ابناه ثم حمزة و جعفر
ثم عتيق بعدهم لا ينكر

المخلص الصديق ثم عمر
فاروق دين الله ذاك القسور

و بعده عثمان ذو النورين
هذا هو الحق بغير مين‏

شرح ‏نهج ‏البلاغة(ابن ‏أبي ‏الحديد) ج 11

Show More

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

Back to top button
-+=