21 و من خطبة له ع
فَإِنَّ الْغَايَةَ أَمَامَكُمْ وَ إِنَّ وَرَاءَكُمُ السَّاعَةَ تَحْدُوكُمْ- تَخَفَّفُوا تَلْحَقُوا فَإِنَّمَا يُنْتَظَرُ بِأَوَّلِكُمْ آخِرُكُمْ قال الرضي رحمه الله- أقول إن هذا الكلام لو وزن بعد كلام الله سبحانه- و بعد كلام رسول الله ص بكل كلام- لمال به راجحا و برز عليه سابقا- . فأما قوله ع تخففوا تلحقوا- فما سمع كلام أقل منه مسموعا و لا أكثر محصولا- و ما أبعد غورها من كلمة و أنقع نطفتها من حكمة- و قد نبهنا في كتاب الخصائص- و على عظم قدرها و شرف جوهرها غاية المكلفين هي الثواب أو العقاب- فيحتمل أن يكون أراد ذلك- و يحتمل أن يكون أراد بالغاية الموت- و إنما جعل ذلك أمامنا- لأن الإنسان كالسائر إلى الموت أو كالسائر إلى الجزاء- فهما أمامه أي بين يديه- .
ثم قال و إن وراءكم الساعة تحدوكم أي تسوقكم- و إنما جعلها وراءنا- لأنها إذا وجدت ساقت الناس إلى موقف الجزاء- كما يسوق الراعي الإبل- فلما كانت سائقة لنا- كانت كالشيء يحفز الإنسان من خلفه- و يحركه من ورائه إلى جهة ما بين يديه- . و لا يجوز أن يقال إنما سماها وراءنا- لأنها تكون بعد موتنا و خروجنا من الدنيا- و ذلك أن الثواب و العقاب هذا شأنهما- و قد جعلهما أمامنا- . و أما القطب الراوندي- فإنه قال معنى قوله فإن الغاية أمامكم- يعني أن الجنة و النار خلفكم- و معنى قوله وراءكم الساعة أي قدامكم- . و لقائل أن يقول أما الوراء بمعنى القدام فقد ورد- و لكن ما ورد أمام بمعنى خلف و لا سمعنا ذلك- . و أما قوله تخففوا تلحقوا- فأصله الرجل يسعى و هو غير مثقل بما يحمله- يكون أجدر أن يلحق الذين سبقوه- و مثله قوله نجا المخففون- .
و قوله ع فإنما ينتظر بأولكم آخركم- يريد إنما ينتظر ببعث الذين ماتوا في أول الدهر- مجيء من يخلقون و يموتون في آخره- كأمير يريد إعطاء جنده إذا تكامل عرضهم- إنما يعطي الأول منهم إذا انتهى عرض الأخير- . و هذا كلام فصيح جدا- . و الغور العمق و النطفة ما صفا من الماء- و ما أنقع هذا الماء أي ما أرواه للعطش