و من كلام له عليه السّلام
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَعْدِيكَ عَلَى قُرَيْشٍ وَ مَنْ أَعَانَهُمْ- فَإِنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوا رَحِمِي وَ أَكْفَئُوا إِنَائِي- وَ أَجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتِي حَقّاً كُنْتُ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِي- وَ قَالُوا أَلَا إِنَّ فِي الْحَقِّ أَنْ تَأْخُذَهُ- وَ فِي الْحَقِّ أَنْ تُمْنَعَهُ فَاصْبِرْ مَغْمُوماً أَوْ مُتْ مُتَأَسِّفاً- فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِي رَافِدٌ وَ لَا ذَابٌّ وَ لَا مُسَاعِدٌ- إِلَّا أَهْلَ بَيْتِي فَضَنَنْتُ بِهِمْ عَنِ الْمَنِيَّةِ- فَأَغْضَيْتُ عَلَى الْقَذَى وَ جَرِعْتُ رِيقِي عَلَى الشَّجَا- وَ صَبَرْتُ مِنْ كَظْمِ الْغَيْظِ عَلَى أَمَرَّ مِنَ الْعَلْقَمِ- وَ آلَمَ لِلْقَلْبِ مِنْ وَخْزِ الشِّفَارِ قال الرضى: و قد مضى هذا الكلام فى أثناء خطبة متقدمة إلا أنى كررته ههنا لاختلاف الروايتين.
اللغة
أقول: أستعديك: أستعينك.
و الاسم العدى و هى الإعانة، و أكفأت الإناء و كفأته: كببته.
و الرافد: المعاون.
و القذى: ما يسقط في العين فيؤذيها.
و الشجى: ما يعرض في الحلق عند الغمّ و الحزن من الأثر فيكون الإنسان كالمغتصّ بلقمة و نحوها. و العلقم: شجر مرّ.
و الشفار: جمع شفرة و هى السكّين.
و غرض الفصل التظلّم و التشكّى و الاستعانة باللّه على قريش
فيما دفعوه عنه من حقّ الإمامة الّذي هو أولى به، و كنّى عن ذلك بقطع الرحم، و كذلك كنّى بقلب إنائه عن إعراضهم و تفرّقهم عنه فإنّ ذلك من لوازم قلب الإناء كما أنّ من لوازم نصبهم له و تعديله إقبالهم و اجتماعهم عليه.
و قوله: و أجمعوا. إلى قوله: غيرى. قالت الشيعة: الإشارة بالمجتمعين إلى قريش حين وفات الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و ذلك الغير الّذي كان هو أولى منه هم الخلفاء الثلاثة قبله، و قال غيرهم: بل أشار بالمجمعين إليهم وقت الشورى و اتّفاقهم بعد الترديد الطويل على عثمان فلا يدخل الشيخان الأوّلان في هذه الشكاية، و القول الثاني ضعيف. إذ صرّح بمثل هذه الشكاية من الأئمّة الثلاثة قبله في الخطبة الشقشقيّة كما بيّناه، و بالجملة مراده من هذا الكلام و أمثاله بعد استقراء أقواله و تصفّح أحواله لا يخفى على عاقل، و يشبه أن يكون صدور هذا الكلام منه حين خروج طلحة و الزبير إلى البصرة تظلّما عليهما فيكون المفهوم من قوله: و أجمعوا على منازعتى حقّا كنت أولى به من غيرى إنكارا لإجماعهم منازعته ذلك الحقّ فإنّه إذا كان أولى به ممّن سبق من الأئمّة على جلالة قدرهم و تقدّمهم في الإسلام فكيف بهؤلاء مع كونهم أدون حالا منهم، و هو كقوله فياللّه و للشورى متى اعترض الريب فيّ مع الأوّل منهم حتّى صرت اقرن إلى هذه النظائر. و قوله: و قالوا: ألا إنّ في الحقّ. إلى قوله: متأسّفا. حكاية لقولهم بلسان حال فعلهم لا أنّهم قالوا له ذلك. قوله: فنظرت. إلى آخره. قد مضى تفسير من الآلام الحسيّة من حرّ السكين و غيره.
و من طالع الفصلين المتقدّمين علم التفاوت في الرواية لهما و لهذا الفصل.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 4 ، صفحهى 49