206 و من خطبة له ع
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ عَنْ شَبَهِ الْمَخْلُوقِينَ- الْغَالِبِ لِمَقَالِ الْوَاصِفِينَ- الظَّاهِرِ بِعَجَائِبِ تَدْبِيرِهِ لِلنَّاظِرِينَ- وَ الْبَاطِنِ بِجَلَالِ عِزَّتِهِ عَنْ فِكْرِ الْمُتَوَهِّمِينَ- الْعَالِمِ بِلَا اكْتِسَابٍ وَ لَا ازْدِيَادٍ- وَ لَا عِلْمٍ مُسْتَفَادٍ- الْمُقَدِّرِ لِجَمِيعِ الْأُمُورِ بِلَا رَوِيَّةٍ وَ لَا ضَمِيرٍ- الَّذِي لَا تَغْشَاهُ الظُّلَمُ وَ لَا يَسْتَضِيءُ بِالْأَنْوَارِ- وَ لَا يَرْهَقُهُ لَيْلٌ وَ لَا يَجْرِي عَلَيْهِ نَهَارٌ- لَيْسَ إِدْرَاكُهُ بِالْإِبْصَارِ وَ لَا عِلْمُهُ بِالْإِخْبَارِ يجوز شبه و شبه و الرواية هاهنا بالفتح- و تعاليه سبحانه عن شبه المخلوقين- كونه قديما واجب الوجود- و كل مخلوق محدث ممكن الوجود- .
قوله الغالب لمقال الواصفين- أي إن كنه جلاله و عظمته لا يستطيع الواصفون وصفه- و إن أطنبوا و أسهبوا- فهو كالغالب لأقوالهم لعجزها عن إيضاحه و بلوغ منتهاه- و الظاهر بأفعاله و الباطن بذاته- لأنه إنما يعلم منه أفعاله و أما ذاته فغير معلومة- . ثم وصف علمه تعالى فقال- إنه غير مكتسب كما يكتسب الواحد منا علومه- بالاستدلال و النظر- و لا هو علم يزداد إلى علومه الأولى- كما تزيد علوم الواحد منا و معارفه- و تكثر لكثرة الطرق التي يتطرق بها إليها- .
ثم قال و لا علم مستفاد- أي ليس يعلم الأشياء بعلم محدث مجدد- كما يذهب إليه جهم و أتباعه- و هشام بن الحكم و من قال بقوله- . ثم ذكر أنه تعالى قدر الأمور كلها بغير روية- أي بغير فكر و لا ضمير- و هو ما يطويه الإنسان من الرأي و الاعتقاد- و العزم في قلبه- . ثم وصفه تعالى بأنه لا يغشاه ظلام- لأنه ليس بجسم و لا يستضيء بالأنوار- كالأجسام ذوات البصر- و لا يرهقه ليل أي لا يغشاه- و لا يجري عليه نهار لأنه ليس بزماني- و لا قابل للحركة- ليس إدراكه بالأبصار لأن ذلك يستدعي المقابلة- و لا علمه بالإخبار مصدر أخبر أي ليس علمه مقصورا- على أن تخبره الملائكة بأحوال المكلفين- بل هو يعلم كل شيء- لأن ذاته ذات واجب- لها أن تعلم كل شيء لمجرد ذاتها المخصوصة- من غير زيادة أمر على ذاتها: مِنْهَا فِي ذِكْرِ النَّبِيِّ ص- أَرْسَلَهُ بِالضِّيَاءِ وَ قَدَّمَهُ فِي الِاصْطِفَاءِ- فَرَتَقَ بِهِ الْمَفَاتِقَ وَ سَاوَرَ بِهِ الْمُغَالِبَ- وَ ذَلَّلَ بِهِ الصُّعُوبَةَ وَ سَهَّلَ بِهِ الْحُزُونَةَ- حَتَّى سَرَّحَ الضَّلَالَ عَنْ يَمِينٍ وَ شِمَالٍ أرسله بالضياء أي بالحق- و سمى الحق ضياء لأنه يهتدى به- أو أرسله بالضياء أي بالقرآن- .
و قدمه في الاصطفاء- أي قدمه في الاصطفاء على غيره من العرب و العجم- قالت قريش لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ- أي على رجل من رجلين من القريتين عَظِيمٌ- أي إما على الوليد بن المغيرة من مكة- أو على عروة بن مسعود الثقفي من الطائف. ثم قال تعالى أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ- أي هو سبحانه العالم بالمصلحة في إرسال الرسل- و تقديم من يرى في الاصطفاء على غيره- . فرتق به المفاتق أي أصلح به المفاسد- و الرتق ضد الفتق- و المفاتق جمع مفتق و هو مصدر كالمضرب و المقتل- .
و ساور به المغالب ساورت زيدا أي واثبته- و رجل سوار أي وثاب و سورة الخمر وثوبها في الرأس- . و الحزونة ضد السهولة- و الحزن ما غلظ من الأرض- و السهل ما لان منها- و استعير لغير الأرض كالأخلاق و نحوها- . قوله حتى سرح الضلال- أي طرده و أسرع به ذهابا- . عن يمين و شمال- من قولهم ناقة سرح و منسرحة أي سريعة- و منه تسريح المرأة أي تطليقها
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 11