و من خطبة له عليه السّلام
اللَّهُمَّ أَيُّمَا عَبْدٍ مِنْ عِبَادِكَ- سَمِعَ مَقَالَتَنَا الْعَادِلَةَ غَيْرَ الْجَائِرَةِ- وَ الْمُصْلِحَةَ غَيْرَ الْمُفْسِدَةِ فِي الدِّينِ وَ الدُّنْيَا- فَأَبَى بَعْدَ سَمْعِهِ لَهَا إِلَّا النُّكُوصَ عَنْ نُصْرَتِكَ- وَ الْإِبْطَاءَ عَنْ إِعْزَازِ دِينِكَ- فَإِنَّا نَسْتَشْهِدُكَ عَلَيْهِ يَا أَكْبَرَ الشَّاهِدِينَ شَهَادَةً- وَ نَسْتَشْهِدُ عَلَيْهِ جَمِيعَ مَا أَسْكَنْتَهُ أَرْضَكَ وَ سمَاوَاتِكَ- ثُمَّ أَنْتَ بَعْدَهُ الْمُغْنِي عَنْ نَصْرِهِ- وَ الْآخِذُ لَهُ بِذَنْبِهِ
اللغة
أقول: النكوص: الرجوع على الأعقاب.
و هذا الفصل من خطبة كان يستنهض بها أصحابه إلى جهاد أهل الشام
قال بعد تقاعد أكثرهم عن نصرته. استشهد فيه اللّه تعالى و ملائكته و عباده على من سمع مقالته العادلة المستقيمة الّتي هى طريق اللّه القايدة للناس إلى الرشاد في دينهم ودنياهم المصلحة غير المفسدة لهم و هى دعوته إيّاهم إلى جهاد أعداء الدين و البغاة عليه. ثمّ أعرض عنها و قعد عن نصرته و تباطىء عن إعزاز دينه و أبى إلّا التأخّر عن طاعته، و في ذلك الاستشهاد ترغيب إلى الجهاد و تنفير عن التأخّر عنه. إذ كان كأنّه إعلام للّه بحال المتخاذلين عن نصرة دينه و قعودهم عمّا أمرهم به من الذبّ عنه فتتحرّك أوهامهم لذلك بالفزع إلى طاعته، و كذلك في وصفه لمقالته بالعدل و الإصلاح ترغيب في سماعها و جذب إليها. و في قوله: ثمّ أنت بعد: أى بعد تلك الشهادة عليه المغنى لنا عن نصرته تنبيه على عظمة ملك اللّه، و تحقير للنفوس المتخاذلة عن نصرة الدين، و في ذلك الأخذ بالذنب تذكير بوعيد اللّه و أنّ في ذلك التخاذل ذنب عظيم يؤخذ به العبد. و باللّه التوفيق.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحرانی)، ج 4 ، صفحهى 28