20 و من خطبة له ع
فَإِنَّكُمْ لَوْ قَدْ عَايَنْتُمْ مَا قَدْ عَايَنَ مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ- لَجَزِعْتُمْ وَ وَهِلْتُمْ وَ سَمِعْتُمْ وَ أَطَعْتُمْ- وَ لَكِنْ مَحْجُوبٌ عَنْكُمْ مَا قَدْ عَايَنُوا- وَ قَرِيبٌ مَا يُطْرَحُ الْحِجَابُ- وَ لَقَدْ بُصِّرْتُمْ إِنْ أَبْصَرْتُمْ وَ أُسْمِعْتُمْ إِنْ سَمِعْتُمْ- وَ هُدِيتُمْ إِنِ اهْتَدَيْتُمْ- وَ بِحَقٍّ أَقُولُ لَكُمْ لَقَدْ جَاهَرَتْكُمْ الْعِبَرُ- وَ زُجِرْتُمْ بِمَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ- وَ مَا يُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ بَعْدَ رُسُلِ السَّمَاءِ إِلَّا الْبَشَرُ الوهل الخوف وهل الرجل يوهل- . و ما في قوله ما يطرح مصدرية- تقديره و قريب طرح الحجاب يعني رفعه بالموت- . و هذا الكلام يدل على صحة القول بعذاب القبر- و أصحابنا كلهم يذهبون إليه- و إن شنع عليهم أعداؤهم من الأشعرية و غيرهم بجحده- . و ذكر قاضي القضاة رحمه الله تعالى- أنه لم يعرف معتزليا نفى عذاب القبر- لا من
متقدميهم و لا من متأخريهم- قال و إنما نفاه ضرار بن عمرو لمخالطته لأصحابنا- و أخذه عن شيوخنا ما نسب قوله إليهم- . و يمكن أن يقول قائل- هذا الكلام لا يدل على صحة القول بعذاب القبر- لجواز أن يعني بمعاينة من قد مات- ما يشاهده المحتضر من الحالة الدالة على السعادة أو الشقاوة- فقد جاء في الخبر لا يموت امرؤ حتى يعلم مصيره- هل هو إلى الجنة أم إلى النار – و يمكن أن يعني به ما يعاينه المحتضر- من ملك الموت و هول قدومه- و يمكن أن يعني به ما كان ع يقوله عن نفسه- إنه لا يموت ميت حتى يشاهده ع حاضرا عنده- و الشيعة تذهب إلى هذا القول و تعتقده- و تروي عنه ع شعرا قاله للحارث الأعور الهمداني
يا حار همدان من يمت يرني
من مؤمن أو منافق قبلا
يعرفني طرفه و أعرفه
بعينه و اسمه و ما فعلا
أقول للنار و هي توقد للعرض
ذريه لا تقربي الرجلا
ذريه لا تقربيه إن له
حبلا بحبل الوصي متصلا
و أنت يا حار إن تمت ترني
فلا تخف عثرة و لا زللا
أسقيك من بارد على ظمإ
تخاله في الحلاوة العسلا
و ليس هذا بمنكر إن صح أنه ع قاله عن نفسه- ففي الكتاب العزيز- ما يدل على أن أهل الكتاب لا يموت منهم ميت- حتى يصدق بعيسى ابن مريم ع- و ذلك قوله وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ- وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً- قال كثير من المفسرين- معنى ذلك أن كل ميت من اليهود و غيرهم- من أهل الكتب السالفة- إذا احتضر رأى المسيح عيسى عنده- فيصدق به من لم يكن في أوقات التكليف مصدقا به- . و شبيه بقوله ع لو عاينتم ما عاين من مات قبلكم- قول أبي حازم لسليمان بن عبد الملك في كلام يعظه به- أن آباءك ابتزوا هذا الأمر من غير مشورة ثم ماتوا- فلو علمت ما قالوا و ما قيل لهم- فقيل إنه بكى حتى سقط