199 و من كلام له ع- و قد سمع قوما من أصحابه يسبون أهل الشام أيام حربهم بصفين
إِنِّي أَكْرَهُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ- وَ لَكِنَّكُمْ لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمَالَهُمْ وَ ذَكَرْتُمْ حَالَهُمْ- كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ وَ أَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ- وَ قُلْتُمْ مَكَانَ سَبِّكُمْ إِيَّاهُمْ- اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا وَ دِمَاءَهُمْ- وَ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَ بَيْنِهِمْ وَ اهْدِهِمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ- حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مَنْ جَهِلَهُ- وَ يَرْعَوِيَ عَنِ الْغَيِّ وَ الْعُدْوَانِ مَنْ لَهِجَ بِهِ السب الشتم سبه يسبه بالضم و التساب التشاتم- و رجل مسب بكسر الميم كثير السباب- و رجل سبه أي يسبه الناس- و رجل سببه أي يسب الناس- و رجل سب كثير السباب و سبك الذي يسابك قال-لا تسبنني فلست بسبي إن سبي من الرجال الكريمو الذي كرهه ع منهم أنهم كانوا يشتمون أهل الشام- و لم يكن يكره منهم لعنهم إياهم و البذاءة منهم- لا كما يتوهمه قوم من الحشوية- فيقولون لا يجوزلعن أحد ممن عليه اسم الإسلام- و ينكرون على من يلعن و منهم من يغالي في ذلك- فيقول لا ألعن الكافر و ألعن إبليس- و إن الله تعالى لا يقول لأحد يوم القيامة- لم لم تلعن و إنما يقول لم لعنت- .
و اعلم أن هذا خلاف نص الكتاب- لأنه تعالى قال- إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَ أَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً- . و قال أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ- . و قال في إبليس وَ إِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ- . و قال مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا- . و في الكتاب العزيز من ذلك الكثير الواسع- . و كيف يجوز للمسلم أن ينكر التبرؤ- ممن يجب التبرؤ منه- أ لم يسمع هؤلاء قول الله تعالى- قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَ الَّذِينَ مَعَهُ- إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ- وَ مِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ- كَفَرْنا بِكُمْ وَ بَدا بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَ الْبَغْضاءُ أَبَداً- و إنما يجب النظر فيمن قد اشتبهت حاله- فإن كان قد قارف كبيرة من الذنوب- يستحق بها اللعن و البراءة- فلا ضير على من يلعنه و يبرأ منه- و إن لم يكن قد قارف كبيرة لم يجز لعنه و لا البراءة منه- . و مما يدل على أن من عليه اسم الإسلام- إذا ارتكب الكبيرة يجوز لعنه- بل يجب في وقت قول الله تعالى في قصة اللعان- فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُلَمِنَ الصَّادِقِينَ- وَ الْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ- .
و قال تعالى في القاذف- إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ- لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ- . فهاتان الآيتان في المكلفين من أهل القبلة- و الآيات قبلهما في الكافرين و المنافقين- و لهذا قنت أمير المؤمنين ع- على معاوية و جماعة من أصحابه- و لعنهم في أدبار الصلوات- .
فإن قلت- فما صوره السب الذي نهى أمير المؤمنين ع عنه- . قلت كانوا يشتمونهم بالآباء و الأمهات- و منهم من يطعن في نسب قوم منهم- و منهم من يذكرهم باللؤم- و منهم من يعيرهم بالجبن و البخل- و بأنواع الأهاجي التي يتهاجى بها الشعراء- و أساليبها معلومة- فنهاهم ع عن ذلك- و قال إني أكره لكن أن تكونوا سبابين- و لكن الأصوب أن تصفوا لهم أعمالهم و تذكروا حالهم- أي أن تقولوا إنهم فساق و إنهم أهل ضلال و باطل- .
ثم قال اجعلوا عوض سبهم أن تقولوا- اللهم احقن دماءنا و دماءهم- . حقنت الدم أحقنه بالضم منعت أن يسفك- أي ألهمهم الإنابة إلى الحق و العدول عن الباطل- فإن ذلك إذا تم حقنت دماء الفريقين- . فإن قلت كيف يجوز أن يدعو الله تعالى بما لا يفعله- أ ليس من أصولكم- أن الله تعالى لا يضطر المكلف إلى اعتقاد الحق- و إنما يكله إلى نظره- .
قلت الأمر و إن كان كذلك- إلا أن المكلفين قد تعبدوا بأن يدعوا الله تعالىبذلك- لأن في دعائهم إياه بذلك لطفا لهم و مصالح في أديانهم- كالدعاء بزيادة الرزق و تأخير الأجل- . قوله و أصلح ذات بيننا و بينهم- يعني أحوالنا و أحوالهم- و لما كانت الأحوال ملابسة للبين قيل لها ذات البين- كما أنه لما كانت الضمائر ملابسة للصدور- قيل ذات الصدور- و كذلك قولهم اسقني ذا إنائك- لما كان ما فيه من الشراب ملابسا له- و يقولون للمتبرز قد وضع ذا بطنه- و للحبلى تضع ألقت ذا بطنها- . و ارعوى عن الغي رجع و كف- . لهج به بالكسر يلهج أغرى به و ثابر عليه
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 11