الجزء الحادي عشر
تتمة باب الخطب و الأوامر
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد العدل
196 و من كلام له ع
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا الدُّنْيَا دَارُ مَجَازٍ وَ الآْخِرَةُ دَارُ قَرَارٍ- فَخُذُوا مِنْ مَمَرِّكُمْ لِمَقَرِّكُمْ- وَ لَا تَهْتِكُوا أَسْتَارَكُمْ عِنْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَسْرَارَكُمْ- وَ أَخْرِجُوا مِنَ الدُّنْيَا قُلُوبَكُمْ- مِنْ قَبْلِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا أَبْدَانُكُمْ- فَفِيهَا اخْتُبِرْتُمْ وَ لِغَيْرِهَا خُلِقْتُمْ- إِنَّ الْمَرْءَ إِذَا هَلَكَ قَالَ النَّاسُ مَا تَرَكَ- وَ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ مَا قَدَّمَ- لِلَّهِ آبَاؤُكُمْ فَقَدِّمُوا بَعْضاً يَكُنْ لَكُمْ- وَ لَا تُخْلِفُوا كُلًّا فَيَكُونَ فَرْضاً عَلَيْكُمْ ذكر أبو العباس محمد بن يزيد المبرد في الكامل- عن الأصمعي قال- خطبنا أعرابي بالبادية فحمد الله و استغفره- و وحده و صلى على نبيه ص فأبلغ في إيجاز- ثم قال أيها الناس إن الدنيا دار بلاغ- و الآخرة دار قرار فخذوا لمقركم من ممركم- و لا تهتكوا أستاركم عند من لا تخفى عليه أسراركم- في الدنيا أنتمو لغيرها خلقتم- أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم- و المصلى عليه رسول الله و المدعو له الخليفة و الأمير جعفر بن سليمان- .
و ذكر غيره الزيادة التي في كلام أمير المؤمنين ع- و هي أن المرء إذا هلك إلى آخر الكلام- . و أكثر الناس على أن هذا الكلام لأمير المؤمنين ع- . و يجوز أن يكون الأعرابي حفظه- فأورده كما يورد الناس كلام غيرهم- . قوله ع دار مجاز- أي يجاز فيها إلى الآخرة- و منه سمي المجاز في الكلام مجازا- لأن المتكلم قد عبر الحقيقة إلى غيرها- كما يعبر الإنسان من موضع إلى موضع- . و دار القرار دار الاستقرار الذي لا آخر له- .
فخذوا من ممركم أي من الدنيا لمقركم و هو الآخرة- . قوله ع قال الناس ما ترك- يريد أن بني آدم مشغولون بالعاجلة- لا يفكرون في غيرها و لا يتساءلون إلا عنها- فإذا هلك أحدكم فإنما قولهم بعضهم لبعض- ما الذي ترك فلان من المال ما الذي خلف من الولد- و أما الملائكة فإنهم يعرفون الآخرة- و لا تستهويهم شهوات الدنيا- و إنما هم مشغولون بالذكر و التسبيح- فإذا هلك الإنسان قالوا ما قدم- أي أي شيء قدم من الأعمال- . ثم أمرهم ع- بأن يقدموا من أموالهم بعضها صدقة فإنها تبقى لهم- و نهاهم أن يخلفوا أموالهم كلها بعد موتهم- فتكون وبالا عليهم في الآخرة
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 11