و من خطبة له عليه السّلام كان يوصى به أصحابه
تَعَاهَدُوا أَمْرَ الصَّلَاةِ وَ حَافِظُوا عَلَيْهَا- وَ اسْتَكْثِرُوا مِنْهَا وَ تَقَرَّبُوا بِهَا- فَإِنَّهَا كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً- أَ لَا تَسْمَعُونَ إِلَى جَوَابِ أَهْلِ النَّارِ حِينَ سُئِلُوا- ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ- قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ- وَ إِنَّهَا لَتَحُتُّ الذُّنُوبَ حَتَّ الْوَرَقِ- وَ تُطْلِقُهَا إِطْلَاقَ الرِّبَقِ- وَ شَبَّهَهَا رَسُولُ اللَّهِ ص بِالْحَمَّةِ تَكُونُ عَلَى بَابِ الرَّجُلِ- فَهُوَ يَغْتَسِلُ مِنْهَا فِي الْيَوْمِ وَ اللَّيْلَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ- فَمَا عَسَى أَنْ يَبْقَى عَلَيْهِ مِنَ الدَّرَنِ- وَ قَدْ عَرَفَ حَقَّهَا رِجَالٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ- الَّذِينَ لَا تَشْغَلُهُمْ عَنْهَا زِينَةُ مَتَاعٍ وَ لَا قُرَّةُ عَيْنٍ- مِنْ وَلَدٍ وَ لَا مَالٍ- يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ- رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ- وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إِيتاءِ الزَّكاةِ- وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص نَصِباً بِالصَّلَاةِ- بَعْدَ التَّبْشِيرِ لَهُ بِالْجَنَّةِ- لِقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها- فَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ وَ يُصْبِرُ نَفْسَهُ ثُمَّ إِنَّ الزَّكَاةَ جُعِلَتْ مَعَ الصَّلَاةِ قُرْبَاناً لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ- فَمَنْ أَعْطَاهَا طَيِّبَ النَّفْسِ بِهَا- فَإِنَّهَا تُجْعَلُ لَهُ كَفَّارَةً وَ مِنَ النَّارِ حِجَازاً وَ وِقَايَةً- فَلَا يُتْبِعَنَّهَا أَحَدٌ نَفْسَهُ وَ لَا يُكْثِرَنَّ عَلَيْهَا لَهَفَهُ- فَإِنَّ مَنْ أَعْطَاهَا غَيْرَ طَيِّبِ النَّفْسِ بِهَا- يَرْجُو بِهَا مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا فَهُوَ جَاهِلٌ بِالسُّنَّةِ- مَغْبُونُ الْأَجْرِ ضَالُّ الْعَمَلِ- طَوِيلُ النَّدَمِ ثُمَّ أَدَاءَ الْأَمَانَةِ- فَقَدْ خَابَ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا- إِنَّهَا عُرِضَتْ عَلَى السَّمَاوَاتِ الْمَبْنِيَّةِ- وَ الْأَرَضِينَ الْمَدْحُوَّةِ وَ الْجِبَالِ ذَاتِ الطُّولِ الْمَنْصُوبَةِ- فَلَا أَطْوَلَ وَ لَا أَعْرَضَ وَ لَا أَعْلَى وَ لَا أَعْظَمَ مِنْهَا- وَ لَوِ امْتَنَعَ شَيْءٌ بِطُولٍ أَوْ عَرْضٍ- أَوْ قُوَّةٍ أَوْ عِزٍّ لَامْتَنَعْنَ- وَ لَكِنْ أَشْفَقْنَ مِنَ الْعُقُوبَةِ- وَ عَقَلْنَ مَا جَهِلَ مَنْ هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُنَّ وَ هُوَ الْإِنْسَانُ- إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ- مَا الْعِبَادُ مُقْتَرِفُونَ فِي لَيْلِهِمْ وَ نَهَارِهِمْ- لَطُفَ بِهِ خُبْراً وَ أَحَاطَ بِهِ عِلْماً أَعْضَاؤُكُمْ شُهُودُهُ- وَ جَوَارِحُكُمْ جُنُودُهُ وَ ضَمَائِرُكُمْ عُيُونُهُ وَ خَلَوَاتُكُمْ عِيَانُهُ
اللغة
أقول: الربق: جمع الربقة و هي الحلقة في الحبل.
و الجمّة بالجيم: الحفيرة يجمع فيها الماء، و روى بالحاء و المعنى واحد.
و الدرن: الوسخ.
و النصب: التاعب.
و الاقتراف: الاكتساب.
المعنى
و حاصل الفصل الوصيّة بالمحافظة على امور ثلاثة و الحثّ عليها:
أوّلها: الصلاة فأمر بتعاهد أمرها و المحافظة عليها
و ذلك بافتقار الإنسان لأحوال نفسه حال الصلاة و مراقبتها حذرا أن تشوبها نزغات الشيطان برياء فيها أو التفاوت عنها. ثمّ بالمحافظة على أوقاتها و أداء أركانها كما هى. ثمّ بالاستكثار منها و التقرّب بها إلى اللّه لكونها أفضل العبادات و القرب إليه. ثمّ أشار إلى فضيلتها و وجه وجوبها: أحدها: قوله: فإنّها كانت على المؤمنين كتابا موقوتا و هو لفظ القرآن الكريم. و موقوتا: مفروضاً، و قيل منجّما في كلّ وقت صلاة معيّنة. الثاني: التحذير لتاركها بالتنبيه على استلزام تركها لدخول النار بقوله: لا تسمعون. إلى قوله: من المصلّين. الثالث: أنّها تحتّ الذنوب حتّ الورق، و هو تشبيه للمعقول بالمحسوس و وجه الشبه ظاهر، و كذلك و تطلقها إطلاق الربق: أى و تطلق أعناق النفوس من أغلالها كما تطلق الربقة من عنق الشاة. الرابع: تشبيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم لها بالجمّة تكون على باب الرجل. و صورة الخبر عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: أيسّر أحدكم أن يكون على بابه جمّة يغتسل منها كلّ يوم خمس مرّات فلا يبقى عليه من درنه شيء فقالوا: نعم. قال: فإنّها الصلوات الخمس. الخامس: تنبيهه بذكر عرفان رجال من المؤمنين و هم الموصوفون في الآية بقدرها. السادس: نصب الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم فيها و أمر اللّه تعالى بالمواظبة عليها بعد تبشّره له بالجنّة و ذلك في قوله «وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها» و امتثاله لذلك الأمر في نفسه و أمره أهله، و روى أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قام في الصلاة حتّى تورمت قدماه.
فقيل له في ذلك. فقال: أفلا أكون عبدا شكورا، و ذلك من أوضح الدلائل على كثرة فوائدها و قوّة فضيلتها، و اعلم أنّه قد ورد في فضلها أخبار كثيرة بعد تأكيد القرآن للأمر بها، و قد بيّنّا ذلك و أشرنا إلى فضيلتها إشارة مستوفاة في الفصل
الّذى أوّله: إنّ أفضل ما يتوسّل به المتوسّلون إلى اللّه سبحانه الإيمان به و برسوله.
الثانية ممّا أمر بالمحافظة عليه: الزكاة
و هى قرينة الصلاة في الذكر في الكتاب العزيز و في الفضيلة فلذلك قال: جعلت مع الصلاة. ثمّ أشار إلى سرّها و هو كونها قربانا لأهل الإسلام، و سنبيّن ذلك، و أشار بقوله: فمن أعطاها إلى قوله: طويل الندم إلى شرط كونها مقرّبة إلى اللّه تعالى و بيان كون قبولها مشروطا بطيب النفس ببيان سرّها، و قد عرفته أيضا في ذلك الفصل و علمت أنّ من أقسام المستنزلين عن المال من اقتصر منه على أداء الواجب من الزكاة من غير زيادة و لا نقصان و هم العوامّ لجهلهم بسرّ البذل و بخلهم بالمال و ميلهم إليه من ضعف حبّهم للآخرة قال تعالى «إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا» و طهارة الفرق الّذين ذكرناهم ممّن استنزل عن المال و محابّهم و قربهم من اللّه و بعدهم بقدر طيب أنفسهم عن بذل المال و الإعراض عنه و محبّته، و هذه الفرقة أعنى من اقتصر منهم على أداء الواجب فقط تنقسم إلى مؤدّ لذلك الحقّ بطيب نفس و مسامحة، و إلى مؤدّ له مع بقاء محبّته و تكدير النفس ببذله و تلهّف عليه أو انتظار جزاء له، و باعتبار القسمين الأوّلين مع القسم الأوّل من هذه الفرقة يكون بذل المال و الزكاة قربة إلى اللّه تعالى و هو الّذي أشار إليه أمير المؤمنين بقوله: إنّ الزكاة. إلى قوله: و وقاية.
و إن كان قد خصّص الزكاة هنا، و إنّما يكون قربة لاستلزامه رفض هذا المحبوب الّذي يتصوّر باذنه أنّ جميع الكمالات الدنيويّة يستفاد منه رغبة عنه و محبّة للّه و رغبة فيما عنده، و تكون كفّارة ماحية لرذيلة البخل و ما يستلزمه من الذنوب، و يكون حجابا بين العبد و بين عذاب اللّه. إذ قد علمت أنّ مبدء العذاب في الآخرة حبّ الدنيا و أعظمه حبّ المال فإذا كان بذل المال مستلزما لزوال حبّه كان بذلك الاعتبار حجابا من العذاب و وقاية منه، و أمّا إيتاء الزكاة على الوجه الثاني فهو المذموم و المنهىّ عنه بقوله: و لا يكثرنّ عليها لهفه.
بعد أمره بها في قوله: فلا يتبعنّها أحد نفسه و يلزم باذلها على ذلك الوجه النقائص المذكورة: و هي الجهل بالسنّة فإنّ السنّة في أدائها أن يؤدّى بطيب نفسه و مسامحة، و أن يكون مغبونا في الأجر فإنّ إيتانها على وجه توقّع جزاء لها لا على وجه القربة إلى اللّه غير مستلزمة لرضوانه و ذلك هو الغبن و إن حصل له جزاء غير رضوان اللّه فإنّ الحصول على كلّ جزاء غير رضوانه جزاء ناقص و غبن فاحش بالنسبة إليه، و أن يكون ضالّ العمل و هو إعطاؤه ذلك المال و بذله على غير وجهه و قصده به غير سبيل الهدى إلى رضوان اللّه، و أن يكون طويل الندم: أي في محبّة المال و فيما يرجوه به من الجزاء.
الثالثة ممّا أوصى به: أداء الأمانة
و هي الّتي أشار القرآن الكريم إليها بقوله «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ»«» الآية، و قد بيّنّا فيما سلف أنّها تعود إلى العبادة و الطاعة المطلوبة من الإنسان بما هو إنسان، و ظاهر أنّ تلك العبادة لا يمكن من غيره فإنّه إنّما حملها من حيث خلق مستصلحا للدارين، و بيان ذلك أنّ مخلوقات اللّه تعالى إمّا جمادات أو ذات حياة، و ذوات الحيات إمّا الملائكة و الحيوان الأرضى، و الحيوان الأرضى إمّا أعجم أو ناطق.
فالحيوان منها و هو الإنسان هو المتأهّل لعمارة الدارين و الكون فيها، و هو الواسطة بين خلقين وضيع و هو الحيوان الأعجم و شريف و هو الملك، و قد استجمع قوّتى العاملين فهو كالحيوان في الشهوة و الغضب و قوّة التناسل و ساير القوى البدنيّة المختصّة بالحيوان، و كالملك في القوّة المجرّدة و العقل و العلم و العبادة و سائر الكمالات النفسانيّة، و وجه الحكمة في ذلك أنّه تعالى لمّا اقتضت عنايته إيجاده لهذه العبادة المخصوصة أن يجعل في الأرض خليفة لعمارتها جمع له بين القوّتين فإنّه لو كان كالبهيمة خاليا عن العقل لم يتأهّل لمعرفته و عبادته الخاصّة، و لو خلق كالملك معرّى عن الشهوة و الغضب و سائر القوى البدنيّة لم يصلح لعمارة أرضه و خلافته فيها و لذلك قال للملائكة «إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ» فإذن هذه العبادة الخاصّة و هي الأمانة المشار إليها لا يصلح لها إلّا الإنسان و لا يمكن من غيره، و قد علمت أيضا فيما سلف أنّ إباء السماوات و الأرض و الجبال عن حملها يعود إلى امتناع قبولها بلسان حال قصورها و عدم صلاحيّتها لها، و إشفاقها من عقوبة اللّه على التقصير عن أداء حقوقها كما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السّلام بقوله: أشفقن من العقوبة. و لم يكن ذلك إباء استكبار لخضوعها تحت ذلّ الحاجة إليه، و لفظ الإشفاق مجاز في ثمرته و لازمه و ذلك أنّ السلطان مثلا إذا كلّف بعض رعيّته حمل أمانة تكليف تخيير فخاف ذلك المكلّف العقوبة على تقصيره في أداء تلك الأمانة فإنّ خوفه يستلزم تركه و امتناعه من حمله فكان الامتناع من الأمانة مسبّبا عن الإشفاق فأطلق الإشفاق هنا على إباء السماوات و الأرض بلسان حالها مجازا إطلاقا لاسم السبب على المسبّب و قيل: إنّ ذلك الإباء و الإشفاق على وجه التقدير و إنّما جيء بلفظ الواقع لأنّ الواقع أبلغ من المقدّر: أى لو كانت هذه الأجرام عاقلة ثمّ عرضت عليها وظائف الدين عرض تخيير لاستثقلت ذلك مع كبر أجسامها و شدّتها و لامتنعت من حملها إشفاقا من القصور عن أداء حقّها. ثمّ إنّ مخاطبة الجماد و الإخبار عنها نظرا إلى قرينة الحال طريقة مشهورة للعرب و مستحسنهم في تعارفهم كقولهم: يا دار ما صنعت بك الأيّام، و نحوه. بل مخاطبة بعض الجمادات لبعض بلسان أحوالها كقولهم: قال الحائط للوتد: لم تشقّنى قال: سل من يدقّنى، و نحو ذلك كثير. فأمّا قوله عليه السّلام: و قد خاب من ليس من أهلها. فتلك الخيبة تعود إلى حرمان ثمرة هذه العبادة و ما يستلزمه من الحصول على الكمالات. إذ ليست من أهلها، و ذكر كون السماوات مبنيّة و الأرض مدحوّة و الجبال بأطوالها و عروضها و علوّها و عظمتها تنبيه للإنسان على جرأته على المعاصى و تضييع هذه الأمانة إذ اهلّ لها و حملها، و تعجّب منه في ذلك. فكأنّه يقول: إذا كانت هذه الأجرام العلويّة الّتي لا أعظم منها قد امتنعت من حمل هذه الأمانة حين عرضت عليها فكيف حملها من هو أضعف منها.
و قوله: و لو امتنع شيء. إلى قوله: لامتنعن. إشارة إلى أنّ امتناعهنّ لم يكن لعزّة و عظمة أجساد و لا استكبار عن الطاعة له، و أنّه لو كان كذلك لكانت أولى بالمخالفة عن كلّ شيء لأعظميّة أجرامها عن كلّ المخلوقات بل إنّما ذلك عن ضعف و إشفاق من خشية اللّه، و عقلن ما جهل الإنسان. قيل: إنّ اللّه تعالى عند خطابها خلق فيها فهما و عقلا، و قيل: إنّ إطلاق العقل مجاز في مسبّبه و هو الامتناع عن قبول هذه الأمانة كلفظ الإشفاق فإنّ عقليّة المكلّف العقوبة على التقصير في تكليف يخيّر فيه و يخاف التقصير يستلزم تركه لذلك التكليف و استقالته منه، و إذ لم يكن لها عقل من جهة ما هي أجرام اطلق لفظ العقل على لازمه و ثمرته و هو الامتناع و الإباء مجازا إطلاقا لاسم السبب على المسبّب كإطلاق لفظ الإرادة على ميل الحائط في قوله تعالى «جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ»«» و أقول: يحتمل أن يعود الضمير في أشفقن و عقلن إلى من يعقل من الملائكة السماويّة. إذ لكلّ جرم سماويّ ملك يدبّره هو كالبدن له لإمكان ذلك فيها دون سائر الأجرام الأرضيّة، و ما جهله الإنسان هو عظمة اللّه و غاية هذه الأمانة، و تقصيره في أداء واجباتها المستلزم لعقوبته و استحقاق سخط اللّه، و كونه ظلوما: أي كثير الظلم لنفسه لعدم محافظته على هذه الأمانة، و كونه جهولا: أي كثير الجهل بأسرار هذه الأمانة و الغفلة عمّا يستلزمه فعلها و تركها و عن الوعيدات الواردة على التقصير فيها. و قوله: إنّ اللّه لا يخفى عليه. إلى آخره. تنبيه لهذا الظلوم الجهول على إحاطة علم اللّه تعالى بجميع أحواله و اكتساباته في ليله و نهاره و أنّه لطيف الخبر و المعرفة بها ينفذ علمه في البواطن كما يقع على الظواهر. و قوله: أعضاؤكم شهوده. أى شهود له عليكم من قوله تعالى «يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ»«»، و جوارحكم جنوده و ذلك باعتبار كونها معينة عليهم، و ضمائركم عيونه: أى طلائعه و جواسيسه كقوله تعالى «وَ شَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ»«» و تلك الشهادة و الإعانة بلسان الحال و قد عرفت كيفيّة إنطاق الجوارح و شهادة النفوس على أنفسها، و كنّى بالخلوات عمّا يفعل فيها من معاصى اللّه مجازا، و إنّما خصّصها لأنّها مظنّة المعصية، و يحتمل أن يريد بالخلوة مصدر قولك: خلوت خلوا. لا المكان. فيكون حقيقة و ظاهرا كونها عيانا للّه: أى معاينة له، و كلّ ذلك تحذير و تنفير عن تحريك الجوارح و الخلوة بها فيما لا ينبغي من المعاصي. و باللّه التوفيق و العصمة.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 3 ، صفحهى 463