19 و من كلام له ع- قاله للأشعث بن قيس
و هو على منبر الكوفة يخطب- فمضى في بعض كلامه شيء اعترضه الأشعث فيه- فقال يا أمير المؤمنين هذه عليك لا لك- فخفض إليه بصره ع ثم قال- : وَ مَا يُدْرِيكَ مَا عَلَيَّ مِمَّا لِي- عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ لَعْنَةُ اللَّاعِنِينَ- حَائِكٌ ابْنُ حَائِكٍ مُنَافِقٌ ابْنُ كَافِرٍ- وَ اللَّهِ لَقَدْ أَسَرَكَ الْكُفْرُ مَرَّةً وَ الْإِسْلَامُ أُخْرَى- فَمَا فَدَاكَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَالُكَ وَ لَا حَسَبُكَ- وَ إِنَّ امْرَأً دَلَّ عَلَى قَوْمِهِ السَّيْفَ- وَ سَاقَ إِلَيْهِمُ الْحَتْفَ- لَحَرِيٌّ أَنْ يَمْقُتَهُ الْأَقْرَبُ وَ لَا يَأْمَنَهُ الْأَبْعَدُ قال الرضي رحمه الله- يريد ع أنه أسر في الكفر مرة و في الإسلام مرة- . و أما قوله ع دل على قومه السيف- فأراد به حديثا- كان للأشعث مع خالد بن الوليد باليمامة- غر فيه قومه و مكر بهم- حتى أوقع بهم خالد- و كان قومه بعد ذلك يسمونه عرف النار- و هو اسم للغادر عندهم خفض إليه بصره طأطأه- و قوله فما فداك لا يريد به الفداء الحقيقي- فإن الأشعث فدي في الجاهلية بفداء يضرب به المثل- فقال أغلى فداء من الأشعث و سنذكره- و إنما يريد ما دفع عنك الأسر مالك و لا حسبك- و يمقته يبغضه و المقت البغض
الأشعث بن قيس و نسبه و بعض أخباره
اسم الأشعث معديكرب و أبوه قيس الأشج- سمي الأشج لأنه شج في بعض حروبهم- ابن معديكرب بن معاوية بن معديكرب- بن معاوية بن جبلة بن عبد العزى بن ربيعة- بن معاوية الأكرمين بن الحارث بن معاوية- بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع- بن معاوية بن كندة بن عفير بن عدي- بن الحارث بن مرة بن أدد- . و أم الأشعث كبشة بنت يزيد بن شرحبيل بن يزيد- بن إمرئ القيس بن عمرو المقصور الملك- . كان الأشعث أبدا أشعث الرأس- فسمي الأشعث و غلب عليه حتى نسي اسمه- و لعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث يقول أعشى همدان-
يا ابن الأشج قريع كندة
لا أبالي فيك عتبا
أنت الرئيس ابن الرئيس
و أنت أعلى الناس كعبا
تزوج رسول الله ص قتيلة أخت الأشعث- فتوفي قبل أن تصل إليه- . فأما الأسر- الذي أشار أمير المؤمنين ع إليه في الجاهلية- فقد ذكره ابن الكلبي في جمهرة النسب- فقال إن مرادا لما قتلت قيسا الأشج- خرج الأشعث طالبا بثأره- فخرجت كندة متساندين على ثلاثة ألوية- على أحد الألوية كبس بن هانئ بن شرحبيل- بن الحارث بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين- و يعرف هانئ بالمطلع- لأنه كان يغزو فيقول اطلعت بني فلان فسمي المطلع- و على أحدها القشعم أبو جبر بن يزيد الأرقم- و على أحدها الأشعث فأخطئوا مرادا- و لم يقعوا عليهم و وقعوا على بني الحارث بن كعب- فقتل كبس و القشعم أبو جبر و أسر الأشعث- ففدي بثلاثة آلاف بعير لم يفد بها عربي بعده و لا قبله- فقال في ذلك عمرو بن معديكرب الزبيدي-
فكان فداؤه ألفي بعير
و ألفا من طريفات و تلد
– . و أما الأسر الثاني في الإسلام- فإن رسول الله ص لما قدمت كندة حجاجا قبل الهجرة- عرض رسول الله ص نفسه عليهم- كما كان يعرض نفسه على أحياء العرب- فدفعه بنو وليعة من بني عمرو بن معاوية و لم يقبلوه- فلما هاجر ص و تمهدت دعوته و جاءته وفود العرب- جاءه وفد كندة فيهم الأشعث و بنو وليعة فأسلموا- فأطعم رسول الله ص بني وليعة طعمة من صدقات حضرموت- و كان قد استعمل على حضرموت- زياد بن لبيد البياضي الأنصاري- فدفعها زياد إليهم فأبوا أخذها- و قالوا لا ظهر لنا- فابعث بها إلى بلادنا على ظهر من عندك- فأبى زياد و حدث بينهم و بين زياد شر كاد يكون حربا- فرجع منهم قوم إلى رسول الله ص- و كتب زياد إليه ع يشكوهم- و في هذه الوقعة كان الخبر المشهور عن رسول الله ص قال لبني وليعة لتنتهن يا بني وليعة- أو لأبعثن عليكم رجلا عديل نفسي- يقتل مقاتلتكم و يسبي ذراريكم- قال عمر بن الخطاب فما تمنيت الإمارة إلا يومئذ- و جعلت أنصب له صدري رجاء أن يقول هو هذا- فأخذ بيد علي ع و قال هو هذا – . ثم كتب لهم رسول الله ص إلى زياد- فوصلوا إليه بالكتاب و قد توفي رسول الله ص- و طار الخبر بموته إلى قبائل العرب- فارتدت بنو وليعة و غنت بغاياهم- و خضبن له أيديهن- . و قال محمد بن حبيب كان إسلام بني وليعة ضعيفا- و كان رسول الله ص يعلم ذلك منهم- و لما حج رسول الله ص حجة الوداع- و انتهى إلى فم الشعب دخل أسامة بن زيد ليبول- فانتظره رسول الله ص و كان أسامة أسود أفطس- فقال بنو وليعة هذا الحبشي حبسنا- فكانت الردة في أنفسهم- . قال أبو جعفر محمد بن جرير- فأمر أبو بكر زيادا على حضرموت- و أمره بأخذ البيعة على أهلها و استيفاء صدقاتهم- فبايعوه إلا بني وليعة- فلما خرج ليقبض الصدقات من بني عمرو بن معاوية- أخذ ناقة لغلام منهم يعرف بشيطان بن حجر- و كانت صفية نفيسة اسمها شذرة- فمنعه الغلام عنها و قال خذ غيرها- فأبى زياد ذلك و لج- فاستغاث شيطان بأخيه العداء بن حجر- فقال لزياد دعها و خذ غيرها- فأبى زياد ذلك و لج الغلامان في أخذها- و لج زياد و قال لهما لا تكونن شذرة عليكما كالبسوس- فهتف الغلامان يا لعمرو أ نضام و نضطهد- إن الذليل من أكل في داره- و هتفا بمسروق بن معديكرب- فقال مسروق لزياد أطلقها فأبى- فقال مسروق
يطلقها شيخ بخديه الشيب
ملمع فيه كتلميع الثوب
ماض على الريب إذا كان الريب
– . ثم قام فأطلقها فاجتمع إلى زياد بن لبيد أصحابه- و اجتمع بنو وليعة و أظهروا أمرهم- فبيتهم زياد و هم غارون- فقتل منهم جمعا كثيرا و نهب و سبى- و لحق فلهم بالأشعث بن قيس فاستنصروه- فقال لا أنصركم حتى تملكوني عليكم- فملكوه و توجوه كما يتوج الملك من قحطان- فخرج إلى زياد في جمع كثيف- و كتب أبو بكر إلى المهاجر بن أبي أمية و هو على صنعاء- أن يسير بمن معه إلى زياد- فاستخلف على صنعاء و سار إلى زياد- فلقوا الأشعث فهزموه و قتل مسروق- و لجأ الأشعث و الباقون إلى الحصن المعروف بالنجير- فحاصرهم المسلمون حصارا شديدا حتى ضعفوا- و نزل الأشعث ليلا إلى المهاجر و زياد- فسألهما الأمان على نفسه حتى يقدما به على أبي بكر- فيرى فيه رأيه- على أن يفتح لهم الحصن و يسلم إليهم من فيه- . و قيل بل كان في الأمان عشرة من أهل الأشعث- . فأمناه و أمضيا شرطه ففتح لهم الحصن- فدخلوه و استنزلوا كل من فيه و أخذوا أسلحتهم- و قالوا للأشعث اعزل العشرة فعزلهم- فتركوهم و قتلوا الباقين و كانوا ثمانمائة- و قطعوا أيدي النساء اللواتي شمتن برسول الله ص- و حملوا الأشعث إلى أبي بكر- موثقا في الحديد هو و العشرة- فعفا عنه و عنهم- و زوجه أخته أم فروة بنت أبي قحافة و كانت عمياء- فولدت للأشعث محمدا و إسماعيل و إسحاق- .
و خرج الأشعث يوم البناء عليها إلى سوق المدينة- فما مر بذات أربع إلا عقرها- و قال للناس هذه وليمة البناء و ثمن كل عقيرة في مالي- فدفع أثمانها إلى أربابها- . قال أبو جعفر محمد بن جرير في التاريخ- و كان المسلمون يلعنون الأشعث- و يلعنه الكافرون أيضا و سبايا قومه- و سماه نساء قومه عرف النار و هو اسم للغادر عندهم- . و هذا عندي هو الوجه- و هو أصح مما ذكره الرضي رحمه الله تعالى- من قوله في تفسير قول أمير المؤمنين- و إن امرأ دل على قومه السيف- أنه أراد به حديثا كان للأشعث مع خالد بن الوليد- باليمامة غر فيه قومه و مكر بهم حتى قتلهم- فإنا لم نعرف في التواريخ- أن الأشعث جرى له باليمامة مع خالد هذا و لا شبهه- و أين كندة و اليمامة- كندة باليمن و اليمامة لبني حنيفة- و لا أعلم من أين نقل الرضي رحمه الله تعالى هذا- . فأما الكلام الذي كان أمير المؤمنين ع- قاله على منبر الكوفة فاعترضه فيه الأشعث- فإن عليا ع قام إليه و هو يخطب- و يذكر أمر الحكمين رجل من أصحابه- بعد أن انقضى أمر الخوارج- فقال له نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنا بها- فما ندري أي الأمرين أرشد- فصفق ع بإحدى يديه على الأخرى و قال- هذا جزاء من ترك العقدة- و كان مراده ع هذا جزاؤكم إذ تركتم الرأي و الحزم- و أصررتم على إجابة القوم إلى التحكيم- فظن الأشعث أنه أراد- هذا جزائي حيث تركت الرأي و الحزم و حكمت- لأن هذه اللفظة محتملة- أ لا ترى أن الرئيس إذا شغب عليه جنده- و طلبوا منه اعتماد أمر ليس بصواب- فوافقهم تسكينا لشغبهم لا استصلاحا لرأيهم- ثم ندموا بعد ذلك قد يقول- هذا جزاء من ترك الرأي و خالف وجه الحزم- و يعني بذلك أصحابه و قد يقوله يعني به نفسه- حيث وافقهم أمير المؤمنين ع- إنما عنى ما ذكرناه دون ما خطر للأشعث- فلما قال له هذه عليك لا لك قال له- و ما يدريك ما علي مما لي- عليك لعنة الله و لعنة اللاعنين- . و كان الأشعث من المنافقين في خلافة علي ع- و هو في أصحاب أمير المؤمنين ع- كما كان عبد الله بن أبي بن سلول في أصحاب رسول الله ص- كل واحد منهما رأس النفاق في زمانه – . و أما قوله ع للأشعث حائك ابن حائك- فإن أهل اليمن يعيرون بالحياكة- و ليس هذا مما يخص الأشعث- . و من كلام خالد بن صفوان- ما أقول في قوم ليس فيهم إلا حائك برد- أو دابغ جلد أو سائس قرد- ملكتهم امرأة و أغرقتهم فأرة و دل عليهم هدهد