182 و من كلام له ع
وَ قَدْ أَرْسَلَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ- يَعْلَمُ لَهُ عِلْمَ أَحْوَالِ قَوْمٍ مِنْ جُنْدِ الْكُوفَةِ- قَدْ هَمُّوا بِاللِّحَاقِ بِالْخَوَارِجِ- وَ كَانُوا عَلَى خَوْفٍ مِنْهُ ع- فَلَمَّا عَادَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ- قَالَ لَهُ أَ أَمِنُوا فَقَطَنُوا أَمْ جَبَنُوا فَظَعَنُوا- فَقَالَ الرَّجُلُ بَلْ ظَعَنُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ- فَقَالَ ع بُعْداً لَهُمْ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ- أَمَا لَوْ أُشْرِعَتِ الْأَسِنَّةُ إِلَيْهِمْ- وَ صُبَّتِ السُّيُوفُ عَلَى هَامَاتِهِمْ- لَقَدْ نَدِمُوا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ- إِنَّ الشَّيْطَانَ الْيَوْمَ قَدِ اسْتَفَلَّهُمْ- وَ هُوَ غَداً مُتَبَرِّئٌ مِنْهُمْ وَ مُتَخَلٍّ عَنْهُمْ- فَحَسْبُهُمْ مِنَ الْهُدَى وَ ارْتِكَاسِهِمْ فِي الضَّلَالِ وَ الْعَمَى- وَ صَدِّهِمْ عَنِ الْحَقِّ وَ جِمَاحِهِمْ فِي التِّيهِ قد ذكرنا قصة هؤلاء القوم فيما تقدم عند شرحنا- قصة مصقلة بن هبيرة الشيباني- و قطن الرجل بالمكان- يقطن بالضم أقام به و توطنه فهو قاطن- و الجمع قطان و قاطنة و قطين أيضا مثل غاز و غزي- و عازب للكلأ البعيد و عزيب- . و ظعن صار الرجل ظعنا و ظعنا و قرئ بهما يَوْمَ ظَعْنِكُمْ- و أظعنه سيره و انتصب بعدا على المصدر- .
و ثمود إذا أردت القبيلة غير مصروف- و إذا أردت الحي أو اسم الأب مصروف- و يقال إنه ثمود بن عابر بن آدم بن سام بن نوح- قيل سميت ثمود لقلة مائها من الثمد و هو الماء القليل- و كانت مساكنهم الحجر- بين الحجاز و الشام إلى وادي القرى- . و أشرعت الرمح إلى زيد أي سددته نحوه- و شرع الرمح نفسه و صبت السيوف على هاماتهم- استعارة من صببت الماء- شبه وقع السيوف و سرعة اعتوارها الرءوس بصب الماء- . و استفلهم الشيطان وجدهم مفلولين فاستزلهم- هكذا فسروه- . و يمكن عندي أن يريد أنه وجدهم فلا لا خير فيهم- و الفل في الأصل الأرض لا نبات بها لأنها لم تمطر- قال حسان يصف العزى-
و إن التي بالجذع من بطن نخلة
و من دانها فل من الخير معزل
أي خال من الخير- . و يروى استفزهم أي استخفهم- . و الارتكاس في الضلال الرجوع- كأنه جعلهم في ترددهم في طبقات الضلال- كالمرتكس الراجع إلى أمر قد كان تخلص منه- . و الجماح في التيه الغلو و الإفراط- مستعار من جماح الفرس و هو أن يعتز صاحبه و يغلبه جمح فهو جموح
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 10