178 و من كلام له ع في معنى الحكمين
فَأَجْمَعَ رَأْيُ مَلَئِكُمْ عَلَى أَنِ اخْتَارُوا رَجُلَيْنِ- فَأَخَذْنَا عَلَيْهِمَا أَنْ يُجَعْجِعَا عِنْدَ الْقُرْآنِ وَ لَا يُجَاوِزَاهُ- وَ تَكُونُ أَلْسِنَتُهُمَا مَعَهُ وَ قُلُوبُهُمَا تَبَعَهُ فَتَاهَا عَنْهُ- وَ تَرَكَا الْحَقَّ وَ هُمَا يُبْصِرَانِهِ- وَ كَانَ الْجَوْرُ هَوَاهُمَا وَ الِاعْوِجَاجُ دَأْبَهُمَا- وَ قَدْ سَبَقَ اسْتِثْنَاؤُنَا عَلَيْهِمَا فِي الْحُكْمِ بِالْعَدْلِ- وَ الْعَمَلِ بِالْحَقِّ سُوءَ رَأْيِهِمَا وَ جَوْرَ حُكْمِهِمَا- وَ الثِّقَةُ فِي أَيْدِينَا لِأَنْفُسِنَا حِينَ خَالَفَا سَبِيلَ الْحَقِّ- وَ أَتَيَا بِمَا لَا يُعْرَفُ مِنْ مَعْكُوسِ الْحُكْمِ الملأ الجماعة- و يجعجعا يحبسا نفوسهما و آراءهما عند القرآن- جعجعت أي حبست- أخذت عليهما العهد و الميثاق أن يعملا بما في القرآن- و لا يتجاوزاه- . فتاها عنه أي عدلا و تركا الحق على علم منهما به- . و الدأب العادة و سوء رأيهما منصوب- لأنه مفعول سبق و الفاعل استثناؤنا- . ثم قال و الثقة في أيدينا- أي نحن على برهان و ثقة من أمرنا- و ليس بضائر لنا ما فعلاه لأنهما خالفا الحق- و عدلا عن الشرط و عكسا الحكم- .
و روى الثوري عن أبي عبيدة قال- أمر بلال بن أبي بردة- و كان قاضيا بتفريق بين رجل و امرأته- فقال الرجل يا آل أبي موسى إنما خلقكم الله للتفريق بين المسلمين
كتاب معاوية إلى عمرو بن العاص و هو على مصر
كتب معاوية إلى عمرو بن العاص و هو على مصر- قد قبضها بالشرط الذي اشترط على معاوية- أما بعد فإن سؤال أهل الحجاز و زوار أهل العراق كثروا علي- و ليس عندي فضل عن أعطيات الحجاز- فأعني بخراج مصر هذه السنة- فكتب عمرو إليه-
معاوي إن تدركك نفس شحيحة
فما مصر إلا كالهباءة في الترب
و ما نلتها عفوا و لكن شرطتها
و قد دارت الحرب العوان على قطب
و لو لا دفاعي الأشعري و رهطه
لألفيتها ترغو كراغية السقب
ثم كتب في ظاهر الكتاب- و رأيت أنا هذه الأبيات- بخط أبي زكريا يحيى بن علي الخطيب التبريزي رحمه الله-
معاوي حظي لا تغفل
و عن سنن الحق لا تعدل
أ تنسى مخادعتي الأشعري
و ما كان في دومة الجندل
ألين فيطمع في غرتي
و سهمي قد خاض في المقتل
فألمظه عسلا باردا
و أخبأ من تحته حنظلي
و أعليته المنبر المشمخر
كرجع الحسام إلى المفصل
فأضحي لصاحبه خالعا
كخلع النعال من الأرجل
و أثبتها فيك موروثة
ثبوت الخواتم في الأنمل
وهبت لغيري وزن الجبال
و أعطيتني زنة الخردل
و إن عليا غدا خصمنا
سيحتج بالله و المرسل
و ما دم عثمان منج لنا
فليس عن الحق من مزحل
فلما بلغ الجواب إلى معاوية- لم يعاوده في شيء من أمر مصر بعدها- . بعث عبد الملك روح بن زنباع- و بلال بن أبي بردة بن أبي موسى- إلى زفر بن الحارث الكلابي بكلام- و حذرهما من كيده و خص بالتحذير روحا- فقال يا أمير المؤمنين إن أباه كان المخدوع يوم دومة الجندل لا أبي- فعلام تخوفني الخداع و الكيد- فغضب بلال و ضحك عبد الملك
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 10