172 و من كلام له ع لما عزم على لقاء القوم بصفين
اللَّهُمَّ رَبَّ السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ وَ الْجَوِّ الْمَكْفُوفِ- الَّذِي جَعَلْتَهُ مَغِيضاً لِلَّيْلِ وَ النَّهَارِ- وَ مَجْرًى لِلشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ وَ مُخْتَلَفاً لِلنُّجُومِ السَّيَّارَةِ- وَ جَعَلْتَ سُكَّانَهُ سِبْطاً مِنْ مَلَائِكَتِكَ- لَا يَسْأَمُونَ مِنْ عِبَادَتِكَ- وَ رَبَّ هَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِي جَعَلْتَهَا قَرَاراً لِلْأَنَامِ- وَ مَدْرَجاً لِلْهَوَامِّ وَ الْأَنْعَامِ- وَ مَا لَا يُحْصَى مِمَّا يُرَى وَ مَا لَا يُرَى- وَ رَبَّ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي الَّتِي جَعَلْتَهَا لِلْأَرْضِ أَوْتَاداً- وَ لِلْخَلْقِ اعْتِمَاداً إِنْ أَظْهَرْتَنَا عَلَى عَدُوِّنَا- فَجَنِّبْنَا الْبَغْيَ وَ سَدِّدْنَا لِلْحَقِّ- وَ إِنْ أَظْهَرْتَهُمْ عَلَيْنَا فَارْزُقْنَا الشَّهَادَةَ- وَ اعْصِمْنَا مِنَ الْفِتْنَةِ- أَيْنَ الْمَانِعُ لِلذِّمَارِ- وَ الْغَائِرُ عِنْدَ نُزُولِ الْحَقَائِقِ مِنْ أَهْلِ الْحِفَاظِ- الْعَارُ وَرَاءَكُمْ وَ الْجَنَّةُ أَمَامَكُمْ السقف المرفوع السماء- و الجو المكفوف السماء أيضا- كفه أي جمعه و ضم بعضه إلى بعض و يمر في كلامه نحو هذا- و إن السماء هواء جامد أو ماء جامد- . و جعلته مغيضا لليل و النهار أي غيضة لهما- و هي في الأصل الأجمة يجتمع إليها الماء-فتسمى غيضة و مغيضا و ينبت فيها الشجر- كأنه جعل الفلك كالغيضة- و الليل و النهار كالشجر النابت فيها- . و وجه المشاركة أن المغيض أو الغيضة يتولد منهما الشجر- و كذلك الليل و النهار يتولدان من جريان الفلك- .
ثم عاد فقال و مجرى للشمس و القمر أي موضعا لجريانهما- . و مختلفا للنجوم السيارة- أي موضعا لاختلافها و اللام مفتوحة- . ثم قال جعلت سكانه سبطا من ملائكتك أي قبيلة- قال تعالى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً- . لا يسأمون لا يملون- و قرارا للأنام أي موضع استقرارهم و سكونهم- و مدرجا للهوام- أي موضع دروجهم و سيرهم و حركاتهم- و الهوام الحشرات و المخوف من الأحناش- . و ما لا يحصى أي لا يضبط بالإحصاء و العد- مما نراه و نعرفه و ما لا نراه و لا نعرفه- . و قال بعض العلماء- إن أردت أن تعرف حقيقة قوله مما يرى و ما لا يرى- فأوقد نارا صغيرة في فلاة في ليلة صيفية- و انظر ما يجتمع عليها من الأنواع الغريبة العجيبة الخلق- التي لم تشاهدها أنت و لا غيرك قط- .
قوله و للخلق اعتمادا لأنهم يجعلونها كالمساكن لهم- فينتفعون بها و يبنون منازل إلى جانبها- فيقوم مقام جدار قد استغنوا عن بنيانه- و لأنها أمهات العيون و منابع المياه- باعتماد الخلق على مرافقهم و منافعهم و مصالحهم عليها- .
قوله و سددنا للحق أي صوبنا إليه- من قولك منهم سديد أي مصيب- و سدد السنان إلى القرن أي صوبه نحوه- . و الذمار ما يحامى عنه- و الغائر ذو الغيرة- و نزول الحقائق نزول الأمور الشديدة كالحرب و نحوها- . ثم قال العار وراءكم أي إن رجعتم القهقرى هاربين- . و الجنة أمامكم أي إن أقدمتم على العدو مجاهدين- و هذا الكلام شريف جدا
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 9