و من كلام له عليه السّلام كلّم به بعض العرب
و قد أرسله قوم من أهل البصره لمّا قرب عليه السّلام منها ليعلم لهم منه حقيقة حاله مع أصحاب الجمل لتزول الشبهة من نفوسهم فبيّن له عليه السّلام من أمره معهم ما علم به أنّه على الحقّ. ثمّ قال له: بايع. فقال: إنّى رسول قوم و لا احدث حدثا دونهم حتّى أرجع إليهم. كذا في أكثر النسخ لكن في آخر بعضها بعد قول الرجل «فبايعته عليه السّلام». و الرجل يعرف بكليب الجرمىّ. أَ رَأَيْتَ لَوْ أَنَّ الَّذِينَ وَرَاءَكَ بَعَثُوكَ رَائِداً- تَبْتَغِي لَهُمْ مَسَاقِطَ الْغَيْثِ- فَرَجَعْتَ إِلَيْهِمْ وَ أَخْبَرْتَهُمْ عَنِ الْكَلَإِ وَ الْمَاءِ- فَخَالَفُوا إِلَى الْمَعَاطِشِ وَ الْمَجَادِبِ مَا كُنْتَ صَانِعاً- قَالَ كُنْتُ تَارِكَهُمْ وَ مُخَالِفَهُمْ إِلَى الْكَلَإِ وَ الْمَاءِ- فقال عليه السلام: فامدد إذا يدك فقال الرجل: فو اللّه ما استطعت أن أمتنع عند قيام الحجة على، فبايعته عليه السّلام
المعنى
أقول: الجرمىّ: منسوب إلى بنى جرم، و كان قوم من أهل البصرة بعثوه إليه عليه السّلام ليستعلم حاله أهو على حجّة أم على شبهة فلمّا رآه و سمع لفظه لم يتخالجه شكّ في صدقه فبايعه، و كان بينهما الكلام المنقول. و لا ألطف من التمثيل الّذي جذبه به عليه السّلام فالأصل في هذا التمثيل هو حالة هذا المخاطب في وجدانه للماء و الكلاء على تقدير كونه رائدا لهما، و الفرع هو حاله في وجدانه للعلم و الفضائل و الهداية عنده، و الحكم في الأصل هو مخالفته لأصحابه إلى الماء و الكلاء على تقدير وجدانه لهما و مخالفة أصحابه له، و علّة ذلك الحكم في الأصل هو وجدانه للكلاء و الماء، و لمّا كان المشبّه لهذه العلّة و هو وجدانه للفضائل و العلوم الّتي هي غذاء النفوس و مادّة حياتها كما أنّ الكلاء و الماء غذاء للأبدان و مادّة حياتها موجود لهذا الرائد في الفرع و هو حالة وجدانه للعلم و الفضل و الهداية وجب عن تلك العلّة مثل الحكم في الأصل و هو مخالفة أصحابه إلى الفضل و العلم و الهداية عنده عليه السّلام و لزوم أن يبايع. و لذلك قال له: فامدد إذن يدك. و هو تمثيل لا تكاد النفس السليمة عند سماعه أن تقف دون الانفعال عنه و الإذعان له، و لذلك أقسم الرجل أنّه لم يستطع الامتناع عند قيام هذه الحجّة فبايع. و باللّه التوفيق.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم)، ج 3 ، صفحهى 326