168 و من خطبة له ع في أول خلافته
إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سُبْحَانَهُ أَنْزَلَ كِتَاباً هَادِياً- بَيَّنَ فِيهِ الْخَيْرَ وَ الشَّرَّ- فَخُذُوا نَهْجَ الْخَيْرِ تَهْتَدُوا- وَ اصْدِفُوا عَنْ سَمْتِ الشَّرِّ تَقْصِدُوا- الْفَرَائِضَ الْفَرَائِضَ أَدُّوهَا إِلَى اللَّهِ تُؤَدِّكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ- إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ حَرَاماً غَيْرَ مَجْهُولٍ- وَ أَحَلَّ حَلَالًا غَيْرَ مَدْخُولٍ- وَ فَضَّلَ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ عَلَى الْحُرَمِ كُلِّهَا- وَ شَدَّ بِالْإِخْلَاصِ وَ التَّوْحِيدِ حُقُوقَ الْمُسْلِمِينَ فِي مَعَاقِدِهَا- فَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَ يَدِهِ إِلَّا بِالْحَقِّ- وَ لَا يَحِلُّ أَذَى الْمُسْلِمِ إِلَّا بِمَا يَجِبُ- بَادِرُوا أَمْرَ الْعَامَّةِ وَ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ وَ هُوَ الْمَوْتُ- فَإِنَّ النَّاسَ أَمَامَكُمْ وَ إِنَّ السَّاعَةَ تَحْدُوكُمْ مِنْ خَلْفِكُمْ- تَخَفَّفُوا تَلْحَقُوا فَإِنَّمَا يُنْتَظَرُ بِأَوَّلِكُمْ آخِرُكُمْ- اتَّقُوا اللَّهَ فِي عِبَادِهِ وَ بِلَادِهِ- فَإِنَّكُمْ مَسْئُولُونَ حَتَّى عَنِ الْبِقَاعِ وَ الْبَهَائِمِ- وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ لَا تَعْصُوهُ- وَ إِذَا رَأَيْتُمُ الْخَيْرَ فَخُذُوا بِهِ- وَ إِذَا رَأَيْتُمُ الشَّرَّ فَأَعْرِضُوا عَنْهُ
و اصدفوا عن سمت الشر أي أعرضوا عن طريقه- تقصدوا أي تعدلوا و القصد العدل- . ثم أمر بلزوم الفرائض من العبادات و المحافظة عليها- كالصلاة و الزكاة و انتصب ذلك على الإغراء- . ثم ذكر أن الحرام غير مجهول للمكلف بل معلوم- و الحلال غير مدخول أي لا عيب و لا نقص فيه- و أن حرمة المسلم أفضل من جميع الحرمات- و هذا لفظالخبر النبوي حرمة المسلم فوق كل حرمة دمه و عرضه و ماله- .
قال ع- و شد بالإخلاص و التوحيد حقوق المسلمين في معاقدها- لأن الإخلاص و التوحيد- داعيان إلى المحافظة على حقوق المسلمين- صارفان عن انتهاك محارمهم- . قال فالمسلم من سلم الناس هذا لفظ الخبر النبوي بعينه- . قوله و لا يحل أذى المسلم إلا بما يجب أي إلا بحق- و هو الكلام الأول و إنما أعاده تأكيدا- . ثم أمر بمبادرة الموت و سماه الواقعة العامة- لأنه يعم الحيوان كله ثم سماه خاصة أحدكم- لأنه و إن كان عاما إلا أن له مع كل إنسان بعينه- خصوصية زائدة على ذلك العموم- . قوله فإن الناس أمامكم أي قد سبقوكم- و الساعة تسوقكم من خلفكم- .ثم أمر بالتخفف و هو القناعة من الدنيا باليسير- و ترك الحرص عليها- فإن المسافر الخفيف أحرى بالنجاة- و لحاق أصحابه و بلوغ المنزل من الثقيل- .
و قوله فإنما ينتظر بأولكم آخركم- أي إنما ينتظر ببعث الموتى المتقدمين- أن يموت الأواخر أيضا- فيبعث الكل جميعا في وقت واحد- . ثم ذكر أنهم مسئولون عن كل شيء حتى عن البقاع- لم استوطنتم هذه و زهدتم في هذه- و لم أخربتم هذه الدار و عمرتم هذه الدار- و حتى عن البهائم لم ضربتموها لم أجعتموها- . و روي فإن البأس أمامكم يعني الفتنة- و الرواية الأولى أظهر- وقد ورد في الأخبار النبوية لينتصفن للجماء من القرناءوجاء في الخبر الصحيح إن الله تعالى عذب إنسانا بهر- حبسه في بيت و أجاعه حتى هلك
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 9