157 و قام إليه ع رجل فقال أخبرنا عن الفتنة-و هل سألت عنها رسول الله ص فقال ع- :
إِنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَوْلَهُ- الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا- أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ- عَلِمْتُ أَنَّ الْفِتْنَةَ لَا تَنْزِلُ بِنَا- وَ رَسُولُ اللَّهِ ص بَيْنَ أَظْهُرِنَا- فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الْفِتْنَةُ الَّتِي أَخْبَرَكَ اللَّهُ بِهَا- فَقَالَ يَا عَلِيُّ إِنَّ أُمَّتِي سَيُفْتَنُونَ بَعْدِي- فَقُلْتُ يَا رَسُولُ اللَّهِ- أَ وَ لَيْسَ قَدْ قُلْتَ لِي يَوْمَ أُحُدٍ- حَيْثُ اسْتُشْهِدَ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ- وَ حِيزَتْ عَنِّي الشَّهَادَةُ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيَّ- فَقُلْتَ لِي أَبْشِرْ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ وَرَائِكَ- فَقَالَ لِي إِنَّ ذَلِكَ لَكَذَلِكَ فَكَيْفَ صَبْرُكَ إِذاً- فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ هَذَا مِنْ مَوَاطِنِ الصَّبْرِ- وَ لَكِنْ مِنْ مَوَاطِنِ الْبُشْرَى وَ الشُّكْرِ- وَ قَالَ يَا عَلِيُّ إِنَّ الْقَوْمَ سَيُفْتَنُونَ بِأَمْوَالِهِمْ- وَ يَمُنُّونَ بِدِينِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ- وَ يَتَمَنَّوْنَ رَحْمَتَهُ وَ يَأْمَنُونَ سَطْوَتَهُ- وَ يَسْتَحِلُّونَ حَرَامَهُ بِالشُّبُهَاتِ الْكَاذِبَةِ- وَ الْأَهْوَاءِ السَّاهِيَةِ فَيَسْتَحِلُّونَ الْخَمْرَ بِالنَّبِيذِ- وَ السُّحْتَ بِالْهَدِيَّةِ وَ الرِّبَا بِالْبَيْعِ- فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ- فَبِأَيِّ الْمَنَازِلِ أُنْزِلُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ- أَ بِمَنْزِلَةِ رِدَّةٍ أَمْ بِمَنْزِلَةِ فِتْنَةٍ فَقَالَ بِمَنْزِلَةِ فِتْنَةٍ
قد كان ع يتكلم في الفتنة- و لذلك ذكر الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر- و لذلك قال فعليكم بكتاب الله- أي إذا وقع الأمر و اختلط الناس فعليكم بكتاب الله- فلذلك قام إليه من سأله عن الفتنة- و هذا الخبر مروي عن رسول الله صقد رواه كثير من المحدثين عن علي ع أن رسول الله ص قال له إن الله قد كتب عليك جهاد المفتونين- كما كتب علي جهاد المشركين- قال فقلت يا رسول الله- ما هذه الفتنة التي كتب علي فيها الجهاد- قال قوم يشهدون أن لا إله إلا الله- و أني رسول الله و هم مخالفون للسنة- فقلت يا رسول الله فعلام أقاتلهم و هم يشهدون كما أشهد- قال على الأحداث في الدين و مخالفة الأمر- فقلت يا رسول الله إنك كنت وعدتني الشهادة- فأسأل الله أن يعجلها لي بين يديك-
قال فمن يقاتل الناكثين و القاسطين و المارقين- أما إني وعدتك الشهادة و ستستشهد- تضرب على هذه فتخضب هذه فكيف صبرك إذا- قلت يا رسول الله ليس ذا بموطن صبر هذا موطن شكر- قال أجل أصبت فأعد للخصومة فإنك مخاصم- فقلت يا رسول الله لو بينت لي قليلا- فقال إن أمتي ستفتن من بعدي- فتتأول القرآن و تعمل بالرأي و تستحل الخمر بالنبيذ- و السحت بالهدية و الربا بالبيع- و تحرف الكتاب عن مواضعه- و تغلب كلمة الضلال فكن جليس بيتك حتى تقلدها- فإذا قلدتها جاشت عليك الصدور- و قلبت لك الأمور- تقاتل حينئذ على تأويل القرآن- كما قاتلت على تنزيله- فليست حالهم الثانية بدون حالهم الأولى- فقلت يا رسول الله- فبأي المنازل أنزل هؤلاء المفتونين من بعدك- أ بمنزلة فتنة أم بمنزلة ردة- فقال بمنزلة فتنة يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل- فقلت يا رسول الله أ يدركهم العدل منا أم من غيرنا- قال بل منا بنا فتح و بنا يختم- و بنا ألف الله بين القلوببعد الشرك- و بنا يؤلف بين القلوب بعد الفتنة- فقلت الحمد لله على ما وهب لنا من فضله- .
و اعلم أن لفظه ع المروي في نهج البلاغة- يدل على أن الآية المذكورة و هي قوله ع- الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أنزلت بعد أحد- و هذا خلاف قول أرباب التفسير- لأن هذه الآية هي أول سورة العنكبوت- و هي عندهم بالاتفاق مكية- و يوم أحد كان بالمدينة- و ينبغي أن يقال في هذا- إن هذه الآية خاصة أنزلت بالمدينة- و أضيفت إلى السورة المكية فصارتا واحدة- و غلب عليها نسب المكي لأن الأكثر كان بمكة- و في القرآن مثل هذا كثير كسورة النحل- فإنها مكية بالإجماع- و آخرها ثلاث آيات أنزلت بالمدينة بعد يوم أحد- و هي قوله تعالى- وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ- وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ- وَ اصْبِرْ وَ ما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ- وَ لا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ- إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ- . فإن قلت فلم قال- علمت أن الفتنة لا تنزل بنا و رسول الله بين أظهرنا- قلت لقوله تعالى وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ- . و قوله حيزت عني الشهادة أي منعت- . قوله ليس هذا من مواطن الصبر- كلام عال جدا يدل على يقين عظيم و عرفان تام- و نحوهقوله و قد ضربه ابن ملجم- فزت و رب الكعبة- .
قوله سيفتنون بعدي بأموالهم- من قوله تعالى- وَ اعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ- . قوله و يمنون بدينهم على ربهم- من قوله تعالى يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا- قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ- بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ- . قوله و يتمنون رحمته- من قوله أحمق الحمقى من أتبع نفسه هواها و تمنى على الله- . قوله و يأمنون سطوته من قوله تعالى- أَ فَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ- إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ- . و الأهواء الساهية الغافلة- و السحت الحرام و يجوز ضم الحاء- و قد أسحت الرجل في تجارته إذا اكتسب السحت- . و في قوله بل بمنزلة فتنة- تصديق لمذهبنا في أهل البغي- و أنهم لم يدخلوا في الكفر بالكلية بل هم فساق- و الفاسق عندنا في منزلة بين المنزلتين- خرج من الإيمان و لم يدخل في الكفر
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 9