google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
140-160 خطبه ها شرح ابن ابی الحدیدخطبه ها شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

خطبه 152 شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

152 و من خطبة له ع

الْحَمْدُ لِلَّهِ الدَّالِّ عَلَى وُجُودِهِ بِخَلْقِهِ- وَ بِمُحْدَثِ خَلْقِهِ عَلَى أَزَلِيَّتِهِ- وَ بِاشْتِبَاهِهِمْ عَلَى أَنْ لَا شَبَهَ لَهُ- لَا تَسْتَلِمُهُ الْمَشَاعِرُ وَ لَا تَحْجُبُهُ السَّوَاتِرُ- لِافْتِرَاقِ الصَّانِعِ وَ الْمَصْنُوعِ- وَ الْحَادِّ وَ الْمَحْدُودِ وَ الرَّبِّ وَ الْمَرْبُوبِ- الْأَحَدِ بِلَا تَأْوِيلِ عَدَدٍ- وَ الْخَالِقِ لَا بِمَعْنَى حَرَكَةٍ وَ نَصَبٍ- وَ السَّمِيعِ لَا بِأَدَاةٍ وَ الْبَصِيرِ لَا بِتَفْرِيقِ آلَةٍ- وَ الشَّاهِدِ لَا بِمُمَاسَّةٍ وَ الْبَائِنِ لَا بِتَرَاخِي مَسَافَةٍ- وَ الظَّاهِرِ لَا بِرُؤْيَةٍ وَ الْبَاطِنِ لَا بِلَطَافَةٍ- بَانَ مِنَ الْأَشْيَاءِ بِالْقَهْرِ لَهَا وَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا- وَ بَانَتِ الْأَشْيَاءُ مِنْهُ بِالْخُضُوعِ لَهُ وَ الرُّجُوعِ إِلَيْهِ- مَنْ وَصَفَهُ فَقَدْ حَدَّهُ وَ مَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ- وَ مَنْ عَدَّهُ فَقَدْ أَبْطَلَ أَزَلَهُ- وَ مَنْ قَالَ كَيْفَ فَقَدِ اسْتَوْصَفَهُ- وَ مَنْ قَالَ أَيْنَ فَقَدْ حَيَّزَهُ- عَالِمٌ إِذْ لَا مَعْلُومٌ وَ رَبٌّ إِذْ لَا مَرْبُوبٌ- وَ قَادِرٌ إِذْ لَا مَقْدُورٌ

أبحاث كلامية

في هذا الفصل أبحاث- أولها في وجوده تعالى و إثبات أن للعالم صانعا- و هاتان طريقتان في الدلالة على وجوده الأول سبحانه- .إحداهما الطريقة المذكورة في هذا الفصل- و هي طريقة المتكلمين- و هي إثبات أن الأجسام محدثة- و لا بد للمحدث من محدث- . و الثانية إثبات وجوده تعالى من النظر في نفس الوجود- .

و ذلك لأن الوجود ينقسم بالاعتبار الأول إلى قسمين- واجب و ممكن- و كل ممكن لا بد أن ينتهي إلى الواجب- لأن طبيعة الممكن يمتنع من أن يستقل بنفسه في قوامه- فلا بد من واجب يستند إليه- و ذلك الواجب الوجود الضروري الذي لا بد منه- هو الله تعالى- .

و ثانيها إثبات أزليته و بيانه ما ذكره في هذا الفصل- و هو أن العالم مخلوق له سبحانه حادث من جهته- و المحدث لا بد له من محدث- فإن كان ذلك المحدث محدثا- عاد القول فيه كالقول في الأول و يتسلسل- فلا بد من محدث قديم و ذلك هو الله تعالى- .

و ثالثها أنه لا شبيه له أي ليس بجسم كهذه الأجسام- و بيانه ما ذكر أيضا أن مخلوقاته متشابهة- يعني بذلك ما يريده المتكلمون من قولهم- الأجسام متماثلة في الجسمية- و أن نوع الجسمية واحد- أي لا يخالف جسم جسما بذاته- و إذا كانت متماثلة صح على كل واحد منها ما صح على الآخر- فلو كان له سبحانه شبيه منها أي لو كان جسما مثلها- لوجب أن يكون محدثا كمثلها أو تكون قديمة مثله- و كلا الأمرين محال- .

و رابعها أن المشاعر لا تستلمه و روي لا تلمسه- و المشاعر الحواس و بيانه أنه تعالى ليس بجسم لما سبق- و ما ليس بجسم استحال أن تكون المشاعر لامسة له- لأن إدراك المشاعر مدركاته مقصور على الأجسام و هيئاتها- و الاستلام في اللغة لمس الحجر باليد و تقبيله- و لا يهمز لأن أصله من السلام و هي الحجارة- كما يقال استنوق الجمل و بعضهم يهمزه-

و خامسها أن السواتر لا تحجبه- و بيانه أن السواتر و الحجب إنما تحجب ما كان في جهة- و ذلك لأنها ذوات أين و وضع فلا نسبة لها- إلى ما ليس من ذوات الأين و الوضع- . ثم قال ع لافتراق الصانع و المصنوع- إشارة إلى أن المصنوع من ذوات الجهة- و الصانع منزه عن ذلك بري‏ء عن المواد- فلا يلزم فيه ما يلزم في ذوات المادة و الجهة- .

و سادسها معنى قولنا إنه أحد- أنه ليس بمعنى العدد كما يقوله الناس- أول العدد أحد و واحد- بل المراد بأحديته كونه لا يقبل التجزؤ- و باعتبار آخر كونه لا ثاني له في الربوبية- .

و سابعها أنه خالق لا بمعنى الحركة و النصب و هو التعب- و ذلك لأن الخالقين منا يحتاجون إلى الحركة- من حيث كانوا أجساما تفعل بالآلات- و البارئ سبحانه ليس بجسم و لا يفعل بالآلة- بل كونه قادرا إنما هو لذاته المقدسة- لا لأمر زائد عليها فلم يكن فاعلا بالحركة- .

و ثامنها أنه سميع لا بأداة- و ذلك لأن حاجتنا إلى الحواس إنما كانت لأمر يخصنا- و هو كوننا أحياء بحياة حالة في أبعاضنا- و البارئ تعالى حي لذاته- فلم يحتج في كونه مدركا إلى الأداة و الجارحة- .

و تاسعها أنه بصير لا بتفريق آلة- و المراد بتفريق الآلة هاهنا- الشعاع الذي باعتباره يكون الواحد منا مبصرا- فإن القائلين بالشعاع يقولون- إنه يخرج من العين أجسام لطيفة هي الأشعة- و تكون آلة للحي في إبصار المبصرات فيتفرق عليها- فكل جسم يقع عليه ذلك الشعاع يكون مبصرا- و البارئ تعالى بصير- لا بشعاع يجعله آلة في الإدراك- و يتفرق على المرئياتفيدركها به- و ذلك لما قدمناه من أنه حي لذاته لا بمعنى- فلا يحتاج إلى آلة و أداة- و وصلة تكون كالواسطة بينه و بين المدركات- .

و عاشرها أنه الشاهد لا بمماسة- و ذلك لأن الشاهد منا هو الحاضر بجسمه عند المشهود- أ لا ترى أن من في الصين- لا يكون شاهدا من في المغرب- لأن الحضور الجسماني يفتقر إلى القرب- و القرب من لوازم الجسمية فما ليس بجسم- و هو عالم بكل شي‏ء- يكون شاهدا من غير قرب و لا مماسة و لا أين مطلوب- .

و حادي عشرها أنه البائن لا بتراخي مسافة- بينونة المفارق عن المادة بينونة ليست أينية- لأنه لا نسبة لأحدهما إلى الآخر بالجهة- فلا جرم كان البارئ تعالى مباينا عن العالم- لا بمسافة بين الذاتين- .

و ثاني عشرها- أنه الظاهر لا برؤية و الباطن لا بلطافة- و ذلك لأن الظاهر من الأجسام ما كان مرئيا بالبصر- و الباطن منها ما كان لطيفا جدا- إما لصغره أو لشفافيته- و البارئ تعالى ظاهر للبصائر لا للأبصار- باطن أي غير مدرك بالحواس- لأن ذاته لا تقبل المدركية- إلا من حيث كان لطيف الحجم أو شفاف الجرم- .

و ثالث عشرها أنه قال- بان من الأشياء بالقهر لها و القدرة عليها- و بانت الأشياء منه بالخضوع له و الرجوع إليه- هذا هو معنى قول المتكلمين و الحكماء- و الفرق بينه و بين الموجودات كلها- أنه واجب الوجود لذاته- و الأشياء كلها ممكنة الوجود بذواتها- فكلها محتاجة إليه لأنها لا وجود لها إلا به- و هذا هو معنى خضوعها له و رجوعها إليه- و هو سبحانه غني عن كل شي‏ء- و مؤثر في كل شي‏ء إما بنفسه- أو بأن يكون مؤثرا فيما هو مؤثر في ذلك الشي‏ء كأفعالنا- فإنه يؤثر فينا و نحن نؤثر فيها- فإذا هو قاهر لكل شي‏ء و قادر على كل شي‏ء- فهذه هي البينونة بينه و بين الأشياء كلها- .

و رابع عشرها أنه لا صفة له زائدة على ذاته- و نعني بالصفة ذاتا موجودة قائمة بذاته- و ذلك لأن من أثبت هذه الصفة له فقد حده- و من حده فقد عده و من عده فقد أبطل أزله- و هذا كلام غامض- و تفسيره أن من أثبت له علما قديما أو قدرة قديمة- فقد أوجب أن يعلم بذلك العلم معلومات محدودة- أي محصورة- و كذلك قد أوجب أن يقدر بتلك القدرة- على مقدورات محدودة- و هذه المقدمة في كتب أصحابنا المتكلمين- مما يذكرونه في تقرير- أن العلم الواحد لا يتعلق بمعلومين- و أن القدرة الواحدة- لا يمكن أن تتعلق في الوقت الواحد من الجنس الواحد- في المحل الواحد إلا بجزء واحد- و سواء فرض هذان المعنيان قديمين أو محدثين- فإن هذا الحكم لازم لهما- فقد ثبت أن من أثبت المعاني القديمة- فقد أثبت البارئ تعالى محدود العالمية و القادرية- و من قال بذلك فقد عده- أي جعله من جملة الجثة المعدودة- فيما بيننا كسائر البشر و الحيوانات- و من قال بذلك فقد أبطل أزله- لأن كل ذات مماثلة لهذه الذوات المحدثة- فإنها محدثة مثلها و المحدث لا يكون أزليا- .

و خامس عشرها أن من قال كيف فقد استوصفه- أي من قال لزيد كيف الله- فقد استدعى أن يوصف الله بكيفية من الكيفيات- و البارئ تعالى لا تجوز الكيفيات عليه- و الكيفيات هي الألوان و الطعوم و نحوها- و الأشكال و المعاني و ما يجري مجرى ذلك- و كل هذا لا يجوز إلا على الأجسام- . فإن قلت ينبغي أن يقول فقد وصفه- و لا يقال فقد استوصفه- لأن السائل لم يستوصف الله- و إنما استوصف صاحبه الذي سأله عن كيفية الله- . قلت استوصف هاهنا بمعنى وصف- كقولك استغنى زيد عن عمرو أي غني عنه- و استعلى عليه أي علا و مثله كثير- .

و سادس عشرها أن من قال أين فقد حيزه- لأن أين سؤال عن المكان و ليس الله تعالى في مكان- و يأتي أنه في كل مكان بمعنى العلم و الإحاطة- .

و سابع عشرها- أنه عالم إذ لا معلوم و رب إذ لا مربوب- و قادر إذ لا مقدور- و كل هذا صحيح و مدلول عليه- لأنه عالم فيما لم يزل و ليس شي‏ء من الأشياء بموجود- و هو رب كل شي‏ء قبل أن يخلقه- كما تقول أنه سميع بصير قبل أن يدرك المسموعات و المبصرات- أي قبل أن يخلقها و قادر على الأشياء قبل كونها- لأنه يستحيل حال كونها أن تكون مقدوره- لاستحالة إيجاد الموجود- .

و قد شرحنا كل هذه المسائل التوحيدية- في كتبنا المصنفة في علم الكلاممِنْهَا- قَدْ طَلَعَ طَالِعٌ وَ لَمَعَ لَامِعٌ وَ لَاحَ لَائِحٌ- وَ اعْتَدَلَ مَائِلٌ وَ اسْتَبْدَلَ اللَّهُ بِقَوْمٍ قَوْماً وَ بِيَوْمٍ يَوْماً- وَ انْتَظَرْنَا الْغِيَرَ انْتِظَارَ الْمُجْدِبِ الْمَطَرَ- وَ إِنَّمَا الْأَئِمَّةُ قُوَّامُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ- وَ عُرَفَاؤُهُ عَلَى عِبَادِهِ- وَ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ عَرَفَهُمْ وَ عَرَفُوهُ- وَ لَا يَدْخُلُ النَّارَ إِلَّا مَنْ أَنْكَرَهُمْ وَ أَنْكَرُوهُ- إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّكُمْ بِالْإِسْلَامِ وَ اسْتَخْلَصَكُمْ لَهُ- وَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ اسْمُ سَلَامَةٍ وَ جِمَاعُ كَرَامَةٍ- اصْطَفَى اللَّهُ تَعَالَى مَنْهَجَهُ وَ بَيَّنَ حُجَجَهُ- مِنْ ظَاهِرِ عِلْمٍ وَ بَاطِنِ حُكْمٍ- لَا تَفْنَى غَرَائِبُهُ وَ لَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ- فِيهِ مَرَابِيعُ النِّعَمِ وَ مَصَابِيحُ الظُّلَمِ- لَا تُفْتَحُ الْخَيْرَاتُ إِلَّا بِمَفَاتِيحِهِ- وَ لَا تُكْشَفُ الظُّلُمَاتُ إِلَّا بِمَصَابِيحِهِ- قَدْ أَحْمَى حِمَاهُ وَ أَرْعَى مَرْعَاهُ- فِيهِ شِفَاءُ الْمُشْتَفِي وَ كِفَايَةُ الْمُكْتَفِي‏

هذه خطبة خطب بها بعد قتل عثمان- حين أفضت الخلافة إليه- . قد طلع طالع يعني عود الخلافة إليه- و كذلك قوله و لمع لامع و لاح لائح- كل هذا يراد به معنى واحد- . و اعتدل مائل- إشارة إلى ما كانت الأمور عليه من الاعوجاج- في أواخر أيام عثمان- و استبدل الله بعثمان و شيعته عليا و شيعته- و بأيام ذاك أيام هذا- .

ثم قال و انتظرنا الغير انتظار المجدب المطر- و هذا الكلام يدل على أنه قد كان يتربص بعثمان الدوائر- و يرتقب حلول الخطوب بساحته ليلي الخلافة- . فإن قلت أ ليس هو الذي طلق الدنيا- فأين هذا القول من طلاقها- قلت إنه طلق الدنيا أن يقبل منها حظا دنيويا- و لم يطلقها أن ينهى فيها عن المنكرات- التي أمره الله تعالى بالنهي عنها- و يقيم فيها الدين الذي أمره الله بإقامته- و لا سبيل له إلى النهي عن المنكر و الأمر بالمعروف- إلا بولاية الخلافة

عقيدة علي في عثمان و رأي المعتزلة في ذلك

فإن قلت أ يجوز على مذهب المعتزلة أن يقال- إنه ع كان ينتظر قتل عثمان انتظار المجدب المطر- و هل هذا إلا محض مذهب الشيعة- . قلت إنه ع لم يقل و انتظرنا قتله و إنما انتظر الغير- فيجوز أن يكون أراد انتظار خلعه و عزله عن الخلافة- فإن عليا ع عند أصحابنا- كان يذهب إلى أن عثمان استحق الخلع بإحداثه- و لم يستحق القتل- و هذا الكلام إذا حمل على انتظار الخلع- كان موافقا لمذهب أصحابنا- .

فإن قلت أ تقول المعتزلة إن عليا كان يذهب إلى فسق عثمان- المستوجب لأجله الخلع- قلت كلا حاش لله أن تقول المعتزلة ذلك- و إنما تقول إن عليا كان يرى- أن عثمان يضعف عن تدبير الخلافة- و أن أهله غلبوا عليه- و استبدوا بالأمر دونه- و استعجزه المسلمون و استسقطوا رأيه- فصار حكمه حكم الإمام إذا عمي- أو أسره العدو فإنه ينخلع من الإمامة.

ثم قال ع الأئمة قوام الله على خلقه- أي يقومون بمصالحهم و قيم المنزل هو المدبر له- . قال و عرفاؤه على عباده جمع عريف- و هو النقيب و الرئيس- يقال عرف فلان بالضم عرافة بالفتح- مثل خطب خطابة أي صار عريفا- و إذا أردت أنه عمل ذلك قلت- عرف فلان علينا سنين يعرف عرافة بالكسر- مثل كتب يكتب كتابة- .

قال و لا يدخل الجنة إلا من عرفهم و عرفوه- و لا يدخل النار إلا من أنكرهم و أنكروه- هذا إشارة إلى قوله تعالى- يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ- قال المفسرون ينادى في الموقف- يا أتباع فلان و يا أصحاب فلان- فينادى كل قوم باسم إمامهم- يقول أمير المؤمنين ع لا يدخل الجنة يومئذ- إلا من كان في الدنيا عارفا بإمامه- و من يعرفه إمامه في الآخرة- فإن الأئمة تعرف أتباعها يوم القيامة- و إن لم يكونوا رأوهم في الدنيا- كما أن النبي ص يشهد للمسلمين و عليهم- و إن لم يكن رأى أكثرهم قال سبحانه- فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ- وَ جِئْنا بِكَ عَلى‏ هؤُلاءِ شَهِيداً وجاء في الخبرالمرفوع من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية- و أصحابنا كافة قائلون بصحة هذه القضية- و هي أنه لا يدخل الجنة إلا من عرف الأئمة- أ لا ترى أنهم يقولون- الأئمة بعد رسول الله ص فلان و فلان- و يعدونهم واحدا واحدا- فلو أن إنسانا لا يقول بذلك لكان عندهم فاسقا- و الفاسق لا يدخل الجنة عندهم أبدا أعني من مات على فسقه- فقد ثبت أن هذه القضية- و هي قوله ع لا يدخل الجنة إلا من عرفهم- قضية صحيحة على مذهب المعتزلة- و ليس قوله و عرفوه بمنكر عند أصحابنا- إذا فسرنا قوله تعالى- يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ- على ما هو الأظهر و الأشهر من التفسيرات و هو ما ذكرناه- .

و بقيت القضية الثانية ففيها الإشكال- و هي قوله ع و لا يدخل النار إلا من أنكرهم و أنكروه- و ذلك أن لقائل أن يقول قد يدخل النار من لم ينكرهم- مثل أن يكون إنسان يعتقد صحة إمامة القوم- الذين يذهب أنهم أئمة عند المعتزلة- ثم يزني أو يشرب الخمر من غير توبة فإنه يدخل النار- و ليس بمنكر للأئمة- فكيف يمكن الجمع بين هذه القضية و بين الاعتزال- فالجواب أن الواو في قوله و أنكروه بمعنى أو- كما في قوله تعالى- فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى‏ وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ- فالإنسان المفروض في السؤال- و إن كان لا ينكر الأئمة إلا أنهم ينكرونه- أي يسخطون يوم القيامة أفعاله- يقال أنكرت فعل فلان أي كرهته- فهذا هو تأويل الكلام على مذهبنا- فأما الإمامية فإنهم يحملون ذلك على تأويل آخر- و يفسرون قوله و لا يدخل النار فيقولون- أراد و لا يدخل النار دخولا مؤبدا- إلا من ينكرهم و ينكرونه- .

ثم ذكر ع شرف الإسلام و قال- إنه مشتق من السلامة و إنه جامع للكرامة- و إن الله قد بين حججه أي الأدلة على صحته- . ثم بين ما هذه الأدلة فقال- من ظاهر علم و باطن حكم أي حكمه- من هاهنا للتبيين و التفسير- كما تقول دفعت إليه سلاحا من سيف و رمح و سهم- و يعني بظاهر علم و باطن حكم- و القرآن أ لا تراه كيف أتى بعده بصفات و نعوت- لا تكون إلا للقرآن- من قوله لا تفنى عزائمه أي آياته المحكمة- و براهينه العازمة أي القاطعة و لا تنقضي عجائبه- لأنه مهما تأمله الإنسان استخرج منه- بفكر غرائب عجائب لم تكن عنده من قبل- . فيه مرابيع النعم- المرابيع الأمطار التي تجي‏ء في أول الربيع- فتكون سببا لظهور الكلأ- و كذلك تدبر القرآن سبب للنعم الدينية و حصولها- .

قوله قد أحمى حماه و أرعى مرعاه- الضمير في أحمى يرجع إلى الله تعالى- أي قد أحمى الله حماه أي عرضه لأن يحمى- كما تقول أ قتلت الرجل أي عرضته لأن يقتل- و أ ضربته أي عرضته لأن يضرب- أي قد عرض الله تعالى حمى القرآن و محارمه- لأن يجتنب و مكن منها- و عرض مرعاه لأن يرعى- أي مكن من الانتفاع بما فيه من الزواجر و المواعظ- لأنه خاطبنا بلسان عربي مبين- و لم يقنع ببيان ما لا نعلم إلا بالشرع- حتى نبه في أكثره على أدلة العقل

شرح ‏نهج ‏البلاغة(ابن ‏أبي ‏الحديد) ج 9

Show More

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

Back to top button
-+=