google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
140-160 خطبه ها شرح ابن میثمخطبه ها شرح ابن میثم بحرانی(متن عربی)

خطبه 151 شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبة له عليه السّلام

القسم الأول

الْحَمْدُ لِلَّهِ الدَّالِّ عَلَى وُجُودِهِ بِخَلْقِهِ- وَ بِمُحْدَثِ خَلْقِهِ عَلَى أَزَلِيَّتِهِ- وَ بِاشْتِبَاهِهِمْ عَلَى أَنْ لَا شَبَهَ لَهُ- لَا تَسْتَلِمُهُ الْمَشَاعِرُ وَ لَا تَحْجُبُهُ السَّوَاتِرُ- لِافْتِرَاقِ الصَّانِعِ وَ الْمَصْنُوعِ- وَ الْحَادِّ وَ الْمَحْدُودِ وَ الرَّبِّ وَ الْمَرْبُوبِ- الْأَحَدِ بِلَا تَأْوِيلِ عَدَدٍ- وَ الْخَالِقِ لَا بِمَعْنَى حَرَكَةٍ وَ نَصَبٍ- وَ السَّمِيعِ لَا بِأَدَاةٍ وَ الْبَصِيرِ لَا بِتَفْرِيقِ آلَةٍ- وَ الشَّاهِدِ لَا بِمُمَاسَّةٍ وَ الْبَائِنِ لَا بِتَرَاخِي مَسَافَةٍ- وَ الظَّاهِرِ لَا بِرُؤْيَةٍ وَ الْبَاطِنِ لَا بِلَطَافَةٍ- بَانَ مِنَ الْأَشْيَاءِ بِالْقَهْرِ لَهَا وَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا- وَ بَانَتِ الْأَشْيَاءُ مِنْهُ بِالْخُضُوعِ لَهُ وَ الرُّجُوعِ إِلَيْهِ- مَنْ وَصَفَهُ فَقَدْ حَدَّهُ وَ مَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ- وَ مَنْ عَدَّهُ فَقَدْ أَبْطَلَ أَزَلَهُ- وَ مَنْ قَالَ كَيْفَ فَقَدِ اسْتَوْصَفَهُ- وَ مَنْ قَالَ أَيْنَ فَقَدْ حَيَّزَهُ- عَالِمٌ إِذْ لَا مَعْلُومٌ وَ رَبٌّ إِذْ لَا مَرْبُوبٌ- وَ قَادِرٌ إِذْ لَا مَقْدُورٌ

اللغة

أقول: المشاعر: الحواس. إذ هي محلّ الشعور.

و قد حمد اللّه تعالى باعتبارات من أوصافه، و في الفصل أبحاث من العلم الإلهىّ:
الأوّل: الإشارة إلى وجوده تعالى الواجب
و للناس في إثباته طريقان: إحداهما: إثبات وجوده بالنظر في نفس الوجود، و قسمته إلى أقسام حاصرة، و تقرير هذه الطريقة أن يقال: لا شكّ في وجود موجود فذلك الموجود إن كان واجب الوجود فهو المطلوب و إن كان ممكنا افتقر إلى مؤثّر بناء على أنّ العلّة المحوجة إلى المؤثّر هي الإمكان، و ذلك الموجود إن كان ممكنا افتقر إلى غيره و لزم الدور أو التسلسل و كلاهما باطلان: أمّا الأوّل: فلأنّه لو افتقر كلّ واحد من الأمرين إلى الآخر باعتبار واحد لزم تقدّم كلّ منهما على المتقدّم على نفسه فيلزم تقدّمه على نفسه بمراتب، و أمّا الثاني: فلأنّه و لو كانت سلسلة من علل و معلولات لا نهاية لها في الوجود لكان مجموعها ممكنا لافتقاره إلى الأجزاء الّتي هي غيره و بمجموعها علّة تامّة فهي إمّا نفسه و هو محال بالبديهة أو أمر داخل فيه و هو باطل لأنّ العلّة التامّة للمركّب علّة أوّلا لأجزائه و إلّا لتوقّف على علّة أجزائه فلم تكن علّة تامّة له بل هي مع علّة أجزائه هذا خلف، و إذا كانت علّة المركّب علّة أوّلا لأجزائه لزم كون ذلك الجزء المؤثّر في المجموع مؤثّرا في نفسه أوّلا، و في علله السابقة فيلزم تقدّمه على نفسه بمراتب غير متناهية و ذلك باطل بالبديهة فبقى أن يكون المؤثّر في ذلك المجموع إمّا أمرا خارجا عنه أو ما يتركّب من الداخل و الخارج عنه لكنّ القسم الثاني أيضا باطل لأنّ الداخل لمّا كان جزءا من العلّة المركّبة فله تقدّم عليها، و هي متقدّمة على مجموع الممكنات فلها تقدّم عليه، و على أجزائه فجزئها كذلك فله تقدّم على نفسه و على علله و هو باطل فبقى الأوّل لكن الموجود الخارج عن كلّ الممكنات لا يكون ممكنا بل واجب الوجود، و هو المطلوب، و هذه طريق العلّيّين الّذين يستدلّون به على مخلوقاته و يسمّونه برهان اللمّ. و أمّا الطريق الثانية: فهي الاستدلال بالنظر في المخلوقات و طبائعها و إمكانها و تكثّرها و قبولها للتغيّر و التركيب على مباديها. ثمّ على المبدأ الأوّل- جلّت‏ عظمته- و هي طريق الطبيعيّين و هي الّتي أشار إليها عليه السّلام بقوله: الدالّ على وجوده بخلقه،

و المتكلّمون فرّعوا هذه الطريق إلى أربع طرق:

أحدها: أنّهم استدلّوا بحدوث هذه الذوات على إمكانها و بإمكانها على حاجتها إلى موجد و مؤثّر، و هي طريق الأشعريّ و أبي الحسين البصرى و المتأخّرين من المتكلّمين.

الثانية: استدلّوا بحدوث هذه الذوات فقط على وجود محدث لها من غير نظر إلى الإمكان فقالوا: الأجسام محدثة و كلّ محدث فله محدث، و المقدّمة الاولى استدلاليّة، و الثانية عندهم بديهيّة.

الثالثة: استدلالهم بإمكان الصفات، و ذلك أن بيّنوا أنّ الأجسام الفلكيّة و العنصريّة متماثلة، ثمّ قالوا: رأينا بعضها قد اختصّ بصفات ليست للآخر فذلك التخصيص ليس للجسميّة و لا للوازمها، و إلّا لوجب في كلّ جسم كذلك، و لا لعارض من عوارضها لأنّ الكلام في تخصيص ذلك العارض كالكلام في الأوّل و يلزم التسلسل، و لا للطبيعة كما يقول بعض الناس لأنّها لا تفعل في المادّة البسيطة كالنقطة مثلا فعلًا مختلفا فبقى أن يكون ذلك التخصيص لمدبّر حكيم و هو مرادنا بالصانع.

الرابعة: الاستدلال بحدوث الصفات و هو ظاهر، و تقرير هذه الطرق و ما لها و عليها في الكتب الكلاميّة، و ينبغي أن يخصّص المتكلّم قوله عليه السّلام: الدالّ على وجوده بخلقه الطريقة الاولى لهم، و الثالثة فإنّه عليه السّلام جعل الحدوث دليلا على الأزليّة.

البحث الثاني: في أزليّته

و بيانه ما ذكره عليه السّلام بقوله: و بمحدث خلقه على أزليّته، و تقرير هذه الدلالة أنّه قد ثبت في موضعه أنّ جميع المحدثات صادرة عن قدرته تعالى و منتهية عندها فلو كان هو محدثا لكان محدثا لنفسه و هو باطل بالضرورة.

البحث الثالث: أنّه لا مثل له و لا شبيه
و إليه الإشارة بقوله: و باشتباههم على أنّه لا شبيه له، و أراد اشتباههم في الحاجة إلى المؤثّر و المدبّر، و تقرير هذه الطريق أن نقول: إن كان تعالى غنيّا عن المؤثّر فلا شبيه له في الحاجة إليه لكن‏ المقدّم حقّ فالتالي مثله، و قيل: أراد اشتباههم في الجسميّة و الجنس و النوع و الأشكال و المقادير و الألوان و نحو ذلك، و إذ ليس داخلا تحت جنس لبراءته عن التركيب المستلزم للإمكان، و لا تحت النوع لافتقاره في التخصيص بالعوارض إلى غيره، و لا بذى مادّة لاستلزامها التركيب أيضا فليس بذى شبيه في شي‏ء من الامور المذكورة، و الأوّل أعمّ في نفى الشبيه.

البحث الرابع: أنّ المشاعر لا تستلمه
و بيانه أنّ استلام المشاعر مستلزم للجسميّة و الأعراض القائمة بها، و إذ قد تنزّه قدسه تعالى عن الجسميّة و لواحقها فقد تنزّه عن إدراك المشاعر و لمسها.

البحث الخامس: أنّ السواتر لا تحجبه
و بيانه أنّ الحجاب و الستر من لواحق ذى الجهة و الجسميّة، و إذ تنزّه قدسه عنها فقد تنزّه عن الحجب و الستر المحسوسين. و قوله: لافتراق الصانع و المصنوع. إلى قوله: و المربوب. التعليل راجع إلى الجمل المتقدّمة كلّها. إذ كان لكلّ من الصانع و المصنوع صفات تخصّه و يتميّز بها و هي أليق به، و بها يفارق الآخر فالمخلوقيّة و الحدوث و الاشتباه و الملموسيّة بالمشاعر و الحجب بالسواتر من لواحق الامور الممكنة المصنوعة، و ممّا ينبغي لها و يليق بها، و الوجود الأزليّ الّذى لا شبيه له المنزّه عن المشاعر و حجب السواتر من لواحق الصانع الأوّل الواجب و هو الّذى ينبغي له و يليق به، و يضادّ ما سبق من أوصاف الممكنات، و أراد بالحادّ خالق الحدود و النهايات و هو الصانع، و اعتبار الصانع غير اعتبار الربّ لدخول المالكيّة في مفهوم الربوبيّة دون الصنع.

البحث السادس: في وحدانيّته
و قد سبق برهانها، و أراد بقوله: ليس بمعنى العدد أنّ وحدانيّته ليس بمعنى كونه مبدء لكثرة تعدّ به كما يقال في أوّل العدد واحد، و قد علمت فيما سبق أنّ الواحد يقال بالاشتراك اللفظي على معان عديدة عرفتها و عرفت إطلاق الواحد عليه تعالى بأىّ معنى هو، و أنّه لا يجوز أن يكون مبدء للعدد بل هو تعالى واحد بمعنى أنّه لا ثانى له في الوجود بمعنى أنّه لا كثرة في ذاته بوجه لا ذهنا و لا خارجا، و بمعنى أنّه لم يفته من كماله شي‏ء بل كلّ ما ينبغي أن يكون له فهو بالذات و الفعل.

البحث السابع: في كونه تعالى في خالقيّته منزّها عن الحركات و المتاعب،
و قد عرفت لميّة ذلك في الخطبة الاولى، و هو كونهما من لواحق الأجسام المنزّه قدسه عنها.

البحث الثامن: كونه سميعا لا بأداة
أى لا بسمع، و قد سبق بيانه في الخطبة الاولى.

البحث التاسع: كونه بصيرا لا بتفريق الآلة
و تفريقها إمّا عبارة عن بعث القوّة الباصرة و توزيعها على المبصرات، و هذا المعنى على قول من جعل الإبصار بآلة الشعاع الخارج من العين المتّصل بسطح المرئى أظهر فإنّ توزيعه أوضح من توزيع الآلة على قول من يقول: إنّ الإدراك يحصل بانطباع صورة المرئى في العين، و معنى التفريق على القول الثاني هو تقليب الحدقة و توجيهها مرّة إلى هذا المبصر و مرّة إلى ذاك كما يقال: فلان مفرّق الهمّة و الخاطر إذا وزع فكره على حفظ أشياء متباينة و مراعاتها كالعلم و تحصيل المال، و ظاهر تنزيهه تعالى عن الإبصار بآلة الحسّ لكونها من توابع الجسميّة و لواحقها.

البحث العاشر: كونه تعالى شاهدا
أى حاضرا لا بمماسّة شي‏ء، و المراد تنزية حضوره عن مماثلة حضور الجسمانيّات المستلزم للقرب المستلزم لمماسّة الأجسام و تقارب أين من أين فهو تعالى الحاضر بعلمه عند كلّ شي‏ء و الشاهد لكلّ شي‏ء من غير قرب و لا مماسّة و لا أين مطلقا لتنزّهه عن الجسميّة و لواحقها

البحث الحادى عشر: أنّه تعالى مباين للأشياء لا بتراخى مسافة
أى أنّ مباينته للأشياء لا تستدعى التمييز بالوضع و الأين بل بذاته فقط، و قد سبق تقرير ذلك في الخطبة الاولى أيضا.

البحث الثاني عشر: أنّه الظاهر لا برؤية، و الباطن لا بلطافة
و ذلك أنّ الظاهر من الأجسام ما كان منها مرئيّا بحاسّة البصر و الباطن منها ما كان لطيفا إمّا لصغر حجمه أو لطافة قوامه كالهواء، و ظهوره تعالى و بطونه منزّه من هاتين الكيفيّتين، و قد شرحنا هذين الوصفين غير مرّة.

البحث الثالث عشر: كونه بان من الأشياء بالقهر لها و القدرة عليها.
إلى قوله: إليه. ذكر في بينونته تعالى من مخلوقاته ما ينبغي له من الصفات، و في بينونتها منه ما ينبغي لها فالّذى ينبغي له كونه قاهرا لها غالبا عليها و مستوليا، و كونه قادرا على إيجادها و إعدامها، و الّذى ينبغي لها كونها خاضعة في ذلّ الإمكان و الحاجة لعزّته و قهره و راجعة في وجودها و كمالاتها إلى وجوده، و بذلك حصل التباين بينها و بينه.

البحث الرابع عشر: تنزيهه عن الصفات الزائدة بالقياس
الّذي ذكره بقوله: من وصفه فقد حدّه، و من حدّه فقد عدّه، و قد مرّ هذا القياس بعينه في الخطبة الاولى بأتمّ تقرير و أبلغ تحقيق غير أنّه قال هناك: و من أشار إليه فقد حدّه، و قال هاهنا: و من وصفه فقد حدّه لكن المراد بوصفه هنا هو إشارة الوهم إليه و استثباته بكيفيّات و صفات فيكون معنى العبارتين واحد. و قوله: و من عدّه فقد أبطل أزله. لمّا كان عدّه عبارة عن‏ جعله مبدءا لكثرة معدودة أو عن كونه ذا أجزاء معدوت، و كان ذلك من لواحق الممكنات و المحدثات الغير المستحقّة للأزليّة بالذات لا جرم كان من عدّه بأحد الاعتبارين مبطلا أزله الّذى يستحقّه لذاته.

البحث الخامس عشر: تنزيهه أن يسأل عنه بكيف
لأنّها سؤال عن الكيفيّة و الصفة و هو معنى قوله: قد استوصفه، و قد بيّنا تنزيهه تعالى عن الكيفيّات و الصفات.

البحث السادس عشر: تنزيهه عن السؤال عنه بأين
و ذلك لأنّها سؤال عن الحيّز و الجهة اللّذين هما من لواحق الأجسام، و قد بيّنا تنزيهه تعالى عن الجسميّة و ما ينبغي لها فليس هو سبحانه في مكان و هو في كلّ مكان بعلمه و إحاطته.

البحث السابع عشر: كونه تعالى عالما.
إذ لا معلوم. إلى قوله: مقدور.و قد علمت معنى علمه و ربوبيّته و قدرته، و علمت أنّ الإشارة بإذ إلى اعتبار تقدّمه بذاته على معلوماته و معلولاته، و ظاهر عند ذلك الاعتبار أنّه لا معلوم في الوجود سوى ذاته لذاته و لا مربوب و لا مقدور موجود هناك بل هى واجبة التأخّر عن ذلك الاعتبار سواء كانت بعد ذلك محدثة كلّها كما عليه المتكلّمون أو بعضها كما عليه الأوائل، و باللّه التوفيق و العصمة.

 

القسم الثاني منها:

قَدْ طَلَعَ طَالِعٌ وَ لَمَعَ لَامِعٌ وَ لَاحَ لَائِحٌ- وَ اعْتَدَلَ مَائِلٌ وَ اسْتَبْدَلَ اللَّهُ بِقَوْمٍ قَوْماً وَ بِيَوْمٍ يَوْماً- وَ انْتَظَرْنَا الْغِيَرَ انْتِظَارَ الْمُجْدِبِ الْمَطَرَ- وَ إِنَّمَا الْأَئِمَّةُ قُوَّامُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ- وَ عُرَفَاؤُهُ عَلَى عِبَادِهِ- وَ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ عَرَفَهُمْ وَ عَرَفُوهُ- وَ لَا يَدْخُلُ النَّارَ إِلَّا مَنْ أَنْكَرَهُمْ وَ أَنْكَرُوهُ- إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّكُمْ بِالْإِسْلَامِ وَ اسْتَخْلَصَكُمْ لَهُ- وَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ اسْمُ سَلَامَةٍ وَ جِمَاعُ كَرَامَةٍ- اصْطَفَى اللَّهُ تَعَالَى مَنْهَجَهُ وَ بَيَّنَ حُجَجَهُ- مِنْ ظَاهِرِ عِلْمٍ وَ بَاطِنِ حُكْمٍ- لَا تَفْنَى غَرَائِبُهُ وَ لَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ- فِيهِ مَرَابِيعُ النِّعَمِ وَ مَصَابِيحُ الظُّلَمِ- لَا تُفْتَحُ الْخَيْرَاتُ إِلَّا بِمَفَاتِيحِهِ- وَ لَا تُكْشَفُ الظُّلُمَاتُ إِلَّا بِمَصَابِيحِهِ- قَدْ أَحْمَى حِمَاهُ وَ أَرْعَى مَرْعَاهُ- فِيهِ شِفَاءُ الْمُشْتَفِي وَ كِفَايَةُ الْمُكْتَفِي

اللغة
أقول: العرفاء: جمع عريف و هو النقيب، و هو دون الرئيس.

المعنى

و أشار بطلوع الطالع إلى ظهور الإمرة و الخلافة عليه، و انتقالها إليه، و بلموع اللامع إلى ظهورها من حيث هى حقّ له، و سطوع أنوار العدل بصيرورتها إليه، و بلوح اللائح إلى ما يلحق انتقالها إليه من الفتن و الحروب الموعودة الّتي لاحت أماراتها يومئذ، و قال بعض الشارحين: المراد بالثلاثة معنى واحد، و هو انتقال الخلافة إليه. فقوله: و اعتدل مائل. فالمائل الخلافة فيمن كان قبله في نظره. إذ كان اعتقاده أنّه أولى بها و أنّ العدل أن يكون فيه، و اعتدل ذلك المائل بانتقالها إليه، و استبدل اللّه بقوم: أي من سبق عليه قوما: أى و هو و تابعوه، و بيوم يوما كناية عن زمانهم بزمانهم. و قوله: و انتظرنا الغير انتظار المجدب المطر. إشارة إلى ما كان يتوقّعه من انتقال هذا الأمر إليه، و أراد بالغير تغيّرات الدهر و تقلبات الأحوال.

فإن قلت: أليس هو المطلّق للدنيا فأين هذا القول من طلاقها ثلاثا قلت: إنّه يطلّقها من حيث هى دنيا، و لم يردها لذاتها، و لم يطلّقها من حيث يعمر بها الآخرة بإنكار المنكرات، و إظهار العدل و إقامة عمود الدين و حراسته فإنّ طلبه لها إنّما كان لذلك كما سبق في قوله لابن عبّاس بذي قار و هو يخصف نعله، و شبّه انتظاره للغير بانتطار المجدب للمطر، و وجه الشبه شدّة التوقّع و انتظاره، و يمكن أن يلاحظ في وجه الشبه لواحق الأمرين المنتظرين. إذ من لواحق ما انتظره هو عن الغير و انتقال الأمر إليه شمول العدل و ظهور الحقّ في موارده المشبّه لوقع المطر في الأرض المجدبة، و استلزامه للخير و البركة. ثمّ شرع في تعريف حال الأئمّة و ما نصبوا له.

و قوله: لا يدخل الجنّة إلّا من عرفهم و عرفوه. معناه أنّ أهل كلّ عصر لا يدخلون الجنّة إلّا بمعرفة إمامهم و معرفته لهم، و أراد الأئمّة من ولده عليهم السّلام و معرفتهم معرفة حقّ ولايتهم و صدق إمامتهم، و بيان الحصر من وجهين: أحدهما: أنّ دخول الجنّة لا يمكن لأحد من هذه الأمّة إلّا باتّباع الشريعة و لزوم العمل بها و لا يمكن ذلك إلّا بمعرفتها و معرفة كيفيّة العمل بها، و لا يمكن ذلك إلّا ببيان صاحب الشريعة و القائم بها، و إرشاده و تعليمه، و ذلك لا يمكن إلّا بمعرفة المأموم للإمام و حقيّة إمامته و صدق ولائه له ليقتدي به، و معرفة الإمام للماموم ليهديه فإذن دخول الجنّة مستلزم لمعرفة الإمام للمأمومين و معرفتهم له. الثاني: أنّ معرفة هؤلاء الأئمّة على رأيه عليه السّلام كما هو المشهور المنقول عنه، و معرفة حقيّة إمامتهم و صدق ولايتهم ركن من أركان الدين فلا يدخل الجنّة إلّا من أقامه، و من عرفهم كذلك وجبت معرفتهم له بذلك. فإن قلت: فنحن نرى كثيرا من شيعة هؤلاء الأئمّة و محبّيهم لا تعرفهم الأئمّة و لا يرون أشخاصهم.

قلت: لا يشترط في معرفتهم لمحبّيهم و معرفة محبّيهم لهم المعرفة الشخصيّة العينيّة بل الشرط المعرفة على وجه كلّىّ، و هو أن يعلموا أنّ كلّ من اعتقد حقّ إمامتهم و اهتدى بما انتشر من هديهم فهو وليّ لهم، و مقيم لهذا الركن من الدين فيكونون عارفين بمن يتولّاهم على هذا الوجه و من يتولّاهم عارفا بهم لمعرفته بحقيّة ولايتهم، و اعتقاد ما يقولون و إن لم يشترط المشاهدة و المعرفة الشخصيّة، و أمّا أنّه لا يدخل النار إلّا من أنكرهم و أنكروه فهو أيضا حقّ و ذلك أنّ دخول الجنّة مستلزم لمعرفتهم على الوجه الّذي قرّرناه و منحصر فيه فكلّ واحد واحد ممّن يدخل الجنّة عارف بهم، و ذلك يستلزم أنّه لا واحد ممّن يدخل الجنّة بمنكر لهم لأنّ معرفتهم و إنكارهم ممّا لا يجتمعان في ملزوم واحد.

إذا عرفت ذلك فنقول: إنّ من أنكرهم فأنكروه لا يجوز أن يكون أعمّ ممّن يدخل النار: أمّا أوّلا فللخبر المشهور من مات و لم يعرف إمام وقته مات ميتة جاهليّة دلّ الخبر على أنّ إنكارهم مستلزم للميتة الجاهليّة المستلزمة لدخول النار، و أمّا ثانيا فلأنّه لو كان أعمّ لصدق على بعض من يدخل الجنّة فبعض المنكر لهم يدخل الجنّة فينعكس بعض من يدخل الجنّة منكر لهم، و قد بيّنا أنّه لا واحد ممّن يدخل الجنّة بمنكر لهم هذا خلف، و كذلك لا يجوز أن يكون أخصّ و إلّا لصدق على بعض من يتولّاهم و يعترف بصدق إمامتهم أنّه يدخل النار لكن ذلك باطل لقول الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يحشر المرء مع من أحبّ، و لقوله: لو أحبّ رجل حجرا لحشر معه دلّ الخبر على أنّ محبّة الإنسان لغيره مستلزمة لحشره معه، و قد ثبت أنّهم عليهم السّلام إلى الجنّة يحشرون فكذلك من أحبّهم و اعترف بحقيّة إمامتهم، و دخول الجنّة مع دخول النار ممّا لا يجتمعان فثبت أنّه لا واحد ممّن يحبّهم و يعترف بحقّهم يدخل النار فقد ظهر إذن صدق هذه الكلّيّة أيضا، و وجه الحصر فيها. ثمّ أخذ في إظهار منّة اللّه تعالى عليهم بالقرآن الكريم و تخصيصهم به من سائر الكتب و استخلاصهم له، و إعدادهم لقبوله من سائر الامم.

ثمّ نبّه على بعض أسباب إكرامه تعالى لهم به أمّا من جهة اسمه فلأنّه مشتقّ من السلامة بالدخول في الطاعة، و أمّا من معناه فمن وجوه:

أحدها: أنّه مجموع كرامة من اللّه لخلقه لأنّ مدار جميع آياته على هداية الخلق إلى سبيل اللّه القائدة إلى جنّته.
الثاني: أنّ اللّه تعالى اصطفى منهجه، و هو طريقته الواضحة المؤديّة للسالكين بأيسر سعي إلى رضوان اللّه.

الثالث: أنّه تعالى بيّن حججه، و هي الأدلّة و الأمارات، و من للتمييز و التقسيم هنا تقسيم الحجج إلى ظاهر علم، و أشار إلى ظواهر الشريعة و أحكامها الفقهيّة و أدلّة تلك الأحكام، و باطن حكم و أشار به إلى ما يشتمل عليه الكتاب العزيز من الحكمة الإلهيّة و أسرار التوحيد و علم الأخلاق و السياسات و غيرها.

الرابع: أنّه لا تفنى عزائمه [غرائبه خ‏] و أراد بالعزايم هنا آياته المحكمة و براهينه العازمة: أي القاطعة، و عدم فنائها إشارة إمّا إلى ثباتها و استقرارها و طول المدّة و تغيّر الأعصار، و إمّا إلى كثرتها عند البحث و التفتيش عنها.

الخامس: و لا تنقضى عجائبه، و ذلك أنّه كلّما تأمله الإنسان استخرج منه بفكره لطائف معجبة من أنواع العلوم لم يكن عنده من قبل.

السادس: فيه مرابيع النعم، و استعار لفظ المرابيع، و هي الأمطار تأتي زمن الربيع فتحيى الأرض و تنبت الكلاء لما يحصل عليه الإنسان من النعم ببركة القرآن و لزوم أوامره و نواهيه و حكمه و آدابه: أمّا في الدنيا فالنعم الّتي تحصل ببركته لحامليه من القرّاء و المفسّرين و غيرهم ظاهرة الكثرة، و أمّا بالنسبة إلى الآخرة فما يحصل عليه مقتبسوا أنواره من الكمالات المسعدة في الآخرة من العلوم و الأخلاق الفاضلة أعظم نعمة و أتمّ فضل، و وجه الاستعارة ظاهر.

السابع: أنّ فيه مصابيح الظلم، و استعار لفظ المصابيح لقوانينه و قواعده الهادية إلى اللّه في سبيله كما يهدي المصباح في الطريق المظلمة.

الثامن: أنّه لا تفتح الخيرات إلّا بمفاتيحه، و أراد الخيرات الحقيقيّة الباقية، و استعار لفظ المفاتيح لمناهجه و طرقه الموصلة إلى تلك الخيرات، و وجه الاستعارة كونها أسبابا موصلة إليها كما أنّ المفاتيح أسباب موصلة إلى خيرات الخزائن مثلا

التاسع: و لا ينكشف الظلمات إلّا بمصابيحه، و أراد ظلمات الجهل، و بالمصابيح قوانينه كما سبق استعارة.

العاشر: كونه قد أحمى حماه: أي هيّأه و عرّضه لأن يحمى كما يقال: أقتلت فلانا و أضربته إذا هيّأته للقتل و عرّضته للضرب، و استعار لفظ الحمى لحفظه و تدبّره و العمل بقوانينه، و وجه الاستعارة أنّ بذلك يكون حفظ الشخص و حراسته: أمّا في الدنيا فمن أيدى كثير من الظالمين لاحترامهم حملة القرآن و مفسّريه، و من يتعلّق به، و أمّا في الآخرة فلحمايته حفظته و متدبّريه و العامل به من عذاب اللّه كما يحمي الحمى من يلوذ به، و نسبة الإحماء إليه مجاز إذ المعرض له أن يتدبّر و يعمل به هو اللّه تعالى و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و حملته، و قيل: أراد بحماه محارمه، و أحماه: أي منع بنواهيه و زواجره أن يستباح محارمه، و هو أخصّ ممّا قلناه أوّلا.

الحادي عشر: و كذلك أرعى مرعاه: أي هيّأه لأن يرعى، و استعار لفظ المرعى للعلوم و الحكم و الآداب الّتي يشتمل عليها القرآن، و وجه المشابهة أنّ هذه مراعي النفوس الإنسانيّة و غذاؤها الّذي به يكون نشوها العقلىّ و نمائها الفعلىّ كما أنّ المراعي المحسوسة من النبات و العشب غذاء للأبدان الحيوانيّة الّتى بها يقوم وجودها.

الثاني عشر: فيه شفاء المشتفي: أي طالب الشفاء منه: أمّا في الأبدان فبالتعوّذ به مع صدق النية فيه و سلامة الصدور، و أمّا في النفوس فلشفائها به من أمراض الجهل.

الثالث عشر: و كفاية المكتفي، و أراد بالمكتفي طالب الكفاية: أمّا من الدنيا فلأنّ حملة القرآن الطالبين به المطالب الدنيويّة هم أقدر أكثر الناس على الاحتيال به في تحصيل مطالبهم و كفايتهم بها، و أمّا في الآخرة فلأنّ طالب الكفاية منها يكفيه تدبّر القرآن و لزوم مقاصده في تحصيل مطلوبه منها، و باللّه التوفيق.

شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 3 ، صفحه‏ى 228

 

Show More

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

Back to top button
-+=