google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
140-160 خطبه ها شرح ابن ابی الحدیدخطبه ها شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

خطبه 150 شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

150 و من خطبة له ع و يومئ فيها إلى الملاحم

وَ أَخَذُوا يَمِيناً وَ شِمَالًا ظَعْناً فِي مَسَالِكِ الْغَيِّ- وَ تَرْكاً لِمَذَاهِبِ الرُّشْدِ- فَلَا تَسْتَعْجِلُوا مَا هُوَ كَائِنٌ مُرْصَدٌ- وَ لَا تَسْتَبْطِئُوا مَا يَجِي‏ءُ بِهِ الْغَدُ- فَكَمْ مِنْ مُسْتَعْجِلٍ بِمَا إِنْ أَدْرَكَهُ وَدَّ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ- وَ مَا أَقْرَبَ الْيَوْمَ مِنْ تَبَاشِيرِ غَدٍ- يَا قَوْمِ هَذَا إِبَّانُ وُرُودِ كُلِّ مَوْعُودٍ- وَ دُنُوٌّ مِنْ طَلْعَةِ مَا لَا تَعْرِفُونَ- أَلَا وَ إِنَّ مَنْ أَدْرَكَهَا مِنَّا يَسْرِي فِيهَا بِسِرَاجٍ مُنِيرٍ- وَ يَحْذُو فِيهَا عَلَى مِثَالِ الصَّالِحِينَ- لِيَحُلَّ فِيهَا رِبْقاً- وَ يُعْتِقَ فِيهَا رِقّاً وَ يَصْدَعَ شَعْباً- وَ يَشْعَبَ صَدْعاً فِي سُتْرَةٍ عَنِ النَّاسِ- لَا يُبْصِرُ الْقَائِفُ أَثَرَهُ وَ لَوْ تَابَعَ نَظَرَهُ- ثُمَّ لَيُشْحَذَنَّ فِيهَا قَوْمٌ شَحْذَ الْقَيْنِ النَّصْلَ- تُجْلَى بِالتَّنْزِيلِ أَبْصَارُهُمْ- وَ يُرْمَى بِالتَّفْسِيرِ فِي مَسَامِعِهِمْ- وَ يُغْبَقُونَ كَأْسَ الْحِكْمَةِ بَعْدَ الصَّبُوحِ يذكر ع قوما من فرق الضلال أخذوا يمينا و شمالا- أي ضلوا عن الطريق الوسطى- التي هي منهاج الكتاب و السنة- و ذلك لأن كل فضيلة و حق- فهو محبوس بطرفين خارجين عن العدالة- و هما جانبا الإفراط و التفريط- كالفطانة التي هي محبوسةبالجربزة و الغباوة- و الشجاعة التي هي محبوسة بالتهور و الجبن- و الجود المحبوس بالتبذير و الشح- فمن لم يقع على الطريق الوسطى- و أخذ يمينا و شمالا فقد ضل- .

ثم فسر قوله أخذ يمينا و شمالا- فقال ظعنوا ظعنا في مسالك الغي- و تركوا مذاهب الرشد تركا- و نصب تركا و ظعنا على المصدرية- و العامل فيهما من غير لفظهما و هو قوله أخذوا- . ثم نهاهم عن استعجال ما هو معد- و لا بد من كونه و وجوده- و إنما سماه كائنا لقرب كونه كما قال تعالى- إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ- و نهاهم أن يستبطئوا ما يجي‏ء في الغد لقرب وقوعه- كما قالو إن غدا للناظرين قريب‏- . و قال الآخرغد ما غد ما أقرب اليوم من غد- . و قال تعالى إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَ لَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ- . ثم قال كم من مستعجل أمرا و يحرص عليه- فإذا حصل ود أنه لم يحصل قال أبو العتاهية-

من عاش لاقى ما يسوء
من الأمور و ما يسر

و لرب حتف فوقه‏
ذهب و ياقوت و در

و قال آخر

فلا تتمنين الدهر شيئا
فكم أمنية جلبت منية

و قال تعالى وَ عَسى‏ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَ هُوَ شَرٌّ لَكُمْ- وَ اللَّهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ- و تباشير الصبح أوائله- . ثم قال يا قوم قد دنا وقت القيامة- و ظهور الفتن التي تظهر أمامها- . و إبان الشي‏ء بالكسر و التشديد وقته و زمانه- و كنى عن تلك الأهوال بقوله- و دنو من طلعة ما لا تعرفون- لأن تلك الملاحم و الأشراط الهائلة غير معهود مثلها- نحو دابة الأرض و الدجال و فتنته- و ما يظهر على يده من المخاريق و الأمور الموهمة- و واقعة السفياني و ما يقتل فيها من الخلائق- الذين لا يحصى عددهم- . ثم ذكر أن مهدي آل محمد ص- و هو الذي عنى بقوله- و إن من أدركها منا يسري في ظلمات هذه الفتن بسراج منير- و هو المهدي و أتباع الكتاب و السنة- .

و يحذو فيها يقتفي و يتبع مثال الصالحين ليحل في هذه الفتن- و ربقا أي حبلا معقودا- . و يعتق رقا أي يستفك أسرى- و ينقذ مظلومين من أيدي ظالمين- و يصدع شعبا أي يفرق جماعة من جماعات الضلال- و يشعب صدعا- يجمع ما تفرق من كلمة أهل الهدى و الإيمان- . قوله ع في سترة عن الناس- هذا الكلام يدل على استتار هذا الإنسان المشار إليه- و ليس ذلك بنافع للإمامية في مذهبهم- و إن ظنوا أنه تصريح بقولهم- و ذلك لأنه من الجائز أن يكون هذا الإمام- يخلقه الله تعالى في آخر الزمان- و يكون مستترا مدة و له دعاة يدعون إليه- و يقررون أمره ثم يظهر بعد ذلك الاستتار- و يملك الممالك‏و يقهر الدول و يمهد الأرض- كما ورد في قوله لا يبصر القائف- أي هو في استتار شديد لا يدركه القائف- و هو الذي يعرف الآثار و الجمع قافة- و لا يعرف أثره و لو استقصى في الطلب- و تابع النظر و التأمل- . و يقال شحذت السكين أشحذه شحذا أي حددته- يريد ليحرضن في هذه الملاحم قوم على الحرب و قتل أهل الضلال- و لتشحذن عزائمهم كما يشحذ الصيقل السيف- و يرقق حده- .

ثم وصف هؤلاء القوم المشحوذي العزائم- فقال تجلى بصائرهم بالتنزيل- أي يكشف الرين و الغطاء عن قلوبهم بتلاوة القرآن- و إلهامهم تأويله و معرفة أسراره- . ثم صرح بذلك فقال و يرمى بالتفسير في مسامعهم- أي يكشف لهم الغطاء و تخلق المعارف في قلوبهم- و يلهمون فهم الغوامض و الأسرار الباطنة- و يغبقون كأس الحكم بعد الصبوح- أي لا تزال المعارف الربانية و الأسرار الإلهية- تفيض عليهم صباحا و مساء- فالغبوق كناية عن الفيض الحاصل لهم في الآصال- و الصبوح كناية عما يحصل لهم منه في الغدوات- و هؤلاء هم العارفون- الذين جمعوا بين الزهد و الحكمة و الشجاعة- و حقيق بمثلهم أن يكونوا أنصارا لولي الله الذي يجتبيه- و يخلقه في آخر أوقات الدنيا فيكون خاتمة أوليائه- و الذي يلقى عصا التكليف عنده:

مِنْهَا- وَ طَالَ الْأَمَدُ بِهِمْ لِيَسْتَكْمِلُوا الْخِزْيَ وَ يَسْتَوْجِبُوا الْغِيَرَ حَتَّى إِذَا اخْلَوْلَقَ‏ الْأَجَلُ- وَ اسْتَرَاحَ قَوْمٌ إِلَى الْفِتَنِ- وَ اشْتَالُوا عَنْ لَقَاحِ حَرْبِهِمْ- لَمْ يَمُنُّوا عَلَى اللَّهِ بِالصَّبْرِ- وَ لَمْ يَسْتَعْظِمُوا بَذْلَ أَنْفُسِهِمْ فِي الْحَقِّ- حَتَّى إِذَا وَافَقَ وَارِدُ الْقَضَاءِ انْقِطَاعَ مُدَّةِ الْبَلَاءِ- حَمَلُوا بَصَائِرَهُمْ عَلَى أَسْيَافِهِمْ- وَ دَانُوا لِرَبِّهِمْ بِأَمْرِ وَاعِظِهِمْ هذا الكلام يتصل بكلام قبله- لم يذكره الرضي رحمه الله- و هو وصف فئة ضالة قد استولت و ملكت- و أملى لها الله سبحانه- قال ع و طال الأمد بهم ليستكملوا الخزي- و يستوجبوا الغير- أي النعم التي يغيرها بهم من نعم الله سبحانه- كما قال وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها- فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً- و كما قال تعالى سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ- .

حتى إذا اخلولق الأجل- أي قارب أمرهم الانقضاء- من قولك اخلولق السحاب أي استوى- و صار خليقا بأن يمطر- و اخلولق الرسم استوى مع الأرض- . و استراح قوم إلى الفتن- أي صبا قوم من شيعتنا- و أوليائنا إلى هذه الفئة- و استراحوا إلى ضلالها و فتنتها و اتبعوها- . و اشتالوا عن لقاح حربهم- أي رفعوا أيديهم و سيوفهم- عن أن يشبوا الحرب بينهم و بين هذه الفئة- مهادنة لها و سلما و كراهية للقتال- يقال شال فلان كذا أي رفعه و اشتال افتعل هو في نفسه- كقولك حجم زيد عمرا و احتجم هو نفسه- و لقاح حربهم هو بفتح اللام مصدر من لقحت الناقة- .

قوله لم يمنوا هذا جواب قوله حتى إذا- و الضمير في يمنوا راجع إلى‏العارفين- الذين تقدم ذكرهم في الفصل السابق ذكره- يقول حتى إذا ألقى هؤلاء السلام إلى هذه الفئة عجزا عن القتال- و استراحوا من منابذتهم- بدخولهم في ضلالتهم و فتنتهم- إما تقية منهم أو لشبهة دخلت عليهم- أنهض الله تعالى هؤلاء العارفين الشجعان- الذين خصهم بحكمته- و أطلعهم على أسرار ملكوته فنهضوا- و لم يمنوا على الله تعالى بصبرهم- و لم يستعظموا أن يبذلوا في الحق نفوسهم- قال حتى إذا وافق قضاء الله تعالى و قدره- كي ينهض هؤلاء بقضاء الله و قدره- في انقضاء مدة تلك الفئة- و ارتفاع ما كان شمل الخلق من البلاء بملكها و إمرتها- حمل هؤلاء العارفون بصائرهم على أسيافهم- و هذا معنى لطيف- يعني أنهم أظهروا بصائرهم و عقائدهم و قلوبهم للناس- و كشفوها و جردوها من أجفانها- مع تجريد السيوف من أجفانها- فكأنها شي‏ء محمول على السيوف يبصره من يبصر السيوف- و لا ريب أن السيوف المجردة من أجلى الأجسام للأبصار- فكذلك ما يكون محمولا عليها- و من الناس من فسر هذا الكلام فقال- أراد بالبصائر جمع بصيرة و هو الدم- فكأنه أراد طلبوا ثأرهم- و الدماء التي سفكتها هذه الفئة- و كأن تلك الدماء المطلوب ثأرها- محمولة على أسيافهم التي جردوها للحرب- و هذا اللفظ قد قاله بعض الشعراء المتقدمين بعينه-

راحوا بصائرهم على أكتافهم
و بصيرتي يعدو بها عتد وأى‏

و فسره أبو عمرو بن العلاء فقال- يريد أنهم تركوا دم أبيهم و جعلوه خلفهم- أي لم يثأروا به و أنا طلبت ثأري- و كان أبو عبيدة معمر بن المثنى يقول في هذا البيت- البصيرة الترس أو الدرع و يرويه حملوا بصائرهم‏:

حَتَّى إِذَا قَبَضَ اللَّهُ رَسُولَهُ رَجَعَ قَوْمٌ عَلَى الْأَعْقَابِ- وَ غَالَتْهُمُ السُّبُلُ وَ اتَّكَلُوا عَلَى الْوَلَائِجِ- وَ وَصَلُوا غَيْرَ الرَّحِمِ- وَ هَجَرُوا السَّبَبَ الَّذِي أُمِرُوا بِمَوَدَّتِهِ- وَ نَقَلُوا الْبِنَاءَ عَنْ رَصِّ أَسَاسِهِ فَبَنَوْهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ- مَعَادِنُ كُلِّ خَطِيئَةٍ وَ أَبْوَابُ كُلِّ ضَارِبٍ فِي غَمْرَةٍ- قَدْ مَارُوا فِي الْحَيْرَةِ وَ ذَهَلُوا فِي السَّكْرَةِ- عَلَى سُنَّةٍ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ- مِنْ مُنْقَطِعٍ إِلَى الدُّنْيَا رَاكِنٍ- أَوْ مُفَارِقٍ لِلدِّينِ مُبَايِنٍ رجعوا على الأعقاب تركوا ما كانوا عليه- قال سبحانه وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى‏ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً- . و غالتهم السبل أهلكهم اختلاف الآراء و الأهواء- غاله كذا أي أهلكه و السبل الطرق- .

و الولائج جمع وليجة- و هي البطانة يتخذها الإنسان لنفسه- قال سبحانه وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لا رَسُولِهِ- وَ لَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً- . و وصلوا غير الرحم أي غير رحم رسول الله ص- فذكرها ع‏ذكرا مطلقا غير مضاف للعلم بها- كما يقول القائل أهل البيت- فيعلم السامع أنه أراد أهل بيت الرسول- . و هجروا السبب يعني أهل البيت أيضا- و هذه إشارة إلىقول النبي ص خلفت فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي أهل بيتي- حبلان ممدودان من السماء إلى الأرض- لا يفترقان حتى يردا علي الحوض- فعبر أمير المؤمنين عن أهل البيت بلفظ السبب- لما كان النبي ص قال حبلان- و السبب في اللغة الحبل- .

عنى بقوله أمروا بمودته قول الله تعالى- قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‏- . قوله و نقلوا البناء عن رص أساسه- الرص مصدر رصصت الشي‏ء أرصه أي ألصقت بعضه ببعض- و منه قوله تعالى كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ- و تراص القوم في الصف أي تلاصقوا- فبنوه في غير موضعه- و نقلوا الأمر عن أهله إلى غير أهله- .

ثم ذمهم ع و قال- إنهم معادن كل خطيئة و أبواب كل ضارب في غمرة- الغمرة الضلال و الجهل- و الضارب فيها الداخل المعتقد لها- . قد ماروا في الحيرة مار يمور إذا ذهب و جاء- فكأنهم يسبحون في الحيرة كما يسبح الإنسان في الماء- . و ذهل فلان بالفتح يذهل- على سنة من آل فرعون أي على طريقة و آل فرعون أتباعه- قال تعالى أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ-من منقطع إلى الدنيا لا هم له غيرها- راكن مخلد إليها- قال الله تعالى وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا- أو مفارق للدين مباين مزايل- . فإن قلت أي فرق بين الرجلين- و هل يكون المنقطع إلى الدنيا إلا مفارقا للدين- قلت قد يكون في أهل الضلال- من هو مفارق للدين مباين- و ليس براكن إلى الدنيا و لا منقطع إليها- كما نرى كثيرا من أحبار النصارى و رهبانهم- .

فإن قلت أ ليس هذا الفصل صريحا في تحقيق مذهب الإمامية- قلت لا بل نحمله على أنه عنى ع- أعداءه الذين حاربوه من قريش و غيرهم من أفناء العرب- في أيام صفين و هم الذين نقلوا البناء- و هجروا السبب و وصلوا غير الرحم- و اتكلوا على الولائج و غالتهم السبل- و رجعوا على الأعقاب كعمرو بن العاص- و المغيرة بن شعبة و مروان بن الحكم- و الوليد بن عقبة و حبيب بن مسلمة- و بسر بن أرطاة و عبد الله بن الزبير- و سعيد بن العاص و حوشب و ذي الكلاع- و شرحبيل بن السمط و أبي الأعور السلمي- و غيرهم ممن تقدم ذكرنا له- في الفصول المتعلقة بصفين و أخبارها- فإن هؤلاء نقلوا الإمامة عنه ع إلى معاوية- فنقلوا البناء عن رص أصله إلى غير موضعه- .

فإن قلت لفظ الفصل يشهد بخلاف ما تأولته- لأنه قال ع حتى إذا قبض الله رسوله رجع قوم على الأعقاب- فجعل رجوعهم على الأعقاب عقيب قبض الرسول ص- و ما ذكرته أنت كان بعد قبض الرسول بنيف و عشرين سنة- . قلت ليس يمتنع أن يكون هؤلاء المذكورون رجعوا على الأعقاب- لما مات رسول الله ص- و أضمروا في أنفسهم مشاقة أمير المؤمنين و أذاه- و قد كان فيهم من‏ يتحكك به- في أيام أبي بكر و عمر و عثمان- و يتعرض له- و لم يكن أحد منهم و لا من غيرهم يقدم على ذلك- في حياة رسول الله- و لا يمتنع أيضا أن يريد برجوعهم على الأعقاب- ارتدادهم عن الإسلام بالكلية- فإن كثيرا من أصحابنا- يطعنون في إيمان بعض من ذكرناه- و يعدونهم من المنافقين- و قد كان سيف رسول الله ص يقمعهم- و يردعهم عن إظهار ما في أنفسهم من النفاق- فأظهر قوم منهم بعده ما كانوا يضمرونه من ذلك- خصوصا فيما يتعلق بأمير المؤمنين الذي ورد في حقه- ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله- إلا ببغض علي بن أبي طالب- و هو خبر محقق مذكور في الصحاح- .

فإن قلت يمنعك من هذا التأويل قوله- و نقلوا البناء عن رص أساسه فجعلوه في غير موضعه- و ذلك لأن إذا ظرف- و العامل فيها قوله رجع قوم على الأعقاب- و قد عطف عليه قوله و نقلوا البناء- فإذا كان الرجوع على الأعقاب واقعا في الظرف المذكور- و هو وقت قبض الرسول- وجب أن يكون نقل البناء إلى غير موضعه- واقعا في ذلك الوقت أيضا- لأن أحد الفعلين معطوف على الآخر- و لم ينقل أحد وقت قبض الرسول ص- البناء إلى معاوية عن أمير المؤمنين ع- و إنما نقل عنه إلى شخص آخر- و في إعطاء العطف حقه إثبات مذهب الإمامية صريحا- .

قلت إذا كان الرجوع على الأعقاب واقعا وقت قبض النبي ص- فقد قمنا بما يجب من وجود عامل في الظرف- و لا يجب أن يكون نقل البناء إلى غير موضعه واقعا- في تلك الحال أيضا- بل يجوز أن يكون واقعا في زمان آخر- إما بأن تكون الواو للاستئناف لا للعطف- أو بأن تكون للعطف في مطلق الحدث- لا في وقوع الحدث في عين ذلك الزمان المخصوص- كقوله تعالى حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها- فَأَبَوْا أَنْ‏يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً- يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ- فالعامل في الظرف استطعما- و يجب أن يكون استطعامهما- وقت إتيانهما أهلها لا محالة- و لا يجب أن تكون جميع الأفعال المذكورة المعطوفة واقعة- حال الإتيان أيضا- أ لا ترى أن من جملتها فأقامه- و لم يكن إقامة الجدار حال إتيانهما القرية- بل متراخيا عنه بزمان ما- اللهم إلا أن يقول قائل أشار بيده إلى الجدار فقام- أو قال له قم فقام- لأنه لا يمكن أن يجعل إقامة الجدار مقارنا للإتيان- إلا على هذا الوجه- و هذا لم يكن و لا قاله مفسر- و لو كان قد وقع على هذا الوجه لما قال له- لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً- لأن الأجر إنما يكون على اعتمال عمل فيه مشقة- و إنما يكون فيه مشقة إذا بناه بيده- و باشره بجوارحه و أعضائه- .

و اعلم أنا نحمل كلام أمير المؤمنين ع- على ما يقتضيه سؤدده الجليل- و منصبه العظيم و دينه القويم- من الإغضاء عما سلف ممن سلف- فقد كان صاحبهم بالمعروف برهة من الدهر- فإما أن يكون ما كانوا فيه حقهم أو حقه- فتركه لهم رفعا لنفسه عن المنازعة- أو لما رآه من المصلحة- و على كلا التقديرين فالواجب علينا- أن نطبق بين آخر أفعاله و أقواله بالنسبة إليهم و بين أولها- فإن بعد تأويل ما يتأوله من كلامه- ليس بأبعد من تأويل أهل التوحيد و العدل- الآيات المتشابهة في القرآن- و لم يمنع بعدها من الخوض في تأويلها- محافظة على الأصول المقررة فكذلك هاهنا

شرح ‏نهج ‏البلاغة(ابن ‏أبي ‏الحديد) ج 9

Show More

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

Back to top button
-+=