141 و من كلام له ع
أَيُّهَا النَّاسُ- مَنْ عَرَفَ مِنْ أَخِيهِ وَثِيقَةَ دِينٍ وَ سَدَادَ طَرِيقٍ- فَلَا يَسْمَعَنَّ فِيهِ أَقَاوِيلَ الرِّجَالِ- أَمَا إِنَّهُ قَدْ يَرْمِي الرَّامِي- وَ تُخْطِئُ السِّهَامُ وَ يُحِيلُ الْكَلَامُ- وَ بَاطِلُ ذَلِكَ يَبُورُ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ وَ شَهِيدٌ- أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ إِلَّا أَرْبَعُ أَصَابِعَ- فَسُئِلَ ع عَنْ مَعْنَى قَوْلِهِ هَذَا- فَجَمَعَ أَصَابِعَهُ وَ وَضَعَهَا بَيْنَ أُذُنِهِ وَ عَيْنِهِ ثُمَّ قَالَ- الْبَاطِلُ أَنْ تَقُولَ سَمِعْتُ- وَ الْحَقُّ أَنْ تَقُولَ رَأَيْتُ هذا الكلام هو نهي عن التسرع إلى التصديق- بما يقال من العيب و القدح في حق الإنسان المستور الظاهر- المشتهر بالصلاح و الخير و هو خلاصة قوله سبحانه- إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا- أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ- فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ- ثم ضرب ع لذلك مثلا- فقال قد يرمي الرامي فلا يصيب الغرض- و كذلك قد يطعن الطاعن فلا يكون طعنه صحيحا- و ربما كان لغرض فاسد أو سمعه ممن له غرض فاسدا- كالعدو و الحسود- و قد يشتبه الأمر فيظن المعروف منكرا- فيعجل الإنسان بقول لا يتحققه- كمن يرى غلام زيد يحمل في إناء مستور مغطى خلا- فيظنه خمرا- .
قال ع و يحيل الكلام- أي يكون باطلا أحال الرجل في منطقه- إذا تكلم الذي لا حقيقة له- و من الناس من يرويه و يحيك الكلام بالكاف- من قولك ما حاك فيه السيف- و يجوز أحاك بالهمزة أي ما أثر- يعني أن القول يؤثر في العرض و إن كان باطلا- و الرواية الأولى أشهر و أظهر- . و يبور يفسد و قوله و باطل ذلك يبور- مثل قولهم للباطل جولة و للحق دولة- و هذا من قوله تعالى- وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ- إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً- . و الإصبع مؤنثة و لذلك قال أربع أصابع فحذف الهاء- .
فإن قلت كيف يقول ع- الباطل ما يسمع و الحق ما يرى- و أكثر المعلومات إنما هي من طريق السماع- كعلمنا الآن بنبوة محمد ص بما بلغنا من معجزاته التي لم نرها- و إنما سمعناها- . قلت ليس كلامه في المتواتر من الأخبار- و إنما كلامه في الأقوال الشاذة الواردة من طريق الآحاد- التي تتضمن القدح فيمن قد غلبت نزاهته- فلا يجوز العدول عن المعلوم بالمشكوك
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 9