google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
140-160 خطبه ها شرح ابن ابی الحدیدخطبه ها شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

خطبه 140 شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)(النهي عن غيبة الناس)

140 و من كلام له ع في النهي عن غيبة الناس

وَ إِنَّمَا يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْعِصْمَةِ وَ الْمَصْنُوعِ إِلَيْهِمْ فِي السَّلَامَةِ- أَنْ يَرْحَمُوا أَهْلَ الذُّنُوبِ وَ الْمَعْصِيَةِ- وَ يَكُونَ الشُّكْرُ هُوَ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ- وَ الْحَاجِزَ لَهُمْ عَنْهُمْ- فَكَيْفَ بِالْعَائِبِ الَّذِي عَابَ أَخَاهُ وَ عَيَّرَهُ بِبَلْوَاهُ- أَ مَا ذَكَرَ مَوْضِعَ سَتْرِ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ ذُنُوبِهِ- مِمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ الَّذِي عَابَهُ بِهِ- وَ كَيْفَ يَذُمُّهُ بِذَنْبٍ قَدْ رَكِبَ مِثْلَهُ- فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَكِبَ ذَلِكَ الذَّنْبَ بِعَيْنِهِ- فَقَدْ عَصَى اللَّهَ فِيمَا سِوَاهُ مِمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ- وَ ايْمُ اللَّهِ لَئِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَاهُ فِي الْكَبِيرِ- وَ عَصَاهُ فِي الصَّغِيرِ لَجُرْأَتُهُ عَلَى عَيْبِ النَّاسِ أَكْبَرُ- يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَعْجَلْ فِي عَيْبِ أَحَدٍ بِذَنْبِهِ- فَلَعَلَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ وَ لَا تَأْمَنْ عَلَى نَفْسِكَ صَغِيرَ مَعْصِيَةٍ- فَلَعَلَّكَ مُعَذَّبٌ عَلَيْهِ- فَلْيَكْفُفْ مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ عَيْبَ غَيْرِهِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ عَيْبِ نَفْسِهِ- وَ لْيَكُنِ الشُّكْرُ شَاغِلًا لَهُ عَلَى مُعَافَاتِهِ مِمَّا ابْتُلِيَ غَيْرُهُ بِهِ ليس في هذا الفصل من غريب اللغة ما نشرح‏

أقوال مأثورة في ذم الغيبة و الاستماع إلى المغتابينو نحن نذكر مما ورد في الغيبة لمعا نافعة- على عادتنا في ذكر الشي‏ء عند مرورنا على ما يقتضيه و يستدعيه- . و قد ورد في الكتاب العزيز ذم الغيبة- قال سبحانه وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وقال رسول الله ص لا تحاسدوا و لا تباغضوا و لا يغتب بعضكم بعضا- و كونوا عباد الله إخواناوروى جابر و أبو سعيد عنه ص إياكم و الغيبة فإن الغيبة أشد من الزنا- إن الرجل يزني فيتوب الله عليه- و إن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبهوروى أنس عنه ص مررت ليلة أسري بي- فرأيت قوما يخمشون وجوههم بأظافيرهم- فسألت جبريل عنهم فقال هؤلاء الذين يغتابون الناسوفي حديث سلمان قلت يا رسول الله علمني خيرا ينفعني الله به-

قال لا تحقرن من المعروف شيئا- و لو أرفضت من دلوك في إناء المستقي- و الق أخاك ببشر حسن و لا تغتابنه إذا أدبروفي حديث البراء بن عازب خطبنا رسول الله ص حتى أسمع العواتق في بيوتهن- فقال ألا لا تغتابوا المسلمين و لا تتبعوا عوراتهم- فإنه من يتتبع عورة أخيه تتبع الله عورته- و من يتتبع الله عورته يفضحه في جوف بيتهوفي حديث أنس أن رسول الله ص قال في يوم صوم- إن فلانة و فلانة كانتا تأكلان اليوم شحم امرأة مسلمة- يعني الغيبة- فمرهما فلتتقيئا فقاءت كل واحدة منهما علقة دموفي الصحاح المجمع عليها أنه ع مر بقبرين جديدين- فقال إنهما ليعذبان و ما يعذبان بكبير- أما أحدهما فكان يغتاب الناس- و أما الآخر فكان لا يتنزه من البول- و دعا بجريدة رطبة فكسرها اثنتين- أو قال دعا بجريدتين ثم غرسهما في القبرين-

و قال أما إنه سيهون من عذابهما ما دامتا رطبتين وفي حديث ابن عباس أن رجلين من أصحابه- اغتابا بحضرته رجلا و هو يمشي ع و هما يمشيان معه- فمر على جيفة فقال انهشا منها فقالا يا رسول الله- أ و ننهش الجيفة- فقال ما أصبتما من أخيكما أنتن من هذهوفي حديث أبي هريرة من أكل لحم أخيه حيا قرب إليه لحمه في الآخرة- فقيل له كله ميتا كما أكلته حيا- فيأكله و يضج و يكلحو روي أن رجلين كانا عند باب المسجد- فمر بهما رجل كان مخنثا فترك ذلك- فقالا لقد بقي عنده منه شي‏ء فأقيمت الصلاة- فصليا مع الناس و ذلك يجول في أنفسهما فأتيا عطاء بن أبي رباح- فسألاه فأمرهما أن يعيدا الوضوء و الصلاة- و إن كانا صائمين أن يقضيا صيام ذلك اليوم- . و عن مجاهد وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ- الهمزة الطعان في الناس و اللمزة النمام- . و عن الحسن- و الله للغيبة أسرع في دين المؤمن من الأكلة في الجسد- .

بعضهم أدركنا السلف- و هم لا يرون العبادة في الصوم و لا في الصلاة- و لكن في الكف عن أعراض الناس- . ابن عباس إذا أردت أن تذكر عيوب صاحبك- فاذكر عيوبك و هذا مشتق من كلام أمير المؤمنين ع- . أبو هريرة يبصر أحدهما القذى في عين أخيه- و لا يبصر الجذع في عين نفسه و هذا كالأول- . الحسن يا ابن آدم إنك إن قضيت حقيقة الإيمان- فلا تعب الناس بعيب هو فيك- حتى تبدأ بإصلاح ذلك العيب من نفسك- فإذا فعلت ذلك كان شغلك في خاصة نفسك- و أحب العباد إلى الله من كان هكذا- .

ويروى أن المسيح ع مر على جيفة كلب- فقال بعض التلامذة ما أشد نتنه- فقال المسيح ما أشد بياض أسنانه- كأنه نهاهم عن غيبة الكلب و نبههم- إلى أنه لا ينبغي أن يذكر من كل شي‏ء إلا أحسنه- . وسمع علي بن الحسين ع رجلا يغتاب آخر- فقال إن لكل شي‏ء إداما و إدام كلاب الناس الغيبةوفي خطبة حجة الوداع أيها الناس إن دماءكم و أموالكم- و أعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا- في شهركم هذا في بلدكم هذا- إن الله حرم الغيبة كما حرم المال و الدمعمر: ما يمنعكم إذا رأيتم من يخرق أعراض الناس- أن تعربوا عليه أي تقبحوا- قالوا نخاف سفهه و شره- قال ذلك أدنى ألا تكونوا شهداءأنس يرفعه من مات على الغيبة- حشر يوم القيامة مزرقة عيناه- ينادى بالويل و الندامة يعرف أهله و لا يعرفونهو قال هشام بن عبد الملك في بعض ولد الوليد بن عقبة-

أبلغ أبا وهب إذا ما لقيته
بأنك شر الناس غيبا لصاحب‏

فتبدي له بشرا إذا ما لقيته‏
و تلسعه بالغيب لسع العقارب‏

مر الشعبي بقوم يغتابونه في المسجد- و فيهم بعض أصدقائه فأخذ بعضادتي الباب و قال-

هنيئا مريئا غير داء مخامر
لعزة من أعراضنا ما استحلت‏

و من كلام بعض الحكماء- أبصر الناس بالعوار المعوار- هذا مثل قول الشاعر-

و أجرأ من رأيت بظهر غيب
على عيب الرجال ذوو العيوب‏

قيل لشبيب بن شبة بن عقال- ما بال عبد الله بن الأهتم يغتابك و ينتقصك- قال لأنه شقيقي في النسب- و جاري في البلد و شريكي في الصنعة- . دخل أبو العيناء على المتوكل و عنده جلساؤه فقال له- يا محمد كلهم كانوا في غيبتك منذ اليوم- و لم يبق أحد لم يذممك غيري فقال-

إذا رضيت عني كرام عشيرتي
فلا زال غضبان علي لئامها

قال بعضهم بت بالبصرة ليلة مع المسجديين- فلما كان وقت السحر حركهم واحد- فقال إلى كم هذا النوم عن أعراض الناس- و قيل لشاعر وصله بعض الرؤساء- و أنعم عليه ما صنع بك فلان قال ما وفت نعمته بإساءته- منعني لذة الثلب و حلاوة الشكوى- . أعرابي من عاب سفلة فقد رفعه- و من عاب شريفا فقد وضع نفسه- .

نظر بعض السلف إلى رجل يغتاب رجلا- و قال يا هذا إنك تملي على حافظيك كتابا فانظر ما ذا تقول- . ابن عباس ما الأسد الضاري على فريسة- بأسرع من الدني‏ء في عرض السري- بعضهم

و مطروفة عيناه عن عيب نفسه
فإن لاح عيب من أخيه تبصرا

و قالت رابعة العدوية- إذا نصح الإنسان لله أطلعه الله تعالى على مساوئ عمله- فتشاغل بها عن ذكر مساوئ خلقه- . قال عبد الله بن عروة بن الزبير لابنه- يا بني عليك بالدين- فإن الدنيا ما بنت شيئا إلا هدمه الدين- و إذا بنى الدين شيئا لم تستطع الدنيا هدمه- أ لا ترى علي بن أبي طالب- و ما يقول فيه خطباء بني أمية من ذمه و عيبه و غيبته- و الله لكأنما يأخذون بناصيته إلى السماء- أ لا تراهم كيف يندبون موتاهم و يرثيهم شعراؤهم- و الله لكأنما يندبون جيف الحمر- .

و من كلام بعض الصالحين- الورع في المنطق أشد منه في الذهب و الفضة- لأنك إذا استودعك أخوك مالا- لم تجد بك نفسك لخيانة فيه- و قد استودعك عرضه و أنت تغتابه و لا تبالي- . كان محمد بن سيرين قد جعل على نفسه- كلما اغتاب أحدا أن يتصدق بدينار- و كان إذا مدح أحدا قال- هو كما يشاء الله و إذا ذمه قال هو كما يعلم الله- . الأحنف في خلتان لا أغتاب جليسي إذا قام عني- و لا أدخل بين القوم فيما لم يدخلوني فيه- . قيل لرجل من العرب من السيد فيكم- قال الذي إذا أقبل هبناه و إذا أدبر اغتبناه- .قيل للربيع بن خيثم ما نراك تعيب أحدا- فقال لست راضيا على نفسي فأتفرغ لذكر عيوب الناس ثم قال-

لنفسي أبكي لست أبكي لغيرها
لنفسي في نفسي عن الناس شاغل‏

عبد الله بن المبارك قلت لسفيان- ما أبعد أبا حنيفة من الغيبة ما سمعته يغتاب عدوا- قال هو و الله أعقل من أن يسلط على حسناته ما يذهب بها- . سئل فضيل عن غيبة الفاسق فقال لا تشتغل بذكره- و لا تعود لسانك الغيبة أشغل لسانك بذكر الله- و إياك ذكر الناس فإن ذكر الناس داء و ذكر الله دواء- . بعض الشعراء

و لست بذي نيرب في الصديق
خئون العشيرة سبابها

و لا من إذا كان في مجلس‏
أضاع القبيلة و اغتابها

و لكن أبجل ساداتها
و لا أتعلم ألقابها

و كان يقال الغيبة فاكهة القراء- و قيل لإسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة- أي اللحمان أطيب قال لحوم الناس- هي و الله أطيب من لحوم الدجاج و الدراج يعني الغيبة- . ابن المغيرة لا تذكر الميت بسوء- فتكون الأرض أكتم عليه منك- . و كان عبد الملك بن صالح الهاشمي إذا ذكر عنده الميت بسوء- يقول كفوا عن أسارى الثرى- . وفي الأثر سامع الغيبة أحد المغتابين- .أبو نواس

ما حطك الواشون من رتبة
عندي و ما ضرك مغتاب‏

كأنهم أثنوا و لم يعلموا
عليك عندي بالذي عابوا

الحسن ذم الرجل في السر مدح له في العلانية- .علي ع الغيبة جهد العاجز- أخذه المتنبي فقالو أكبر نفسي عن جزاء بغيبةو كل اغتياب جهد من ما له جهد- . بلغ الحسن أن رجلا اغتابه- فأهدى إليه طبقا من رطب فجاءه الرجل معتذرا- و قال أصلحك الله اغتبتك فأهديت لي- قال إنك أهديت إلي حسناتك فأردت أن أكافئك- .

أتى رجل عمرو بن عبيد الله فقال له- إن الأسواري لم يزل أمس يذكرك و يقول- عمرو الضال فقال له يا هذا- و الله ما رعيت حق مجالسة الرجل حين نقلت إلينا حديثه- و لا رعيت حقي حين بلغت عن أخي ما أكرهه- أعلمه أن الموت يعمنا و البعث يحشرنا و القيامة تجمعنا- و الله يحكم بيننا

حكم الغيبة في الدين

و اعلم أن العلماء ذكروا في حد الغيبة- أن تذكر أخاك بما يكرهه لو بلغه- سواء ذكرت نقصانا في بدنه- مثل أن تقول الأقرع أو الأعور أو في نسبه نحو أن تقول- ابن النبطي و ابن الإسكاف أو الزبال أو الحائك أو خلقه- نحو سيئ الخلق أو بخيل‏ أو متكبر- أو في أفعاله الدنيئة نحو قولك- كذاب و ظالم و متهاون بالصلاة- أو الدنيوية نحو قولك قليل الأدب متهاون بالناس- كثير الكلام كثير الأكل- أو في ثوبه كقولك وسخ الثياب كبير العمامة طويل الأذيال- .

و قد قال قوم لا غيبة في أمور الدين- لأن المغتاب إنما ذم ما ذمه الله تعالى- و احتجوا بما روي أنه ذكر لرسول الله ص امرأة و كثرة صومها و صلاتها- و لكنها تؤذي جارتها فقال هي في النار- و لم ينكر عليهم غيبتهم إياها- .و روي أن امرأة ذكرت عنده ع بأنها بخيلة- فقال فما خيرها إذن- . و أكثر العلماء على أن الغيبة في أمور الدين محرمة أيضا- و ادعوا الإجماع على أن من ذكر غيره بما يكرهه فهو مغتاب- سواء أ كان في الدين أو في غيره- قالوا و المخالف مسبوق بهذا الإجماع- و قالوا وقد روي عن النبي ص أنه قال هل تدرون ما الغيبة قالوا الله و رسوله أعلم- قال ذكرك أخاك بما يكرهه- فقائل قال أ رأيت يا رسول الله إن كان ذلك في أخي- قال إن كان فيه فقد اغتبته و إن لم يكن فقد بهته- .

قالوا وروى معاذ بن جبل أن رجلا ذكر عند رسول الله ص- فقال قوم ما أعجزه فقال ع اغتبتم صاحبكم- فقالوا قلنا ما فيه فقال إن قلتم ما ليس فيه فقد بهتموه- . قالوا و ما احتج به الزاعمون أن لا غيبة في الدين- ليس بحجة لأن الصحابة- إنما ذكرت ذلك في مجلس رسول الله ص لحاجتها- إلى تعرف الأحكام بالسؤال و لم يكن غرضها التنقص- .

و اعلم أن الغيبة ليست مقصورة على اللسان فقط- بل كل ما عرفت به صاحبك‏ نقص أخيك فهو غيبة- فقد يكون ذلك باللسان- و قد يكون بالإشارة و الإيماء و بالمحاكاة- نحو أن تمشي خلف الأعرج متعارجا- و بالكتاب فإن القلم أحد اللسانين- . و إذا ذكر المصنف شخصا في تصنيفه- و هجن كلامه فهو غيبة- فأما قوله قال قوم كذا فليس بغيبة لأنه لم يعين شخصا بعينه- .

وكان رسول الله ص يقول ما بال أقوام يقولون كذا- فكان لا يعين- و يكون مقصوده واحدا بعينه و أخبث أنواع الغيبة غيبة القراء المراءين- و ذلك نحو أن يذكر عندهم إنسان فيقول قائلهم- الحمد لله الذي لم يبلنا بدخول أبواب السلطان- و التبذل في طلب الحطام- و قصده أن يفهم الغير عيب ذلك الشخص- فتخرج الغيبة في مخرج الحمد و الشكر لله تعالى- فيحصل من ذلك غيبة المسلم و يحصل منه الرياء- و إظهار التعفف عن الغيبة و هو واقع فيها- و كذلك يقول لقد ساءني ما يذكر به فلان- نسأل الله أن يعصمه و يكون كاذبا في دعوى أنه ساءه- و في إظهار الدعاء له- بل لو قصد الدعاء له لأخفاه في خلوة عقب صلواته- و لو كان قد ساءه لساءه أيضا إظهار ما يكرهه ذلك الإنسان- .

و اعلم أن الإصغاء إلى الغيبة على سبيل التعجب كالغيبة- بل أشد لأنه إنما يظهر التعجب ليزيد نشاط المغتاب في الغيبة- فيندفع فيها حكاية يستخرج الغيبة منه بذلك- و إذا كان السامع الساكت شريك المغتاب- فما ظنك بالمجتهد في حصول الغيبة- و الباعث على الاستزادة منها- و قد روي أن أبا بكر و عمر ذكرا إنسانا عند رسول الله- فقال أحدهما إنه لنئوم ثم أخرج رسول الله ص خبزا قفارا- فطلبا منه أدما فقال قد ائتدمتما قالا ما نعلمه- قال بلى بما أكلتما من لحم صاحبكما فجمعهما في الإثم- و قد كان أحدهما قائلا و الآخر مستمعا- فالمستمع لا يخرج من إثم الغيبة إلا بأن ينكر بلسانه- فإن خاف فبقلبه و إن قدر على القيام- أو قطع الكلام بكلام آخر لزمه ذلك- فإن قال بلسانه اسكت و هو مريد للغيبة بقلبه فذلك نفاق- و لا يخرجه عن الإثم إلا أن يكرهه بقلبه- و لا يكفي أن يشير باليد أي اكفف أو بالحاجب و العين- فإن ذلك استحقار للمذكور بل ينبغي أن يذب عنه صريحا-فقد قال رسول الله ص من أذل عنده مؤمن- و هو يقدر على أن ينصره فلم ينصره- أذله الله يوم القيامة على رءوس الخلائق

فصل في الأسباب الباعثة على الغيبة

و اعلم أن الأسباب الباعثة على الغيبة على أمور- منها شفاء الغيظ- و ذلك أن يجري من الإنسان سبب يغضب به عليه آخر- فإذا هاج غضبه تشفى بذكر مساوئه- و سبق إليها لسانه بالطبع إن لم يكن هناك دين وازع- و قد يمنع تشفي الغيظ عند الغضب- فيحتقن الغضب في الباطن- فيصير حقدا ثابتا فيكون سببا دائما لذكر المساوئ- . و منها موافقة الأقران و مساعدتهم على الكلام- فإنهم إذا اجتمعوا ربما أخذوا يتفكهون بذكر الأعراض- فيرى أنه لو أنكر أو قطع المجلس استثقلوه- و نفروا عنه فيساعدهم و يرى ذلك من حسن المعاشرة- و يظن أنه مجاملة في الصحبة- و قد يغضب رفقاؤه من أمر فيحتاج إلى أن يغضب لغضبهم- إظهارا للمساهمة في السراء و الضراء- فيخوض معهم في ذكر العيوب و المساوئ- .

و منها أن يستشعر من إنسان أنه سيذمه- و يطول لسانه فيه و يقبح حاله عند بعض الرؤساء- أو يشهد عليه بشهادة فيبادره قبل أن يقبح حاله- فيطعن فيه ليسقط أثر شهادته عليه- . و قد يبتدئ بذكر بعض ما فيه صادقا- ليكذب عليه بعد ذلك- فيروج كذبه بالصدق الأول- . و منها أن ينسب إلى أمر فيريد التبرؤ منه- فيذكر الذي فعله و كان من حقه أن يبرئ نفسه- و لا يذكر الذي فعله- لكنه إنما يذكر غيره تأكيدا لبراءة نفسه- و كيلا يكون تبرؤا مبتورا- و ربما يعتذر بأن يقول فلان فعله- و كنت شريكا في بعض الأمر ليبرئ نفسه بعض البراءة- . و منها المباهاة و حب الرئاسة مثل أن يقول- كلام فلان ركيك و معرفته بالفن الفلاني ناقصة- و غرضه إظهار فضله عليه- .

و منها الحسد- و إرادة إسقاط قدر من يمدحه الناس بذكر مساوئه- لأنه يشق عليه ثناء الناس عليه- و لا يجد سبيلا إلى سد باب الثناء عليه إلا بذكر عيوبه- . و منها اللعب و الهزل و المطايبة- و تزجية الوقت بالضحك و السخرية- فيذكر غيره بما يضحك الحاضرين على سبيل الهزء و المحاكاة- .

و اعلم أن الذي يقوى في نفسي- أن الغيبة لا تكون محرمة- إلا إذا كانت على سبيل القصد- إلى تنقص الإنسان فقط و غض قدره- فأما إذا خرجت مخرجا آخر فليست بحرام- كمن يظلمه القاضي و يأخذ الرشوة على إسقاط حقوقه- فإن له أن يذكر حاله للسلطان متظلما من حيف الحاكم عليه- إذ لا يمكنه استيفاء حقوقه إلا بذلك-فقد قال ص مطل الغني ظلموقال لي الواجد يحل عقوبته و عرضهو كذلك النهي عن المنكر واجب- و قد يحتاج الإنسان إلى الاستعانة بالغير على تغييره- و رد القاضي إلى منهج الصلاح- فلا بد له أن يشرح للغير- حال ذلك الإنسان المرتكب المنكر- و من ذكر الإنسان بلقب مشهور فعرف عن عيبه- كالأعرج و الأعمش المحدثين- لم يكن مغتابا إذا لم يقصد الغض و النقص- .

و الصحيح أن المجاهر بالفسق لا غيبة له- كصاحب الماخور و المخنث- و من يدعو الناس إلى نفسه أبنة و كالعشار و المستخرج بالضرب- فإن هؤلاء غير كارهين لما يذكرون به- و ربما تفاخروا بذلك- وقد قال النبي ص من ألقى جلباب الحياء عن وجهه فلا غيبة له- و قال عمر ليس لفاجر حرمة- و أراد المجاهر بالفسق دون المستتر- . و قال الصلت بن طريف قلت للحسن رحمه الله- الرجل الفاجر المعلن بالفجور غير مراقب- هل ذكري له بما فيه غيبة فقال لا و لا كرامة له

طريق التوبة من الغيبة

و اعلم أن التوبة من الغيبة تكفر عقابها- و التوبة منها هي الندم عليها و العزم على ألا يعود- فإن لم يكن الشخص المذكور قد بلغته الغيبة- فلا حاجة إلى الاستحلال منه- بل لا يجوز إعلامه بذلك- هكذا قال شيخنا أبو الحسين رحمه الله لأنه لم يؤلمه- فيحتاج إلى أن يستوهب منه إثم ذلك الإيلام- و في إعلامه تضييق صدره و إدخال مشقة عليه- و إن كان الشخص المذكور قد بلغته الغيبة- وجب عليه أن يستحله و يستوهبه- فإن كان قد مات سقط بالتوبة- عقاب ما يختص بالبارئ سبحانه من ذلك الوقت- و بقي ما يختص بذلك الميت لا يسقط- حتى يؤخذ العوض له من المذنب يوم القصاص

شرح ‏نهج ‏البلاغة(ابن ‏أبي ‏الحديد) ج 9

Show More

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

Back to top button
-+=