و من كلام له عليه السّلام
أَيُّهَا النَّاسُ- مَنْ عَرَفَ مِنْ أَخِيهِ وَثِيقَةَ دِينٍ وَ سَدَادَ طَرِيقٍ- فَلَا يَسْمَعَنَّ فِيهِ أَقَاوِيلَ الرِّجَالِ- أَمَا إِنَّهُ قَدْ يَرْمِي الرَّامِي- وَ تُخْطِئُ السِّهَامُ وَ يُحِيلُ الْكَلَامُ- وَ بَاطِلُ ذَلِكَ يَبُورُ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ وَ شَهِيدٌ- أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْبَاطِل وَ الْحَقِّ إِلَّا أَرْبَعُ أَصَابِعَ
قال الشريف: فسئل عليه السلام عن معنى قوله هذا، فجمع أصابعه و وضعها بين أذنه و عينه، ثم قال: الباطل أن تقول سمعت، و الحقّ أن تقول رأيت.
اللغة
أقول: أحاك الكلام يحيك: إذا عمل و أثّر و كذلك حاك، و روى: يحيل: أى يبطل و لا يصيب.
و هذا الفصل نهى عن التسرّع إلى التصديق بما يقال في حقّ مستور الظاهر المشهور بالصلاح و التديّن من العيب و القدح في دينه،
و هو نهى عن سماع الغيبة بعد نهيه عنها نفسها، و إليها الإشارة بقوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ»«». ثمّ نبّه على جواز الخطأ على المتسرّعين إلى الغيبة بالمثل. فقال: أما إنّه قد يرمى الرامى و تخطىء السهام. و وجه مطابقة هذا المثل أنّ الّذي يرمى بعيب قد يكون بريئا منه فيكون الكلام في حقّه غير مطابق و لا صائب كما لا يصيب السهم الّذي يرمى به فيخطئ الغرض. و على الرواية بالكاف، و يحيك الكلام: أى أنّ السهم قد يخطىء فلا يؤثّر، و الكلام يؤثّر على كلّ حال، و إن لم يكن حقّا فإنّه يسوّد العرض و يلوّثه في نظر من لا يعرفه.
و قوله: و باطل ذلك يبور و اللّه سميع و شهيد. يجرى مجرى التهديد و تحقير ثمرة ذلك القول الكاذب الّذي لا يبقى من مال أو جاه أو نحوهما بالنسبة إلى عظم عقوبة اللّه و غضبه الباقى فإنّ سمعه و شهادته مستلزمان لغضبه المستلزم لعقوبته. و قوله: أما إنّه ليس بين الحقّ و الباطل إلّا مقدار أربع أصابع. فتفسيره الفعل المذكور، و تفسير ذلك الفعل هو قوله: الباطل أن تقول: سمعت، و الحقّ أن تقول: رأيت. ثمّ هاهنا لطيفتان: فالاولى: أنّ قوله: الباطل أن تقول سمعت. لا يستلزم الكلّيّة حتّى يكون كلّ ما سمعه باطلًا فإنّ الباطل و المسموع مهملان. الثانية: أنّ الحقّ ليس هو قوله: رأيت. بل المرئىّ له، و الباطل هو قوله.
سمعت. بل القول المسموع له، و إنّما قوله: رأيت و سمعت. إخبار عن وصول المرئىّ و المسموع إلى بصره و سمعه فأقام هذين الخبرين مقام المخبر عنهما مجازا. و باللّه التوفيق.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 3 ، صفحهى 179