14 و من كلام له ع في مثل ذلك
: أَرْضُكُمْ قَرِيبَةٌ مِنَ الْمَاءِ بَعِيدَةٌ مِنَ السَّمَاءِ- خَفَّتْ عُقُولُكُمْ وَ سَفِهَتْ حُلُومُكُمْ- فَأَنْتُمْ غَرَضٌ لِنَابِلٍ وَ أُكْلَةٌ لآِكِلٍ وَ فَرِيسَةٌ لِصَائِلٍ الغرض ما ينصب اليرمى بالسهام- و النابل ذو النبل و الأكلة بضم الهمزة المأكول- و فريسة الأسد ما يفترسه- . و سفه فلان بالكسر أي صار سفيها و سفه بالضم أيضا- فإذا قلت سفه فلان رأيه أو حلمه أو نفسه- لم تقل إلا بالكسر لأن فعل بالضم لا يتعدى- و قولهم سفه فلان نفسه و غبن رأيه و بطر عيشه- و ألم بطنه و رفق حاله و رشد أمره- كان الأصل فيه كله سفهت نفس زيد- فلما حول الفعل إلى الرجل انتصب ما بعده بالمفعولية- هذا مذهب البصريين و الكسائي من الكوفيين- . و قال الفراء لما حول الفعل إلى الرجل- خرج ما بعده مفسرا ليدل على أن السفاهة فيه- و كان حكمه أن يكون سفه زيد نفسا- لأن المفسر لا يكون إلا نكرة- و لكنه ترك على إضافته- و نصب كنصب النكرة تشبيها بها- . و يجوز عند البصريين و الكسائي تقديم المنصوب- كما يجوز ضرب غلامه زيد- و عند الفراء لا يجوز تقديمه لأن المفسر لا يتقدم- .
فأما قوله أرضكم قريبة من الماء بعيدة من السماء- فقد قدمنا معنى قوله قريبة من الماء- و ذكرنا غرقها من بحر فارس دفعتين- و مراده ع بقوله قريبة من الماء- أي قريبة من الغرق بالماء- و أما بعيدة من السماء- فإن أرباب علم الهيئة و صناعة التنجيم يذكرون- أن أبعد موضع في الأرض عن السماء الأبلة- و ذلك موافق لقوله ع- . و معنى البعد عن السماء هاهنا- هو بعد تلك الأرض المخصوصة- عن دائرة معدل النهار و البقاع- و البلاد تختلف في ذلك- و قد دلت الأرصاد و الآلات النجومية- على أن أبعد موضع في المعمورة عن دائرة معدل النهار- هو الأبلة و الأبلة هي قصبة البصرة- . و هذا الموضع من خصائص أمير المؤمنين ع- لأنه أخبر عن أمر لا تعرفه العرب و لا تهتدى إليه- و هو مخصوص بالمدققين من الحكماء- و هذا من أسراره و غرائبه البديعة