139 و من كلام له ع في وقت الشورى
لَنْ يُسْرِعَ أَحَدٌ قَبْلِي إِلَى دَعْوَةِ حَقٍّ- وَ صِلَةِ رَحِمٍ وَ عَائِدَةِ كَرَمٍ- فَاسْمَعُوا قَوْلِي وَ عُوا مَنْطِقِي- عَسَى أَنْ تَرَوْا هَذَا الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِ هَذَا الْيَوْمِ- تُنْتَضَى فِيهِ السُّيُوفُ وَ تُخَانُ فِيهِ الْعُهُودُ- حَتَّى يَكُونَ بَعْضُكُمْ أَئِمَّةً لِأَهْلِ الضَّلَالَةِ- وَ شِيعَةً لِأَهْلِ الْجَهَالَةِ هذا من جملة كلام قاله ع لأهل الشورى بعد وفاة عمر
من أخبار يوم الشورى و تولية عثمان
و قد ذكرنا من حديث الشورى فيما تقدم ما فيه كفاية- و نحن نذكر هاهنا ما لم نذكره هناك- و هو من رواية عوانة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي- في كتاب الشورى و مقتل عثمان- و قد رواه أيضا أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري- في زيادات كتاب السقيفة قال- لما طعن عمر جعل الأمر شورى بين ستة نفر- علي بن أبي طالب و عثمان بن عفان- و عبد الرحمن بن عوف و الزبير بن العوام- و طلحة بن عبيد الله و سعد بن مالك- و كانطلحة يومئذ بالشام- و قال عمر إن رسول الله ص قبض- و هو عن هؤلاء راض- فهم أحق بهذا الأمر من غيرهم- و أوصى صهيب بن سنان مولى عبد الله بن جدعان- و يقال إن أصله من حي من ربيعة بن نزار يقال لهم عنزة- فأمره أن يصلي بالناس حتى يرضى هؤلاء القوم رجلا منهم- و كان عمر لا يشك أن هذا الأمر صائر إلى أحد الرجلين- علي و عثمان و قال إن قدم طلحة فهو معهم- و إلا فلتختر الخمسة واحدا منها-
و روي أن عمر قبل موته- أخرج سعد بن مالك من أهل الشورى و قال- الأمر في هؤلاء الأربعة- و دعوا سعدا على حاله أميرا بين يدي الإمام- ثم قال و لو كان أبو عبيدة بن الجراح حيا- لما تخالجتني فيه الشكوك- فإن اجتمع ثلاثة على واحد فكونوا مع الثلاثة- و إن اختلفوا فكونوا مع الجانب الذي فيه عبد الرحمن- .
و قال لأبي طلحة الأنصاري يا أبا طلحة- فو الله لطالما أعز الله بكم الدين- و نصر بكم الإسلام اختر من المسلمين خمسين رجلا- فائت بهم هؤلاء القوم في كل يوم مرة- فاستحثوهم حتى يختاروا لأنفسهم و للأمة رجلا منهم- .
ثم جمع قوما من المهاجرين و الأنصار- فأعلمهم ما أوصى به- و كتب في وصيته أن يولي الإمام سعد بن مالك الكوفة- و أبا موسى الأشعري لأنه كان عزل سعدا عن سخطة- فأحب أن يطلب ذلك- إلى من يقوم بالأمر من بعده استرضاء لسعد- . قال الشعبي فحدثني من لا أتهمه من الأنصار- و قال أحمد بن عبد العزيز الجوهري- هو سهل بن سعد الأنصاري قال- مشيت وراء علي بن أبي طالب- حيث انصرف من عند عمر- و العباس بن عبد المطلب يمشي في جانبه- فسمعته يقول للعباس ذهبت منا و الله- فقال كيف علمت قال أ لا تسمعه يقول- كونوا في الجانب الذي فيه عبد الرحمن- لأنه ابن عمه و عبد الرحمن نظير عثمان و هو صهره- فإذا اجتمع هؤلاء- فلو أن الرجلينالباقيين كانا معي لم يغنيا عني شيئا- مع أني لست أرجو إلا أحدهما- و مع ذلك فقد أحب عمر أن يعلمنا- أن لعبد الرحمن عنده فضلا علينا- لعمر الله ما جعل الله ذلك لهم علينا- كما لم يجعله لأولادهم على أولادنا- أما و الله لئن عمر لم يمت لأذكرته ما أتى إلينا قديما- و لأعلمته سوء رأيه فينا و ما أتى إلينا حديثا- و لئن مات و ليموتن- ليجتمعن هؤلاء القوم على أن يصرفوا هذا الأمر عنا- و لئن فعلوها و ليفعلن ليرونني حيث يكرهون- و الله ما بي رغبة في السلطان و لا حب الدنيا- و لكن لإظهار العدل و القيام بالكتاب و السنة- . قال ثم التفت فرآني وراءه- فعرفت أنه قد ساءه ذلك فقلت لا ترع أبا حسن- لا و الله لا يستمع أحد الذي سمعت منك في الدنيا- ما اصطحبنا فيها- فو الله ما سمعه مني مخلوق حتى قبض الله عليا إلى رحمته- .
قال عوانة فحدثنا إسماعيل قال حدثني الشعبي قال- فلما مات عمر و أدرج في أكفانه ثم وضع ليصلى عليه- تقدم علي بن أبي طالب فقام عند رأسه- و تقدم عثمان فقام عند رجليه- فقال علي ع هكذا ينبغي أن تكون الصلاة- فقال عثمان بل هكذا فقال عبد الرحمن ما أسرع ما اختلفتم- يا صهيب صل على عمر كما رضي أن تصلي بهم المكتوبة- فتقدم صهيب فصلى على عمر- . قال الشعبي و أدخل أهل الشورى دارا- فأقبلوا يتجادلون عليها و كلهم بها ضنين- و عليها حريص إما لدنيا و إما لآخرة- فلما طال ذلك قال عبد الرحمن- من رجل منكم يخرج نفسه عن هذا الأمر- و يختار لهذه الأمة رجلا منكم- فإني طيبة نفسي أن أخرج منها و أختار لكم- قالوا قد رضينا إلا علي بن أبي طالب فإنه اتهمه-
و قال أنظر و أرى فأقبل أبو طلحة عليه و قال- يا أبا الحسن ارض برأي عبد الرحمن- كان الأمر لك أو لغيرك- فقال علي أعطني يا عبد الرحمن موثقا من الله لتؤثرن الحق- و لا تتبع الهوىو لا تمل إلى صهر و لا ذي قرابة- و لا تعمل إلا لله و لا تألو هذه الأمة أن تختار لها خيرها- قال فحلف له عبد الرحمن بالله- الذي لا إله إلا هو- لأجتهدن لنفسي و لكم و للأمة- و لا أميل إلى هوى و لا إلى صهر و لا ذي قرابة- قال فخرج عبد الرحمن- فمكث ثلاثة أيام يشاور الناس- ثم رجع و اجتمع الناس- و كثروا على الباب لا يشكون أنه يبايع علي بن أبي طالب- و كان هوى قريش كافة ما عدا بني هاشم في عثمان- و هوى طائفة من الأنصار مع علي- و هوى طائفة أخرى مع عثمان- و هي أقل الطائفتين و طائفة لا يبالون أيهما بويع- .
قال فأقبل المقداد بن عمرو و الناس مجتمعون- فقال أيها الناس اسمعوا ما أقول أنا المقداد بن عمرو- إنكم إن بايعتم عليا سمعنا و أطعنا- و إن بايعتم عثمان سمعنا و عصينا- فقام عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي- فنادى أيها الناس إنكم إن بايعتم عثمان سمعنا و أطعنا- و إن بايعتم عليا سمعنا و عصينا- فقال له المقداد يا عدو الله و عدو رسوله و عدو كتابه- و متى كان مثلك يسمع له الصالحون- فقال له عبد الله يا ابن الحليف العسيف- و متى كان مثلك يجترئ على الدخول في أمر قريش- .
فقال عبد الله بن سعد بن أبي سرح- أيها الملأ إن أردتم ألا تختلف قريش فيما بينها- فبايعوا عثمان فقال عمار بن ياسر- إن أردتم ألا يختلف المسلمون فيما بينهم فبايعوا عليا- ثم أقبل على عبد الله بن سعد بن أبي سرح فقال- يا فاسق يا ابن الفاسق أ أنت ممن يستنصحه المسلمون- أو يستشيرونه في أمورهم- و ارتفعت الأصوات و نادى مناد لا يدرى من هو- فقريش تزعم أنه رجل من بني مخزوم- و الأنصار تزعم أنه رجل طوال آدم مشرف على الناس- لا يعرفه أحد منهم- يا عبد الرحمن افرغ من أمرك- و امض على ما في نفسك فإنه الصواب- .
قال الشعبي فأقبل عبد الرحمن على علي بن أبي طالب فقال- عليك عهد الله و ميثاقه- و أشد ما أخذ الله على النبيين من عهد و ميثاق- إن بايعتك لتعملن بكتاب الله و سنة رسوله- و سيرة أبي بكر و عمر- فقال علي ع طاقتي و مبلغ علمي و جهد رأيي و الناس يسمعون- . فأقبل على عثمان فقال له مثل ذلك- فقال نعم لا أزول عنه و لا أدع شيئا منه- ثم أقبل على علي فقال له ذلك ثلاث مرات- و لعثمان ثلاث مرات- في كل ذلك يجيب علي مثل ما كان أجاب به- و يجيب عثمان بمثل ما كان أجاب به- . فقال ابسط يدك يا عثمان فبسط يده فبايعه- و قام القوم فخرجوا- و قد بايعوا إلا علي بن أبي طالب فإنه لم يبايع- .
قال فخرج عثمان على الناس و وجهه متهلل- و خرج علي و هو كاسف البال مظلم- و هو يقول يا ابن عوف ليس هذا بأول يوم تظاهرتم علينا- من دفعنا عن حقنا و الاستئثار علينا- و إنها لسنة علينا و طريقة تركتموها- . فقال المغيرة بن شعبة لعثمان- أ ما و الله لو بويع غيرك لما بايعناه- فقال عبد الرحمن بن عوف كذبت- و الله لو بويع غيره لبايعته- و ما أنت و ذاك يا ابن الدباغة- و الله لو وليها غيره لقلت له مثل ما قلت الآن- تقربا إليه و طمعا في الدنيا فاذهب لا أبا لك- . فقال المغيرة لو لا مكان أمير المؤمنين لأسمعتك ما تكره و مضيا- .
قال الشعبي فلما دخل عثمان رحله- دخل إليه بنو أمية حتى امتلأت بهم الدار- ثم أغلقوها عليهم- فقال أبو سفيان بن حرب- أ عندكم أحد من غيركم قالوا لا- قال يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة- فو الذي يحلف به أبو سفيان ما من عذاب و لا حساب- و لا جنة و لا نار و لا بعث و لا قيامة- .
قال فانتهره عثمان و ساءه بما قال و أمر بإخراجه- . قال الشعبي فدخل عبد الرحمن بن عوف على عثمان- فقال له ما صنعت فو الله ما وفقت حيث تدخل رحلك قبل أن تصعد المنبر- فتحمد الله و تثني عليه- و تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر و تعد الناس خيرا- . قال فخرج عثمان فصعد المنبر- فحمد الله و أثنى عليه ثم قال- هذا مقام لم نكن نقومه- و لم نعد له من الكلام الذي يقام به في مثله- و سأهيئ ذلك إن شاء الله- و لن آلو أمة محمد خيرا و الله المستعان- . ثم نزل- .
قال عوانة فحدثني يزيد بن جرير عن الشعبي عن شقيق بن مسلمة أن علي بن أبي طالب- لما انصرف إلى رحله قال لبني أبيه- يا بني عبد المطلب إن قومكم عادوكم بعد وفاة النبي- كعداوتهم النبي في حياته- و إن يطع قومكم لا تؤمروا أبدا- و و الله لا ينيب هؤلاء إلى الحق إلا بالسيف قال و عبد الله بن عمر بن الخطاب داخل إليهم- قد سمع الكلام كله فدخل- و قال يا أبا الحسن أ تريد أن تضرب بعضهم ببعض- فقال اسكت ويحك فو الله لو لا أبوك و ما ركب مني قديما و حديثا- ما نازعني ابن عفان و لا ابن عوف فقام عبد الله فخرج- .
قال و أكثر الناس في أمر الهرمزان و عبيد الله بن عمر- و قتله إياه و بلغ ما قال فيه علي بن أبي طالب- فقام عثمان فصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه- ثم قال أيها الناس إنه كان من قضاء الله- أن عبيد الله بن عمر بن الخطاب أصاب الهرمزان- و هو رجل منالمسلمين و ليس له وارث إلا الله و المسلمون- و أنا إمامكم و قد عفوت- أ فتعفون عن عبيد الله ابن خليفتكم بالأمس قالوا نعم- فعفا عنه فلما بلغ ذلك عليا تضاحك و قال- سبحان الله لقد بدأ بها عثمان- أ يعفو عن حق امرئ ليس بواليه- تالله إن هذا لهو العجب- قالوا فكان ذلك أول ما بدا من عثمان مما نقم عليه- .
قال الشعبي و خرج المقداد من الغد- فلقي عبد الرحمن بن عوف فأخذ بيده و قال- إن كنت أردت بما صنعت وجه الله- فأثابك الله ثواب الدنيا و الآخرة- و إن كنت إنما أردت الدنيا فأكثر الله مالك- فقال عبد الرحمن اسمع رحمك الله اسمع- قال لا أسمع و الله و جذب يده من يده- و مضى حتى دخل على علي ع- فقال قم فقاتل حتى نقاتل معك- قال علي فبمن أقاتل رحمك الله- و أقبل عمار بن ياسر ينادي-
يا ناعي الإسلام قم فانعه
قد مات عرف و بدا نكر
أما و الله لو أن لي أعوانا لقاتلتهم- و الله لئن قاتلهم واحد لأكونن له ثانيا-فقال علي يا أبا اليقظان و الله لا أجد عليهم أعوانا- و لا أحب أن أعرضكم لما لا تطيقون- و بقي ع في داره و عنده نفر من أهل بيته- و ليس يدخل إليه أحد مخافة عثمان- . قال الشعبي و اجتمع أهل الشورى- على أن تكون كلمتهم واحدة على من لم يبايع- فقاموا إلى علي فقالوا قم فبايع عثمان- قال فإن لم أفعل قالوا نجاهدك- قال فمشى إلى عثمان حتى بايعه و هو يقول صدق الله و رسوله- فلما بايع أتاه عبد الرحمن بن عوف- فاعتذر إليه و قال إن عثمان أعطانا يده و يمينه و لم تفعل أنت- فأحببت أن أتوثق للمسلمين فجعلتها فيه- فقال إيها عنك إنما آثرته بها لتنالها بعده- دق الله بينكما عطر منشم- .
قال الشعبي و قدم طلحة من الشام بعد ما بويع عثمان- فقيل له رد هذا الأمر حتى ترى فيه رأيك فقال- و الله لو بايعتم شركم لرضيت- فكيف و قد بايعتم خيركم- قال ثم عدا عليه بعد ذلك و صاحبه حتى قتلاه- ثم زعما أنهما يطلبان بدمه- . قال الشعبي فأما ما يذكره الناس من المناشدة- وقول علي ع لأهل الشورى أ فيكم أحد قال له رسول الله ص كذا- فإنه لم يكن يوم البيعة- و إنما كان بعد ذلك بقليل- دخل علي ع على عثمان و عنده جماعة من الناس- منهم أهل الشورى- و قد كان بلغه عنهم هنات و قوارص- فقال لهم أ فيكم أ فيكم كل ذلك يقولون لا-
قال لكني أخبركم عن أنفسكم- أما أنت يا عثمان ففررت يوم حنين- و توليت يوم التقى الجمعان- و أما أنت يا طلحة فقلت- إن مات محمد لنركضن بين خلاخيل نسائه- كما ركض بين خلاخيل نسائنا- و أما أنت يا عبد الرحمن فصاحب قراريط- و أما أنت يا سعد فتدق عن أن تذكرقال ثم خرج فقال عثمان- أ ما كان فيكم أحد يرد عليه قالوا- و ما منعك من ذلك و أنت أمير المؤمنين و تفرقوا- قال عوانة قال إسماعيل قال الشعبي فحدثني عبد الرحمن بن جندب عن أبيه جندب بن عبد الله الأزدي قال كنت جالسا بالمدينة حيث بويع عثمان- فجئت فجلست إلى المقداد بن عمرو فسمعته يقول- و الله ما رأيت مثل ما أتي إلى أهل هذا البيت- و كان عبد الرحمن بن عوف جالسا- فقال و ما أنت و ذاك يا مقداد- قال المقداد إني و الله أحبهم لحب رسول الله ص- و إني لأعجب من قريش و تطاولهم على الناس بفضل رسول الله- ثم انتزاعهم سلطانه من أهله- قال عبد الرحمن أما و الله لقد أجهدت نفسيلكم- قال المقداد أما و الله لقد تركت رجلا من الذين- يأمرون بالحق و به يعدلون- أما و الله لو أن لي على قريش أعوانا- لقاتلتهم قتالي إياهم ببدر و أحد- فقال عبد الرحمن ثكلتك أمك- لا يسمعن هذا الكلام الناس- فإني أخاف أن تكون صاحب فتنة و فرقة- . قال المقداد إن من دعا إلى الحق و أهله و ولاة الأمر لا يكون صاحب فتنة- و لكن من أقحم الناس في الباطل- و آثر الهوى على الحق فذلك صاحب الفتنة و الفرقة- .
قال فتربد وجه عبد الرحمن ثم قال- لو أعلم أنك إياي تعني لكان لي و لك شأن- . قال المقداد إياي تهدد يا ابن أم عبد الرحمن- ثم قام عن عبد الرحمن فانصرف- . قال جندب بن عبد الله فاتبعته- و قلت له يا عبد الله أنا من أعوانك فقال رحمك الله- إن هذا الأمر لا يغني فيه الرجلان و لا الثلاثة- قال فدخلت من فوري ذلك على علي ع- فلما جلست إليه قلت يا أبا الحسن- و الله ما أصاب قومك بصرف هذا الأمر عنك- فقال صبر جميل و الله المستعان- .
فقلت و الله إنك لصبور- قال فإن لم أصبر فما ذا أصنع- قلت إني جلست إلى المقداد بن عمرو آنفا و عبد الرحمن بن عوف- فقالا كذا و كذا ثم قام المقداد فاتبعته- فقلت له كذا فقال لي كذا- فقال علي ع لقد صدق المقداد فما أصنع- فقلت تقوم في الناس فتدعوهم إلى نفسك- و تخبرهم أنك أولى بالنبي ص- و تسألهم النصر على هؤلاء المظاهرين عليك- فإن أجابك عشرة من مائة شددت بهم على الباقين- فإن دانوا لك فذاك و إلا قاتلتهم و كنت أولى بالعذر- قتلت أو بقيت و كنت أعلى عند الله حجة- . فقال أ ترجو يا جندب أن يبايعني من كل عشرة واحد- قلت أرجو ذلك قال لكني لا أرجو ذلك- لا و الله و لا من المائة واحد و سأخبرك- أن الناس إنما ينظرونإلى قريش- فيقولون هم قوم محمد و قبيله- و أما قريش بينها فتقول- إن آل محمد يرون لهم على الناس بنبوته فضلا- و يرون أنهم أولياء هذا الأمر دون قريش- و دون غيرهم من الناس- و هم إن ولوه لم يخرج السلطان منهم إلى أحد أبدا- و متى كان في غيرهم تداولته قريش بينها- لا و الله لا يدفع الناس إلينا هذا الأمر طائعين أبدا- . فقلت جعلت فداك يا ابن عم رسول الله- لقد صدعت قلبي بهذا القول- أ فلا أرجع إلى المصر فأوذن الناس بمقالتك- و أدعو الناس إليك فقال يا جندب ليس هذا زمان ذاك- .
قال فانصرفت إلى العراق- فكنت أذكر فضل علي على الناس- فلا أعدم رجلا يقول لي ما أكره- و أحسن ما أسمعه قول من يقول- دع عنك هذا و خذ فيما ينفعك- فأقول إن هذا مما ينفعني و ينفعك فيقوم عني و يدعني- . و زاد أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري- حتى رفع ذلك من قولي إلى الوليد بن عقبة أيام ولينا- فبعث إلي فحبسني حتى كلم في فخلى سبيلي- . و روى الجوهري قال نادى عمار بن ياسر ذلك اليوم- يا معشر المسلمين- إنا قد كنا و ما كنا نستطيع الكلام قلة و ذلة- فأعزنا الله بدينه و أكرمنا برسوله- فالحمد لله رب العالمين- يا معشر قريش إلى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم- تحولونه هاهنا مرة و هاهنا مرة- ما أنا آمن أن ينزعه الله منكم و يضعه في غيركم- كما نزعتموه من أهله و وضعتموه في غير أهله- . فقال له هاشم بن الوليد بن المغيرة- يا ابن سمية لقد عدوت طورك و ما عرفت قدرك- ما أنت و ما رأت قريش لأنفسها- إنك لست في شيء من أمرها و إماراتها فتنح عنها- . و تكلمت قريش بأجمعها فصاحوا بعمار و انتهروه- فقال الحمد لله رب العالمين- ما زال أعوان الحق أذلاء ثم قام فانصرف
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 9