google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
120-140 خطبه ها شرح ابن ابی الحدیدخطبه ها شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

خطبه 133 شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

133 و من كلام له ع

وَ انْقَادَتْ لَهُ الدُّنْيَا وَ الآْخِرَةُ بِأَزِمَّتِهَا- وَ قَذَفَتْ إِلَيْهِ السَّمَاوَاتُ وَ الْأَرَضُونَ مَقَالِيدَهَا- وَ سَجَدَتْ لَهُ بِالْغُدُوِّ وَ الآْصَالِ الْأَشْجَارُ النَّاضِرَةُ- وَ قَدَحَتْ لَهُ مِنْ قُضْبَانِهَا النِّيرَانُ الْمُضِيئَةُ- وَ آتَتْ أُكُلَهَا بِكَلِمَاتِهِ الثِّمَارُ الْيَانِعَةُ الضمير في له يرجع إلى الله تعالى- و قد كان تقدم ذكر سبحانه في أول الخطبة- و إن لم يذكره الرضي رحمه الله- و معنى انقياد الدنيا و الآخرة له نفوذ حكمه فيهما- و شياع قدرته و عمومها- . و أزمتها لفظة مستعارة- من انقياد الإبل بأزمتها مع قائدها- و المقاليد المفاتيح- . و معنى سجود الأشجار الناضرة له- تصرفها حسب إرادته- و كونها مسخرة له محكوما عليها بنفوذ قدرته فيها- فجعل ع ذلك خضوعا منها لمشيئته- و استعار لها ما هو أدل على خضوع الإنسان من جمع أفعاله- و هو السجود و منه قوله تعالى- أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ- مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ- وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْجِبالُ- وَ الشَّجَرُ وَ الدَّوَابُّ وَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ- .

قوله و قدحت له من قضبانها بالضم جمع قضيب و هو الغصن- و المعنى أنه بقدرته أخرج من الشجر الأخضر نارا- و النار ضد هذا الجسم المخصوص- و هذا هو قوله تعالى- الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً- فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ بعينه- . و آتت أكلها أعطت ما يؤكل منها- و هو أيضا من الألفاظ القرآنية- . و اليانعة الناضجة و بكلماته أي بقدرته و مشيئته- و هذه اللفظة من الألفاظ المنقولة- على أحد الأقسام الأربعة المذكورة- في كتبنا في أصول الفقه- و هو استعمال لفظة متعارفة في اللغة العربية- في معنى لم يستعملها أهل اللغة فيه- كنقل لفظة الصلاة الذي هو في أصل اللغة- للدعاء إلى هيئات و أوضاع مخصوصة- و لم تستعمل العرب تلك اللفظة فيها- و لا يصح قول من قال المراد بذلك قوله كن- لأنه تعالى لا يجوز أن يخاطب المعدوم- و قوله تعالى إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْ‏ءٍ إِذا أَرَدْناهُ- أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ- من باب التوسع و الاستعارة المملوء منهما القرآن- و المراد سرعة المؤاتاة و عجلة الإيجاد- و أنه إذا أراد من أفعاله أمرا كان: مِنْهَا وَ كِتَابُ اللَّهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ- نَاطِقٌ لَا يَعْيَا لِسَانُهُ- وَ بَيْتٌ لَا تُهْدَمُ أَرْكَانُهُ- وَ عِزٌّ لَا تُهْزَمُ أَعْوَانُهُ‏

يقال هو نازل بين أظهرهم- و بين ظهريهم و بين ظهرانيهم- بفتح النون أي نازل بينهم- فإن قلت لما ذا قالت العرب بين أظهرهم- و لم تقل بين صدورهم- قلت أرادت بذلك الإشعار بشدة المحاماة عنه- و المراماة من دونه- لأن النزيل إذا حامى القوم عنه استقبلوا شبا الأسنة- و أطراف السيوف عنه بصدورهم- و كان هو محروسا مصونا عن مباشرة ذلك وراء ظهورهم- . و لا يعيا لسانه لا يكل عييت بالمنطق- فأنا عيي على فعيل- و يجوز عي الرجل في منطقه بالتشديد- فهو عي على فعل: مِنْهَا أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ- وَ تَنَازُعٍ مِنَ الْأَلْسُنِ- فَقَفَّى بِهِ الرُّسُلَ وَ خَتَمَ بِهِ الْوَحْيَ- فَجَاهَدَ فِي اللَّهِ الْمُدْبِرِينَ عَنْهُ وَ الْعَادِلِينَ بِهِ الضمير في أرسله راجع إلى النبي ص- و هو مذكور في كلام لم يحكه جامع الكتاب- .

و الفترة زمان انقطاع الوحي- و التنازع من الألسن- أن قوما في الجاهلية كانوا يعبدون‏الصنم- و قوما يعبدون الشمس و قوما يعبدون الشيطان- و قوما يعبدون المسيح- فكل طائفة تجادل مخالفيها بألسنتها لتقودها إلى معتقدها- . و قفى به الرسل أتبعها به- قال سبحانه ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى‏ آثارِهِمْ بِرُسُلِنا- و منه الكلام المقفى و سميت قوافي الشعر- لأن بعضها يتبع بعضا- . و العادلين به الجاعلين له عديلا أي مثلا- و هو من الألفاظ القرآنية أيضا- قال الله تعالى بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ: مِنْهَا وَ إِنَّمَا الدُّنْيَا مُنْتَهَى بَصَرِ الْأَعْمَى- لَا يُبْصِرُ مِمَّا وَرَاءَهَا شَيْئاً- وَ الْبَصِيرُ يَنْفُذُهَا بَصَرُهُ- وَ يَعْلَمُ أَنَّ الدَّارَ وَرَاءَهَا- فَالْبَصِيرُ مِنْهَا شَاخِصٌ- وَ الْأَعْمَى إِلَيْهَا شَاخِصٌ- وَ الْبَصِيرُ مِنْهَا مُتَزَوِّدٌ- وَ الْأَعْمَى لَهَا مُتَزَوِّدٌ شبه الدنيا و ما بعدها بما يتصوره الأعمى- من الظلمة التي يتخيلها- و كأنها محسوسة له- و ليست بمحسوسة على الحقيقة- و إنما هي عدم الضوء- كمن يطلع في جب ضيق- فيتخيل ظلاما فإنه لم ير شيئا- و لكن لما عدم الضوء فلم ينفذ البصر- تخيل أنه يرى الظلمة- فأما من يرى المبصرات في الضياء- فإن بصره ينفذ فيشاهد المحسوسات يقينا- و هذه حال الدنيا و الآخرة- أهل الدنيا منتهى بصرهم دنياهم- و يظنون أنهم يبصرون شيئا- و ليسوا بمبصرين على الحقيقة- و لا حواسهم نافذة في شي‏ء- و أهل الآخرة قد نفذت أبصارهم- فرأوا الآخرة و لم يقف إحساسهم على الدنيا خاصة- فأولئك هم أصحاب الأبصار على الحقيقة- و هذا معنى شريف من معاني أصحاب الطريقة و الحقيقة- و إليه الإشارة بقوله سبحانه- أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها- فأما قوله فالبصير منها شاخص- و الأعمى إليها شاخص- فمن مستحسن التجنيس- و هذا هو الذي يسميه أرباب الصناعة الجناس التام- فالشاخص الأول الراحل- و الشاخص الثاني من شخص بصره بالفتح- إذا فتح عينه نحو الشي‏ء مقابلا له و جعل لا يطرف

فصل في الجناس و أنواعه

و اعلم أن الجناس على سبعة أضرب- أولها الجناس التام كهذا اللفظ- و حده أن تتساوى حروف ألفاظ الكلمتين- في تركيبها و في وزنها- قالوا و لم يرد في القرآن العزيز منه إلا موضع واحد- و هو قوله وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ- يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ- . و عندي أن هذا ليس بتجنيس أصلا- و قد ذكرته في كتابي المسمى- بالفلك الدائر على المثل السائر- و قلت إن الساعة في الموضعين بمعنى واحد- و التجنيس أن يتفق اللفظ و يختلف المعنى- و لا يكون أحدهما حقيقة و الآخر مجازا- بل يكونان حقيقتين- و إن‏زمان القيامة و إن طال- لكنه عند الله في حكم الساعة الواحدة- لأن قدرته لا يعجزها أمر- و لا يطول عندها زمان- فيكون إطلاق لفظ الساعة- على أحد الموضعين حقيقة و على الآخر مجازا- و ذلك يخرج الكلام عن حد التجنيس- كما لو قلت ركبت حمارا و لقيت حمارا- و أردت بالثاني البليد- . و أيضا فلم لا يجوز أن يكون أراد بقوله- وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ- الأولى خاصة من زمان البعث- فيكون لفظ الساعة مستعملا- في الموضعين حقيقة بمعنى واحد- فيخرج عن التجنيس- و عن مشابهة التجنيس بالكلية- . قالوا و ورد في السنة من التجنيس التام خبر واحد- وهو قوله ص لقوم من الصحابة- كانوا يتنازعون جرير بن عبد الله البجلي في زمام ناقته- خلوا بين جرير و الجريرفالجرير الثاني الحبل- . و جاء من ذلك في الشعر لأبي تمام قوله-

فأصبحت غرر الإسلام مشرقة
بالنصر تضحك عن أيامك الغرر

فالغرر الأولى مستعارة من غرة الوجه- و الغرر الثانية من غرة الشي‏ء- و هي أكرمه و كذلك قوله-

من القوم جعد أبيض الوجه و الندى
و ليس بنان يجتدى منه بالجعد

فالجعد الأول السيد- و الثاني ضد السبط و هو من صفات البخيل- . و كذلك قوله-

بكل فتى ضرب يعرض للقنا
محيا محلى حلية الطعن و الضرب‏

فالضرب الأول الرجل الخفيف- و الثاني مصدر ضرب- . و كذلك قوله-

عداك حر الثغور المستضامة عن
برد الثغور و عن سلسالها الحصب‏

فأحدهما جمع ثغر- و هو ما يتاخم العدو من بلاد الحرب- و الثاني للأسنان- . و من هذه القصيدة-

كم أحرزت قضب الهندي مصلته
تهتز من قضب تهتز في كثب‏

بيض إذا انتضيت من حجبها رجعت‏
أحق بالبيض أبدانا من الحجب‏

 و قد أكثر الناس في استحسان هذا التجنيس و أطنبوا- و عندي أنه ليس بتجنيس أصلا- لأن تسمية السيوف قضبا- و تسمية الأغصان قضبا كله بمعنى واحد- و هو القطع فلا تجنيس إذا- و كذلك البيض للسيوف و البيض للنساء- كله بمعنى البياض- فبطل معنى التجنيس- و أظنني ذكرت هذا أيضا في كتاب الفلك الدائر- . قالوا و من هذا القسم قوله أيضا-

إذا الخيل جابت قسطل الخيل صدعوا
صدور العوالي في صدور الكتائب‏

 و هذا عندي أيضا ليس بتجنيس- لأن الصدور في الموضعين بمعنى واحد- و هو جزء الشي‏ء المتقدم البارز عن سائره- فأما قوله أيضا-

عامي و عام العيس بين وديقة
مسجورة و تنوفة صيخود

حتى أغادر كل يوم بالفلا
للطير عيدا من بنات العيد

 فإنه من التجنيس التام- لا شبهة في ذلك لاختلاف المعنى- فالعيد الأول هو اليوم المعروف من الأعياد- و العيد الثاني فحل من فحول الإبل- . و نحو هذا قول أبي نواس-

عباس عباس إذا احتدم الوغى
و الفضل فضل و الربيع ربيع‏

و قول البحتري-

إذا العين راحت و هي عين على الهوى
فليس بسر ما تسر الأضالع‏

فالعين الثانية الجاسوس- و الأولى العين المبصرة- و للغزى المتأخر قصيدة أكثر من التجنيس التام فيها أولها-

لو زارنا طيف ذات الخال أحيانا
و نحن في حفر الأجداث أحيانا

و قال في أثنائها-

تقول أنت امرؤ جاف مغالطة
فقلت لا هومت أجفان أجفانا

 و قال في مديحها-

لم يبق غيرك إنسان يلاذ به
فلا برحت لعين الدهر إنسانا

و قد ذكر الغانمي في كتابه من صناعة الشعر بابا- سماه رد الأعجاز على الصدور- ذكر أنه خارج عن باب التجنيس- قال مثل قول الشاعر-

و نشري بجميل الصنع
ذكرا طيب النشر

و نفري بسيوف الهند
من أسرف في النفر

و بحري في شرى الحمد
على شاكلة البحر

و هذا من التجنيس- و ليس بخارج عنه و لكنه تجنيس مخصوص- و هو الإتيان به في طرفي البيت- . و عد ابن الأثير الموصلي في كتابه- من التجنيس قول الشاعر في الشيب-

يا بياضا أذرى دموعي حتى
عاد منها سواد عيني بياضا

 و كذلك قول البحتري-

و أغر في الزمن البهيم محجل
قد رحت منه على أغر محجل‏

و هذا عندي ليس بتجنيس لاتفاق المعنى- و العجب منه أنه بعد إيراده هذا أنكر على من قال- إن قول أبي تمام-

أظن الدمع في خدي سيبقى
رسوما من بكائي في الرسوم‏

 من التجنيس و قال أي تجنيس هاهنا و المعنى متفق- و لو أمعن النظر لرأى هذا مثل البيتين السابقين- . قالوا فأما الأجناس الستة الباقية- فإنها خارجة عن التجنيس التام و مشبهة به- . فمنها أن تكون الحروف متساوية في تركيبها- مختلفة في وزنها- فمن ذلكقول النبي ص اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي- و قول بعضهم لن تنالوا غرر المعالي- إلا بركوب الغرر- و اهتبال الغرر و قول البحتري-

و فر الحائن المغرور يرجو
أمانا أي ساعة ما أمان‏

يهاب الالتفات و قد تصدى
للحظة طرفه طرف السنان‏

 و قال آخر

قد ذبت بين حشاشة و ذماء
ما بين حر هوى و حر هواء

 و منها أن تكون الألفاظ متساوية في الوزن- مختلفة في التركيب بحرف واحد لا غير- فإن زاد على ذلك خرج من باب التجنيس- و ذلك نحو قوله تعالى- وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ- إِلى‏ رَبِّها ناظِرَةٌ- و كذلك قوله سبحانه- وَ هُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَ يَنْأَوْنَ عَنْهُ- و قوله تعالى ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ- فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ- وَ بِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ- و نحو هذاما ورد عن النبي ص من قوله الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة– و قال بعضهم- لا تنال المكارم إلا بالمكاره- . و قال أبو تمام-

يمدون من أيد عواص عواصم
تصول بأسياف قواض قواضب‏

و قال البحتري-

من كل ساجي الطرف أغيد أجيد
و مهفهف الكشحين أحوى أحور

 و قال أيضا-

شواجر أرماح تقطع بينهم
شواجن أرحام ملوم قطوعها

و هذا البيت حسن الصنعة- لأنه قد جمع بين التجنيس الناقص و بين المقلوب- و هو أرماح و أرحام- . و منها أن تكون الألفاظ مختلفة- في الوزن و التركيب بحرف واحد- كقوله تعالى- وَ الْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ- إِلى‏ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ- و كقوله تعالى- وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً وكقول النبي ص المسلم من سلم الناس من لسانه و يده- و قول بعضهم الصديق لا يحاسب- و العدو لا يحتسب له- هكذا ذكر ابن الأثير هذه الأمثلة- . قال و من هذا القسم قول أبي تمام-

أيام تدمى عينه تلك الدمى
حسنا و تقمر لبه الأقمار

بيض فهن إذا رمقن سوافرا
صور و هن إذا رمقن صوار

– و كذلك قوله أيضا-

بدر أطاعت فيك بادرة النوى
ولعا و شمس أولعت بشماس‏

و قوله أيضا-

جهلوا فلم يستكثروا من طاعة
معروفة بعمارة الأعمار

 و قوله أيضا-

إن الرماح إذا غرسن بمشهد
فجنى العوالي في ذراه معال‏

و قوله أيضا-

إذا أحسن الأقوام أن يتطاولوا
بلا نعمة أحسنت أن تتطولا

 و قوله أيضا-

شد ما استنزلتك عن دمعك الأظعان
حتى استهل صوب العزالي‏

أي ربع يكذب الدهر عنه‏
و هو ملقى على طريق الليالي‏

بين حال جنت عليه و حول
فهو نضو الأوحال و الأحوال‏

أي حسن في الذاهبين تولى‏
و جمال على ظهور الجمال‏

و دلال مخيم في ذرى الخيم
و حجل مقصر في الحجال‏

فالبيت الثالث و الخامس هما المقصودان بالتمثيل- . و من ذلك قول علي بن جبلة-

و كم لك من يوم رفعت عماده
بذات جفون أو بذات جفان‏

و كقول البحتري-

نسيم الروض في ريح شمال
و صوب المزن في راح شمول‏

 و كقوله أيضا-

جدير بأن تنشق عن ضوء وجهه
ضبابة نقع تحتها الموت ناقع‏

و اعلم أن هذه الأمثلة لهذا القسم- ذكرها ابن الأثير في كتابه- و هو عندي مستدرك- لأنه حد هذا القسم بما يختلف تركيبه- يعني حروفه الأصلية- و يختلف أيضا وزنه و يكون اختلاف تركيبه بحرف واحد- هكذا قال في تحديده لهذا القسم- و ليس بقمر و الأقمار تختلف بحرف واحد- و كذلك عمارة و الأعمار- و كذلك العوالي و المعالي- و أما قوله تعالى وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً- فخارج عن هذا بالكلية- لأن جميع أمثلة هذا القسم- يختلف فيه الكلمات بالحروف الزائدة- و هذه الآية اختلاف كلمتيها بحروف أصلية- فليست من التجنيس الذي نحن بصدده- بل هي من باب تجنيس التصحيف- كقول البحتري

و لم يكن المعتز بالله إذ سرى
ليعجز و المعتز بالله طالبه‏

ثم قال ابن الأثير في هذا القسم أيضا- و من ذلك قول محمد بن وهيب الحميري-

قسمت صروف الدهر بأسا و نائلا
فمالك موتور و سيفك واتر

و هذا أيضا عندي مستدرك- لأن اللفظتين كلاهما من الوتر- و يرجعان إلى أصل واحد- إلا أن أحد اللفظين مفعول و الآخر فاعل- و ليس أحد يقول إن شاعرا لو قال في شعره- ضارب و مضروب لكان قد جانس- . و منها القسم المكنى بالمعكوس- و هو على ضربين عكس لفظ و عكس حرف- فالأول كقولهم عادات السادات سادات العادات- و كقولهم شيم الأحرار أحرار الشيم- . و من ذلك قول الأضبط بن قريع-

قد يجمع المال غير آكله
و يأكل المال غير من جمعه

و يقطع الثوب غير لابسه
و يلبس الثوب غير من قطعه‏

و مثله قول المتنبي-

فلا مجد في الدنيا لمن قل ماله
و لا مال في الدنيا لمن قل مجده‏

و مثله قول الرضي رحمه الله من أبيات يذم فيها الزمان-

أسف بمن يطير إلى المعالي
و طار بمن يسف إلى الدنايا

و مثله قول آخر-

إن الليالي للأنام مناهل
تطوى و تنشر بينها الأعمار

فقصارهن مع الهموم طويلة
و طوالهن مع السرور قصار

 و لبعض شعراء الأندلس يذكر غلامه-

غيرتنا يد الزمان
فقد شبت و التحى‏

فاستحال الضحى دجى‏
و استحال الدجى ضحى‏

 و يسمى هذا الضرب التبديل- و قد مثله قدامة بن جعفر الكاتب بقولهم- اشكر لمن أنعم عليك- و أنعم على من شكرك- . و مثله قول النبي ص جار الدار أحق بدار الجار- قالوا و منه قوله تعالى- يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ- و لا أراه منه بل هو من باب الموازنة- و مثلوه أيضابقول أمير المؤمنين ع أما بعد فإن الإنسان يسره درك ما لم يكن ليفوته- و يسوءه فوت ما لم يكن ليدركه– و بقول أبي تمام لأبي العميثل‏ و أبي سعيد الضرير- فإنهما قالا- لما امتدح عبد الله بن طاهر بقصيدة و في افتتاحها تكلف و تعجرف- لم لا تقول ما يفهم- فقال لهما لم لا تفهمان ما يقال- . و الضرب الثاني من هذا القسم عكس الحروف- و هو كقول بعضهم- و قد أهدى لصديق له كرسيا-

أهديت شيئا يقل لو لا
أحدوثة الفأل و التبرك‏

كرسي تفاءلت فيه لما
رأيت مقلوبه يسرك‏

 و كقول الآخر-

كيف السرور بإقبال و آخره
إذا تأملته مقلوب إقبال‏

أي لا بقاء و كقول الآخر-

جاذبتها و الريح تجذب عقربا
من فوق خد مثل قلب العقرب‏

و طفقت الثم ثغرها فتمنعت‏
و تحجبت عني بقلب العقرب‏

 يريد برقعا- و منها النوع المسمى المجنب- و هو أن يجمع بين كلمتين إحداهما- كالجنيبة التابعة للأخرى مثل قول بعضهم-

أبا الفياض لا تحسب بأني
لفقري من حلى الأشعار عار

فلي طبع كسلسال معين‏
زلال من ذرا الأحجار جار

– و هذا في التحقيق هو الباب المسمى لزوم ما لا يلزم- و ليس من باب التجنيس- و منها المقلوب و هو ما يتساوى وزنه و تركيبه- إلا أن حروفه تتقدم و تتأخر- مثل قول أبي تمام-

بيض الصفائح لا سود الصحائف في
متونهن جلاء الشك و الريب‏

 و قد ورد مثل ذلك في المنثور- نحوما روي عن النبي ص أنه يقال يوم القيامة لصاحب القرآن اقرأ و ارق- . و قد تكلمت في كتابي المسمى بالعبقري الحسان- على أقسام الصناعة البديعة نثرا و نظما- و بينت أن كثيرا منها يتداخل- و يقوم البعض من ذلك مقام بعض- فليلمح من هناك مِنْهَا وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَيْ‏ءٍ- إِلَّا وَ يَكَادُ صَاحِبُهُ يَشْبَعُ مِنْهُ- وَ يَمَلُّهُ إِلَّا الْحَيَاةَ فَإِنَّهُ لَا يَجِدُ فِي الْمَوْتِ رَاحَةً- وَ إِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْحِكْمَةِ- الَّتِي هِيَ حَيَاةٌ لِلْقَلْبِ الْمَيِّتِ- وَ بَصَرٌ لِلْعَيْنِ الْعَمْيَاءِ- وَ سَمْعٌ لِلْأُذُنِ الصَّمَّاءِ- وَ رِيٌّ لِلظَّمْآنِ وَ فِيهَا الْغِنَى كُلُّهُ وَ السَّلَامَةُ- كِتَابُ اللَّهِ تُبْصِرُونَ بِهِ- وَ تَنْطِقُونَ بِهِ وَ تَسْمَعُونَ بِهِ- وَ يَنْطِقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ- وَ يَشْهَدُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ- وَ لَا يَخْتَلِفُ فِي اللَّهِ- وَ لَا يُخَالِفُ بِصَاحِبِهِ عَنِ اللَّهِ- قَدِ اصْطَلَحْتُمْ عَلَى الْغِلِّ فِيمَا بَيْنَكُمْ- وَ نَبَتَ الْمَرْعَى عَلَى دِمَنِكُمْ- وَ تَصَافَيْتُمْ عَلَى حُبِّ الآْمَالِ- وَ تَعَادَيْتُمْ فِي كَسْبِ الْأَمْوَالِ- لَقَدِ اسْتَهَامَ بِكُمُ الْخَبِيثُ وَ تَاهَ بِكُمُ الْغُرُورُ- وَ اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى نَفْسِي وَ أَنْفُسِكُمْ‏هذا الفصل ليس بمنتظم من أوله إلى آخره- بل هو فصول متفرقة التقطها الرضي- من خطبة طويلة على عادته- في التقاط ما يستفصحه من كلامه ع- و إن كان كل كلامه فصيحا- و لكن كل واحد له هوى و محبة لشي‏ء مخصوص- و ضروب الناس عشاق ضروبا- . أما قوله كل شي‏ء مملول إلا الحياة- فهو معنى قد طرقه الناس قديما و حديثا- قال أبو الطيب-

و لذيذ الحياة أنفس في النفس
و أشهى من أن يمل و أحلى‏

و إذا الشيخ قال أف فما مل‏
حياة و لكن الضعف ملا

و قال أيضا-

أرى كلنا يبغي الحياة لنفسه
حريصا عليها مستهاما بها صبا

فحب الجبان النفس أورده البقا
و حب الشجاع النفس أورده الحربا

 و قال أبو العلاء-

فما رغبت في الموت كدر مسيرها
إلى الورد خمسا ثم تشربن من أجن‏

يصادفن صقرا كل يوم و ليلة
و يلقين شرا من مخالبه الحجن‏

و لا قلقات الليل باتت كأنها
من الأين و الإدلاج بعض القنا اللدن‏

ضربن مليعا بالسنابك أربعا
إلى الماء لا يقدرن منه على معن‏

و خوف الردى آوى إلى الكهف أهله‏
و كلف نوحا و ابنه عمل السفن‏

و ما استعذبته روح موسى و آدم
و قد وعدا من بعده جنتي عدن‏

و لي من قصيدة أخاطب رجلين فرا في حرب-

عذرتكما إن الحمام لمبغض
و إن بقاء النفس للنفس محبوب‏

و يكره طعم الموت و الموت طالب‏
فكيف يلذ الموت و الموت مطلوب‏

 و قال أبو الطيب أيضا-

طيب هذا النسيم أوقر في الأنفس
أن الحمام مر المذاق‏

و الأسى قبل فرقة الروح عجز
و الأسى لا يكون بعد الفراق‏

البحتري-

ما أطيب الأيام إلا أنها
يا صاحبي إذا مضت لم ترجع‏

 و قال آخر-

أوفى يصفق بالجناح مغلسا
و يصيح من طرب إلى الندمان‏

يا طيب لذة هذه الدنيا لنا
لو أنها بقيت على الإنسان‏

و قال آخر-

أرى الناس يهوون البقاء سفاهة
و ذلك شي‏ء ما إليه سبيل‏

و من يأمن الأيام أما بلاؤها
فجم و أما خيرها فقليل‏

و قال محمد بن وهيب الحميري-و نحن بنو الدنيا خلقنا لغيرهاو ما كنت منه فهو شي‏ء محبب‏- و هذا مأخوذ منقول أمير المؤمنين ع و قد قيل له ما أكثر حب الناس للدنيا- فقال هم أبناؤها أ يلام الإنسان على حب أمه- . و قال آخر-

يا موت ما أفجاك من نازل
تنزل بالمرء على رغمه‏

تستلب العذراء من خدرها
و تأخذ الواحد من أمه‏

 أبو الطيب-

و هي معشوقة على الغدر لا تحفظ
عهدا و لا تتمم وصلا

كل دمع يسيل منها عليها
و بفك اليدين عنها نخلى‏

شيم الغانيات فيها فلا أدري
لذا أنث اسمها الناس أم لا

فإن قلت كيف يقول إنه لا يجد في الموت راحة- و أين هذا منقول رسول الله ص الدنيا سجن المؤمن- و جنة الكافرو منقوله ع و الله ما أرجو الراحة إلا بعد الموت- و ما ذا يعمل بالصالحين- الذين آثروا فراق هذه العاجلة- و اختاروا الآخرة و هو ع سيدهم و أميرهم- قلت لا منافاة فإن الصالحين- إنما طلبوا أيضا الحياة المستمرة بعد الموت- ورسول الله ص إنما قال إن الدنيا سجن المؤمن- لأن الموت غير مطلوب للمؤمن لذاته- إنما يطلبه للحياة المتعقبة له- و كذلكقوله ع و الله ما أرجو الراحة إلا بعد الموت- تصريح بأن الراحة في الحياة التي تتعقب الموت- و هي حياة الأبد- فلا منافاة إذا بين هذه الوجوه- و بين ما قاله ع- لأنه ما نفى إلا الراحة في الموت نفسه- لا في الحياة الحاصلة بعده- .

فإن قلت فقد تطرأ على الإنسان حالة- يستصعبها قيود الموت لنفسه- و لا يفكر فيما يتعقبه- من الحياة التي تشير إليها و لا يخطر بباله- قلت ذاك شاذ نادر فلا يلتفت إليه- و إنما الحكم للأعم الأغلب- و أيضا فإن ذاك لا يلتذ بالموت- و إنما يتخلص به من الألم- وأمير المؤمنين قال ما من شي‏ء من الملذات إلا و هو مملول إلا الحياة- و بين الملذ و المخلص من الألم فرق واضح- فلا يكون نقضا على كلامه- . فإن قلت قد ذكرت ما قيل- في حب الحياة و كراهية الموت- فهل قيل في عكس ذلك و نقيضه شي‏ء- قلت نعم فمن ذلك قول أبي الطيب-

كفى بك داء أن ترى الموت شافيا
و حسب المنايا إن يكن أمانيا

تمنيتها لما تمنيت أن ترى‏
صديقا فأعيا أو عدوا مداجيا

و قال آخر-

قد قلت إذ مدحوا الحياة فأسرفوا
في الموت ألف فضيلة لا تعرف‏

منها أمان لقائه بلقائه‏
و فراق كل معاشر لا ينصف‏

 و قيل لأعرابي و قد احتضر إنك ميت- قال إلى أين يذهب بي قيل إلى الله- قال ما أكره أن أذهب إلى من لم أر الخير إلا منه- . إبراهيم بن مهدي-

و إني و إن قدمت قبلي لعالم
بأني و إن أبطأت عنك قريب‏

و إن صباحا نلتقي في مسائه‏
صباح إلى قلبي الغداة حبيب‏

 و قال بعض السلف- ما من مؤمن إلا و الموت خير له من الحياة- لأنه إن كان محسنافالله تعالى يقول- وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى‏ لِلَّذِينَ آمَنُوا- و إن كان مسيئا فالله تعالى يقول- وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا- أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ- إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً- .

و قال ميمون بن مهران- بت ليلة عند عمر بن عبد العزيز- فرأيته يبكي و يكثر من تمني الموت- فقلت له إنك أحييت سننا- و أمت بدعا و في بقائك خير للمسلمين- فما بالك تتمني الموت- فقال أ لا أكون كالعبد الصالح- حين أقر الله له عينه و جمع له أمره قال- رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ- وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ- فاطِرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ- أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ- تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ- و قالت الفلاسفة- لا يستكمل الإنسان حد الإنسانية إلا بالموت- لأن الإنسان هو الحي الناطق الميت- . و قال بعضهم- الصالح إذا مات استراح- و الطالح إذا مات استريح منه- . و قال الشاعر-

جزى الله عنا الموت خيرا فإنه
أبر بنا من كل بر و أرأف‏

يعجل تخليص النفوس من الأذى‏
و يدني من الدار التي هي أشرف‏

و قال آخر-

من كان يرجو أن يعيش فإنني
أصبحت أرجو أن أموت لأعتقا

في الموت ألف فضيلة لو أنها
عرفت لكان سبيله أن يعشقا

 و قال أبو العلاء-

جسمي و نفسي لما استجمعا صنعا
شرا إلي فجل الواحد الصمد

فالجسم يعذل فيه النفس مجتهدا
و تلك تزعم أن الظالم الجسد

إذا هما بعد طول الصحبة افترقا
فإن ذاك لأحداث الزمان يد

 و قال أبو العتاهية-

المرء يأمل أن يعيش
و طول عمر قد يضره‏

تفنى بشاشته و يبقى‏
بعد حلو العيش مره‏

و تخونه الأيام حتى
لا يرى شيئا يسره‏

كم شامت بي أن هلكت‏
و قائل لله دره‏

و قال ابن المعتز-

أ لست ترى يا صاح ما أعجب الدهرا
فذما له لكن للخالق الشكرا

لقد حبب الموت البقاء الذي أرى‏
فيا حسدا مني لمن يسكن القبرا

 فأما قوله ع و إنما ذلك بمنزلة الحكمة- إلى قوله و فيها الغنى كله و السلامة- ففصل آخر غير ملتئم بما قبله- و هو إشارة إلى كلام من كلام رسول الله ص رواه لهم- ثم حضهم على التمسك به- و الانتفاع بمواعظه- و قال إنه بمنزلة الحكمة التي هي حياة القلوب- و نور الأبصار و سمع الآذان الصم- و ري الأكباد الحري- و فيها الغنى كله و السلامة- و الحكمة المشبه كلام الرسول ص بها- هي المذكورة في قوله تعالى- وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً- و في قوله وَ لَقَدْ آتَيْنالُقْمانَ الْحِكْمَةَ- و في قوله وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا- و هي عبارة عن المعرفة بالله تعالى- و بما في مبدعاته من الأحكام الدالة على علمه- كتركيب الأفلاك و وضع العناصر مواضعها- و لطائف صنعة الإنسان و غيره من الحيوان- و كيفية إنشاء النبات و المعادن- و ما في العالم من القوى المختلفة- و التأثيرات المتنوعة- الراجع ذلك كله إلى حكمة الصانع و قدرته و علمه- تبارك اسمه- .

فأما قوله و كتاب الله- إلى قوله و لا يخالف بصاحبه عن الله- ففصل آخر مقطوع عما قبله- و متصل بما لم يذكره جامع نهج البلاغة- فإن قلت ما معنى قوله و لا يختلف في الله- و لا يخالف بصاحبه عن الله- و هل بين هاتين الجملتين فرق- قلت نعم أما قوله و لا يختلف في الله- فهو أنه لا يختلف في الدلالة على الله و صفاته- أي لا يتناقض أي ليس في القرآن آيات مختلفة- يدل بعضها على أنه يعلم كل المعلومات  مثلا- و تدل الأخرى على أنه لا يعلم كل المعلومات- أو يدل بعضها على أنه لا يرى- و بعضها على أنه يرى- و ليس وجودنا للآيات المشتبهة بقادح في هذا القول- لأن آيات الجبر و التشبيه لا تدل- و إنما توهم- و نحن إنما نفينا أن يكون فيه ما يدل على الشي‏ء و نقيضه- .

و أما قوله و لا يخالف بصاحبه عن الله- فهو أنه لا يأخذ بالإنسان المعتمد عليه إلى غير الله- أي لا يهديه إلا إلى جناب الحق سبحانه- و لا يعرج به إلى جناب الشيطان- يقال خالفت بفلان عن فلان- إذا أخذت به غير نحوه- و سلكت به غير جهته- .فأما قوله قد اصطلحتم على الغل إلى آخر الفصل- فكلام مقطوع أيضا عما قبله و الغل الحقد- . و الدمن جمع دمنة و هي الحقد أيضا- و قد دمنت قلوبهم بالكسر أي ضغنت- و نبت المرعى عليها أي دامت و طال الزمان عليها- حتى صارت بمنزلة الأرض الجامدة الثابتة التي تنبت النبات- و يجوز أن يريد بالدمن هاهنا جمع دمن- و هو البعر المجتمع كالمزبلة- أو جمع دمنة و هي آثار الناس و ما سودوا من الأرض- يقال قد دمن الشاء الماء- و قد دمن القوم الأرض- فشبه ما في قلوبهم من الغل و الحقد و الضغائن- بالمزبلة المجتمعة من البعر و غيره- من سقاطة الديار التي قد طال مكثها- حتى نبت عليها المرعى- قال الشاعر

و قد ينبت المرعى على دمن الثرى
و تبقى حزازات النفوس كما هيا

قوله ع لقد استهام بكم الخبيث- يعني الشيطان و استهام بكم جعلكم هائمين أي استهامكم- فعداه بحرف الجر- كما تقول في استنفرت القوم إلى الحرب- استنفرت بهم أي جعلتهم نافرين- و يمكن أن يكون بمعنى الطلب و الاستدعاء- كقولك استعلمت منه حال كذا- أي استدعيت أن يعلمني- و استمنحت فلانا أي طلبت و استدعيت أن يعطيني- فيكون قوله و استهام بكم الخبيث- أي استدعى منكم أن تهيموا و تقعوا- في التيه و الضلال و الحيرة- . قوله و تاه بكم الغرور هو الشيطان أيضا- قال سبحانه وَ غَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ- و تاه بكم جعلكم تائهين حائرين- ثم سأل الله أن يعينه على نفسه و عليهم- و من كلام بعض الصالحين- اللهم انصرني على أقرب الأعداء إلي دارا- و أدناهم مني جوارا و هي نفسي

شرح ‏نهج ‏البلاغة(ابن ‏أبي ‏الحديد) ج 8

Show More

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

Back to top button
-+=