google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
1-20 خطبه ها شرح ابن ابی الحدید20-40 خطبه ها شرح ابن ابی الحدیدخطبه ها شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

خطبه 13 شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)(ذم أهل البصرة)

13 و من كلام له ع في ذم أهل البصرة

 
– كُنْتُمْ جُنْدَ الْمَرْأَةِ وَ أَتْبَاعَ الْبَهِيمَةِ- رَغَا فَأَجَبْتُمْ وَ عُقِرَ فَهَرَبْتُمْ- أَخْلَاقُكُمْ دِقَاقٌ وَ عَهْدُكُمْ شِقَاقٌ- وَ دِينُكُمْ نِفَاقٌ وَ مَاؤُكُمْ زُعَاقٌ- وَ الْمُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مُرْتَهَنٌ بِذَنْبِهِ- وَ الشَّاخِصُ عَنْكُمْ مُتَدَارَكٌ بِرَحْمَةٍ مِنْ رَبِّهِ- كَأَنِّي بِمَسْجِدِكُمْ كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ- قَدْ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْعَذَابَ مِنْ فَوْقِهَا وَ مِنْ تَحْتِهَا- وَ غَرَّقَ مَنْ فِي ضِمْنِهَا- وَ فِي رِوَايَةٍ وَ ايْمُ اللَّهِ لَتُغْرَقَنَّ بَلْدَتُكُمْ- حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَسْجِدِهَا كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ- أَوْ نَعَامَةٍ جَاثِمَةٍ- وَ فِي رِوَايَةٍ كَجُؤْجُؤِ طَيْرٍ فِي لُجَّةِ بَحْرٍ- وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى بِلَادُكُمْ أَنْتَنُ بِلَادِ اللَّهِ تُرْبَةً- أَقْرَبُهَا مِنَ الْمَاءِ وَ أَبْعَدُهَا مِنَ السَّمَاءِ- وَ بِهَا تِسْعَةُ أَعْشَارِ الشَّرِّ- الْمُحْتَبَسُ فِيهَا بِذَنْبِهِ وَ الْخَارِجُ بِعَفْوِ اللَّهِ- كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى قَرْيَتِكُمْ هَذِهِ قَدْ طَبَّقَهَا الْمَاءُ- حَتَّى مَا يُرَى مِنْهَا إِلَّا شُرَفُ الْمَسْجِدِ- كَأَنَّهُ جُؤْجُؤُ طَيْرٍ فِي لُجَّةِ بَحْرٍ

قوله و أتباع البهيمة يعني الجمل- و كان جمل عائشة راية عسكر البصرة- قتلوا دونه كما تقتل الرجال تحت راياتها- . و قوله أخلاقكم دقاق يصفهم باللؤم- و في الحديث أن رجلا قال له يا رسول الله- إني أحب أن أنكح فلانة إلا أن في أخلاق أهلها دقه- فقال له إياك و خضراء الدمن- إياك و المرأة الحسناء في منبت السوء – . قوله و عهدكم شقاق يصفهم بالغدر- يقول عهدكم و ذمتكم لا يوثق بها- بل هي و إن كانت في الصورة عهدا أو ذمة- فإنها في المعنى خلاف و عداوة- . قوله و ماؤكم زعاق أي ملح- و هذا و إن لم يكن من أفعالهم إلا أنه مما تذم به المدينة- كما قال

 

بلاد بها الحمى و أسد عرينة
و فيها المعلى يعتدي و يجور

 

فإني لمن قد حل فيها لراحم‏
و إني من لم يأتها لنذير

 

– و لا ذنب لأهلها في أنها بلاد الحمى و السباع- . ثم وصف المقيم بين أظهرهم بأنه مرتهن بذنبه- لأنه إما أن يشاركهم في الذنوب أو يراها فلا ينكرها- و مذهب أصحابنا أنه لا تجوز الإقامة في دار الفسق- كما لا تجوز الإقامة في دار الكفر- . و جؤجؤ عظم الصدر و جؤجؤ السفينة صدرها- .

فأما إخباره ع أن البصرة تغرق عدا المسجد الجامع بها- فقد رأيت من يذكر أن كتب الملاحم- تدل على أن البصرة تهلك بالماء الأسود- ينفجر من أرضها فتغرق و يبقى مسجدها- . و الصحيح أن المخبر به قد وقع فإن البصرة غرقت مرتين- مرة في أيام القادر بالله و مرة في أيام القائم بأمر الله- غرقت بأجمعها و لم يبق منها إلا مسجدها الجامع- بارزا بعضه كجؤجؤ الطائر- حسب ما أخبر به أمير المؤمنين ع- جاءها الماء من بحر فارس- من جهة الموضع المعروف الآن بجزيرة الفرس- و من جهة الجبل المعروف بجبل السنام- و خربت دورها و غرق كل ما في ضمنها- و هلك كثير من أهلها- . و أخبار هذين الغرقين معروفة عند أهل البصرة- يتناقلها خلفهم عن سلفهم
من أخبار يوم الجمل أيضا

قال أبو الحسن علي بن محمد بن سيف المدائني- و محمد بن عمر الواقدي- ما حفظ رجز قط أكثر من رجز قيل يوم الجمل- و أكثره لبني ضبة و الأزد- الذين كانوا حول الجمل يحامون عنه- و لقد كانت الرءوس تندر عن الكواهل- و الأيدي تطيح من المعاصم و أقتاب البطن- تندلق من الأجواف- و هم حول الجمل كالجراد الثابتة لا تتحلحل و لا تتزلزل- حتى لقد صرخ ع بأعلى صوته- ويلكم اعقروا الجمل فإنه شيطان- ثم قال اعقروه و إلا فنيت العرب- لا يزال السيف قائما و راكعا- حتى يهوي هذا البعيرإلى الأرض- فصمدوا له حتى عقروه فسقط و له رغاء شديد- فلما برك كانت الهزيمة- . و من الأراجيز المحفوظة يوم الجمل لعسكر البصرة- قول بعضهم-

 

نحن بني ضبة أصحاب الجمل
ننازل الموت إذا الموت نزل‏

 

ننعى ابن عفان بأطراف الأسل‏
ردوا علينا شيخنا ثم بجل‏

 

الموت أحلى عندنا من العسل
لا عار في الموت إذا حان الأجل‏

 

إن عليا هو من شر البدل‏
إن تعدلوا بشيخنا لا يعتدل‏

أين الوهاد و شماريخ القلل‏

 

 

 فأجابه رجل من عسكر الكوفة- من أصحاب أمير المؤمنين ع-

 

نحن قتلنا نعثلا فيمن قتل
أكثر من أكثر فيه أو أقل‏

 

أنى يرد نعثل و قد قحل‏
نحن ضربنا وسطه حتى انجدل‏

 

لحكمه حكم الطواغيت الأول
آثر بالفي‏ء و جافى في العمل‏

 

فأبدل الله به خير بدل‏
إني امرؤ مستقدم غير وكل‏

مشمر للحرب معروف بطل‏

 

 

و من أراجيز أهل البصرة-

 

 

يا أيها الجند الصليب الإيمان
قوموا قياما و استغيثوا الرحمن‏
إني أتاني خبر ذو ألوان
إن عليا قتل ابن عفان‏

 

ردوا إلينا شيخنا كما كان‏
يا رب و ابعث ناصرا لعثمان‏

 

يقتلهم بقوة و سلطان‏

فأجابه رجل من عسكر الكوفة-

 

أبت سيوف مذحج و همدان
بأن ترد نعثلا كما كان‏

 

خلقا سويا بعد خلق الرحمن‏
و قد قضى بالحكم حكم الشيطان‏

 

و فارق الحق و نور الفرقان
فذاق كأس الموت شرب الظمآن‏

 

 و من الرجز المشهور المقول يوم الحمل- قاله أهل البصرة-

 

يا أمنا عائش لا تراعي
كل بنيك بطل المصاع‏

 

ينعى ابن عفان إليك ناع‏
كعب بن سور كاشف القناع‏

 

فارضي بنصر السيد المطاع
و الأزد فيها كرم الطباع‏

 

 و منه قول بعضهم-

 

 

يا أمنا يكفيك منا دنوه
لن يؤخذ الدهر الخطام عنوه‏

 

و حولك اليوم رجال شنوه‏
و حي همدان رجال الهبوه‏

 

و المالكيون القليلو الكبوه
و الأزد حي ليس فيهم نبوه‏

 

 

 قالوا و خرج من أهل البصرة شيخ صبيح الوجه نبيل- عليه جبة وشي يحض الناس على الحرب و يقول-

 

 

يا معشر الأزد عليكم أمكم
فإنها صلاتكم و صومكم‏

 

و الحرمة العظمى التي تعمكم‏
فأحضروها جدكم و حزمكم‏

 

لا يغلبن سم العدو سمكم
إن العدو إن علاكم زمكم‏

 

و خصكم بجوره و عمكم‏
لا تفضحوا اليوم فداكم قومكم‏

 

– قال المدائني و الواقدي- و هذا الرجز يصدق الرواية- أن الزبير و طلحة قاما في الناس فقالا- إن عليا إن يظفر فهو فناؤكم يا أهل البصرة- فاحموا حقيقتكم- فإنه لا يبقي حرمة إلا انتهكها- و لا حريما إلا هتكه و لا ذرية إلا قتلها- و لا ذوات خدر إلا سباهن- فقاتلوا مقاتلة من يحمي عن حريمه- و يختار الموت على الفضيحة يراها في أهله- . و قال أبو مخنف- لم يقل أحد من رجاز البصرة قولا- كان أحب إلى أهل الجمل من قول هذا الشيخ- استقتل الناس عند قوله و ثبتوا حول الجمل و انتدبوا- فخرج عوف بن قطن الضبي و هو ينادي- ليس لعثمان ثأر إلا علي بن أبي طالب و ولده- فأخذ خطام الجمل و قال-

 

يا أم يا أم خلا مني الوطن
لا أبتغي القبر و لا أبغي الكفن‏

 

من هاهنا محشر عوف بن قطن‏
إن فاتنا اليوم علي فالغبن‏

 

أو فاتنا ابناه حسين و حسن
إذا أمت بطول هم و حزن‏

 

ثم تقدم فضرب بسيفه حتى قتل- . و تناول عبد الله بن أبزى خطام الجمل- و كان كل من أراد الجد في الحرب و قاتل قتال مستميت- يتقدم إلى الجمل فيأخذ بخطامه- ثم شد على عسكر علي ع و قال-

 

أضربهم و لا أرى أبا حسن
ها إن هذا حزن من الحزن‏

 

 فشد عليه علي أمير المؤمنين ع بالرمح فطعنه فقتله- و قال قد رأيت أبا حسن فكيف رأيته و ترك الرمح فيه- .

و أخذت عائشة كفا من حصى- فحصبت به أصحاب علي ع- و صاحت بأعلى صوتها شاهت الوجوه- كما صنع رسول الله ص يوم حنين- فقال لها قائل و ما رميت إذ رميت و لكن الشيطان رمى- و زحف علي ع نحو الجمل بنفسه- في كتيبته الخضراء من المهاجرين و الأنصار- و حوله بنوه حسن و حسين و محمد ع- و دفع الراية إلى محمد- و قال أقدم بها حتى تركزها في عين الجمل و لا تقفن دونه- فتقدم محمد فرشقته السهام- فقال لأصحابه رويدا حتى تنفد سهامهم- فلم يبق لهم إلا رشقة أو رشقتان- فأنفذا إليه علي ع إليه يستحثه و يأمره بالمناجزة- فلما أبطأ عليه جاء بنفسه من خلفه- فوضع يده اليسرى على منكبه الأيمن و قال له- أقدم لا أم لك- فكان محمد رضي الله عنه إذا ذكر ذلك بعد يبكي- و يقول لكأني أجد ريح نفسه في قفاي- و الله لا أنسى أبدا- ثم أدركت عليا ع رقة على ولده- فتناول الراية منه بيده اليسرى- و ذو الفقار مشهور في يمنى يديه- ثم حمل فغاص في عسكر الجمل ثم رجع و قد انحنى سيفه- فأقامه بركبته- فقال له أصحابه و بنوه و الأشتر و عمار- نحن نكفيك يا أمير المؤمنين- فلم يجب أحدا منهم و لا رد إليهم بصره- و ظل ينحط و يزأر زئير الأسد حتى فرق من حوله- و تبادروه و إنه لطامح ببصره نحو عسكر البصرة- لا يبصر من حوله و لا يرد حوارا- ثم دفع الراية إلى ابنه محمد ثم حمل حملة ثانية وحده- فدخل وسطهم فضربهم بالسيف قدما قدما- و الرجال تفر من بين يديه و تنحاز عنه يمنة و يسرة- حتى خضب الأرض بدماء القتلى- ثم رجع و قد انحنى سيفه فأقامه بركبته- فاعصوصب به أصحابه- و ناشدوه الله في نفسه و في الإسلام- و قالوا إنك إن تصب يذهب الدين فأمسك و نحن نكفيك- فقال و الله ما أريد بما ترون إلا وجه الله و الدار الآخرة- ثم قال لمحمد ابنه هكذا تصنع يا ابن الحنفية- فقال الناس من الذي يستطيع ما تستطيعه يا أمير المؤمنين- .

 

و من كلماته الفصيحة ع في يوم الجمل- ما رواه الكلبي عن رجل من الأنصار- قال بينا أنا واقف في أول الصفوف يوم الجمل- إذ جاء علي ع فانحرفت إليه- فقال أين مثرى القوم فقلت هاهنا نحو عائشة- . قال الكلبي- يريد أين عددهم و أين جم و من كلماته الفصيحة ع في يوم الجمل- ما رواه الكلبي عن رجل من الأنصار- قال بينا أنا واقف في أول الصفوف يوم الجمل- إذ جاء علي ع فانحرفت إليه- فقال أين مثرى القوم فقلت هاهنا نحو عائشة- . قال الكلبي- يريد أين عددهم و أين جمهورهم و كثرتهم- و المال الثري على فعيل هو الكثير- و منه رجل ثروان و امرأة ثروى و تصغيرها ثريا- و الصدقة مثراة للمال أي مكثرة له- . قال أبو مخنف- و بعث علي ع إلى الأشتر أن احمل على ميسرتهم- فحمل عليها و فيها هلال بن وكيع فاقتتلوا قتالا شديدا- و قتل هلال قتله الأشتر- فمالت الميسرة إلى عائشة فلاذوا بها- و عظمهم بنو ضبة و بنو عدي- ثم عطفت الأزد و ضبة و ناجية و باهلة إلى الجمل- فأحاطوا به و اقتتل الناس حوله قتالا شديدا- و قتل كعب بن سور قاضي البصرة- جاءه سهم غرب فقتله و خطام الجمل في يده- ثم قتل عمرو بن يثربي الضبي- و كان فارس أصحاب الجمل و شجاعهم- بعد أن قتل كثيرا من أصحاب علي ع- . قالوا كان عمرو أخذ بخطام الجمل فدفعه إلى ابنه- ثم دعا إلى البراز- فخرج إليه علباء بن الهيثم السدوسي فقتله عمرو- ثم دعا إلى البراز- فخرج إليه هند بن عمرو الجملي فقتله عمرو- ثم دعا إلى البراز- فقال زيد بن صوحان العبدي لعلي ع يا أمير المؤمنين- إني رأيت يدا أشرفت علي من السماء- و هي تقول هلم إلينا- و أنا خارج إلى‏
ابن يثربي- فإذا قتلني فادفني بدمي و لا تغسلني- فإني مخاصم عند ربي- ثم خرج فقتله عمرو- ثم رجع إلى خطام الجمل مرتجزا يقول-

 

أرديت علباء و هندا في طلق
ثم ابن صوحان خضيبا في علق‏

 

قد سبق اليوم لنا ما قد سبق‏
و الوتر منا في عدي ذي الفرق‏

 

و الأشتر الغاوي و عمرو بن الحمق
و الفارس المعلم في الحرب الحنق‏

 

ذاك الذي في الحادثات لم يطق‏
أعني عليا ليته فينا مزق‏

 

 قال قوله و الوتر منا في عدي يعني عدي بن حاتم الطائي- و كان من أشد الناس على عثمان و من أشدهم جهادا مع علي ع- ثم ترك ابن يثربي الخطام و خرج يطلب المبارزة- فاختلف في قاتله فقال قوم إن عمار بن ياسر خرج إليه- و الناس يسترجعون له- لأنه كان أضعف من برز إليه يومئذ- أقصرهم سيفا و أقصفهم رمحا و أحمشهم ساقا- حمالة سيفه من نسعة الرحل- و ذباب سيفه قريب من إبطه- فاختلفا ضربتين فنشب سيف ابن يثربي في حجفة عمار- فضربه عمار على رأسه فصرعه- ثم أخذ برجله يسحبه حتى انتهى به إلى علي ع- فقال يا أمير المؤمنين استبقني أجاهد بين يديك- و أقتل منهم مثل ما قتلت منكم- فقال له علي ع أ بعد زيد و هند و علباء أستبقيك- لاها الله إذا- قال فأدنني منك أسارك قال له أنت متمرد- و قد أخبرني رسول الله ص بالمتمردين و ذكرك فيهم- فقال أما و الله لو وصلت إليك لعضضت أنفك عضة أبنته منك- . فأمر به علي ع فضربت عنقه- .

و قال قوم- إن عمرا لما قتل من قتل و أراد أن يخرج لطلب البراز- قال للأزد يا معشر الأزد إنكم قوم لكم حياء و بأس- و إني قد وترت القوم و هم قاتلي- و هذه أمكم نصرها دين و خذلانها عقوق- و لست أخشى أن أقتل حتى أصرع فإن صرعت فاستنقذوني- فقالت له الأزد- ما في هذا الجمع أحد نخافه عليك إلا الأشتر- قال فإياه أخاف- . قال أبو مخنف- فقيضه الله له و قد أعلما جميعا فارتجز الأشتر-

 

إني إذا ما الحرب أبدت نابها
و أغلقت يوم الوغى أبوابها

 

و مزقت من حنق أثوابها
كنا قداماها و لا أذنابها

 

ليس العدو دوننا أصحابها
من هابها اليوم فلن أهابها

 

لا طعنها أخشى و لا ضرابها

 

 

ثم حمل عليه فطعنه فصرعه- و حامت عنه الأزد فاستنقذوه فوثب و هو وقيذ ثقيل- فلم يستطع أن يدفع عن نفسه- و استعرضه عبد الرحمن بن طود البكري- فطعنه فصرعه ثانية- و وثب عليه رجل من سدوس فأخذه مسحوبا برجله- حتى أتى به عليا ع- فناشده الله و قال يا أمير المؤمنين اعف عني- فإن العرب لم تزل قائلة عنك- إنك لم تجهز على جريح قط- فأطلقه و قال اذهب حيث شئت- فجاء إلى أصحابه و هو لما به حضره الموت- فقالوا له دمك عند أي الناس- فقال أما الأشتر فلقيني و أنا كالمهر الأرن فعلا حده حدي- و لقيت رجلا يبتغي له عشرة أمثالي- و أما البكري فلقيني و أنا لما بي- و كان يبتغي لي عشرة أمثاله- و تولى أسري أضعف القوم و صاحبي الأشتر- . قال أبو مخنف فلما انكشفت الحرب- شكرت ابنة عمرو بن يثربي الأزد و عابت قومها فقالت-

 
يا ضب إنك قد فجعت بفارس
حامي الحقيقة قاتل الأقران‏

 

عمرو بن يثرب الذي فجعت به‏
كل القبائل من بني عدنان‏

 

لم يحمه وسط العجاجة قومه
و حنت عليه الأزد أزد عمان‏

 

فلهم علي بذاك حادث نعمة
و لحبهم أحببت كل يمان‏

 

لو كان يدفع عن منية هالك
طول الأكف بذابل المران‏

 

أو معشر وصلوا الخطا بسيوفهم‏
وسط العجاجة و الحتوف دوان‏

 

ما نيل عمر و الحوادث جمة
حتى ينال النجم و القمران‏

 

لو غير الأشتر ناله لندبته‏
و بكيته ما دام هضب أبان‏

 

لكنه من لا يعاب بقتله
أسد الأسود و فارس الفرسان‏

 

 

قال أبو مخنف- و بلغنا أن عبد الرحمن بن طود البكري قال لقومه- أنا و الله قتلت عمرا- و إن الأشتر كان بعدي و أنا أمامه في الصعاليك- فطعنت عمرا طعنة لم أحسب أنها تجعل للأشتر دوني- و إنما الأشتر ذو حظ في الحرب- و إنه ليعلم أنه كان خلفي- و لكن أبى الناس إلا أنه صاحبه- و لا أرى أن أكون خصم العامة و إن الأشتر لأهل ألا ينازع- فلما بلغ الأشتر قوله قال- أما و الله لو لا أني أطفأت جمرته عنه ما دنا منه- و ما صاحبه غيري و إن الصيد لمن وقذه- فقال عبد الرحمن لا أنازع فيه- ما القول إلا ما قاله و أنى لي أن أخالف الناس- . قال و خرج عبد الله بن خلف الخزاعي- و هو رئيس البصرة و أكثر أهلها مالا و ضياعا- فطلب البراز و سأل ألا يخرج إليه إلا علي ع- و ارتجز فقال

 
أبا تراب ادن مني فترا
فإنني دان إليك شبرا
و إن في صدري عليك غمرا

 

 

فخرج إليه علي ع فلم يمهله أن ضربه ففلق هامته- . قالوا استدار الجمل كما تدور الرحى- و تكاثفت الرجال من حوله و اشتد رغاؤه- و اشتد زحام الناس عليه- و نادى الحتات المجاشعي أيها الناس أمكم أمكم- و اختلط الناس فضرب بعضهم بعضا- و تقصد أهل الكوفة قصد الجمل- و الرجال دونه كالجبال- كلما خف قوم جاء أضعافهم- فنادى علي ع ويحكم ارشقوا الجمل بالنبل- اعقروه لعنه الله فرشق بالسهام- فلم يبق فيه موضع إلا أصابه النبل و كان مجففا- فتعلقت السهام به فصار كالقنفذ- و نادت الأزد و ضبة يا لثارات عثمان- فاتخذوها شعارا- و نادى أصحاب علي ع يا محمد فاتخذوها شعارا- و اختلط الفريقان- و نادى علي ع بشعار رسول الله ص يا منصور أمت- و هذا في اليوم الثاني من أيام الجمل- فلما دعا بها تزلزلت أقدام القوم- و ذلك وقت العصر بعد أن كانت الحرب من وقت الفجر- . قال الواقدي-
و قد روي أن شعاره ع كان في ذلك اليوم حم لا ينصرون- اللهم انصرنا على القوم الناكثين – ثم تحاجز الفريقان و القتل فاش فيهما- إلا أنه في أهل البصرة أكثر- و أمارات النصر لائحة لعسكر الكوفة- ثم تواقفوا في اليوم الثالث- فبرز أول الناس عبد الله بن الزبير- و دعا إلى المبارزة فبرز إليه الأشتر- فقالت عائشة من برز إلى عبد الله قالوا الأشتر- فقالت وا ثكل أسماء- فضرب كل منهما صاحبه فجرحه ثم اعتنقا- فصرع الأشتر عبد الله و قعد على صدره- و اختلط الفريقان- هؤلاء لينقذوا عبد الله و هؤلاء ليعينوا الأشتر- و كان الأشتر طاويا ثلاثة أيام‏ لم يطعم- و هذه عادته في الحرب و كان أيضا شيخا عالي السن- فجعل عبد الله ينادي-اقتلوني و مالكا

 فلو قال اقتلوني و الأشتر لقتلوهما- إلا أن أكثر من كان يمر بهما لا يعرفهما- لكثرة من وقع في المعركة صرعى بعضهم فوق بعض- و أفلت ابن الزبير من تحته و لم يكد- فذلك قول الأشتر-

 

 

أ عائش لو لا أنني كنت طاويا
ثلاثا لألفيت ابن أختك هالكا

 

غداة ينادي و الرجال تحوزه‏
بأضعف صوت اقتلوني و مالكا

 

فلم يعرفوه إذ دعاهم و غمه
خدب عليه في العجاجة باركا

 

فنجاه مني أكله و شبابه‏
و أني شيخ لم أكن متماسكا

 

 

 و روى أبو مخنف عن الأصبغ بن نباتة قال- دخل عمار بن ياسر و مالك بن الحارث الأشتر على عائشة- بعد انقضاء أمر الجمل- فقالت عائشة يا عمار من معك قال الأشتر- فقالت يا مالك أنت الذي صنعت بابن أختي ما صنعت- قال نعم- و لو لا أني كنت طاويا ثلاثة أيام لأرحت أمة محمد منه- فقالت أ ما علمت- أن رسول الله ص قال لا يحل دم مسلم إلا بأحد أمور ثلاثة- كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان- أو قتل نفس بغير حق

– فقال الأشتر- على بعض هذه الثلاثة قاتلناه يا أم المؤمنين- و ايم الله ما خانني سيفي قبلها- و لقد أقسمت ألا يصحبني بعدها- . قال أبو مخنف- ففي ذلك يقول الأشتر من جملة هذا الشعر الذي ذكرناه-

 

 

و قالت على أي الخصال صرعته
بقتل أتى أم رده لا أبا لكا

 

 

أم المحصن الزاني الذي حل قتله‏
فقلت لها لا بد من بعض ذلكا

 

 

قال أبو مخنف- و انتهى الحارث بن زهير الأزدي من أصحاب علي ع- إلى الجمل- و رجل آخذ بخطامه لا يدنو منه أحد إلا قتله- فلما رآه الحارث بن زهير مشى إليه بالسيف و ارتجز- فقال لعائشة-

 

 

يا أمنا أعق أم نعلم
و الأم تغذو ولدها و ترحم

أ ما ترين كم شجاع يكلم‏
و تختلى هامته و المعصم‏

 

 

 فاختلف هو و الرجل ضربتين فكلاهما أثخن صاحبه- . قال جندب بن عبد الله الأزدي- فجئت حتى وقفت عليهما- و هما يفحصان بأرجلهما حتى ماتا- قال فأتيت عائشة بعد ذلك أسلم عليها بالمدينة- فقالت من أنت قلت رجل من أهل الكوفة- قالت هل شهدتنا يوم البصرة قلت نعم- قالت مع أي الفريقين قلت مع علي- قالت هل سمعت مقالة الذي قال-يا أمنا أعق أم نعلم‏

– . قلت نعم و أعرفه- قالت و من هو قلت ابن عم لي- قالت و ما فعل قلت قتل عند الجمل و قتل قاتله- قال فبكت حتى ظننت و الله أنها لا تسكت- ثم قالت لوددت و الله أنني كنت مت قبل ذلك اليوم- بعشرين سنة- . قالوا و خرج رجل من عسكر البصرة- يعرف بخباب بن عمرو الراسبي فارتجز فقال-

 

 

أضربهم و لو أرى عليا
عممته أبيض مشرفيا

أريح منه معشرا غويا

 

 

 فصمد عليه الأشتر فقتله- . ثم تقدم عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد- بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس- و هومن أشراف قريش- و كان اسم سيفه ولول فارتجز فقال-

 

 

أنا ابن عتاب و سيفي ولول
و الموت دون الجمل المجلل‏

 

 

فحمل عليه الأشتر فقتله- ثم خرج عبد الله بن حكيم بن حزام- من بني أسد بن عبد العزى بن قصي من أشراف قريش أيضا- فارتجز و طلب المبارزة- فخرج إليه الأشتر فضربه على رأسه فصرعه- ثم قام فنجا بنفسه- . قالوا و أخذ خطام الجمل سبعون من قريش قتلوا كلهم- و لم يكن يأخذ بخطام الجمل أحد إلا سالت نفسه- أو قطعت يده- و جاءت بنو ناجية فأخذوا بخطام الجمل- و لم يكن يأخذ الخطام أحد إلا سألت عائشة من هذا- فسألت عنهم فقيل بنو ناجية- فقالت عائشة صبرا يا بني ناجية- فإني أعرف فيكم شمائل قريش- قالوا و بنو ناجية مطعون في نسبهم إلى قريش- فقتلوا حولها جميعا- . قال أبو مخنف- و حدثنا إسحاق بن راشد عن عبد الله بن الزبير- قال أمسيت يوم الجمل و بي سبعة و ثلاثون جرحا- من ضربة و طعنة و رمية- و ما رأيت مثل يوم الجمل قط- ما كان الفريقان إلا كالجبلين لا يزولان- 

 

قال أبو مخنف و قام رجل إلى علي ع فقال- يا أمير المؤمنين أي فتنة أعظم من هذه- إن البدرية ليمشي بعضها إلى بعض بالسيف- فقال علي ع ويحك- أ تكون فتنة أنا أميرها و قائدها- و الذي بعث محمدا بالحق و كرم وجهه- ما كذبت و لا كذبت و لا ضللت و لا ضل بي- و لا زللت و لا زل بي- و إني لعلى بينة من ربي بينها الله لرسوله- و بينها رسوله لي و سأدعى يوم القيامة و لا ذنب لي- و لو كان لي ذنب لكفر عني ذنوبي ما أنا فيه من قتالهم قال أبو مخنف و حدثنا مسلم الأعور عن حبة العرني- قال فلما رأى علي ع‏ أن الموت عند الجمل- و أنه ما دام قائما فالحرب لا تطفأ- وضع سيفه على عاتقه و عطف نحوه- و أمر أصحابه بذلك و مشى نحوه و الخطام مع بني ضبة- فاقتتلوا قتالا شديدا و استحر القتل في بني ضبة- فقتل منهم مقتلة عظيمة- و خلص علي ع في جماعة من النخع و همدان إلى الجمل- فقال لرجل من النخع اسمه بجير دونك الجمل يا بجير- فضرب عجز الجمل بسيفه فوقع لجنبه- و ضرب بجرانه الأرض و عج عجيجا لم يسمع بأشد منه- فما هو إلا أن صرع الجمل حتى فرت الرجال- كما يطير الجراد في الريح الشديدة الهبوب- و احتملت عائشة بهودجها- فحملت إلى دار عبد الله بن خلف- و أمر علي ع بالجمل أن يحرق ثم يذرى في الريح- و قال ع لعنه الله من دابة فما أشبهه بعجل بني إسرائيل- ثم قرأ وَ انْظُرْ إِلى‏ إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً- لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً

Show More
Back to top button
-+=