13 و من كلام له ع في ذم أهل البصرة
– كُنْتُمْ جُنْدَ الْمَرْأَةِ وَ أَتْبَاعَ الْبَهِيمَةِ- رَغَا فَأَجَبْتُمْ وَ عُقِرَ فَهَرَبْتُمْ- أَخْلَاقُكُمْ دِقَاقٌ وَ عَهْدُكُمْ شِقَاقٌ- وَ دِينُكُمْ نِفَاقٌ وَ مَاؤُكُمْ زُعَاقٌ- وَ الْمُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مُرْتَهَنٌ بِذَنْبِهِ- وَ الشَّاخِصُ عَنْكُمْ مُتَدَارَكٌ بِرَحْمَةٍ مِنْ رَبِّهِ- كَأَنِّي بِمَسْجِدِكُمْ كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ- قَدْ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْعَذَابَ مِنْ فَوْقِهَا وَ مِنْ تَحْتِهَا- وَ غَرَّقَ مَنْ فِي ضِمْنِهَا- وَ فِي رِوَايَةٍ وَ ايْمُ اللَّهِ لَتُغْرَقَنَّ بَلْدَتُكُمْ- حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَسْجِدِهَا كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ- أَوْ نَعَامَةٍ جَاثِمَةٍ- وَ فِي رِوَايَةٍ كَجُؤْجُؤِ طَيْرٍ فِي لُجَّةِ بَحْرٍ- وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى بِلَادُكُمْ أَنْتَنُ بِلَادِ اللَّهِ تُرْبَةً- أَقْرَبُهَا مِنَ الْمَاءِ وَ أَبْعَدُهَا مِنَ السَّمَاءِ- وَ بِهَا تِسْعَةُ أَعْشَارِ الشَّرِّ- الْمُحْتَبَسُ فِيهَا بِذَنْبِهِ وَ الْخَارِجُ بِعَفْوِ اللَّهِ- كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى قَرْيَتِكُمْ هَذِهِ قَدْ طَبَّقَهَا الْمَاءُ- حَتَّى مَا يُرَى مِنْهَا إِلَّا شُرَفُ الْمَسْجِدِ- كَأَنَّهُ جُؤْجُؤُ طَيْرٍ فِي لُجَّةِ بَحْرٍ
قوله و أتباع البهيمة يعني الجمل- و كان جمل عائشة راية عسكر البصرة- قتلوا دونه كما تقتل الرجال تحت راياتها- . و قوله أخلاقكم دقاق يصفهم باللؤم- و في الحديث أن رجلا قال له يا رسول الله- إني أحب أن أنكح فلانة إلا أن في أخلاق أهلها دقه- فقال له إياك و خضراء الدمن- إياك و المرأة الحسناء في منبت السوء – . قوله و عهدكم شقاق يصفهم بالغدر- يقول عهدكم و ذمتكم لا يوثق بها- بل هي و إن كانت في الصورة عهدا أو ذمة- فإنها في المعنى خلاف و عداوة- . قوله و ماؤكم زعاق أي ملح- و هذا و إن لم يكن من أفعالهم إلا أنه مما تذم به المدينة- كما قال
بلاد بها الحمى و أسد عرينة
و فيها المعلى يعتدي و يجور
فإني لمن قد حل فيها لراحم
و إني من لم يأتها لنذير
– و لا ذنب لأهلها في أنها بلاد الحمى و السباع- . ثم وصف المقيم بين أظهرهم بأنه مرتهن بذنبه- لأنه إما أن يشاركهم في الذنوب أو يراها فلا ينكرها- و مذهب أصحابنا أنه لا تجوز الإقامة في دار الفسق- كما لا تجوز الإقامة في دار الكفر- . و جؤجؤ عظم الصدر و جؤجؤ السفينة صدرها- .
فأما إخباره ع أن البصرة تغرق عدا المسجد الجامع بها- فقد رأيت من يذكر أن كتب الملاحم- تدل على أن البصرة تهلك بالماء الأسود- ينفجر من أرضها فتغرق و يبقى مسجدها- . و الصحيح أن المخبر به قد وقع فإن البصرة غرقت مرتين- مرة في أيام القادر بالله و مرة في أيام القائم بأمر الله- غرقت بأجمعها و لم يبق منها إلا مسجدها الجامع- بارزا بعضه كجؤجؤ الطائر- حسب ما أخبر به أمير المؤمنين ع- جاءها الماء من بحر فارس- من جهة الموضع المعروف الآن بجزيرة الفرس- و من جهة الجبل المعروف بجبل السنام- و خربت دورها و غرق كل ما في ضمنها- و هلك كثير من أهلها- . و أخبار هذين الغرقين معروفة عند أهل البصرة- يتناقلها خلفهم عن سلفهم
من أخبار يوم الجمل أيضا
قال أبو الحسن علي بن محمد بن سيف المدائني- و محمد بن عمر الواقدي- ما حفظ رجز قط أكثر من رجز قيل يوم الجمل- و أكثره لبني ضبة و الأزد- الذين كانوا حول الجمل يحامون عنه- و لقد كانت الرءوس تندر عن الكواهل- و الأيدي تطيح من المعاصم و أقتاب البطن- تندلق من الأجواف- و هم حول الجمل كالجراد الثابتة لا تتحلحل و لا تتزلزل- حتى لقد صرخ ع بأعلى صوته- ويلكم اعقروا الجمل فإنه شيطان- ثم قال اعقروه و إلا فنيت العرب- لا يزال السيف قائما و راكعا- حتى يهوي هذا البعيرإلى الأرض- فصمدوا له حتى عقروه فسقط و له رغاء شديد- فلما برك كانت الهزيمة- . و من الأراجيز المحفوظة يوم الجمل لعسكر البصرة- قول بعضهم-
نحن بني ضبة أصحاب الجمل
ننازل الموت إذا الموت نزل
ننعى ابن عفان بأطراف الأسل
ردوا علينا شيخنا ثم بجل
الموت أحلى عندنا من العسل
لا عار في الموت إذا حان الأجل
إن عليا هو من شر البدل
إن تعدلوا بشيخنا لا يعتدل
أين الوهاد و شماريخ القلل
فأجابه رجل من عسكر الكوفة- من أصحاب أمير المؤمنين ع-
نحن قتلنا نعثلا فيمن قتل
أكثر من أكثر فيه أو أقل
أنى يرد نعثل و قد قحل
نحن ضربنا وسطه حتى انجدل
لحكمه حكم الطواغيت الأول
آثر بالفيء و جافى في العمل
فأبدل الله به خير بدل
إني امرؤ مستقدم غير وكل
مشمر للحرب معروف بطل
و من أراجيز أهل البصرة-
يا أيها الجند الصليب الإيمان
قوموا قياما و استغيثوا الرحمن
إني أتاني خبر ذو ألوان
إن عليا قتل ابن عفان
ردوا إلينا شيخنا كما كان
يا رب و ابعث ناصرا لعثمان
يقتلهم بقوة و سلطان
فأجابه رجل من عسكر الكوفة-
أبت سيوف مذحج و همدان
بأن ترد نعثلا كما كان
خلقا سويا بعد خلق الرحمن
و قد قضى بالحكم حكم الشيطان
و فارق الحق و نور الفرقان
فذاق كأس الموت شرب الظمآن
و من الرجز المشهور المقول يوم الحمل- قاله أهل البصرة-
يا أمنا عائش لا تراعي
كل بنيك بطل المصاع
ينعى ابن عفان إليك ناع
كعب بن سور كاشف القناع
فارضي بنصر السيد المطاع
و الأزد فيها كرم الطباع
و منه قول بعضهم-
يا أمنا يكفيك منا دنوه
لن يؤخذ الدهر الخطام عنوه
و حولك اليوم رجال شنوه
و حي همدان رجال الهبوه
و المالكيون القليلو الكبوه
و الأزد حي ليس فيهم نبوه
قالوا و خرج من أهل البصرة شيخ صبيح الوجه نبيل- عليه جبة وشي يحض الناس على الحرب و يقول-
يا معشر الأزد عليكم أمكم
فإنها صلاتكم و صومكم
و الحرمة العظمى التي تعمكم
فأحضروها جدكم و حزمكم
لا يغلبن سم العدو سمكم
إن العدو إن علاكم زمكم
و خصكم بجوره و عمكم
لا تفضحوا اليوم فداكم قومكم
– قال المدائني و الواقدي- و هذا الرجز يصدق الرواية- أن الزبير و طلحة قاما في الناس فقالا- إن عليا إن يظفر فهو فناؤكم يا أهل البصرة- فاحموا حقيقتكم- فإنه لا يبقي حرمة إلا انتهكها- و لا حريما إلا هتكه و لا ذرية إلا قتلها- و لا ذوات خدر إلا سباهن- فقاتلوا مقاتلة من يحمي عن حريمه- و يختار الموت على الفضيحة يراها في أهله- . و قال أبو مخنف- لم يقل أحد من رجاز البصرة قولا- كان أحب إلى أهل الجمل من قول هذا الشيخ- استقتل الناس عند قوله و ثبتوا حول الجمل و انتدبوا- فخرج عوف بن قطن الضبي و هو ينادي- ليس لعثمان ثأر إلا علي بن أبي طالب و ولده- فأخذ خطام الجمل و قال-
يا أم يا أم خلا مني الوطن
لا أبتغي القبر و لا أبغي الكفن
من هاهنا محشر عوف بن قطن
إن فاتنا اليوم علي فالغبن
أو فاتنا ابناه حسين و حسن
إذا أمت بطول هم و حزن
ثم تقدم فضرب بسيفه حتى قتل- . و تناول عبد الله بن أبزى خطام الجمل- و كان كل من أراد الجد في الحرب و قاتل قتال مستميت- يتقدم إلى الجمل فيأخذ بخطامه- ثم شد على عسكر علي ع و قال-
أضربهم و لا أرى أبا حسن
ها إن هذا حزن من الحزن
فشد عليه علي أمير المؤمنين ع بالرمح فطعنه فقتله- و قال قد رأيت أبا حسن فكيف رأيته و ترك الرمح فيه- .
و أخذت عائشة كفا من حصى- فحصبت به أصحاب علي ع- و صاحت بأعلى صوتها شاهت الوجوه- كما صنع رسول الله ص يوم حنين- فقال لها قائل و ما رميت إذ رميت و لكن الشيطان رمى- و زحف علي ع نحو الجمل بنفسه- في كتيبته الخضراء من المهاجرين و الأنصار- و حوله بنوه حسن و حسين و محمد ع- و دفع الراية إلى محمد- و قال أقدم بها حتى تركزها في عين الجمل و لا تقفن دونه- فتقدم محمد فرشقته السهام- فقال لأصحابه رويدا حتى تنفد سهامهم- فلم يبق لهم إلا رشقة أو رشقتان- فأنفذا إليه علي ع إليه يستحثه و يأمره بالمناجزة- فلما أبطأ عليه جاء بنفسه من خلفه- فوضع يده اليسرى على منكبه الأيمن و قال له- أقدم لا أم لك- فكان محمد رضي الله عنه إذا ذكر ذلك بعد يبكي- و يقول لكأني أجد ريح نفسه في قفاي- و الله لا أنسى أبدا- ثم أدركت عليا ع رقة على ولده- فتناول الراية منه بيده اليسرى- و ذو الفقار مشهور في يمنى يديه- ثم حمل فغاص في عسكر الجمل ثم رجع و قد انحنى سيفه- فأقامه بركبته- فقال له أصحابه و بنوه و الأشتر و عمار- نحن نكفيك يا أمير المؤمنين- فلم يجب أحدا منهم و لا رد إليهم بصره- و ظل ينحط و يزأر زئير الأسد حتى فرق من حوله- و تبادروه و إنه لطامح ببصره نحو عسكر البصرة- لا يبصر من حوله و لا يرد حوارا- ثم دفع الراية إلى ابنه محمد ثم حمل حملة ثانية وحده- فدخل وسطهم فضربهم بالسيف قدما قدما- و الرجال تفر من بين يديه و تنحاز عنه يمنة و يسرة- حتى خضب الأرض بدماء القتلى- ثم رجع و قد انحنى سيفه فأقامه بركبته- فاعصوصب به أصحابه- و ناشدوه الله في نفسه و في الإسلام- و قالوا إنك إن تصب يذهب الدين فأمسك و نحن نكفيك- فقال و الله ما أريد بما ترون إلا وجه الله و الدار الآخرة- ثم قال لمحمد ابنه هكذا تصنع يا ابن الحنفية- فقال الناس من الذي يستطيع ما تستطيعه يا أمير المؤمنين- .
و من كلماته الفصيحة ع في يوم الجمل- ما رواه الكلبي عن رجل من الأنصار- قال بينا أنا واقف في أول الصفوف يوم الجمل- إذ جاء علي ع فانحرفت إليه- فقال أين مثرى القوم فقلت هاهنا نحو عائشة- . قال الكلبي- يريد أين عددهم و أين جم و من كلماته الفصيحة ع في يوم الجمل- ما رواه الكلبي عن رجل من الأنصار- قال بينا أنا واقف في أول الصفوف يوم الجمل- إذ جاء علي ع فانحرفت إليه- فقال أين مثرى القوم فقلت هاهنا نحو عائشة- . قال الكلبي- يريد أين عددهم و أين جمهورهم و كثرتهم- و المال الثري على فعيل هو الكثير- و منه رجل ثروان و امرأة ثروى و تصغيرها ثريا- و الصدقة مثراة للمال أي مكثرة له- . قال أبو مخنف- و بعث علي ع إلى الأشتر أن احمل على ميسرتهم- فحمل عليها و فيها هلال بن وكيع فاقتتلوا قتالا شديدا- و قتل هلال قتله الأشتر- فمالت الميسرة إلى عائشة فلاذوا بها- و عظمهم بنو ضبة و بنو عدي- ثم عطفت الأزد و ضبة و ناجية و باهلة إلى الجمل- فأحاطوا به و اقتتل الناس حوله قتالا شديدا- و قتل كعب بن سور قاضي البصرة- جاءه سهم غرب فقتله و خطام الجمل في يده- ثم قتل عمرو بن يثربي الضبي- و كان فارس أصحاب الجمل و شجاعهم- بعد أن قتل كثيرا من أصحاب علي ع- . قالوا كان عمرو أخذ بخطام الجمل فدفعه إلى ابنه- ثم دعا إلى البراز- فخرج إليه علباء بن الهيثم السدوسي فقتله عمرو- ثم دعا إلى البراز- فخرج إليه هند بن عمرو الجملي فقتله عمرو- ثم دعا إلى البراز- فقال زيد بن صوحان العبدي لعلي ع يا أمير المؤمنين- إني رأيت يدا أشرفت علي من السماء- و هي تقول هلم إلينا- و أنا خارج إلى
ابن يثربي- فإذا قتلني فادفني بدمي و لا تغسلني- فإني مخاصم عند ربي- ثم خرج فقتله عمرو- ثم رجع إلى خطام الجمل مرتجزا يقول-
أرديت علباء و هندا في طلق
ثم ابن صوحان خضيبا في علق
قد سبق اليوم لنا ما قد سبق
و الوتر منا في عدي ذي الفرق
و الأشتر الغاوي و عمرو بن الحمق
و الفارس المعلم في الحرب الحنق
ذاك الذي في الحادثات لم يطق
أعني عليا ليته فينا مزق
قال قوله و الوتر منا في عدي يعني عدي بن حاتم الطائي- و كان من أشد الناس على عثمان و من أشدهم جهادا مع علي ع- ثم ترك ابن يثربي الخطام و خرج يطلب المبارزة- فاختلف في قاتله فقال قوم إن عمار بن ياسر خرج إليه- و الناس يسترجعون له- لأنه كان أضعف من برز إليه يومئذ- أقصرهم سيفا و أقصفهم رمحا و أحمشهم ساقا- حمالة سيفه من نسعة الرحل- و ذباب سيفه قريب من إبطه- فاختلفا ضربتين فنشب سيف ابن يثربي في حجفة عمار- فضربه عمار على رأسه فصرعه- ثم أخذ برجله يسحبه حتى انتهى به إلى علي ع- فقال يا أمير المؤمنين استبقني أجاهد بين يديك- و أقتل منهم مثل ما قتلت منكم- فقال له علي ع أ بعد زيد و هند و علباء أستبقيك- لاها الله إذا- قال فأدنني منك أسارك قال له أنت متمرد- و قد أخبرني رسول الله ص بالمتمردين و ذكرك فيهم- فقال أما و الله لو وصلت إليك لعضضت أنفك عضة أبنته منك- . فأمر به علي ع فضربت عنقه- .
و قال قوم- إن عمرا لما قتل من قتل و أراد أن يخرج لطلب البراز- قال للأزد يا معشر الأزد إنكم قوم لكم حياء و بأس- و إني قد وترت القوم و هم قاتلي- و هذه أمكم نصرها دين و خذلانها عقوق- و لست أخشى أن أقتل حتى أصرع فإن صرعت فاستنقذوني- فقالت له الأزد- ما في هذا الجمع أحد نخافه عليك إلا الأشتر- قال فإياه أخاف- . قال أبو مخنف- فقيضه الله له و قد أعلما جميعا فارتجز الأشتر-
إني إذا ما الحرب أبدت نابها
و أغلقت يوم الوغى أبوابها
و مزقت من حنق أثوابها
كنا قداماها و لا أذنابها
ليس العدو دوننا أصحابها
من هابها اليوم فلن أهابها
لا طعنها أخشى و لا ضرابها
ثم حمل عليه فطعنه فصرعه- و حامت عنه الأزد فاستنقذوه فوثب و هو وقيذ ثقيل- فلم يستطع أن يدفع عن نفسه- و استعرضه عبد الرحمن بن طود البكري- فطعنه فصرعه ثانية- و وثب عليه رجل من سدوس فأخذه مسحوبا برجله- حتى أتى به عليا ع- فناشده الله و قال يا أمير المؤمنين اعف عني- فإن العرب لم تزل قائلة عنك- إنك لم تجهز على جريح قط- فأطلقه و قال اذهب حيث شئت- فجاء إلى أصحابه و هو لما به حضره الموت- فقالوا له دمك عند أي الناس- فقال أما الأشتر فلقيني و أنا كالمهر الأرن فعلا حده حدي- و لقيت رجلا يبتغي له عشرة أمثالي- و أما البكري فلقيني و أنا لما بي- و كان يبتغي لي عشرة أمثاله- و تولى أسري أضعف القوم و صاحبي الأشتر- . قال أبو مخنف فلما انكشفت الحرب- شكرت ابنة عمرو بن يثربي الأزد و عابت قومها فقالت-
يا ضب إنك قد فجعت بفارس
حامي الحقيقة قاتل الأقران
عمرو بن يثرب الذي فجعت به
كل القبائل من بني عدنان
لم يحمه وسط العجاجة قومه
و حنت عليه الأزد أزد عمان
فلهم علي بذاك حادث نعمة
و لحبهم أحببت كل يمان
لو كان يدفع عن منية هالك
طول الأكف بذابل المران
أو معشر وصلوا الخطا بسيوفهم
وسط العجاجة و الحتوف دوان
ما نيل عمر و الحوادث جمة
حتى ينال النجم و القمران
لو غير الأشتر ناله لندبته
و بكيته ما دام هضب أبان
لكنه من لا يعاب بقتله
أسد الأسود و فارس الفرسان
قال أبو مخنف- و بلغنا أن عبد الرحمن بن طود البكري قال لقومه- أنا و الله قتلت عمرا- و إن الأشتر كان بعدي و أنا أمامه في الصعاليك- فطعنت عمرا طعنة لم أحسب أنها تجعل للأشتر دوني- و إنما الأشتر ذو حظ في الحرب- و إنه ليعلم أنه كان خلفي- و لكن أبى الناس إلا أنه صاحبه- و لا أرى أن أكون خصم العامة و إن الأشتر لأهل ألا ينازع- فلما بلغ الأشتر قوله قال- أما و الله لو لا أني أطفأت جمرته عنه ما دنا منه- و ما صاحبه غيري و إن الصيد لمن وقذه- فقال عبد الرحمن لا أنازع فيه- ما القول إلا ما قاله و أنى لي أن أخالف الناس- . قال و خرج عبد الله بن خلف الخزاعي- و هو رئيس البصرة و أكثر أهلها مالا و ضياعا- فطلب البراز و سأل ألا يخرج إليه إلا علي ع- و ارتجز فقال
أبا تراب ادن مني فترا
فإنني دان إليك شبرا
و إن في صدري عليك غمرا
فخرج إليه علي ع فلم يمهله أن ضربه ففلق هامته- . قالوا استدار الجمل كما تدور الرحى- و تكاثفت الرجال من حوله و اشتد رغاؤه- و اشتد زحام الناس عليه- و نادى الحتات المجاشعي أيها الناس أمكم أمكم- و اختلط الناس فضرب بعضهم بعضا- و تقصد أهل الكوفة قصد الجمل- و الرجال دونه كالجبال- كلما خف قوم جاء أضعافهم- فنادى علي ع ويحكم ارشقوا الجمل بالنبل- اعقروه لعنه الله فرشق بالسهام- فلم يبق فيه موضع إلا أصابه النبل و كان مجففا- فتعلقت السهام به فصار كالقنفذ- و نادت الأزد و ضبة يا لثارات عثمان- فاتخذوها شعارا- و نادى أصحاب علي ع يا محمد فاتخذوها شعارا- و اختلط الفريقان- و نادى علي ع بشعار رسول الله ص يا منصور أمت- و هذا في اليوم الثاني من أيام الجمل- فلما دعا بها تزلزلت أقدام القوم- و ذلك وقت العصر بعد أن كانت الحرب من وقت الفجر- . قال الواقدي-
و قد روي أن شعاره ع كان في ذلك اليوم حم لا ينصرون- اللهم انصرنا على القوم الناكثين – ثم تحاجز الفريقان و القتل فاش فيهما- إلا أنه في أهل البصرة أكثر- و أمارات النصر لائحة لعسكر الكوفة- ثم تواقفوا في اليوم الثالث- فبرز أول الناس عبد الله بن الزبير- و دعا إلى المبارزة فبرز إليه الأشتر- فقالت عائشة من برز إلى عبد الله قالوا الأشتر- فقالت وا ثكل أسماء- فضرب كل منهما صاحبه فجرحه ثم اعتنقا- فصرع الأشتر عبد الله و قعد على صدره- و اختلط الفريقان- هؤلاء لينقذوا عبد الله و هؤلاء ليعينوا الأشتر- و كان الأشتر طاويا ثلاثة أيام لم يطعم- و هذه عادته في الحرب و كان أيضا شيخا عالي السن- فجعل عبد الله ينادي-اقتلوني و مالكا
فلو قال اقتلوني و الأشتر لقتلوهما- إلا أن أكثر من كان يمر بهما لا يعرفهما- لكثرة من وقع في المعركة صرعى بعضهم فوق بعض- و أفلت ابن الزبير من تحته و لم يكد- فذلك قول الأشتر-
أ عائش لو لا أنني كنت طاويا
ثلاثا لألفيت ابن أختك هالكا
غداة ينادي و الرجال تحوزه
بأضعف صوت اقتلوني و مالكا
فلم يعرفوه إذ دعاهم و غمه
خدب عليه في العجاجة باركا
فنجاه مني أكله و شبابه
و أني شيخ لم أكن متماسكا
و روى أبو مخنف عن الأصبغ بن نباتة قال- دخل عمار بن ياسر و مالك بن الحارث الأشتر على عائشة- بعد انقضاء أمر الجمل- فقالت عائشة يا عمار من معك قال الأشتر- فقالت يا مالك أنت الذي صنعت بابن أختي ما صنعت- قال نعم- و لو لا أني كنت طاويا ثلاثة أيام لأرحت أمة محمد منه- فقالت أ ما علمت- أن رسول الله ص قال لا يحل دم مسلم إلا بأحد أمور ثلاثة- كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان- أو قتل نفس بغير حق
– فقال الأشتر- على بعض هذه الثلاثة قاتلناه يا أم المؤمنين- و ايم الله ما خانني سيفي قبلها- و لقد أقسمت ألا يصحبني بعدها- . قال أبو مخنف- ففي ذلك يقول الأشتر من جملة هذا الشعر الذي ذكرناه-
و قالت على أي الخصال صرعته
بقتل أتى أم رده لا أبا لكا
أم المحصن الزاني الذي حل قتله
فقلت لها لا بد من بعض ذلكا
قال أبو مخنف- و انتهى الحارث بن زهير الأزدي من أصحاب علي ع- إلى الجمل- و رجل آخذ بخطامه لا يدنو منه أحد إلا قتله- فلما رآه الحارث بن زهير مشى إليه بالسيف و ارتجز- فقال لعائشة-
يا أمنا أعق أم نعلم
و الأم تغذو ولدها و ترحم
أ ما ترين كم شجاع يكلم
و تختلى هامته و المعصم
فاختلف هو و الرجل ضربتين فكلاهما أثخن صاحبه- . قال جندب بن عبد الله الأزدي- فجئت حتى وقفت عليهما- و هما يفحصان بأرجلهما حتى ماتا- قال فأتيت عائشة بعد ذلك أسلم عليها بالمدينة- فقالت من أنت قلت رجل من أهل الكوفة- قالت هل شهدتنا يوم البصرة قلت نعم- قالت مع أي الفريقين قلت مع علي- قالت هل سمعت مقالة الذي قال-يا أمنا أعق أم نعلم
– . قلت نعم و أعرفه- قالت و من هو قلت ابن عم لي- قالت و ما فعل قلت قتل عند الجمل و قتل قاتله- قال فبكت حتى ظننت و الله أنها لا تسكت- ثم قالت لوددت و الله أنني كنت مت قبل ذلك اليوم- بعشرين سنة- . قالوا و خرج رجل من عسكر البصرة- يعرف بخباب بن عمرو الراسبي فارتجز فقال-
أضربهم و لو أرى عليا
عممته أبيض مشرفيا
أريح منه معشرا غويا
فصمد عليه الأشتر فقتله- . ثم تقدم عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد- بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس- و هومن أشراف قريش- و كان اسم سيفه ولول فارتجز فقال-
أنا ابن عتاب و سيفي ولول
و الموت دون الجمل المجلل
فحمل عليه الأشتر فقتله- ثم خرج عبد الله بن حكيم بن حزام- من بني أسد بن عبد العزى بن قصي من أشراف قريش أيضا- فارتجز و طلب المبارزة- فخرج إليه الأشتر فضربه على رأسه فصرعه- ثم قام فنجا بنفسه- . قالوا و أخذ خطام الجمل سبعون من قريش قتلوا كلهم- و لم يكن يأخذ بخطام الجمل أحد إلا سالت نفسه- أو قطعت يده- و جاءت بنو ناجية فأخذوا بخطام الجمل- و لم يكن يأخذ الخطام أحد إلا سألت عائشة من هذا- فسألت عنهم فقيل بنو ناجية- فقالت عائشة صبرا يا بني ناجية- فإني أعرف فيكم شمائل قريش- قالوا و بنو ناجية مطعون في نسبهم إلى قريش- فقتلوا حولها جميعا- . قال أبو مخنف- و حدثنا إسحاق بن راشد عن عبد الله بن الزبير- قال أمسيت يوم الجمل و بي سبعة و ثلاثون جرحا- من ضربة و طعنة و رمية- و ما رأيت مثل يوم الجمل قط- ما كان الفريقان إلا كالجبلين لا يزولان-
قال أبو مخنف و قام رجل إلى علي ع فقال- يا أمير المؤمنين أي فتنة أعظم من هذه- إن البدرية ليمشي بعضها إلى بعض بالسيف- فقال علي ع ويحك- أ تكون فتنة أنا أميرها و قائدها- و الذي بعث محمدا بالحق و كرم وجهه- ما كذبت و لا كذبت و لا ضللت و لا ضل بي- و لا زللت و لا زل بي- و إني لعلى بينة من ربي بينها الله لرسوله- و بينها رسوله لي و سأدعى يوم القيامة و لا ذنب لي- و لو كان لي ذنب لكفر عني ذنوبي ما أنا فيه من قتالهم قال أبو مخنف و حدثنا مسلم الأعور عن حبة العرني- قال فلما رأى علي ع أن الموت عند الجمل- و أنه ما دام قائما فالحرب لا تطفأ- وضع سيفه على عاتقه و عطف نحوه- و أمر أصحابه بذلك و مشى نحوه و الخطام مع بني ضبة- فاقتتلوا قتالا شديدا و استحر القتل في بني ضبة- فقتل منهم مقتلة عظيمة- و خلص علي ع في جماعة من النخع و همدان إلى الجمل- فقال لرجل من النخع اسمه بجير دونك الجمل يا بجير- فضرب عجز الجمل بسيفه فوقع لجنبه- و ضرب بجرانه الأرض و عج عجيجا لم يسمع بأشد منه- فما هو إلا أن صرع الجمل حتى فرت الرجال- كما يطير الجراد في الريح الشديدة الهبوب- و احتملت عائشة بهودجها- فحملت إلى دار عبد الله بن خلف- و أمر علي ع بالجمل أن يحرق ثم يذرى في الريح- و قال ع لعنه الله من دابة فما أشبهه بعجل بني إسرائيل- ثم قرأ وَ انْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً- لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً