و من كلام له عليه السّلام أيضا للخوارج.
فَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا أَنْ تَزْعُمُوا أَنِّي أَخْطَأْتُ وَ ضَلَلْتُ- فَلِمَ تُضَلِّلُونَ عَامَّةَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ص بِضَلَالِي- وَ تَأْخُذُونَهُمْ بِخَطَئِي- وَ تُكَفِّرُونَهُمْ بِذُنُوبِي- سُيُوفُكُمْ عَلَى عَوَاتِقِكُمْ- تَضَعُونَهَا مَوَاضِعَ الْبُرْءِ وَ السُّقْمِ- وَ تَخْلِطُونَ مَنْ أَذْنَبَ بِمَنْ لَمْ يُذْنِبْ- وَ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص رَجَمَ الزَّانِيَ الْمُحْصَنَ- ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ وَرَّثَهُ أَهْلَهُ- وَ قَتَلَ الْقَاتِلَ وَ وَرَّثَ مِيرَاثَهُ أَهْلَهُ- وَ قَطَعَ السَّارِقَ وَ جَلَدَ الزَّانِيَ غَيْرَ الْمُحْصَنِ- ثُمَّ قَسَمَ عَلَيْهِمَا مِنَ الْفَيْءِ وَ نَكَحَا الْمُسْلِمَاتِ- فَأَخَذَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ص بِذُنُوبِهِمْ- وَ أَقَامَ حَقَّ اللَّهِ فِيهِمْ- وَ لَمْ يَمْنَعْهُمْ سَهْمَهُمْ مِنَ الْإِسْلَامِ- وَ لَمْ يُخْرِجْ أَسْمَاءَهُمْ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ- ثُمَّ أَنْتُمْ شِرَارُ النَّاسِ- وَ مَنْ رَمَى بِهِ الشَّيْطَانُ مَرَامِيَهُ وَ ضَرَبَ بِهِ تِيهَهُ- وَ سَيَهْلِكُ فِيَّ صِنْفَانِ- مُحِبٌّ مُفْرِطٌ يَذْهَبُ بِهِ الْحُبُّ إِلَى غَيْرِ الْحَقِّ- وَ مُبْغِضٌ مُفْرِطٌ يَذْهَبُ بِهِ الْبُغْضُ إِلَى غَيْرِ الْحَقِّ- وَ خَيْرُ النَّاسِ فِيَّ حَالًا النَّمَطُ الْأَوْسَطُ فَالْزَمُوهُ- وَ الْزَمُوا السَّوَادَ الْأَعْظَمَ- فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ- وَ إِيَّاكُمْ وَ الْفُرْقَةَ- فَإِنَّ الشَّاذَّ مِنَ النَّاسِ لِلشَّيْطَانِ- كَمَا أَنَّ الشَّاذَّ مِنَ الْغَنَمِ لِلذِّئْبِ- أَلَا مَنْ دَعَا إِلَى هَذَا الشِّعَارِ فَاقْتُلُوهُ- وَ لَوْ كَانَ تَحْتَ عِمَامَتِي هَذِهِ- فَإِنَّمَا حُكِّمَ الْحَكَمَانِ لِيُحْيِيَا مَا أَحْيَا الْقُرْآنُ- وَ يُمِيتَا مَا أَمَاتَ الْقُرْآنُ- وَ إِحْيَاؤُهُ الِاجْتِمَاعُ عَلَيْهِ- وَ إِمَاتَتُهُ الِافْتِرَاقُ عَنْهُ- فَإِنْ جَرَّنَا الْقُرْآنُ إِلَيْهِمُ اتَّبَعْنَاهُمْ- وَ إِنْ جَرَّهُمْ إِلَيْنَا اتَّبَعُونَا- فَلَمْ آتِ لَا أَبَا لَكُمْ بُجْراً- وَ لَا خَتَلْتُكُمْ عَنْ أَمْرِكُمْ- وَ لَا لَبَّسْتُهُ عَلَيْكُمْ- إِنَّمَا اجْتَمَعَ رَأْيُ مَلَئِكُمْ عَلَى اخْتِيَارِ رَجُلَيْنِ- أَخَذْنَا عَلَيْهِمَا أَلَّا يَتَعَدَّيَا الْقُرْآنَ فَتَاهَا عَنْهُ- وَ تَرَكَا الْحَقَّ وَ هُمَا يُبْصِرَانِهِ- وَ كَانَ الْجَوْرُ هَوَاهُمَا فَمَضَيَا عَلَيْهِ- وَ قَدْ سَبَقَ اسْتِثْنَاؤُنَا عَلَيْهِمَا فِي الْحُكُومَةِ بِالْعَدْلِ- وَ الصَّمْدِ لِلْحَقِّ سُوءَ رَأْيِهِمَا وَ جَوْرَ حُكْمِهِمَا
اللغة
أقول: البحر: الشرّ و الأمر العظيم. و الختل: الخديعة. و الصمد: القصد.
و هذا الفصل مشاجرة مع الخوارج
و هو منع لشبههم الّتي بها كفّروا أصحابه عليه السّلام و صورتها إنّكم ضللتم بالتحكيم، و كلّ ضالّ كافر ينتج أنّهم كفّار.
فقوله: فإن أبيتم. إلى قوله: و ضللت. يجرى مجرى تسليم جدل لما منعه أوّلا في الفصول السابقة من صغرى شبههم و بين أنّ التحكيم لم يكن منه خطأ و لا ضلالا. فكأنّه يقول: وهب أنى أخطأت كما زعمتم.
و قوله: فلم تضلّلون عامّة امّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بضلالى. منع لصغرى هذه الشبهة.
و قوله: و تكفّرونهم بذنوبى. إلى قوله: بمن لم يذنب. منع للكبرى. فكأنّه يقول: و هب أنّكم ضلّلتموهم بضلالى فلم تكفّرونهم، و تقتلون بسبب تكفيرهم المذنب و غير المذنب.
و قوله: و قد علمتم. إلى قوله: بين أهله. استشهاد عليهم بفعل الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيمن أخطأ، و أنّه لم يكفّرهم بذنوبهم بل أجرى عليهم أحكام الإسلام، و لم يسلبهم اسمه، و هذا الاستشهاد يجرى مجرى ذكره مستند المنع. و الزانى الّذي رجمه هو المحصن، و لم يمنعه استحقاقه الرجم صدق الإسلام عليه و لحوق أحكامه له من الصلاة عليه و توريث ماله لأهله، و كذلك الباقون من أهل الكبائر من الأمّة لم يمنعهم ذلك من إجراء أحكام الإسلام عليهم، و صدق اسمه المنافي لصدق الكفر عليهم، و ضمير الاثنين في نكحا يرجع إلى السارق و الزاني: أى لم يمنعهم استحقاق القطع و الجلد من حصّتهما من الفيء و لا من نكاح المسلمات، و ضمائر الجمع في قوله: فأخذهم اللّه بذنوبهم. إلى قوله: بين أهله راجعة إلى كلّ من جرى ذكره من المذنبين، و الكلام المذكور حكاية لحالهم، و الضمير في أهله يرجع إلى الإسلام.
ثمّ لمّا فرغ من بيان غلطهم ذمّهم و نسبهم إلى الانفعال عن الشيطان. إذ كانت وساوسه مبادى الأغلاط و الشبه. ثمّ عقّب ذلك بالإخبار عن هلاك من سلك طريق الإفراط في حبّه أو بغضه لخروجهما عن الحقّ و العدل إلى الباطل و الجور، و إفراط الحبّ أن جعل إلهاً كالمنسوب إلى النصيريّة و نحوهم من الغلاة، و إفراط البغض أن نسب إلى الكفر كالمنقول عن الخوارج، و جعل خير الناس فيه حالًا النمط الأوسط في المحبّة، و هم أهل العدل فيه. و النمط الأوسط الجماعة من الناس أمرهم واحد، و في الحديث خير هذه الامّة النمط الأوسط يلحق بهم التالى و يرجع إليهم الغالى. فالتالى هو المقصّر الواقف في طرف التفريط، و الغالى هو العابر إلى طرف الإفراط. و أمر بلزوم ذلك النمط و لزوم طريقة السواد الأعظم: أى أكثر المسلمين المتّفقين على رأى واحد، و رغّب في لزوم طريقتهم بأنّ يد اللّه على الجماعة فتجوّز بلفظ اليد في قدرة اللّه و حراسته للجماعة. إذ كانوا أمنع و أبعد عن الانفعال للعدوّ، و آمن من الغلط و الخطاء لكثرة آرائهم و اتّفاقها فلا تكاد تتّفق على أمر لا مصلحة فيه مع كثرتها و اختلافها، و حذّر من الفرقة و الشذوذ عن الجماعة بأنّ الشاذّ من الناس: أى المتفرّد المستبدّ برأيه للشيطان: أى محلّ تطرّق الشيطان لانفراده، و شبّه ذلك بالشّاذ من الغنم، و وجه الشبه كون انفراده محلّا لتطرّق الهلاك إليه باستغواء الشيطان له كمان أنّ الشاة المنفردة في مظنّة الهلاك لانفرادها و وحدتها للذئب. ثمّ أمر بقتل من دعا إلى هذا الشعار و هو مفارقه الجماعه و الاستبداد بالرأى. و قوله: و لو كان تحت عما متى هذه. مبالغة في الكلام كنّى بها عن أقصى القرب من عنايته: أى و لو كان ذلك الداعى إلى هذا الحدّ من عنايتى به، و قيل: أراد و لو كان ذلك الداعى أنا. و قوله: و إنّما حكّم الحكمان. اعتذار عن شبهة التحكيم، و أسند إليهما لفظى الإحياء و الإماتة مجازا باعتبار كونهما في الاجتماع عليه و العمل به مظهرين لمنفعته و فايدته كما يفعله موجد الحياة، و كونهما في تركه و الإعراض عنه سببا لبطلان منفعته و عدم منفعته كما يفعله مميت الشيء و مبطل حياته. فلم آت- لا أبالكم- بجراً: إلى آخر. لمّا بيّن وجه عذره في التحكيم أنكر أن يكون فعله ذلك مشتملا على قصد شرّ أو خديعة لهم أو تلبيسا عليهم في التحكيم من غير اتّفاق منهم و مراجعة لهم بل إنّما كان ذلك عن اجتماع آراء قومهم على اختيار حكمين اخذت عليهما الشرائط المعدودة في كتاب الصلح، و في نسبته اختيار الحكمين إلى ملائهم، و نسبة أخذ العهد عليها في اتّباع الكتاب إلى نفسه أو إلى جماعة هو أحدهم تنبيه على أنّ أخذ العهد عليهما كان منه أو بشركته دون تعيينهما للحكومة لما نقل إنّه كان غير راض بنصب أبى موسى نائبا عنه، و إنّما اكره على ذلك و كان ميله و اختياره في ذلك لابن عبّاس.
و تلخيص الكلام: أنّا إنّما رضينا بالحكمين بشرط أن يعملا بكتاب اللّه، و المشروط بشرط عدم عند عدم ذلك الشرط. فحيث خالفا الشرط عمدا بعد أن سبق استثناؤنا عليهما سوء رأيهما وجبت مخالفتهم. و انتصب سوء رأيهما لأنّه مفعول به عن سبق. و باللّه التوفيق و العصمة.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 3 ، صفحهى 133