121 و من كلام له ع قاله للخوارج
وَ قَدْ خَرَجَ إِلَى مُعَسْكَرِهِمْ- وَ هُمْ مُقِيمُونَ عَلَى إِنْكَارِ الْحُكُومَةِ- فَقَالَ ع أَ كُلُّكُمْ شَهِدَ مَعَنَا صِفِّينَ- فَقَالُوا مِنَّا مَنْ شَهِدَ- وَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَشْهَدْ- قَالَ فَامْتَازُوا فِرْقَتَيْنِ- فَلْيَكُنْ مَنْ شَهِدَ صِفِّينَ فِرْقَةً- وَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا فِرْقَةً- حَتَّى أُكَلِّمَ كُلًّا مِنْكُمْ بِكَلَامِهِ- وَ نَادَى النَّاسَ فَقَالَ أَمْسِكُوا عَنِ الْكَلَامِ- وَ أَنْصِتُوا لِقَوْلِي- وَ أَقْبِلُوا بِأَفْئِدَتِكُمْ إِلَيَّ- فَمَنْ نَشَدْنَاهُ شَهَادَةً فَلْيَقُلْ بِعِلْمِهِ فِيهَا- ثُمَّ كَلَّمَهُمْ ع بِكَلَامٍ طَوِيلٍ- مِنْ جُمْلَتِهِ أَنْ قَالَ ع- أَ لَمْ تَقُولُوا عِنْدَ رَفْعِهِمُ الْمَصَاحِفَ حِيلَةً وَ غِيلَةً- وَ مَكْراً وَ خَدِيعَةً- إِخْوَانُنَا وَ أَهْلُ دَعْوَتِنَا- اسْتَقَالُونَا وَ اسْتَرَاحُوا إِلَى كِتَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ- فَالرَّأْيُ الْقَبُولُ مِنْهُمْ- وَ التَّنْفِيسُ عَنْهُمْ- فَقُلْتُ لَكُمْ هَذَا أَمْرٌ ظَاهِرُهُ إِيمَانٌ- وَ بَاطِنُهُ عُدْوَانٌ- وَ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ وَ آخِرُهُ نَدَامَةٌ- فَأَقِيمُوا عَلَى شَأْنِكُمْ- وَ الْزَمُوا طَرِيقَتَكُمْ- وَ عَضُّوا عَلَى الْجِهَادِ بَنَوَاجِذِكُمْ- وَ لَا تَلْتَفِتُوا إِلَى نَاعِقٍ نَعَقَ- إِنْ أُجِيبَ أَضَلَّ وَ إِنْ تُرِكَ ذَلَّ- فَلَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص- وَ إِنَّ الْقَتْلَ لَيَدُورُ عَلَى الآْبَاءِ وَ الْأَبْنَاءِ-وَ الْإِخْوَانِ وَ الْقَرَابَاتِ- فَمَا نَزْدَادُ عَلَى كُلِّ مُصِيبَةٍ وَ شِدَّةٍ- إِلَّا إِيمَاناً وَ مُضِيّاً عَلَى الْحَقِّ- وَ تَسْلِيماً لِلْأَمْرِ- وَ صَبْراً عَلَى مَضَضِ الْجِرَاحِ- وَ لَكِنَّا إِنَّمَا أَصْبَحْنَا نُقَاتِلُ إِخْوَانَنَا فِي الْإِسْلَامِ- عَلَى مَا دَخَلَ فِيهِ مِنَ الزَّيْغِ وَ الِاعْوِجَاجِ- وَ الشُّبْهَةِ وَ التَّأْوِيلِ- فَإِذَا طَمِعْنَا فِي خَصْلَةٍ يَلُمُّ اللَّهُ بِهَا شَعَثَنَا- وَ نَتَدَانَى بِهَا إِلَى الْبَقِيَّةِ فِيمَا بَيْنَنَا- رَغِبْنَا فِيهَا وَ أَمْسَكْنَا عَمَّا سِوَاهَا هذا الكلام يتلو بعضه بعضا- و لكنه ثلاثة فصول لا يلتصق أحدها بالآخر-
و هذه عادة الرضي- تراه ينتخب من جملة الخطبة الطويلة كلمات فصيحة- يوردها على سبيل التتالي- و ليست متتالية حين تكلم بها صاحبها- و سنقطع كل فصل منها عن صاحبه- إذا مررنا على متنها- . قوله إلى معسكرهم الكاف مفتوحة- و لا يجوز كسرها و هو موضع العسكر و محطه- . و شهد صفين حضرها قال تعالى- فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ- . قوله فامتازوا أي انفردوا قال تعالى- وَ امْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ- . قوله حتى أكلم كلا منكم بكلامه- أي بالكلام الذي يليق به- و الغيلة الخداع و الناعق المصوت- . قوله إن أجيب ضل و إن ترك ذل…- هو آخر الفصل الأول و قوله ضل أي ازداد ضلالا- لأنه قد ضل قبل أن يجاب- .
فأما قوله فلقد كنا مع رسول الله ص- فهو من كلام آخر و هو قائم بنفسه- إلى قوله و صبرا على مضض الجراح- فهذا آخر الفصل الثاني- . فأما قوله لكنا إنما أصبحنا- فهو كلام ثالث غير منوط بالأولين و لا ملتصق بهما- و هو في الظاهر مخالف و مناقض للفصل الأول- لأن الفصل الأول فيه إنكار الإجابة إلى التحكيم- و هذا يتضمن تصويبها- و ظاهر الحال أنه بعد كلام طويل- و قد قال الرضي رحمه الله في أول الفصل- أنه من جملة كلام طويل- و أنه لما ذكر التحكيم- قال ما كان يقوله دائما- و هو أني إنما حكمت- على أن نعمل في هذه الواقعة بحكم الكتاب- و إن كنت أحارب قوما ما أدخلوا في الإسلام زيغا- و أحدثوا به اعوجاجا- فلما دعوني إلى تحكيم الكتاب أمسكت عن قتلهم- و أبقيت عليهم لأني طمعت في أمر- يلم الله به شعث المسلمين- و يتقاربون بطريقه إلى البقية- و هي الإبقاء و الكف- .
فإن قلت إنه قد قال- نقاتل إخواننا من المسلمين- و أنتم لا تطلقون على أهل الشام المحاربين له لفظة المسلمين- قلت إنا و إن كنا نذهب- إلى أن صاحب الكبيرة لا يسمى مؤمنا و لا مسلما- فإنا نجيز أن يطلق عليه هذا اللفظ- إذا قصد به تمييزه عن أهل الذمة و عابدي الأصنام- فيطلق مع قرينة حال أو لفظ يخرجه- عن أن يكون مقصودا به التعظيم و الثناء و المدح- فإن لفظة مسلم و مؤمن- تستعمل في أكثر الأحوال كذلك- و أمير المؤمنين ع لم يقصد بذلك إلا تمييزهم- من كفار العرب و غيرهم من أهل الشرك- و لم يقصد مدحهم بذلك- فلم ينكر مع هذا القصد إطلاق لفظ المسلمين عليهم
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 7