118 و من كلام له ع و قد جمع الناس- و حضهم على الجهاد- فسكتوا مليا
فقال ع- : مَا بَالُكُمْ أَ مُخْرَسُونَ أَنْتُمْ- فَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ- إِنْ سِرْتَ سِرْنَا مَعَكَ- فَقَالَ ع- مَا بَالُكُمْ لَا سُدِّدْتُمْ لِرُشْدٍ وَ لَا هُدِيتُمْ لِقَصْدٍ- أَ فِي مِثْلِ هَذَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَخْرُجَ- وَ إِنَّمَا يَخْرُجُ فِي مِثْلِ هَذَا رَجُلٌ- مِمَّنْ أَرْضَاهُ مِنْ شُجْعَانِكُمْ- وَ ذَوِي بَأْسِكُمْ- وَ لَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَدَعَ الْجُنْدَ وَ الْمِصْرَ- وَ بَيْتَ الْمَالِ وَ جِبَايَةَ الْأَرْضِ- وَ الْقَضَاءَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ- وَ النَّظَرَ فِي حُقُوقِ الْمُطَالِبِينَ- ثُمَّ أَخْرُجَ فِي كَتِيبَةٍ أَتْبَعُ أُخْرَى- أَتَقَلْقَلُ تَقَلْقُلَ الْقِدْحِ فِي الْجَفِيرِ الْفَارِغِ- وَ إِنَّمَا أَنَا قُطْبُ الرَّحَى- تَدُورُ عَلَيَّ وَ أَنَا بِمَكَانِي- فَإِذَا فَارَقْتُهُ اسْتَحَارَ مَدَارُهَا- وَ اضْطَرَبَ ثِفَالُهَا- هَذَا لَعَمْرُ اللَّهِ الرَّأْيُ السُّوءُ- وَ اللَّهِ لَوْ لَا رَجَائِي الشَّهَادَةَ عِنْدَ لِقَائِي الْعَدُوَّ- وَ لَوْ قَدْ حُمَّ لِي لِقَاؤُهُ- لَقَرَّبْتُ رِكَابِي- ثُمَّ شَخَصْتُ عَنْكُمْ فَلَا أَطْلُبُكُمْ- مَا اخْتَلَفَ جَنُوبٌ وَ شَمَالٌ- طَعَّانِينَ عَيَّابِينَ حَيَّادِينَ رَوَّاغِينَ- إِنَّهُ لَا غَنَاءَ فِي كَثْرَةِ عَدَدِكُمْ- مَعَ قِلَّةِ اجْتِمَاعِ قُلُوبِكُمْ- لَقَدْ حَمَلْتُكُمْ عَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ- الَّتِي لَا يَهْلِكُ عَلَيْهَا إِلَّا هَالِكٌ- مَنِ اسْتَقَامَ فَإِلَى الْجَنَّةِ وَ مَنْ زَلَّ فَإِلَى النَّارِ سكتوا مليا أي ساعة طويلة- و مضى ملي من النار كذلك-
قال الله تعالى وَ اهْجُرْنِي مَلِيًّا- و أقمت عند فلان ملاوة- و ملاوة و ملاوة من الدهر- بالحركات الثلاث أي حينا و برهة- و كذلك أقمت ملوة و ملوة و ملوة بالحركات الثلاث- . و قوله أ مخرسون أنتم- اسم المفعول من أخرسه الله- و خرس الرجل و الخرس المصدر- . و الكتيبة قطعة من الجيش- و التقلقل الحركة في اضطراب- و القدح السهم و الجفير الكنانة- و قيل وعاء للسهام أوسع من الكنانة- .
و استحار مدارها اضطرب- و المدار هاهنا مصدر- و الثقال بكسر الثاء جلد يبسط و توضع الرحى فوقه- فتطحن باليد ليسقط عليه الدقيق- . و حم أي قدر و الركاب الإبل- و شخصت عنكم خرجت- ثم وصفهم بعيب الناس و الطعن فيهم- و أنهم يحيدون عن الحق و عن الحرب- أي ينحرفون و يروغون كما يروغ الثعلب- . ثم قال إنه لا غناء عندكم- و إن اجتمعتم بالأبدان مع تفرقي القلوب- و الغناء بالفتح و المد النفع- . و انتصب طعانين على الحال- من الضمير المنصوب في أطلبكم- .
و هذا كلام قاله أمير المؤمنين ع- في بعض غارات أهل الشام على أطراف أعماله بالعراق- بعد انقضاء أمر صفين و النهروان- و قد ذكرنا سببه و وقعته فيما تقدم- . فإن قلت كيف قال الطريق الواضح- فذكره ثم قال لا يهلك فيها فأنثه- قلت لأن الطريق يذكر و يؤنث- تقول الطريق الأعظم و الطريق العظمى- فاستعمل اللغتين معا
شرح نهج البلاغه(ابن أبی الحدید) ج ۷