و من خطبة له عليه السّلام
وَ قَدْ رَأَيْتُ جَوْلَتَكُمْ- وَ انْحِيَازَكُمْ عَنْ صُفُوفِكُمْ- تَحُوزُكُمُ الْجُفَاةُ الطَّغَامُ- وَ أَعْرَابُ أَهْلِ الشَّامِ- وَ أَنْتُمْ لَهَامِيمُ الْعَرَبِ- وَ يَآفِيخُ الشَّرَفِ- وَ الْأَنْفُ الْمُقَدَّمُ- وَ السَّنَامُ الْأَعْظَمُ- وَ لَقَدْ شَفَى وَحَاوِحَ صَدْرِي- أَنْ رَأَيْتُكُمْ بِأَخَرَةٍ- تَحُوزُونَهُمْ كَمَا حَازُوكُمْ- وَ تُزِيلُونَهُمْ عَنْ مَوَاقِفِهِمْ كَمَا أَزَالُوكُمْ- حَسّاً بِالنِّصَالِ وَ شَجْراً بِالرِّمَاحِ- تَرْكَبُ أُوْلَاهُمْ- أُخْرَاهُمْ كَالْإِبِلِ الْهِيمِ الْمَطْرُودَةِ- تُرْمَى عَنْ حِيَاضِهَا- وَ تُذَادُ عَنْ مَوَارِدِهَا
اللغة
أقول: الجولة: الدولة. و انحاز: زلّ. و الطغام: أوغاد الناس. و اللهاميم: جمع لهموم و هو الجواد من الناس. و اليئافيخ: جمع يأفوخ و هو أعلى الدماغ. و الوحاوح: جمع وحوحة و هو صوت فيه بحح يصدر عن المتألّم. و الحسّ: الاستيصال. و النضال: جمع نضل السيف. و الشجر: الطعن. و تذاد: تساق و تطرد.
المعنى
و في هذا الفصل تبكيت لأصحابه بانحيازهم عن عدوّهم و تقريع، ثمّ تنحية و إغراء كيلا يعادوا إلى الفرّ، و ذلك قوله: و قد رأيت. إلى قوله: أهل الشام: أى و قد رأيت تخاذلكم عنهم حتّى حازكم أراذل أهل الشام مع أنّكم أهل الشرف و سادات العرب، و استعار لفظ اليئافيخ لهم. إذ كانوا بالنسبة إلى العرب في علوّهم و شرفهم كاليئافيخ بالنسبة إلى الأبدان، و كذلك استعار لفظ الأنف و السنام، و وجه المشابهة عزّهم و شرفهم كعزّة الأنف و تقدّمه، و حسن الوجه به بالنسبة إلى باقى الأعضاء، و كعزّة السنام و علوّه بالنسبة إلى باقى أعضاء الجمل. ثمّ أردف ذلك التبكيت و التذكير بالرذيلة بذكر فضيلتهم الّتي ختموا بها و هي حوزهم لعدوّهم بالأخرة كحوزهم لهم أوّلا و إزالتهم عن مواقفهم كما أزالوهم و حسّهم استيصالا و طعنا يركب مقدّمهم تاليهم، و أوّلهم آخرهم ليثبتوا على مثل هذه الأفعال في مثل تلك المواقف، و عدّ ذلك شفاء لوحاوح صدره، و كنّى بالوحاوح عمّا كان يجده من التألّم بسبب انقهار أصحابه و غلب عدوّهم لهم و شبّههم في تضعضعهم و ركوب بعضهم لبعض مولّين بالإبل العطاش الّتي اجتمعت على الحياض ليشرب ثمّ طردت و رميت عنها بالسهام و ذيدت عمّا وردته فإنّ طردها على ذلك الاجتماع يوجب لها أن يركب بعضها بعضا و يقع بعضها على بعض. و باللّه التوفيق.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحرانی)، ج 3 ، صفحهى 38