و من خطبة له عليه السّلام
حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّداً ص- شَهِيداً وَ بَشِيراً وَ نَذِيراً- خَيْرَ الْبَرِيَّةِ طِفْلًا- وَ أَنْجَبَهَا كَهْلًا- وَ أَطْهَرَ الْمُطَهَّرِينَ شِيمَةً- وَ أَجْوَدَ الْمُسْتَمْطَرِينَ دِيمَةً فَمَا احْلَوْلَتْ لَكُمُ الدُّنْيَا فِي لَذَّتِهَا- وَ لَا تَمَكَّنْتُمْ مِنْ رَضَاعِ أَخْلَافِهَا- إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا صَادَفْتُمُوهَا جَائِلًا خِطَامُهَا- قَلِقاً وَضِينُهَا- قَدْ صَارَ حَرَامُهَا عِنْدَ أَقْوَامٍ- بِمَنْزِلَةِ السِّدْرِ الْمَخْضُودِ- وَ حَلَالُهَا بَعِيداً غَيْرَ مَوْجُودٍ- وَ صَادَفْتُمُوهَا وَ اللَّهِ ظِلًّا مَمْدُوداً- إِلَى أَجْلٍ مَعْدُودٍ- فَالْأَرْضُ لَكُمْ شَاغِرَةٌ- وَ أَيْدِيكُمْ فِيهَا مَبْسُوطَةٌ- وَ أَيْدِي الْقَادَةِ عَنْكُمْ مَكْفُوفَةٌ- وَ سُيُوفُكُمْ عَلَيْهِمْ مُسَلَّطَةٌ- وَ سُيُوفُهُمْ عَنْكُمْ مَقْبُوضَةٌ- أَلَا وَ إِنَّ لِكُلِّ دَمٍ ثَائِراً- وَ لِكُلِّ حَقٍّ طَالِباً- وَ إِنَّ الثَّائِرَ فِي دِمَائِنَا كَالْحَاكِمِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ- وَ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا يُعْجِزُهُ مَنْ طَلَبَ- وَ لَا يَفُوتُهُ مَنْ هَرَبَ- فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ يَا بَنِي أُمَيَّةَ عَمَّا قَلِيلٍ- لَتَعْرِفُنَّهَا فِي أَيْدِي غَيْرِكُمْ- وَ فِي دَارِ عَدُوِّكُمْ أَلَا إِنَّ أَبْصَرَ الْأَبْصَارِ مَا نَفَذَ فِي الْخَيْرِ طَرْفُهُ- أَلَا إِنَّ أَسْمَعَ الْأَسْمَاعِ مَا وَعَى التَّذْكِيرَ وَ قَبِلَهُ أَيُّهَا النَّاسُ- اسْتَصْبِحُوا مِنْ شُعْلَةِ مِصْبَاحٍ وَاعِظٍ مُتَّعِظٍ- وَ امْتَاحُوا مِنْ صَفْوِ عَيْنٍ قَدْ رُوِّقَتْ مِنَ الْكَدَرِ- عِبَادَ اللَّهِ لَا تَرْكَنُوا إِلَى جَهَالَتِكُمْ- وَ لَا تَنْقَادُوا إِلَى أَهْوَائِكُمْ فَإِنَّ النَّازِلَ بِهَذَا الْمَنْزِلِ نَازِلٌ بِشَفَا جُرُفٍ هَارٍ- يَنْقُلُ الرَّدَى عَلَى ظَهْرِهِ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ- لِرَأْيٍ يُحْدِثُهُ بَعْدَ رَأْيٍ- يُرِيدُ أَنْ يُلْصِقَ مَا لَا يَلْتَصِقُ- وَ يُقَرِّبَ مَا لَا يَتَقَارَبُ- فَاللَّهَ اللَّهَ أَنْ تَشْكُوا إِلَى مَنْ لَا يُشْكِي شَجْوَكُمْ- وَ لَا يَنْقُضُ بِرَأْيِهِ مَا قَدْ أَبْرَمَ لَكُمْ- إِنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ إِلَّا مَا حُمِّلَ مِنْ أَمْرِ رَبِّهِ- الْإِبْلَاغُ فِي الْمَوْعِظَةِ- وَ الِاجْتِهَادُ فِي النَّصِيحَةِ- وَ الْإِحْيَاءُ لِلسُّنَّةِ- وَ إِقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَى مُسْتَحِقِّيهَا- وَ إِصْدَارُ السُّهْمَانِ عَلَى أَهْلِهَا- فَبَادِرُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِ تَصْوِيحِ نَبْتِهِ- وَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُشْغَلُوا بِأَنْفُسِكُمْ- عَنْ مُسْتَثَارِ الْعِلْمِ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ- وَ انْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَ تَنَاهَوْا عَنْهُ- فَإِنَّمَا أُمِرْتُمْ بِالنَّهْيِ بَعْدَ التَّنَاهِي
اللغة
أقول: الشيمة: الخلق. و احلولى: حلا. و الخلف: حلمة ضرع الناقة. و الوضين: حزام الهودج. و المخضود: الّذي لا شوك فيه. و الماتح: الجاذب للدلو من البئر. و شغر الكلب: رفع إحدى رجليه ليبول. و الترويق: التصفية. و الجرف: المكان يأكله السيل. و هار: أصله هائر و هو المنهدم نقلت من الثلاثى إلى الرباعى كشائك و شاكى. و الشجو: الهمّ و الحزن. و صوّح النبت: يبس.
المعنى
و قوله: حتّى بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلم. إلى قوله: من بعده.
افتخار به صلّى اللّه عليه و آله و سلم و مدح له بالقوّة في الدين و توبيخ لجمّع الدنيا و محبّيها بعده، و هو غاية لفصل سابق كأنّه ذكر فيه ما كانوا عليه من سوء الحال و القشف و الفقر، و منّ عليهم بذكر هذه الغاية الحسنة لتلك الأحوال، و وصّفه بأوصاف: أحدها: كونه شهيدا، أى على الخلق بأعمالهم يوم القيامة كما قال تعالى «فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً»«» و قد عرفت كيفيّة هذه الشهادة.
الثاني: و بشيرا للخلق بما أعدّهم من الثواب العظيم. الثالث: و نذيرا لهم بما أعدّ للعصاة من العذاب الأليم. و ينتظم هذه الأوصاف قوله تعالى «إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً»«» و الثلاثة أحوال. الرابع: خير البريّة طفلا، و لمّا علمت أنّ الأفضليّة إنّما هى بالأعمال الصالحة و التسديد لسلوك سبيل اللّه و كان هو صلّى اللّه عليه و آله و سلم منذ صباه و طفوليّته أفضل الخلق في لزوم ذلك لا جرم كان خير الناس طفلا. الخامس: و أنجبها كهلا، و لمّا كانت النجابة مستلزمة لكرم الخصال و التقاط الفضائل و تتبّعها و كان هو صلّى اللّه عليه و آله و سلم في كهولته و زهوته منبع كلّ فضيلة لا جرم كان أنجبهم كهلا. و طفلا و كهلا منصوبان على الحال أيضا. السادس: كونه أطهر المطهّرين شيمة، و لمّا كان صلّى اللّه عليه و آله و سلم متمّم مكارم الأخلاق الظاهرة و كلّ خلق عدل فمنه مكتسب لا جرم كان أطهر الشيمة و أكرم الخلق. السابع: أجود المستمطرين ديمة. استعار له وصف السحاب المرجوّ منه نزول الديمة و هى المطر الّذى لا رعد فيه و لا برق، و رشّح بلفظ الديمة و كنّى بذلك عن غاية جوده و كرمه، و قد كان صلّى اللّه عليه و آله و سلم إذا أمسى آوى إلى البيت فلا يجد فيه شيئا من فضّة أو ذهب إلّا تصدّق به و لم يبت في بيته منه شيء. و شيمة و ديمة تميزان.
و قوله: فما احلولت لكم الدنيا في لذّاتها. إلى قوله: من بعده.
الخطاب لبنى اميّة و نحوهم و تبكيت لهم بتطعّمهم لذّة الدنيا و ابتهاجهم بها و تمكّنهم منها بعد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم و تذكير لهم بمخالفتهم لسنّته في ذلك. و استعار لفظ الأخلاف، و كنّى به عن وجوه مكاسب الدنيا و لذّاتها، و رشّح تلك الاستعارة بذكر الرضاع، و كنّى به عن تناولها ملاحظة لتشبيهها بالناقة.
و قوله: و صادفتموها. إلى قوله: غير موجود.
استعار لها لفظ الخطام و الوضين و رشّحهما بالقلق و الجولان، و كنّى بذلك عن مصادفتهم للدنيا بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم غير منظومة الحال و لا مضبوطة على ما ينبغي لضعف ولاتها عن إصلاح حالها كما أنّ الناقة قلقة الحزام، و جائلة الخطام غير منظومة الآلة و لا مضبوطة الحالة فهى بمعرض أن تمشى و تنصرف على غير استقامة فهلك راكبها، ثمّ ذكر رذيلة القوم فشبّه حرامها بالسدر المخضود معهم، و وجه الشبه أنّ نواهى اللّه و وعيداته على فعل المحرّمات تجرى مجرى الشوك للسدر في كونها مانعة منه كما يمنع شوك السدر جانبه من تناول ثمرته، و لمّا كان بعض الامّة قد طرح اعتبار النواهى و الوعيد جانبا عن نفسه و فعل ما حرم عليه جرى ذلك عنده مجرى تناوله للسدر الخالى عن الشوك في استسهاله تناوله و إقدامه عليه. و كون حلالها بعيدا غير موجود: أى بين اولئك المشار إليهم. و جائلا و قلقا حالان.
قوله: و صادفتموها و اللّه. إلى قوله: معدودا.
استعار لفظ الظلّ لها و رشّح بالممدود، و كنّى بذلك عن زوالها بعد حين تهديدا لهم به، ثمّ استعار لفظ الشاغرة للأرض، و كنّى به عن خلوّها لهم. يقال: بقى الأمر الفلانىّ شاغرا برجله إذا لم يكن له طالب و لا حام يحميه، و كنّى ببسط أيديهم فيها عن قدرتهم على التصرّف، و أراد بالقادة الخلفاء، و بسلاطة سيوفهم على القادة جرأتهم و حكمهم عليهم، و بقبض سيوف القادة عدم تمكّنهم منهم.
و قوله: ألا إنّ لكلّ دم ثائرا. إلى قوله: من هرب.
تهديد باللّه لبنى اميّة و تخويف بأخذه و عقابه. و هاتان الكلّيّتان ظاهرتا الصدق فإنّه تعالى هو الثائر لكلّ دم معصوم و الطالب به إن عدم طالبه أو ضعف، و لمّا كان دم مثلهم عليهم السّلام و سائر الصحابة ممّن عصم اللّه دمه و منع منه و حرّمه يجرى مجرى الحقّ الثابت المتعارف للّه في كونه يطلب به و لا يهمله و هو الحاكم المطلق لا جرم استعار لفظ الثائر، و إنّما قال: كالحاكم لأنّ إطلاق لفظ الحقّ للّه تعالى به ليس بحقيقة. إذ الحقّ من شأنه أن ينتفع بأخذه و يتضرّر بتركه و البارى منزّه عن ذلك لكن لمّا جرى ذلك الدم مجرى الحقّ له تعالى، به أشبه الحاكم منّا في استيفاء الحقّ. و وصفه تعالى بأنّه لا يعجزه مطلوب و لا يفوته هارب في معرض التهديد لهم بأخذه و قوّته. ثمّ أردف ذلك بالقسم البارّ مخاطبا لبنى اميّة لتعرفنّها: أى الدنيا و إمرتها في يد غيرهم من أعدائهم. و ذلك ظاهر الصدق بانتقالها إلى بنى عبّاس، ثمّ شرع بعده في التنبيه على الفكر في تحصيل السعادة الباقية و الخير الدائم و على قبول الوعظ و التذكّر فأشار إلى أنّه أبصر الأبصار ما نفذ في الخير طرفه، و أسمع الأسماع ما وعى التذكير فقبله، و أراد بطرف البصر العقل و سمعه استعارة، أو حسّ البصر و السمع على معنى أنّ أفضل إبصار البصر و سماع السمع ما عاد على المبصر و السامع بالفائدة المطلوبة منهما و هي تحصيل الكمالات النفسانيّة من العلوم و الأخلاق، و لمّا قدّم ذلك أمام مقصوده أيّه بالناس بعده إلى قبول قوله و الاستصباح بنوره، و استعار لنفسه لفظ المصباح، و رشّح بذكر الشعلة و الاستصباح، و استعار لفظ العين و رشّح بذكر الصفو و الترويق و المتح، و وجه الاستعارة الاولى كونه مقتدى به كالمصباح، و وجه الثانية كون المستفاد منه مادّة الحياة الأبديّة كما أنّ ماء العين مادّة الحياة الدنيويّة و كنّى بترويقها من الكدر عن رسوخه فيما علم بحيث لا يتطرّق إليه فيه شبهة تكدر يقينه، و هو أمر لهم بالاهتداء به و أخذ العلوم و الأخلاق عنه. ثمّ لمّا أمر بأخذهما عنه أردفه بالنهى عن الجهل و الركون إليه ثمّ عن الانقياد للأهواء الباطلة المخرجة عن كرائم الأخلاق إلى رذائلها و عن حقّ المصالح إلى باطلها.
و قوله: فإنّ النازل بهذا المنزل.
أراد المنزل المشير المدّعى للنصيحة لهم عن جهل منه بوجوه المصالح و ذلك أنّه عليه السّلام كان يرى الرأى الصالح، و يشير عليهم به فإذا خلا بعضهم إلى بعض فما كان من ذلك فيه مشقّة عليهم من جهاد أو مواظبة على عمل شاقّ أشار منافقوهم المبغضون المدّعون لأهليّتهم لمقامه بعكس ما رأى فيه و أشار به ردّ و هم عنه إلى ما يوافق أهوائهم و يلائم طباعهم إفسادا في الدين، و أشار عليه السّلام إلى ما نزّل نفسه منزلة المشير الناصح مع أنّ كلّ ما يشير به عن هوى متّبع و جهل فهو على شفا جرف هار، و استعار لفظ الجرف للآراء الفاسدة الصادرة فإنّها لم تبن على نظام العقل و لم ترخّص فيه الشريعة فكانت منهارة لا يبنى عليها إلّا ما كان بصدد أن ينهار، و كأنّ المشير بها واقف على شفا جرف هار منها ينهار به في نار جهنّم أو في الهلاك الحاضر.
يقال لمن فعل فعلا على غير أصل أو يتوقّع له منه عقوبة مثلا: إنّه على شفا جرف هار، و نحوه قوله تعالى «أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ»«» الآية.
و قوله: ينقل الردى على ظهره من موضع.
لمّا كان الردى هو الهلاك و كان الرأى الفاسد يستلزم الهلاك للمشار عليه و للمشير كان المشير على الخلق به عن هوى كالناقل للهلاك من شخص إلى غيره و المقسّم له على من يشير عليهم به. و هو في معرض التنفير عنه.
و قوله: لرأى يحدثه بعد رأى يريد أن يلصق ما لا يلتصق.
و قوله: لرأى يحدثه بعد رأى يريد أن يلصق ما لا يلتصق. ذكر غاية تنقّله من موضع إلى آخر فإنّ نقله للردى يستلزم أن ينقله، و روى: و لرأى بالواو. و على هذا يكون كلاما مستأنفا، و التقدير أنّ بسبب رأى يحدثه يريد إلصاق ما لا يلتصق. و استعار لفظ اللصق للصلح: أى يريد أن يصلح بينكم و بين أعدائكم و ذلك أمر لا ينصلح، و وجه المشابهة كون الخصمين في طرفين يجمعهما الصالح و يوجب لهما الاتّحاد كما يجمع اللصاق بين الملتصقين، و يحتمل أن يريد أن يلصق بكم من الآراء الفاسدة ما لا ينبغي أن يلتصق بكم، و كذلك قوله: و يقرّب ما لا يتقارب و يقرّب عليكم ما بينكم و بينهم من البعد و الافتراق و ذلك أمر لا يتقارب. و يفهم من هذا أنّ من كان ينهاهم عن الركون إلى استشارته كان يخذلهم عن الحرب بذكر الصلح بينهم و بين معاوية و الدخول فيه. ثمّ حذّرهم اللّه و عقابه في أن يشكوا إلى من لا يشتكى حزنهم، و ذل أنّ المشتكى إليه و المستشار إذا لم يساهم الشاكى همّه لم يكن أهلا للرأى في مثل ذلك الأمر المشكوك و إن كان معروفا بجودة الرأى، و سرّ ذلك أنّ الاهتمام بالأمر يبعث رائد الفكر على الاستقصاء في تفتيش وجوه الآراء الصالحة فيه فيكون بصدد أن يستخرج منها أصلحها و أنفعها و إن كان دون غيره في جودة الرأى بخلاف الخلىّ العديم الباعث على طلب الأصلح. و أردفهم بنهيهم عن أن ينقض برأيه الفاسد ما قد أبرمه هو عليه السّلام لهم من الرأى الصائب في التجرّد للحرب. ثمّ أردفه ببيان ما يجب على الإمام ممّا هو تكليفه بالنسبة إلى الرعيّة، و فائدة ذلك الإعذار إليهم فيما هم عساهم ينسبونه إليه من تقصير فيركنون إلى غيره في الرأى و نحوه، و ذكر امورا خمسة: الإبلاغ في موعظة العباد. ثمّ الاجتهاد في النصيحة لهم. ثمّ الإحياء لسنّة اللّه و رسوله فيهم. ثمّ إقامة الحدود الّتي يستحقّونها بجناياتهم. ثمّ إصدار السهمان على أهلها. و السهمان: جمع سهم و هو النصيب المستحقّ به للمسلم من بيت المال. ثمّ لمّا سبق نهيه عن الركون إلى الجهل أمر هنا بالمبادرة إلى العلم من قبل تصويح نبته، و استعار لفظ النبت، و رشّح بذكر التصويح، و كنّى به عن عدمه بموته عليه السّلام.
و قوله: من قبل أن تشغلوا بأنفسكم.
أى بتخليصها من شرور الفتن الّذي ستنزل بهم من بنى اميّة و معاناتها، و مستشار العلم ما استشير منه و استخرج، و أهله هو عليه السّلام و من في معناه. ثمّ أمرهم بالانتهاء عن المنكر، ثمّ ينهى غير هم فإنّ النهى عن الشيء بعد الانتهاء عنه هو النهى المثمر المطابق لمقتضى الحكمة. إذ كان انفعال الطباع عن مشاهدة الأفعال و الاقتداء بها أقوى و أسرع منها عن سماع الأقوال خصوصا إذا خالفها فعل القائل. و ذلك أمر ظاهر شهدت به العقول السليمة و التجارب و توافقت عليه الآراء و الشرائع، و إليه أشار الشاعر:
لا تنه عن خلق و تأتى مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 3 ، صفحهى 23