متن عربی خطبه
و من خطبة له ( عليهالسلام ) بعد انصرافه من صفين
أَحْمَدُهُ اسْتِتْمَاماً لِنِعْمَتِهِ وَ اسْتِسْلَاماً لِعِزَّتِهِ وَ اسْتِعْصَاماً مِنْ مَعْصِيَتِهِ
وَ أَسْتَعِينُهُ فَاقَةً إِلَى كِفَايَتِهِ
إِنَّهُ لَا يَضِلُّ مَنْ هَدَاهُ وَ لَا يَئِلُ مَنْ عَادَاهُ وَ لَا يَفْتَقِرُ مَنْ كَفَاهُ
فَإِنَّهُ أَرْجَحُ مَا وُزِنَ وَ أَفْضَلُ مَا خُزِنَ
وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً مُمْتَحَناً إِخْلَاصُهَا مُعْتَقَداً مُصَاصُهَا نَتَمَسَّكُ بِهَا أَبَداً
مَا أَبْقَانَا وَ نَدَّخِرُهَا لِأَهَاوِيلِ مَا يَلْقَانَا
فَإِنَّهَا عَزِيمَةُ الْإِيمَانِ وَ فَاتِحَةُ الْإِحْسَانِ وَ مَرْضَاةُ الرَّحْمَنِ وَ مَدْحَرَةُ الشَّيْطَانِ
وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالدِّينِ الْمَشْهُورِ وَ الْعَلَمِ الْمَأْثُورِ
وَ الْكِتَابِ الْمَسْطُورِ وَ النُّورِ السَّاطِعِ وَ الضِّيَاءِ اللَّامِعِ وَ الْأَمْرِ الصَّادِعِ
إِزَاحَةً لِلشُّبُهَاتِ وَ احْتِجَاجاً بِالْبَيِّنَاتِ وَ تَحْذِيراً بِالْآيَاتِ وَ تَخْوِيفاً بِالْمَثُلَاتِ
وَ النَّاسُ فِي فِتَنٍ انْجَذَمَ فِيهَا حَبْلُ الدِّينِ وَ تَزَعْزَعَتْ سَوَارِي الْيَقِينِ وَ اخْتَلَفَ النَّجْرُ وَ تَشَتَّتَ الْأَمْرُ وَ ضَاقَ الْمَخْرَجُ وَ عَمِيَ الْمَصْدَرُ
فَالْهُدَى خَامِلٌ وَ الْعَمَى شَامِلٌ
عُصِيَ الرَّحْمَنُ وَ نُصِرَ الشَّيْطَانُ وَ خُذِلَ الْإِيمَانُ فَانْهَارَتْ دَعَائِمُهُ وَ تَنَكَّرَتْ مَعَالِمُهُ وَ دَرَسَتْ سُبُلُهُ وَ عَفَتْ شُرُكُهُ
أَطَاعُوا الشَّيْطَانَ فَسَلَكُوا مَسَالِكَهُ وَ وَرَدُوا مَنَاهِلَهُ
بِهِمْ سَارَتْ أَعْلَامُهُ وَ قَامَ لِوَاؤُهُ
فِي فِتَنٍ دَاسَتْهُمْ بِأَخْفَافِهَا وَ وَطِئَتْهُمْ بِأَظْلَافِهَا وَ قَامَتْ عَلَى سَنَابِكِهَا
فَهُمْ فِيهَا تَائِهُونَ حَائِرُونَ جَاهِلُونَ مَفْتُونُونَ فِي خَيْرِ دَارٍ وَ شَرِّ جِيرَانٍ
نَوْمُهُمْ سُهُودٌ وَ كُحْلُهُمْ دُمُوعٌ بِأَرْضٍ عَالِمُهَا مُلْجَمٌ وَ جَاهِلُهَا مُكْرَمٌ
وَ مِنْهَا وَ يَعْنِي آلَ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه )
هُمْ مَوْضِعُ سِرِّهِ وَ لَجَأُ أَمْرِهِ وَ عَيْبَةُ عِلْمِهِ وَ مَوْئِلُ حُكْمِهِ وَ كُهُوفُ كُتُبِهِ وَ جِبَالُ دِينِهِ
بِهِمْ أَقَامَ انْحِنَاءَ ظَهْرِهِ وَ أَذْهَبَ ارْتِعَادَ فَرَائِصِهِ
وَ مِنْهَا فِي الْمُنَافِقِينَ
زَرَعُوا الْفُجُورَ وَ سَقَوْهُ الْغُرُورَ وَ حَصَدُوا الثُّبُورَ
لَا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ ( صلىاللهعليه )مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَحَدٌ وَ لَا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَداً
هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ وَ عِمَادُ الْيَقِينِ
إِلَيْهِمْ يَفِيءُ الْغَالِي وَ بِهِمْ يُلْحَقُ التَّالِي
وَ لَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلَايَةِ وَ فِيهِمُ الْوَصِيَّةُ وَ الْوِرَاثَةُ
الْآنَ إِذْ رَجَعَ الْحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ وَ نُقِلَ إِلَى مُنْتَقَلِهِ
**************************************************
شرح ابن ابی الحدید
2 و من خطبة له ع بعد انصرافه من صفين
صفين اسم الأرض التي كانت فيها الحرب- و النون فيها أصلية ذكر ذلك صاحب الصحاح- فوزنها على هذا فعيل- كفسيق و خمير و صريع و ظليم و ضليل- . فإن قيل فاشتقاقه مما ذا يكون- . قيل لو كان اسما لحيوان- لأمكن أن يكون من صفن الفرس- إذا قام على ثلاث و أقام الرابعة على طرف الحافر- يصفن بالكسر صفونا- أو من صفن القوم- إذا صفوا أقدامهم لا يخرج بعضها من بعض- . فإن قيل أ يمكن أن يشتق من ذلك و هو اسم أرض- . قيل يمكن على تعسف- و هو أن تكون تلك الأرض لما كانت مما تصفن فيها الخيل- أو تصطف فيها الأقدام سميت صفين- . فإن قيل أ يمكن أن تكون النون زائدة مع الياء- كما هما في غسلين و عفرين- . قيل لو جاء في الأصل صف بكسر الصاد- لأمكن أن تتوهم الزيادة- كالزيادة في غسل و هو ما يغتسل به- نحو الخطمي و غيره- فقيل غسلين لما يسيل من صديد أهل النار و دمائهم- و كالزيادة في عفر و هو الخبيث الداهي- فقيل عفرين لمأسدة بعينها- و قيل عفريت للداهية هكذا ذكروه- و لقائل أن يقول لهم أ ليس قد قالوا للأسد- عفرني بفتح العين و أصله العفر بالكسر- فقد بان أنهم لم يراعوا في اشتقاقهم- و تصريف كلامهم الحركة المخصوصة- و إنما يراعون الحرف و لا كل الحروف بل الأصلي منها- فغير ممتنع على هذا عندنا- أن تكون الياء و النون زائدتين في صفين- . و صفين اسم غير منصرف للتأنيث و التعريف- قال
إني أدين بما دان الوصي به
يوم الخريبة من قتل المحلينا
و بالذي دان يوم النهر دنت به
و شاركت كفه كفي بصفينا
تلك الدماء معا يا رب في عنقي
ثم اسقني مثلها آمين آمينا
أَحْمَدُهُ اسْتِتْمَاماً لِنِعْمَتِهِ وَ اسْتِسْلَاماً لِعِزَّتِهِ- وَ اسْتِعْصَاماً مِنْ مَعْصِيَتِهِ- وَ أَسْتَعِينُهُ فَاقَةً إِلَى كِفَايَتِهِ- إِنَّهُ لَا يَضِلُّ مَنْ هَدَاهُ وَ لَا يَئِلُ مَنْ عَادَاهُ- وَ لَا يَفْتَقِرُ مَنْ كَفَاهُ- فَإِنَّهُ أَرْجَحُ مَا وُزِنَ وَ أَفْضَلُ مَا خُزِنَ- وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ- شَهَادَةً مُمْتَحَناً إِخْلَاصُهَا مُعْتَقَداً مُصَاصُهَا- نَتَمَسَّكُ بِهَا أَبَداً مَا أَبْقَانَا- وَ نَدَّخِرُهَا لِأَهَاوِيلِ مَا يَلْقَانَا- فَإِنَّهَا عَزِيمَةُ الْإِيمَانِ وَ فَاتِحَةُ الْإِحْسَانِ- وَ مَرْضَاةُ الرَّحْمَنِ وَ مَدْحَرَةُ الشَّيْطَانِ وأل أي نجا يئل- و المصاص خالص الشيء و الفاقة الحاجة و الفقر- الأهاويل جمع أهوال و الأهوال جمع هول- فهو جمع الجمع كما قالوا أنعام و أناعيم- و قيل أهاويل أصله تهاويل- و هي ما يهولك من شيء أي يروعك- و إن جاز هذا فهو بعيد لأن التاء قل أن تبدل همزة- و العزيمة النية المقطوع عليها- و مدحرة الشيطان أي تدحره أي تبعده و تطرده- . و قوله ع استتماما و استسلاما و استعصاما- من لطيف الكناية و بديعها- فسبحان من خصه بالفضائل- التي لا تنتهي ألسنة الفصحاء إلى وصفها- و جعله إمام كل ذي علم و قدوة كل صاحب خصيصة- . و قوله فإنه أرجح- الهاء عائدة إلى ما دل عليه قوله أحمده يعني الحمد- و الفعل يدل على المصدر و ترجع الضمائر إليه- كقوله تعالى بَلْ هُوَ شَرٌّ- و هو ضمير البخل الذي دل عليه قوله يَبْخَلُونَ
باب لزوم ما لا يلزم و إيراد أمثلة منه
و قوله ع وزن و خزن بلزوم الزاي- من الباب المسمى لزوم ما لا يلزم- و هو أحد أنواع البديع- و ذلك أن تكون الحروف التي قبل الفاصلة حرفا واحدا- هذافي المنثور- و أما في المنظوم فأن تتساوى الحروف التي قبل الروي- مع كونها ليست بواجبة التساوي- مثال ذلك قول بعض شعراء الحماسة-
بيضاء باكرها النعيم فصاغها
بلباقة فأدقها و أجلها
حجبت تحيتها فقلت لصاحبي
ما كان أكثرها لنا و أقلها
و إذا وجدت لها وساوس سلوة
شفع الضمير إلى الفؤاد فسلها
أ لا تراه كيف قد لزم اللام الأولى من اللامين- اللذين صارا حرفا مشددا- فالثاني منهما هو الروي- و اللام الأول الذي قبله التزام ما لا يلزم- فلو قال في القصيدة وصلها و قبلها و فعلها لجاز- . و احترزنا نحن بقولنا- مع كونها ليست بواجبة التساوي- عن قول الراجز و هو من شعر الحماسة أيضا-
و فيشة ليست كهذي الفيش
قد ملئت من نزق و طيش
إذا بدت قلت أمير الجيش
من ذاقها يعرف طعم العيش
فإن لزوم الياء قبل حرف الروي ليس من هذا الباب- لأنه لزوم واجب- أ لا ترى أنه لو قال في هذا الرجز- البطش و الفرش و العرش لم يجز- لأن الردف لا يجوز- أن يكون حرفا خارجا عن حروف العلة- و قد جاء من اللزوم في الكتاب العزيز مواضع-ليست بكثيرة- فمنها قوله سبحانه فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا- قالَ أَ راغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ- لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَ اهْجُرْنِي مَلِيًّا- و قوله تعالى وَ لكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ- قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ- و قوله اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ- خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ- و قوله وَ الطُّورِ وَ كِتابٍ مَسْطُورٍ- و قوله بِكاهِنٍ وَ لا مَجْنُونٍ- أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ- و قوله فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَ طَلْحٍ مَنْضُودٍ- و قوله فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ- وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ- نِعْمَ الْمَوْلى وَ نِعْمَ النَّصِيرُ- و الظاهر أن ذلك غير مقصود قصده- . و مما ورد منه في كلام العرب- أن لقيط بن زرارة تزوج ابنة قيس بن خالد الشيباني- فأحبته- فلما قتل عنها تزوجت غيره- فكانت تذكر لقيطا فسألها عن حبها له- فقالت أذكره و قد خرج تارة في يوم دجن- و قد تطيب و شرب الخمر و طرد بقرا فصرع بعضها- ثم جاءني و به نضح دم و عبير- فضمني ضمة و شمني شمة- فليتني كنت مت ثمة- . و قد صنع أبو العلاء المعري كتابا في اللزوم من نظمه- فأتى فيه بالجيد و الرديء و أكثره متكلف- و من جيده قوله-
لا تطلبن بآلة لك حالة
قلم البليغ بغير حظ مغزل
سكن السماكان السماء كلاهما
هذا له رمح و هذا أعزل
وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ- أَرْسَلَهُ بِالدِّينِ الْمَشْهُورِ وَ الْعَلَمِ الْمَأْثُورِ-وَ الْكِتَابِ الْمَسْطُورِ وَ النُّورِ السَّاطِعِ- وَ الضِّيَاءِ اللَّامِعِ وَ الْأَمْرِ الصَّادِعِ- إِزَاحَةً لِلشُّبُهَاتِ وَ احْتِجَاجاً بِالْبَيِّنَاتِ- وَ تَحْذِيراً بِالآْيَاتِ وَ تَخْوِيفاً بِالْمَثُلَاتِ- وَ النَّاسُ فِي فِتَنٍ انْجَذَمَ فِيهَا حَبْلُ الدِّينِ- وَ تَزَعْزَعَتْ سَوَارِي الْيَقِينِ- وَ اخْتَلَفَ النَّجْرُ وَ تَشَتَّتَ الْأَمْرُ- وَ ضَاقَ الْمَخْرَجُ وَ عَمِيَ الْمَصْدَرُ- فَالْهُدَى خَامِلٌ وَ الْعَمَى شَامِلٌ- عُصِيَ الرَّحْمَنُ وَ نُصِرَ الشَّيْطَانُ وَ خُذِلَ الْإِيمَانُ- فَانْهَارَتْ دَعَائِمُهُ وَ تَنَكَّرَتْ مَعَالِمُهُ- وَ دَرَسَتْ سُبُلُهُ وَ عَفَتْ شُرُكُهُ- أَطَاعُوا الشَّيْطَانَ فَسَلَكُوا مَسَالِكَهُ وَ وَرَدُوا مَنَاهِلَهُ- بِهِمْ سَارَتْ أَعْلَامُهُ وَ قَامَ لِوَاؤُهُ- فِي فِتَنٍ دَاسَتْهُمْ بِأَخْفَافِهَا وَ وَطِئَتْهُمْ بِأَظْلَافِهَا- وَ قَامَتْ عَلَى سَنَابِكِهَا- فَهُمْ فِيهَا تَائِهُونَ حَائِرُونَ جَاهِلُونَ مَفْتُونُونَ- فِي خَيْرِ دَارٍ وَ شَرِّ جِيرَانٍ- نَوْمُهُمْ سُهُودٌ وَ كُحْلُهُمْ دُمُوعٌ- بِأَرْضٍ عَالِمُهَا مُلْجَمٌ وَ جَاهِلُهَا مُكْرَمٌ قوله ع و العلم المأثور- يجوز أن يكون عنى به القرآن- لأن المأثور المحكي و العلم ما يهتدى به- و المتكلمون يسمون المعجزات أعلاما- و يجوز أن يريد به أحد معجزاته غير القرآن- فإنها كثيرة و مأثورة و يؤكد هذا قوله بعد- و الكتاب المسطور فدل على تغايرهما- و من يذهب إلى الأول يقول المراد بهما واحد- و الثانية توكيد الأولى على قاعدة الخطابة و الكتابة- . و الصادع الظاهر الجلي- قال تعالى فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ أي أظهره و لا تخفه- . و المثلات بفتح الميم و ضم الثاء العقوبات جمع مثلة- قال تعالى وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ- وَ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ- . و انجذم انقطع و السواري جمع سارية- و هي الدعامة يدعم بها السقف- و النجرالأصل و مثله النجار- و انهارت تساقطت و الشرك الطرائق جمع شراك- و الأخفاف للإبل و الأظلاف للبقر و المعز- .
و قال الراوندي في تفسير قوله خير دار و شر جيران- خير دار الكوفة و قيل الشام لأنها الأرض المقدسة- و أهلها شر جيران يعني أصحاب معاوية- و على التفسير الأول يعني أصحابه ع- . قال و قوله نومهم سهود- يعني أصحاب معاوية لا ينامون طول الليل- بل يرتبون أمره- و إن كان وصفا لأصحابه ع بالكوفة و هو الأقرب- فالمعنى أنهم خائفون يسهرون و يبكون- لقلة موافقتهم إياه- و هذا شكاية منه ع لهم- . و كحلهم دموع أي نفاقا- فإنه إذا تم نفاق المرء ملك عينيه- . و لقائل أن يقول- لم يجر فيما تقدم ذكر أصحابه ع و لا أصحاب معاوية- و الكلام كله في وصف أهل الجاهلية قبل مبعث محمد ص- ثم لا يخفى ما في هذا التفسير من الركاكة و الفجاجة- و هو أن يريد بقوله نومهم سهود- أنهم طوال الليل يرتبون أمر معاوية لا ينامون- و أن يريد بذلك أن أصحابه يبكون- من خوف معاوية و عساكره- أو أنهم يبكون نفاقا- و الأمر أقرب من أن يتمحل له مثل هذا- . و نحن نقول إنه ع لم يخرج من صفة أهل الجاهلية- و قوله في خير دار يعني مكة و شر جيران يعني قريشا- و هذا لفظ النبي ص حين حكى بالمدينة- حالة كانت في مبدأ البعثة- فقال كنت في خير دار و شر جيران- ثم حكى ع ما جرى له مع عقبة بن أبي معيط و الحديث مشهور- . و قوله نومهم سهود و كحلهم دموع- مثل أن يقول جودهم بخل و أمنهم خوف- أي لو استماحهم محمد ع النوم- لجادوا عليه بالسهود عوضا عنه- و لو استجداهم الكحل- لكان كحلهم الذي يصلونه به الدموع- .
ثم قال بأرض عالمها ملجم- أي من عرف صدق محمد ص و آمن به في تقية و خوف- و جاهلها مكرم أي من جحد نبوته و كذبه في عز و منعة- و هذا ظاهر: وَ مِنْهَا وَ يَعْنِي آلَ النَّبِيِّ ص- هُمْ مَوْضِعُ سَرِّهِ وَ لَجَأُ أَمْرِهِ- وَ عَيْبَةُ عِلْمِهِ وَ مَوْئِلُ حُكْمِهِ- وَ كُهُوفُ كُتُبِهِ وَ جِبَالُ دِينِهِ- بِهِمْ أَقَامَ انْحِنَاءَ ظَهْرِهِ وَ أَذْهَبَ ارْتِعَادَ فَرَائِصِهِ اللجأ ما تلتجئ إليه كالوزر ما تعتصم به- و الموئل ما ترجع إليه- يقول إن أمر النبي ص أي شأنه ملتجئ إليهم- و علمه مودع عندهم كالثوب يودع العيبة- . و حكمه أي شرعه يرجع و يؤول إليهم- و كتبه يعني القرآن و السنة عندهم- فهم كالكهوف له لاحتوائهم عليه- و هم جبال دينه لا يتحلحلون عن الدين- أو أن الدين ثابت بوجودهم- كما أن الأرض ثابتة بالجبال و لو لا الجبال لمادت بأهلها- . و الهاء في ظهره ترجع إلى الدين- و كذلك الهاء في فرائصه- و الفرائص جمع فريصة و هي اللحمة بين الجنب و الكتف- لا تزال ترعد من الدابة: وَ مِنْهَا فِي الْمُنَافِقِينَ زَرَعُوا الْفُجُورَ وَ سَقَوْهُ الْغُرُورَ وَ حَصَدُوا الثُّبُورَ- لَا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ ص مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَحَدٌ- وَ لَا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَداً- هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ وَ عِمَادُ الْيَقِينِ- إِلَيْهِمْ يَفِيءُ الْغَالِي وَ بِهِمْ يُلْحَقُ التَّالِي- وَ لَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلَايَةِ- وَ فِيهِمُ الْوَصِيَّةُ وَ الْوِرَاثَةُ- الآْنَ إِذْ رَجَعَ الْحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ وَ نُقِلَ إِلَى مُنْتَقَلِهِ جعل ما فعلوه من القبيح بمنزلة زرع زرعوه ثم سقوه- فالذي زرعوه الفجور ثم سقوه بالغرور- و الاستعارة واقعة موقعها- لأن تماديهم و ما سكنت إليه نفوسهم من الإمهال- هو الذي أوجب استمرارهم على القبائح التي واقعوها- فكان ذلك كما يسقى الزرع و يربى بالماء و يستحفظ- . ثم قال و حصدوا الثبور- أي كانت نتيجة ذلك الزرع و السقي- حصاد ما هو الهلاك و العطب- . و إشارته هذه ليست إلى المنافقين- كما ذكر الرضي رحمه الله- و إنما هي إشارة إلى من تغلب عليه و جحد حقه- كمعاوية و غيره- و لعل الرضي رحمه الله تعالى عرف ذلك و كنى عنه- . ثم عاد إلى الثناء على آل محمد ص- فقال هم أصول الدين إليهم يفيء الغالي- و بهم يلحق التالي- جعلهم كمقنب يسير في فلاة- فالغالي منه أي الفارط المتقدم- الذي قد غلا في سيره يرجع إلى ذلك المقنب- إذا خاف عدوا- و من قد تخلف عن ذلك المقنب فصار تاليا له- يلتحق به إذا أشفق من أن يتخطف- .
ثم ذكر خصائص حق الولاية و الولاية الإمرة- فأما الإمامية فيقولون- أراد نص النبي ص عليه و على أولاده- و نحن نقول لهم خصائص حق ولاية الرسول ص على الخلق- . ثم قال ع و فيهم الوصية و الوراثة- أما الوصية فلا ريب عندنا- أن عليا ع كان وصي رسول الله ص- و إن خالف في ذلك من هو منسوب عندنا إلى العناد- و لسنا نعني بالوصية النص و الخلافة- و لكن أمورا أخرى لعلها إذا لمحت أشرف و أجل- . و أما الوراثة- فالإمامية يحملونها على ميراث المال و الخلافة- و نحن نحملها على وراثة العلم- . ثم ذكر ع أن الحق رجع الآن إلى أهله- و هذا يقتضي أن يكون فيما قبل في غير أهله- و نحن نتأول ذلك على غير ما تذكره الإمامية- و نقول إنه ع كان أولى بالأمر و أحق- لا على وجه النص بل على وجه الأفضلية- فإنه أفضل البشر بعد رسول الله ص- و أحق بالخلافة من جميع المسلمين- لكنه ترك حقه لما علمه من المصلحة- و ما تفرس فيه هو و المسلمون- من اضطراب الإسلام و انتشار الكلمة- لحسد العرب له و ضغنهم عليه- و جائز لمن كان أولى بشيء فتركه ثم استرجعه- أن يقول قد رجع الأمر إلى أهله- . و أما قوله و انتقل إلى منتقله ففيه مضاف محذوف- تقديره إلى موضع منتقله- و المنتقل بفتح القاف مصدر بمعنى الانتقال- كقولك لي في هذا الأمر مضطرب أي اضطراب- قال
قد كان لي مضطرب واسع
في الأرض ذات الطول و العرض
و تقول ما معتقدك أي ما اعتقادك- قد رجع الأمر إلى نصابه- و إلى الموضع الذي هو على الحقيقة الموضع- الذي يجب أن يكون انتقاله إليه- . فإن قيل ما معنى قوله ع- لا يقاس بآل محمد من هذه الأمة أحد- و لا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا- . قيل لا شبهة أن المنعم أعلى و أشرف من المنعم عليه- و لا ريب أن محمدا ص-و أهله الأدنين من بني هاشم- لا سيما عليا ع- أنعموا على الخلق كافة بنعمة لا يقدر قدرها- و هي الدعاء إلى الإسلام و الهداية إليه- فمحمد ص و إن كان هدى الخلق بالدعوة- التي قام بها بلسانه و يده- و نصره الله تعالى له بملائكته و تأييده- و هو السيد المتبوع و المصطفى المنتجب الواجب الطاعة- إلا أن لعلي ع من الهداية أيضا- و إن كان ثانيا لأول و مصليا على إثر سابق- ما لا يجحد- و لو لم يكن إلا جهاده بالسيف أولا و ثانيا- و ما كان بين الجهادين من نشر العلوم- و تفسير القرآن و إرشاد العرب- إلى ما لم تكن له فاهمة و لا متصورة- لكفى في وجوب حقه و سبوغ نعمته ع- . فإن قيل لا ريب في أن كلامه هذا تعريض بمن تقدم عليه- فأي نعمة له عليهم قيل نعمتان- الأولى منهما الجهاد عنهم و هم قاعدون- فإن من أنصف علم أنه لو لا سيف علي ع لاصطلم المشركون- من أشار إليه و غيرهم من المسلمين- و قد علمت آثاره في بدر و أحد و الخندق و خيبر و حنين- و أن الشرك فيها فغرفاه- فلو لا أن سده بسيفه لالتهم المسلمين كافة- و الثانية علومه التي لولاه لحكم بغير الصواب- في كثير من الأحكام- و قد اعترف عمر له بذلك- و الخبر مشهور لو لا علي لهلك عمر- .
و يمكن أن يخرج كلامه على وجه آخر- و ذلك أن العرب تفضل القبيلة- التي منها الرئيس الأعظم على سائر القبائل- و تفضل الأدنى منه نسبا فالأدنى- على سائر آحاد تلك القبيلة- فإن بني دارم يفتخرون بحاجب و إخوته- و بزرارة أبيهم على سائر بني تميم- و يسوغ للواحد من أبناء بني دارم أن يقول- لا يقاس ببني دارم أحد من بني تميم- و لا يستوي بهم من جرت رئاستهم عليه أبدا- و يعني بذلك أن واحدا من بني دارم قد رأس على بني تميم- فكذلك لما كان رسول الله ص رئيس الكل-و المنعم على الكل- جاز لواحد من بني هاشم لا سيما مثل علي ع- أن يقول هذه الكلمات- و اعلم أن عليا ع كان يدعي التقدم على الكل- و الشرف على الكل و النعمة على الكل- بابن عمه ص و بنفسه و بأبيه أبي طالب- فإن من قرأ علوم السير- عرف أن الإسلام لو لا أبو طالب لم يكن شيئا مذكورا- . و ليس لقائل أن يقول- كيف يقال هذا في دين تكفل الله تعالى بإظهاره- سواء كان أبو طالب موجودا أو معدوما- لأنا نقول فينبغي على هذا ألا يمدح رسول الله ص- و لا يقال إنه هدى الناس من الضلالة- و أنقذهم من الجهالة- و إن له حقا على المسلمين- و إنه لولاه لما عبد الله تعالى في الأرض- و ألا يمدح أبو بكر- و لا يقال إن له أثرا في الإسلام- و إن عبد الرحمن و سعدا و طلحة و عثمان- و غيرهم من الأولين في الدين- اتبعوا رسول الله ص لاتباعه له- و إن له يدا غير مجحودة في الإنفاق- و اشتراء المعذبين و إعتاقهم- و إنه لولاه لاستمرت الردة بعد الوفاة- و ظهرت دعوة مسيلمة و طليحة و إنه لو لا عمر لما كانت الفتوح و لا جهزت الجيوش- و لا قوي أمر الدين بعد ضعفه- و لا انتشرت الدعوة بعد خمولها- . فإن قلتم في كل ذلك- إن هؤلاء يحمدون و يثنى عليهم- لأن الله تعالى أجرى هذه الأمور على أيديهم- و وفقهم لها- و الفاعل بذلك بالحقيقة هو الله تعالى- و هؤلاء آلة مستعملة- و وسائط تجرى الأفعال على أيديها- فحمدهم و الثناء عليهم- و الاعتراف لهم إنما هو باعتبار ذلك- . قيل لكم في شأن أبي طالب مثله- .
و اعلم أن هذه الكلمات- و هي قوله ع الآن إذ رجع الحق إلى أهله إلى آخرها- يبعد عندي أن تكون مقولة عقيب انصرافه ع من صفين- لأنه انصرف عنها وقتئذ مضطرب الأمر- منتشر الحبل بواقعة التحكيم- و مكيدة ابن العاص و ما تم لمعاوية عليه من الاستظهار- و ما شاهد في عسكره من الخذلان- و هذه الكلمات لا تقال في مثل هذه الحال- و أخلق بها أن تكون قيلت في ابتداء بيعته- قبل أن يخرج من المدينة إلى البصرة- و أن الرضي رحمه الله تعالى نقل ما وجد- و حكى ما سمع و الغلط من غيره- و الوهم سابق له و ما ذكرناه واضح
ما ورد في الوصاية من الشعر و مما رويناه من الشعر المقول في صدر الإسلام- المتضمن كونه ع وصي رسول الله- قول عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب-
و منا علي ذاك صاحب خيبر
و صاحب بدر يوم سالت كتائبه
وصي النبي المصطفى و ابن عمه
فمن ذا يدانيه و من ذا يقاربه
– . و قال عبد الرحمن بن جعيل-
لعمري لقد بايعتم ذا حفيظة
على الدين معروف العفاف موفقا
عليا وصي المصطفى و ابن عمه
و أول من صلى أخا الدين و التقى
و قال أبو الهيثم بن التيهان و كان بدريا-
قل للزبير و قل لطلحة إننا
نحن الذين شعارنا الأنصار
نحن الذين رأت قريش فعلنا
يوم القليب أولئك الكفار
كنا شعار نبينا و دثاره
يفديه منا الروح و الأبصار
إن الوصي إمامنا و ولينا
برح الخفاء و باحت الأسرار
و قال عمر بن حارثة الأنصاري- و كان مع محمد بن الحنفية يوم الجمل- و قد لامه أبوه ع لما أمره بالحملة فتقاعس-
أبا حسن أنت فصل الأمور
يبين بك الحل و المحرم
جمعت الرجال على راية
بها ابنك يوم الوغى مقحم
و لم ينكص المرء من خيفة
و لكن توالت له أسهم
فقال رويدا و لا تعجلوا
فإني إذا رشقوا مقدم
فأعجلته و الفتى مجمع
بما يكره الوجل المحجم
سمي النبي و شبه الوصي
و رايته لونها العندم
و قال رجل من الأزد يوم الجمل-
هذا علي و هو الوصي
آخاه يوم النجوة النبي
و قال هذا بعدي الولي
وعاه واع و نسي الشقي
و خرج يوم الجمل غلام من بني ضبة- شاب معلم من عسكر عائشة و هو يقول-
نحن بني ضبة أعداء علي
ذاك الذي يعرف قدما بالوصي
و فارس الخيل على عهد النبي
ما أنا عن فضل علي بالعمي
لكنني أنعى ابن عفان التقي
إن الولي طالب ثأر الولي
و قال سعيد بن قيس الهمداني يوم الجمل- و كان في عسكر علي ع-
أية حرب أضرمت نيرانها
و كسرت يوم الوغى مرانها
قل للوصي أقبلت قحطانها
فادع بها تكفيكها همدانها
هم بنوها و هم إخوانها
و قال زياد بن لبيد الأنصاري يوم الجمل- و كان من أصحاب علي ع-
كيف ترى الأنصار في يوم الكلب
إنا أناس لا نبالي من عطب
و لا نبالي في الوصي من غضب
و إنما الأنصار جد لا لعب
هذا علي و ابن عبد المطلب
ننصره اليوم على من قد كذب
من يكسب البغي
فبئس ما اكتسب
و قال حجر بن عدي الكندي في ذلك اليوم أيضا-
يا ربنا سلم لنا عليا
سلم لنا المبارك المضيا
المؤمن الموحد التقيا
لا خطل الرأي و لا غويا
بل هاديا موفقا مهديا
و احفظه ربي و احفظ النبيا
فيه فقد كان له وليا
ثم ارتضاه بعده وصيا
و قال خزيمة بن ثابت الأنصاري ذو الشهادتين و كان بدريا- في يوم الجمل أيضا-
ليس بين الأنصار في جحمة الحرب
و بين العداة إلا الطعان
و قراع الكمأة بالقضب
البيض إذا ما تحطم المران
فادعها تستجب فليس من الخز
رج و الأوس يا علي جبان
يا وصي النبي قد أجلت
الحرب الأعادي و سارت الأظعان
و استقامت لك الأمور سوى
الشام و في الشام يظهر الإذعان
حسبهم ما رأوا و حسبك منا
هكذا نحن حيث كنا و كانوا
و قال خزيمة أيضا في يوم الجمل-
أ عائش خلي عن علي و عيبه
بما ليس فيه إنما أنت والده
وصي رسول الله من دون أهله
و أنت على ما كان من ذاك شاهده
و حسبك منه بعض ما تعلمينه
و يكفيك لو لم تعلمي غير واحده
إذا قيل ما ذا عبت منه رميته
بخذل ابن عفان و ما تلك آبده
و ليس سماء الله قاطرة دما
لذاك و ما الأرض الفضاء بمائده
و قال ابن بديل بن ورقاء الخزاعي يوم الجمل أيضا-
يا قوم للخطة العظمى التي حدثت
حرب الوصي و ما للحرب من آسي
الفاصل الحكم بالتقوى إذا ضربت
تلك القبائل أخماسا لأسداس
و قال عمرو بن أحيحة يوم الجمل- في خطبة الحسن بن علي ع بعد خطبة عبد الله بن الزبير- .
حسن الخير يا شبيه أبيه
قمت فينا مقام خير خطيب
قمت بالخطبة التي صدع
الله بها عن أبيك أهل العيوب
و كشفت القناع فاتضح
الأمر و أصلحت فاسدات القلوب
لست كابن الزبير لجلج في
القول و طأطأ عنان فسل مريب
و أبى الله أن يقوم بما
قام به ابن الوصي و ابن النجيب
إن شخصا بين النبي لك
الخير و بين الوصي غير مشوب
و قال زحر بن قيس الجعفي يوم الجمل أيضا-
أضربكم حتى تقروا لعلي
خير قريش كلها بعد النبي
من زانه الله و سماه الوصي
إن الولي حافظ ظهر الولي
كما الغوي تابع أمر الغوي
ذكر هذه الأشعار و الأراجيز بأجمعها- أبو مخنف لوط بن يحيى- في كتاب وقعة الجمل- و أبو مخنف من المحدثين- و ممن يرى صحة الإمامة بالاختيار- و ليس من الشيعة و لا معدودا من رجالها- . و مما رويناه من أشعار صفين- التي تتضمن تسميته ع بالوصي- ما ذكره نصر بن مزاحم بن يسار المنقري في كتاب صفين- و هو من رجال الحديث- قال نصر بن مزاحم قال زحر بن قيس الجعفي-
فصلى الإله على أحمد
رسول المليك تمام النعم
رسول المليك و من بعده
خليفتنا القائم المدعم
عليا عنيت وصي النبي
نجالد عنه غواه الأمم
قال نصر و من الشعر المنسوب إلى الأشعث بن قيس-
أتانا الرسول رسول الإمام
فسر بمقدمه المسلمونا
رسول الوصي وصي النبي
له السبق و الفضل في المؤمنينا
و من الشعر المنسوب إلى الأشعث أيضا-
أتانا الرسول رسول الوصي
علي المهذب من هاشم
وزير النبي و ذو صهره
و خير البرية و العالم
قال نصر بن مزاحم من شعر أمير المؤمنين ع في صفين
يا عجبا لقد سمعت منكرا
كذبا على الله يشيب الشعرا
ما كان يرضى أحمد لو أخبرا
أن يقرنوا وصيه و الأبترا
شاني الرسول و اللعين الأخزرا
إني إذا الموت دنا و حضرا
شمرت ثوبي و دعوت قنبرا
قدم لوائي لا تؤخر حذرا
لا يدفع الحذار ما قد قدرا
لو أن عندي يا ابن حرب جعفرا
أو حمزة القرم الهمام الأزهرا
رأت قريش نجم ليل ظهرا
و قال جرير بن عبد الله البجلي- كتب بهذا الشعر إلى شرحبيل بن السمط الكندي-رئيس اليمانية من أصحاب معاوية
نصحتك يا ابن السمط لا تتبع الهوى
فما لك في الدنيا من الدين من بدل
و لا تك كالمجرى إلى شر غاية
فقد خرق السربال و استنوق الجمل
مقال ابن هند في علي عضيهة
و لله في صدر ابن أبي طالب أجل
و ما كان إلا لازما قعر بيته
إلى أن أتى عثمان في بيته الأجل
وصي رسول الله من دون أهله
و فارسه الحامي به يضرب المثل
و قال النعمان بن عجلان الأنصاري-
كيف التفرق و الوصي إمامنا
لا كيف إلا حيرة و تخاذلا
لا تغبنن عقولكم لا خير في
من لم يكن عند البلابل عاقلا
و ذروا معاوية الغوي و تابعوا
دين الوصي لتحمدوه آجلا
و قال عبد الرحمن بن ذؤيب الأسلمي-
ألا أبلغ معاوية بن حرب
فما لك لا تهش إلى الضراب
فإن تسلم و تبق الدهر يوما
نزرك بجحفل عدد التراب
يقودهم الوصي إليك حتى
يردك عن ضلال و ارتياب
و قال المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب-
يا عصبة الموت صبرا لا يهولكم
جيش ابن حرب فإن الحق قد ظهرا
و أيقنوا أن من أضحى يخالفكم
أضحى شقيا و أمسى نفسه خسرا
فيكم وصي رسول الله قائدكم
و صهره و كتاب الله قد نشرا
و قال عبد الله بن العباس بن عبد المطلب-
وصي رسول الله من دون أهله
و فارسه إن قيل هل من منازل
فدونكه إن كنت تبغي مهاجرا
أشم كنصل السيف عير حلاحل
– . و الأشعار التي تتضمن هذه اللفظة كثير جدا- و لكنا ذكرنا منها هاهنا- بعض ما قيل في هذين الحزبين- فأما ما عداهما فإنه يجل عن الحصر- و يعظم عن الإحصاء و العد- و لو لا خوف الملالة و الإضجار- لذكرنا من ذلك ما يملأ أوراقا كثيرة شرحنه