google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
خطبه ها شرح و ترجمه میر حبیب الله خوئی20-40 خطبه شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 35 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 35 صبحی صالح

35- و من خطبة له ( عليه ‏السلام  ) بعد التحكيم و ما بلغه من أمر الحكمين و فيها حمد اللّه على بلائه، ثم بيان سبب البلوى‏

الحمد على البلاء

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَ إِنْ أَتَى الدَّهْرُ بِالْخَطْبِ الْفَادِحِ وَ الْحَدَثِ الْجَلِيلِ

وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَيْسَ مَعَهُ إِلَهٌ غَيْرُهُ

وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ ( صلى‏ الله‏ عليه ‏وآله  )

سبب البلوى‏

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَعْصِيَةَ النَّاصِحِ الشَّفِيقِ الْعَالِمِ الْمُجَرِّبِ تُورِثُ الْحَسْرَةَ وَ تُعْقِبُ النَّدَامَةَ

وَ قَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ فِي هَذِهِ الْحُكُومَةِ أَمْرِي

وَ نَخَلْتُ لَكُمْ مَخْزُونَ رَأْيِي

لَوْ كَانَ يُطَاعُ لِقَصِيرٍ أَمْرٌ

فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ الْمُخَالِفِينَ الْجُفَاةِ وَ الْمُنَابِذِينَ الْعُصَاةِ

حَتَّى ارْتَابَ النَّاصِحُ بِنُصْحِهِ

وَ ضَنَّ الزَّنْدُ بِقَدْحِهِ

فَكُنْتُ أَنَا وَ إِيَّاكُمْ كَمَا قَالَ أَخُو هَوَازِنَ

أَمَرْتُكُمْ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى            فَلَمْ تَسْتَبِينُوا النُّصْحَ إِلَّا ضُحَى الْغَد

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج4  

و من خطبة له عليه السلام بعد التحكيم

و هى الخامسة و الثلاثون من المختار في باب الخطب الحمد للّه و إن أتى الدّهر بالخطب الفادح و الحدث الجايل، و أشهد أن لا إله إلّا اللّه ليس معه إله غيره، و أنّ محمّدا عبده و رسوله صلّى اللّه عليه و آله. أمّا بعد فانّ معصية النّاصح الشّفيق العالم المجرّب تورث الحسرة، و تعقّب النّدامة، و قد كنت أمرتكم في هذه الحكومة أمري، و نخلت لكم مخزون رأيى، لو كان يطاع لقصير أمر، فأبيتم عليّ إباءالمخالفين الجفاة، و المنابذين العصاة، حتّى ارتاب النّاصح بنصحه، و ضنّ الزّند بقدحه، فكنت و إيّاكم كما قال أخو هوازن:

أمرتكم أمري بمنعرج الّلوى            فلم تستبينوا النّصح إلّا ضحى الغد

 اللغة

(الخطب) الأمر العظيم و (الفادح) الثّقيل من فدحه الدّين إذا أثقله و (المجرّب) قال الجوهري: الذي قد جرّبته الأمور و أحكمته، فان كسرت الرّاء جعلته فاعلا إلّا أنّ العرب تكلّمت به بالفتح و (نخل) الشي‏ء إذا صفّاه، و منه نخل الدقيق بالمنخل و (الجفاة) جمع الجافي و هو الذى خشن طبعه و (النبذ) طرحك الشي‏ء أمامك و ورائك أو عام و منه قوله سبحانه: «وَ لَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ» و (الزّند) العود الذى يقدح به النّار و هو الأعلى و السّفلى الزّندة بالهاء و الجمع زناد مثل سهم و سهام و (هوازن) قبيلة و (منعرج) الوادى اسم فاعل حيث يميل يمنة و يسرة من انعرج الشي‏ء انعطف و (اللوى) كالى ما التوى من الرّمل.

الاعراب

اضافة المخزون إلى رائي من قبيل اضافة الصّفة إلى الموصوف، قوله: لو كان يطاع لقصير أمر كلمة لو إما للتّمنّى على ما ذهب إليه بعضهم في قوله: سبحانه: «لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً» و لا تحتاج حينئذ إلى الجواب أو حرف شرط و الجواب محذوف بقرينة المقام، و القصيراسم رجل يضرب به المثل لكلّ ناصح عصي لقصّته التي يأتي إليه الاشارة، و تقدير الكلام لو كان يطاع لى أمر أى لو أطعتموني لما اصابتكم حسرة و ندامة إلّا أنّكم أبيتم عليّ إباء المخالفين فحلّت بكم النّدامة و صرت و إيّاكم كما قال اخو هوازن اه هذا.

و تقدير الجواب بما ذكرناه أولى ممّا قدّره الشّارح البحراني حيث قال: و التّقدير إنّى أمرتكم أمرى في هذه الحكومة و نصحت لكم فلو أطعتموني لفعلتم ما أمرتكم به و محضت لكم النّصيحة فيه فافهم جيّدا، و قوله: أخو هوازن الاضافة لأدنى المناسبة من حيث انتساب الشّاعر إلى تلك القبيلة، و هذه الاضافة شايعة في كلام العرب قال سبحانه: «وَ اذْكُرْ أَخا عادٍ، و قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ» إلى غير ذلك.

المعنى

اعلم أنّه قد روى إنّ عمرو بن العاص و أبا موسى الأشعرى لما التقيا بدومة الجندل و قد حكما في أمر النّاس كان أمير المؤمنين يومئذ قد دخل الكوفة ينتظر ما يحكمان به فلما تمّت خدعة عمرو لأبي موسى و بلغه عليه السّلام ذلك اغتمّ له غمّا شديدا و وجم منه و قام فخطب النّاس فقال: (الحمد للّه و إن أتى الدهر بالخطاب الفادح) الثّقيل (و الحدث) العظيم (الجليل) نسبة الاتيان بالخطب و الحدث إلى الدّهر من قبيل نسبة الشّر إليه على ما تقدّم بيانه في شرح الخطبة الحادية و الثلاثين، و في الاتيان بان الوصلية إشارة إلى أنّه سبحانه لا يختص حمده بحال دون حال بل لا بدّ ان يحمده العبد على كلّ حال من النّعمة و البلاء و الشدة و الرضاء و السّرآء و الضراء.

(و أشهد أن لا إله إلّا اللّه ليس معه إله غيره) تأكيد لمعنى كلمة التّوحيد و تقرير لمقتضاها (و أنّ محمّدا عبده و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أما بعد فانّ معصية النّاصح) الذي يصدّق فكره و يمحض رأيه و (الشّفيق) الذي يبعثه شفقته على النّصح و على‏الترّوي في الامر و ايقاع الرأى فيه من جدّ و اجتهاد و (العالم) الذي يعلم وجه المصلحة في الامور و يكون فيها على بصيرة و (المجرّب) الذي حصلت له التّجارب فكان رأيه و قوله أغلب الاصابة للواقع (تورث الحسرة و تعقب النّدامة).

إذا المشير الموصوف بالصفات الاربع المذكورة يكون رأيه أغلب المطابقة مع الواقع فاطاعة المستشير له موجبة لظفره على المقصود و وصوله إلى مطلوبه و مخالفته مفوّتة للغرض معقّبة للحسرة خصوصا إذا كان المشير مثله عليه السّلام المتّصف بالعلم اللدنى المطابق رأيه للواقع دائما يكون معصية معقّبة للنّدامة ألبتّة و موقعة في الضّلالة لا محالة.

و لذلك أردف عليه السّلام كلامه بالاشارة إلى خطائهم في أمر الحكومة النّاشي من مخالفتهم له و إبائهم عن امتثال أمره فقال: (و قد كنت أمرتكم في هذه الحكومة امرى) الصّواب (و نخلت لكم مخزون رأيي) المصاب (لو كان يطاع لقصير أمر) لما حصلت الحسرة و النّدامة و قصير هذا هو قصير بن سعد مولى جزيمة الابرش من ملوك العرب.

روى انّ جزيمة قتل أبا الزّباء ملكة الجزيرة، فبعث إليه عن حين ليتزوّج بها خدعة و سألته القدوم عليها فأجابها إلى ذلك و خرج فى ألف فارس و خلف باقي جنوده مع ابن اخته عمرو بن عدي، و أشار قصير الى جزيمة أن لا يتوجه إليها فلم يقبل رأيه فلما قرب جزيمة من الجزيرة استقبله جنود الزباء بالعدة و لم ير منهم إكراما له فأشار قصير إليه بالرّجوع عنها و قال إنّها امرأة و من شان النسّاء الغدر فلم يقبل فلما دخل عليها غدرت به و قتلته فعند ذلك قال قصير: لا يطاع لقصير أمر فيضرب به المثل لكلّ ناصح عصي و هو مصيب في رأيه.

(فأبيتم علىّ اباء المخالفين الجفاة و المنابذين العصاة حتّى ارتاب الناصح بنصحه) هذا محمول على المبالغة لما ذكرنا من أنّه عليه السّلام متّصف بالعلم اللدنّي فلا يمكن شكه فيما رآه صوابا، و يشهد بذلك قوله عليه السّلام في الخطبة الرابعة ما شككت في الحقّ مذ رأيته، و قوله عليه السّلام في الخطبة العاشرة: و إنّ معي لبصيرتي ما لبّست على نفسي‏ و لا لبّس على.

فالمقصود بذلك الاشارة إلى شدّة اتفاقهم على الخلاف، فانّ المشير النّاصح إذا كثر مخالفوه إنّما يشكّ في أنّ نصحه هل هو صواب إذ استخراج وجوه الصّلاح في الأمر أمر اجتهاديّ منوط على الامارات الظنّية و مع اطباق آراء جمع كثير على خلاف ما رآه المشير و اتّفاق ظنونهم على أنّ الصّواب في خلافه يجوز له أن يتشكك فيما رآه أنّه هل هو صواب أم لا.

(و) قوله: (ضنّ الزند بقدحه) مثل يضرب لمن يبخل بفوايده من أجل عدم وجدانه القابل لها و الاهل لاستفادتها، و الزند كناية عن القلب و القدح عن الآراء الصّادرة منه صدور النّار من الزّناد، و هو أيضا جار على المبالغة، و المقصود به أنّه عليه السّلام لشدّة ما لقى منهم من الاباء و الخلاف و العصيان لم يقدح له رأى صالح (فكنت و إيّاكم) أى كان حالى معكم في نصحي و مخالفتكم على مع حلول النّدامة بكم (كما قال) وريد بن الصمة (اخو هوازن) في جملة أبيات له:

أمرتهم امرى بمنعرج اللوى
فلم يستبينوا النّصح الأضحى الغد

و قبله

نصحت لعارض و اصحاب عارض
و رهط بني السّوداء و القوم تمهدى‏

فقلت لهم ظنوا بالفى مذحج‏
سراتهم في الفارسي المسرّد

و بعده

فلما عصوني كنت منهم و قد أرى
غوايتهم و انّنى غير مهتد

و ما أنا إلا من غزية إن غوت‏
غوت و إن ترشد غزية ارشد

و قصة وريد في هذه القصيدة أنّ أخاه عبد اللّه بن صمة من بني جشم بن معاوية بن بكر ابن هوازن غزا بني بكر بن هوازن فغنم منهم و استاق إبلهم فلما كان بمنعرج اللوى قال: لا و اللّه لا أبرح حتّى أنحر النقيعة و هي ما ينحر من النّهب قبل القسمة و اجيل السهام، فقال له أخوه وريد: لا تفعل فانّ القوم في طلبك فأبي عليه و نحر النقيعة و بات، فلما أصبح هجم القوم عليهم و طعن عبد اللّه بن الصمة فاستغاث باخيه وريدفنهنه عنه القوم حتى طعن هو أيضا و صرع و قتل عبد اللّه و حال الليل بين القوم فنجا وريد بعد طعنات و جراح حصل له فقال القصيدة هذا.

و عن نصر بن مزاحم في كتاب الصّفين أنّه بعد روايته هذه الخطبة مثل ما رواه السّيد زاد في آخرها: ألا إنّ هذين الرّجلين الذين اختر تموهما قد نبذا حكم الكتاب، و أحيياما أمات و اتّبع كلّ منهما هواه و حكم بغير حجّة و لا بيّنة و لا سنة ماضية و اختلفا فيما حكما فكليهما لم يرشد اللّه، فاستعدّوا للجهاد و تأهّبوا للمسير و أصبحوا في معسكر كم يوم كذا.

و ينبغي أن نذكر في المقام كيفيّة التّحكيم، و قد رواه أرباب السّير و التواريخ و نقله في شرح المعتزلي عن نصر بن مزاحم و إبراهيم بن و يزيل و غيرهما مع إطناب مملّ و نحن نرويه على ما في الشّرح مع تلخيص منّا فأقول: قال الشّارح: الذى دعا إلى التحكيم طلب أهل الشّام و اعتصامهم به من سيوف أهل العراق فقد كانت أمارات القهر و الغلبة لاحت و دلائل النصر و الظفر و ضحت، فعدل أهل الشّام عن القراع إلى الخداع و كان ذلك برأى عمرو بن العاص، و هذه الحال وقعت عقيب ليلة الهرير التي يضرب بها المثل.

قال نصر بن مزاحم في كتاب الصّفين و هو ثقة ثبت صحيح النقل غير منسوب إلى هوى و لا إدغال، و هو من رجال أصحاب الحديث: حدّثنا عمرو بن شمر قال: حدّثنى أبو ضرار قال: حدّثني عمّار بن ربيعة قال: غلس عليّ عليه السّلام بالنّاس صلاة الغداة يوم الثّلثاء عاشر شهر ربيع الأول سنة سبع و ثلاثين، و قيل عاشر شهر صفر ثمّ زحف إلى أهل الشّام بعسكر العراق و النّاس على راياتهم، و زحف إليهم أهل الشّام و قد كانت الحرب أكلت الفريقين و لكنّها في أهل الشّام أشدّ نكاية و أعظم وقعا فقدملوا الحرب و كرهوا القتال و تضعضعت أركانهم.

قال: فخرج رجل من أهل العراق على فرس كميت ذنوب عليه السّلاح لا يرى منه إلّا عيناه و بيده الرمح فجعل يضرب رءوس أهل العراق بالقناة، و يقول: سوّوا صفوفكم رحمكم اللّه حتّى إذا عدل الصّفوف و الرّايات استقبلهم بوجهه و ولي أهل‏ الشّام ظهره ثمّ حمد اللّه و أثنى عليه و قال: الحمد للّه الذى جعل فينا ابن عمّ نبيّه أقدمهم هجرة و أوّلهم اسلاما سيف من سيوف اللّه صبّه اللّه على أعدائه فانظروا إذا حمى الوطيس«» و ثار القتام و تكسر المرءان و جالت الخيل بالابطال فلا اسمع إلّا غمغمة أو همهمة فاتّبعونى و كونوا في اثرى، ثمّ حمل على أهل الشام فكسر فيهم رمحه ثمّ رجع فاذا هو الاشتر.

قال: و خرج رجل من أهل الشام فنادى بين الصّفين يا أبا الحسن يا عليّ ابرز اليّ فخرج إليه عليّ عليه السّلام حتى اختلف أعناق دابتيهما بين الصّفين، فقال انّ لك يا علي تقدما في الاسلام و الهجرة هل لك في أمر اعرضه عليك يكون فيه حقن هذه الدماء و تأخر هذه الحروب حتى ترى رايك قال عليّ عليه السّلام: و ما هو قال: ترجع إلى عراقك فنخلّي بينك و بين العراق و نرجع نحن إلى شامنا فتخلّي بيننا و بين الشّام فقال عليّ عليه السّلام قد عرفت ما عرضت إنّ هذه لنصيحة و شفقة و أهمّنى هذا الامر و أسهرني و ضربت أنفه و عينه فلم أجد إلّا القتال أو الكفر بما أنزل اللّه على محمّد صلّى اللّه عليه و آله إنّ اللّه تعالى ذكره لم يرض من أوليائه أن يعصى في الارض و هم سكوت مذعنون لا يأمرون بمعروف و لا ينهون عن منكر، فوجدت القتال أهون عليّ من معالجة الأغلال في جهنّم.

قال فرجع الرّجل و هو يسترجع و زحف النّاس بعضهم إلى بعض فارتموا بالنّبل و الحجارة حتّى فنا، ثمّ تطاعنوا بالرّماح حتّى تكسرت و اندقت، ثمّ مشى القوم بعضهم إلى بعض بالسّيوف و عمد الحديد فلم يسمع السّامعون إلّا وقع الحديد بعضه على بعض لهو أشد هولا في صدور الرّجال من الصّواعق و من جبال تهامة يدك بعضه بعضا و انكسف الشّمس بالنّقع و ثار القتام و القسطل«» و ضلّت الألوية و الرّايات‏ و أخذ الأشتر يسير فيما بين الميمنة و الميسرة فيأمر كلّ قبيلة أو كتيبة من القراء بالاقلام على التي يليها، فاجتلدوا بالسّيوف و عمد الحديد من صلاة الغداة من اليوم المذكور إلى نصف الليل لم يصلّو اللّه صلاة، فلم يزل الاشتر يفعل ذلك حتّى أصبح و المعركة خلف ظهره و افترقوا على سبعين ألف قتيل في ذلك اليوم و تلك الليلة.

و هي ليلة الهرير المشهورة، و كان الأشتر في ميمنة النّاس و ابن عبّاس في الميسرة و عليّ في القلب و النّاس يقتتلون، ثمّ استمرّ القتال من نصف الليل الثاني إلى ارتفاع الضّحى و الاشتر يقول لأصحابه و هو يزحف بهم نحو أهل الشّام: ازحفوا قيد«» رمحي هذا و يلقي رمحه فاذا فعلوا ذلك قال ارجفوا قاب هذا القوس فاذا فعلوا ذلك سألهم مثل ذلك حتّى ملّ أكثر النّاس من الاقدام فلمّا رأى ذلك قال: اعيذكم باللّه ان ترضعوا الغنم ساير اليوم، ثمّ دعا بفرسه و ركز رايته و كانت مع حيّان بن هوذة النّخعي و سار بين الكتائب و هو يقول: ألا من يشرى نفسه للّه و يقاتل مع الأشتر حتّى يظهر أو يلحق باللّه فلا يزال الرّجل من النّاس يخرج إليه فيقاتل معه قال نصر: و حدّثنى عمرو قال: حدّثني أبو ضرار قال حدّثني عمّار بن ربيعة قال: مرّبي الأشتر فأقبلت معه حتّى رجع إلى المكان الذي كان به، فقام في أصحابه فقال: شدّ و افداء لكم عمّي و خالي شدّة ترضون بها اللّه و تغزون بها الدين إذا أنا حملت فاحملوا، ثمّ نزل و ضرب وجه دابّته و قال لصاحب رايته: تقدّم فتقدّم بها ثمّ شدّ على القوم و شدّ معه أصحابه فضرب أهل الشام حتّى انتهى بهم إلى معسكرهم فقاتلوا عند العسكر قتالا شديدا و قتل صاحب رايتهم و أخذ عليّ عليه السّلام لما راى الظفر قد جاء من قبله يمدّه بالرّجال.

و روى نصر عن رجاله قال: لمّا بلغ القوم إلى ما بلغوا إليه قام عليّ عليه السّلام خطيبا فحمد اللّه و أثنى عليه و قال:

أيّها النّاس قد بلغ بكم الامر و بعدوّكم ما قد رأيتم و لم يبق منهم إلّا آخر نفس و إنّ الامور إذا أقبلت اعتبر آخرها بأوّلها، و قد صبر لكم القوم على غير دين حتّى بلغنا منهم ما بلغنا، و أنا غاد عليهم بالغداة احاكمهم إلى اللّه قال فبلغ ذلك معاوية، فدعا عمرو بن العاص و قال: يا عمرو إنّماهى الليلة حتّى يغد و عليّ علينا بالفضل فما ترى قال: إنّ رجالك لا يقومون لرجاله و لست مثله هو يقاتلك على امر و أنت تقاتله على غيره، أنت تريد البقاء و هو يريد الفناء و أهل العراق يخافون منك إن ظفرت بهم، و أهل الشّام لا يخافون عليّا إن ظفر بهم و لكن ألق إلى القوم أمرا إن قبلوه اختلفوا و إن ردّوه اختلفوا ادعهم إلى كتاب اللّه حكما فيما بينك و بينهم، فانّك بالغ به حاجتك في القوم و إنّى لم أزل ادّخر هذا الأمر لوقت حاجتك إليه، فعرف معاوية ذلك و قال له صدقت قال نصر: و حدّثنا عمرو بن شمر عن جابر بن نمير الانصاري قال: و اللّه لكأنّي أسمع عليّا يوم الهرير و ذلك بعد ما طحنت رحى مدحج فيما بينها و بين عك و لخم و جذام و الأشعريين بأمر عظيم تشيب منه النواصى حتّى استقامت الشّمس و قام قائم الظهر و عليّ عليه السّلام يقول لأصحابه: حتّى متى نخلّى بين هذين الحيّين قد فنيا و أنتم وقوف تنظرون أما تخافون مقت اللّه ثمّ استقبل القبلة و رفع يديه إلى اللّه عزّ و جل و نادى: يا اللّه يا رحمن يا رحيم يا واحد يا أحد يا صمد يا اللّه يا اله محمّد اللهمّ إليك نقلت الأقدام و أفضت القلوب و رفعت الأيدى و مدّت الأعناق و شخصت الأبصار و طلبت الحوائج، اللهمّ إنّا نشكو إليك غيبة نبيّنا و كثرة عدوّنا و تشتّت أهوائنا، ربّنا افتح بيننا و بين قومنا بالحق و أنت خير الفاتحين، سيروا على بركة اللّه، ثمّ نادى لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر قال: فلا و الذي بعث محمّدا بالحقّ نبيّا ما سمعنا رئيس قوم منذ خلق اللّه السّماوات و الأرض أصاب بيده في يوم واحد مثل ما أصاب عليه السّلام إنّه قتل فيما ذكره العادون زيادة على خمسمائة من أعلام العرب يخرج بسيفه منحنيا فيقول معذرة إلى اللّه و إليكم من هذا لقد هممت أن افلقه«» و لكن يحجزني عنه إنّي سمعت رسول اللّه يقول: لا سيف إلّا ذو الفقار و لا فتى إلّا عليّ و أنا قاتل به دونه.«» قال فكنّا نأخذه فنقوّمه ثمّ يتناوله من أيدينا فينقحم به في عرض الصّف فلا و اللّه ما ليت بأشدّ نكاية منه في عدوه و لنعم ما قال في كشف الغمة في وصف حاله عليه السّلام في ليلة هذا اليوم و هي ليلة الهرير: فما لقى عليه السّلام شجاعا إلّا أراق دمه، و لا بطلا إلّا زلزل قدمه، و لا مريدا إلّا أعدمه، و لا قاسطا إلّا قصر عمره و أطال ندمه، و لا جمع نفاق إلّا فرّقه، و لا بناء ضلال إلّا هدمه، و كان كلّما قتل فارسا أعلى بالتكبير فاحصيت تكبيراته ليلة الهرير فكانت خمسمائة و ثلاثا و عشرين تكبيرة بخمسمائة و ثلاثة و عشرين قتيلا من أصحاب السّعير.

و قيل إنّه فتق نيفق«» درعه لثقل ما كان يسيل من الدّم على ذراعه و قيل إنّ قتلاه عرفوا بالنّهار فانّ ضرباته كانت على و تيرة واحدة إن ضرب طولا قدّ أو عرضا قطّ، و كانت كأنها مكوّاة بالنّار قال نصر: فحدّثنا عمرو بن شمر عن جابر قال: سمعت تميم بن جزيم يقول: لمّا أصبحنا من ليلة الهرير نظرنا فاذا أشباه الرّاياة أمام أهل الشّام في وسط الفليق«» حيال موقف عليّ و معاوية، فلمّا أسفرنا إذا هي المصاحف قد ربطت في أطراف الرّماح و هي عظام مصاحف العسكر، و قد شدّوا ثلاثة رماح جميعا و ربط عليها مصحف المسجد الأعظم يمسكه عشرة رهط قال نصر: و قال أبو جعفر و أبو الطّفيل: استقبلوا عليّا عليه السّلام بمأة مصحف و وضعوا في كلّ مخبية«» مأتي مصحف فكان جميعها خمسمائة مصحف، قال أبو جعفرثمّ قال الطفيل بن أدهم حيال عليّ عليه السّلام، و قام أبو شريح حيال الميمنة، و ورقا بن المعتمر حيال الميسرة ثمّ نادوايا معشر العرب اللّه اللّه في النساء و البنات و الأبناء من الرّوم و الأتراك و أهل الفارس غدا إذا فنيتم اللّه اللّه في دينكم هذا كتاب اللّه بيننا و بينكم.

فقال عليّ عليه السّلام: اللهمّ إنّك تعلم أنهم ما الكتاب يريدون، فاحكم بيننا و بينهم إنّك أنت الحقّ المبين فطائفة قالت القتال و طائفة قالت المحاكمة إلى الكتاب و لا يحلّ لنا الحرب، و قد وعينا إلى حكم الكتاب فعند ذلك بطلت الحرب و وضعت أو زارها.

قال نصر: و حدّثنا عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال: لما كان اليوم الأعظم قال أصحاب معاوية: و اللّه لا نبرح اليوم العرصة حتّى نموت أو يفتح لنا، و قال أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام: مثل ذلك فباكروا القتال غدوة في يوم من إيّام الشعرى طويل شديد الحرّ، فتراموا حتّى فنيت النّبال و تطاعنوا حتّى تقصفصت الرّماح.

ثمّ نزل القوم عن خيولهم و مشى بعضهم إلى بعض بالسّيوف حتّى تكسرت جفونها، و قام الفرسان في الركب، ثمّ اضطربوا بالسيّوف و عمد الحديد، فلم يسمع السّامعون إلّا تغمغم القوم و صليل«» الحديد في الهام و تكادم«» الافواه و كسفت الشّمس و ثار القتام و صلت الالوية و الرّايات و مرّت مواقيت أربع صلاة ما يسجد فيهنّ للّه الّا تكبيرا و نادت المشيخة«» في تلك الغمرات: يا معشر العرب اللّه اللّه في الحربات من النساء و البنات، قال جابر فبكى أبو جعفر عليه السّلام و هو يحدّثنا بهذا الحديث.

قال نصر و أقبل الاشتر على فرس كميت محذوف و قد وضع مغفره على قربوس‏ السّرج و هو يقول: اصبروا يا معشر المؤمنين فقد حمى الوطيس و رجعت الشّمس من الكسوف و اشتدّ القتال و اخذت السباع بعضها بعضا.

فقال رجل في تلك الحال: اى رجل هذا لو كانت له نيّة، فقال له صاحبه: و اىّ نية أعظم من هذه ثكتك امّك و هبلتك انّ رجلا كما ترى قد سبح في الدّم و ما اضجرته الحرب و قد غلت هام الكماة من الحرب و بلغت القلوب الحناجر و هو كما ترى جزع يقول هذه المقالة اللهمّ لا تبقنا بعد هذا.

قال نصر: و روى الشّعبي عن صعصعة انّه بدر من الأشعث بن قيس لعنه اللّه ليلة الهرير قول نقله الناقلون إلى معاوية فاغتنمه و بنا عليه تدبيره.

و ذلك انّه خطب أصحابه من كنده تلك الليلة و قال في خطبته: قد رأيتم يا معشر المسلمين ما قد كان في يومكم هذا الماضي و ما قد فني فيه من العرب فو اللّه لقد بلغت من السنّ ما شاء اللّه ان ابلغ فما رأيت مثل هذا اليوم قط، الا فليبلغ الشاهد الغايب إنّا ان نحن تواقفنا غدا انّه لفنت العرب وضيّعت الحرمات أما و اللّه ما أقول هذه المقالة جزعا عن الحرب و لكني رجل مسنّ أخاف على النّساء و الذّراري غدا إذا فنينا و نحو ذلك ممّا يخذلهم عن القتال فلمّا بلغ ذلك معاوية قال: أصاب و ربّ الكعبة فدبّر تلك الليلة ما دبّر من رفع المصاحف على الرّماح، فأقبلوا بالمصاحف و رفعوها في رءوس الرّماح و قد قلدوها الخيل و مصحف دمشق الأعظم يحمله عشرة رجال على رءوس الرّماح و هم ينادون كتاب اللّه بيننا و بينكم قال: فجاء عدىّ بن حاتم فقال: يا أمير المؤمنين إنّه لم يصب منّا عصبة إلّا و قد اصيب منهم مثلها، و كلّ مقروح و لكنّا أمثل بقيّة منهم و قد جزع القوم و ليس بعد الجزع إلّا ما نحبّ فناجزهم و قام الأشتر فقال يا أمير المؤمنين إنّا و اللّه ما أجبناك و لا نصرناك على الباطل و لا أجبنا إلّا اللّه و لا طلبنا إلّا الحقّ، و لو دعانا غيرك إلى ما دعوتنا إليه‏ لاستشرى«» فيه اللّجاج و طال فيه النّجوى و قد بلغ الحقّ مفطمه و ليس لنا معك رأى.

فقام الاشعث بن قيس مغضبا و قال: يا أمير المؤمنين انالك اليوم على ما كنّا عليه أمس و ليس آخر أمرنا كأوّله و ما من القوم أحد أحنى على أهل العراق و لا أوتر لأهل الشّام منّى فأجب القوم إلى كتاب اللّه عزّ و جل فانّك أحقّ به منهم و قد أحبّ النّاس البقاء و كرهوا القتال فقال عليّ عليه السّلام هذا أمر ننظر فيه فنادى النّاس من كلّ جانب الموادعة، فقال عليّ عليه السّلام أيّها النّاس إنّي أحقّ من أجاب إلى كتاب اللّه و لكن معاوية و عمرو بن العاص و ابن أبي معيط و ابن أبي سرج و ابن مسلة ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن إني أعرف بهم منكم صحبتهم صغارا و رجالا فكانوا شرّ صغار و شرّ رجال و يحكم إنها كلمة حقّ يراد بها باطل إنهم ما رفعوها إنهم يعرفونها و لا يعملون و لكنها الخديعة و الوهن و المكيدة أعيروني سواعدكم و جماجمكم ساعة واحدة فقد بلغ الحقّ مقطعه و لم يبق إلّا ان يقطع دابر الذين ظلموا فجائه من أصحابه زهاء عشرين ألفا مقنعين في الحديد شاكي سيوفهم على عواتقهم و قد اسودت جباههم من السجود يتقدّمهم مسعر بن فدكى و زيد بن حصين و عصابة من القراء الذين صاروا خوارج من بعد فنادوه باسمه لا بامرة المؤمنين: يا عليّ أجب القوم إلى كتاب اللّه اذ دعيت إليه و إلّا قتلناك كما قتلنا ابن عفان فو اللّه لنفعلنّها إن لم تجبه فقال لهم و يحكم أنا أوّل من دعا إلى كتاب اللّه و أوّل من أجاب إليه و ليس يحلّ لي و لا يسعني في ديني أن ادعى إلى كتاب اللّه فلا أقبله إنّي إنما أقاتلهم ليدينوا بحكم القرآن فانهم قد عصوا اللّه فيما أمرهم و نقضوا عهده و نبذوا كتابه، و لكني قداعلمتكم أنّهم قد كادوكم و أنّهم ليس العمل بالقرآن يريدون.

قالوا: فابعث إلى الاشتر ليأتينك و قد كان الاشتر صبيحة ليلة الهرير قد اشرف على عسكر معاوية ليدخله.

قال نصر: فحدثني فضيل بن خديج قال سأل مصعب إبراهيم بن الاشتر عن الحال كيف كانت، فقال كنت عند عليّ حين بعث إلى الاشتر ليأتيه و قد كان الأشتر أشرف على عسكر معاوية ليدخله فأرسل إليه عليّ عليه السّلام يزيد بن هاني أن ائتني به، فأتاه فأبلغه فقال له الاشتر: آتيه فقل له ليس هذه السّاعة التي ينبغي لك أن تزيلني عن موقفي إنّي قد رجوت الفتخ فلا تعجلني.

فرجع يزيد إليه عليه السّلام فأخبره فما هو إلّا أن انتهى حتّى ارتفع الرّهج«» و علت الأصوات من قبل الأشتر و ظهرت دلايل الفتح و النّصر لأهل العراق و دلائل الخذلان و الادبار لأهل الشّام فقال القوم لعليّ عليه السّلام و اللّه ما نراك أمرته إلّا بالقتال قال: أرايتموني شاورت رسولي إليه أليس إلّا كلّمته على رؤوسكم علانية و أنتم تسمعون قالوا: فابعث إليه فليأتك و إلّا و اللّه اعتزلناك.

فقال عليه السّلام ويحك يا يزيد قل له: أقبل إليّ فانّ الفتنه قد وقعت فأتاه فأخبره فقال الأشتر: أ برفع هذه المصاحف قال: نعم قال: أما و اللّه لقد ظننت أنّها حين رفعت سيوقع اختلافا و فرقة إنّها مشورة ابن النّابغة، ثمّ قال ليزيد بن هانى ويحك ألا ترى إلى الفتح ألا ترى إلى ما يلقون ألا ترى إلى الذي يصنع اللّه لنا أ ينبغي أن ندع هذا و ننصرف عنه.

فقال له يزيد: أتحبّ أنك ظفرت ههنا و أن أمير المؤمنين بمكانه الذي هو يفرج عنه و يسلم إلى عدّوه، فقال: سبحان اللّه لا و اللّه لا أحبّ ذلك، قال: فانّهم قد قالوا له و حلفوا عليه: لترسلنّ الى الأشتر فليأتينّك أو لنقتلنّك بأسيافنا كما قتلنا عثمان، أو لنسلّمنك إلى عدوّك.

فأقبل الاشتر حتّى انتهى إليهم فصاح يا أهل الذلّ و الوهن أحين علوتم القوم و ظنواأنّكم لهم قاهرون رفعوا المصاحف يدعونكم الى ما فيها و قدو اللّه تركوا ما أمر اللّه فيها، و تركوا سنّة من انزلت اليه فلا تجيبوهم أمهلوني فواقا، فانّي قد احسست بالفتح، قالوا: لا نمهلك، قال: فامهلوني عدوة الفرس فانّي قد طمعت النّصر، قالوا: إذن ندخل معك في خطيئتك.

قال: فحدّثوني عنكم و قد قتل أماثلكم و بقى أراذلكم متى كنتم محقّين أحين كنتم تقتلون أهل الشّام فأنتم الآن حين أمسكتم عن قتالهم مبطلون، أم أنتم الآن في إمساككم عن القتال محقّون فقتلاكم إذن الذين لا تنكرون فضلهم و أنّهم خير منكم في النّار.

قالوا: دعنا منك يا أشتر قاتلناهم في اللّه و ندع قتالهم في اللّه إنّا لسنا نطيعك فاجتنبا«» فقال: خدعتم و اللّه فانخدعتم، و دعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم يا أصحاب الجباه السّود كنا نظنّ صلاتكم زهادة في الدّنيا و شوقا إلى لقاء اللّه فلا أرى فراركم إلّا إلى الدّنيا و من الموت ألا فقبحا يا اشباه النيب«» الجلالة ما أنتم برائين بعدها عزّا أبدا فابعدوا كما بعد القوم الظالمين، فسبّوه و سبّهم و ضربوا بسياطهم وجه دابته و ضرب بسوطه وجوه دوابّهم و صاح بهم عليّ عليه السّلام فكفّوا.

و قال الاشتر: يا أمير المؤمنين أحمل الصّف علي الصف نصرع القوم فتصايحوا أن أمير المؤمنين قد قبل الحكومة و رضي بحكم القرآن، فقال الأشتر: إن كان أمير المؤمنين، قد قبل و رضي فقد رضيت بما يرضى به أمير المؤمنين، فأقبل النّاس يقولون قد قبل أمير المؤمنين قد رضي أمير المؤمنين و هو عليه السّلام ساكت لا يفيض بكلمة مطرق إلى الأرض ثمّ قام فسكت النّاس كلّهم.

فقال عليه السّلام: أيّها النّاس إنّ أمرى لم يزل معكم على ما أحبّ إلى أن أخذت منكم الحرب، و قدو اللّه أخذت منكم و تركت و أخذت من عدوّكم فلم تترك و إنها فيهم أنكى و أنهك إلّا أنّى كنت أمس أمير المؤمنين فأصبحت اليوم مأمورا، و كنت ناهيا فأصبحت منهيا، و قد أحببتم البقاء و ليس لى أن أحملكم على ما تكرهون، ثمّ قعد،ثمّ تكلّم رءوس القبايل فكلّ قال ما يراه و يهواه إمّا من الحرب أو من السّلم.

قال نصر: ثمّ إنّ أهل الشّام لما أبطأ عنهم علم حال أهل العراق هل أجابوا إلى الموادعة أم لا جزعوا فقالوا: يا معاوية ما نرى أهل العراق أجابوا إلى ما دعوناهم إليه فأعدها خدعة فانك قد غمرت بدعائك القوم و أطمعتهم فيك.

فدعا معاوية عبد اللّه بن عمرو بن العاص فأمره أن يكلّم أهل العراق و يستعلم له ما عندهم، فأقبل حتّى إذا كان بين الصّفين نادى يا أهل العراق أنا عبد اللّه بن عمرو بن العاص إنّه قد كان بيننا و بينكم أمور للدّين و الدّنيا، فان يكن للدّين فقد و اللّه أعذرنا و أعذرتم، و إن يكن للدّنيا فقد و اللّه أسرفنا و أسرفتم، و قد دعوناكم إلى أمر لو دعوتمونا إليه لأجبناكم، فان يجمعنا و إيّاكم الرضا فذاك من اللّه فاغتنموا هذه الفرجة عسى أن يعيش فيها المحترق و ينسى فيها القتيل، فانّ بقاء المهلك بعد الهالك قليل فأجابه سعد بن قيس الهمداني فقال: أمّا بعد يا أهل الشّام إنّه قد كانت بيننا و بينكم امور حاسبنا فيها على الدّين و سمّيتموها عذرا و إسرافا و قد دعوتمونا اليوم على ما قتلناكم عليه أمس و لم يكن ليرجع أهل العراق إلى عراقهم و أهل الشام إلى شامهم بأمر أجمل من أن يحكم بما أنزل اللّه سبحانه فقام النّاس الى عليّ عليه السّلام فقالوا له أجب القوم إلى المحاكمة.

قال نصر: فجاء الأشعث إلى عليّ فقال يا أمير المؤمنين ما أرى النّاس إلّا و قد رضوا و سرّهم أن يجيبوا القوم إلى ما دعوهم اليه من حكم القرآن، فان شئت اتيت معاوية فسألته ما يريد و نظرت ما الذى يسأل.

قال عليه السّلام: آتيه ان شئت فأتاه فسأله يا معاوية لأىّ شي‏ء رفعتم هذه المصاحف قال: لنرجع نحن و أنتم الى ما أمر اللّه به فيها فابعثوا رجلا منكم ترضون به و نبعث منّا رجلا و نأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب اللّه و لا يعد و انه ثمّ نتبع ما اتفقا عليه.

فقال الأشعث: هذا هو الحقّ و انصرف الى عليّ فأخبره، فبعث عليّ عليه السّلام‏ قرّاء من أهل العراق و بعث معاوية قرّاء من أهل الشّام فاجتمعوا بين الصّفين و معهم المصحف فنظروا فيه و تدارسوا و اجتمعوا على أن يحيوا ما أحيى القرآن و يميتوا ما أمات القرآن و رجع كلّ فريق إلى أصحابه.

فقال أهل الشّام: إنّا قد رضينا و اخترنا عمرو بن العاص، و قال الأشعث و القراء الذين صاروا خوارج بعد ذلك: و قد رضينا نحن و اخترنا أبا موسى الأشعرى فقال لهم عليّ عليه السّلام فانّي لا أرضى بأبي موسى و لا أرى ان اوليه فقال الأشعث و زيد ابن حصين و مسعر بن فدكى في عصابة من القراء: إنّا لا نرضى إلّا به فانّه قد كان حذّرنا ما وقعنا فيه.

فقال عليّ عليه السّلام: فانّه ليس لى برضا و قد فارقني و خذل النّاس عنّي و هرب منّي حتّى امنته بعد أشهر و لكن هذا ابن عباس اوليه ذلك، قالوا: و اللّه مانبا لى اكنت أنت أو ابن عباس و لا نريد إلّا رجلا و هو منك و من معاوية على حدّ سواء ليس إلى واحد منكما أدنى من الآخر قال عليّ عليه السّلام: فاني أجعل الأشتر، فقال: الاشعث: و هل سعّر الأرض علينا إلّا الأشتر و هل نحن إلّا في حكم الأشتر، قال عليّ عليه السّلام و ما حكمه قال: حكمه أن يضرب بعضنا بعضا بالسّيف حتّى يكون ما أردت و ما أراد.

قال نصر: و حدّثنا عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليه السّلام قال لما أراد النّاس عليّا أن يضع الحكمين قال لهم: إنّ معاوية لم يكن ليضع لهذا الامر أحدا هو أوثق برأيه و نظره من عمرو بن العاص، و إنّه لا يصلح للقرشي إلّا مثله فعليكم بعبد اللّه بن عباس فارموه به فانّ عمرا لا يعقد عقدة إلّا حلّها عبد اللّه و لا يحلّ عقدة الّا عقده و لا يبرم أمرا الّا نقضه و لا ينقض أمرا إلّا أبرمه.

فقال الأشعث لا و اللّه لا يحكم فينا مضريان حتّى تقوم السّاعة، و لكن اجعل رجلا من أهل اليمن إذا جعلوا رجلا من مضر، فقال عليّ عليه السّلام إنّي أخاف أن يخدع يمنّيكم فانّ عمرا ليس من اللّه في شي‏ء إذا كان له في أمر هوى، فقال الأشعث و اللّه لان يحكما ببعض ما نكره و أحدهما من أهل اليمن أحبّ إلينا من أن يكون‏ بعض ما نحبّ في حكمهما و هما مضريّان.

قال نصر: فقال عليّ عليه السّلام قد أبيتم إلّا أبا موسى، قالوا: نعم قال: فاصنعوا ما شئتم، فبعثوا إلى أبي موسى و هو بأرض من أرض الشّام يقال لها عرض قد اعتزل القتال فأتاه مولى له فقال: إنّ النّاس قد اصطلحوا فقال: الحمد للّه ربّ العالمين قال: فقد جعلوك حكما قال: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون.

فجاء أبو موسى حتّى دخل عسكر عليّ عليه السّلام و جاء الأشتر عليّا عليه السّلام فقال: يا أمير المؤمنين ألزّنى«» بعمرو بن العاص فو اللّه الذى لا إله غيره لئن ملأت عينى منه لأقتلنّه.

و جاء الأحنف بن قيس عليّا فقال يا أمير المؤمنين إنّك قد رميت بحجر الأرض و من حارب اللّه و رسوله انف الاسلام و إنّي قد عجمت«» بهذا الرّجل يعنى أبا موسى و حلبت اشطره«» فوجدته كليل الشّفرة«» قريب القعر و أنّه لا يصلح لهؤلاء القوم إلا رجل يدنو منهم حتّى يكون في أكفّهم و يتباعد منهم حتّى يكون بمنزلة النّجم منهم فان شئت أن تجعلني حكما فاجعلني به و إن شئت أن تجعلني ثانيا أو ثالثا فان عمرا لا يعقد عقدا إلّا حللتها، و لا يحلّ عقدة إلّا عقدت لك أشدّ منها فعرض عليّ عليه السّلام ذلك على النّاس فأبوه و قالوا: لا يكون إلّا أبا موسى.

قال نصر: فبعث أيمن بن حزيم الاسدى و كان معتزلا لمعاوية بهذه الأبيات و كان هواه أن يكون الأمر لأهل العراق.

لو كان للقوم رأى يعصمون به
من الضّلال رموكم بابن عباس‏

للّه درّ أبيه أيّما رجل‏
ما مثله لفصال الخطب في النّاس‏

لكن رموكم بشيخ من ذوى يمن
لا يهتدى ضرب أخماس من أسداس‏

ان يخل عمرو به يقذفه في لجج‏
يهوى به النجم ينشأ بين أتياس«»

ابلغ لديك عليّا غير عايبه
قول امرء لا يرى بالحقّ من ناس‏

ما الاشعري بمأمون أبا حسن‏
فاعلم هديت و ليس العجز كالرّاس‏

فاصدم بصاحبك الادني زعيمهم
إنّ ابن عمّك عبّاس هو الاسى‏

فلما بلغ الناس هذا الشّعر طارت هواء أقوام من أولياء عليّ عليه السّلام و شيعته إلى ابن عباس و أبت القراء أإلّا أبا موسى.

قال نصر: فلما رضى أهل الشّام بعمرو و أهل العراق بأبي موسى أخذوا في سطر كتاب الموادعة و كان صورته: هذا ما تقاضى عليه عليّ أمير المؤمنين و معاوية ابن أبي سفيان فقال معاوية بئس الرّجل أنا إن أقررت أنّه أمير المؤمنين ثمّ قاتلته و قال عمرو: بل نكتب اسمه واسم أبيه إنّما هو أميركم فأمّا أميرنا فلا فلما اعيد عليه الكتاب أمر بمحوه.

فقال الأحنف: لا تمح اسم أمير المؤمنين عنك فانّي أتخوّف إن محوتها ألّا ترجع إليك أبدا فلما تمحها.

فقال عليّ عليه السّلام إنّ هذا اليوم كيوم الحديبيّة حين كتب الكتاب عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هذا ما تصالح عليه محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سهيل بن عمرو، فقال سهيل لو أعلم أنك رسول اللّه لم أخالفك و لم أقاتلك إنّى إذن لظالم لك إن منعتك أن تطوف بيت اللّه الحرام و أنت رسوله، و لكن اكتب: من محمّد بن عبد اللّه فقال لي رسول اللّه يا علي إنّى لرسول اللّه و أنا محمّد بن عبد اللّه و لن يمحو عنّى الرّسالة كتابي لهم من محمّدابن عبد اللّه فاكتبها و امح ما أراد محوه أما أنّ لك مثلها«» ستعطيها مضطهدا«».

قال نصر: و قد روى إنّ عمرو بن العاص أعاد بالكتاب إلى عليّ عليه السّلام فطلب منه أن يمحو اسمه من إمرة المؤمنين فقصّ عليه و على من حضر قصّة صلح الحديبية قال: إنّ ذلك الكتاب انا كتبته بيننا و بين المشركين و اليوم اكتبه الى أبنائهم كما كان رسول اللّه كتبه إلى آبائهم شبها و مثلا.

فقال عمرو: سبحان اللّه أتشبّهنا بالكفّار و نحن مسلمون، فقال عليّ عليه السّلام: يابن النابغة و متى لم تكن للكافرين وليّا و للمسلمين عدوّا، فقام عمرو و قال: و اللّه لا يجمع بيني و بينك بعد هذا اليوم مجلس، فقال: عليّ عليه السّلام أما و اللّه إنّي لأرجو أن يظهر اللّه عليك و على أصحابك، و جاءت عصابة قد وضعت سيوفها على عواتقها فقالوا يا أمير المؤمنين مرنا بم شئت فقال لهم سهل بن حنيف أيّها النّاس اتهموا«» رأيكم فلقد شهدنا صلح رسول اللّه يوم الحديبيّة و لو نرى قتالا لقاتلنا.

قال نصر: و قد روى أبو إسحاق الشّيباني قال قرئت كتاب الصّلح عند سعيد بن أبي بردة في صحيفة صفراء عليها خاتمان خاتم من أسفلها و خاتم من أعلاها علي خاتم عليّ عليه السّلام محمّد رسول اللّه و على خاتم معاوية محمّد رسول اللّه، و قيل لعليّ عليه السّلام حين أراد أن يكتب الكتاب بينه و بين معاوية و أهل الشّام أتقرّ أنّهم مؤمنون مسلمون فقال عليّ عليه السّلام: ما اقرّ لمعاوية و لا لأصحابه انهم مؤمنون مسلمون و لكن يكتب معاوية ما شاء و يقرأ بما شاء لنفسه و لأصحابه و يسمّى نفسه بما شاء و أصحابه فكتبوا: هذا ما تقاضى عليه عليّ بن أبي طالب و معاوية بن أبي سفيان قاضى عليّ بن ابي طالب على اهل العراق و من كان معه من شيعته من المؤمنين و المسلمين، و قاضى معاوية بن ابي سفيان على أهل الشّام و من كان معه من شيعته من المؤمنين و المسلمين.

انّنا ننزل عند حكم اللّه تعالى و كتابه و لا يجمع بيننا إلّا إياه و انّ كتاب اللّه‏ سبحانه بيننا من فاتحته إلى خاتمته نحيي ما احيى القرآن، و نميت ما أمات القرآن فان وجد الحكمان ذلك في كتاب اللّه ابتغاه، و إن لم تجداه أخذا بالسّنة العادلة غير المفرقة و الحكمان عبد اللّه بن قيس و عمرو بن العاص.

و قد أخذ الحكمان من عليّ و معاوية و من الجندين أنّهما أمينان على أنفسهما و أموالهما و أهلهما، و الامّة لهما أنصار و على الذي يقضيان عليه و على المؤمنين و المسلمين من الطائفتين عهد اللّه ان يعمل بما يقضيان عليه ممّا وافق الكتاب و السّنة و أنّ الأمن و الموادعة و وضع السّلاح متّفق عليه بين الطائفتين إلى أن يقع الحكم و على كلّ واحد من الحكمين عهد اللّه ليحكمنّ بين الامّة بالحقّ لا بالهوى.

و أجل الموادعة سنة كاملة فان أحبّ الحكمان أن يعجّلا الحكم عجّلاه، و أن توفي أحدهما فلأمير شيعته أن يختار مكانه رجلا لا يألو الحقّ و العدل، و إن توفى أحد الأميرين كان نصب غيره إلى أصحابه ممّن يرضون أميره و يحمدون طريقته اللّهمّ إنّا نستنصرك على من ترك ما في هذه الصّحيفة و أراد فيها الحادا و ظلما.

قال نصر: هذه رواية محمّد بن عليّ بن الحسين عليه السّلام و الشّعبي، و روى جابر عن زيد بن الحسن بن الحسن زيادات على هذه النّسخة.

أقول: و ذكر تلك الرّواية و ساقها إلى أن قال: و شهد فيه من أصحاب عليّ عليه السّلام عشرة و من أصحاب معاوية عشرة و تاريخ كتابته لليلة بقيت من صفر سنة تسع و ثلاثين.

قال نصر: و حدّثنا عمرو بن سعيد قال: حدّثنى أبو حباب عن عمّارة بن ربيعة الحرمي قال: لما كتبت الصّحيفة دعا لها الأشتر ليشهد الشهود عليه فقال: لا صبحتني يميني و لا نفعتنى بعدها الشّمال إن كتب لى في هذه الصّحيفة اسم الصّلح أو الموادعة، أو لست على بيّنة من أمري و يقين من ضلال عدوّي أو لستم قد رأيتم الظفر إن لم تجمعوا على‏ الخور«» فقال له رجل: و اللّه ما رأيت ظفرا و لا خورا هلمّ فاشهد على نفسك و اقرر بما كتب في هذه الصّحيفة فانّه لارغبة لك عن النّاس فقال: بلى و اللّه إنّ لى لرغبة عنك في الدّنيا للدّنيا و في الآخرة للآخرة و لقد سفك اللّه بسيفي هذا دماء رجال ما أنت عندي بخير منهم و لا أحزم دما.

قال نصر: و كان الرّجل هو الأشعث فكأنّما قصع على أنفه الحمم ثمّ قال الأشتر: و لكني قد رضيت بما يرضى به أمير المؤمنين و دخلت فيما دخل فيه و خرجت مما خرج منه فانّه لا يدخل إلّا في الهدى و الصّواب.

قال نصر: فحدّثنا عمر بن سعد عن أبي حباب الكلبي عن اسماعيل بن شفيع عن سفيان بن مسلمة قال: فلما تمّ الكتاب و شهدت فيه الشّهود و تراضى النّاس خرج الأشعث و معه ناس بنسخة الكتاب يقرؤها على النّاس و يعرضها عليهم.

فمرّ به على صفوف من أهل الشام و هم على راياتهم فأسمعهم إيّاه فرضوا به ثمّ مرّ به على صفوف من أهل العراق و هم على راياتهم فأسمعهم إيّاه فرضوا به حتّى مرّ برايات غنرة و كان معه عليه السّلام منهم أربعة ألف فلما مرّ بهم الأشعث يقرأ عليهم قال فتيان منهم: لا حكم إلّا للّه ثمّ حملا على أهل الشّام بسيوفهما حتّى قتلا على باب رواق معاوية.

ثمّ مرّ بها على مراد فقال صالح بن شقيق و كان من رؤوسهم: لا حكم إلّا للّه و لو كره المشركون، ثمّ مرّ على رايات بنى راسب فقرأها عليهم فقال رجل منهم: لا حكم إلّا للّه لا نرضى و لا يحكم الرّجال في دين اللّه، ثمّ مرّ على رايات تميم فقرأها عليهم فقال رجل منهم: لا حكم إلّا للّه يقضي الحقّ و هو خير الفاصلين و خرج عروة التّميمى فقال أ تحكمون الرّجال في أمر اللّه لا حكم إلّا للّه فأين قتلانا يا أشعث ثمّ شدّ بسيفه على الأشعث ليضربه فأخطأه و ضرب عجز دابته ضربة خفيفة.

فانطلق الأشعث إلى عليّ فقال يا امير المؤمنين انّى عرضت الحكومة على صفوف أهل الشّام و أهل العراق فقالوا جميعا رضينا و مررت برايات بني راسب و نبذ من النّاس سواهم فقالوا لا نرضى لا حكم إلّا للّه فمر بأهل العراق و أهل الشّام عليهم حتى يقتلهم. فقال هل هي غير راية او رايتين و نبذ من النّاس قال: لا قال: فدعهم.

قال نصر: فظن عليّ عليه السّلام انّهم قليلون لايعباء بهم فما راعه إلّا نداء النّاس من كلّ جهة لا حكم إلا اللّه، الحكم للّه يا على لا لك لا نرضى بأن يحكم الرّجال في دين اللّه إنّ اللّه قد أمضى حكمه في معاوية و أصحابه أن يقتلوا و يدخلوا تحت حكمنا عليهم، و قد كنا زللنا و أخطانا حين رضينا بالحكمين و قد بان لنا زللنا و خطاؤنا فرجعنا اللّه و تبنا فارجع أنت يا علي كما رجعنا و تب إلى اللّه كما تبنا و إلّا برئنا منك.

فقال عليّ عليه السّلام: و يحكم أبعد الرضا و الميثاق و العهد نرجع أليس اللّه تعالى قد قال: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و قال: أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَ لا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا.

فابى عليّ عليه السّلام أن يرجع و أبت الخوارج إلّا تضليل التّحكيم و الطعن فيه، فبرءوا من عليّ و برء عليّ منهم.

قال نصر: و حدّثني عمرو بن نمير عن أبي الوارك قال: لما تداعى النّاس إلى المصاحف و كتبت صحيفة الصّلح و التّحكيم قال عليّ إنّما فعلت ما فعلت لما بدء فيكم من الخور و الفشل عن الحرب، فجاءت اليه همدان كانّها ركن حصين فيهم سعيد بن قيس و ابنه عبد الرّحمن غلام له ذوابة، فقال سعيد: ها اناذ او قومي لا نردّ أمرك فقل ما شئت نعمله، فقال: أمّا لو كان هذا قبل سطر الصّحيفة لأزلتهم عن عسكرهم أو تنفرد سالفتى«» و لكن انصرفوا راشدين.

قال نصر: و روى الشّعبي أن عليّا قال يوم صفّين حين اقرّ النّاس بالصّلح: انّ هولاء القوم لم يكونوا لينيبوا إلى الحقّ و لا ليجيبوا إلّا لكلمة سواء حتّى يرموا بالمناسر«» تتبعها العساكر و حتّى يرجموا بالكتائب تقفوها الجلايب«»، و حتّى يجرّ ببلادهم الحميس«» يتلوه الحميس، و حتّى يدعق«» الخيول في نواحى أرضهم و باحناء مشاربهم و مسارحهم، و حتّى يشنّ عليهم الغارات من كلّ فجّ و حتى تتلقّاهم قوم صدق صبر لا يزيدهم هلاك من هلك من قتلاهم و موتاهم في سبيل اللّه إلّا جدّا في طاعة اللّه و حرصا على لقاء اللّه.

و لقد كنّا مع رسول اللّه يقتل آبائنا و اخواننا و اخوالنا و اعمامنا لا يزيدنا ذلك إلّا ايمانا و تسليما و مضيّا على أمض الألم وجدّا على جهاد العدوّ و الاستقلال بمبارزة الاقران.

و لقد كان الرّجل منّا و الآخر من عدوّنا يتصاولان تصاول الفحلين، و يتخالسان أنفسهما أيّهما يسقى صاحبه كأس المنون فمرّة لنا من عدّونا و مرّة لعدوّنا منّا فلما رآنا اللّه صدقا صبرا أنزل بعدوّنا الكبت و أنزل علينا النصر و لعمري لو كنا في مثل الذى اتيتم ما قام الدّين و لاعزّ الاسلام.

و روى نصر: عن عمرو بن شمر عن فضيل بن جديح قال: قيل لعليّ عليه السّلام لما كتبت الصّحيفة: انّ الاشتر لم يرض بما في الصّحيفة و لا يرى الّا قتال القوم، فقال عليّ عليه السّلام بلى انّ الاشتر ليرضى اذا رضيت و قد رضيت و رضيتم و لا يصلح الرّجوع بعد الرّضا و لا التّبديل بعد الاقرار إلّا أن يعصى اللّه أو يتعدّى ما في كتابه، و أمّا الذى ذكرتم من تركه أمرى و ما أنا عليه فليس من أولئك و لا أعرفه على ذلك، و ليت‏ فيكم مثله اثنان، بل ليت فيكم مثله واحد يرى في عدوّي مثل رأيه إذن لخفّت مؤنتكم عليّ و رجوت أن يستقيم لي بعض اودكم.

قال نصر: ثمّ انّ النّاس أقبلوا على قتلاهم فدفنوهم، و روى الشّعبي عن زياد بن النّصر انّ عليّا بعث أربعمائة عليهم شريح بن هاني و معه عبد اللّه بن العباس يصلّي بهم و معهم أبو موسى الأشعري و بعث معاوية عمرو بن العاص في أربعمائة، ثمّ إنّهم خلوا بين الحكمين فكان رأى عبد اللّه بن قيس في عبد اللّه بن عمر بن الخطاب، و كان يقول و اللّه ان استطعت لأحيينّ سنّة عمر.

قال نصر: و في حديث محمّد بن عبيد اللّه الجرجاني قال: لما أراد أبو موسى المسير قام اليه شريح بن هانى فأخذ بيده و قال: يا أبا موسى قد نصب لأمر عظيم لا يجبر صدعه و لا يستقال فتنته، و مهما نقل من شي‏ء عليك أو لك تثبت حقّه و ترى صحّته و ان كان باطلا، و أنّه لا بقاء لأهل العراق إن ملكهم معاوية، و لا بأس لأهل الشّام إن ملكهم عليّ عليه السّلام.

و قد كان منك تثبيطة أيام الكوفة و الجمل فان تشفعها بمثلها يكن الظنّ بك يقينا والرّجاء منك يأسا فقال أبو موسى: ما ينبغي لقوم اتّهموني إن يرسلوني لا دفع عنهم باطلا أو أجرى إليهم حقّا.

و روى المداينى في كتاب صفّين قال: لما اجتمع أهل العراق على طلب أبى موسى و احضروه للتّحكيم على كره من عليّ عليه السّلام أتاه عبد اللّه بن عباس و عنده وجوه النّاس و الاشراف فقال له: يا أبا موسى إنّ النّاس لم يجتمعوا عليك و يرضوا بك لفضل لا تشارك فيه و ما أكثر أشباهك من المهاجرين و الأنصار المتقدّمين قبلك، و لكن أهل العراق أبوا إلّا أن يكون الحكم يمانيّا و رأوا أنّ معظم أهل الشّام يمان و أيم اللّه انى لأظنّ ذلك شرا لك و لنا، فانه قد ضمّ اليك داهية«» العرب، و ليس في معاوية خلة يستحقّ بها الخلافة، فان تقذف بحقك على باطله تدرك حاجتك منه، و ان‏ يطمع باطله في حقّك يدرك حاجته منك.

و اعلم يا أبا موسى أنّ معاوية طليق الاسلام و أنّ أباه رأس الأحزاب يدعي الخلافة من غير مشورة و لا بيعة فان زعم لك أنّ عمر و عثمان استعملاه فلقد صدق استعمله عمر و هو الوالي عليه بمنزلة الطبيب يحميه ما يشتهي و يوجره ما يكره، ثمّ استعمله عثمان برأى عمر و ما أكثر ما استعملا ممّن لم يدّع الخلافة.

و اعلم أنّ لعمر و مع كلّ شي‏ء يسرّك خبيئا يسوءك و مهما نسيت فلا تنس انّ عليّا بايعه القوم الذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان، و أنّها بيعة هدى و أنّه لم يقاتل إلّا العاصين و النّاكثين.

فقال أبو موسى: رحمك اللّه و اللّه مالى إمام غير عليّ عليه السّلام و إنّي لواقف عند ما راى و انّ حقّ اللّه أحبّ إلىّ من رضا معاوية و أهل الشّام و ما أنا و أنت إلّا باللّه.

قال نصر: و كان النّجاشي الشّاعر صديقا لأبي موسى فكتب اليه يحذّره من عمرو بن العاص:

يؤمّل أهل الشّام عمرا و انّنى
لامل عبد اللّه عند الحقائق‏

و انّ أبا موسى سيدرك حقّنا
إذا مارمى عمرا باحدى البوائق‏

و للّه ما يرمى العراق و أهله
به منه إن لم يرمه بالصّواعق‏

فكتب اليه ابو موسى إنى لأرجو أن تنجلى هذا الأمر و أنا فيه على رضا اللّه سبحانه.

قال نصر: ثمّ إنّ شريح بن هاني جهزّ أبا موسى جهازا حسنا و عظم أمره في النّاس ليشرف في قومه فقال الأعور الشّني في ذلك يخاطب شريحا:

زففت ابن قيس زفاف العروس
شريح الى دومة الجندل‏

و في زفّك الأشعرى البلاء
و ما يقض من حادث ينزل‏

و ما الأشعريّ بذي اربة
و لا صاحب الخطة الفيصل‏

و لا آخذا حظّ أهل العراق‏
و لو قيلها خذه لم يفعل‏

يحاول عمرا و عمرو له
خدايع يأتي بها من عل‏

فان يحكما بالهدى يتبعا
و إن يحكما بالهوى الأميل‏

يكونا كتيسين في فقره‏
اكيلى نقيف من الحنظل‏

فقال شريح: و اللّه لقد تعجّلت رجال مسائتنا في أبي موسى و طعنوا عليه بأسواء الظنّ و ظنّوا فيه ما اللّه عصمه منه إنشاء اللّه.

قال نصر: و كان آخر من ودّع أبا موسى الأحنف بن قيس أخذ بيده، ثمّ قال له: با أبا موسى اعرف خطب هذا الأمر و اعلم أنّه له ما بعده و انّك إن أضعت العراق فلا عراق، اتّق اللّه فانّها تجمع لك دنياك و آخرتك و إذا لقيت غدا عمرا فلا تبدءه بالسّلام فانّها و إن كانت سنّة إلّا أنّه ليس من أهلها، و لا تعطه يدك فانّها أمانة و ايّاك أن يقعدك على صدر الفراش فانّها خدعة، و لا تلقه إلّا وحده، و حذر أن يكلّمك في بيت فيه مخدع تخباء لك فيه الرّجال و الشّهود.

ثمّ أراد أن يبوء«» ما في نفسه لعليّ عليه السّلام فقال له: فان لم يستقم لك فيه الرضا بعليّ فليتخير أهل العراق من قريش الشام من شاءوا أو فليتخير أهل الشام العراق من شاءوا، فقال أبو موسى: قد سمعت ما قلت و لم ينكر ما قاله من زوال الأمر عن عليّ فرجع الأحنف إلى عليّ فقال له: أخرج أبو موسى زبدة سقائه في أوّل مخضه لا أرانا إلا بعثنا رجلا لا ينكر خلعك فقالا عليّ عليه السّلام: اللّه غالب على أمره.

قال نصر: و شاع و فشا أمر الأحنف و أبي موسى في النّاس فبعث الصّلتان العبدي و هو بالكوفة الى دومة الجندل بهذه الأبيات:

لعمرك لا ألقى مدا الدهر خالعا
عليّا بقول الأشعريّ و لا عمرو

فان يحكما بالحقّ نقبله منهما
و إلّا اثرناها كراعية البكر

و لسنا نقول الدّهر ذاك إليهما
و في ذاك لو قلناه قاصمة الظهر

و لكن نقول الأمر و النهى كلّه‏
إليه و في كفّيه عاقبة الأمر

و ما اليوم الأمثل أمس و إنّما
لفي وشل الضحضاح«» أو لجّة البحر

فلّما سمع النّاس ذلك أعنى قول الصّلتان شحذهم ذلك على أبي موسى و استبطائه القوم و ظنوا به الظنون و مكث الرّجلان بدومة الجندل لا يقولان شيئا، و قد كان الأخبار أبطات على معاوية، فبعث إلى رجال من قريش كانوا ان يعينوه في حربه إنّ الحرب قد وضعت أوزارها، و التقى هذان الرّجلان في دومة الجندل فاقد مواعلّى فأتاه جمع منهم عبد اللّه بن الزبير و عبد اللّه بن عمر بن الخطّاب و المغيرة بن شعبه فقال له يا مغيرة ما ترى قال: يا معاوية لو و سعنى أن أنصرك لنصرتك و لكن على ان آتيك بأمر الرجلين فرحل حتّى أتى دومة الجندل، فدخل على أبي موسى، فقال يا أبا موسى ما تقول فيمن اعتزل هذا الأمر و كره هذه الدّماه قال، اولئك خير النّاس خفّت ظهورهم من دمائهم و خصمت بطونهم من أموالهم.

ثمّ أتى عمرا فقال: يا أبا عبد اللّه ما تقول فيمن اعتزل هذا الأمر و كره الدّماء قال: شرار الناس لم يعرفوا حقّا و لم ينكروا باطلا، فرجع مغيرة إلى معاوية فقال له: قد ذقت الرّجلين أما عبد اللّه بن قيس فخالع صاحبه و هواه في عبد اللّه بن عمر، و أمّا عمرو فهو صاحبك الذى تعرف، و قد ظنّ الناس أنّه يرومها لنفسه و أنّه لا يرى أنّك أحقّ بهذا الأمر منه.

قال نصر: و في حديث عمرو بن شمر قال أقبل أبو موسى إلى عمرو فقال: يا عمرو هل لك في أمر هو للامّة صلاح و لصلحاء النّاس رضا نولّي هذا الأمر عبد اللّه بن عمر بن الخطاب الذي لم يدخل في شي‏ء من هذه الفتنة و لا هذه الفرقة قال: و كان عبد اللّه بن عمرو بن العاص و عبد اللّه بن الزّبير قريبا يسمعان هذا الكلام.

فقال عمرو: فأين أنت يا أبا موسى من معاوية، فابي عليه أبو موسى فقال عمرو: أ لست تعلم أنّ عثمان قتل مظلوما قال: بلى أشهد، ثمّ قال: فما يمنعك من معاوية و هو وليّ دم عثمان و قد قال تعالى: وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً ثمّ انّ بيت معاوية من قريش ما قد علمت فان خشيت أن يقول الناس ولى معاوية و ليست له سابقة فانّ لك أن تقول وجدته ولىّ العثمان الخليفة المظلوم و الطالب بدمه الحسن السّياسة الحسن التّدبير و هو أخوامّ حبيبة أمّ المؤمنين و زوج النبيّ و قد صحبه و هو أحد الصّحابة.

ثمّ عرض له بالسّلطان فقال له: إن هو ولى الأمر أكرمك كرامة لم يكرمك أحد قطّ مثلها.

فقال أبو موسى: اتّق اللّه يا عمرو أمّا ما ذكرت من شرف معاوية فانّ هذا الأمر ليس على الشّرف إنّما هو لأهل الدّين و الفضل مع أنى لو كنت أعطيته أفضل قريش شرفا أعطيته علىّ بن أبي طالب، و أمّا قولك إنّه وليّ عثمان فاني لم أكن أوليه إيّاه لنسبه من عثمان، وادع المهاجرين الأوّلين، و أمّا تعريضك لى بالامرة و السّلطان فو اللّه لو خرج لي من سلطانه ما وليته و لا كنت أرتشي في اللّه و لكنك إن شئت أحيينا سنة عمر بن الخطاب.

قال نصر: و حدّثني عمر بن سعد عن أبي حباب انّ أبا موسى قال غير مرّة: و اللّه إن استطعت لا حيينّ اسم عمر بن الخطاب، فقال عمرو بن العاص: إن كنت إنما تبايع ابن عمر لدينه فما يمنعك من ابني عبد اللّه، و أنت تعرف فضله و صلاحه، فقال: إنّ ابنك لرجل صدق و لكنك قد غمسته في هذه الفتنة قال نصر: و روى عن النضر بن صالح قال: كنت من شريح بن هاني في غزوة سجستان فحدّثني أنّ عليّا أو صاه بكلمات إلى عمرو بن العاص و قال له قل لعمرو: إذ القيته إنّ عليّا يقول لك: إنّ أفضل الخلق من كان العمل بالحقّ أحبّ إليه و إن نقصه و إنّ أبعد الخلق من اللّه من كان العمل بالباطل أحبّ إليه و إن زاده، و اللّه يا عمرو إنك لتعلم اين موضع الحقّ فلم تتجاهل أبأن اوتيت طمعا يسيرا صرت للّه و لأوليائه عدوّا فكأن ما قد اوتيت قد زال عنك، فلا تكن للخائنين خصيما، و للظالمين ظهيرا، اما اني اعلم انّ يومك الذى أنت فيه نادم هو يوم وفاتك و سوف تتمنّى أنك لم تظهر لى عداوة و لم‏ تأخذ على حكم اللّه رشوة.

قال شريح: فأبلغته ذلك يوم لقيته فمغر وجهه قال: و متى كنت قابلا مشورة عليّ أو منيبا إلى رأيه أو معتمدا بأمره، فقلت و ما يمنعك يابن النابغة أن تقبل من مولاك و سيّد المسلمين بعد نبيّهم مشورته، لقد كان من هو خير منك أبو بكر و عمر يستشير انه و يعملان برأيه فقال إنّ مثلي لا يكلّم مثلك، فقلت: بأىّ أبوبك ترغب عن كلامي بأبيك الوشيظ«» أو بامك النّابغة، فقام من مكانه و قمت.

قال نصر: و روى أبو حباب الكلبي انّ عمرا و أبا موسى لما التقيا بدومة الجندل أخذ عمرو يقدّم أبا موسى في الكلام و يقول: إنّك صحبت رسول اللّه قبلي و انت أكبر مني سنّا فتكلّم أنت ثمّ أتكلّم أنا فجعل ذلك سنّة و عادة بينهما، و إنّما كان مكرا و خديعة و اغترارا له أن يقدّمه فيبدأ بخلع عليّ عليه السّلام ثمّ يرى رأيه.

و قال ابن و يزيل في كتاب صفّين أعطاه عمرو صدر المجلس و كان يتكلّم قبله، و أعطاه التّقدّم في الصّلاة و في الطعام لا يأكل حتّى يأكل و إذا خاطبه فانّما يخاطبه بأجلّ الأسماء و يقول له: يا صاحب رسول اللّه حتّى اطمأنّ إليه وظنّ أنّه لا يغشيه.

قال نصر فلّما انمخضت الزبدة بينهما قال له عمرو: أخبرنى ما رأيك يا أبا موسى قال: أرى أن أخلع هذين الرّجلين و نجعل الأمر شورى بين المسلمين يختارون من شاءوا، فقال عمرو: الرّأى و اللّه ما رأيت، فأقبلا إلى النّاس و هم مجتمعون فتكلّم أبو موسى فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: رأيي و رأى عمرو قد اتّفق على أمر نرجو أن يصلح اللّه به شأن هذه الامة فقال عمرو صدق.

ثمّ قال له: تقدّم يا أبا موسى فتكلّم، فقام ليتكلّم فدعاه ابن عباس فقال ويحك إنّى لأظنه خدعك إن كنتما قد اتّفقتما على رأى فقدّمه قبلك ليتكلّم ثمّ تكلّم أنت بعده فانّه رجل غدّار و لا آمن أن يكون أعطاك الرّضا فيما بينك و بينه فاذا قمت به في النّاس خالفك، و كان أبو موسى رجلا مغفّلا، فقال: ايها عنك إنّاقد اتّفقنا فتقدّم أبو موسى فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: أيها النّاس إنّا قد نظرنا في أمر هذه الامة فلم نر شيئا هو أصلح لأمرها و لا ألم لشعثها من أن لا يبتز«» امورها و قد اجتمع رأيي و رأى صاحبي على خلع عليّ و معاوية و ان يستقبل هذا الأمر فيكون شورى بين المسلمين يولّون امورهم من أحبّوا، و إنّي قد خلعت عليّا و معاوية فاستقبلوا أموركم و ولّوا من رأيتموه لهذا الأمر أهلا ثمّ تنحّى.

فقام عمرو بن العاص في مقامه فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: انّ هذا قد قال ما سمعتم و خلع صاحبه و أنا أخلع صاحبه كما خلعه و اثبت صاحبي في الخلافة فانّه وليّ عثمان و الطالب بدمه و أحقّ النّاس بمقامه.

فقال له أبو موسى: ما لك لا وفّقك اللّه قد غدرت و فجرت، إنّما مثلك كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ.

فقال له عمرو: إنّما مثلك كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً، و حمل شريح بن هانى على عمرو، فقنعه بالسّوط و حمل ابن عمرو على شريح فقنعه بالسّوط، و قام النّاس فحجزوا بينهما، فكان شريح يقول بعد ذلك ما ندمت على شي‏ء ندامتي أن لا أكون ضربت عمرا بالسيّف بدل السّوط لكن أتى الدّهر بما أتى به و التمس أصحاب عليّ أبا موسى فركب ناقته و لحق بمكّة، و كان ابن عباس يقول: قبّح اللّه أبا موسى لقد حذرته و هديته إلى الرّأى فما عقل، و كان أبو موسى يقول: لقد حذّرني ابن عبّاس غدرة الفاسق و لكني اطمأننت إليه و ظننت أنّه لا يؤثر شيئا على نصيحة الامة.

قال نصر: و رجع عمرو إلى منزله من دومة الجندل فكتب إلى معاوية بهذه الأبيات:

أتتك الخلافة من فوقه
هنيئا مريئا تقرّ العيونا

تزّف إليك زفاف العروس
بأهون من طعنك الدّارعينا

و ما الأشعرىّ بصلد الزّناد
و لا خامل الدّار في الأشعرينا

و لكن اتيحت له حيّة
يظلّ الشّجاع له مستكينا

فقالوا و قلت و كنت امرء
أجهجه بالخصم حتّى يلينا

فخذها ابن هند على بعدها
فقد واقع اللّه ما تحذرونا

و قد صرّف اللّه عن شأنكم‏
عدوّا مبينا و حزبا زبونا

قال نصر: فقام سعيد بن قيس الهمداني فقال: و اللّه لو اجتمعنا على الهدى ما زدتما بأعلى ما نحن الآن عليه، و ما ضلالكما بلازم لنا و ما رجعتما إلّا بما بدأتما به، و إنّا اليوم لعلي ما كنا عليه أمس، و قام كردوس بن هاني مغضبا فقال:

الا ليت من يرضى من النّاس كلّهم
بعمرو و عبد اللّه في لجّة البحر

رضينا بحكم اللّه لا حكم غيره‏
و باللّه ربّا و النّبيّ و بالذّكر

و بالأصلع الهادي عليّ إمامنا
رضينا بذاك الشيخ في العسر و اليسر

رضينا به حيّا و ميتا و انّه‏
إمام هدى في الحكم و النهى و الأمر

فما قال لا قلنا بلى إنّ أمره
لأفضل ما نعطاه في ليلة القدر

و ما لابن هند بيعة في رقابنا
و ما بيننا غير المثقفة«» السّمر

و ضرب يزيل الهام عن مستقرّه
و هيهات هيهات الرّضا آخر الدّهر

أتت لي أشياخ الأراقم سبّة
أبت بها حتّى اغيّب في القبر

و تكلّم جماعة اخرى بمثل كلامه في الرّضا بخلافة عليّ عليه السّلام و إنكار خلافة معاوية و حكم الحكمين قال نصر: و كان عليّ عليه السّلام لما سمع ما خدع به عمرو أبا موسى غمّه ذلك و سائه و خطب النّاس فقال: الحمد للّه و إن أتى الدّهر بالخطب الفادح إلى آخر ما مرّ في الكتاب مع الزّيادة التي ذكرناها.«»

قال نصر: فكان عليّ عليه السّلام بعد الحكومة إذا صلّى الغداة و المغرب و فرغ من الصلاة قال: اللهمّ العن معاوية و عمرا و أبا موسى و حبيب بن مسلمة و عبد الرّحمن بن خالد و الضّحاك بن قيس و الوليد بن عقبه.

و روى ابن و يزيل إنّ أبا موسى كتب من مكّة إلى عليّ عليه السّلام أمّا بعد فقد بلغني أنك تلغني في الصّلاة و يؤمّن خلفك الجاهلون و إنّى أقول كما قال موسى: «رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ»

الترجمة

از جمله خطب آن حضرتست بعد از حكم قرار دادن مردم أبو موسى اشعرى و عمرو عاص عليهما اللعنة و العذاب را و اختيار كردن عمرو عاص ملعون امارة معاويه بدبنياد را، و خيانت كردن ابو موسى بدنهاد در حق آن امام انس و جان و سرور عالميان كه مى ‏فرمايد: حمد بى قياس خداوند را سزاست و اگر چه آورد روزگار غدار بكار بزرگ و ثقيل و حادثه عظيم و جليل، و شهادت مى ‏دهم بر اين كه هيچ مستحق معبودية نيست مگر معبود بحق و خداوند مطلق در حالتى كه نيست با او خدائى كه بوده باشد با او، و شهادت مى ‏دهم باين كه محمّد بن عبد اللّه صلوات اللّه و سلامه عليه بنده بر گزيده و فرستاده پسنديده اوست، پس از ستايش الهى و درود حضرت رسالت پناهي.

پس مخالفت كردن و عصيان نمودن نصيحت كننده مهربان و داناى تجربه كار باعث مى‏ شود بحسرت و از پى در مى‏ آورد افسوس و ندامت را، و بتحقيق كه بودم امر نمودم شما را در باب اين حكومة حكمين به امر خود و خالص نمودم از براى شما در اين باب راى صواب خود را كه در گنجينه ضمير بور اگر مى‏ بود كه اطاعت مى‏ شد مر قصير بن سعد را امرى پشيمان نمى ‏شديد و بورطه حسرت نمى ‏افتاديد، پس إبا و امتناع نموديد بر من مثل امتناع اختلاف كنندگان جفا كار و عهد شكنندگان نا فرمان بردار تا اين كه بشك افتاد پند دهنده به پند خود و بخل ورزيد آتش زنه به‏ بيرون دادن آتش خود.

پس بود حال من و شما در نصيحت دادن من و مخالفت كردن شما مثل آنچه كه گفت برادر هوازن در شعر خود كه فرمودم شما را بامر خود و پند دادم شما را در منزل منعرج اللوى پس ندانستيد ثمره نصيحت مگر در چاشتكاه روز ديگر كه در ديار زخار خونخوار گرفتار شديد، يعنى همچنان كه قوم وريد شاعر نصيحت او را گوش ندادند و بورطه هلاكت افتادند همچنين شما از فرمان من معصيت ورزيدند كه مستعقب حسرت و ندامت گرديده دچار بلا و محنت شديد.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نمایش بیشتر

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

دکمه بازگشت به بالا
-+=