
خطبه ۲۸ صبحی صالح
۲۸- و من خطبه له ( علیه السلام ) و هو فصل من الخطبه التی أولها «الحمد للّه غیر مقنوط من رحمته» و فیه أحد عشر تنبیها
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْیَا أَدْبَرَتْ
وَ آذَنَتْ بِوَدَاعٍ
وَ إِنَّ الْآخِرَهَ قَدْ أَقْبَلَتْ وَ أَشْرَفَتْ بِاطِّلَاعٍ
أَلَا وَ إِنَّ الْیَوْمَ الْمِضْمَارَ
وَ غَداً السِّبَاقَ
وَ السَّبَقَهُ الْجَنَّهُ
وَ الْغَایَهُ النَّارُ
أَ فَلَا تَائِبٌ مِنْ خَطِیئَتِهِ قَبْلَ مَنِیَّتِهِ
أَ لَا عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ یَوْمِ بُؤْسِهِ
أَلَا وَ إِنَّکُمْ فِی أَیَّامِ أَمَلٍ مِنْ وَرَائِهِ أَجَلٌ
فَمَنْ عَمِلَ فِی أَیَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ
فَقَدْ نَفَعَهُ عَمَلُهُ
وَ لَمْ یَضْرُرْهُ أَجَلُهُ
وَ مَنْ قَصَّرَ فِی أَیَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ
فَقَدْ خَسِرَ عَمَلُهُ
وَ ضَرَّهُ أَجَلُهُ
أَلَا فَاعْمَلُوا فِی الرَّغْبَهِ
کَمَا تَعْمَلُونَ فِی الرَّهْبَهِ
أَلَا وَ إِنِّی لَمْ أَرَ کَالْجَنَّهِ نَامَ طَالِبُهَا
وَ لَا کَالنَّارِ نَامَ هَارِبُهَا
أَلَا وَ إِنَّهُ مَنْ لَا یَنْفَعُهُ الْحَقُّ یَضُرُّهُ الْبَاطِلُ
وَ مَنْ لَا یَسْتَقِیمُ بِهِ الْهُدَى
یَجُرُّ بِهِ الضَّلَالُ إِلَى الرَّدَى
أَلَا وَ إِنَّکُمْ قَدْ أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ
وَ دُلِلْتُمْ عَلَى الزَّادِ
وَ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ
عَلَیْکُمُ اثْنَتَانِ
اتِّبَاعُ الْهَوَى
وَ طُولُ الْأَمَلِ
فَتَزَوَّدُوا فِی الدُّنْیَا مِنَ الدُّنْیَا مَا تَحْرُزُونَ بِهِ أَنْفُسَکُمْ غَداً
قال السید الشریف رضی الله عنه و أقول
إنه لو کان کلام یأخذ بالأعناق إلى الزهد فی الدنیا
و یضطر إلى عمل الآخره
لکان هذا الکلام
و کفى به قاطعا لعلائق الآمال
و قادحا زناد الاتعاظ و الازدجار
و من أعجبه قوله ( علیهالسلام )
ألا و إن الیوم المضمار و غدا السباق
و السبقه الجنه و الغایه النار
فإن فیه مع فخامه اللفظ
و عظم قدر المعنى
و صادق التمثیل
و واقع التشبیه
سرا عجیبا
و معنى لطیفا
و هو قوله ( علیه السلام ) و السبقه الجنه و الغایه النار
فخالف بین اللفظین لاختلاف المعنیین
و لم یقل السبقه النار
کما قال السبقه الجنه
لأن الاستباق إنما یکون إلى أمر محبوب
و غرض مطلوب
و هذه صفه الجنه و لیس هذا المعنى موجودا فی النار
نعوذ بالله منها
فلم یجز أن یقول و السبقه النار
بل قال و الغایه النار
لأن الغایه قد ینتهی إلیها من لا یسره الانتهاء إلیها
و من یسره ذلک فصلح أن یعبر بها عن الأمرین معا
فهی فی هذا الموضع کالمصیر و المآل
قال الله تعالى قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِیرَکُمْ إِلَى النَّارِ
و لا یجوز فی هذا الموضع أن یقال سبْقتکم بسکون الباء إلى النار
فتأمل ذلک
فباطنه عجیب
و غوره بعید لطیف
و کذلک أکثر کلامه ( علیهالسلام )
و فی بعض النسخ و قد جاء فی روایه أخرى و السُّبْقه الجنه بضم السین
و السبقه عندهم اسم لما یجعل للسابق
إذا سبق من مال أو عرض
و المعنیان متقاربان
لأن ذلک لا یکون جزاء على فعل الأمر المذموم
و إنما یکون جزاء على فعل الأمر المحمود
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج۴
الجزء الرابع
تتمه باب المختار من خطب أمیر المؤمنین ع و أوامره
بسم اللّه الرحمن الرحیم
و من خطبه له علیه السّلام
و هى الثامنه و العشرون من المختار فی باب الخطب و رواها فی البحار من کتاب مطالب السؤول لمحمّد بن طلحه، و من إرشاد الدّیلمی بتغییر تطلع علیه.
أمّا بعد فإنّ الدّنیا قد أدبرت و آذنت بوداع، و إنّ الآخره قد أقبلت و أشرفت باطّلاع، ألا و إنّ الیوم المضمار و غدا السّباق، و السّبقه الجنّه، و الغایه النّار، أفلا تائب من خطیئته قبل منیّته ألا عامل لنفسه قبل یوم بؤسه ألا و إنّکم فی أیّام أمل من ورائه أجل، فمن عمل فی أیّام أمله قبل حضور أجله فقد نفعه عمله و لم یضرّه أجله، و من قصّرفی أیّام أمله قبل حضور أجله فقد خسر عمله و ضرّه أجله، ألا فاعملوا فی الرّغبه کما تعملون فی الرّهبه، ألا و إنّی لم أر کالجنّه نام طالبها، و لا کالنّار نام هاربها، ألا و أنّه من لا ینفعه الحقّ یضرّه الباطل، و من لا یستقیم به الهدى یجرّ به الضّلال إلى الرّدى، ألا و إنّکم قد أمرتم بالظّعن و دلّلتم على الزاد، و إنّ أخوف ما أخاف علیکم اتّباع الهوى و طول الأمل، فتزوّدوا فی الدّنیا من الدّنیا ما تجهزون «تحرزون خ» به أنفسکم غدا. قال الرضیّ «قد» أقول: لو کان کلام یأخذ بالأعناق إلى الرّهد فی الدّنیا و یضطرّ إلى عمل الآخره، لکان هذا الکلام، و کفى به قاطعا لعلایق الآمال، و قادحا زناد الاتعاظ و الازدجار، و من أعجبه قوله علیه السّلام: ألا و إنّ الیوم المضمار و غدا السّباق و السّبقه الجنّه و الغایه النّار، فانّ فیه مع فخامه اللّفظ و عظم قدر المعنى و صادق التمثیل و واقع التّشبیه، سرّا عجیبا و معنى لطیفا، و هو قوله علیه السّلام: و السّبقه الجنّه و الغایه النّار، فخالف بین اللّفظین لاختلاف المعنیین، و لم یقل: السّبقه النّار کما قال: و السّبقه الجنّه. لأنّ الاستباق إنّما یکون إلى أمر محبوب و غرض مطلوب، و هذه صفه الجنّه، و لیس هذا المعنى موجودا فی النّار نعوذ باللّه منها فلم یجز أن یقول: و السّبقه النّار، بل قال: و الغایه النار، لأنّ الغایه قد ینتهى إلیها من لا یسرّه الانتهاء و من یسرّه ذلک، فصلح أن یعبرّ بها عن الأمرین معا. فهی فی هذا الموضع کالمصیر و المآل قال اللّه تعالى: «وَ جَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِیُضِلُّوا عَنْ» و لا یجوز فی هذا الموضع أن یقال: سبقتکم بسکون الباء إلى النّار فتأمّل ذلک، فباطنه عجیب و غوره بعید لطیف، و کذلک أکثر کلامه علیه السّلام.
و قد جاء فی روایه اخرى و السّبقه الجنّه بضمّ السّین، و السبقه عندهم اسم لما یجعل للسّابق إذا سبق من مال أو عرض، و المعنیان متقاربان لأنّ ذلک لا یکون جزاء على فعل الأمر المذموم، و إنما یکون جزاء على فعل الأمر المحمود.
اللغه
(آذنت) بالمدّ أى أعلمت من الأذان بمعنى الاعلام قال سبحانه: «و أذان من اللّه و رسوله» و (أشرف) علیه اطلع من فوق و (الاطلاع) هو العلم یقال طلع على الأمر طلوعا علمه کاطلعه على افتعل و ضمّر الخیل تضمیرا علفها القوت بعد السّمن کأضمرها و (المضمار) الموضع یضمر فیه الخیل، و غایه الفرس فی السّیاق و (السّباق) هو المسابقه و (السّبقه) بالضمّ الخطر یوضع بین أهل السّباق کما ذکره السیّد «ره» و (البؤس) الشدّه و (ظعن) ظعنا و ظعنا بالسّکون و التّحریک من باب نفع سار و ارتحل و (تجهزّت) الأمر کذا تهیّأت له و جهاز المیّت و العروس و المسافر بالکسر و الفتح ما یحتاجون إلیه.
الاعراب
المضمار و السّباق وردا بالرّفع و النّصب أمّا رفع المضمار فعلى کونه خبر انّ و الیوم اسمها، و أمّا نصبه فعلى کونه اسما و الیوم خبرا.
و أورد بأنّه یلزم الاخبار عن الزّمان بالزّمان، إذا المضمار زمان و الیوم کذلک فلو اخبر عنه بالیوم فکان ذلک اخبارا بوقوع الزّمان فی الزّمان، فیکون الزّمان محتاجا إلى زمان آخر و هو محال.
و اجیب بمنع استلزام الاخبار بالزمان عن الزّمان کون الزّمان محتاجا إلى زمان آخر إذ ربّما یخبر عن بعض أجزاء الزّمان بالزّمان لافاده الجزئیّه لا بمعنى حصوله فیه و المضمار لمّا کان عباره عن الزّمان الذی یضمر فیه الخیل، و هو زمان مخصوص لتقیّده بوصف مخصوص صحّ الاخبار عنه بالیوم.
و أمّا رفع السّباق فامّا على کونه مبتدأ مؤخرا و غدا خبره و اسم انّ ضمیر شأن مستتر، أو علی جعله خبر انّ و یحتاج حینئذ إلى تقدیر المضاف أى غدا وقت السّباق، و أمّا نصبه فعلى کونه اسم انّ و غدا خبرها، و هو واضح.
المعنى
اعلم أنّ المستفاد من شرح البحرانى أنّ هذه الخطبه من فقرات خطبه طویله خطب بها یوم الفطر و سیجیء أوّلها فی الکتاب، و هی الخطبه الرّابعه و الأربعون المصدّره بقوله: الحمد للّه غیر مقنوط من رحمته، و نذکر تمامها هناک إنشاء اللّه بروایه الصّدوق فانتظر.
و إنّما قدّمها الرّضیّ علیها مع کونها بعدها، لما سبق من اعتذاره فی خطبه الکتاب من أنّه لا یراعى التّتالی و النّسق و انّما یراعى النّکت و اللمع، و کیف کان فمدار ما ذکره هنا على التّزهید فی الدّنیا و التّرغیب فی الآخره فأشار أوّلا إلى عدم جواز الرّکون و الاعتماد على الدّنیا بقوله: (أمّا بعد فانّ الدّنیا قد أدبرت و آذنت بوداع) و أشار بادبارها إلى تقضّى أحوالها الحاضره و شهواتها الموجوده لکلّ أحد أحد شیئا فشیئا کما قال علیه الصّلاه و السّلام فی الدّیوان المنسوب إلیه:
رأیت الدّهر مختلفا یدور
فلا حزن یدوم و لا سرور
و قد بنت الملوک به قصورا
فما بقى الملوک و لا القصور
و إنّما اطلق اسم الادبار على هذا التقضّی باعتبار أنّ اللذات الدّنیویّه لما کانت دائما فی التّغیّر و التقضّی المقتضى لمفارقه الانسان لها و بعدها عنه، لاجرم حسن اطلاق اسم الادبار علیه تشبیها لها بالحیوان المدبر، و لما کانت مفارقه الانسان عنها مستلزمه لأسفه علیها و وجده بها، أشبه ذلک ما یفعله الانسان فی حقّ محبوبه المرتحل عنه فی وداعه له من الحزن و الکابه، فاستعیر اسم الوداع له و کنى باعلامها بذلک عن الشّعور الحاصل بمفارقتها من تقضّیها شیئا فشیئا و هو اعلام بلسان الحال.
ثمّ نبّه على وجوب الاستعداد للآخره بدنوّها من الانسان بقوله: (و انّ الآخره قد أقبلت و أشرفت باطلاع) و مثله قال لقمان لابنه و هو یعظه: یا بنىّ إنک منذ سقطت إلى الدّنیا استدبرتها و استقبلت الآخره، فدار أنت إلیها تسیر أقرب إلیک من دار أنت عنها متباعد.
و قال الشّارح البحرانی: و لمّا کانت الآخره عباره عن الدّار الجامعه للأحوال التی یکون الانسان علیها بعد الموت من سعاده و شقاوه و لذّه و ألم، و کان تقضّی العمر مقرّبا للوصول إلى تلک الدّار و الحصول فیما یشتمل علیه من خیر أو شرّ، حسن إطلاق لفظ الاقبال علیها مجازا ثمّ نزّلها لشرفها على الدّنیا فی حال إقبالها منزله عال عند سافل فأسند إلیها لفظ الاشراف، و لأجل إحصاء الأعمال الدّنیویه فیها منزله عالم مطلع فاطلق علیها لفظ الاطلاع.
أقول: و الى هذا المعنى اشیر فی الحدیث القدسی: یابن آدم الموت یکشف أسرارک و القیامه یتلو أخبارک، و الکتاب یهتک استارک الحدیث.
ثمّ نبّه على وجوب التهیّأ بذکر ما یسیر إلیه و هو الجنّه و ما یصار إلیه و هو النّار بقوله: (ألا و إنّ الیوم المضمار و غدا السّباق) أراد بالیوم مدّه العمر الباقیه و أطلق اسم المضمار علیها باعتبار أنّ الانسان فی تلک المدّه یستعدّ بالتّقوى و العمل الصالح للسّبقه إلى لقاء اللّه و التّقرّب إلى حضرته کما أنّ الفرس یستعدّ بالتّضمیر إلى سبق مثله.
و کنى بالغد عمّا بعد الموت و أطلق اسم السباق علیه باعتبار أنّ أفراد النّاس لمّا کانت متفاوته فی حبّ الدّنیا و الاعراض عنها، و ذلک التّفاوت کان موجبا للقرب و البعد و السّبق و اللحوق فی الدار الآخره، فکان السّباق هناک.
بیان ذلک أنّ من کان أکثر استعدادا و أقطع لعلایق الدّنیا عن قلبه لم یکن له بعد الموت عایق عن الوصول إلى اللّه و مانع عن إدراک رضوان اللّه.
و من اشرب قلبه حب الدّنیا و افتتنت بها لا یمکن له الوصول الى درجات السّابقین الأوّلین و النیل الى مراتب المقرّبین، و من کان أقلّ استعدادا من هؤلاء و أشدّ علاقه للدنیا، کان من التّالین المقصّرین کما قال علیه السّلام فی بعض کلماته السّالفه: ساع سریع نجى و طالب بطىء رجى و مقصّر فی النّار هوى و السّبقه الجنّه یستبق الیها السّاع السّریع و الغایه النّار یصیر الیها التّالى الوضیع.
ثمّ أمر بالتّوبه قبل الموت و إدراک الفوت بقوله: (أفلا تائب من خطیئته قبل منیّته) إذ بالتّوبه یتخلى النّفس عن الرذائل و تستعدّ للتّحلیه بالفضایل، فلا تنتظروا بالتّوبه غدا فانّ دون غدیو ما و لیله قضاء اللّه فیها یغدو و یروح.
و إِنَّمَا التَّوْبَهُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِینَ یَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَهٍ ثُمَّ یَتُوبُونَ مِنْ قَرِیبٍ فَأُولئِکَ یَتُوبُ اللَّهُ عَلَیْهِمْ وَ کانَ اللَّهُ عَلِیماً حَکِیماً، وَ لَیْسَتِ التَّوْبَهُ لِلَّذِینَ یَعْمَلُونَ السَّیِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّی تُبْتُ الْآنَ وَ لَا الَّذِینَ یَمُوتُونَ وَ هُمْ کُفَّارٌ أُولئِکَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِیماً.
(ألا عامل لنفسه قبل یوم بؤسه) عملا ینجیه من البأس و العذاب و یفضیه إلى الرّاحه و حسن الثّواب، و هو الاتیان بالطاعات و الانتهاء عن المنهیّات.
(ألا و إنکم فی أیّام أمل من ورائه أجل فمن عمل) لنفسه (فی ایّام أمله قبل حضور أجله فقد نفعه عمله) الذی اکتسبه (و لم یضرّه أجله) الذی حلّ به، و یکون حاله بعد موته حال الغایب الذی قدم على وطنه و أهله (و من قصر فی أیام أمله قبل حضور أجله) و فرط فی طاعه ربه و التّزود لآخرته (فقد خسر عمله) الذی عمله (و ضرّه أجله) الذی حلّه و یکون حاله بعد موته حال الآبق الذی قدم به على مولاه.
و قریب من هذا المضمون کلامه علیه السّلام المرویّ فی البحار عن کتاب اعلام الدّین قال: النّاس فی الدّنیا عامل فی الدّنیا للدّنیا قد شغلته دنیاه عن آخرته، یخشى على من یخلفه الفقر و یأمنه على نفسه، فیفنى عمره فی منفعه غیره، و آخر عمل فی الدّنیا لما بعدها، فجائه له من الدّنیا بغیر عمله فأصبح ملکا لا یسال اللّه شیئا فیمنعه.
(ألا فاعملوا فی الرّغبه کما تعملون فی الرّهبه) و هو تنبیه على وجوب التّسویه فی العمل بین حال الأمن و الخوف و حاله الرّخاء و الشدّه، و لا یکون ذلک إلّا عن نیّه صادقه و عبودّیه خالصه و فیه إشعار بالتّوبه على الغفله عن ذکر اللّه و الاعراض عن عبادته فی حال اللذات الحاضره و الخیرات الواصله و اللجأ إلیه و الفزعمنه عند الحوادث الهایله و المصایب النازله.
قال سبحانه: «وَ إِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَ نَأى بِجانِبِهِ وَ إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِیضٍ» (ألا و انّى لم أر) نعمه (کالجنّه نام طالبها و لا) نقمه (کالنّار نام هاربها) و فیه تنبیه للموقنین بالجنّه و النّار على کونهم نائمین فی مراقد الطبیعه لیتنبهوا منها و یستعدّوا بالعمل لما ورائهم من النّعم و النّقم.
و فیه شمیمه التعجب من جمع الموقن بالجنّه و بین عمله بما فی الجنّه من تمام النّعمه و بین تقصیره عن طلبها بما یؤدّى إلیها من صالح الأعمال و کریم الأفعال و من جمع الموقن بالنّار بین علمه بما فیها من تمام النّقمه و بین الغفله عن الهرب منها إلى ما یخلص عنها.
(ألا) و إنّ الحقّ کاسب للمنفعه و الباطل جالب للمضرّه (و إنّه من لم ینفعه الحقّ) لاعراضه عنه و عدم سلوکه سبیله (یضرّه الباطل) الذی وقع فیه و یستنصر به لا محاله (و من لا یستقم به الهدى) و نور العلم و العرفان (یجرّبه الضّلال) و ظلمه الجهل (الى الرّدى) و الخذلان.
یعنى أنّ من لم یکن الهدى دلیله القائد له بزمام عقله فی سبیل اللّه و یستقم به فی سلوک صراطه المستقیم، فلا بدّ و أن ینحرف به الضّلال عن سواء الصراط إلى أحد جانبی التّفریط و الافراط.
(ألا و إنکم قد امرتم بالظعن) و الرّحیل و السّلوک إلى اللّه و السّعى الى رضوان اللّه (و دللتم على الزّاد) المقوّى على السّیر و السّلوک و المهیّیء للوصول الى حظیره القدس، و هو التّقوى الذی هو مفتاح السّداد و ذخیره المعاد کما قال سبحانه و تعالى: «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِیهِنَّ» (و إنّ أخوف ما أخاف علیکم) من امور الدّنیا اثنتان، احداهما (اتّباع الهوى) القائد إلى الرّدی (و) الثانیه (طول الأمل) الشّاغل عن الآخره (فتزوّدوا فی الدّنیا من الدّنیا) بالعلم و العمل.
أمّا العلم فلأنّ الاستکمال به إنّما یحصل بواسطه هذا البدن إما بوساطه الحواسّ الظاهره أو الباطنه و تفطن النفس لمشارکات بین المحسوسات و مبایناتها و ظاهر أنّ هذا من الدّنیا فی الدّنیا.
و أما العمل فلأنّه عباره عن حرکات و سکنات مستلزمه لهیئات مخصوصه و هی إنّما تحصل بواسطه هذا البدن أیضا، و کلّ ذلک من الدّنیا فی الدّنیا، و کیف کان فهما زادان موصلان إلى اللّه سبحانه فلیتزوّد منهما (ما تحرزون به أنفسکم غدا) و تحفظونها من عذاب النّار و من غضب الجبار.
تکمله
قد أشرنا إلى أنّ هذه الخطبه مرویه فی البحار من کتاب مطالب السّؤول و من إرشاد المفید، و لمّا کان روایه الارشاد مختلفه لروایه السّید أحببنا ذکرها.
فأقول: قال فی الارشاد: من کلام أمیر المؤمنین ما اشتهر بین العلماء و حفظه ذووا الفهم و الحکماء: أما بعد فانّ الدّنیا قد ادبرت و آذنت بوداع، و إنّ الآخره قد أقبلت و أشرفت باطلاع ألا و إنّ المضمار الیوم و غدا السّباق، و السّبقه الجنه و الغایه النار ألا و إنکم فی أیّام مهل من ورائه أجل یحثّه عجل فمن أخلص للّه عمله لم یضرّه امله، و من أبطأ به عمله فی أیام مهله قبل حضور أجله فقد خسر عمله و ضرّه أمله.
ألا فاعملوا فی الرّغبه و الرّهبه فان نزلت بکم رغبه فاشکروا للّه و اجمعوا معها رهبه، و إن نزلت بکم رهبه فاذکرو اللّه و اجمعوا معها رغبه، فانّ اللّه قد تأذن للمحسنین بالحسنى و لمن شکر بالزّیاده و لا کسب خیر من کسبه لیوم تدّخر فیه الذخائر و یجمع فیه الکبایر و تبلى فیه السّرائر.
و إنّى لم أرکالجنّه نام طالبها و لا مثل النّار نام هاربها، ألا و إنّه من لا ینفعه الیقین لضرّه الشّک، و من لا ینفعه حاضر لبّه و رأیه فغائله عنه أعجز، ألا و إنکم قد أمرتم بالظّعن و دللتم على الزّاد و إنّ أخوف ما أخاف علیکم اثنان: اتباع الهوى و طول الأمل، لأن اتباع الهوى یضدّ عن الحقّ و طول الأمل ینسى الآخره.
و إنّ الدّنیا قد ترحلت مدبره و انّ الآخره قد ترحلت مقبله و لکلّ واحد منهما بنونفکونوا ان استطعتم من أبناء الآخره و لا تکونوا من أبناء الدّنیا، فانّ الیوم عمل و لا حساب و غدا حساب و لا عمل
تزهید و ترغیب
فی ذکر طایفه من الأحادیث المنبّهه عن نوم الغفله و المزهّده عن الدّنیا المرّغبه فی الآخره.
مثل ما رواه محمّد بن یعقوب الکلینی عطر اللّه مرقده باسناده عن محمّد بن مسلم بن عبید اللّه قال: سئل علیّ بن الحسین علیهما السّلام أىّ الأعمال أفضل عند اللّه عزّ و جلّ قال: ما من عمل بعد معرفه اللّه تعالى و معرفه رسول اللّه أفضل من بغض الدّنیا، فانّ لذلک شعبا کثیره و للمعاصى شعب فأوّل ما عصى اللّه عزّ و جلّ به الکبر معصیه ابلیس لعنه اللّه حین أبى و استکبر و کان من الکافرین.
ثمّ الحرص و هى معصیه آدم و حوّاء حین قال اللّه لهما: «فَکُلا مِنْ حَیْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَهَ فَتَکُونا مِنَ الظَّالِمِینَ» فأخذا ما لا حاجه بهما إلیه فدخل ذلک على ذرّیتهما إلى یوم القیامه فلذلک ان أکثر ما یطلب ابن آدم ما لا حاجه به إلیه.
ثمّ الحسد و هی معصیه ابن آدم حیث حسد أخاه فقتله فتشعّب من ذلک حبّ النساء و حبّ الدنیا «الدینار خ ل» و حبّ الرّیاسه و حبّ الرّاحه و حبّ الکلام و حبّ العلوّ و حبّ الثروه فصرن سبع خصال فاجتمعن کلّهنّ فی حبّ الدّنیا فقالت الأنبیاء و العلماء بعد معرفه ذلک: حبّ الدّنیا رأس کلّ خطیئه و الدّنیا دنیا آن: دنیا بلاغ و دنیا ملعونه.
و بهذا الاسناد عن المنقرى عن حفص بن غیاث عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال فی مناجاه موسى علیه السّلام: یا موسى إنّ الدّنیا دار عقوبه عاقبت فیها آدم عند خطیئته و جعلتها ملعونه ملعون ما فیها إلّا ما کان فیها لی، یا موسى إنّ عبادى الصّالحین زهد و افی الدّنیا بقدر علمهم و سایر الخلق رغبوا فیها بقدر جهلهم، و ما من أحد عظّمهافقرّت عینه فیها و لم یحقّرها احد الّا انتفع بها.
و باسناده عن مهاجر الأسدی عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: مرّ عیسى بن مریم على قریه قد مات أهلها و طیرها و دوابّها، فقال: أما انّهم لم یموتوا إلّا بسخطه و لو ماتوا متفرقین لتدافنوا.
فقال الحوارّیون: یا روح اللّه و کلمته ادع اللّه أن یجیبهم لنا فیخبرونا ما کانت أعمالهم فنتجنبها فدعى عیسى ربّه، فنودی من الجوّ: نادهم.
فقال عیسى باللیل على شرف من الأرض فقال: یا أهل هذه القریه، فأجابه منهم مجیب: لبیک یا روح اللّه و کلمته فقال: و یحکم ما کانت أعمالکم قال: عباده الطاغوت و حبّ الدّنیا مع خوف قلیل و أمل بعید و غفله فی لهو و لعب.
فقال: کیف کان حبّکم للدّنیا قال: کحبّ الصّبىّ لامّه إذا اقبلت علینا فرحنا و سررنا، و إذا أدبرت عنّا بکینا و حزنّا قال: کیف کان عبادتکم الطاغوت قال: الطاعه لأهل المعاصى، قال: کیف کان عاقبه أمرکم قال: بتنا لیله فی عافیه و أصبحنا فی الهاویه.
قال: و ما الهاویه قال: سجّین، قال: و ما سجّین: قال: جبال من جمر توقد علینا إلى یوم القیامه، قال، فما قلتم و ما قیل لکم قال: قلنا: ردّنا إلى الدّنیا فنزهد فیها قیل: لنا کذبتم قال: ویحک کیف لم یکلّمنی غیرک من بینهم قال: یا روح اللّه و کلمته انّهم ملجمون بلجام من نار بأیدى ملائکه غلاظ شداد، و إنّى کنت فیهم و لم أکن منهم، فلما نزل العذاب عمّنى معهم، فأنا معلّق بشعره على شفیر جهنّم لا أدرى اکبکب فیها أم أنجو منها.
فالتفت عیسى إلى الحواریّین فقال: یا أولیاء اللّه أکل الخبز الیابس بالملح الجریش و النّوم على المزابل خیر کثیر مع عافیه الدّنیا و الآخره.
و عن ابن أبی یعفور قال سمعت أبا عبد اللّه علیه السّلام: یقول: من تعلّق قلبه بالدّنیا تعلّق بثلاث خصال: همّ لا یفنى و أمل لا یدرک و رجاء لا ینال.
و عن أبی حمزه عن أبی جعفر علیه السّلام قال: قال علیّ بن الحسین علیه السّلام: إنّ الدّنیا قد ارتحلت مدبره و إنّ الآخره قد ارتحلت مقبله، و لکلّ واحده منهما بنون، فکونوا من أبناء الآخره و لا تکونوا من أبناء الدّنیا.
ألا و کونوا من الزّاهدین فی الدّنیا الرّاغبین فی الآخره، ألا إنّ الزّاهدین فی الدّنیا اتّخذوا الأرض بساطا و التراب فراشا و الماء طیبا، و قرضوا من الدّنیا تقریضا.
ألا و من اشتاق إلى الجنّه سلا من الشّهوات، و من أشفق من النّار رجع عن المحرّمات، و من زهد فی الدنیا هانت علیه المصائب، ألا إنّ للّه عبادا کمن رأى أهل الجنّه فی الجنه مخلّدین، و کمن رأى أهل النّار فی النار معذّبین، شرورهم مأمونه و قلوبهم محزونه، أنفسهم عفیفه و حوائجهم خفیفه، صبروا أیاما قلیله، فصاروا بعقبى راحه طویله.
أمّا اللیل فصافّون أقدامهم تجری دموعهم على خدودهم یجأرون إلى ربّهم یسعون فی فکاک رقابهم و أمّا النّهار فحکماء علماء برره أتقیاء، کأنّهم القداح قد بریهم الخوف من العباده ینظر إلیهم النّاظر فیقول: مرضى و ما بالقوم من مرض أم خولطوا فقد خالط القوم أمر عظیم من ذکر النّار و ما فیها.
و من عیون أخبار الرّضا عن أبیه عن سعد عن ابن هاشم عن ابن المغیره قال: سمعت الرّضا علیه السّلام یقول
انک فی دار لها مدّه
یقبل فیها عمل العامل
الاترى الموت محیط بها
یکذب فیها امل الآمل
تعجل الذنب بما تشتهى
و تأمل التوبه فی قابل
و الموت یأتی اهله بغته
ما ذاک فعل الحازم العاقل
الترجمه
از جمله خطب شریفه آن حضرتست که تزهید مى فرماید در آن بندگان را از دنیا و ترغیب مى نماید ایشان را در اخرى و مىفرماید: پس از حمد خدا و درود بر خاتم انبیا پس بتحقیق که دنیا رو گردانیده و اعلام کرده بوداع و فراق، و بدرستى که آخرت رو آورده و مشرف شده است بظهور و اطلاع، آگاه باشید که امروز که زمان مدت عمر است وقت گداختن بدنست و ریاضات نفسانیه بأعمال صالحه، و فردا که روز قیامت است پیشى جستن است و ترقى نمودن در درجات عالیه، و پیش برد اهل آن سرا بهشت جاویدانست، و منتهاى کار این سرا آتش سوزان.
پس آیا هیچ توبه کننده نیست از گناهان خود پیش از رسیدن مرگ و آیا هیچ عمل کننده نیست پیش از روز سختى و شدت آگاه باشید بدرستى که شما هستید در روزگار امیدوارى که از عقب اوست مرگ و گرفتارى، پس هر که عمل کند در روزهای امید خود پیش از حضور اجل او پس بتحقیق که زیان نبخشد او را عمل او و ضرر نرساند او را اجل او.
آگاه باشید پس عمل نمائید در زمان فراغت و رغبت همچنان که عمل مى کنید در زمان خوف و خشیت، بدانید و آگاه باشید بدرستى که من ندیدم نعمتى همچو بهشت که بخوابد طالب او، و نه نقمتى مانند آتش سوزنده که بخوابد گریزنده او، بدانید بتحقیق کسى که سود نرساند او را حق و راستى زیان رساند او را باطل و ناراستى، و هر که براه راست نیارد او را هدایت بکشد او را گمراهى بچاه هلاکت.
آگاه باشید بدرستى که شما امر کرده شده اید برفتن جانب خداوند احدیت و دلالت کرده شده اید بر ذخیره و توشه این طریقت، و بدرستى که ترسناکترین چیزى که مى ترسم بر شما متابعت خواهشات نفسانیه است، و درازى امید بزخارف دنیویه، توشه بر دارید در دنیا از دنیا آن مقدارى که با آن چیزى که بتوانید نگه بدارید با آن نفسهاى خود را فردا.
منهاج البراعه فی شرح نهج البلاغه(الخوئی)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»
بازدیدها: ۱۵۹
دیدگاهها