نامه 49 صبحی صالح
49- و من كتاب له ( عليه السلام ) إلى معاوية أيضا
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا مَشْغَلَةٌ عَنْ غَيْرِهَا وَ لَمْ يُصِبْ صَاحِبُهَا مِنْهَا شَيْئاً إِلَّا فَتَحَتْ لَهُ حِرْصاً عَلَيْهَا وَ لَهَجاً بِهَا وَ لَنْ يَسْتَغْنِيَ صَاحِبُهَا بِمَا نَالَ فِيهَا عَمَّا لَمْ يَبْلُغْهُ مِنْهَا وَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ فِرَاقُ مَا جَمَعَ وَ نَقْضُ مَا أَبْرَمَ وَ لَوِ اعْتَبَرْتَ بِمَا مَضَى حَفِظْتَ مَا بَقِيَ وَ السَّلَامُ
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج20
المختار الثامن و الاربعون من كتبه عليه السلام و من كتاب له عليه السلام الى غيره [الى معاوية أيضا]
أما بعد، فإن الدنيا مشغلة عن غيرها، و لم يصب صاحبها منها شيئا إلا فتحت له حرصا عليها، و لهجا بها، و لن يستغنى صاحبها بما نال فيها عما لم يبلغه منها، و من وراء ذلك فراق ما جمع، و نقض ما أبرم! و لو اعتبرت بما مضى حفظت ما بقى، و السلام.
اللغة
اللهج: الحرص الشديد.
المعنى
قال الشارح المعتزلي: و قد ذكر نصر بن مزاحم هذا الكتاب و قال:
إن أمير المؤمنين عليه السلام كتبه إلى عمرو بن العاص، و زاد فيه زيادة لم يذكرها الرضي: «أما بعد، فان الدنيا مشغلة عن الاخرة، و صاحبها منهوم عليها، لم يصب شيئا منها قط إلا فتحت عليه حرصا، و ادخلت عليه مؤنة تزيده رغبة فيها و لن يستغنى صاحبها بما نال عما لم يدرك، و من وراء ذلك فراق ما جمع، و السعيد من وعظ بغيره، فلا تحبط أجرك أبا عبد الله و لا تشرك معاوية، في باطله، فإن معاوية غمص الناس و سفه الحق، و السلام».
قال نصر: و هذا أول كتاب كتبه علي عليه السلام إلى عمرو بن العاص فكتب إليه عمرو جوابه:
أما بعد، فان الذي فيه صلاحنا، و ألفة ذات بيننا، أن تنيب إلى الحق، و أن تجيب إلى ما ندعوكم إليه من الشورى، فصبر الرجل منا نفسه على الحق، و عذره الناس بالمحاجزة، و السلام.
قال نصر بن مزاحم: فكتب علي عليه السلام إلى عمرو بن العاص بعد ذلك كتابا غليظا و هو الذي ضرب مثله فيه بالكلب يتبع الرجل، و هو مذكور في نهج البلاغة.
أقول: ما ذكره عن نصر بن مزاحم صريح في أن هذا الكتاب موجه إلى غير معاوية و تذكر بالغ لعمرو بن عاص في الرجوع عن غيه و هربه عن حبالة معاوية فانه عليه السلام نبه على أن مشغلة الإنسان على وجهين:
1- المشغلة الروحانية و الهدف الإنساني المجرد عن الأميال المادية و هي التقرب إلى الله و تحصيل رضاه لأداء شكره و رسم العبودية تجاه عظمته ثم طلب رضوان الله و نيل المثوبات الاخروية و منها رعاية الوجهة الملكية و السماوية الراجعة إلى الروح الإنسانية التي هي من عالم القدس و التجرد، و رعاية الأخلاق السامية البشرية من طلب العلم و المعرفة و كشف الحقائق الكونية و رموز أنوار الوجود المطلق.
2- المشغلة الدنيوية الشاملة لما فيها من الامور المادية المتنوعة كالمال و الجمال و الجاه و الانانية و كلما يرجع إلى الغرائز الحيوانية من الملاد و الشهوات و المكاره و الأسفات التي منشأها كلتا القوتين الشهوية و الغضبية، فبين عليه السلام أن ما رامه مخاطبه بهذا الكتاب سواء كان عمرو بن عاص كما نص عليه نصر بن مزاحم أو معاوية أو غيرهما ممن يتبعهما محب للدنيا و شئونها من الثروة و القدرة و الجاه، و بين أن الدنيا مشغلة موبقة و مهلكة للشاغل بها و للطالب لها لأن صاحب الدنيا كشارب الماء المالح كلما ازداد شربا ازداد عطشا، و كالمبتلى بمرض الاستسقاء لا يرتوى من شرب الماء.
قال الشارح المعتزلي: «و الأصل في هذا قول الله تعالى «لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثا، و لا يملأ عين ابن آدم إلا التراب» و هذا من القرآن الذي رفع و نسخت تلاوته».
مضافا إلى أن للدنيا شئون و حوائج لا تحصى و لا يؤثر نيل شأن من شئونها أو قضاء حاجة من حوائجها عن سائر الشئون و الحوائج. بل كلما نال طالبها حاجة من حوائجها و شأنا من شئونها ازداد حوائج اخرى، فمن نال ثروتها يحتاج إلى حفظة يحفظونها و مخازن تحتويها، و من نال جاهها و ملوكيتها تحتاج إلى خدم و جند و أعوان، ثم بين أنه من نال شيئا منها فلا يبقى له بل يفارقه و ينقطع منه إما بفناء ما ناله و زواله و هلاكه، و إما بموت صاحبه و طالبه، و عبر عن الجامع بين الوجهين بقوله (و من وراء ذلك فراق ما جمع و نقض ما أبرم).
الترجمة
أما بعد براستى كه دنيا از هر آنچه جز خودش بازدارنده است، دنيادار بچيزى از آن دست نيابد جز آنكه آزش بر آن بيفزايد و دلش بيشتر دربند آن باشد، و هرگز دنيادار بهر آنچه كه از آن بدست آرد بى نياز نگردد از آنچه را كه بدان دست نيافته است.
و در دنبال آن همه جدا شدن از هر آنچه است كه فراهم آورده و شكست هر آنچه است كه محكم ساخته، و اگر تو از آنچه گذشته است عبرت پذير باشى آنچه را كه از عمر و فرصت برايت بجا است غنيمت شمارى و نگهدارى، و السلام.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی