
نامه ۲۸ صبحی صالح
۲۸- و من کتاب له ( علیه السلام ) إلى معاویه جوابا قال الشریف و هو من محاسن الکتب
أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ أَتَانِی کِتَابُکَ تَذْکُرُ فِیهِ اصْطِفَاءَ اللَّهِ مُحَمَّداً ( صلى الله علیه وآله )لِدِینِهِ وَ تَأْیِیدَهُ إِیَّاهُ لِمَنْ أَیَّدَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ
فَلَقَدْ خَبَّأَ لَنَا الدَّهْرُ مِنْکَ عَجَباً إِذْ طَفِقْتَ تُخْبِرُنَا بِبَلَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَنَا وَ نِعْمَتِهِ عَلَیْنَا فِی نَبِیِّنَا فَکُنْتَ فِی ذَلِکَ کَنَاقِلِ التَّمْرِ إِلَى هَجَرَ أَوْ دَاعِی مُسَدِّدِهِ إِلَى النِّضَالِ
وَ زَعَمْتَ أَنَّ أَفْضَلَ النَّاسِ فِی الْإِسْلَامِ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ فَذَکَرْتَ أَمْراً إِنْ تَمَّ اعْتَزَلَکَ کُلُّهُ وَ إِنْ نَقَصَ لَمْ یَلْحَقْکَ ثَلْمُهُ وَ مَا أَنْتَ وَ الْفَاضِلَ وَ الْمَفْضُولَ وَ السَّائِسَ وَ الْمَسُوسَ
وَ مَا لِلطُّلَقَاءِ وَ أَبْنَاءِ الطُّلَقَاءِ وَ التَّمْیِیزَ بَیْنَ الْمُهَاجِرِینَ الْأَوَّلِینَ وَ تَرْتِیبَ دَرَجَاتِهِمْ وَ تَعْرِیفَ طَبَقَاتِهِمْ هَیْهَاتَ لَقَدْ حَنَّ قِدْحٌ لَیْسَ مِنْهَا وَ طَفِقَ یَحْکُمُ فِیهَا مَنْ عَلَیْهِ الْحُکْمُ لَهَا
أَ لَا تَرْبَعُ أَیُّهَا الْإِنْسَانُ عَلَى ظَلْعِکَ وَ تَعْرِفُ قُصُورَ ذَرْعِکَ وَ تَتَأَخَّرُ حَیْثُ أَخَّرَکَ الْقَدَرُ فَمَا عَلَیْکَ غَلَبَهُ الْمَغْلُوبِ وَ لَا ظَفَرُ الظَّافِرِ وَ إِنَّکَ لَذَهَّابٌ فِی التِّیهِ رَوَّاغٌ عَنِ الْقَصْدِ
أَ لَا تَرَى غَیْرَ مُخْبِرٍ لَکَ وَ لَکِنْ بِنِعْمَهِ اللَّهِ أُحَدِّثُ أَنَّ قَوْماً اسْتُشْهِدُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ وَ لِکُلٍّ فَضْلٌ
حَتَّى إِذَا اسْتُشْهِدَ شَهِیدُنَا قِیلَ سَیِّدُ الشُّهَدَاءِ وَ خَصَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ( صلىاللهعلیهوآله )بِسَبْعِینَ تَکْبِیرَهً عِنْدَ صَلَاتِهِ عَلَیْهِ
أَ وَ لَا تَرَى أَنَّ قَوْماً قُطِّعَتْ أَیْدِیهِمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَ لِکُلٍّ فَضْلٌ حَتَّى إِذَا فُعِلَ بِوَاحِدِنَا مَا فُعِلَ بِوَاحِدِهِمْ قِیلَ الطَّیَّارُ فِی الْجَنَّهِ وَ ذُو الْجَنَاحَیْنِ
وَ لَوْ لَا مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنْ تَزْکِیَهِ الْمَرْءِ نَفْسَهُ لَذَکَرَ ذَاکِرٌ فَضَائِلَ جَمَّهً تَعْرِفُهَا قُلُوبُ الْمُؤْمِنِینَ وَ لَا تَمُجُّهَا آذَانُ السَّامِعِینَ فَدَعْ عَنْکَ مَنْ مَالَتْ بِهِ الرَّمِیَّهُ فَإِنَّا صَنَائِعُ رَبِّنَا وَ النَّاسُ بَعْدُ صَنَائِعُ لَنَا
لَمْ یَمْنَعْنَا قَدِیمُ عِزِّنَا وَ لَا عَادِیُّ طَوْلِنَا عَلَى قَوْمِکَ أَنْ خَلَطْنَاکُمْ بِأَنْفُسِنَا فَنَکَحْنَا وَ أَنْکَحْنَا فِعْلَ الْأَکْفَاءِ وَ لَسْتُمْ هُنَاکَ وَ أَنَّى یَکُونُ ذَلِکَ
وَ مِنَّا النَّبِیُّ وَ مِنْکُمُ الْمُکَذِّبُ وَ مِنَّا أَسَدُ اللَّهِ وَ مِنْکُمْ أَسَدُ الْأَحْلَافِ وَ مِنَّا سَیِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّهِ وَ مِنْکُمْ صِبْیَهُ النَّارِ وَ مِنَّا خَیْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِینَ وَ مِنْکُمْ حَمَّالَهُ الْحَطَبِ فِی کَثِیرٍ مِمَّا لَنَا وَ عَلَیْکُمْ
فَإِسْلَامُنَا قَدْ سُمِعَ وَ جَاهِلِیَّتُنَا لَا تُدْفَعُ وَ کِتَابُ اللَّهِ یَجْمَعُ لَنَا مَا شَذَّ عَنَّا وَ هُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِی کِتابِ اللَّهِ
وَ قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِیمَ لَلَّذِینَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِیُّ وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ اللَّهُ وَلِیُّ الْمُؤْمِنِینَفَنَحْنُ مَرَّهً أَوْلَى بِالْقَرَابَهِ وَ تَارَهً أَوْلَى بِالطَّاعَهِ
وَ لَمَّا احْتَجَّ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى الْأَنْصَارِ یَوْمَ السَّقِیفَهِ بِرَسُولِ اللَّهِ ( صلىاللهعلیهوآله )فَلَجُوا عَلَیْهِمْ فَإِنْ یَکُنِ الْفَلَجُ بِهِ فَالْحَقُّ لَنَا دُونَکُمْ وَ إِنْ یَکُنْ بِغَیْرِهِ فَالْأَنْصَارُ عَلَى دَعْوَاهُمْ
وَ زَعَمْتَ أَنِّی لِکُلِّ الْخُلَفَاءِ حَسَدْتُ وَ عَلَى کُلِّهِمْ بَغَیْتُ فَإِنْ یَکُنْ ذَلِکَ کَذَلِکَ فَلَیْسَتِ الْجِنَایَهُ عَلَیْکَ فَیَکُونَ الْعُذْرُ إِلَیْکَوَ تِلْکَ شَکَاهٌ ظَاهِرٌ عَنْکَ عَارُهَا
وَ قُلْتَ إِنِّی کُنْتُ أُقَادُ کَمَا یُقَادُ الْجَمَلُ الْمَخْشُوشُ حَتَّى أُبَایِعَ
وَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَقَدْ أَرَدْتَ أَنْ تَذُمَّ فَمَدَحْتَ وَ أَنْ تَفْضَحَ فَافْتَضَحْتَ
وَ مَا عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْ غَضَاضَهٍ فِی أَنْ یَکُونَ مَظْلُوماً مَا لَمْ یَکُنْ شَاکّاً فِی دِینِهِ وَ لَا مُرْتَاباً بِیَقِینِهِ وَ هَذِهِ حُجَّتِی إِلَى غَیْرِکَ قَصْدُهَا وَ لَکِنِّی أَطْلَقْتُ لَکَ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا سَنَحَ مِنْ ذِکْرِهَا
ثُمَّ ذَکَرْتَ مَا کَانَ مِنْ أَمْرِی وَ أَمْرِ عُثْمَانَ فَلَکَ أَنْ تُجَابَ عَنْ هَذِهِ لِرَحِمِکَ مِنْهُ فَأَیُّنَا کَانَ أَعْدَى لَهُ وَ أَهْدَى إِلَى مَقَاتِلِهِ أَ مَنْ بَذَلَ لَهُ نُصْرَتَهُ فَاسْتَقْعَدَهُ وَ اسْتَکَفَّهُ أَمْ مَنِ اسْتَنْصَرَهُ فَتَرَاخَى عَنْهُ وَ بَثَّ الْمَنُونَ إِلَیْهِ حَتَّى أَتَى قَدَرُهُ عَلَیْهِ
کَلَّا وَ اللَّهِ لَ قَدْ یَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِینَ مِنْکُمْ وَ الْقائِلِینَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَیْنا وَ لا یَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِیلًا.
وَ مَا کُنْتُ لِأَعْتَذِرَ مِنْ أَنِّی کُنْتُ أَنْقِمُ عَلَیْهِ أَحْدَاثاً فَإِنْ کَانَ الذَّنْبُ إِلَیْهِ إِرْشَادِی وَ هِدَایَتِی لَهُ فَرُبَّ مَلُومٍ لَا ذَنْبَ لَهُ وَ قَدْ یَسْتَفِیدُ الظِّنَّهَ الْمُتَنَصِّحُ
وَ مَا أَرَدْتُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَ ما تَوْفِیقِی إِلَّا بِاللَّهِ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَ إِلَیْهِ أُنِیبُ
وَ ذَکَرْتَ أَنَّهُ لَیْسَ لِی وَ لِأَصْحَابِی عِنْدَکَ إِلَّا السَّیْفُ فَلَقَدْ أَضْحَکْتَ
بَعْدَ اسْتِعْبَارٍ مَتَى أَلْفَیْتَ بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنِ الْأَعْدَاءِ نَاکِلِینَ وَ بِالسَّیْفِ مُخَوَّفِینَ فَلَبِّثْ قَلِیلًا یَلْحَقِ الْهَیْجَا حَمَلْ
فَسَیَطْلُبُکَ مَنْ تَطْلُبُ وَ یَقْرُبُ مِنْکَ مَا تَسْتَبْعِدُ
وَ أَنَا مُرْقِلٌ نَحْوَکَ فِی جَحْفَلٍ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ وَ التَّابِعِینَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ شَدِیدٍ زِحَامُهُمْ سَاطِعٍ قَتَامُهُمْ مُتَسَرْبِلِینَ سَرَابِیلَ الْمَوْتِ أَحَبُّ اللِّقَاءِ إِلَیْهِمْ لِقَاءُ رَبِّهِمْ
وَ قَدْ صَحِبَتْهُمْ ذُرِّیَّهٌ بَدْرِیَّهٌ وَ سُیُوفٌ هَاشِمِیَّهٌ قَدْ عَرَفْتَ مَوَاقِعَ نِصَالِهَا فِی أَخِیکَ وَ خَالِکَ وَ جَدِّکَ وَ أَهْلِکَ وَ ما هِیَ مِنَ الظَّالِمِینَ بِبَعِیدٍ
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج۱۹
و من کتاب له علیه السلام الى معاویه و هو من محاسن الکتب- و هو المختار الثامن و العشرون من باب الکتب
أما بعد فقد أتانی کتابک تذکر فیه اصطفاء الله تعالى محمدا صلى الله علیه و سلم لدینه، و تأییده إیاه بمن أیده من أصحابه فلقد خبأ لنا الدهر منک عجبا إذ طفقت تخبرنا ببلاء الله عندنا، و نعمته علینا فی نبینا فکنت فی ذلک کناقل التمر إلى هجر [هجر- معا]، أو داعى مسدده إلى النضال.
و زعمت أن أفضل الناس فی الإسلام فلان و فلان فذکرت أمرا إن تم اعتزلک کله، و إن نقص لم یلحقک ثلمه، و ما أنت و الفاضل و المفضول و السائس و المسوس [و الفاضل و المفضول و السائس و المسوس- معا]، و ما للطلقاء و أبناء الطلقاء و التمییز [و التمییز- معا] بین المهاجرین الأولین و ترتیب [ترتیب- معا] درجاتهم، و تعریف [تعریف- معا] طبقاتهم؟ هیهات لقد حن قدح لیس منها و طفق یحکم فیها من علیه الحکم لها.
أ لا تربع أیها الإنسان على ظلعک و تعرف قصور ذرعک، تتأخر حیث أخرک القدر؟ فما علیک غلبه المغلوب، و لا لک ظفر الظافر، و إنک [فإنک- خ] لذهاب فی التیه، رواغ من القصد، أ لا ترى- غیر مخبر لک- لکن بنعمه الله أحدث، أن قوما من المهاجرین استشهدوا فی سبیل الله- و لکل فضل- حتى إذا استشهد [شهید [نا]] قیل: سید الشهداء و خصه رسول الله صلى الله علیه و آله بسبعین تکبیره عند صلاته علیه؟ أ و لا ترى أن قوما قطعت أیدیهم فی سبیل الله- و لکل فضل- حتى إذا فعل بواحد منا کما فعل بواحدهم، قیل: الطیار فی الجنه و ذو الجناحین؟
و لولا ما نهى الله عنه من تزکیه المرء نفسه لذکر ذاکر فضائل جمه تعرفها قلوب المؤمنین، و لا تمجها آذان السامعین، فدع عنک من مالت به الرمیه فإنا صنائع ربنا و الناس بعد صنائع لنا، لم یمنعنا قدیم عزنا و عادی طولنا على قومک أن خلطناکم بأنفسنا فنکحنا و أنکحنا فعل الأکفاء و لستم هناک، و أنى یکون ذلک کذلک و منا النبی و منکم المکذب، و منا أسد الله و منکم أسد الأحلاف، و منا سیدا شباب أهل الجنه و منکم صبیه النار، و منا خیر نساء العالمین و منکم حماله الحطب، فی کثیر مما لنا و علیکم، فإسلامنا ما قد سمعتم [سمع]، و جاهلیتنا لا تدفع، و کتاب الله یجمع لنا ما شذ عنا و هو قوله سبحانه: و أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض فی کتاب الله*، و قوله تعالى: إن أولى الناس بإبراهیم للذین اتبعوه و هذا النبی و الذین آمنوا و الله ولی المؤمنین، فنحن مره أولى بالقرابه و تاره أولى بالطاعه. و لما احتج المهاجرون على الأنصار یوم السقیفه برسول الله صلى الله علیه و آله فلجوا علیهم فإن یکن الفلج به فالحق لنا دونکم، و إن یکن بغیره فالأنصار على دعویهم. و زعمت أنی لکل الخلفاء حسدت، و على کلهم بغیت، فإن یکن ذلک کذلک فلیس الجنایه علیک فیکون العذر إلیک و تلک شکاه ظاهر عنک عارها.
و قلت: إنی کنت أقاد کما یقاد الجمل المخشوش حتى أبایع و لعمر الله لقد أردت أن تذم فمدحت، و أن تفضح فافتضحت، و ما على المسلم من غضاضه فی أن یکون مظلوما ما لم یکن شاکا فی دینه و لا مرتابا بیقینه، و هذه حجتی إلى غیرک قصدها و لکنی أطلقت لک منها بقدر ما سنح من ذکرها. ثم ذکرت ما کان من أمری و أمر عثمان فلک أن تجاب عن هذه لرحمک منه فأینا کان أعدى له و أهدى إلى مقاتله؟ أ من بذل له نصرته فاستقعده و استکفه، أم من استنصر فتراخى عنه، و بث المنون إلیه حتى أتى قدره علیه؟ کلا و الله لقد علم الله المعوقین منکم و القائلین لإخوانهم هلم إلینا و لا تأتون البأس إلا قلیلا. و ما کنت لأعتذر من أنی کنت أنقم علیه أحداثا فإن کان الذنب إلیه إرشادی و هدایتی له فرب ملوم لا ذنب له، و قد یستفید الظنه المتنصح. و ما أردت إلا الإصلاح ما استطعت و ما توفیقی إلا بالله علیه توکلت. و ذکرت أنه لیس لی و لا لأصحابی عندک إلا السیف فلقد أضحکت بعد استعبار، متى ألفیت بنو عبد المطلب عن الأعداء ناکلین، و بالسیوف مخوفین؟ فلبث قلیلا یلحق الهیجاء حمل، فسیطلبک من تطلب، و یقرب منک ما تستبعد، و أنا مرقل نحوک فی جحفل من المهاجرین و الأنصار و التابعین بإحسان، شدید زحامهم،ساطع قتامهم، متسربلین سرابیل الموت، أحب اللقاء إلیهم لقاء ربهم، قد صحبتهم ذریه بدریه، و سیوف هاشمیه، قد عرفت مواقع نصالها فی أخیک و خالک و جدک و أهلک و ما هی من الظالمین ببعید.
اللغه
قد مضى بیان طائفه من لغات هذا الکتاب فی شرح المختار التاسع من هذا الباب، أوله قوله علیه السلام: فأراد قومنا قتل نبیه و اجتیاح أصله و هموا بنا الهموم- إلخ. (ص ۳۲۴ ج ۱۷).
(خبأ) أى أخفى، یقال: خبأ الشیء، من باب منع مهموزا، و خبأ مشددا أى ستره و أخفاه و فی کثیر من النسخ المطبوعه کانت الکلمه مشکوله بتشدید الباء و نسخه الرضی بتخفیفها کما اخترناها. (ببلاء الله) أی بانعامه و إحسانه، أو اختباره و امتحانه و لکن المناسب مع ما عندنا هو الانعام و الاحسان.
(هجر) محرکه اسم بلد مذکر مصروف و غیر مصروف و النسبه إلیه هاجری على خلاف القیاس و من ذلک قولهم نبأ هاجری، و هو فی نسخه الرضی مشکول مصروفا و غیر مصروف معا، (مسدده) أی معلمه، (النضال) المراماه.
(ثلمه) الثلم: الکسر و العیب، و فی عده من النسخ المطبوعه و غیرها: لم ینقصک ثلمه، و لکن نسخه الرضی رضوان الله علیه کانت: لم یلحقک ثلمه کما اخترناه. (الطلقاء) جمع الطلیق و هو من اطلق بعد الأسره. (لقد حن قدح لیس منها) مثل، قال المیدانی فی فصل الحاء المهمله المفتوحه من مجمع الأمثال: حن قدح لیس منها، القدح أحد قداح المیسر و إذا کان أحد القداح من غیر جوهره اخواته ثم أجاله المفیض خرج له صوت یخالف أصواتها یعرف به أنه لیس من جمله القداح، یضرب للرجل یفتخر بقبیله لیس منها أو یتمدح بما لا یوجد فیه، و تمثل به عمر حین قال الولید بن عقبه بن أبى معیط: اقتل من بین قریش فقال عمر: حن قدح لیس منها، و الهاء فی منها راجعه إلى القداح. انتهى. قوله: أجاله المفیض یقال: أفاض أهل المیسر بالقداح أی ضربوا بها.
(ألا تربع) ربع کمنع: وقف و انتظر و تحبس و منه قولهم: اربع علیک أو على نفسک أو على ظلعک قاله فی القاموس.(و الظلع) بسکون اللام: العیب، و بفتحها: العرج و الغمز، و هو مصدر ظلع البعیر کمنع أى غمز فی مشیه، و من أمثالهم: ظالع یعود کسیرا، یعود من العیاده، یضرب للضعیف ینصر من هو أضعف منه کما فی مجمع الأمثال للمیدانی.
(الذرع): الطاقه و الوسع و بسط الید و ذرع الإنسان طاقته التی یبلغها، و فی آخر الدعاء السابع من الصحیفه السجادیه: فقد ضقت لما نزل بى یا رب ذرعا، و فی شرحها الموسوم بریاض السالکین للعالم المتضلع السید علیخان قدس سره فی ضیق الذرع المناسب لقصورها نکات أدبیه فراجع.
(التیه): الضلال و التحیر فی المفاوز قال الله تعالى: فإنها محرمه علیهم أربعین سنه یتیهون فی الأرض، (الرواغ): کثیر المیل، یقال: راغ الرجل و الثعلب روغا و روغانا إذا مال و حاد عن الشیء، و یقال: فلان یروغ روغان الثعلب و من الأمثال فلان أروغ من الثعلب.
(القصد): الاعتدال و الطریق المستقیم، (غیر مخبر) خبره الشیء و بالشیء من باب التفعیل أعلمه إیاه و أنبأه کأخبره و أخبر به، (استشهد) أى قتل فی سبیل الله، و کذا اشهد، على صیغتى المجهول.
(تمجها) یقال مج الماء من فیها إذا ألقاه، (الطول) بالفتح فالسکون:الفضل، (عادى) أى قدیم، قال الجوهرى فی الصحاح: عاد قبیله و هم قوم هود علیه السلام و شیء عادى أى قدیم کأنه منسوب إلى عاد.
و قال الشیخ محمد عبده: العادى الاعتیادى المعروف، أقول: الصواب ما قدمنا و هذا الوجه خطر ببالنا أیضا إلا أن مقابلته بالقدیم منعنا عن ذلک، و فی روایه صبح الأعشى: و مدید طولنا.
(الرمیه) المراد منها ههنا الصید الذی یرمی و هو کالمثل یضرب لمن یمیل به عن الحق أغراضه الباطله و أصله أن الرجل یقصد قصدا فیتعرض له الصید فیتبعه فیمیل به عن قصده الأصلى.
(فلجوا علیهم) أى ظفروا علیهم، و الفلج: الظفر، و الفعل من بابى نصر و ضرب، قال محمد بن بشیر:
کم من فتى قصرت فی الرزق خطوته | ألفیته بسهام الرزق قد فلجا | |
و البیت من الحماسه، (الحماسه ۴۳۶ من شرح المرزوقى)، و فی الحدیث السادس من باب فی شأن إنا أنزلناه فی لیله القدر و تفسیر من اصول الکافی عن أبی جعفر علیه السلام قال: یا معشر الشیعه خاصموا بسوره إنا أنزلناه تفلجوا فو الله إنها لحجه الله تبارک و تعالى على الخلق بعد رسول الله صلى الله علیه و آله و انها لسیده دینکم و انها لغایه علمنا الحدیث.
(صنائع) جمع صنیعه، قال الزمخشرى فی أساس البلاغه: فلان صنیعتک و مصطنعک، و اصطنعتک لنفسى، قال الحطیئه:
فإن یصطنعنی الله لا أصطنعکم | و لا اوتکم مالى على العثرات | |
و قال فی القاموس: هو صنیعى و صنیعتى أى اصطنعته و ربیته و خرجته.
و الصنیعه أیضا هی ما یسدى من معروف أو ید إلى إنسان، قال ابن مولى لیزید بن حاتم:
و إذا صنعت صنیعه أتممتها | بیدین لیس نداهما بمکدر | |
و البیت من الحماسه، قال المرزوقی فی الشرح: یقول: و إذا اتخذت عند إنسان یدا و أزللت إلیه نعمه فانک لا تخدجها و لا تترک تربیتها لکنک تکملها و تقوم بعمارتها مصونه من المن و التکدیر صافیه من الشوائب و التعذیر.
(شباب) جمع الشاب.(شکاه) الشکاه فی الأصل: المرض، و توضع موضع العیب و الذم کما فی هذا البیت فمعناها العیب و النقیصه.(ظاهر عنک) أى زائل عنک و ینبو، و لا یعلق بک، قال ابن الأثیر فی النهایه:
و فی حدیث عائشه کان یصلى العصر و لم یظهر فیىء الشمس بعد من حجرتها أى لم یرتفع و لم یخرج إلى ظهرها، و منه حدیث ابن الزبیر لما قیل له یا ابن النطاقین تمثل بقول أبی ذؤیب: و تلک شکاه ظاهر عنک عارها، یقال ظهر عنى هذا العیب إذا ارتفع عنک و لم ینلک عنه شیء أراد أن نطاقها لا یفض منه فیعیر به و لکنه یرفع منه و یزیده نبلا، انتهى.
أقول فی بیانه: کانت ام عبد الله بن الزبیر ذات النطاقین أسماء بنت أبی بکر و أراد ابن الزبیر أن تعییره إیاه بلقب امه لیس عارا یستحیى منه إنما هو من مفاخره لأنه لقب لقبها به رسول الله صلى الله علیه و آله و هو فی الغار مع أبی بکر على ما قیل فراجع إلى السیره النبویه لابن هشام (ص ۴۸۶ ج ۱ من طبع مصر ۱۳۷۵ ه) و فی الحماسه: قال سبره بن عمرو الفقعسى و عیره ضمره بن النهشلى کثره إبله:
أعیرتنا ألبانها و لحومها | و ذلک عار یا ابن ریطه ظاهر | |
قال المرزوقى فی الشرح: و ذلک عار ظاهر أى زائل، قال أبو ذؤیب:
و عیرها الواشون أنى احبها | و تلک شکاه ظاهر عنک عارها | |
و من هذا قولک: ظهر فوق السطح، و قولک: جعلته منى بظهر، و قوله تعالى: اتخذتموه وراءکم ظهریا، انتهى قول المرزوقی.
و أقول: صار هذا المصراع من البیت أعنى قول أبی ذؤیب و تلک شکاه إلخ مثلا یضرب لمن ینکر فعلا لیس له ربط به و لا تعلق له، و البیت من قصیده غراء تنتهى إلى ثمانیه و ثلاثین بیتا یرثى بها نشیبه بن محرث أحد بنی مومل ابن حطیط الهذلى منقوله کامله فی دیوان الهذلیین (ص ۲۱ من طبع مصر ۱۳۸۵ ه) مطلعها:
هل الدهر إلا لیله و نهارها | و إلا طلوع الشمس ثم غیارها | |
أبى القلب إلا ام عمرو و أصبحت | تحرق ناری بالشکاه و نارها | |
و عیرها الواشون- البیت.
و أبو ذؤیب هذا هو خویلد بن خالد بن محرز الهذلى شاعر مجید مخضرم أدرک الجاهلیه و الإسلام، قدم المدینه عند وفاه النبی صلى الله علیه و آله فأسلم و حسن إسلامه روى عنه أنه قال: قدمت المدینه و لأهلها ضجیح بالبکاء کضجیج الحجیج أهلوا بالإحرام، فقلت: مه؟ فقالوا: توفى رسول الله صلى الله علیه و آله، کما فی معجم الادباء لیاقوت (ص ۸۳ ج ۱۱ من طبع مصر).
(الجمل المخشوش) الذی جعل فی أنفه الخشاش و هو عوید یجعل فی أنف البعیر و نحوه یشد به الزمام لیکون أسرع لانقیاده، مشتق من خش فی الشیء إذا دخل فیه لأنه یدخل فی أنف البعیر.(الغضاضه): الذله و المنقصه، (المعوقین) أى المانعین عن القیام بنصره الإسلام (فرب ملوم لا ذنب له) مثل، قال المیدانى فی فصل الراء المضمومه من مجمع الأمثال: هذا من قول اکثم بن صیفی، یقول: قد ظهر للناس منه أمر أنکروه علیه و هم لا یعرفون حجته فهو یلام علیه و ذکروا أن رجلا فی مجلس الأحنف بن قیس قال: لا شیء أبغض إلى من التمر و الزبد فقال الأحنف: رب ملوم لا ذنب له- انتهى کلام المیدانی.
(الظنه) بالکسر: التهمه (المتنصح) أى المتکلف بنصح من لا یقبل النصیحه و المبالغ فیه له.و قد یستفید الظنه المتنصح، مصراع بیت صدره: و کم سقت من آثارکم من نصیحه، (استعبار) استعبر: جرت عبرته أى بکى.(لبث قلیلا یلحق الهیجا حمل) هذا المثل قریب من قولهم: لبث رویدا یلحق الداریون، و حمل بالتحریک هو ابن بدر رجل من قشیر و فیه یقول قیس ابن زهیر العبسى:
و لکن الفتى حمل بن بدر | بغى و البغى مرتعه وخیم | |
و هذا البیت للعبسى من أبیات الحماسه (الحماسه ۱۴۷ من شرح المرزوقى) و من أبیات الأمالی للقالى ص ۲۶۱ ج ۱، و فی السیره النبویه لابن هشام ص ۲۸۷ ج ۱.و قول حمل یضرب به مثلا للتهدید بالحرب.
و روى المیدانى فی مجمع الأمثال فی فصل الضاد المفتوحه هکذا: ضح رویدا یدرک الهیجا حمل، و قال: ضح رویدا هذا أمر من التضحیه أى لا تعجل فی ذبحها ثم استعیر فی النهى عن العجله فی الأمر، و یقال: ضح رویدا لم ترع أى لم تفزع و یقال ضح رویدا یدرک الهیجا حمل، یعنى حمل بن بدر، قال زید الخیل:
فلو أن نصرا أصلحت ذات بینها | لضحت رویدا عن مطالبها عمرو | |
و لکن نصرا ارتعت و تخاذلت | و کانت قدیما من خلایقها الغفر | |
أى المغفره، نصر و عمروا بناقعین و هما حیان من بنی أسد، انتهى قول المیدانی.و فی الباب الثالث و العشرین فى ما جاء من الأمثال من أوله لام من جمهره الأمثال لأبی هلال العسکرى: لبث رویدا یلحق الهیجا حمل، أى انتظر حتى یتلاقى الشبان، و الهیجا یقصر و یمد، و حمل اسم رجل، انتهى کلام أبی هلال.
و کما اختلف فی ضبط هذا المثل على ما قدمنا کذا اختلف فی حمل فذهب غیر واحد إلى أنه ابن بدر کما دریت و فی الإصابه و اسد الغابه أنه حمل ابن سعدانه قال فی الأول: حمل بن سعدانه بن حارثه الکلبی وفد على النبی صلى الله علیه و آله و عقد له لواء و هو القائل: لبث قلیلا یدرک الهیجا حمل، و شهد مع خالد مشاهده کلها و قد تمثل بقوله سعد بن معاذ یوم الخندق حیث قال:
لبث قیلا یدرک الهیجا حمل | ما أحسن الموت إذا حان الأجل | |
و فی اسد الغابه: البث قلیلا- إلخ و قال: شهد صفین مع معاویه، و الله تعالى أعلم.ثم إن الهیجاء فی نسختنا التی قوبلت على نسخه الرضى ممدوده، و یجب أن تقرأ فی البیت مقصوره لیستقیم الوزن.
(مرقل) أى مسرع، و الارقال ضرب من السیر السریع، (جحفل) أى جیش عظیم، (قتامهم) أى غبارهم، (ساطع) اى منتشر، (نصالها) قال فی القاموس:
النصل و النصلان حدیده السهم و الرمح و السیف ما لم یکن له مقبض جمعه أنصل و نصول و نصال، و نصل السهم فیه: ثبت، و فی بعض النسخ نضالها بالمعجمه یقال ناضل عنه إذا دفع و لکن الصحیح ههنا بالمهمله و فی صدر الکتاب بالمعجمه کما فی نسخه الرضى رضوان الله علیه، قال أبو العیال الهذلى فی أبیات لما حصر هو و أصحابه ببلاد الروم فی زمن معاویه کتبها إلى معاویه فقرأه معاویه على الناس کما فی دیوان الهذلیین (ص ۲۵۵ من طبع مصر):
فترى النبال تعیر فی أقطارنا | شمسا کأن نصالهن السنبل | |
و ترى الرماح کأنما هی بیننا | أشطان بئر یوغلون و نوغل | |
الاعراب
(و ما أنت و الفاضل و المفضول و السائس و المسوس) الفاضل و أترابه التالیه على نسخه الرضى مشکوله بالنصب، کما أن فی الجمله التی بعدها أعنى و ما للطلقاء و أبناء الطلقاء و التمییز إلخ التمییز و ترتیب و تعریف منصوبه أیضا و قد قرئت الجمله الاولى بالنصب و الرفع معا کما فی نسخه مخطوطه مشکوله مقروه عندنا، و احتمل بعضهم الرفع فی الجمله الثانیه أیضا.
أفاد الفاضل الشارح المعتزلی بقوله: و ما أنت و الفاضل و المفضول الروایه المشهوره بالرفع و قد رواها قوم بالنصب فمن رفع احتج بقوله: و ما أنت و بیت أبیک و الفخر، و بقوله: فما القیسى بعدک و الفحار، و من نصب فعلى تأویل مالک و الفاضل و فی ذلک معنى الفعل أى ما تصنع لأن هذا الباب لا بد أن یتضمن الکلام فیه فعلا أو معنى فعل و أنشدوا: فما أنت و السیر فی متلف، و الرفع عند النحویین أولى، و ما للطلقاء و أبناء الطلقاء و التمییز النصب ههنا لا غیر لأجل اللام فی الطلقاء.
(حن قدح لیس منها) الضمیر المجرور راجع إلى القداح کما مر، (فیها من علیه الحکم لها) الهاء فی الطرفین راجعه إلى الطبقات أو الجماعه أو القضیه أو نحوها غیر مخبر منصوب على الحالیه لضمیر أحدث، و مخبر على نسخه الرضى کان بتشدید الباء من التخبیر و فی غیر واحد من نسخ اخرى بکسر الباء المخففه من لإخبار و کلاهما بمعنى واحد کما مر فی شرح اللغات، (أن قوما) مفعول ترى (الرمیه) فعیله بمعنى مفعوله و أنثت لأنها جعلت اسما لا نعتا و المراد بها الدنیا أى دع من مال إلى الدنیا و مالت به أى أمالته إلیها، (فعل الاکفاء) منصوب على المصدر، (و لستم هناک) الواو للحال و العامل فیه خلطناکم، (على قومک) متعلق بقوله طولنا أى فضلنا علیهم، و جمله أن خلطناکم فاعل لقوله لم یمنعنا، و کلمتا قدیم و عادى منصوبتان على المفعولیه، و فی نسخه الرضى- ره- و هی الصواب مرفوعتان على الفاعلیه و جمله خلطناکم على هذا الوجه منصوبه على المفعولیه، أفاد الفاضل الشارح المعتزلی بقوله: فان قلت: فبما ذا یتعلق فی قوله فی کثیر؟ قلت: بمحذوف تقدیره هذا الکلام داخل فی جمله کلام کثیر یتضمن مالنا و علیکم. (الفلج به) الضمیر المجرور یرجع إلى الرسول (قصدها) الضمیر یرجع إلى الحجه و إلى غیرک خبر قدم على القصد أى هذه حجتى قصدها إلى غیرک.
(یلحق الهیجا حمل) قرئ الفعل و حمل على وجهین: على تأنیث الفعل و نصب حمل فالهیجاء فاعل، و على تذکیر الفعل و رفع حمل فالهیجاء مفعول (متسربلین) منصوب على الحال.
المصدر
قد مر فی ذکر ماخذ الکتاب التاسع (ص ۳۲۶ ج ۱۷) نقل کتابه علیه السلام إلى معاویه جوابا عن کتابه إلیه و قد نقلنا هما من کتاب صفین لنصر بن مزاحم و قد نقله ابن عبد ربه فی العقد الفرید أیضا (ص ۳۳۴ ج ۴ من طبع مصر) و أما کتابه هذا فقد نقله أعثم الکوفی فی الفتوح (ص ۱۵۷ من ترجمه الهروی طبع بمبئی) و أبو العباس أحمد بن علی القلقشندى فی صبح الأعشى (ص ۲۲۹ ج ۱ من طبع مصر) و شهاب الدین أحمد بن عبد الوهاب النویرى فی نهایه الأرب (ص ۲۳۳ ج ۷) و یطلب من باب کتبه علیه السلام إلى معاویه و احتجاجاته علیه من ثامن البحار (ص ۵۳۴ ج ۸ من الطبع الکمبانى)، و کتابه هذا یوهم أنه قریب من التاسع و أنهما واحد و الاختلاف فی النسخ أو الروایات حتى أن الشارح البحرانى مال ههنا أن هذا الکتاب ملتقط من کتاب ذکر السید منه فصلا سابقا و هو قوله: فأراد قومنا اهلاک نبینا و قد ذکرنا کتاب معاویه الذی هذا الکتاب جواب له و ذکرنا الکتاب له بأسره هناک و إن کان فیه اختلاف ألفاظ یسیره بین الروایات- انتهى قوله.
أقول: قد وجدنا الکتابین فی ماخذ عدیده و نرى بینهما اختلافا یمنعنا من اعتقادهما واحدا، على أن دأب الشریف الرضى رضوان الله علیه کان إذا نقل کلامه بروایه اخرى أن ینبه بتقدیمه على صوره اخرى: قال فی المختار ۲۲۷ من باب الخطب أوله: بسطتم یدی فکففتها و من کلام له علیه السلام فی وصف بیعته بالخلافه و قد تقدم مثله بألفاظ مختلفه.
و قال فی المختار ۲۳ من باب الکتب أوله: وصیتى لکم أن لا تشرکوا بالله شیئا: أقول: و قد مضى بعض هذا الکلام فیما تقدم من الخطب إلا أن فیه زیاده أوجبت تکریره.
و قال فی المختار ۶۶ من هذا الباب أوله: أما بعد فان المرء لیفرح بالشیء الذی لم یکن لیفوته: و قد تقدم ذکره بخلاف هذه الروایه.
و نحوها فی عده مواضع اخرى فلو کان الکتابان واحدا لکان یتعرض علیه کما تعرض فیها، و بعد الغمض عن ذلک نقول: إن الروایات قائله بأن معاویه کتب إلى علی علیه السلام کتابا أنفذه إلیه مع أبی أمامه الباهلى فکتب إلیه علی علیه السلام هذا الکتاب، و کتب إلیه کتابا أنفذه إلیه مع أبی مسلم الخولانى فکتب علیه السلام فی جوابه ذلک الکتاب المقدم فی المختار التاسع و کان صدره: فإن أخا خولان قدم علی بکتاب- إلخ.
و قد أقبل على الفاضل الشارح المعتزلی هذا السئوال أیضا و أورده على النقیب أبی جعفر فأجابه بما لا یخلو ذکره من فائده قال: سألت النقیب أبا جعفر یحیى بن زید فقلت: أرى هذا الجواب منطبقا على کتاب معاویه الذی بعثه مع أبی مسلم الخولانى إلى علی علیه السلام فإن کان هذا هو الجواب فالجواب الذی ذکره أرباب السیره و أورده نصر بن مزاحم فی کتاب صفین إذا غیر صحیح، و إن کان ذلک الجواب فهذا الجواب إذن غیر صحیح و لا ثابت؟.
قال: فقال لی: بل کلاهما ثابت مروى و کلاهما کلام أمیر المؤمنین علیه السلام و ألفاظه، ثم أمرنى أن أکتب ما یملیه على فکتبته قال: کان معاویه یتسقط علیا و ینعى علیه ما عساه یذکره من حال أبی بکر و عمر و أنهما غصباه حقه و لا یزال یکیده بالکتاب یکتبه و الرساله یبعثها یطلب غرته لینفث بما فی صدره من حال أبی بکر و عمر إما مکاتبه أو مراسله فیجعل ذلک حجه علیه عند أهل الشام و یضیفه إلى ما قرره فی أنفسهم من ذنوبه زعم فقد کان غمصه عندهم بأنه قتل عثمان أو مالأ على قتله، و أنه قتل طلحه و الزبیر، و أسر عائشه، و أراق دماء أهل البصره و بقیت خصله واحده و هو أن یثبت عندهم أنه یتبرأ من أبی بکر و عمر و ینسبهما إلى الظلم و مخالفه الرسول فی أمر الخلافه و أنهما وثبا علیه غلبه و غصباه إیاها فکانت هذه الطامه الکبرى لیست مقصره على فساد أهل الشام علیه بل و أهل العراق الذین هم جنده و بطانته و أنصاره لأنهم کانوا یعتقدون إمامه الشیخین إلا القلیل الشاذ من خواص الشیعه.
فلما کتب ذلک الکتب مع أبی مسلم الخولانى قصد أن یغضب علیا و یحرجه و یحوجه إذا قرأ ذکر أبا بکر و أنه أفضل المسلمین إلى أن یرهن خطه فی الجواب بکلمه تقتضى طعنا فی أبی بکر فکان الجواب مجمحا غیر بین فیه تصریح بالتظلیم لهما و لا التصریح ببراءتهما و تاره یترحم علیهما و تاره یقول أخذ حقى و قد ترکته لهما فأشار عمرو بن العاص على معاویه أن یکتب کتابا ثانیا مناسبا للکتاب الأول لیستفزا فیه علیا علیه السلام و یستخفاه و یحمله الغضب منه أن یکتب کلاما یتعلقان به فی تقبیح حاله و تهجین مذهبه، و قال له عمرو: إن علیا رجل نزق تیاه و ما استطمعت منه الکلام بمثل تقریظ أبی بکر و عمر فاکتب فکتب کتابا أنفذه إلیه مع أبی امامه الباهلى و هو من الصحابه بعد أن عزم على بعثه مع أبی الدرداء و نسخه الکتاب: من عبد الله معاویه بن أبی سفیان إلى علی بن أبی طالب أما بعد فان الله تعالى- جده- إلى آخر ما ننقله بعید هذا فی ذکر المعنى.
ثم قال: قال النقیب أبو جعفر: فلما وصل هذا الکتاب إلى علی علیه السلام مع أبی امامه الباهلى کلم أبا امامه بنحو مما کلم به أبا مسلم الخولانى و کتب معه هذا الجواب.
قال: قال النقیب: و فی کتاب معاویه هذا ذکر لفظ الجمل المخشوش أو الفحل المخشوش لا فی الکتاب الواصل مع أبی مسلم و لیس فی ذلک هذه اللفظه و إنما فیه حسدت الخلفاء و بغیت علیهم عرفنا ذلک من نظرک الشزر و قولک الهجر و تنفسک الصعداء و إبطاؤک عن الخلفاء.
قال: قال: و إنما کثیر من الناس لا یعرفون الکتابین و المشهور عندهم کتاب أبی مسلم فیجعلون هذه اللفظه فیه و الصحیح أنها فی کتاب أبی امامه ألا تراها عادت فی جوابه و لو کانت فی کتاب أبی مسلم لعادت فی جوابه- انتهى کلام النقیب أبی جعفر من شرح الفاضل الشارح المعتزلی.
أقول: و هذا تحقیق خبرى دقیق و بحث روانى عمیق فإن المجامیع فی الفنون العدیده و الجوامع الروائیه یفید أنهما کتابان کما دریت، و قد مال إلیه الفاضل المورخ الفنان محمد تقى سپهر فی ناسخ التواریخ (ص ۱۶۴ ج ۲ من الطبع الناصرى) فانه بعد ما نقل کتاب معاویه مع أبی مسلم الخولانى و کتاب أمیر المؤمنین علیه السلام فی جوابه على ما مر نقلهما فی ذکر ماخذ الکتاب التاسع قال ما هذا هو لفظه بالفارسیه و کأنه ترجمه ما أفاده النقیب.
معاویه مکتوب را قرائت کرد و عمرو عاص را نیز بنمود، عمرو نگریست که علی علیه السلام در جواب معاویه آنجا که أبو بکر را بر تمامت مسلمانان تفضیل نهاده کلمه که تصریح بر تقبیح أبو بکر و تشنیع أعمال او باشد رقم نکرده إلا آنکه نگاشته است حق مرا مأخوذ داشته اند و من تفویض کردم، با معاویه گفت بر قانون کتاب أول علی مکتوب کن و همچنان فصلى در فضل أبو بکر و عمر و عثمان رقم کن، چون على ایشان را غاصب حق خویش داند و در نزد خدا و رسول عاصى و بزهکار مىخواند بعید نباشد که در فضیحت عقیدت ایشان و ظلم و طغیان ایشان چیزى رقم کند آن گاه ما مکتوب او را بر فساد مذهب او حجت کنیم و بر مردم شام و صنادید قبایل عرضه داریم و تمامت عرب را بر او بر شورانیم و بر گردن آرزو سوار شویم، معاویه را کلمات او پسنده افتاد و همىخواست تا بصحبت أبو دردا چیزى نگارد هم از این اندیشه باز نشست و این مکتوب را بدست أبو امامه باهلى که در شمار أصحاب رسول خدا است انفاذ داشت: من عبد الله معاویه بن أبی سفیان- إلى آخر کتابه الاتى عن قریب- إلى أن قال: بالجمله أبو امامه باهلى این نامه بگرفت و راه در نوشت و در کوفه حاضر حضرت أمیر المؤمنین علیه السلام شده تسلیم داد أمیر المؤمنین بعد از قرائت آن مکتوب بدینگونه پاسخ نگاشت: أما بعد فقد بلغنى کتابک تذکر فیه اصطفاء الله تعالى- إلخ.
و بالجمله أن الظن المتاخم بالعلم من التتبع و الفحص حاصل بأن کل واحد منهما کتاب على حیاله فلنرجع إلى تفسیر الکتاب.
المعنى
لما کان الأمیر علیه السلام فی هذا الکتاب یرد الأباطیل التی نسجتها عنکبوت أوهام معاویه و أهواء شیطانه عمرو العاصى فلا بد لنا من نقل کتاب معاویه لیتضح الجواب، کتب معاویه إلیه بعد کتابه الذی أنفذه إلیه مع الخولانى على ما مر آنفا: من عبد الله معاویه بن أبی سفیان إلى علی بن أبی طالب: أما بعد فإن الله تعالى جده اصطفى محمدا علیه الصلاه و السلام لرسالته، و اختصه بوحیه و تأدیه شریعته فأنقذ به من العمایه، و هدى به من الغوایه، ثم قبضه إلیه رشیدا حمیدا قد بلغ الشرع، و محق الشرک، و أخمد نار الإفک، فأحسن الله جزاءه، و ضاعف علیه نعمه و آلاءه.
ثم إن الله سبحانه اختص محمدا علیه الصلاه و السلام بأصحاب أیدوه و نصروه و کانوا کما قال الله سبحانه لهم: «أشداء على الکفار رحماء بینهم» فکان أفضلهم مرتبه، و أعلاهم عند الله و المسلمین منزله الخلیفه الأول الذی جمع الکلمه و لم الدعوه و قاتل أهل الرده، ثم الخلیفه الثانی الذی فتح الفتوح، و مصر الأمصار و أذل رقاب المشرکین، ثم الخلیفه الثالث المظلوم الذی نشر المله و طبق الافاق بالکلمه الحنیفیه.
فلما استوثق الإسلام و ضرب بجرانه عدوت علیه، فبغیته الغوائل و نصبت له المکائد و ضربت له بطن الأمر و ظهره و دسست علیه و أغریت به و قعدت حیث استنصرک عن نصره، و سألک أن تدرکه قبل أن یمزق فما أدرکته، و ما یوم المسلمین منک بواحد: لقد حسدت أبا بکر و التویت علیه و رمت إفساد أمره و قعدت فی بیتک، و استغویت عصابه من الناس حتى تأخروا عن بیعته، ثم کرهت خلافه عمر و حسدته، و استطلت مدته و سررت بقتله، و أظهرت الشماته بمصابه حتى أنک حاولت قتل ولده لأنه قتل قاتل أبیه.
ثم لم تکن أشد منک حسدا لابن عمک عثمان نشرت مقابحه، و طویت محاسنه، و طعنت فی فقهه، ثم فی دینه ثم فی سیرته، ثم فی عقله و أغریت به السفهاء من أصحابک و شیعتک حتى قتلوه بمحضر منک، لا تدفع عنه بلسان و لا ید، و ما من هؤلاء إلا من بغیت علیه، و تلکأت فی بیعته حتى حملت علیه قهرا تساق بحزائم الاقتسار کما یساق الفحل المخشوش، ثم نهضت الان تطلب الخلافه و قتله عثمان خلصاؤک و سجراؤک و المحدقون بک، و تلک من أمانى النفوس و ضلالات الهواء.
فدع اللجاج و العبث جانبا، و ادفع إلینا قتله عثمان، و أعد الأمر شورى بین المسلمین لیتفقوا على من هو لله رضا، فلا بیعه لک فی أعناقنا، و لا طاعه لک علینا و لا عتبی لک عندنا، و لیس لک و لأصحابک عندى إلا السیف و الذی لا إله إلا هو لأطلبن قتله عثمان أین کانوا و حیث کانوا حتى أقتلهم أو تلحق روحى بالله.
فأما ما لا تزل تمن به من سابقتک و جهادک فإنى وجدت الله سبحانه یقول:«یمنون علیک أن أسلموا قل لا تمنوا علی إسلامکم بل الله یمن علیکم أن هداکم للإیمان إن کنتم صادقین» و لو نظرت فی حال نفسک لوجدتها أشد الأنفس امتنانا على الله بعملها و إذا کان الامتنان على السائل یبطل أجر الصدقه فالامتنان على الله یبطل أجر الجهاد و یجعله «کمثل صفوان علیه تراب فأصابه وابل فترکه صلدا لا یقدرون على شیء مما کسبوا و الله لا یهدی القوم الکافرین» انتهى کتاب معاویه.
تشبیه و معنى کلامه: فلما استوثق الإسلام و ضرب بجرانه، أن الإسلام لما استقام و قر فی قراره تشبیها بالبعیر إذا برک و استراح مدجرانه على الأرض، و جران البعیر هو مقدم عنقه من مذبحه إلى منحره.
و قوله: حتى أنک حاولت قتل ولده لأنه قتل قاتل أبیه، یشیر إلى عبید الله ابن عمر و قتله أبا لؤلؤه فیروز قاتل عمر و قد تقدم کلامنا فی شرح المختار ۲۳۶ من باب الخطب (ص ۲۴۴ ج ۱۵) و فی شرح المختار الأول من باب الکتب (ص ۲۳۸ ج ۱۶).
قوله: تلکأت فی بیعته، تلکأ عن الأمر اى أبطأ و توقف، فالصواب أن یقال تلکأت عن بیعته فکلمه فی بمعنى عن إن لم یتطرق فیها تحریف، قوله سجراؤک هو بالسین المهمله جمع سجیر ککریم أى الخلیل الصفى.
فکتب أمیر المؤمنین علی علیه السلام فی جوابه: أما بعد فقد أتانى کتابک تذکر اصطفاء الله محمدا صلى الله علیه و آله- إلخ فحان لنا الان شرح کتابه علیه السلام:
قوله علیه السلام: (أما بعد فقد أتانى- إلى قوله: إلى النضال) هذا الکتاب یشتمل على فصول تجیب عن فصول من الأباطیل المموهه التی توغل فیها معاویه و هذا القسم من الکتاب جواب عن قوله: فان الله تعالى جده- إلى قوله: فکان أفضلهم مرتبه.
و بیان الجواب على الإجمال أن أمیر المؤمنین علیا علیه السلام کان بما أخبره معاویه أعلم من غیره لأنه لم یکن أحد کمثله فی حمایه الدین و الذب عن حوزته عن ابتداء دعوه رسول الله صلى الله علیه و آله إلى زمان ارتحاله من الدنیا و إخبار معاویه علیا علیه السلام بذلک کسفیه استبضع تمرا إلى هجر، أو کغبى دعى من علمه الرمایه إلى المراماه، و أما بیانه على التفصیل فقد مر فی شرح المختار التاسع من باب الکتب (ص ۳۳۶- ۳۴۸ ج ۱۷) و فی شرح المختار السابع عشر منه فراجع.
قوله: علیه السلام: (و زعمت أن أفضل الناس فلان- إلى قوله: فالأنصار على دعویهم) هذا الفصل جواب عن قول معاویه: فکان أفضلهم مرتبه- إلى قوله: و طبق الافاق بالکلمه الحنیفیه، کان معاویه ذکر فی کتابه الأفضل فالأفضل من الأصحاب على زعمه، و فضلهم على أمیر المؤمنین علیه السلام تعریضا على حقده حیث قال:و أعلاهم الأول و الثانی و الثالث فأجابه بأن ما ذکرت فیهم إما أن یتم و یصح أولا فإن تم اعتزلک کله لأنه کان من تلک الفضائل فی معزل، و على الثانی لم یلحقک عیبه و نقصه لأنه لم یکن منهم فعلى کلا الوجهین کان معاویه خائضا فی ما لا یعنیه.
ثم بین علیه السلام عدم لیاقه معاویه لتمییز الفاضل و المفضول منهم و ترتیب درجاتهم و تعریف طبقاتهم بقوله: و ما أنت و الفاضل و المفضول- إلخ، و من الطلقاء أبو سفیان و من أبنائهم معاویه کما مضى بیان ذلک تفصیلا من شرح المختار السابع عشر من باب الکتب عند حدیث أهل مکه و أن أهل مکه هم الطلقاء (ص ۲۸۱ ج ۱۸).
و کأن قوله: علیه السلام بین المهاجرین الأولین یشیر إلى قوله تعالى: و السابقون الأولون من المهاجرین و الأنصار و الذین اتبعوهم بإحسان رضی الله عنهم و رضوا عنه و أعد لهم جنات تجری تحتها الأنهار خالدین فیها أبدا ذلک الفوز العظیم (التوبه: ۱۰۰) و کان معاویه و أبوه فی زمان الهجره مشرکین و لما رفع الله الکلمه العلیا و کان الناس یدخلون فی دین الله أفواجا استسلما و ما أسلما کما قال أمیر المؤمنین علی علیه السلام: فو الذی فلق الحبه و برأ النسمه ما أسلموا و لکن استسلموا و أسروا الکفر فلما وجدوا أعوانا علیه أظهروه (المختار ۱۶ من باب الکتب ص ۲۲۴ ج ۱۸) و راجع أیضا إلى (ص ۳۷۰ ج ۱۵ و الى ص ۵۳ ج ۱۸).
و قال الطبرسی- ره- فی التفسیر: فی هذه الایه دلاله على فضل السابقین و مزیتهم على غیرهم لما لحقهم من أنواع المشقه فی نصره الدین فمنها مفارقه العشائر و الأقربین، و منها مباینه المألوف من الدین، و منها نصره الإسلام و قله العدد و کثره العدو، و منها السبق إلى الإیمان و الدعاء إلیه- إلى أن قال: و روى الحاکم أبو القاسم الحسکانى باسناده مرفوعا إلى عبد الرحمن بن عوف فی قوله سبحانه: و السابقون الأولون قال: هم عشره من قریش أولهم إسلاما علی بن أبی طالب.
و بالجمله أن معاویه و أترابه شأنهم و قدرهم دون أن یدخلوا فی التمییز بین هؤلاء و نحوه و لیسوا بأهل لذلک و نعم ما قیل:
خلق الله للحروب رجالا | و رجالا لقصعه و ثرید | |
ثم أتى أمیر المؤمنین علیه السلام فی ذلک بمثلین کما أتى فی الأمر المقدم بالمثلین فقال علیه السلام: (هیهات لقد حن قدح لیس منها) و قد علمت فی تفسیر اللغه أنه یضرب للرجل یفتخر بقبیله لیس منها أو یتمدح بما لا یوجد فیه، و قریب منه ما یقال فی الفارسیه: من آنم که رستم جوانمرد بود، و الثانی قوله علیه السلام: (و طفق یحکم فیها من علیه الحکم لها) أى طفق یحکم فی هذه الجماعه أو القضیه أو نحوهما من علیه الحکم لها، یعنی لیس له أن یحکم فیها و قدره دون ذلک بل یجب علیه قبول الحکم الصادر من أهله فیها.
ثم نبهه على ضعفه و قصور ذرعه عن البلوغ إلى تلک المراتب السامیه و أنى للأعراج العروج إلى قلل شامخه، فقال: استفهام تحقیرى و تقریعى (ألا تربع- إلخ)، استفهام على سبیل الاسترحام أو الاستحقار و التقریع، و قد عرفت أن الظلع هو العرج و الغمز، و هل للظالع أن یحمل حملا ثقیلا؟ أى ألا ترفق بنفسک أیها الظالع حتى لا تحمل علیها ما لا تطیقه؟ و ألا تعرف قصور ذرعک و عدم قدرتک و استطاعتک عن البلوغ إلى درجه السابقین؟ و ألا تتأخر حیث أخرک قدر الله و تضع نفسک حیث وضعها الله؟.
ثم قال علیه السلام: (فما علیک غلبه المغلوب و لا لک ظفر الظافر) أتى بفاء التفریع على هذه الجمله، أی إذا کنت بمعزل عنهم و أجنبیا عن هؤلاء المهاجرین الأولین و السابقین فی الإسلام، فما علیک غلبه المغلوب أی لا تضرک، و لا لک ظفر الظافر أی لا ینفعک فدخل معاویه فیما لا یعنیه.
ثم قال علیه السلام: (و انک لذهاب فی التیه رواغ من القصد) و ذلک لأن من خرج عن زیه و دخل فیما لا یعنیه، و تکلم فوق قدره یعد کلامه فضولا، و صدق علیه مثل: لقد حن قدح لیس منها، فقد ذهب فی الضلال و مال عن الاعتدال و ما ذا بعد الحق إلا الضلال.
على أن معاویه أنکر الحق و عدل عن الصراط المستقیم حیث خرج مبارزا لمن له الحق و لمن هو على الصراط المستقیم بل لمن هو الحق و الصراط المستقیم ألا و هو إمام المتقین و قائد الغر المحجلین و خلیفه رب العالمین و من هو من خاتم النبیین بمنزله موسى من هارون علی أمیر المؤمنین علیه أفضل صلوات المصلین فمن عدل عن ذلک القسطاس المستقیم و المیزان القسط، فهو ذهاب فی التیه رواغ عن القصد.
نقل سبط ابن الجوزی فی التذکره عن أبی حامد الغزالی حیث قال فی کتاب سر العالمین و کشف ما فی الدارین بعد نقل طائفه من کلامه فی غصب الغاصبین خلافه أمیر المؤمنین علیه السلام: ثم العجب من منازعه معاویه لعلی علیه السلام الخلافه و قد قطع الرسول صلى الله علیه و سلم طمع من طمع فیها بقوله: إذا ولى خلیفتان فاقتلوا الأخیر منهما، و العجب من حق واحد کیف ینقسم بین اثنین و الخلافه لیس بجسم و لا عرض فیتجزى، قال: و قال أبو حازم: أول خلافه [حکومه- خ ل] تجرى بین العباد فی المعاد بین علی علیه السلام و معاویه فیحکم الله تعالى لعلی على معاویه و الباقون تحت المشیه، و قال صلى الله علیه و سلم لعمار: تقتلک الفئه الباغیه، و لا ینبغی للإمام أن یکون باغیا، و لأن الامامه تضیق عن شخصین، کما أن الربوبیه لا یلیق بالهین اثنین- إلى أن قال: ثم استفاض لعن علی علیه السلام على المنابر ألف شهر و کان ذلک بأمر معاویه أ تراهم أمرهم بذلک کتاب أو سنه أو إجماع؟ هذا صوره کلام الغزالی. (ص ۳۷ من التذکره الرحلی المطبوع على الحجر و المقابله الرابعه من سر العالمین ص ۲۲ من طبع النجف).
ثم أخذ أمیر المؤمنین علیه السلام بتذکیر معاویه و تنبیهه على أفضلیته و أفضلیه من هو من بیته و نسبه من بنی هاشم حیث قال: (ألا ترى غیر مخبر لک- لکن بنعمه الله احدث- أن قوما إلخ). یعنی بقوله غیر مخبر لک أنک لست بأهل أن یخاطبک مثلی کما یستفاد من سیاق الکلام، و یحتمل بعیدا أن یفسر بأن معاویه لما کان واقفا على ذلک قال الأمیر علیه السلام: غیر مخبر لک، و قوله علیه السلام: لکن بنعمه الله احدث یشیر إلى قوله تعالى فی سوره الضحى: و أما بنعمه ربک فحدث.
ثم قال علیه السلام: (قیل: سید الشهداء) یعنی بسید الشهداء عمه حمزه بن عبد المطلب رضوان الله علیه استشهد فی احد و القائل هو رسول الله صلى الله علیه و آله حیث قال:إنه سید الشهداء و خصه بسبعین تکبیره عند صلاته علیه و مضى الکلام فی شهاده حمزه و صلاه الرسول صلى الله علیه و آله و حزنه علیه فی المختار التاسع من باب الکتب (ج ۱۷) فراجع.
ثم قال علیه السلام: (إن قوما قطعت أیدیهم فی سبیل الله) یعنی به أخاه جعفر بن أبی طالب رضوان الله علیه استشهد فی غزوه موته، و قد تقدم الکلام فی شهادته و فضله فی شرح المختار التاسع المقدم ذکره أیضا فلا فائده فی الإعاده.
ثم أخذ علیه السلام بنقل فضائله و لکن أعرض عنه لما نهى الله عنه من تزکیه المرء نفسه فقال: (و لو لا ما نهى الله. إلخ)- و أراد من قوله: (لذکر ذاکر) نفسه الشریفه، ثم وصف الفضائل بأنها بلغت فی الشهره و الوضوح مبلغا تعرفها قلوب المؤمنین و لا تمجها آذان السامعین فلا ینکرها إلا عمیان القلب و فاقد السمع و سیاق الکلام یفید أنها لوضوحها لا یمکن لأحد إنکارها و إن کان غیر مؤمن یثقل علیه سماعها حیث قال علیه السلام: (و لا تمجها آذان السامعین) بعد قوله: تعرفها قلوب المؤمنین.
ثم قال علیه السلام: (فدع عنک من مالت به الرمیه) و فی نهایه الأرب: الدنیه مکان الرمیه و هی الأمر الخسیس، قیل: انه مثل و أصله أن رجلا قصد مکانا و قد عرض علیه فی أثناء طریقه صید فجعل یتبعه لیصطاده فشغله عما قصده. انتهى کلامه بترجمه منا، و لکنا لم نظفر به، و الحق ما قاله آخر من أنه کالمثل.
و أما معناه: فقال الکیدری- کما نقل عنه فی البحار: (ص ۵۳۶ ج ۸) أراد علیه السلام أنه- یعنی معاویه- مطعون فی نسبه و حسبه و أنه أزاله عن مقام التفاخر و التنافر مطاعن شهرت فیه. انتهى. ثم قال المجلسی- ره-: و کأنه حمل على الرمایه على السهام المرمیه. انتهى.
و ذکر المولى صالح القزوینی- ره- فی شرحه على النهج بالفارسیه فی معناه ثلاثه أوجه: أولها أنه علیه السلام أراد بمن نفسه الشریفه أی دعنى یا معاویه و شأنی أسکت عنک، و لم یک قصدی أن افاخرک بمفاخری و لکن تعرض لی صید فی أثناء الطریق فرمیته بسهم.
و ثالثها أنه علیه السلام أراد بمن معاویه أی دع ما یشغلک عن الحق و اترک ما لا یعنیک و دونک و شأنک و لا تکن کالذی مالت به الرمیه، و احتمله العالم الشارح البحرینی قدس سره أیضا حیث قال: و یحتمل أن تکون الإشاره إلیه بعینه على طریقه قولهم: إیاک أعنی و اسمعی یا جاره.
قلت: ما ذهب إلیه الکیدری- ره- بعید عن سیاق العباره و کذا الوجهان المذکوران سیما الأول منهما، و معنى العباره المستفاد من سیاقها أن أمیر المؤمنین علیه السلام یأمره عن عدم الالتفات إلى أقوال أبناء الدنیا کعمرو بن العاص و أضرابه أى دع قوما أمالتهم الدنیا الدنیه عن سوى الصراط، و بعد نفسک عنهم.
ثم قال علیه السلام: (فإنا صنائع ربنا و الخلق بعد صنائع لنا) إنما أتى بالفاء لأن کلامه هذا فی مساق العله لقوله علیه السلام: فدع عنک من مالت به الرمیه، أی یجب علیک ترک هؤلاء القوم الذین ضلوا عن الطریق الحق، و علیک باتباع سبیلنا لأنا صنائع ربنا فمن أعرض عنا فقد حاد عن الصراط المستقیم.
ثم إن کلامه هذا فوق کلام البشر، و فوق ما یحوم حوله العباره علیه مسحه من العلم الإلهی و لعمری أنه یجری مجرى التنزیلات السماویه، لما اشتمل علیه من أمر الخلافه الحقه، و شأن الحجج الإلهیه، و أراه کأنه موج برز من محیط عظیم، أو نور سطع من عالم الأمر الحکیم، لا یتفوه به إلا من اصطنعه الله تعالى لنفسه، و لا یقدر على الإتیان به إلا قائل إنا لامراء الکلام و فینا تنشبت عروقه و علینا تهدلت غصونه، و لا یلیق هذا الإدعاء إلا لنبی أو وصی نبی، و لا یصدر نحو هذه الکلمه العلیا إلا من قلب هو عیبه أسرار الله جل شأنه، و بالجمله:
آن کس که ز کوى آشنائیست | داند که متاع ما کجائیست | |
و قد علمت فی تفسیر اللغات أن فلانا صنیعی و صنیعتى أى اصطنعته و ربیته و خرجته و فلان صنیعتک و مصطنعک، قال عز من قائل: فلبثت سنین فی أهل مدین ثم جئت على قدر یا موسى و اصطنعتک لنفسی (طه ۴۲) أى اصطفیتک و أخلصتک و استخلصتک لنفسى کما قال عز من قائل: و اذکر فی الکتاب موسى إنه کان مخلصا (مریم ۵۲) و قال تعالى: قال یا موسى إنی اصطفیتک على الناس برسالاتی و بکلامی (الاعراف ۱۴۵)، قال جار الله الزمخشرى فی الکشاف: هذا تمثیل لما خوله من منزله التقریب و التکریم و التکلیم، مثل حاله بحال من یراه بعض الملوک لجوامع خصال فیه و خصائص أهلا لئلا یکون أحد أقرب منزله منه إلیه و لا یأتمن على مکنون سره سواه. انتهى.
و قال النیسابورى فی التفسیر: اصطنعت فلانا لنفسى إذا اصطفیته و خرجته و معناه أحسنت إلیه حتى أنه یضاف إلیه، و نقل نحوه عن القفال أیضا، ففیه غایه التشریف و التکریم.
و إذا تأملت حق التأمل بما أهدینا إلیک فی الصنیعه تجدها تجری مجری الاصطفاء و الاجتباء و الإخلاص و الاستخلاص فتدبر فی قوله تعالى: و اذکر عبادنا إبراهیم و إسحاق و یعقوب أولی الأیدی و الأبصار إنا أخلصناهم بخالصه ذکرى الدار و إنهم عندنا لمن المصطفین الأخیار (ص: ۴۸).
و قوله تعالى: و الذی أوحینا إلیک من الکتاب هو الحق مصدقا لما بین یدیه إن الله بعباده لخبیر بصیر ثم أورثنا الکتاب الذین اصطفینا من عبادنا (فاطر: ۳۲).
و قوله تعالى: الله یصطفی من الملائکه رسلا و من الناس إن الله سمیع بصیر (الحج: ۷۶).
و قوله تعالى: و تلک حجتنا آتیناها إبراهیم على قومه- إلى قوله: و إسماعیل و الیسع و یونس و لوطا و کلا فضلنا على العالمین و من آبائهم و ذریاتهم و إخوانهم و اجتبیناهم و هدیناهم إلى صراط مستقیم.
و فی قوله تعالى: أولئک الذین أنعم الله علیهم من النبیین من ذریه آدم و ممن حملنا مع نوح و من ذریه إبراهیم و إسرائیل و ممن هدینا و اجتبینا إذا تتلى علیهم آیات الرحمن خروا سجدا و بکیا (مریم: ۵۹).
و فی قوله تعالى: کذلک لنصرف عنه السوء و الفحشاء إنه من عبادنا المخلصین (یوسف: ۲۵)، و قوله تعالى: و قال الملک ائتونی به أستخلصه لنفسی (یوسف: ۵۵).
ثم لا یخفى علیک لطف کلامه علیه السلام: فانا صنائع ربنا و الناس بعد صنائع لنا من حیث إتیانه الضمیر على هیئه الجمع دون المفرد یعنى أن جمیع حجج الله اصطنعهم الله تعالى لنفسه و اصطفیهم بین سائر عباده فهو علیه السلام ینادى بأعلى صوته بأن خلیفه الله لا بد من أن یکون منصوبا من عنده تبارک و تعالى، کما أفاد بکلامه هذا أعنى: فإنا صنائع ربنا أنهم معصومون أیضا و ذلک لأن الله لا یصطنع لنفسه من لا یکون معصوما و قد مر بحثنا عن ذلک مشبعا فی الإمام و صفاته فی شرح المختار ۲۳۷ من باب الخطب (ص ۳۳- إلى- ۱۷۶ من ج ۱۶).
و قد مضى کلام ثامن الأئمه علیهم السلام فی ذلک أیضا من أن العبد إذا اختاره الله عز و جل لامور عباده شرح صدره لذلک و أودع قلبه ینابیع الحکمه و ألهمه العلم إلهاما فلم یعى بعده بجواب و یحیر فیه عن الصواب و هو معصوم مؤید موفق مسدد قد أمن الخطایا و الزلل و العثار و خصه الله بذلک لیکون حجه على عباده و شاهده على خلقه و ذلک فضل الله یؤتیه من یشاء و الله ذو الفضل العظیم.
و أفاد علیه السلام بکلامه: و الناس صنائع لنا، أنهم علیهم السلام وسائط فیض الله تعالى بین الله المتعال و بین عباده، و بقوله: إنا صنائع ربنا أنه لا واسطه بینهم و بین الله تعالى. ثم إن فی سیاق العباره إیماء إلى أن من بلغ هذه المرتبه و المنزله إکراما من الله تعالى حتى اصطفیه الله و اتخذه صنیعته و جعل الناس صنائع له فکیف یجعل غیره عدله فضلا عن أن یجعل أفضل منه و إن کان للغیر قرب صورى و ظاهرى من رسول الله صلى الله علیه و آله و أنى هذه المنزله الاعتباریه و من هو ممن اجتبیه الله تعالى و اصطنعه لنفسه.
مجاز ثم قال علیه السلام: (لم یمنعنا قدیم عزنا- إلخ) معناه على نصب کلمتى قدیم و عادى حتى تکونا مفعولین و جمله أن خلطناکم مرفوعه على الفاعلیه أن المخالطه بیننا و بینکم بالنکاح أى تزوجنا فیکم و تزوجکم فینا کفعل الأکفاء لا یمنعنا قدیم عزنا و لا عادى طولنا علیکم و الحال أنکم لستم فی مرتبه المماثله لنا و کیف یکونون الأکفاء لنا و الحال منا النبی و منکم المکذب إلخ.
و أما معناه على رفع الکلمتین کما فی نسخه الرضی رضوان الله علیه و هو الصواب فأن یقال: إن قدیم عزنا و فضلنا علیکم لم یمنعنا أن خلطناکم بأنفسنا فنکحنا و أنکحنا فعل الأکفاء و الحال أنکم لستم فی مرتبه الأکفاء لنا، کما أن بیوت العز و الشرف یتأنفون عن مخالطه من دونهم کذلک.
أفاد الفاضل الشارح المعتزلی بقوله: و ینبغی أن یحمل قوله علیه السلام قدیم و عادى على مجازه لا على حقیقته لأن بنی هاشم و بنی امیه لم یفترقا فی الشرف إلا مذ نشأ هاشم بن عبد مناف و عرف بأفعاله و مکارمه و نشأ حینئذ أخوه عبد شمس و عرف بمثل ذلک و صار لهذا بنون و لهذا بنون و ادعى کل من الفریقین أنه أشرف بالفعال من الاخر ثم لم یکن المده بین نشاء هاشم و اظهار محمد صلى الله علیه و آله الدعوه إلا نحو تسعین سنه و مثل هذه المده القصیره لا یقال فیها قدیم عزنا و عادى طولنا فیجب أن یحمل اللفظ على مجازه لأن الأفعال الجمیله کما تکون عادیه تکون بکثره المناقب و الماثر و المفاخر و إن کانت المده قصیره، و لفظه قدیم ترد و لا یراد بها قدم الزمان بل من قولهم لفلان قدم صدق و قدیم أثر أى سابقه حسنه.
أقول: و یؤیده روایه صبح الأعشى: لم یمنعنا قدیم عزنا و مدید طولنا، فان لفظه مدید قرینه على أن القدیم لیس بمعناه المطابقی، و یمکن أن یقال: إن للقدیم توسعا فی المحاوراه کما یقال من قدیم الدهر و من زمان قدیم و ان لم یمض من الزمان إلا نحو تسعین سنه فلا یکون تجوز على هذا الوجه.
و قال العلامه المجلسى- ره- فی البحار (ص ۵۳۶ ج ۸): و قد ظهر لک مما سبق أن بنی امیه لم یکن لهم نسب صحیح لیشارکوا فی الحسب آباءه علیه السلام، مع أن قدیم عزهم لم ینحصر فی النسب بل أنوارهم علیهم السلام أول المخلوقات و من بدأ خلق أنوارهم إلى خلق أجسادهم و ظهور آثارهم کانوا معروفین بالعز و الشرف و الکمالات فی الأرضین و السماوات یخبر بفضلهم کل سلف خلفا و رفع الله ذکرهم فی کل امه عزا و شرفا، انتهى کلامه- ره-.
و أقول: قد ذکرنا نبذه من خلال بنی هاشم و أنموذجه من شیم بنی امیه فی شرح المختار السابع عشر من باب الکتب (من ص ۲۵۷- إلى- ص ۲۷۰ ج ۱۸)، فراجع. ثم أخذ علیه السلام فی بیان عدم کون بنی امیه فی مرتبه المماثله لبنی هاشم و نفی کونهم أهلا للمخالطه بقوله: (و أنى یکون ذلک کذلک و منا النبی و منکم المکذب) و المکذب هو أبو سفیان صخر بن حرب کان عدو رسول الله و المکذب له و ما أسلم آخر الأمر بل استسلم کما مضى الکلام فی استسلام القوم فی شرح کلام أمیر المؤمنین علیه السلام: و الذی فلق الحبه و برأ النسمه ما أسلموا و لکن استسلموا و أسروا الکفر فلما وجدوا أعوانا علیه أظهروه. (المختار ۱۶ من باب الکتب ص ۱۹۰ ج ۱۸).
و کان أبو سفیان أصل الشجره الملعونه و ما من فتنه ظهرت من قریش على رسول الله صلى الله علیه و آله و المسلمین إلا کان له قدم راسخ و سعی بالغ فیها ثم استسلم عام الفتح إما رغبه و إما رهبه کما قال أمیر المؤمنین علی علیه السلام فی المختار السابع عشر من هذا الباب (ص ۲۲۸ ج ۱۸): و لما أدخل الله العرب فی دینه أفواجا و أسلمت له هذه الامه طوعا و کرها کنتم ممن دخل فی الدین إما رغبه و إما رهبه و راجع فی ذلک إلى ص ۲۲۴ من ج ۱۸ أیضا، و مات أبو سفیان فی سنه ۳۱ ه منافقا أعمى القلب و العینین، و تقدم طائفه من رذائل شیمه فی تفسیر المختار السابع عشر من باب الکتب (ص ۲۶۵ ج ۱۸ فراجع).
قال الواقدى فی المغازى (ص ۹۰ طبع مصر): و لما رجعت قریش إلى مکه- یعنى من غزوه بدر منهزمین- قام فیهم أبو سفیان بن حرب فقال: یا معشر قریش لا تبکوا على قتلاکم و لا تنوح علیهم نائحه و لا یبکیهم شاعر و أظهروا الجلد و العزاء فإنکم إذا نحتم علیهم و بکیتموهم بالشعر أذهب ذلک غیظکم، فأکلکم ذلک عن عداوه محمد و أصحابه، مع أنه إن بلغ محمدا و أصحابه شمتوا بکم فیکون أعظم المصیبتین شماتتهم، و لعلکم تدرکون ثارکم فالدهن و النساء على حرام حتى أغزو محمدا، فمکثت قریش شهرا لا یبکیهم شاعر و لا تنوح علیهم نائحه.
و قال غیر واحد من شراح النهج: المکذب هو أبو جهل، کان أشد الناس عداوه للنبی صلى الله علیه و آله، قتل یوم بدر کافرا و قال رسول الله صلى الله علیه و آله فی حقه لما قتل:إن هذا أعتى على الله من فرعون إن فرعون لما أیقن بالهلاک وحد الله و إن هذا لما أیقن بالهلاک دعا باللات و العزى.
و قال الشارح البحرانى قدس سره: المکذب هو أبو جهل بن هشام و إلیه الاشاره بقوله: و ذرنی و المکذبین الایه (المزمل: ۱۱) قیل نزلت فی المطیبین ببدر و کانوا عشره و هم: أبو جهل و عتبه و شیبه ابنا ربیعه بن عبد شمس و نبیه و منبه ابنا الحجاج و أبو البخترى بن هشام و النضر بن الحارث و الحارث بن عامر و أبی بن خلف و زمعه بن الأسود فذکر علیه السلام النبی صلى الله علیه و آله بفضیلته و هی النبوه و ذکر أبا جهل برذیلته و هی تکذیبه، انتهى کلامه- ره-.
قلت: و سیأتی البیان فی المطیبین و حلفهم و حلف الفضول بعید هذا.
قال ابن هشام فی السیره النبویه (ص ۳۶۲ ج ۱) فی أبی جهل و ما أنزل الله تعالى فیه: و أبو جهل بن هشام لما ذکر الله عز و جل شجره الزقوم تخویفا بها لهم قال: یا معشر قریش، هل تدرون ما شجره الزقوم التی یخوفکم بها محمد؟
قالوا: لا، قال: عجوه یثرب بالزبد، و الله لئن استمکنا منها لنتزقمنها تزقما فأنزل الله تعالى فیه: إن شجره الزقوم طعام الأثیم کالمهل یغلی فی البطون کغلی الحمیم، أى لیس کما یقول انتهى.
أقول: المراد من التقابل بین منا و منکم فی کلام أمیر المؤمنین علیه السلام هو التقابل بین بنی هاشم و بنی امیه کما لا یخفى، و أبو جهل لعنه الله تعالى و إن کان أعدا عدو رسول الله صلى الله علیه و آله و ألد خصامه و المکذبین له لکنه هو أبو جهل عمرو بن هشام بن المغیره المخزومی من بنی مخزوم بن مره من قریش فهو لیس من بنی امیه فلا یصح أن یفسر قول أمیر المؤمنین علیه السلام و منکم المکذب بأبی جهل لعنه الله تعالى و أى عار یلزم معاویه من هذا التفسیر؟.
ثم قال علیه السلام: (و منا أسد الله و منکم أسد الأحلاف) عنى بأسد الله حمزه بن عبد المطلب بن هاشم عم النبی صلى الله علیه و آله سماه رسول الله بذلک لشجاعته و ذبه عن دین الله.
و فی الاصابه لابن حجر: أسلم حمزه علیه السلام فی السنه الثانیه من البعثه و لازم نصر رسول الله صلى الله علیه و آله و هاجر معه، شهد بدرا و أبلى فی ذلک و قتل شیبه بن ربیعه و شارک فی قتل عتبه بن ربیعه أو بالعکس، و قتل طعیمه بن عدى و عقد له رسول الله صلى الله علیه و آله لواء و أرسله فى سریه فکان ذلک أول لواء عقد فی الإسلام فی قول المدائنى و استشهد باحد و کان ذلک فی النصف من شوال سنه ثلاث من الهجره فعاش دون ستین، و یقال إنه قتل باحد قبل أن یقتل أکثر من ثلاثین نفسا، و لقبه رسول الله صلى الله علیه و آله أسد الله و سماه سید الشهداء- انتهى ما أردنا نقله منها.
و فی اسد الغابه: لما أسلم حمزه عرفت قریش أن رسول الله صلى الله علیه و آله قد عز و امتنع و أن حمزه سیمنعه فکفوا عن بعض ما کانوا یتناولون منه ثم هاجر إلى
المدینه و شهد بدرا و أبلى فیها بلاء عظیما مشهورا- إلى أن قال: و کان حمزه یعلم فی الحرب بریشه نعامه، و قاتل یوم بدر بین یدی رسول الله صلى الله علیه و آله بسیفین و قال بعض اسارى الکفار: من الرجل المعلم بریشه نعامه؟ قالوا: حمزه، قال: ذاک فعل بنا الأفاعیل، و شهد احدا فقتل بها یوم السبت النصف من شوال و کان قتل من المشرکین قبل أن یقتل أحدا و ثلاثین نفسا منهم سباع الخزاعى قال له حمزه: هلم إلى یا ابن مقطعه البظور و کانت امه ختانه فقتله.
قال: قال ابن إسحاق: کان حمزه یقاتل یومئذ بسیفین فقال قائل أى أسد هو حمزه فبینما هو کذلک إذ عثر عثره وقع منها على ظهره فانکشف الدرع عن بطنه فزرقه وحشى الحبشى مولى جبیر بن مطعم بحربه فقتله و مثل به المشرکون إلى أن قال:
و روى جابر قال: لما رأى رسول الله صلى الله علیه و آله حمزه قتیلا بکى فلما رأى ما مثل به شهق و قال: لو لا أن تجد صفیه لترکته حتى یحشر من بطون الطیر و السباع، وصفیه هی ام الزبیر و هی اخته، انتهى ما أردنا من نقل کلامه.
و أما اسد الأحلاف، فقال بعض الشراح: هو أبو سفیان و قیل لأبی سفیان أسد الأحلاف لأنه حالف الأحزاب على قتال رسول الله صلى الله علیه و آله حول المدینه و زلزل المؤمنون بمکانهم زلزالا شدیدا إلى أن فرق الله تعالى جمعهم کما حکاه فی قوله: فأرسلنا علیهم ریحا و جنودا لم تروها.
و تبعه الفاضل الشیخ محمد عبده قال: أسد الله حمزه، و أسد الأحلاف أبو سفیان لأنه حزب الأحزاب و حالفهم على قتال النبی فی غزوه الخندق، انتهى کلامه.
قلت: هذا تفسیر وجیه ملائم غیر أن اسلوب الکلام یوجب أن یکون أسد الأحلاف ههنا غیره لما دریت أن أبا سفیان کان المکذب فأسد الأحلاف غیره.
و قال العالم الشارح البحرانی: هو أسد بن عبد العزی و الأحلاف هم عبد مناف و زهره و أسد و تیم و الحارث بن فهر و سموا الأحلاف لأن بنی قصى أرادوا أن ینتزعوا بعض ما کان بأیدى بنی عبد الدار من اللواء و الندوه و الحجابه و الرفاده
و هی کل شیء کان فرضه قصى على قریش لطعام الحاج فی کل سنه و لم یکن لهم إلا السقاته فتحالفوا على حربهم و أعدوا للقتال ثم رجعوا عن ذلک ناکصین و أقروا ما کان بأیدیهم، انتهى کلامه.
قلت: أسد بن عبد العزى هو جد خدیجه زوجه رسول الله صلى الله علیه و آله لأنها خدیجه بنت خویلد بن أسد بن عبد العزى بن قصى بن کلاب بن مره بن کعب ابن لؤى بن غالب بن فهر، کما فی السیره النبویه لابن هشام (ص ۱۸۹ ج ۱ من طبع مصر ۱۳۷۵ ه).
و الرفاده على التفصیل مذکوره فی السیره النبویه لابن هشام أیضا (ص ۱۳۰ ج ۱) و قد نقلنا نبذه من الکلام فی السقایه و الرفاده فی شرح المختار السابع عشر من باب الکتب (ص ۲۶۴ ج ۱۸).
ثم ذکر ابن هشام بعد الکلام فی الرفاده حلف المطیبین ثم حلف الفضول قال: قال ابن إسحاق ثم إن قصى بن کلاب هلک فأقام أمره فی قومه و فی غیرهم بنوه من بعده فاختطوا مکه رباعا، بعد الذی کان قطع لقومه بها، فکانوا یقطعونها فی قومهم و فی غیرهم من حلفائهم و یبیعونها فأقامت على ذلک قریش معهم لیس اختلاف و لا تنازع.
ثم إن بنى عبد مناف ابن قصى: عبد شمس و هاشما و المطلب و نوفلا أجمعوا على أن یأخذوا ما بأیدى بنی عبد الدار بن قصى مما کان قصى جعل إلى عبد الدار من الحجابه و اللواء و السقایه و الرفاده و رأوا أنهم أولى بذلک منهم لشرفهم علیهم، و فضلهم فی قومهم فتفرقت عند ذلک قریش، فکانت طائفه مع بنی عبد مناف على رأیهم یرون أنهم أحق به من بنی عبد الدار لمکانهم فی قومهم، و کانت طائفه مع بنی عبد الدار یرون أن لا ینزع منهم ما کان قصى جعل إلیهم.
فکان صاحب أمر بنى عبد مناف عبد شمس بن عبد مناف و ذلک أنه کان أسن بنى عبد مناف و کان صاحب أمر بنى عبد الدار عامر بن هاشم بن عبد مناف ابن عبد الدار، فکان بنو أسد بن عبد العزی بن قصى، و بنو زهره بن کلاب و بنو تیم بن مره بن کعب، و بنو الحارث بن فهر بن النضر، مع بنى عبد مناف.
و کان بنو مخزوم بن یقظه بن مره، و بنو سهم بن عمرو بن هصیص بن کعب و بنو جمح بن عمرو بن هصیص بن کعب، و بنو عدى بن کعب مع بنی عبد الدار و خرجت عامر بن لؤى و محارب بن فهر فلم یکونوا مع واحد من القریقین.
فعقد کل قوم على أمرهم حلفا مؤکدا، على أن لا یتخاذلوا و لا یسلم بعضهم بعضا ما بل بحرصوفه- یرید إلى الأبد، و صوف البحر: شیء على شکل الصوف الحیوانی، واحدته: صوفه، یقال: لا آتیک ما بل بحرصوفه، أو ما بل البحرصوفه یرید لا آتیک أبدا-.
فأخرج بنو عبد مناف جفنه مملوءه طیبا فیزعمون أن بعض نساء بنی عبد مناف أخرجتها لهم فوضعوها لأحلافهم فی المسجد عند الکعبه، ثم غمس القوم أیدیهم فیها فتعاقدوا و تعاهدوا هم و حلفاؤهم، ثم مسحوا الکعبه بأیدیهم توکیدا على أنفسهم فسمو المطیبین.
و تعاقد بنو عبد الدار و تعاهدوا هم و حلفاؤهم عند الکعبه حلفا مؤکدا على أن لا یتخاذلوا، و لا یسلم بعضهم بعضا فسموا الأحلاف.
ثم سوند بین القبائل و لز بعضها ببعض فعبیت بنو عبد مناف لبنی سهم، و عبیت بنو أسد لبنی عبد الدار، و عبیت زهره لبنی جمح، و عبیت بنو تمیم لبنی مخزوم و عبیت بنو الحارث بن فهر لبنی عدی بن کعب. ثم قالوا: لتفن کل قبیله من اسند إلیها.
فبینا الناس على ذلک قد أجمعوا للحرب إذ تداعوا إلى الصلح على أن یعطوا بنی عبد مناف السقایه و الرفاده، و أن تکون الحجابه و اللواء و الندوه لبنی عبد الدار کما کانت، ففعلوا و رضى کل واحد من الفریقین بذلک و تحاجز الناس عن الحرب، و ثبت کل قوم مع من حالفوا، فلم یزالوا على ذلک حتى جاء الله تعالى بالإسلام، فقال رسول الله صلى الله علیه و آله: ما کان من حلف فی الجاهلیه فإن الإسلام لم یزده إلا شده.
حلف الفضول و سبب تسمیته کذلک
قال ابن هشام: و أما حلف الفضول: فحدثنی زیاد بن عبد الله البکائی، عن محمد بن إسحاق قال: تداعت قبائل من قریش إلى حلف فاجتمعوا له فی دار عبد الله بن جدعان بن عمرو بن کعب بن سعد بن تیم بن مره بن کعب بن لؤى، لشرفه و سنه فکان حلفهم عنده، بنو هاشم، و بنوا المطلب، و أسد بن عبد العزى، و زهره بن کلاب، و تیم بن مره فتعاقدوا و تعاهدوا على أن لا یجدوا بمکه مظلوما من أهلها و غیرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه، و کانوا على من ظلمه حتى ترد علیه مظلمه فسمت قریش ذلک الحلف حلف الفضول.
قال: قال ابن إسحاق: و حدثنی محمد بن زید بن المهاجر بن قنفذ التیمی أنه سمع طلحه بن عبد الله بن عوف الزهری یقول: قال رسول الله صلى الله علیه و آله: لقد شهدت فی دار عبد الله بن جدعان حلفا ما احب أن لی به حمر النعم و لو ادعى به فی الإسلام لأجبت.
قال: قال ابن إسحاق: و حدثنی یزید بن عبد الله بن اسامه بن الهادی اللیثی: أن محمد بن إبراهیم بن الحارث التیمی حدثه: أنه کان بین الحسین ابن علی بن أبی طالب علیهم السلام، و بین الولید بن عتبه بن أبی سفیان، و الولید یومئذ أمیر على المدینه أمره علیها عمه معاویه بن سفیان منازعه فی مال کان بینهما بذی المروه، فکان الولید تحامل على الحسین علیه السلام فی حقه لسلطانه، فقال له الحسین:
احلف بالله لتنصفنی من حقی أو لاخذن سیفی، ثم لأقومن فی مسجد رسول الله صلى الله علیه و آله ثم لأدعون بحلف الفضول.
قال: فقال عبد الله بن الزبیر و هو عند الولید حین قال الحسین علیه السلام ما قال:
و أنا أحلف بالله لئن دعا به لاخذن سیفی ثم لأقومن معه حتى ینصف من حقه أو نموت جمیعا، قال: فبلغت المسور بن مخرمه بن نوفل الزهری فقال مثل ذلک و بلغت عبد الرحمن بن عثمان بن عبید الله التیمی فقال مثل ذلک فلما بلغ ذلک
الولید بن عتبه أنصف الحسین علیه السلام من حقه حتى رضى.
قال: قال ابن إسحاق: و حدثنی یزید بن عبد الله بن اسامه بن الهادی اللیثی عن محمد بن إبراهیم بن الحارث التیمی، قال: قدم محمد بن جبیر بن مطعم بن عدی بن نوفل بن عبد مناف- و کان محمد بن جبیر أعلم قریش- على عبد الملک ابن مروان بن الحکم حین قتل ابن الزبیر و اجتمع الناس على عبد الملک، فلما دخل علیه قال له: یا أبا سعید أ لم نکن نحن و أنتم، یعنى بنی عبد شمس ابن عبد مناف، و بنی نوفل بن عبد مناف، فی حلف الفضول؟ قال: أنت أعلم، قال عبد الملک: لتخبرنى یا أبا سعید بالحق من ذلک فقال: لا و الله، لقد خرجنا نحن و أنتم منه! قال: صدقت، تم خبر حلف الفضول.
و المنقول عن الروض الأنف فی سبب تسمیه هذا الحلف بهذا الاسم أن جرهما فی الزمن الأول، قد سبقت قریشا إلى مثل هذا الحلف فتحالف منهم ثلاثه هم و من تبعهم أحدهم: الفضل بن فضاله، و الثانی: الفضل بن وداعه، و الثالث: فضیل بن الحارث و قیل: بل هم: الفضیل بن شراعه، و الفضل بن وداعه، و الفضل بن قضاعه، فلما أشبه حلف قریش هذا حلف هولاء الجرهمیین سمى حلف الفضول.
و قیل: بل سمى کذلک لأنهم تحالفوا أن ترد الفضول على أهلها، و ألا یغزو ظالم مظلوما.
و کان حلف الفضول هذا قبل البعث بعشرین سنه، و کان أکرم حلف و أشرفه و أول من تکلم به و دعا إلیه الزبیر بن عبد المطلب، و کان سببه أن رجلا من زبید قدم مکه ببضاعه، فاشتراها منه العاصى بن وائل، و کان ذا قدر بمکه و شرف فحبس عنه حقه، فاستعدى علیه الزبیدى الأحلاف: عبد الدار، و مخزوما، و جمح و سهما، و عدى بن کعب، فأبوا أن یعینوه على العاصى، و زبروه، فلما رأى الزبیدى الشر، أوفى على أبى قبیس عند طلوع الشمس، و قریش فی أندیتهم حول الکعبه فصاح بأعلى صوته:
یا آل فهر لمظلوم بضاعته | ببطن مکه نائى الدار و النفر | |
و محرم أشعث لم یقض عمرته | یا للرجال و بین الحجر و الحجر | |
إن الحرام لمن تمت کرامته | و لا حرام لثوب الفاجر الغدر | |
فقام فی ذلک الزبیر بن عبد المطلب، و قال: ما لهذا مترک، فاجتمعت هاشم و زهره، و تیم بن مره، فی دار ابن جدعان، فصنع لهم طعاما و تعاقدوا، و کان حلف الفضول، و کان بعدها أن أنصفوا الزبیدى من العاصى، انتهى ما عن الروض الأنف.
و الغرض من نقل حلف المطیبین و حلف الفضول من السیره أن یعلم أن تفسیر أسد الأحلاف بأسد بن عبد العزی لیس بصواب و کأن الشارح البحرانی تبع فی هذا التفسیر قطب الدین الراوندی رضوان الله علیه، و قد نقل کلامه ابن أبی الحدید فی شرحه على النهج ثم خطاه و الحق مع ابن أبی الحدید فی المقام، قال:
قال الراوندی: المکذب من کان یکذب رسول الله صلى الله علیه و آله عنادا من قریش و أسد الأحلاف أسد بن عبد العزى قال: لأن بنی أسد بن عبد العزى کانوا أحد البطون الذین اجتمعوا فی حلف المطیبین و هم بنو أسد بن عبد العزی، و بنو عبد مناف، و بنو تمیم بن مره، و بنو زهره، و بنو الحارث بن فهر.
ثم قال ابن أبی الحدید: هذا کلام طریف جدا لأنه لم یلحظ أنه یجب أن یجعل بازاء النبی صلى الله علیه و آله مکذب من بنى عبد شمس فقال: المکذب من کذب النبی صلى الله علیه و آله من قریش عنادا و لیس کل من کذبه صلى الله علیه و آله من قریش أن یعیر معاویه به، ثم قال: أسد الأحلاف أسد بن عبد العزی و أى عار یلزم معاویه من ذلک؟ ثم إن بنى عبد مناف کانوا فی هذا الحلف و على و معاویه من بنی عبد مناف و لکن الراوندی یظلم نفسه بتعرضه لما لا یعلمه، انتهى کلام ابن أبی الحدید.
و الصواب أن أسد الأحلاف هو عتبه بن ربیعه، قال الواقدی فی الجزء الثالث من غزوه بدر من کتابه فی مغازى رسول الله صلى الله علیه و آله (ص ۴۹ من طبع مصر ه ۱۳۶۷):
و المشرکون ینظرون على صفوفهم و هم یرون أنهم ظاهرون، فدنا الناس بعضهم من بعض فخرج عتبه و شیبه و الولید حتى فصلوا من الصف ثم دعوا إلى المبارزه، خرج إلیهم فتیان ثلاثه من الأنصار و هم بنو عفراء معاذ و معوذ و عوف بنو الحارث، و یقال ثالثهم عبد الله بن رواحه، و الثبت عندنا أنهم بنو عفراء فاستحیى رسول الله صلى الله علیه و آله من ذلک، و کره أن یکون أول قتال لقى المسلمون فیه المشرکین فی الأنصار و أحب أن تکون الشوکه لبنی عمه و قومه، فأمرهم فرجعوا إلى مصافهم و قال لهم خیرا.
ثم نادى منادی المشرکین: یا محمد أخرج لنا الأکفاء من قومنا، فقال لهم رسول الله صلى الله علیه و آله: یا بنی هاشم قوموا فقاتلوا بحقکم الذی بعث الله به نبیکم إذ جاءوا بباطلهم لیطفئوا نور الله.
فقام حمزه بن عبد المطلب، و علی بن أبی طالب، و عبیده بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف فمشوا إلیهم.
فقال عتبه: تکلموا نعرفکم- و کان علیهم البیض فأنکروهم- فإن کنتم أکفاء قاتلناکم.
فقال حمزه بن عبد المطلب: أسد الله و أسد رسوله. قال عتبه: کفؤ کریم.
ثم قال عتبه: و أنا أسد الحلفاء، و من هذان معک؟ قال: علی بن أبی طالب، و عبیده بن الحارث، قال: کفؤان کریمان.
ثم قال الواقدی: قال ابن أبی الزناد، عن أبیه قال: لم أسمع لعتبه کلمه قط أوهن من قوله:- أنا أسد الحلفاء- یعنی حلفاء الأجمه.
ثم قال عتبه لابنه: قم یا ولید، فقام الولید، و قام إلیه على علیه السلام و کان أصغر النفر فقتله على علیه السلام، ثم قام عتبه، و قام إلیه حمزه فاختلفا ضربتین فقتله حمزه رضی الله عنه، ثم قام شیبه و قام إلیه عبیده بن الحارث و هو یومئذ أسن أصحاب رسول الله صلى الله علیه و آله فضرب شیبه رجل عبیده بذباب السیف فأصاب عضله ساقه فقطعها، و کر حمزه و على على شیبه فقتلاه، و احتملا عبیده فحازاه إلى الصف و مخ ساقه
یسیل فقال عبیده: یا رسول الله أ لست شهیدا؟ قال: بلى، قال: أما و الله لو کان أبو طالب حیا لعلم أنا أحق بما قال منه حین یقول:
کذبتم و بیت الله نخلى محمدا | و لما نطاعن دونه و نناضل | |
و نسلمه حتى نصرع حوله | و نذهل عن أبنائنا و الحلائل | |
إلى آخر ما ذکره الواقدی فی المغازی.
و عتبه هذا هو جد معاویه من قبل امه فان هندا ام معاویه هی بنت عتبه ابن ربیعه بن عبد شمس، ففی المقابله فی کلام أمیر المؤمنین علیه السلام: منا أسد الله و منکم أسد الأحلاف بحمزه من بنی هاشم و عتبه من بنی امیه جد معاویه مما لا ینبغی أن یرتاب فیه و هذا هو التفسیر الصحیح بلا مدافع.
و الحلفاء فی قول عتبه هل هو مفرد أو جمع، فذهب أبو الزناد إلى أنه مفرد فهی بفتح الحاء و سکون اللام ففى أقرب الموارد: الحلفاء نبت أطرافه محدده کأنها أطراف سعف النخل و الخوص ینبت فی مغایض الماء و النزوز الواحده حلفه مثل قصبه و قصباء، و طرفه و طرفاء، و قیل: واحدته حلفاء، قال سیبویه: الحلفاء واحد و جمیع و کذلک طرفاء و بهمى و شکاعى واحده و جمیع، و من ذلک أنا الذی فی الحلفاء، أراد أنا الأسد لأن مأوى الأسد الاجام و منابت الحلفاء. انتهى.
و فی منتهى الأرب، حلفاء کحمراء و حلف محرکه: گیاه دوخ، و هذا هو المراد من قوله: یعنى حلفاء الأجمه. و أما على الجمع فهی جمع الحلیف أی المحالف قال أبو ذؤیب:
فسوف تقول إن هی لم تجدنى | أخان العهد أم أثم الحلیف | |
قال ابن أبی الحدید بعد نقل ما نقلناه عن الواقدی: قلت: قد روى هذه الکلمه على صیغه اخرى: و أنا أسد الحلفاء، و روى أنا أسد الأحلاف.
ثم قال: قالوا فی تفسیرهما: أراد أنا سید أهل الحلف المطیبین، و کان الذین حضروه بنی عبد مناف و بنی أسد بن عبد العزى و بنی تیم و بنی زهره و بنی الحارث
ابن فهر خمس قبائل.
قال: و رد قوم هذا التأویل فقالوا: إن المطیبین لم یکن یقال لهم الحلفاء و لا الأحلاف و إنما ذلک لقب خصومهم و أعدائهم الذین وقع التحالف لأجلهم و هم بنو عبد الدار و بنو مخزوم و بنو سهم و بنو جمح و بنو عدى بن کعب خمس قبائل.
قال: و قال قوم فی تفسیرهما: إنما عنى حلف الفضول و کان بعد حلف المطیبین بزمان و شهد حلف الفضول رسول الله صلى الله علیه و آله و هو صغیر فی دار ابن جدعان- ثم نقل قصه حلف الفضول فقال: و هذا التفسیر أیضا غیر صحیح لأن بنی عبد الشمس لم یکونوا فی حلف الفضول فقد بان أن ما ذکره الواقدى أصح و أثبت انتهى کلامه.
و قد نقلنا کلام ابن أبی الحدید من الجزء الرابع عشر من شرحه على الکتاب التاسع من النهج أوله: و من کتاب له علیه السلام إلى معاویه: فأراد قومنا قتل نبینا و اجتیاح أصلنا- إلخ (ص ۱۷۸ ج ۲ من الطبع على الحجر).
قلت: ما قال ابن الحدید من أنه روى هذه الکلمه على صیغه اخرى فالاولى منهما أعنى و أنا أسد الحلفاء على صیغه الجمع و مفرده حلیف، و الثانیه منهما أعنى أنا أسد الأحلاف مطابق لما فی نهج البلاغه و لا بعد أن یقال: إذا دار الأمر بین ما اختاره الرضی و بین ما فی النسخ الاخرى فما اختاره الرضى فهو الأقوى لأنه رضوان الله علیه متضلع فی البلاغه و خریت هذه الصناعه فینبغی أن یختار صیغه أسد الأحلاف کما اختارها.
و یبقی الکلام حینئذ فی تفسیر أسد الأحلاف أعنى بیان المراد منه فی المقام فان تفسیره بالوجهین السابقین أعنى بحلف المطیبین و حلف الفضول کما نقلهما ابن أبی الحدید عن القوم لیس على ما ینبغی، و أرى أن الصواب فی تفسیره المناسب للمقام هو ما أفاده الفاضل أحمد زکى صفوت فی جمهره رسائل العرب (ص ۴۵۰ ج ۱) حیث قال بعد نقل کلام ابن أبی الحدید المذکور آنفا:غیر أن ابن أبی الحدید مع ما ذکره من تفنید هذین التفسیرین، لم یبین المراد بالأحلاف أو الحلفاء فی روایه من روى «أنا أسد الأحلاف» و «أنا أسد الحلفاء جمعا» و أقول: إننا إذا بحثنا عمن قتلوا من مشرکى قریش یوم بدر وجدناهم: من بنی عبد شمس بن عبد مناف، و من بنى نوفل بن عبد مناف، و من بنی أسد بن عبد العزى ابن قصى، و من بنى عبد الدار بن قصى، و من بنی تیم بن مره بن کعب بن لؤى و من بنى مخزوم بن یقظه بن مره، و من بنی جمح بن عمرو بن هصیص بن کعب ابن لؤى، و من بنی سهم بن عمرو بن هصیص، و من بنى عامر بن لؤى، (راجع کتب السیره) أى ان هذه البطون من قریش کانت قد تازرت و اتفقت کلمتها على حرب محمد صلى الله علیه و آله و إن شئت فقل إنهم قد تحالفوا على قتاله- و إن لم ینقل إلینا التاریخ أنهم قد عقدوا بینهم على ذلک حلفا بمعناه الأخص- ثم و لوا أمرهم عتبه ابن ربیعه فکان قائدهم و صاحب حربهم، فهو إذ یقول: «أنا أسد الأحلاف» یبغی أن یقول أنه أسد هذه البطون القرشیه المتناصره على قتال المسلمین انتهى کلامه.
قلت: و یؤیده ما نقله الواقدی فی المغازى (ص ۴۵) بعد نقل واقعه: أن حکیم بن حزام أتى عتبه بن ربیعه فقال: یا أبا الولید أنت کبیر قریش و سیدها و المطاع فیها فهل لک أن لا تزال منها بخیر آخر الدهر مع ما فعلت یوم عکاظ و عتبه یومئذ رئیس الناس- إلى أن قال: ثم جلس عتبه على جمله فسار فی المشرکین من قریش یقول: یا قوم أطیعونى،- إلخ.
و روى البخارى فی صحیحه بعده طرق عن أبی مجلز، عن قیس بن عباد عن أبی ذر رضوان الله علیه قال: نزلت «هذان خصمان اختصموا فی ربهم» فی سته من قریش برزوا یوم بدر: علی علیه السلام و حمزه و عبیده بن الحارث، و شیبه و عتبه ابنى ربیعه و الولید بن عتبه، فراجع إلى (ص ۹۵) من الجزء الخامس منه.
ثم قال علیه السلام: (و منا سیدا شباب أهل الجنه و منکم صبیه أهل النار) سیدا شباب أهل الجنه هما الحسن و الحسین علیهما السلام کما نص جدهما رسول الله صلى الله علیه و آله بذلک و قد أغنانا شهرته و استفاضته بین الفریقین إن لم نقل ببلوغه إلى حد التواتر عن نقل الروایات الوارده فی ذلک و إن أبیت إلا نقلها فنقول: کفى کلام أبیهما أمیر المؤمنین علی علیه السلام فی ذلک حجه أولا.
و ثانیا قد روى أحمد فی المسند قال: حدثنا أبو نعیم، قال: حدثنا أبو نعیم قال: حدثنا سفیان عن یزید بن أبی زیاد، عن أبی نعیم، عن أبی سعید الخدری قال: قال رسول الله صلى الله علیه و آله: الحسن و الحسین سیدا شباب أهل الجنه، و قد أخرجه الترمذی أیضا، و قال: هذا حدیث حسن صحیح. (نقله سبط ابن الجوزى فی التذکره، ص ۱۳۳ من الطبع الرحلی).
و فی مطالب السؤل فی مناقب آل الرسول لابن طلحه الشافعی: و منها ما رواه الترمذی بسنده عن أبی سعید قال: قال رسول الله صلى الله علیه و آله: الحسن و الحسین سیدا شباب أهل الجنه. (ص ۶۵ من الطبع الرحلی).
و فیه أیضا (ص ۷۱) و منه حدیث حذیفه بن الیمان- رض- أخرجه الترمذی فی صحیحه یرویه عنه بسنده، و قد تقدم طرف منه فی فضائل فاطمه علیها السلام أن حذیفه قال لامه: دعینی آت رسول الله صلى الله علیه و آله فاصلى معه و أسئله أن یستغفر لی ذلک، فأتیته فصلیت معه المغرب، ثم قام فصلى حتى صلى العشاء، ثم انفتل فأتبعته فسمع صوتی فقال: من هذا حذیفه؟ قلت: نعم، قال: ما حاجتک غفر الله لک و لامک؟ إن هذا ملک لم ینزل إلى الأرض قط قبل هذه اللیله استأذن ربه أن یسلم على و یبشرنی أن فاطمه سیده نساء أهل الجنه، و أن الحسن و الحسین سیدا شباب أهل الجنه.
إلى أن قال: و منه ما نقله الامام محمد بن إسماعیل البخاری و الترمذی رضى الله عنهما بسندهما کل منهما فی صحیحه عن ابن عمر و سئله رجل عن دم البعوض، فقال: ممن أنت؟ فقال: من أهل العراق، فقال: انظروا إلى هذا یسألنی عن دم البعوض و قد قتلوا ابنى النبی صلى الله علیه و آله و سمعت النبی صلى الله علیه و آله یقول: هما ریحانتای من الدنیا.
و روی أنه سئله عن المحرم یقتل الذباب، فقال: یا أهل العراق تسألونا عن قتل الذباب و قد قتلتم ابن رسول الله صلى الله علیه و آله، و ذکر الحدیث و فی آخره: و هما سیدا شباب أهل الجنه.
و فی الصواعق المحرقه لابن حجر الهیتمی: أخرج الترمذی و الحاکم عن أبی سعید الخدری قال: قال رسول الله صلى الله علیه و آله: الحسن و الحسین سیدا شباب أهل الجنه (ص ۸۲ من طبع مصر).
قال ابن الأثیر فی اسد الغابه (ص ۱۱ ج ۲) فی معرفه الإمام المجتبى الحسن بن علی علیهما السلام: أخبرنا أبو القاسم عبد العزیز بن علی بن أحمد الأنماطی أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص، أخبرنا عبد الله بن محمد البغوی، أخبرنا داود بن رشید، أخبرنا مروان، أخبرنا الحکم بن عبد الرحمن بن أبی نعیم البجلی عن أبیه، عن أبی سعید الخدری قال: قال رسول الله صلى الله علیه و آله: الحسن و الحسین سیدا شباب أهل الجنه- الخبر.
و قال أبو جعفر الطبری فی التاریخ (ص ۳۲۸ ج ۷ من طبع لیدن): قال أبو مخنف: حدثنی عبد الله بن عاصم قال: حدثنی الضحاک المشرقی، لما دنا منه- یعنی من أبی عبد الله أحد سیدی شباب أهل الجنه الحسین بن علی علیه السلام فی واقعه الطف- القوم دعا براحلته فرکبها ثم نادى بأعلى صوته بصوت عال دعاء یسمع جل الناس:
أیها الناس اسمعوا قولى و لا تعجلونی حتى أعظکم بما لحق لکم علی و حتى أعتذر إلیکم من مقدمی علیکم فإن قبلتم عذری و صدقتم قولی و أعطیتمونی النصف کنتم بذلک أسعد، و لم یکن لکم على سبیل، و إن لم تقبلوا منى العذر و لم تعطوا النصف من أنفسکم «فأجمعوا أمرکم و شرکاء کم ثم لا یکن أمرکم علیکم غمه ثم اقضوا إلى و لا تنظرون إن ولی الله الذی نزل الکتاب و هو یتولى الصالحین».
قال: فلما سمع أخواته کلامه هذا صحن و بکین و بکى بناته فارتفعت أصواتهن فأرسل إلیهن أخاه العباس بن علی و علیا ابنه، و قال لهما: اسکتاهن فلعمری لیکثرن بکاؤهن.
قال: فلما ذهبا لیسکتاهن قال: لا یبعد ابن عباس، قال: فظننا انه إنما قالها حین سمع بکاؤهن لأنه قد کان نهاه أن یخرج بهن، فلما سکتن حمد الله و أثنى علیه و ذکر الله بما هو أهله و صلى على محمد صلى الله علیه و آله و على ملائکته و أنبیائه و ذکر من ذلک ما الله أعلم و ما لا یحصى ذکره، قال: فو الله ما سمعت متکلما قط قبله و لا بعده أبلغ فی منطق منه، ثم قال: أما بعد فانسبونی فانظروا من أنا ثم ارجعوا إلى أنفسکم و عاتبوها فانظروا هل یحل لکم قتلى و انتهاک حرمتی؟ أ لست ابن بنت نبیکم صلى الله علیه و آله و ابن وصیه و ابن عمه و أول المؤمنین بالله و المصدق لرسوله بما جاء به من عند ربه؟
أو لیس حمزه سید الشهداء عم أبی؟ أو لیس جعفر الشهید الطیار ذو الجناحین عمی؟ أو لم یبلغکم قول مستفیض فیکم أن رسول الله صلى الله علیه و آله قال لی و لأخی: هذان سیدا شباب أهل الجنه فان صدقتمونی بما أقول و هو الحق، و الله ما تعمدت کذبا مذ علمت أن الله یمقت علیه و یضر به من اختلقه، فإن کذبتمونی فإن فیکم من إن سألتموه عن ذلک أخبرکم سلوا جابر بن عبد الله الأنصاری، أو أبا سعید الخدری، أو سهل بن سعد الساعدی، أو زید بن أرقم، أو أنس بن مالک یخبروکم أنهم سمعوا هذه المقاله من رسول الله صلى الله علیه و آله لی و لأخی، أ فما فی هذا حاجز لکم عن سفک دمی- الخبر.
قلت: قوله علیه السلام: ابن وصیه ینادى بأعلى صوته بأن أباه أمیر المؤمنین علیا علیه السلام یعرف بالوصی، و قد مضى کلامنا و نقل الأشعار من سنام الصحابه و المسلمین فی شرح المختار ۲۳۶ من باب الخطب (ص ۱۹ ج ۱۷) فراجع.
قوله علیه السلام: و أول المؤمنین به و المصدق لرسوله بما جاء به من عند ربه- و قد مضى کلامنا أنه علیه السلام کان أول الناس إسلاما فی شرح المختار التاسع من باب الکتب (ص ۳۴۵ ج ۱۷).
ثم إنه صلى الله علیه و آله قال: إنهما سیدا شباب أهل الجنه لأن أهل الجنه کلهم شبان و ذلک لأنها من عالم الأمر و لا یتطرق إلیها أحکام عالم الخلق من الهرم و الوهن و نحوهما ألا ترى أن الله تعالى قال: و من نعمره ننکسه فی الخلق أ فلا یعقلون (یس:۶۹)، و کأن التعبیر بالشباب من حیث أن الدار الآخره لهی الحیوان، و أنها أقوى وجودا من الدار الاولى و آثار الوجود فیها أشد و أکثر، نظیر ما رواه ثقه الإسلام الکلینی قدس سره فی الکافی عن أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال لرجل ما الفتى عندکم؟ فقال له: الشاب، فقال: لا، الفتى المؤمن إن أصحاب الکهف کانوا شیوخا فسماهم الله عز و جل فتیه بایمانهم (الوافی ص ۳۹ ج ۳).
و قد روى عن النبی صلى الله علیه و آله: أهل الجنه جرد مرد کحل لا یفنى شبابهم و لا تبلى ثیابهم، أتى به السیوطی فی الجامع الصغیر فی أحادیث البشیر النذیر.
و جاء فی الأثر أن عجوزا من الأنصار قالت: یا رسول الله ادع الله بالمغفره فقال لها: أما علمت أن الجنه لا تدخلها العجائز فصرخت فتبسم رسول الله صلى الله علیه و آله و قال لها: أما قرأت قول الله تعالى: إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبکارا عربا أترابا.
و یناسب المقام نقل احتجاج مروى فی کتاب الاحتجاج للطبرسی- ره- رواه فی باب احتجاج أبی جعفر محمد بن على الثانی علیهما السلام قال: و روى أن المأمون بعد ما زوج ابنته ام الفضل أبا جعفر علیه السلام کان فی مجلس و عنده أبو جعفر علیه السلام و یحیى بن أکثم و جماعه کثیره فقال له یحیى بن أکثم: ما تقول یا ابن رسول الله فی الخبر الذی روى أنه نزل جبرئیل علیه السلام على رسول الله صلى الله علیه و آله و قال: یا محمد إن الله عز و جل یقرئک السلام و یقول لک: سل أبا بکر هل هو عنى راض فإنى عنه راض.
فقال أبو جعفر علیه السلام: لست بمنکر فضل أبی بکر و لکن یجب على صاحب هذا الخبر أن یأخذ مثال الخبر الذی قاله رسول الله صلى الله علیه و آله فی حجه الوداع: قد کثرت على الکذابه و ستکثر فمن کذب على متعمدا فلیتبوأ مقعده من النار فاذا أتاکم الحدیث فاعرضوه على کتاب الله عز و جل و سنتى فما وافق کتاب الله و سنتى فخذوا به و ما خالف کتاب الله و سنتى فلا تأخذوا به، و لیس یوافق هذا الخبر کتاب الله تعالى قال الله تعالى: و لقد خلقنا الإنسان و نعلم ما توسوس به نفسه و نحن أقرب إلیه من حبل الورید فالله عز و جل خفى علیه رضا أبی بکر من سخطه حتى سأل عن مکنون سره هذا مستحیل فی العقول.
ثم قال یحیى بن أکثم: و قد روى أن مثل أبی بکر و عمر فی الأرض کمثل جبرئیل و میکائیل فی السماء.
فقال علیه السلام: و هذا أیضا یجب أن ینظر فیه لأن جبرئیل و میکائیل ملکان لله مقربان لم یعصیا الله قط و لم یفارقا طاعته لحظه واحده، و هما قد أشرکا بالله عز و جل و إن أسلما بعد الشرک فکان أکثر أیامهما الشرک بالله فمحال أن یشبها بهما.
قال یحیى: و قد روى أیضا أنهما سیدا کهول أهل الجنه فما تقول فیه؟.
فقال علیه السلام: و هذا الخبر محال أیضا لأن أهل الجنه کلهم یکونون شابا و لا یکون فیهم کهل، و هذا الخبر وضعه بنو امیه لمضاده الخبر الذی قال رسول الله صلى الله علیه و آله فی الحسن و الحسین: بأنهما سیدا شباب أهل الجنه.
فقال یحیى بن أکثم: و روى أن عمر بن الخطاب سراج أهل الجنه.
فقال علیه السلام: و هذا أیضا محال لأن فی الجنه ملائکه الله المقربین و آدم و محمد و جمیع الأنبیاء و المرسلین لا تضیء بأنوارهم حتى تضیء بنور عمر.
فقال یحیى: و قد روى أن السکینه تنطق على لسان عمر.
فقال علیه السلام: لست بمنکر فضل عمر و لکن أبا بکر أفضل من عمر، فقال على رأس المنبر: إن لی شیطانا یعترینی فاذا ملت فسدونى.
فقال یحیى: قد روى أن النبی صلى الله علیه و آله قال: لو لم ابعث لبعث عمر.
فقال علیه السلام: کتاب الله أصدق من هذا الحدیث یقول الله فی کتابه: و إذ أخذنا من النبیین میثاقهم و منک و من نوح قد أخذ الله میثاق النبیین فکیف یمکن أن یبدل میثاقه و کل الأنبیاء علیهم السلام لم یشرکوا طرفه عین فکیف یبعث بالنبوه من أشرک و کان أکثر أیامه مع الشرک بالله، و قال رسول الله صلى الله علیه و آله: نبئت و آدم بین الروح و الجسد.
فقال یحیى بن أکثم: و قد روى أیضا أن النبی صلى الله علیه و آله قال: ما احتبس عنى الوحى قط إلا ظننته قد نزل على آل الخطاب.
فقال علیه السلام: و هذا محال أیضا لأنه لا یجوز أن یشک النبی فی نبوته قال الله تعالى: الله یصطفی من الملائکه رسلا و من الناس فکیف یمکن أن ینتقل النبوه ممن اصطفاه الله تعالى إلى من أشرک به.
قال یحیى: روى أن النبی صلى الله علیه و آله قال: لو نزل العذاب لما نجا منه إلا عمر فقال علیه السلام: و هذا محال أیضا لأن الله تعالى یقول: و ما کان الله لیعذبهم و أنت فیهم و ما کان الله معذبهم و هم یستغفرون فأخبر سبحانه أنه لا یعذب أحدا ما دام فیهم رسول الله صلى الله علیه و آله، و ما داموا یستغفرون الله، انتهى.
قلت: و قد وضع بنو امیه فی عمرو بن العاص ما تضحک به الثکلى فإن محمد ابن سعد روى فی الطبقات الکبرى عن عبد الله بن عمرو أنه حدثه أن أباه أوصاه قال: یا بنى إذا مت فاغسلنى غسله بالماء ثم جففنى فی ثوب، ثم اغسلنى الثانیه بماء قراح ثم جففنى فی ثوب، ثم اغسلنى الثالثه بماء فیه شیء من کافور ثم جففنى فی ثوب، ثم إذا ألبستنى الثیاب فأزر على فانى مخاصم، ثم إذا أنت حملتنى على السریر فامش بی مشیا بین المشیتین و کن خلف جنازه فإن مقدمها للملائکه خلفها لبنی آدم، فاذا أنت وضعتنى فی القبر فسن على التراب سنا، (ص ۲۶۰ ج ۴ من طبع بیروت).
و هذا الخبر کما تراه کذب محض وضعه بنو امیه و أتباعهم من أشباه الرجال اقتراف الدنیا و زخارفها و أنى لعمرو بن العاص العاصى المتوغل فی قاذورات الشهوات النفسانیه أن ینال تلک المنزله العظمى و الرتبه العلیا، و هل هذا إلا اختلاق.
و کیف له أن یتفوه بذلک و قد نقل غیر واحد من نقله الأخبار و حمله الاثار أن عمرو بن العاص لما حضرته الوفاه قال لابنه لود أبوک أنه کان فی غزاه ذات السلاسل إنى قد دخلت فی امور لا أدرى ما حجتى عند الله فیها، ثم نظر إلى ماله فرأى کثرته فقال: یا لیته کان بعرا یا لیتنى مت قبل هذا الیوم بثلاثین سنه أصلحت لمعاویه دنیاه و أفسدت دینى آثرت دنیاى و ترکت آخرتى، عمى على رشدى حتى حضرنى أجلى، کأنى بمعاویه قد حوى مالى و أساء فیکم خلافتى فراجع إلى تاریخ الیعقوبى، و حیوه الحیوان للدمیرى.
و أنى لعمرو أن یدعى نزول الملائکه علیه و حملهم سریره و قد قال فیه وصى خاتم النبیین علیه السلام:إنه لیقول فیکذب، یعد فیخلف، و یسأل فیحلف، و یسأل فیبخل، و یخون العهد، و یقطع الإل، فراجع إلى المختار ۸۲ من باب الخطب من النهج.
نعم إن تلک الفضیله لمن کانت الملائکه أعوانه فی الامور ألا و هو على أمیر المؤمنین علیه السلام فقد قال علیه السلام: و لقد ولیت غسله صلى الله علیه و آله و الملائکه أعوانى فراجع إلى المختار ۱۹۵ من باب الخطب من النهج أیضا.
و لما مات علیه السلام قام ابنه ریحانه رسول الله صلى الله علیه و آله و أحد سیدى شباب أهل الجنه الإمام الحسن المجتبى علیه السلام خطیبا فحمد الله و أثنى علیه و صلى على النبی صلى الله علیه و آله: ثم قال: ألا إنه قد مضى فی هذه اللیله رجل لم یدرکه الأولون و لن یری مثله الاخرون من کان یقاتل و جبریل عن یمینه و میکائیل عن شماله فراجع إلى الکافی للکلینی قدس سره و تاریخ الیعقوبی (ص ۱۹۰ ج ۲).
و قد جاء فی الأثر أن أمیر المؤمنین علیا علیه السلام أوصى بذلک ابنه أبا محمد الحسن المجتبى علیه السلام حیث قال: فاذا أنا مت یا أبا محمد فغسلنى و کفنى و حنطنى ببقیه حنوط جدک رسول الله صلى الله علیه و آله فإنه من کافور الجنه جاء به جبرئیل علیه السلام إلیه ثم ضعنى على سریرى و لا یتقدم أحد منکم مقدم السریر و احملوا مؤخره و اتبعوا مقدمه فأى موضع وضع المقدم فضعوا المؤخر فحیث قام سریری فهو موضع قبرى- إلخ، فراجع إلى باب کیفیه شهادته علیه السلام و وصیته و غسله و الصلاه علیه و دفنه من المجلد التاسع من البحار (ص ۶۷۴ من طبع الکمبانى).
فانظر إلى تصرف بنى امیه فی الأخبار کیف سرقوها من محلها و أسندوها إلى غیر أهلها، و کم لما نقلناها من نظیر و لو لا خوف الإطناب لأتینا بطائفه منها فی الکتاب.
ثم إن بنی امیه ما تصرفوا فی الأخبار فقط بل تجاوزوا إلى القرآن و حرفوا کلام الله عن مواضعه. قال الشارح الفاضل المعتزلی فی الجزء الرابع من شرحه على النهج (ص ۲۳ من الطبع الرحلی): قال أبو جعفر: و قد روی أن معاویه بذل لسمره بن جندب مائه ألف درهم حتى یروى أن هذه الایه انزلت فی علی علیه السلام: و من الناس من یعجبک قوله فی الحیاه الدنیا و یشهد الله على ما فی قلبه و هو ألد الخصام و إذا تولى سعى فی الأرض لیفسد فیها و یهلک الحرث و النسل و الله لا یحب الفساد و أن الایه الثانیه نزل فی ابن ملجم و هی قوله تعالى: و من الناس من یشری نفسه ابتغاء مرضات الله فلم یقبل فبذل له مائتی ألف درهم فلم یقبل فبذل له أربع مائه ألف فقبل و روى ذلک. انتهى ما أردنا من نقل کلامه.
و صبیه أهل النار:
هم صبیه عقبه بن أبی معیط، لما قد روى الواقدی فی غزوه بدر من کتابه فی مغازی رسول الله صلى الله علیه و آله (ص ۸۴ من طبع مصر) من أن رسول الله صلى الله علیه و آله أقبل بالأسرى حتى إذا کان بعرق الظبیه أمر عاصم بن ثابت بن أبی الأقلح أن یضرب عنق عقبه بن أبی معیط و کان أسره عبد الله بن سلمه العجلانی فجعل عقبه یقول: یا ویلی علام أقتل یا معشر قریش من بین من ههنا؟
فقال رسول الله صلى الله علیه و آله: لعداوتک لله و رسوله.
قال: یا محمد منک أفضل فاجعلنی کرجل من قومی إن قتلتهم قتلتنی و إن مننت علیهم مننت علی، و إن أخذت منهم الفداء کنت کأحدهم یا محمد من للصبیه؟
قال رسول الله صلى الله علیه و آله: النار قدمه یا عاصم فاضرب عنقه، فقدمه عاصم فضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله علیه و آله: بئس الرجل کنت و الله ما علمت کافرا بالله و برسوله و بکتابه مؤذیا لنبیه [منک] فأحمد الله الذی هو قتلک و أقر عینی منک.
ثم قال علیه السلام: (و منا خیر نساء العالمین و منکم حماله الحطب) یعنی بخیر نساء العالمین فاطمه بنت رسول الله صلى الله علیه و آله المعصومه التی أذهب الله عنها الرجس و طهرها تطهیرا، فقد روى أبو الحسین مسلم بن الحجاج فی جامعه المعروف بصحیح مسلم (الباب التاسع من کتاب الفضائل فی فضائل أهل بیت النبی صلى الله علیه و آله ص ۱۸۸۳ ج ۴ من طبع مصر) بإسناده عن أبی بکر بن أبی شیبه و محمد بن عبد الله بن نمیر، عن محمد بن بشیر، عن زکریا، عن مصعب بن شیبه، عن صفیه بنت شیبه قالت: قالت عائشه:
خرج النبی صلى الله علیه و آله غداه و علیه مرط مرحل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علی فأدخله، ثم جاء الحسین فدخل معه، ثم جاءت فاطمه فأدخلها، ثم جاء علی فأدخله، ثم قال: إنما یرید الله لیذهب عنکم الرجس أهل البیت و یطهرکم تطهیرا.
و فی الباب الخامس و الخمسین من ینابیع الموده للفاضل الشیخ سلیمان النقشبندی الحنفی (ص ۱۴۸ من الطبع الناصری): و فی جمع الفوائد، عائشه:
کن أزواج النبی صلى الله علیه و آله عنده لا یغادر منهن واحده فأقبلت فاطمه تمشی ما تخطی مشیتها من مشیه النبی صلى الله علیه و آله شیئا فلما رآها رحب بها، و قال: مرحبا یا بنتی ثم أجلسها عن یمینه أو عن شماله، ثم سارها فبکت بکاء شدیدا، فلما رأى جزعها سار الثانیه فضحکت فلما قام سألتها ما قال لک أبوک؟ قالت: ما کنت لأفشى على رسول الله صلى الله علیه و آله سره فلما توفى، قلت: عزمت علیک بما لى علیک من الحق حدثنی ما قال لک أبوک صلى الله علیه و آله؟ قالت: أما الان فنعم. أما حین سارنی فی المره الاولى فأخبرنی أن جبرائیل کان یعارضنی القرآن فی کل سنه مره و عارضه الان مرتین و إنى لا أرى الأجل إلا قد اقترب فاتقی الله و [اصبر [ی]] فإنه نعم السلف أنا لک، فبکیت بکائی الذی رأیت، فلما رأى جزعی سارنی فی الثانیه فقال:
یا فاطمه أما ترضین أن تکون سیده نساء المؤمنین أو سیده نساء هذه الامه فضحکت ضحک الذی رأیت. و فی روایه: ثم سارنی أنی أول أهله یتبعه فضحکت و فی اخرى قال: أما ترضین أن تکونی سیده نساء أهل الجنه و أنک أول أهلی لحوقا بی فضحکت، للشیخین و الترمذی.
و قال: و فی صحیح البخاری: قال النبی صلى الله علیه و آله: فاطمه سیده نساء أهل الجنه.
و قال أیضا: و فی جمع الفوائد: أنس رفعه حسبک من نساء العالمین مریم بنت عمران، و خدیجه بنت خویلد، و فاطمه بنت محمد، و آسیه امرأه فرعون- للترمذی. انتهى.
قلت: روایه البخاری مذکوره فی باب مناقب فاطمه علیها السلام (ص ۳۶ من الجزء الخامس من صحیح البخاری المشکول).
و فی الدر المنثور فی التفسیر بالمأثور فی قوله تعالى: إذ قالت الملائکه یا مریم إن الله اصطفاک و طهرک و اصطفاک على نساء العالمین (آل عمران: ۴۳):
أخرج الحاکم و صححه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله علیه و آله: أفضل نساء العالمین خدیجه، و فاطمه، و مریم، و آسیه امرأه فرعون.
و أخرج ابن مردویه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله علیه و آله إن الله اصطفى على نساء العالمین أربعه: آسیه بنت مزاحم، و مریم بنت عمران، و خدیجه بنت خویلد و فاطمه بنت محمد صلى الله علیه و آله.
و أخرج أحمد و الترمذی و صححه و ابن المنذر و ابن حبان و الحاکم عن أنس: أن رسول الله صلى الله علیه و آله قال: حسبک من نساء العالمین، مریم بنت عمران و خدیجه بنت خویلد، و فاطمه بنت محمد صلى الله علیه و آله، و آسیه امرأه فرعون، و أخرجه ابن أبی شیبه عن الحسن مرسلا.
و أخرج ابن أبی شیبه و ابن جریر عن فاطمه علیها السلام: قالت: قال لی رسول الله صلى الله علیه و آله: أنت سیده نساء أهل الجنه لا مریم البتول.
و أخرج ابن عساکر من طریق مقاتل عن الضحاک، عن ابن عباس، عن النبی صلى الله علیه و آله قال: أربع نسوه سادات عالمهن: مریم بنت عمران، و آسیه بنت مزاحم، و خدیجه بنت خویلد، و فاطمه بنت محمد صلى الله علیه و آله، و أفضلهن عالما فاطمه. انتهى ما أردنا من نقل ما فی الدر المنثور.
أقول: و نزل فی آسیه امرأه فرعون و فی مریم قوله تعالى: و ضرب الله مثلا للذین آمنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لی عندک بیتا فی الجنه و نجنی من فرعون و عمله و نجنی من القوم الظالمین و مریم ابنت عمران التی أحصنت فرجها فنفخنا فیه من روحنا و صدقت بکلمات ربها و کتبه و کانت من القانتین.
ثم لما کانت فاطمه علیها السلام بضعه من أبیها خاتم النبیین سید ولد آدم کما رواها الفریقان فی جوامعهم الروائیه فهی علیها السلام سیده نساء العالمین مطلقا فقوله تعالى فی مریم علیها السلام و اصطفاک على نساء العالمین محمول على أنها مصطفاه علیهن لا مطلقا بل على بعض الوجوه، فلیتأمل فی قول الإمام أبی جعفر علیه السلام فی معنى الایه: اصطفاک لذریه الأنبیاء و طهرک من السفاح و اصطفیک لولاده عیسى من غیر فحل.
و فی قوله تعالى: إن الله اصطفى آدم و نوحا و آل إبراهیم و آل عمران على العالمین ذریه بعضها من بعض و الله سمیع علیم (آل عمران: ۳۴).
. و فی قوله تعالى: و لقد نجینا بنی إسرائیل من العذاب المهین من فرعون إنه کان عالیا من المسرفین و لقد اخترناهم على علم على العالمین (الدخان: ۳۳).
و فی قوله تعالى: و لقد آتینا بنی إسرائیل الکتاب و الحکم و النبوه و رزقناهم من الطیبات و فضلناهم على العالمین (الجاثیه: ۱۷).
و فی قوله تعالى: إذ قالت الملائکه یا مریم إن الله یبشرک بکلمه منه اسمه المسیح عیسى ابن مریم وجیها فی الدنیا و الآخره و من المقربین (آل عمران: ۴۶).
و فی قوله تعالى: و التی أحصنت فرجها فنفخنا فیها من روحنا و جعلناها و ابنها آیه للعالمین (الأنبیاء: ۹۲).
و فی قوله تعالى: و مریم ابنت عمران التی أحصنت فرجها فنفخنا فیه من روحنا و صدقت بکلمات ربها و کتبه و کانت من القانتین (آخر التحریم).
فإما أن یکون المراد من العالمین فی قوله تعالى: و اصطفاک على نساء العالمین نساء عالمی زمانها کما مال إلیه غیر واحد من المفسرین، و أمکن أن یؤید هذا المعنى بایتی الدخان و الجاثیه، و لکن الإعراض عن اطلاق سیاق الایه لا یخلو من دغدغه.
و إما أن المراد من اصطفائها على نساء العالمین اصطفائها علیهن من حیث إنها آیه عجیبه إلهیه کما بینه أبو جعفر علیه السلام فی الخبر المذکور بقوله: و اصطفیک لولاده عیسى من غیر فحل، و یستفاد هذا المعنى من آیتی الأنبیاء و التحریم و یؤید بهما فلا تختص من هذه الجهه بنساء عالمى زمانها، و هذا الوجه الأخیر کأنه الصواب أو هو متعین.
قال الشارح الفاضل المعتزلی فی شرح قوله علیه السلام: و منا خیر نساء العالمین:یعنی فاطمه علیها السلام نص رسول الله صلى الله علیه و آله على ذلک لا خلاف فیه. انتهى.
حماله الحطب
هی العوراء ام جمیل امرأه عبد العزى المکنى بأبی لهب بنت حرب اخت أبی سفیان عمه معاویه التی ورد فیها و فی زوجها قوله تعالى: تبت یدا أبی لهب و تب ما أغنى عنه ماله و ما کسب سیصلى نارا ذات لهب و امرأته حماله الحطب فی جیدها حبل من مسد.
و فی تفسیر الدر المنثور و أخرج ابن جریر عن ابن زید أن امرأه أبی لهب کانت تلقى فی طریق النبی صلى الله علیه و آله الشوک فنزلت تبت یدا أبی لهب و تب … و امرأته حماله الحطب.
و أخرج ابن جریر و ابن أبی حاتم عن ابن زید و امرأته حماله الحطب قال:کانت تأتی بأغصان الشوک تطرحها باللیل فی طریق رسول الله صلى الله علیه و آله.
و أخرج ابن أبی الدنیا فی ذم الغیبه و ابن جریر و ابن المنذر و ابن أبی حاتم عن مجاهد و امرأته حماله الحطب قال: کانت تمشى بالنمیمه فی جیدها حبل من مسد من نار.
و أخرج ابن أبی جریر و ابن أبی حاتم عن قتاده و امرأته حماله الحطب قال:کانت تنقل الأحادیث من بعض الناس إلى بعض «فی جیدها حبل» قال: عنقها.
و أخرج ابن أبی حاتم عن الحسن «حماله الحطب» قال: کانت تحمل النمیمه فتأتی بها بطون قریش.
و أخرج ابن جریر و ابن أبی حاتم و ابن الأنباری فی المصاحف عن عروه بن الزبیر «فی جیدها حبل من مسد» قال: سلسله من حدید من نار ذرعها سبعون ذراعا.
و فی التفسیر الصافی نقلا من قرب الأسناد عن الکاظم علیه السلام فی حدیث آیات النبی صلى الله علیه و آله قال: و من ذلک أن ام جمیل امرأه أبی لهب أتته حین نزلت سوره تبت و مع النبی أبو بکر بن أبی قحافه فقال: یا رسول الله هذا ام جمیل محفظه أم مغضبه تریدک و معها حجر ترید أن ترمیک به فقال صلى الله علیه و آله: إنها لا ترانى، فقالت لأبی بکر: أین صاحبک؟ قال: حیث شاء الله، قالت: لقد جئته و لو أراه لرمیته فإنه هجانى و اللات و العزى إنى لشاعره، فقال أبو بکر: یا رسول الله لم ترک؟
قال: لا، ضرب الله بینى و بینها حجابا.
و قال معاویه یوما و عنده عمرو بن العاص و قد أقبل عقیل: لأضحکنک من عقیل فلما سلم قال معاویه: مرحبا برجل عمه أبو لهب، فقال عقیل: و أهلا برجل عمته حماله الحطب فی جیدها حبل من مسد، قال معاویه: یا أبا یزید ما ظنک بعمک أبی لهب؟ قال: إذا دخلت النار فخذ على یسارک تجده مفترشا عمتک حماله الحطب أ فناکح فی النار خیر أم منکوح؟ قال: کلا شر و الله، نقله الشارح المعتزلی فی الجزء الرابع من شرحه على النهج (۲۷ من الطبع الرحلى).
و نقل الشیخ الأجل المفید قدس سره فی الإرشاد (ص ۱۷۳ طبع طهران ۱۳۷۷ ه): بعد السبب فی قبول الإمام الحسن المجتبى علیه السلام الهدنه و الصلح من معاویه ما هذا لفظه: فتوثق علیه السلام لنفسه من معاویه بتوکید الحجه علیه و الإعذار فیما بینه و بینه عند الله تعالى و عند کافه المسلمین و اشترط علیه ترک سب أمیر المؤمنین علیه السلام و العدول عن القنوت علیه فی الصلاه، و أن یؤمن شیعته رضى الله عنهم و لا یتعرض لأحد منهم بسوء و یوصل إلى کل ذی حق منهم حقه.
فأجابه معاویه إلى ذلک کله و عاهده علیه و حلف له بالوفاء به فلما استتمت الهدنه على ذلک سار معاویه حتى نزل بالنخیله و کان ذلک یوم الجمعه فصلى بالناس ضحى النهار فخطبهم و قال فی خطبته: و الله ما قاتلتکم لتصلوا و لا لتصوموا و لا لتحجوا و لا لتزکوا انکم لتفعلون ذلک و لکنى قاتلتکم لأتامر علیکم و قد أعطانى الله ذلک و أنتم له کارهون، ألا و إنى کنت منیت الحسن علیه السلام أشیاء و أعطیته أشیاء و جمیعها تحت قدمی لا أفی بشیء منها له.
ثم سار حتى دخل الکوفه فأقام بها أیاما فلما استتمت البیعه له من أهلها صعد المنبر فخطب الناس و ذکر أمیر المؤمنین علیه السلام و نال منه و نال من الحسن علیه السلام ما نال و کان الحسن و الحسین علیهما السلام حاضرین فقام الحسین علیه السلام لیرد علیه فأخذ بیده الحسن علیه السلام و أجلسه، ثم قام فقال: أیها الذاکر علیا أنا الحسن و أبی علی و أنت معاویه و أبوک صخر و امی فاطمه و امک هند و جدی رسول الله صلى الله علیه و آله و جدک حرب و جدتى خدیجه و جدتک فتیله، فلعن الله أخملنا ذکرا و ألأمنا حسبا و شرنا قدما و أقدمنا کفرا و نفاقا، فقالت طوائف من أهل المسجد: آمین آمین، انتهى قوله قدس سره.
و روى قریبا منه المحدث القمی رضوان الله علیه فی ماده حسن من سفینه البحار عن الشعبى، و قال الفاضل الشارح المعتزلی: إن هذا الحدیث نقله الفضل بن الحسن المصرى عن یحیى بن معین قال و قال الفضل: قال یحیى: آمین، و قال الفضل: أنا أقول آمین، و قال علی بن الحسین الاصفهانى آمین، و قال الشارح المذکور أنا أقول آمین، و کذلک کاتب هذه الأحرف الحسن بن عبد الله الطبری الاملى یقول آمین آمین و یرحم الله تعالى عبدا قال آمین.
تم قال علیه السلام: (فی کثیر مما لنا و علیکم) أى ما ذکرناه من فضائلنا و رذائلکم قلیل فی کثیر مما لنا من الفضائل و علیکم من الرذائل و قد تقدم الکلام فی رؤیه النبی صلى الله علیه و آله بنی امیه فی المنام على صور قرود تصعد منبره و ترد الناس عن الإسلام القهقرى، فراجع إلى شرح المختار العاشر من هذا الباب (ص ۴۷ ج ۱۸).
و قد سئل علی أمیر المؤمنین علیه السلام عن بنی هاشم و بنی امیه فقال علیه السلام:نحن أمجد و أنجد و أجود، و هم أغدر و أمکر و أنکر (المحجه البیضاء فی تهذیب الأحیاء ص ۲۲۴ ج ۴).
ثم قال علیه السلام: (فاسلامنا ما قد سمعتم، و جاهلیتنا لا تدفع) یرید أن فضائل بنی هاشم لا تختص بهم فی الإسلام فقط بل لهم تلک الفضائل فی زمن الجاهلیه أیضا لا مدافع لهم فی ذلک، أى أنهم کانوا من بیت شرف و مجد حیث کان الناس فی الجاهلیه الجهلاء، و قد مضى نقل طائفه منها فی شرح المختار التاسع من باب الکتب (ج ۱۷) و فی شرح المختار السابع عشر من ذلک الباب أیضا (ج ۱۸) فراجع.
و ینبغی أن نذکر فی هذا الموضع احتجاجات أتى بها نقله الاثار فی أسفارهم:قال الشیخ إبراهیم بن محمد البیهقى فی کتاب المحاسن و المساوى: قیل و أتى الحسن بن علی علیهما السلام معاویه بن أبی سفیان و قد سبقه ابن عباس فأمر معاویه فأنزل فبینا معاویه مع عمرو بن العاص و مروان بن الحکم و زیاد بن أبی سفیان یتحاورون فی قدیمهم و حدیثهم و مجدهم فقال معاویه: أکثرتم الفخر فلو حضرکم الحسن بن علی و عبد الله بن العباس لقصرا من أعنتکما ما طال، فقال زیاد: و کیف ذلک یا أمیر المؤمنین ما یقومان لمروان بن الحکم فی غرب منطقه و لا لنا فی بواذخنا؟ فابعث إلیهما فی غد حتى نسمع کلامهما.
فقال معاویه لعمرو: ما تقول؟ قال هذا، فابعث إلیهما فی غد بعث إلیهما معاویه ابنه یزید، فأتیاه و دخلا علیه و بدأ معاویه فقال: إنی اجلکما و أرفع قدر کما عن المسامره باللیل و لا سیما أنت یا أبا محمد فانک ابن رسول الله صلى الله علیه و آله و سید شباب أهل الجنه فشکرا له، فلما استویا فی مجلسهما و علم عمرو أن الحده ستقع به قال: و الله لا بد أن أقول فإن قهرت فسبیل ذلک و إن قهرت أکون قد ابتدأت.
فقال: یا حسن إنا تفاوضنا فقلنا: إن رجال بنی امیه أصبر عند اللقاء و أمضى فی الوغى، و أوفى عهدا، و أکرم خیما، و أمنع لما وراء ظهورهم من بنی عبد المطلب.
ثم تکلم مروان فقال: و کیف لا تکون کذلک و قد قارعناکم فغلبناکم و حاربناکم فملکناکم، فإن شئنا عفونا و إن شئنا بطشنا.
ثم تکلم زیاد فقال: ما ینبغی لهم أن ینکروا الفضل لأهله و یجحدوا الخیر فى مظانه، نحن أهل الحمله فی الحروب و لنا الفضل على سائر الناس قدیما و حدیثا.
فتکلم الحسن علیه السلام فقال: لیس من العجز أن یصمت الرجل عند ایراد الحجه، و لکن من الإفک أن ینطق الرجل بالخنا و یصور الباطل بصوره الحق یا عمرو افتخارا بالکذب و جرأه على الإفک! ما زلت أعرف مثالبک الخبیثه أبدیها مره و أمسک عنها اخرى فتأبی إلا انهما کا فی الضلاله، أتذکر مصابیح الدجى و أعلام الهدى و فرسان الطراد و حتوف الأقران و أبناء الطعان و ربیع الضیفان و معدن النبوه و مهبط العلم و زعمتم أنکم أحمى لما وراء ظهورکم و قد تبین ذلک یوم بدر حین نکصت الأبطال و تساورت الأقران و اقتحمت اللیوث و اعترکت المنیه و قامت رحاؤها على قطبها و فرت عن نابها و طار شرار الحرب فقتلنا رجالکم و من النبی صلى الله علیه و آله على ذراریکم فکنتم لعمری فی هذا الیوم غیر مانعین لما وراء ظهورکم من بنی عبد المطلب! ثم قال: و أما أنت یا مروان فما أنت و الإکثار فی قریش و أنت طلیق و أبوک طرید یتقلب من خزایه إلى سوءه و لقد جیء بک إلى أمیر المؤمنین فلما رأیت الضرغام قد دمیت براثنه و اشتبکت أنیابه کنت کما قال:
لیث إذا سمع اللیوث زئیره | بصبصن ثم قذفن بالأبعار | |
و یروى رمین بالأبعار.
فلما من علیک بالعفو و أرخى خناقک بعد ما ضاق علیک و غصصت بریقک لا تقعد معنا مقعد أهل الشکر و لکن تساوینا و تجارینا و نحن ممن لا یدرکنا عار و لا یلحقنا خزایه!.
ثم التفت إلى زیاد فقال: و ما أنت یا زیاد و قریشا لا أعرف لک فیها أدیما صحیحا و لا فرعا نابتا و لا قدیما ثابتا و لا منبتا کریما بل کانت امک بغیا تداولها رجال قریش و فجار العرب فلما ولدت لم تعرف لک العرب والدا فادعاک هذا- یعنی معاویه- بعد ممات أبیه، مالک افتخار تکفیک سمیه و یکفینا رسول الله صلى الله علیه و آله، و أبی علی بن أبی طالب سید المؤمنین الذی لم یرتد على عقبیه، و عمی حمزه سید الشهداء و جعفر الطیار و أنا و أخى سیدا شباب أهل الجنه! ثم التفت إلى ابن عباس فقال: یا ابن العم إنما هی بغاث الطیر انقض علیها أجدل، فأراد ابن عباس أن یتکلم فأقسم علیه معاویه أن یکف فکف ثم خرجا.
فقال معاویه: أجاد عمرو الکلام لو لا أن حجته دحضت و تکلم مروان لو لا أنه نکص.
ثم التفت إلى زیاد و قال: ما دعاک إلى محاورته؟ ما کنت إلا کالحجل فی کف البازى، فقال أفاخر رجلا رسول الله صلى الله علیه و آله جده و هو سید من مضى و من بقی و امه فاطمه الزهراء السواء، فقال عمرو: لقد أبقی علیک و لکنه طحن مروان طحن الرحى بثفالها یأبى إلا الإغراء بیننا و بینهم، لا جرم و الله لا شهدت مجلسا یکونان فیه إلا کنت معهما على من فاخرهما.
فخلا ابن عباس بالحسن فقبل بین عینیه و قال: افدیک یا ابن عم، و الله ما زال بحرک یزخر و أنت تصول حتى شفیتنی من أولاد البغایا.
ثم ان الحسن علیه السلام غاب أیاما ثم رجع حتى دخل على معاویه و عنده عبد الله بن الزبیر، فقال معاویه: یا أبا محمد انی أظنک تعبا نصبا فأت المنزل فأرح نفسک فیه، فقام الحسن علیه السلام فلما خرج قال معاویه لعبد الله بن الزبیر: لو افتخرت على الحسن فانک ابن حواری رسول الله صلى الله علیه و آله و ابن عمته، و لأبیک فی الإسلام نصیب وافر، فقال ابن الزبیر: أناله! فرجع و هو یطلب لیلته الحجج فلما أصبح دخل على معاویه و جاء الحسن علیه السلام فحیاه معاویه و سأله عن مبیته، فقال: خیر مبیت و أکرم مستفاض، فلما استوى فی مجلسه قال ابن الزبیر:لولا أنک خوار فی الحرب غیر مقدام ما سلمت لمعاویه الأمر و کنت لا تحتاج إلى اختراق السهوب و قطع المفاوز تطلب معروفه و تقوم ببابه، و کنت حریا أن لا تفعل ذلک و أنت ابن علی فی بأسه و نجدته، فما أدرى ما الذی حملک على ذلک أضعف رأى أم وهن نحیزه، فما أظن لک مخرجا من هاتین الخلتین، أما و الله لو استجمع لی ما استجمع لک لعلمت أنى ابن الزبیر و أنی لا أنکص عن الأبطال و کیف لا أکون کذلک و جدتی صفیه بنت عبد المطلب، و أبی الزبیر حواری رسول الله صلى الله علیه و آله و أشد الناس بأسا و أکرمهم حسبا فی الجاهلیه و أطوعهم لرسول الله صلى الله علیه و آله.
فالتفت إلیه الحسن علیه السلام و قال: أما و الله لو لا أن بنی امیه تنسبنی إلى العجز عن المقال لکففت عنک تهاونا، و لکن سابین ذلک لک لتعلم أنی لست بالعى و لا کلیل اللسان، إیاى تعیر و علی تفتخر و لم یکن لجدک بیت فی الجاهلیه و لا مکرمه فزوجته جدتی صفیه بنت عبد المطلب، فبذخ على جمیع العرب بها و شرف بمکانها، فکیف تفاخر من هو من القلاده و اسطتها و من الأشراف سادتها نحن أکرم أهل الأرض زندا، لنا الشرف الثاقب و الکرم الغالب.
ثم تزعم أنی سلمت الأمر لمعاویه فکیف یکون ذلک ویحک کذلک و أنا ابن أشجع العرب، و قد ولدتنی فاطمه سیده نساء العالمین و خیر الإماء؟ لم أفعل ذلک ویحک جبنا و لا ضعفا و لکنه بایعنی مثلک و هو یطلبنی ببره و یداجینی الموده و لم أثق بنصرته لأنکم أهل بیت غدر، و کیف لا یکون کما أقول، و قد بایع أبوک أمیر المؤمنین ثم نکث بیعته و نکص على عقبیه و اختدع حشیه من حشایا رسول الله صلى الله علیه و آله لیضل بها الناس، فلما دلف نحو الأعنه و رأى بربق الأسنه قتل مضیعه لا ناصر له و اتی بک أسیرا قد وطئتک الکماه بأظلافها و الخیل بسنابکها و اعتلاک الأشتر فغصصت بریقک و أقعیت على عقبیک کالکلب إذا احتوشته اللیوث، فنحن ویحک نور البلاد و أملاکها و بنا تفخر الامه و إلینا تلقى مقالید الأزمه، أنصول و أنت تختدع النساء ثم تفتخر على بنى الأنبیاء؟ لم تزل الأقاویل منا مقبوله و علیک و على أبیک مردوده، دخل الناس فی دین جدی طائعین و کارهین، ثم بایعوا أمیر المؤمنین علیه السلام فسار إلى أبیک و طلحه حین نکثا البیعه و خدعا عرس رسول الله صلى الله علیه و آله فقتل أبوک و طلحه و اتى بک أسیرا، فبصبصت بذنبک و ناشدته الرحم أن لا یقتلک فعفا عنک، فأنت عتاقه أبی و أنا سیدک و سید أبیک، فذق و بال أمرک.
فقال ابن الزبیر: اعذر یا أبا محمد فانما حملنی على محاورتک هذا و أحب الإغراء بیننا فهلا إذا جهلت أمسکت عنی فإنکم أهل بیت سجیتکم الحلم و العفو.
فقال الحسن علیه السلام: یا معاویه انظر هل أکیع عن محاوره أحد؟ ویحک أ تدرى من أى شجره أنا و إلى من أنتمى؟ انته قبل أن أسمک بمیسم تتحدث به الرکبان فی الافاق و البلدان.
فقال ابن الزبیر: هو لذلک أهل، فقال معاویه: أما انه قد شفى بلا بل صدرى منک و رمی مقتلک فصرت کالحجل فی کف البازى یتلاعب بک کیف أراد فلا أراک تفتخر على أحد بعدها.
و ذکروا أن الحسن بن علی علیه السلام دخل على معاویه فقال متمثلا:
فیم الکلام و قد سبقت مبرزا | سبق الجواد من المدى و المقیس | |
فقال معاویه: إیاى تعنى؟ أما و الله لانبئنک بما یعرفه قلبک و لا ینکره جلساؤک: أنا ابن بطحاء مکه، انا ابن أجودها جودا و أکرمها جدودا و أوفاها عهودا، أنا ابن من ساد قریشا ناشئا و کهلا.
فقال الحسن علیه السلام: أجل إیاک أعنى أفعلى تفتخر یا معاویه؟ أنا ابن ماء السماء و عروق الثرى و ابن من ساد أهل الدنیا بالحسب الثابت و الشرف الفائق و القدیم السابق، أنا ابن من رضاه رضى الرحمن و سخطه سخط الرحمن، فهل لک أب کأبی و قدیم کقدیمى؟ فان قلت: لا تغلب، و إن قلت: نعم تکذب.
فقال معاویه: أقول لا تصدیقا لقولک، فقال الحسن:
الحق أبلج ما تخون سبیله | و الصدق یعرفه ذوو الألباب | |
و قال معاویه ذات یوم و عنده أشراف الناس من قریش و غیرهم: أخبرونی بخیر الناس أبا و اما و عما و عمه و خالا و خاله و جدا و جده، فقام مالک بن العجلان فأومأ إلى الحسن فقال: هاهوذا أبوه علی بن أبی طالب رضوان الله علیهم و امه فاطمه بنت رسول الله صلى الله علیه و آله، و عمه جعفر الطیار فی الجنان، و عمته ام هانىء بنت أبی طالب، و خاله القاسم ابن رسول الله صلى الله علیه و آله، و خالته بنت رسول الله زینب و جده رسول الله صلى الله علیه و آله، و جدته خدیجه بنت خویلد.
فسکت القوم و نهض الحسن، فأقبل عمرو بن العاص على مالک فقال: أحب بنی هاشم حملک على أن تکلمت بالباطل؟ فقال ابن العجلان: ما قلت إلا حقا و ما أحد من الناس یطلب مرضاه مخلوق بمعصیه الخالق إلا لم یعط أمنیته فی دنیاه و ختم له بالشقاء فی آخرته، بنو هاشم أنضرهم عودا و أوراهم زندا، کذلک یا معاویه؟ قال: اللهم نعم.
قیل: و استاذن الحسن بن علی علیه السلام على معاویه و عنده عبد الله بن جعفر و عمرو ابن العاص، فأذن له، فلما أقبل قال عمرو: قد جاءکم الأفه العیى الذی کان بین لحییه عبله، فقال عبد الله بن جعفر: مه فو الله لقد رمت صخره ململمه تنحط عنها السیول و تقصر دونها الوعول و لا تبلغها السهام، فإیاک و الحسن إیاک، فانک لا تزال راتعا فی لحم رجل من قریش و لقد رمیت فما برح سهمک و قدحت فما أورى زندک.
فسمع الحسن الکلام فلما أخذ الناس مجالسهم قال: یا معاویه لا یزال عندک عبد راتعا فی لحوم الناس، أما و الله لو شئت لیکونن بیننا ما تتفاقم فیه الامور و تحرج منه الصدور ثم أنشأ یقول:
أتأمر یا معاوى عبد سهم | بشتمی و الملا منا شهود | |
إذا أخذت مجالسها قریش | فقد علمت قریش ما ترید | |
قصدت إلى تشتمنى سفاها | لضغن ما یزول و ما یبید | |
فما لک من أب کأبی تسامی | به من قد تسامی أو تکید | |
و لا جد کجدی یا ابن هند | رسول الله إن ذکر الجدود | |
و لا ام کامی من قریش | إذا ما یحصل الحسب التلید | |
فما مثلی تهکم یا ابن هند | و لا مثلی تجاریه العبید | |
فمهلا لا تهج منا امورا | یشیب لها معاویه الولید | |
و ذکروا أن عمرو بن العاص قال لمعاویه ذات یوم:
ابعث إلى الحسن بن علی فمره أن یخطب على المنبر فلعله یحصر فیکون ذلک مما نعیره به، فبعث إلیه معاویه فأصعده المنبر و قد جمع له الناس فحمد الله و أثنى علیه ثم قال:
یا أیها الناس من عرفنى فأنا الذی یعرف و من لم یعرفنی فانا الحسن بن علی بن أبی طالب ابن عم النبی صلى الله علیه و آله، أنا ابن البشیر النذیر السراج المنیر أنا ابن من بعث رحمه للعالمین و سخطا للکافرین، أنا ابن من بعث إلى الجن و الإنس، أنا المستجاب الدعوه، أنا ابن الشفیع المطاع، أنا ابن أول من ینفض رأسه من التراب، أنا ابن أول من یقرع باب الجنه، أنا ابن من قاتلت معه الملائکه و نصر بالرعب من مسیره شهر، فافتن فی هذا الکلام و لم یزل حتى أظلمت الدنیا على معاویه فقال: یا حسن قد کنت ترجو أن تکون خلیفه و لست هناک.
فقال الحسن: انما الخلیفه من سار بسیره رسول الله صلى الله علیه و آله و عمل بطاعه الله و لیس الخلیفه من دان بالجور و عطل السنن و اتخذ الدنیا أبا و اما، و لکن ذاک ملک أصاب ملکا یمتع به قلیلا و کان قد انقطع عنه و استعجل لذته و بقیت علیه تبعته فکان کما قال الله عز و جل: و إن أدری لعله فتنه لکم و متاع إلى حین ثم انصرف.
فقال معاویه لعمرو: و الله ما أردت إلا هتکى، ما کان أهل الشام یرون أن أحدا مثلى حتى سمعوا من الحسن ما سمعوا.
قیل: و قدم الحسن بن علی رضوان الله علیه على معاویه فلما دخل علیه وجد عنده عمرو بن العاص و مروان بن الحکم و المغیره بن شعبه و صنادید قومه و وجوه الیمن و أهل الشام: فلما نظر إلیه معاویه أقعده على سریره و أقبل علیه بوجهه یریه السرور بمقدمه، فلما نظر مروان إلى ذلک حسده و کان معاویه قال لهم: لا تحاوروا هذین الرجلین فلقد قلداکم العار و فضحاکم عند أهل الشام- یعنی الحسین بن على علیهما السلام، و عبد الله بن العباس.
فقال مروان: یا حسن لو لا حلم أمیر المؤمنین و ما قد بنی له آباؤه الکرام من المجد و العلاء ما أقعدک هذا المقعد و لقتلک و أنت له مستوجب بقودک الجماهیر فلما أحسست بنا و علمت أن لا طاقه لک بفرسان أهل الشام و صنادید بنی امیه أذعنت بالطاعه و احتجرت بالبیعه و بعثت تطلب الأمان، أما و الله لو لا ذلک لاریق دمک، و علمت أنا نعطى السیوف حقها عند الوغى، فاحمد الله إذا بتلاک بمعاویه فعفا عنک بحلمه ثم صنع بک ما ترى.
فنظر إلیه الحسن فقال: ویحک یا مروان لقد تقلدت مقالید العارفی الحروب عند مشاهدتها و المخاذله عند مخالطتها، نحن- هبلتک الهوابل- لنا الحجج البوالغ و لنا إن شکرتم علیکم النعم السوابغ، ندعوکم إلى النجاه و تدعوننا إلى النار فشتان ما بین المنزلتین، تفخر ببنى امیه و تزعم أنهم صبر فی الحروب أسد عند اللقاء- ثکلتک امک- اولئک البهالیل الساده و الحماه الذاده و الکرام القاده بنو عبد المطلب، أما و الله لقد رأیتهم و جمیع من فی هذا البیت ما هالتهم الأهوال و لم یحیدوا عن الأبطال کاللیوث الضاریه الباسله الحنقه، فعندها ولیت هاربا و اخذت أسیرا فقلدت قومک العار لأنک فی الحروب خوار، أیراق دمی زعمت؟ أفلا أرقت دم من وثب على عثمان فی الدار فذبحه کما یذبح الجمل و أنت تثغو ثغاء النعجه و تنادى بالویل و الثبور کالأمه اللکعاء، ألا دفعت عنه بید أو ناضلت عنه بسهم؟ لقد ارتعدت فرائصک و غشى بصرک فاستغثت بی کما یستغیث العبد بربه، فانجیتک من القتل و منعتک منه ثم تحث معاویه على قتلى و لو رام ذلک معک لذبح کما ذبح ابن عفان، أنت معه أقصر یدا و أضیق باعا أجبن قلبا من أن تجسر على ذلک، ثم تزعم أنى ابتلیت بحلم معاویه أما و الله لهو أعرف بشأنه و أشکر لما ولیناه هذا الأمر فمتى بدا له فلا یغضین جفنه على القذی معک، فو الله لأثخنن أهل الشام بجیش یضیق عنها فضاؤها، و یستأصل فرسانها ثم لا ینفعک عند ذلک الهرب و الروغان و لا یرد عنک الطلب تدریجک الکلام فنحن ممن لا یجهل آباؤنا القدماء الأکابر و فروعنا الساده الأخیار، انطق إن کنت صادقا.
فقال عمرو: ینطق بالخنى و تنطق بالصدق ثم أنشأ یقول:
قد یضرط العیر و المکواه تأخذه | لا یضرط العیر و المکواه فی النار | |
ذق و بال أمرک یا مروان، و أقبل علیه معاویه فقال: قد نهیتک عن هذا الرجل و أنت تأبی إلا انهماکا فیما لا یعنیک، اربع على نفسک فلیس أبوک کأبیه و لا أنت مثله، أنت ابن الطرید الشرید و هو ابن رسول الله صلى الله علیه و آله الکریم و لکن رب باحث عن حتفه و حافر عن مدیته، فقال مروان: ارم من دون بیضتک و قم بحجه عشیرتک، ثم قال لعمرو: طعنک أبوه فوقیت نفسک بخصییک فلذلک تحذره و قام مغضبا فقال معاویه: لا تجار البحور فتغمرک، و لا الجبال فتبهرک و استرح من الاعتذار.
قیل: و لقى عمرو بن العاص الحسن بن علی علیه السلام فی الطواف فقال: یا حسن أزعمت أن الدین لا یقوم إلا بک و بأبیک؟ فقد رأیت الله جل و عز أقامه بمعاویه فجعله راسیا بعد میله و بینا بعد خفائه، أفرضى الله قتل عثمان أم من الحق أن تدور بالبیت کما یدور الجمل بالطحین؟ علیک ثیاب کغرقیء البیض و أنت قاتل عثمان، و الله إنه لألم للشعث و أسهل للوعث أن یوردک معاویه حیاض أبیک.
فقال الحسن علیه السلام: إن لأهل النار علامات یعرفون بها و هی الإلحاد لأولیاء الله و الموالاه لأعداء الله، و الله إنک لتعلم أن علیا علیه السلام لم یترتب فی الأمر و لم یشک فی الله طرفه عین، و أیم الله لتنتهین یا ابن ام عمرو أو لأقرعن جبینک بکلام تبقى سمته علیک ما حییت، فإیاک و الإبراز علی فإنی من قد عرفت لست بضعیف الغمزه، و لا بهش المشاشه، و لا بمریء المأکله، و إنی من قریش کأوسط القلاده، یعرف حسبی و لا ادعى لغیر أبى، و قد تحاکمت فیک رجال قریش فغلب علیک ألأمهم نسبا و أظهرهم لعنه، فإیاک عنی فانک رجس، و إنما نحن بیت الطهاره، أذهب الله عنا الرجس و طهرنا تطهیرا.
قیل: و اجتمع الحسن بن علی علیه السلام و عمرو بن العاص، فقال الحسن علیه السلام:قد علمت قریش بأسرها أنی منها فی عز أرومتها لم اطبع على ضعف و لم اعکس على خسف، اعرف بشبهی و ادعى لأبی.
فقال عمرو: قد علمت قریش أنک من أقلها عقلا و أکثرها جهلا، و ان فیک خصالا لو لم یکن فیک إلا واحده منهن لشملک خزیها کما شمل البیاض الحالک، لعمر الله لتنتهین عما أراک تصنع أو لأکبسن لک حافه کجلد العائط أرمیک من خللها بأحر من وقع الأثافی أعرک منها أدیمک عرک السلعه، فانک طالما رکبت صعب المنحدر و نزلت فی اعراض الوعر التماسا للفرقه و إرصادا للفتنه و لن یزیدک الله فیها إلا فظاعه.
فقال الحسن علیه السلام: أما و الله لو کنت تسمو بحسبک و تعمل برأیک ما سلکت فج قصد و لا حللت رابیه مجد، و أیم الله لو أطاعنی معاویه لجعلک بمنزله العدو الکاشح فانه طالما طویت على هذا کشحک و أخفیته فی صدرک و طمح بک الرجاء إلى الغایه القصوى التی لا یورق بها غصنک و لا یخضر لها مرعاک، أما و الله لیوشکن یا ابن العاص أن تقع بین لحیى ضرغام من قریش قوی متمنع فروس ذی لبد یضغطک ضغط الرحى للحب لا ینجیک منه الروغان إذا التقت حلقتا البطان.
انتهى ما أتى به البیهقی فی المحاسن و المساوی فی المقام.
و فى محاسن البرقی: قال عمرو بن العاص للحسین علیه السلام: ما بال أولادنا أکثر من أولادکم؟ فقال علیه السلام:
بغاث الطیر أکثرها فراخا | و ام الصقر مقلاه نزور | |
فقال: ما بال الشیب إلى شواربنا أسرع منه إلى شواربکم؟ فقال علیه السلام:إن نساءکم نساء بخره فاذا دنا أحدکم من امرأته نهکته فی وجهه فشاب منه شاربه فقال: ما بال لحاکم أوفر من لحائنا؟ فقال علیه السلام: و البلد الطیب یخرج نباته باذن ربه و الذی خبث لا یخرج إلا نکدا، فقال معاویه: بحقی علیک إلا سکت فانه ابن علی بن أبی طالب علیه السلام، فقال علیه السلام:
إن عادت العقرب عدنا له | و کانت النعل لها حاضره | |
قد علم العقرب و استیقنت | أن لا لها دنیا و لا آخره | |
و روى ابن شهرآشوب و غیره عن أبان الأحمر أن شریک بن الأعور دخل على معاویه، فقال له معاویه: و الله إنک لشریک و لیس لله لشریک و أنک لابن الأعور و البصیر خیر من الأعور، و أنک لدمیم، و الجید خیر من الدمیم فکیف سدت قومک؟
فقال له شریک: إنک لمعاویه و ما معاویه إلا کلبه عوت و استعوت الکلاب، و انک لابن صخر و السهل خیر من الصخر، و انک لابن حرب و السلم خیر من الحرب و انک لابن امیه و ما امیه إلا أمه صغرت فاستصغرت فکیف صرت أمیر المؤمنین؟
فغضب معاویه و خرج شریک و هو یقول:
أ یشتمنی معاویه بن صخر | و سیفی صارم و معى لسانی | |
فلا تبسط علینا یا ابن هند | لسانک إن بلغت ذرى الأمانی | |
و إن تک للشقاء لنا أمیرا | فإنا لا نقر على الهوان | |
و إن تک فی امیه من ذراها | فانا فی ذرى عبد المدان | |
و روى أن معاویه أرسل إلیه هدیه منها حلواء، یرید بذلک استمالته و صرفه عن حب علی بن أبی طالب علیه السلام، فدخلت ابنه صغیره له خماسی أو سداسی علیه فأخذت لقمه من تلک الحلواء و جعلتها فی فمها، فقال لها أبو الأسود یا بنتی ألقیه فإنه سم هذه حلواء أرسلها إلینا معاویه لیخدعنا عن أمیر المؤمنین علیه السلام و یردنا عن محبه أهل البیت، فقالت الصبیه: قبحه الله یخدعنا عن السید المطهر بالشهد المزعفر تبا لمرسله و آکله فعالجت نفسها حتى قاءت ما أکلتها ثم قالت:
أبا لشهد المزعفر یا ابن هند | نبیع علیک أحسابا و دینا | |
معاذ الله کیف یکون هذا | و مولانا أمیر المؤمنینا | |
و یشبه هذا ما روی أنه دخل أبو أمامه الباهلی على معاویه فقربه و أدناه ثم دعى بالطعام فجعل یطعم أبا أمامه بیده، ثم أوسع رأسه و لحیته طیبا بیده و أمر له ببدره من دنانیر فدفعها إلیه، ثم قال: یا أبا أمامه بالله أنا خیر أم علی بن أبی طالب؟
فقال أبو أمامه: نعم و لا کذب و لو بغیر الله سألتنی لصدقت علی و الله خیر منک و أکرم و أقدم إسلاما و أقرب إلى رسول الله صلى الله علیه و آله قرابه و أشد فی المشرکین نکایه و أعظم عند الامه عناء، أ تدری من علی یا معاویه؟ ابن عم رسول الله صلى الله علیه و آله، و زوج ابنته سیده نساء العالمین، و أبو الحسن و الحسین سیدی شباب أهل الجنه، و ابن أخی حمزه سید الشهداء، و أخو جعفر ذى الجناحین، فأین تقع أنت من هذا یا معاویه؟ أظننت أنی سأختیرک على علی علیه السلام بألطافک و طعامک و عطائک فأدخل إلیک مؤمنا، و أخرج منک کافرا بئسما سولت لک نفسک یا معاویه ثم نهض و خرج من عنده فأتبعه بالمال، فقال: لا و الله لا أقبل منک دینارا واحدا.
قال تقی الدین أبو بکر بن علی الحموى فی ثمرات الأوراق فی المحاضرات: قلت: و أما الأجوبه الهاشمیه و بلاغتها فهى فی المحل الأرفع، فمن ذلک أنه اجتمع عند معاویه عمرو بن العاص و الولید بن عقبه و عتبه بن أبی سفیان و المغیره بن شعبه فقالوا: یا أمیر المؤمنین ابعث لنا إلى الحسن بن علی فقال لهم: فیم؟ فقالوا: کى نوبخه و تعرفه أن أباه قتل عثمان فقال لهم: إنکم لا تنتصفون منه و لا تقولون شیئا إلا کذبکم الناس، و لا یقول لکم شیئا ببلاغته إلا صدقه الناس فقالوا: أرسل إلیه فإنا سنکفیک أمره فأرسل إلیه معاویه فلما حضر قال: یا حسن إنی لم ارسل إلیک و لکن هؤلاء أرسلوا إلیک فاسمع مقالتهم و أجب و لا تحرمنی.
فقال الحسن علیه السلام فلیتکلموا و نسمع، فقام عمرو بن العاص فحمد الله و أثنى علیه قال: هل تعلم یا حسن أن أباک أول من أثار الفتنه و طلب الملک فکیف رأیت صنع الله به؟.
ثم قام الولید بن عقبه بن أبی معیط فحمد الله و أثنى علیه ثم قال: یا بنی هاشم کنتم أصهار عثمان بن عفان فنعم الصهر کان یفضلکم و یقربکم ثم بغیتم علیه فقتلتموه و لقد أردنا یا حسن قتل أبیک فأنقذنا الله منه و لو قتلناه بعثمان ما کان علینا من الله ذنب.
ثم قام عتبه فقال: تعلم یا حسن أن أباک بغی على عثمان فقتله حسدا على الملک و الدنیا فسلبها، و لقد أردنا قتل أبیک حتى قتله الله تعالى.
ثم قام المغیره بن شعبه فکان کلامه کله سبا لعلی و تعظیما لعثمان.
فقام الحسن علیه السلام فحمد الله تعالى و أثنى علیه و قال: بک أبدأ یا معاویه لم یشتمنی هؤلاء، و لکن أنت تشتمنی بغضا و عداوه و خلافا لجدی صلى الله علیه و آله، ثم التفت إلى الناس و قال: انشدکم الله أ تعلمون أن الرجل الذی شتمه هؤلاء کان أول من آمن بالله و صلى القبلتین، و أنت یا معاویه یومئذ کافر تشرک بالله، و کان معه لواء النبی صلى الله علیه و آله یوم بدر، و مع معاویه و أبیه لواء المشرکین.
ثم قال: أنشدکم الله و الإسلام، أ تعلمون أن معاویه کان یکتب الرسائل لجدی صلى الله علیه و آله فأرسل إلیه یوما فرجع الرسول و قال: هو یأکل، فرد الرسول إلیه ثلاث مرات کل ذلک و هو یقول: هو یأکل، فقال النبی صلى الله علیه و آله: لا أشبع الله بطنه، أما تعرف ذلک فی بطنک أما تعرف ذلک فی بطنک یا معاویه؟
ثم قال: و أنشدکم الله، أ تعلمون أن معاویه کان یقود بأبیه على جمل و أخوه هذا یسوقه، فقال رسول الله صلى الله علیه و آله: لعن الله الجمل و قائده و راکبه و سائقه هذا کله لک یا معاویه.
و أما أنت یا عمرو فتنازع فیک خمسه من قریش فغلب علیک شبه ألأمهم حسبا و شرهم منصبا ثم قمت وسط قریش فقلت: أتى شانئ محمد فأنزل الله على نبیه صلى الله علیه و آله: إن شانئک هو الأبتر، ثم هجوت محمدا صلى الله علیه و آله بثلاثین بیتا من الشعر فقال النبی صلى الله علیه و آله: اللهم إنی لا أحسن الشعر و لکن العن عمرو بن العاص بکل بیت لعنه ثم انطلقت إلى النجاشی بما عملت و عملت فأکذبک الله و ردک خائبا فأنت عدو بنی هاشم فی الجاهلیه و الإسلام فلم نلمک على بغضک.
و أما أنت یا ابن أبی معیط، فکیف ألومک على سبک لعلی و قد جلد ظهرک فی الخمر ثمانین سوطا، و قتل أباک صبرا بأمر جدی، و قتله جدی بأمر ربی، و لما قدمه للقتل قال: من للصبیه یا محمد، فقال: لهم النار فلم یکن لکم عن النبی صلى الله علیه و آله إلا النار، و لم یکن لکم عند علی غیر السیف و السوط.
و أما أنت یا عتبه فکیف تعد أحدا بالقتل لم لا قتلت الذی وجدته فی فراشک مضاجعا لزوجتک ثم أمسکتها بعد أن بغت.
و أما أنت یا أعور ثقیف ففی أى ثلاث تسب علیا؟ أفی بعده من رسول الله صلى الله علیه و آله؟ أم فی حکم جائر؟ أم فی رغبه فی الدنیا؟ فإن قلت شیئا من ذلک فقد کذبت أکذبک الناس، و إن زعمت أن علیا قتل عثمان فقد کذبت و أکذبک الناس، و أما وعیدک فانما مثلک کمثل بعوضه وقفت على نخله، فقالت لها: استمسکی فانی ارید أن أطیر، فقالت لها النخله: ما عملت بوقوفک فکیف یشق على طیرانک و أنت فما شعرنا بعداوتک فکیف یشق علینا سبک، ثم نفض ثیابه و قام، فقال لهم معاویه: ألم أقل لکم إنکم لا تنتصفون منه، فو الله لقد أظلم علی البیت حتى قام فلیس فیکم بعد الیوم خیر. انتهى.
قال سبط ابن الجوزى فی التذکره: قال أهل السیر: و لما سلم الحسن الأمر إلى معاویه أقام یتجهز إلى المدینه فاجتمع إلى معاویه رهط من شیعته منهم عمرو ابن العاص و الولید بن عقبه و هو أخو عثمان بن عفان لامه و کان علی علیه السلام قد جلده فی الخمر، و عتبه و قالوا: نرید أن تحضر الحسن علی سبیل الزیاره لنخجله قبل مسیره إلى المدینه فنهاهم معاویه و قال: إنه ألسن بنی هاشم فألحوا علیه فارسل [إلى] الحسن فاستزاره فلما حضر شرعوا فتناولوا علیا علیه السلام و الحسن ساکت فلما فرغوا حمد الحسن الله و أثنى علیه و صلى على رسوله محمد صلى الله علیه و آله قال:
إن الذی أشرتم إلیه قد صلى إلى القبلتین و بایع البیعتین و أنتم بالجمیع مشرکون و بما أنزل الله على نبیه کافرون، و أنه حرم على نفسه الشهوات و امتنع على اللذات حتى أنزل الله فیه «یا أیها الذین آمنوا لا تحرموا طیبات ما أحل الله لکم» و أنت یا معاویه ممن قال رسول الله صلى الله علیه و آله فی حقه: اللهم لا تشبعه أو لا أشبع الله بطنک، أخرجه مسلم عن ابن عباس.
و بات أمیر المؤمنین یحرس رسول الله صلى الله علیه و آله من المشرکین، و فداه بنفسه لیله الهجره حتى أنزل الله فیه «و من الناس من یشرى نفسه ابتغاء مرضات الله» و وصفه بالإیمان فقال «إنما ولیکم الله و رسوله و الذین آمنوا» و المراد به أمیر المؤمنین و قال له رسول الله صلى الله علیه و آله: أنت منى بمنزله هارون من موسى و أنت أخى فی الدنیا و الاخره، و أنت یا معاویه نظر النبی صلى الله علیه و آله إلیک یوم الأحزاب فرأى أباک على جمل یحرض الناس على قتاله و أخوک یقود الجمل و أنت تسوقه فقال: لعن الله الراکب و القائد و السائق، و ما قابله أبوک فی موطن إلا و لعنه و کنت معه، ولاک عمر الشام فخنته، ثم ولاک عثمان فتربصت علیه و أنت الذی کنت تنهى أباک عن الإسلام حتى قلت مخاطبا له:
یا صخر لا تسلمن طوعا فتفضحنا | بعد الذین ببدر أصبحوا مزقا | |
لا ترکنن إلى أمر تقلدنا | و الراقصات بنعمان به الحرقا | |
و کنت یوم بدر و احد و الخندق و المشاهد کلها تقاتل رسول الله صلى الله علیه و آله و قد علمت الفراش الذی ولدت علیه.
ثم التفت إلى عمرو بن العاص و قال: أما أنت یا ابن النابغه فادعاک خمسه من قریش غلب علیک ألأمهم و هو العاص و ولدت على فراش مشترک و فیک نزل إن شانئک هو الأبتر و کنت عدو الله و عدو رسوله و عدو المسلمین و کنت أضر علیهم من کل مشرک و أنت القائل:
و لا أنثنى عن بنی هاشم | بما اسطعت فی الغیب و المحضر | |
و عن عائب اللات لا أنثنى | و لو لا رضى اللات لم تمطر | |
و أما أنت یا ولید فلا ألومک على بغض أمیر المؤمنین فإنه قتل أباک صبرا و جلدک فی الخمر لما صلیت بالمسلمین الفجر سکرانا و قلت أزیدکم و فیک یقول الحطیئه:
شهد الحطیئه حین یلقى ربه | أن الولید أحق بالعذر | |
نادى و قد تمت صلاتهم | أ أزیدکم سکرا و ما یدرى | |
لیزیدهم اخرى و لو قبلوا | لأتت صلاتهم على العشر | |
فأتوا أبا وهب و لو قبلوا | لقرنت بین الشفع و الوتر | |
حبسوا عنانک اذجریت و لو | ترکوا عنانک لم تزل تجرى | |
و سماک الله فی کتابه فاسقا، و سمى أمیر المؤمنین مؤمنا فی قوله: أ فمن کان مؤمنا کمن کان فاسقا لا یستوون و فیک یقول حسان بن ثابت و فی أمیر المؤمنین:
أنزل الله ذو الجلال علینا | فی علی و فی الولید قرانا | |
لیس من کان مؤمنا عمرک الله | کمن کان فاسقا خوانا | |
سوف یدعى الولید بعد قلیل | و علی إلى الجزاء عیانا | |
فعلى یجزى هناک جنانا | و ولید یجزى هناک هوانا | |
و أما أنت یا عتبه فلا ألومک فی أمیر المؤمنین فإنه قتل أباک یوم بدر و اشترک فی دم ابن عمک شیبه، و هلا أنکرت على من غلب على فراشک و وجدته نائما مع عرسک حتى قال فیک نصر بن حجاج:
نبئت عتبه هیأته عرسه | لصداقه الهذلى من الحیان | |
ألقاه معها فی الفراش فلم یکن | فحلا و أمسک خشیه النسوان | |
لا تعتبن یا عتب نفسک حبها | إن النساء حبائل الشیطان | |
ثم نفض الحسن ثوبه و قام فقال معاویه:
أمرتکم أمرا فلم تسمعوا له | و قلت لکم لا تبعثن إلى الحسن | |
فجاء و رب الراقصات عشیه | برکبانها یهوین من سره الیمن | |
أخاف علیکم منه طول لسانه | و بعد مداه حین اجراره الرسن | |
فلما أبیتم کنت فیکم کبعضکم | و کان خطابى فیه غبنا من الغبن | |
فحسبکم ما قال مما علمتم | و حسبى بما ألقاه فی القبر و الکفن | |
ثم قال سبط ابن الجوزى: تفسیر غریب هذه الواقعه: قال الأصمعی و هشام ابن محمد الکلبی فی کتابه المسمى بالمثالب: و قد وقفت علیه معنى قول الحسن لمعاویه: قد علمت الفراش الذی ولدت علیه أن معاویه کان یقال إنه من أربعه من قریش: عماره بن الولید بن المغیره المخزومی، و مسافر بن أبی عمرو و أبی سفیان و العباس بن عبد المطلب و هؤلاء کانوا ندماء أبی سفیان و کان کل منهم یتهم بهند.
فأما عماره بن الولید کان من أجمل رجالات قریش و هو الذی وشى به عمرو بن العاص إلى النجاشی فدعى الساحر فنفث فی احلیله فهام مع الوحش و کانت امرأه النجاشی قد عشقته.
و أما مسافر بن أبی عمرو فقال الکلبی: عامه الناس على أن معاویه منه لأنه کان أشد الناس حبا لهند فلما حملت هند بمعاویه خاف مسافر أن یظهر أنه منه فهرب إلى ملک الحیره و هو هند بن عمرو فأقام عنده، ثم إن أبا سفیان قدم الحیره فلقیه مسافر و هو مریض من عشقه لهند و قد سقى بطنه فسأله عن أهل مکه فأخبره و قیل: إن أبا سفیان تزوج هندا بعد انفصال مسافر عن مکه فقال أبو سفیان انی تزوجت هندا بعدک فازداد مرضه و جعل یذوب فوصف الکى فاحضروا المکاوى و الحجام فبینا الحجام یکویه إذ حبق الحجام فقال مسافر: قد یحبق (قد یضرط- خ ل) العیر و المکواه فی النار فسارت مثلا ثم مات مسافر من عشقه لهند.
و ذکر هشام بن محمد الکلبی أیضا فی کتاب المثالب و قال: کانت هند من المغیلمات و کانت تمیل إلى السودان من الرجال فکانت إذا ولدت ولدا أسود قتلته قال: و جرى بین یزید بن معاویه و بین إسحاق بن طابه بن عبید کلام بین یدی معاویه و هو خلیفه فقال یزید لاسحاق إن خیرا لک أن یدخل بنو حرب کلهم الجنه أشار یزید إلى ان ام إسحاق کانت تتهم ببعض بنی حرب فقال له إسحاق ان خیرا لک ان یدخل بنو العباس کلهم الجنه فلم یفهم یزید قوله و فهم معاویه فلما قام إسحاق قال معاویه لیزید: کیف تشاتم الرجال قبل أن تعلم ما یقال فیک قال: قصدت شین إسحاق قال: و هو کذلک أیضا قال: و کیف؟ قال: أما علمت أن بعض قریش فی الجاهلیه یزعمون أنى للعباس فسقط فی یدی یزید.
و قال الشعبی: و قد أشار رسول الله صلى الله علیه و آله إلى هند یوم فتح مکه بشیء من هذا فانها لما جاءت تبایعه و کان قد أهدر دمها فقالت: على ما ابایعک؟ فقال:على أن لا تزنین، فقالت: و هل تزنى الحره؟ فعرفها رسول الله صلى الله علیه و آله فنظر إلى عمر فتبسم.
و أما قول الحسن علیه السلام لعمرو بن العاص: ولدت على فراش مشترک فذکر الکلبى أیضا فی المثالب قال: کانت النابغه ام عمرو بن العاص من البغایا أصحاب الرایات بمکه فوقع علیها العاص بن الوائل فی عده من قریش منهم أبو لهب و امیه بن خلف و هشام بن المغیره و أبو سفیان بن حرب فی طهر واحد.
قال ابن الکلبی: و کان الزناه الذین اشتهروا بمکه جماعه منهم هؤلاء المذکورون، و امیه بن عبد الشمس، و عبد الرحمن بن الحکم بن أبی العاص أخو مروان بن الحکم، و عتبه بن أبی سفیان أخو معاویه، و عقبه بن أبی معیط فلما حملت النابغه بعمرو تکلموا فیه فلما وضعته اختصم فیه الخمسه الذین ذکرناهم کل واحد یزعم أنه ولده و ألب علیه العاص بن وائل و أبو سفیان بن حرب کل واحد یقول: و الله إنه منی فحکما النابغه فاختارت العاص فقالت: هو منه، فقیل لها ما حملک على هذا و أبو سفیان أشرف من العاص؟ فقالت: هو کما قلتم إلا انه رجل شحیح، و العاص جواد ینفق على بناتی، و أبو سفیان لا ینفق علیهن و کان لها بنات.
و أما قول الحسن علیه السلام للولید بن عقبه: و جلدک علی فی الخمر، فذکر أرباب السیر قاطبه: أن عثمان بن عفان ولى الولید بن عقبه الکوفه سنه ست و عشرین و کان الولید مدمنا على شرب الخمر و کان یجلس على الشراب و عنده ندماؤه و مغنوه طول اللیل إلى الفجر فإذا أذنه المؤذن بصلاه الفجر خرج سکرانا فصلى بهم فخرج یوما فی غلاله لا یدرى أین هو فتقدم إلى المحراب فصلى بهم الفجر أربعا و قال: أزیدکم؟ فقال له عبد الله بن مسعود: ما زلنا معک فی زیاده منذ الیوم، و لما سجد قال فی سجوده: اشرب و اسقنی، فناداه عتاب بن غیلان الثقفی: سقاک الله المهل و من بعثک أمیرا علینا، ثم حصبه و حصبه أهل المسجد، فدخل الولید القصر و هو یترنح فنام فی سریره، فهجم علیه جماعه منهم أبو جندب بن زهیر الأسدی و ابن عوف الأزدی و غیرهما و هو سکران لا یعی فأیقظوه فلم یتنبه، ثم قاء علیهم الخمر فنزعوا خاتمه من یده و خرجوا من فورهم إلى المدینه، فدخلوا على عثمان فشهدوا على الولید أنه شرب الخمر، فقال: و ما یدریکم أنه شرب خمرا؟ قالوا:
شرب الخمر الذی کنا نشر به فی الجاهلیه فزبرهما و نال منهما فخرجا من عنده فدخلا على علی علیه السلام و أخبراه بالقصه، فدخل على عثمان فقال له: دفعت الشهود و أبطلت الحدود، قال له: فما ترى؟ فقال: تبعث إلى الفاسق فتحضره فان قامت علیه البینه حددته فأرسل إلى الولید فأحضره فشهدوا علیه و لم یکن له حجه فرمى عثمان السوط إلى علی علیه السلام و قال له: حده، فقال علی لولده الحسن: قم فحده، فامتنع الحسن علیه السلام و قال: یتولى حارها من تولى قارها و القر البرد و معناه یتولاه و الى الأمر، فقال لعبد الله بن جعفر: قم فاجلده فامتنع فلما رآهم لا یفعلون توقیا لعثمان أخذ السوط و دنی من الولید فسبه الولید فقال له عقیل بن أبی طالب: یا فاسق ما تعلم من أنت أ لست علجا من أهل صفوریه قریه بین عکا و اللجون من أعمال الاردن کان أبوک یهودیا منها فجعل الولید یحید عن علی فأخذه فضرب به الأرض فقال له عثمان: لیس لک ذلک فقال: بلى و شر من ذلک إذ فسق ثم یمتنع أن یؤخذ منه حق الله تعالى ثم جلده أربعین.
و قد أخرج أحمد فی المسند معنى هذا فقال: حدثنا یزید بن هارون، ثنا سعید بن أبی عرونه، عن عبد الله بن الداناج، عن حصین بن المنذر بن الحرث بن و عله قال: لما قال علی علیه السلام للحسن: قم فاجلده، قال: و فیم أنت و ذاک فقال علی علیه السلام: بل عجزت و وهنت قم یا عبد الله بن جعفر فاجلده، فقام فجلده و علی علیه السلام یعد حتى بلغ أربعین، قال: أمسک، ثم قال: جلد رسول الله صلى الله علیه و آله فی الخمر أربعین، و ضرب أبو بکر أربعین، و ضربها عمر صدرا من خلافته، ثم أتم ثمانین و کل سنه.
فان قیل: فقد روى أحمد فی المسند أیضا عن علی علیه السلام انه قال: ما من رجل أقمت علیه حدا فمات فأجد فی نفسی منه إلا صاحب الخمر فانه لو مات لودیته لأن رسول الله صلى الله علیه و آله یسنه و أخرجاه فی الصحیحین فکیف تقول: و کل سنه؟
قلنا: لا خلاف أن النبی صلى الله علیه و آله ضرب فی الخمر فالضرب فی الجمله سنه و العدد ثبت باجماع الصحابه.
قال السبط: و قیل: هذه القصه إنما جرت للحسن علیه السلام مع معاویه و الولید و من سمیناهم بالشام لأن الحسن کان یعد علی معاویه کل حین و معه الحسین، قلت:
و قد دعى رسول الله صلى الله علیه و آله على الولید بن عقبه لما رد أمانه، فقال أحمد فی المسند حدثنا عبید الله بن عمر، ثنا عبد الله بن داود، ثنا نعیم بن حکیم، عن ابن أبی مریم عن علی علیه السلام قال: جاءت امرأه الولید بن عقبه تشکوه إلى رسول الله صلى الله علیه و آله و قالت:
یا رسول الله إن الولید یضربنی فقال: اذهبی إلیه و قولی له: قد أجارنی رسول الله صلى الله علیه و آله فلم تلبث إلا یسیرا، حتى جاءت فقالت: ما زادنی إلا ضربا، فأخذ رسول الله صلى الله علیه و آله هدبه من ثوبه فدفعها إلیها و قال لها: قولی هذا أمانی من رسول الله صلى الله علیه و آله فلم تلبث إلا یسیرا حتى جاءت فقالت: یا رسول الله ما زادنی إلا ضربا، فرفع رسول الله صلى الله علیه و آله یدیه و قال: اللهم علیک بالولید، و فی روایه علیک بالفاسق.
و اختلفوا فی معنى تسمیته بالفاسق على قولین: أحدهما أن الولید قال یوما لعلى علیه السلام: أ لست أبسط منک لسانا و أحد سنانا، فنزلت: أ فمن کان مؤمنا کمن کان فاسقا لا یستوون ذکره ابن عباس.
و الثانی أن النبی صلى الله علیه و آله بعثه سنه ثمان من الهجره إلى بنی المصطلق یصدقهم و کانوا قد أسلموا و بنوا المساجد، فلما بلغهم قدوم الولید خرجوا یتلقونه بالهدایا و السلاح فرحا به، فلما رآهم ولى راجعا إلى المدینه، فقال: یا رسول الله قد منعوا الزکاه و قاموا إلى بالسلاح فابعث إلیهم البعوث، فقدم الحارث بن عباد على رسول الله صلى الله علیه و آله فقال له: یا حارث أردت قتل رسولى و منعت الزکاه؟! فقال: و الذی بعثک بالحق ما وصل إلینا و إنما رجع من الطریق، و لقد کذب فأنزل الله: یا أیها الذین آمنوا إن جاءکم فاسق بنبإ فتبینوا- الایه.
و ذکر هشام بن محمد الکلبی عن محمد بن إسحاق قال: بعث مروان بن الحکم و کان والیا على المدینه رسولا إلى الحسن علیه السلام فقال له: یقول لک مروان: أبوک الذی فرق الجماعه و قتل أمیر المؤمنین عثمان و أباد العلماء و الزهاد- یعنی الخوارج و أنت تفخر بغیرک، فاذا قیل لک من أبوک تقول: خالى الفرس.
فجاء الرسول إلى الحسن فقال له: یا أبا محمد إنی أتیتک برساله ممن یخاف سطوته و یحذر سیفه فإن کرهت لم أبلغک إیاها و وقیتک بنفسی، فقال الحسن:
لا بل تؤدیها و نستعین علیه بالله فأداها فقال له: تقول لمروان: إن کنت صادقا فالله یجزیک بصدقک، و إن کنت کاذبا فالله أشد نقمه، فخرج الرسول من عنده فلقیه الحسین فقال: من أین أقبلت؟ فقال: من عند أخیک الحسن، فقال: و ما کنت تصنع؟ قال: أتیت برساله من عند مروان، فقال: و ما هی؟ فامتنع الرسول من أدائها، فقال: لتخبرنی أو لأقتلنک فسمع الحسن فخرج و قال لأخیه: خل عن الرجل، فقال: لا و الله حتى أسمعها فأعادها الرسول علیه فقال له: قل له: یقول لک الحسین بن علی و فاطمه: یا ابن الزرقاء الداعیه إلى نفسها بسوق ذى المجاز، صاحبه الرایه بسوق عکاظ، و یا ابن طرید رسول الله صلى الله علیه و آله و لعینه، اعرف من أنت و من امک و من أبوک.
فجاء الرسول إلى مروان فأعاد علیه ما قالا. فقال له: ارجع إلى الحسن و قل له: أشهد انک ابن رسول الله و قل للحسین: أشهد أنک ابن علی بن أبی طالب فقال للرسول قل له کلاهما لى و رغما.
قال قال الأصمعی: أما قول الحسین: یا ابن الداعیه إلى نفسها فذکر ابن إسحاق أن ام مروان اسمها امیه و کانت من البغایا فی الجاهلیه و کان لها رایه مثل رایه البیطار تعرف بها و کانت تسمی ام حتبل الزرقاء و کان مروان لا یعرف له أب و إنما نسب إلى الحکم کما نسب عمرو إلى العاص.
و أما قوله: یا ابن طرید رسول الله یشیر إلى الحکم بن أبی العاص بن امیه ابن عبد شمس، أسلم الحکم یوم الفتح و سکن المدینه و کان ینقل أخبار رسول الله صلى الله علیه و آله إلى الکفار من الأعراب و غیرهم و یتجسس علیه، قال الشعبی:
و ما أسلم إلا لهذا و لم یحسن إسلامه و رآه رسول الله صلى الله علیه و آله یوما و هو یمشی و یتخلج فی مشیته یحاکی رسول الله فقال له: کن کذلک فما زال یمشى کأنه یقع على وجهه و نفاه رسول الله صلى الله علیه و آله إلى الطائف و لعنه فلما توفی رسول الله صلى الله علیه و آله کلم عثمان أبا بکر
أن یرده لأنه کان عم عثمان فقال أبو بکر: هیهات شیء فعله رسول الله صلى الله علیه و آله و الله لا اخالفه أبدا فلما مات أبو بکر و ولى عمر کلمه فیه فقال: یا عثمان أما تستحى من رسول الله صلى الله علیه و آله و من أبی بکر ترد عدو الله و عدو رسوله إلى المدینه؟ و الله لا کان هذا أبدا فلما مات عمرو ولى عثمان رده فی الیوم الذی ولى فیه و قربه و أدناه و دفع له مالا عظیما و رفع منزلته فقام المسلمون على عثمان و أنکروا علیه و هو أول ما أنکروا علیه و قالوا: رددت عدو الله و رسوله و خالفت الله و رسوله فقال:إن رسول الله وعدنی برده فامتنع جماعه من الصحابه عن الصلاه خلف عثمان لذلک.
ثم توفی الحکم فی خلافته فصلى علیه و مشی خلفه فشق ذلک على المسلمین و قالوا: ما کفاک ما فعلت حتى تصلى على منافق ملعون لعنه رسول الله صلى الله علیه و آله و نفاه فخلعوه و قتلوه و اعطى ابنه مروان خمس غنائم افریقیه خمسمائه ألف دینار، و لما بلغ عایشه أرسلت إلى عثمان أما کفاک أنک رددت المنافق حتى تعطیه أموال المسلمین و تصلى علیه و تشیعه بهذا السبب؟ قالت: اقتلوا نعثلا قتله الله فقد کفر، و لما بلغ مروان انکارها جاء إلیها یعاتبها فقالت: اخرج یا ابن الزرقاء انى أشهد على رسول الله صلى الله علیه و آله أنه لعن أباک و أنت فی صلبه.
قال الشعبی: إن مروان ولد سنه اثنتین من الهجره و أبوه إنما أسلم یوم الفتح و نفاه رسول الله صلى الله علیه و آله بعد ذلک، قلت: و قد ذکر ابن سعد فی الطبقات معنى الحکایه التی حکیناها عن ابن إسحاق و رساله مروان إلى الحسن. انتهى ما أردنا من نقل کلام سبط ابن الجوزی فی التذکره.
و أقول: سیأتی توضیح کلام الإمام المجتبى علیه السلام فی عمرو بن العاص العاصی:فادعاک خمسه من قریش فی تفسیر کتاب أمیر المؤمنین علیه السلام إلى عمرو بن العاص.
و أما قول الکلبی و الأصمعی أن معاویه کان من أربعه من قریش فقد روى الزمخشرى فی کتاب ربیع الأبرار أیضا أن معاویه کان یعزى إلى أربعه:إلى عمرو بن مسافر، و إلى عماره بن الولید، و إلى العباس بن عبد المطلب و إلى الصباح مغن أسود کان لعماره، قال قالوا: کان أبو سفیان و سیما قصیرا، و کان الصباح عسیفا لأبی سفیان شابا و سیما فدعته هند إلى نفسها، و قالوا: إن عتبه بن أبی سفیان من الصباح أیضا و انها کرهت أن تضعه فی منزلها فخرجت إلى أجیاد فوضعته هناک و فی ذلک قال حسان بن ثابت:
لمن الصبى بجانب البطحاء | فی الأرض ملقى غیر ذى مهد | |
بخلت به بیضاء آنسه | من عبد شمس صلته الخد | |
و أقول: هذان البیتان من أبیات توجد فی آخر دیوان حسان على ما فی نسخه مخطوطه من دیوانه فی مکتبتنا، و الأبیات معنونه بهذا العنوان: و قال حسان لهند بنت عتبه بن أبی ربیعه، و بعد البیتین:
تسعى الصباح معوله | یا هند انک صلبه الحرد | |
فإذا تشادعت بمقطره | تذکى لها بالوده الهند | |
غلبت على شبه الغلام و قد | بان السواد لحالک جعد | |
أشرت لکاع و کان عادتها | دق المشاش بناجذ جلد | |
فحرى لمعاویه أن یباهی و یفتخر قائلا: اولئک آبائى فجئنى بمثلهم.
و أما قوله: إذ حبق الحجام فقال مسافر: قد یحبق (یضرط- خ ل) العیر و المکواه فی النار فقال المیدانى فی مجمع الأمثال: و یقال: إن أول من قاله مسافر ابن أبی عمرو بن امیه و ذلک أنه کان یهوى بنت عتبه و کانت تهواه فقالت: إن أهلى لا یزوجوننى منک انک معسر، فلو قد وفدت إلى بعض الملوک لعلک تصیب مالا فتتزوجنى، فرحل إلى الحیره وافدا إلى النعمان فبیناهم مقیم عنده إذ قدم علیه قادم من مکه فسأله عن خبر أهل مکه بعده فأخبره بأشیاء و کان منها أن أبا سفیان تزوج هندا فطعن مسافر من الغم فأمر النعمان أن یکوى فأتاه الطبیب بمکاویه فجعلها فی النار ثم وضع مکواه منها علیه و علج من علوج النعمان واقف فلما رآه یکوى ضرط فقال مسافر: قد یضرط العیر و یقال: إن الطبیب ضرط.
و أما ما نقل السبط من قول أمیر المؤمنین علی علیه السلام لولده الحسن علیه السلام: قم فحده فامتنع الحسن، و ما روى أحمد فی المسند من أن علیا علیه السلام لما قال للحسن علیه السلام قم فاجلده قال الحسن علیه السلام و فیم أنت و ذاک، ففیهما کلام لأن امتناع الإمام المجتبى علیه السلام عما أمره به أبوه أمیر المؤمنین علیه السلام فدونه خرط القتاد.
و أما ما نقله من حد شارب الخمر و من أن أمیر المؤمنین علیه السلام جلد الولید أربعین فالبحث عنه یوجب الإسهاب فانه یؤدى إلى شعب کثیره من مسائل فقهیه و غیرها و لذلک نکتفی على نقل ما أتى به صاحب الجواهر فی شرح کتاب الحدود من کتاب الشرائع قال- ره-:
حد المسکر ثمانون جلده بلا خلاف أجده فیه بل الاجماع بقسمیه علیه بل المحکى منهما مستفیض أو متواتر کالنصوص، لکن فی حسن الحلبى سئل الصادق علیه السلام أرأیت النبی صلى الله علیه و آله کیف یضرب بالخمر؟ قال: کان یضرب بالنعال و یزید إذا أتى بالشارب ثم لم یزل الناس یزیدون حتى وقف ذلک على ثمانین أشار بذلک علی علیه السلام على عمر.
و نحوه خبر أبی بصیر عنه عن أمیر المؤمنین علیه السلام معللا بأنه إذا شرب سکر و إذا سکر هذى و إذا هذى افترى فاذا فعل ذلک فاجلدوه حدى المفترى ثمانین.
بل فی المسالک روى العامه و الخاصه أن النبی صلى الله علیه و آله کان یضرب الشارب بالأیدی و النعال و لم یقدره بعدد فلما کان فی زمن عمر استشار أمیر المؤمنین علیه السلام فی حده فأشار علیه أن یضربه ثمانین معللا له بأنه إذا شرب سکر و إذا سکر هذى و إذا هذى افترى فجلده عمر ثمانین و عمل بمضمونه أکثر العامه.
و ذهب بعضهم إلى أربعین مطلقا لما روى أن صحابه قد رووا ما فعل فی زمانه صلى الله علیه و آله بأربعین و کان التقدیر المزبور عن أمیر المؤمنین علیه السلام من التفویض الجائز لهم.
و من الغریب ما فی کتاب الإستغاثه فی بدع الثلاثه من أن حد الشارب الثمانین من بدع الثانی، و أن الرسول صلى الله علیه و آله جعل حده أربعین بالنعال العرین و جرائد النخل باجماع أهل الروایه، و ان الثانی قال: إذا سکر افترى و انه افترى حد حد المفترى، و فی کشف اللثام و لعله أراد إلزامهم باعترافهم کما فی الطرائف من قوله و من طریف ما شهدوا به أیضا على خلیفتهم عمر من تغییره لشریعه نبیهم صلى الله علیه و آله و قله معرفته بمقام الأنبیاء و خلفائهم ما ذکره الحمیدی فی الجمع بین الصحیحین من مسند أنس بن مالک فی الحدیث الحادى و التسعین من المتفق علیه ان النبی ضرب فی الخمر بالجرائد و النعال و جلد أبو بکر أربعین فلما کان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن أخف الحدود ثمانون فأمر به عمر.
و ذکر الحمیدی أیضا فی کتاب الجمع بین الصحیحین فی مسند السائب بن یزید فی الحدیث الرابع من أفراد البخاری قال: کنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله صلى الله علیه و آله و إمره أبی بکر و شطر من خلافه عمر فنتقدم إلیه بأیدینا و نعالنا و اردیتنا حتى کان آخر امره عمر فجلد أربعین حتى إذا عتوا و فسقوا جلد ثمانین.
ثم إن ظاهر النص و الفتوى اعتبار الثمانین مترتبه لکن فی خبر زراره سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول: إن الولید بن عقبه حین شهد علیه بشرب الخمر قال عثمان لعلی علیه السلام: اقض بینه و بین هؤلاء الذین زعموا أنه شرب الخمر، قال: فأمر علی علیه السلام فجلد بسوط له شعبتان أربعین جلده فصارت ثمانین.
و فی خبره الاخر سمعته أیضا یقول: اقیم عبید بن عمر و قد شرب الخمر فأمر عمر أن یضرب فلم یتقدم علیه أحد یضربه حتى قام علی علیه السلام بنسعه مثنیه لها طرفان فضربه أربعین، و یمکن حملهما على جواز ذلک لمصلحه و الله العالم، و کیف کان فالمشهور بین الأصحاب شهره عظیمه کادت تکون اجماعا أنه لا فرق فی الثمانین رجلا کان الشارب أو امرأه حرا کان أو عبدا بل عن صریح الغنیه و ظاهر غیرها الإجماع علیه، انتهى ما أردنا من نقل کلامه طیب الله رمسه.
ثم قال علیه السلام: (و کتاب الله یجمع لنا- إلى قوله: أولى بالطاعه) احتج علیه السلام بایتین من القرآن الکریم على أولویته من غیره فی أمر الخلافه و استنتج من الاولى أولویته بالخلافه بقرابته إلى رسول الله صلى الله علیه و آله، و من الثانیه أولویته بالخلافه بطاعه الرسول و لا یخفى على اولى الألباب حسن استنباطه علیه السلام هذا المعنى من القرآن الکریم.
کما لا یخفى علیهم أنه علیه السلام کان من أخص اولى الأرحام بالرسول صلى الله علیه و آله، و کان أقرب الخلق إلى اتباعه و ناهیک فی المقام قوله علیه السلام: و لقد قبض رسول الله صلى الله علیه و آله و ان رأسه لعلى صدری و لقد سالت نفسه فی کفى فأمر رتها على وجهى و لقد ولیت غسله صلى الله علیه و آله و الملائکه أعوانى فضجت الدار و الأفنیه ملأ یهبط و ملأ یعرج و ما فارقت سمعى هنیمه منهم یصلون حتى و اریناه فی ضریحه فمن ذا أحق به منى حیا و میتا؟، کما مضى فی المختار ۱۹۵ من باب الخطب، و قد مضت طائفه من کلامنا فی الإمام و صفاته فی شرح المختار ۲۳۷ من باب الخطب فراجع (ص ۳۵- ۱۷۶ ج ۱۶).
ثم إنه علیه السلام أتى بعد آیه اولى الأرحام بالایه الثانیه لأن الأمر الأهم هو الإتباع و لولاه لا ینفع القرابه ألا ترى قوله عز و جل خطابا لنوح علیه السلام فی أمر ولده: «انه لیس من أهلک انه عمل غیر صالح».
ثم قال علیه السلام: (و لما احتج المهاجرون على الأنصار یوم السقیفه- إلى قوله:على دعویهم) ثم احتج علیه السلام على معاویه بما ظفر المهاجرون یوم السقیفه على الأنصار و ذلک أنه قالت الأنصار یوم السقیفه للمهاجرین: منا أمیر و من قریش أمیر و قال المهاجرون: نحن شجره الرسول و عشیرته و رووا عنه صلى الله علیه و آله الأئمه من قریش فغلبوا بذلک على الأنصار (ص ۱۸۳۸ من تاریخ الطبرى) فاحتج أمیر المؤمنین علی علیه السلام على معاویه بأن ظفرهم على الأنصار إن کان لقربهم منه صلى الله علیه و آله فالحق لنا، أى فالحق لأهل بیته، و من کان من أخص اولى الأرحام بالرسول و أقربهم إلیه أولى بذلک الحق، و إن کان بغیره فالأنصار على دعویهم أى لم یتم حجه المهاجرین علیهم فلم یتحقق إجماع الصحابه على خلافه من جعل خلیفه المسلمین منذ قبض رسول الله صلى الله علیه و آله و سیأتی عن قریب فی شرح هذا الکتاب نحو احتجاجه هذا لما أتی به إلى أبی بکر للبیعه المنقول من کتاب الامامه و السیاسه للدینورى.
و بالجمله أن أمیر المؤمنین علیه السلام احتج على معاویه بالکتاب العزیز أولا بأنه مره أولى بالخلافه بقرابه الرسول صلى الله علیه و آله و تاره أولى بها بالطاعه، ثم احتج علیه بما غلب المهاجرون على الأنصار یوم السقیفه بأن ظفر المهاجرین علیهم إن کان لقربهم من الرسول صلى الله علیه و آله فهو علیه السلام أولى بالخلافه من غیره لقربه من الرسول بمادریت، و إن کان لغیر القرابه فلم یتم أمر الخلافه فی الخلفاء الثلاث فما کتب معاویه فی کتابه المنقول آنفا لیس بصحیح لأنه قال فی ذلک الکتاب: فکان أفضلهم مرتبه و أعلاهم عند الله و المسلمین منزله الخلیفه الأول الذی جمع الکلمه- ثم الخلیفه الثانی الذی فتح الفتوح- ثم الخلیفه الثالث المظلوم الذی نشر المله- إلخ- فاذا کان الأنصار على دعویهم لم یتحقق إجماع على خلافه هؤلاء.
على أن معاویه کان أجنبیا من النبی صلى الله علیه و آله و الأنصار کلیهما بلا کلام فلا یجوز له دعوى الخلافه فلیس لمثله حق فیها.
و قد مضى نحو کلامه علیه السلام هذا فی المختار التاسع (ص ۳۳۰ ج ۱۷) حیث قال علیه السلام: لأن الله جل ذکره لما قبض نبیه صلى الله علیه و آله قالت قریش: منا أمیر و قالت الأنصار: منا أمیر فقالت قریش: منا محمد رسول الله صلى الله علیه و آله فنحن أحق بذلک الأمر فعرفت ذلک الأنصار فسلمت لهم الولایه السلطان فاذا استحقوها بمحمد صلى الله علیه و آله دون الأنصار فان أولى الناس بمحمد صلى الله علیه و آله أحق بها منهم و إلا فان الأنصار أعظم العرب فیها نصیبا فلا أدرى أصحابی سلموا من أن یکونوا حقی أخذوا أو الأنصار ظلموا عرفت أن حقی هو المأخوذ- إلخ.
قلت: و من کلامه هذا یستفاد حمل قوله: و إن یکن بغیره فالأنصار على دعویهم، على أن دعویهم منا أمیر و منکم أمیر بحالها، فانهم أعظم العرب فیها نصیبا فهم منعوا عن حقهم ظلما، و هذا وجه آخر فهم من کلامه هذا بقرینه کلامه ذلک، و إن کان یستلزم هذا الوجه المعنى الأول أیضا.
قال المسعودی فی مروج الذهب: بایع الناس أبا بکر فی سقیفه بنی ساعده ابن کعب بن الخزرج الأنصاری فی یوم الاثنین الذی توفى فیه رسول الله صلى الله علیه و آله و لما بویع أبو بکر فی یوم السقیفه و جددت البیعه له یوم الثلاثاء، خرج علی علیه السلام فقال: أفسدت علینا امورنا و لم تستشر و لم ترع لنا حقا، فقال أبو بکر: بلى، و لکن خشیت الفتنه، و کان للمهاجرین و الأنصار یوم السقیفه خطب طویل و محادثه فی الإمامه، و خرج سعد بن عباده و لم یبایع، و لم یبایع أبا بکر أحد من بنی هاشم حتى ماتت فاطمه علیها السلام.
قال: و لما احتضر أبو بکر قال: ما أنا إلا على ثلاث فعلتها وددت أنی ترکتها، و ثلاث ترکتها وددت أنی فعلتها، و ثلاث وددت أنی سألت رسول الله صلى الله علیه و آله فأما الثلاث التی فعلتها و وددت أنی ترکتها فوددت أنی لم أکن فتشت بیت فاطمه و ذکر فی ذلک کلاما کثیرا، و وددت أنی أکن حرقت الفجاءه و أطلقته نجیحا أو قتلته صریحا، و وددت أنی یوم سقیفه بنی ساعده قد رمیت الأمر فی عنق أحد الرجلین فکان أمیرا و کنت وزیرا، إلخ.
قلت: قد ذکر نحو کلام المسعودی فی مروج الذهب ابن عبد البر فی کتاب الاستیعاب حیث قال فی ترجمه أبی بکر: أنه بویع له بالخلاقه الیوم الذی قبض فیه رسول الله صلى الله علیه و آله فی سقیفه بنی ساعده، ثم بویع البیعه العامه یوم الثلثاء من غد ذلک الیوم و تخلف عن بیعته سعد بن عباده، و طائفه من الخزرج، و فرقه من قریش. انتهى.
و نقل نحوهما غیر واحد من حمله الأخبار غیرهما و فیه دلیل بین على اختلاف القوم فی بیعته و عدم توافقهم فی خلافته.
و قال الیعقوبی فی تاریخه: اجتمعت الأنصار فی سقیفه بنی ساعده یوم توفى رسول الله صلى الله علیه و آله و هو بعد لم یغسل- إلى أن قال: و قام المنذر بن الأرقم فقال:إن فیهم رجلا لو طلب هذا الأمر لم ینازعه فیه أحد- قال: یعنی علی بن أبی طالب- و جاء البراء بن عازب فضرب الباب على بنی هاشم و قال: یا معشر بنی هاشم بویع أبو بکر، فقال بعضهم: ما کان المسلمون یحدثون حدثا نغیب عنه و نحن أولى بمحمد صلى الله علیه و آله، فقال العباس: فعلوها و رب الکعبه.
قال: و کان المهاجرون و الأنصار لا یشکون فی علی علیه السلام فلما خرجوا من الدار، قام الفضل بن العباس و کان لسان قریش فقال: یا معشر قریش إنه ما حقت لکم الخلافه بالتمویه و نحن أهلها دونکم و صاحبنا أولى بها منکم، و قام عتبه ابن أبی لهب فقال:
ما کنت أحسب أن الأمر منصرف | عن هاشم ثم منها عن أبی الحسن | |
عن أول الناس إیمانا و سابقه | و أعلم الناس بالقرآن و السنن | |
و آخر الناس عهدا بالنبی و من | جبریل عون له بالغسل و الکفن | |
من فیه ما فیهم لا یمترون به | و لیس فی القوم ما فیه من الحسن | |
فبعث إلیه علی علیه السلام فنهاه، و تخلف عن بیعه أبی بکر قوم من المهاجرین و الأنصار و مالوا مع علی بن أبی طالب منهم العباس بن عبد المطلب، و الفضل بن العباس، و الزبیر بن العوام بن العاص، و خالد بن سعید، و المقداد بن عمرو، و سلمان الفارسی، و أبو ذر الغفاری، و عمار بن یاسر، و البراء بن عازب، و ابی ابن کعب. انتهى کلامه.
قلت: و من هنا سمیت الطائفه الحقه الاثنا عشریه بالرافضه کما قال شیخ الطائفه أبو جعفر الطوسی قدس سره: من أن سبعه عشر رجلا من الصحابه و مع علی أمیر المؤمنین علیه السلام ثمانیه عشر أبوا عن بیعه أبی بکر، فقال غیرهم ممن بایعوا أبا بکر فی هؤلاء: رفضونا أى ترکونا و لم یوافقونا فی البیعه.
و کان فیمن تخلف عن بیعه أبی بکر أبو سفیان بن حرب، و قال: أرضیتم یا بنی عبد مناف أن یلی هذا الأمر علیکم غیرکم، و قال لعلی علیه السلام: امدد یدک ابایعک، و مضى کلام أمیر المؤمنین علیه السلام لمعاویه: و قد کان أبوک أتانى حین ولى الناس أبا بکر فقال: أنت أحق بعد محمد صلى الله علیه و آله بهذا الأمر و أنا زعیم لک بذلک على من خالف علیک ابسط یدک ابایعک فلم أفعل، فراجع إلى شرح المختار التاسع (ص ۳۳۱ ج ۱۷ و ص ۷ ج ۱۸).
قوله علیه السلام: (و زعمت أنى لکل الخلفاء حسدت و على کلهم بغیت- إلى قوله: ظاهر عنک عارها) هذا الفصل جواب عن قول معاویه: لقد حسدت أبا بکر و التویت علیه، إلى قوله: ثم کرهت خلافه عمر و حسدته، إلى قوله: لم تکن أشد منک حسدا لابن عمک عثمان إلى قوله: و ما من هؤلاء إلا من بغیت علیه و قال علیه السلام فإن یکن ذلک کذلک أى لا نسلم أولا على أنى حسدت هؤلاء و أنت کاذب فی دعواک هذه.
أقول: قد مر تحقیق ذلک فی المختار ۲۳۷ من باب الخطب فی البحث عن الامامه من أن جمیع الذنوب أربعه أوجه لا خامس لها: الحرص و الحسد و الغضب و الشهوه فهذه منفیه عن الامام (فراجع إلى ص ۴۴ ج ۱۶).
و ثانیا على فرض التسلیم و المماشاه معکم فی تلک الدعوى بأن تکون صادقا فیها فلیس الجنایه علیک حتى أعتذر إلیک و ذلک لما مر غیر مره من أن معاویه لم یکن ولى دم عثمان کی یطلب دمه بل کلامه فی ذلک من الفضول و خوض فیما لا یعنیه، على أن أمیر المؤمنین علیا علیه السلام کان یذب عنه حتى قال علیه السلام:
ما زلت أذب عن عثمان حتى أنى لأستحى، و قد دریت أن عثمان قتل نفسه بأحداثه التی أحدثها مما نقمها الناس منه و طعنوا بها علیه فراجع إلى شرحنا على المختار التاسع من باب الکتب (ص ۳۹۵ ج ۱۷)، و قد تمثل علیه السلام تأکیدا لکلامه لیس الجنایه علیک فیکون العذر إلیک بقول أبی ذؤیب الهذلى و قد تقدم بیانه فی شرح اللغات على التفصیل.
ثم قد مضى نحو کلامه هذا فی المختار التاسع من باب الکتب حیث قال علیه السلام: و ذکرت حسدی الخلفاء و إبطائى عنهم و بغیی علیهم فأما البغی فمعاذ الله أن یکون، و أما الإبطاء عنهم و الکراهه لأمرهم فلست أعتذر منه إلى الناس- إلخ (ص ۳۳۰ ج ۱۷).
قوله علیه السلام: (و قلت: إنی کنت اقاد کما یقاد الجمل المخشوش حتى ابایع- إلى قوله: بقدر ما سنح من ذکرها) هذا الفصل جواب عن قول معاویه: و تلکأت فی بیعته حتى حملت علیه قهرا تساق بحزائم الاقتسار کما یساق الفحل المخشوش.
و کان کلام معاویه فی کتابه المنقول فی شرح المختار التاسع (ص ۳۲۷ ج ۱۷) إلى أمیر المؤمنین علیه السلام: فکان أفضلهم فی إسلامه و أنصحهم لله و لرسوله الخلیفه من بعده و خلیفه خلیفته، و الثالث الخلیفه المظلوم عثمان فکلهم حسدت و على کلهم بغیت، عرفنا ذلک فی نظرک الشزر و فی قولک الهجر و فی تنفسک الصعداء و إبطائک عن الخلفاء تقاد إلى کل منهم کما یقاد الفحل المخشوش حتى تبایع و أنت کاره.
و إنما قال علیه السلام: لقد أردت أن تذم فمدحت و أن تفضح فافتضحت، لأن قول معاویه: و تلکأت فی بیعته حتى حملت علیه قهرا تساق بحزائم الاقتسار، کما یساق الفحل المخشوش، و کذا قوله: و فی إبطائک عن الخلفاء تقاد إلى کل منهم کما یقاد الفحل المخشوش حتى تبایع و أنت کاره، اعتراف صریح بأن أمیر المؤمنین علیا علیه السلام بایعهم على إجبارهم إیاه، فلم یکن إجماع الامه على خلافه الثلاث فلم یتم خلافتهم فاعترف معاویه بظلمهم علیا علیه السلام و أنه علیه السلام کان مظلوما، و کان معاویه جعل خلافتهم عرضه لأغراضه الفاسده سیما الثالث منهم کما لا یخفى فأراد معاویه أن یذم أمیر المؤمنین علیه السلام فمدحه، و أن یفضحه فافتضح هو نفسه بکلامه قال الله تبارک و تعالى: و لا یحیق المکر السیئ إلا بأهله (فاطر ۴۴).
ثم إن نحو هذا الإحتجاج وقع بین الأمیر علیه السلام و بین أبی بکر و قد أتى به الطبرسی فی کتاب الاحتجاج قال: احتجاج أمیر المؤمنین علیه السلام على أبی بکر لما کان یعتذر إلیه من بیعه الناس له و یظهر الانبساط له، عن جعفر بن محمد عن أبیه عن جده علیهم السلام قال:
لما کان من أمر أبی بکر و بیعه الناس له و فعلهم بعلی لم یزل أبو بکر یظهر له الانبساط و یری منه الانقباض فکبر ذلک على أبی بکر و أحب لقاءه و استخرج ما عنده و المعذره إلیه مما اجتمع الناس علیه و تقلیدهم إیاه أمر الامه و قله رغبته فی ذلک و زهده فیه، أتاه فی وقت غفله و طلب منه الخلوه فقال: یا أبا
الحسن و الله ما کان هذا الأمر عن مواطاه منى و لا رغبه فیما وقعت علیه و لا حرص علیه و لا ثقه بنفسی فیما تحتاج إلیه الامه و لا قوه لی بمال و کثره العشیره و لا استیشار به دون غیری فما لک تضمر علی ما لم أستحقه منک، و تظهر لی الکراهه لما صرت فیه و تنظر إلى بعین الشناءه لی؟.
قال: فقال أمیر المؤمنین علیه السلام: فما حملک علیه إذ لم ترغب فیه و لا حرصت علیه و ثقت بنفسک فی القیام به؟.
قال: فقال أبو بکر: حدیث سمعته من رسول الله صلى الله علیه و آله إن الله لا یجمع امتى على ضلال و لما رأیت إجماعهم اتبعت قول النبی صلى الله علیه و آله و أحلت أن یکون إجماعهم على خلاف الهدى من الضلال فأعطیتهم قود الإجابه و لو علمت أن أحدا یتخلف لامتنعت.
فقال علی علیه السلام: أما ما ذکرت من قول النبی صلى الله علیه و آله: إن الله لا یجمع امتی على ضلال أ فکنت من الامه أم لم أکن؟ قال: بلى، قال: و کذلک العصابه الممتنعه عنک من سلمان و عمار و أبی ذر و المقداد و ابن عباده و من معه من الأنصار؟ قال: کل من الامه، قال علی علیه السلام: فکیف تحتج بحدیث النبی صلى الله علیه و آله و أمثال هؤلاء قد تخلفوا و لیس للامه فیهم طعن و لا فی صحبه الرسول و لصحبته منهم تقصیر- إلى آخر الاحتجاج.
قال القاضی قدس سره فی إحقاق الحق: إن إجماع الامه بأجمعهم على امامه أبی بکر لم یتحقق فی قت واحد و هذا واضح جدا مع قطع النظر عن عدم حضور أهل البیت علیهم السلام و سعد بن عباده سید الأنصار و أولاده و أصحابه و لهذا طوى صاحب المواقف دعوى ثبوت خلافه أبی بکر بالإجماع و اکتفى فی إثباته بالبیعه- إلى أن قال:فإن بنی هاشم لم یبایعوا أولا ثم قهروا فبایعوا بعد سته أشهر و امتنع علی علیه السلام و لزم بیته و لم یخرج إلیهم فی جمعه و لا جماعه إلا [إلى] أن وقع ما نقله أهل الأحادیث و الأخبار و اشتهر کالشمس فی رابعه النهار حتى أن معاویه بعث إلى علی علیه السلام فی کتاب کتبه إلیه یقول فیه: انک کنت تقاد کما یقاد الجمل المخشوش حتى تبایع، یعیره و یؤنبه بأنه لم یبایع طوعا و لم یرض ببیعه أبی بکر حتى استکره علیها خاضعا ذلیلا کالجمل إذا لم یعبر على قنطره و شبهها فانه یکره و یخش بالرماح و غیرها لیعبر کرها.
فکتب إلیه بالجواب عنه ما ذکر فی نهج البلاغه المتواتر نقله عنه علیه السلام و هذا لفظه: و قلت: انى کنت اقاد کما یقاد الجمل المخشوش حتى ابایع، و لعمر الله لقد أردت أن تذم فمدحت و أن تفضح فافتضحت و ما على المسلم من غضاضه فی أن یکون مظلوما ما لم یکن شاکا فی دینه أو مرتابا فی یقینه و هذه حجتى إلى غیرک.
انتهى ما أردنا من نقل کلامه فی المقام.
ثم قال أمیر المؤمنین علیه السلام: (و ما على المسلم من غضاضه) أى ذله و منقصه (فی أن یکون مظلوما) أى مغصوبا حقه و هو الخلافه و الغاصب ظالم (ما لم یکن) المسلم المظلوم (شاکا فی دینه و لا مرتابا بیقینه) فهو علیه السلام یشیر إلى أنه کان على یقین و بصیره فی دینه و لا یضره و لا یضله عدول الناس عن العدل و میلهم إلى الجور و سیأتی کلامه علیه السلام فی المختار ۶۲ من هذا الباب: انى و الله لو لقیتهم واحدا و هم طلاع الأرض کلها ما بالیت و لا استوحشت و إنى من ضلالهم الذی هم فیه و الهدى الذی أنا علیه لعلى بصیره من نفسى و یقین من ربى و إنى إلى لقاء الله و لحسن ثوابه لمنتظر راج- إلخ.
کما مضى نحو کلامه هذا فی المختار العاشر من باب الخطب: ألا و إن الشیطان قد جمع حزبه و استجلب خیله و رجله و إن معى لبصیرتى ما لبست على بصیرتى نفسى و لا لبس علی- إلخ، و کذا فی زالمختار ۱۳۵ من باب الخطب: و إن معى لبصیرتى ما لبست و لا لبس علی- إلخ.
و فی الحدیث الثانی عشر من کتاب العقل و الجهل من اصول الکافی للکلینی قدس سره روى بإسناد عن هشام بن الحکم قال: قال لی أبو الحسن موسى بن جعفر علیه السلام: یا هشام إن الله تبارک و تعالى بشر أهل العقل و الفهم فی کتابه- إلى أن قال علیه السلام: یا هشام ثم ذم الله الکثره فقال: و إن تطع أکثر من فی الأرض یضلوک عن سبیل الله و قال: و لئن سألتهم من خلق السماوات و الأرض لیقولن الله قل الحمد لله بل أکثرهم لا یعلمون و قال: و لئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحیا به الأرض من بعد موتها لیقولن الله قل الحمد لله بل أکثرهم لا یعقلون.
یا هشام ثم مدح القله فقال: و قلیل من عبادی الشکور و قال: و قلیل ما هم و قال: و قال رجل مؤمن من آل فرعون یکتم إیمانه أ تقتلون رجلا أن یقول ربی الله و قال: و من آمن و ما آمن معه إلا قلیل و قال: و لکن أکثرهم لا یعلمون* و قال: و أکثرهم لا یعقلون و قال: «و أکثرهم لا یشعرون» الحدیث.
ثم قال أمیر المؤمنین علیه السلام (و هذه حجتى إلى غیرک قصدها و لکنى أطلقت لک منها بقدر ما سنح من ذکرها) یعنى علیه السلام أن بیعته علیه السلام الخلفاء على إجبارهم إیاه و إکراههم إیاه حجه علیهم لما دریت من احتجاجه علیه السلام على أبی بکر المنقول آنفا من کتاب الاحتجاج، و من احقاق الحق، و لما لم یکن معاویه فی أمر الخلافه فی شیء کما دریت آنفا من عدم کونه فی مظنه الاستحقاق بل کان غیر لائق له رأسا و کان أجنبیا من النبی و الأنصار کلیهما و لم یکن له حظ و شأن فیه أصلا قال علیه السلام: و هذه حجتى إلى غیرک- إلخ.
و بما قدمنا و حققنا فی معنى قوله علیه السلام: و قلت إنی کنت اقاد کما یقاد الجمل المخشوش- إلخ، تعلم أن ما ذهب إلیه الشارح البحرانى لیس کما ینبغی ترکنا نقل کلامه مخافه التطویل و من شاء فلیراجع إلى شرحه.
و لنذکر نبذه من کلام ابن قتیبه الدینوری فی إکراه القوم علیا أمیر المؤمنین علیه السلام للبیعه و إبایته البیعه فقال فی کتاب الإمامه و السیاسه المعروف بتاریخ الخلفاء (ص ۱۱ من طبع مصر):
ثم إن علیا کرم الله وجهه اتی به إلى أبی بکر و هو یقول: أنا عبد الله، و أخو رسوله، فقیل له: بایع أبا بکر فقال: أنا أحق بهذا الأمر منکم لا ابایعکم و أنتم
أولى بالبیعه لی، أخذتم هذا الأمر من الأنصار، و احتججتم علیهم بالقرابه من النبی صلى الله علیه و آله، و تأخذونه منا أهل البیت غصبا؟ ألستم زعمتم للأنصار أنکم أولى بهذا الأمر منهم لما کان محمد منکم فأعطوکم المقاده، و سلموا إلیکم الإماره و أنا احتج علیکم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، نحن أولى برسول الله صلى الله علیه و آله حیا و میتا، فأنصفونا إن کنتم تؤمنون و إلا فبوءوا بالظلم و أنتم تعلمون.
فقال له عمر: إنک لست متروکا حتى تبایع، فقال له علی: احلب حلبا لک شطره و اشدد له الیوم أمره یردده علیک غدا، ثم قال: و الله یا عمر لا أقبل قولک و لا ابایعه، فقال له أبو بکر: فإن لم تبایع فلا أکرهک، فقال أبو عبیده ابن الجراح لعلی کرم الله وجهه: یا ابن عم إنک حدیث السن و هؤلاء مشیخه قومک، لیس لک مثل تجربتهم و معرفتهم بالامور و لا أرى أبا بکر إلا أقوى على هذا الأمر منک و أشد احتمالا و اضطلاعا به، فسلم لأبی بکر هذا الأمر، فانک إن تعش و یطل بک بقاء فأنت لهذا الأمر خلیق و به حقیق فی فضلک و دینک و علمک و فهمک و سابقتک و نسبک و صهرک.
فقال علی کرم الله وجهه: الله الله یا معشر المهاجرین، لا تخرجوا سلطان محمد فی العرب عن داره و قعر بیعته إلى دورکم و قعور بیوتکم، و لا تدفعوا أهله عن مقامه فی الناس و حقه فو الله یا معشر المهاجرین لنحن أحق الناس به لأنا أهل البیت و نحن أحق بهذا الأمر منکم ما کان فینا القارئ لکتاب الله الفقیه فی دین الله العالم بسنن رسول الله، المضطلع بأمر الرعیه، المدافع عنهم الامور السیئه القاسم بینهم بالسویه و الله إنه لفینا، فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبیل الله فتزدادوا من الحق بعدا.
فقال بشیر بن سعد الأنصاری: لو کان هذا الکلام سمعته الأنصار منک یا علی قبل بیعتها لأبی بکر ما اختلف علیک اثنان.
قال: و خرج علی کرم الله وجهه یحمل فاطمه بنت رسول الله صلى الله علیه و آله على دابه لیلا فی مجالس الأنصار تسألهم النصره فکانوا یقولون: یا بنت رسول الله قد مضت بیعتنا لهذا الرجل و لو أن زوجک و ابن عمک سبق إلینا قبل أبی بکر ما عدلنا به، فیقول علی کرم الله وجهه: أ فکنت أدع رسول الله صلى الله علیه و آله فی بیته لم أدفنه و أخرج انازع الناس سلطانه؟ فقالت فاطمه: ما صنع أبو الحسن إلا ما کان ینبغی له و لقد صنعوا ما الله حسیبهم و طالبهم.
قال: و إن أبا بکر تفقد قوما تخلفوا عن بیعته عند علی، فبعث إلیهم عمر فجاء فناداهم و هم فی دار علی فأبوا أن یخرجوا فدعا بالحطب و قال: و الذی نفس عمر بیده: لتخرجن أو لأحرقنها على من فیها، فقیل له: یا أبا حفص إن فیها فاطمه، فقال: و إن. فخرجوا فبایعوا إلا علیا فانه زعم أنه قال: حلفت أن لا أخرج و لا أضع ثوبى على عاتقى حتى أجمع القرآن فوقفت فاطمه على بابها فقالت: لا عهد لی بقوم حضروا أسوأ محضر منکم ترکتم رسول الله صلى الله علیه و آله جنازه بین أیدینا و قطعتم أمرکم بینکم، لم تستأمرونا و لم تردوا لنا حقا.
فأتى عمر أبا بکر فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلف عنک بالبیعه؟ فقال أبو بکر لقنفذ و هو مولى له: اذهب فادع لی علیا، فذهب إلى علی فقال له: ما حاجتک؟
فقال: یدعوک خلیفه رسول الله، فقال علی: لسریع ما کذبتم على رسول الله فرجع فأبلغ الرساله فبکى أبو بکر طویلا فقال عمر الثانیه: لا تمهل هذا المتخلف عنک بالبیعه، فقال أبو بکر لقنفذ: عد إلیه فقل له: أمیر المؤمنین یدعوک لتبایع، فجاءه قنفذ فأدى ما امر به فرفع علی صوته فقال: سبحان الله! لقد ادعى ما لیس له فرجع قنفذ فأبلغ الرساله فبکى أبو بکر طویلا ثم قام عمر فمشى معه جماعه حتى أتوا باب فاطمه فدقوا الباب فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: یا أبت یا رسول الله ما ذا لقینا بعدک من ابن الخطاب و ابن أبی قحافه.
فلما سمع القوم صوتها و بکاءها انصرفوا باکین و کادت قلوبهم تنصدع و أکبادهم تنفطر و بقی عمر و معه قوم فأخرجوا علیا فمضوا به إلى أبی بکر فقالوا له: بایع، فقال: إن أنا لم أفعل فمه؟ قالوا: إذا و لله الذی لا إله إلا هو تضرب عنقک، قال: إذا تقتلون عبد الله و أخا رسوله، قال عمر: أما عبد الله فنعم و أما أخو رسوله فلا، و أبو بکر ساکت لا یتکلم، فقال له عمر: ألا تأمرک فیه بأمرک، فقال: لا أکرهه على شیء ما کانت فاطمه إلى جنبه، فلحق علی بقبر رسول الله صلى الله علیه و آله یصیح و یبکی و ینادی یا ابن ام إن القوم استضعفونى و کادوا یقتلوننی.
قال فقال عمر لأبی بکر: انطلق بنا إلى فاطمه فانا قد أغضبناها فانطلقا جمیعا فاستأذنا على فاطمه فلم تأذن لهما فأتیا علیا فکلماه فأدخلهما علیها فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط فسلما علیها فلم ترد علیهما السلام فتکلم أبو بکر فقال: یا حبیبه رسول الله و الله إن قرابه رسول الله أحب إلى من قرابتى، و إنک لأحب إلى من عائشه ابنتى، و لوددت یوم مات أبوک أنى مت و لا أبقی بعده أ فترانى أعرفک و أعرف فضلک و شرفک و أمنعک حقک و میراثک من رسول الله إلا أنى سمعت أباک رسول الله صلى الله علیه و آله یقول: لا نورث ما ترکنا فهو صدقه فقالت: أرأیتکما إن حدثتکما حدیثا عن رسول الله صلى الله علیه و آله تعرفانه و تفعلان به؟ قالا: نعم، فقالت:
نشدتکما الله ألم تسمعا رسول الله یقول: رضا فاطمه من رضاى، و سخط فاطمه من سخطی، فمن أحب فاطمه ابنتى فقد أحبنى، و من أرضى فاطمه فقد أرضانى، و من أسخط فاطمه فقد أسخطنی؟ قالا: نعم سمعناه من رسول الله صلى الله علیه و آله، قالت: فإنی اشهد الله و ملائکته أنکما أسخطتمانی و ما أرضیتمانی، و لئن لقیت النبی لأشکونکما إلیه،- إلى أن قال ابن قتیبه: فلم یبایع علی کرم الله وجهه حتى ماتت فاطمه رضی الله عنها و لم تمکث بعد أبیها إلا خمسا و سبعین لیله إلخ.
قلت: إن کلام الأمیر علیه السلام یا ابن ام إن القوم استضعفونى و کادوا یقتلوننی، اقتباس من قول الله عز و جل فیما جرى بین موسى کلیم الله علیه السلام و أخیه هارون و بین قومه الظالمین حیث قال عز من قائل: و اتخذ قوم موسى من بعده من حلیهم عجلا جسدا له خوار أ لم یروا أنه لا یکلمهم و لا یهدیهم سبیلا اتخذوه و کانوا ظالمین و لما سقط فی أیدیهم و رأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم یرحمنا ربنا و یغفر لنا لنکونن من الخاسرین و لما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتمونی من بعدی أ عجلتم أمر ربکم و ألقى الألواح و أخذ برأس أخیه یجره إلیه قال ابن أم إن القوم استضعفونی و کادوا یقتلوننی فلا تشمت بی الأعداء و لا تجعلنی مع القوم الظالمین قال رب اغفر لی و لأخی و أدخلنا فی رحمتک و أنت أرحم الراحمین إن الذین اتخذوا العجل سینالهم غضب من ربهم و ذله فی الحیاه الدنیا و کذلک نجزی المفترین (الأعراف: ۱۴۹- ۱۵۳).
و انما تذکر علیه السلام فی التجائه بقبر النبی صلى الله علیه و آله بهذه الایه لأنه علیه السلام کان من النبی بمنزله هارون من موسى کما رواها الفریقان فی جوامعهم الروائیه و حدیث المنزله من الأحادیث المتواتره و قد نقل المحدث الخبیر الربانی السید هاشم البحرانی طیب الله رمسه و أعلى مقامه فی الباب العشرین من کتابه القیم الموسوم بغایه المرام و حجه الخصام فی تعیین الإمام من طریق الخاص و العام مائه حدیث من طریق العامه فی قول النبی صلى الله علیه و آله لعلی علیه السلام: أنت منی بمنزله هارون من موسى إلا أنه لا نبی بعدى، و فی الباب الحادی و العشرین منه سبعین حدیثا من طریق الخاصه فی ذلک.
فاذا کان لأمیر المؤمنین علی علیه السلام تلک المنزله السامیه ففی استشهاده بالایه یظهر مطالب لاولى الدرایه فتأمل فیما تلوناه علیک من الایات القرآنیه.
ثم إن کلام أبی بکر لفاطمه علیها سلام الله المتعال: انى سمعت أباک رسول الله صلى الله علیه و آله یقول: لا نورث إلخ، فیظهر ما فیه بالتأمل فی ما أفاده العلامه الحلى قدس سره فی کتابه الموسوم بکشف الحق حیث قال:
و من المطاعن التی رواها السنه فی أبی بکر أنه منع فاطمه ارثها فقالت له:
یا ابن أبی قحافه أترث أباک و لا أرث أبی، و احتج علیها بروایه تفرد بها هو عن جمیع المسلمین مع قله روایاته و قله علمه و کونه الغریم لأن الصدقه یحل علیه فقال لها: إن النبی صلى الله علیه و آله قال: نحن معاشر الأنبیاء لا نورث ما ترکناه صدقه، و القرآن مخالف لذلک فإن صریحه یقتضى دخول النبى صلى الله علیه و آله فیه بقوله تعالى: یوصیکم الله فی أولادکم و قد نص على أن الأنبیاء یورثون فقال الله تعالى و ورث سلیمان داود و قال عن زکریا و إنی خفت الموالی من ورائی و کانت امرأتی عاقرا فهب لی من لدنک ولیا یرثنی و یرث من آل یعقوب.
و ناقض فعله أیضا بهذه الروایه لأن أمیر المؤمنین و العباس اختلفا فی بغله رسول الله صلى الله علیه و آله و سیفه و عمامته و حکم بها میراثا لأمیر المؤمنین علیه السلام و لو کانت صدقه على علی علیه السلام کان یجب على أبی بکر انتزاعها منه، و لکان أهل البیت الذین حکى الله تعالى عنهم بأنه طهرهم تطهیرا مرتکبین ما لا یجوز، نعوذ بالله من هذه المقالات الردیه و الإعتقادات الفاسده.
و أخذ فدک من فاطمه و قد وهبها أباها رسول الله صلى الله علیه و آله فلم یصدقها مع أن الله تعالى طهرها و زکاها و استعان بها النبی صلى الله علیه و آله فی الدعاء على الکفار على ما حکى الله تعالى و أمره بذلک فقال له: فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءکم و نساءنا و نساءکم و أنفسنا و أنفسکم فکیف یأمره الله تعالى بالاستعانه و هو سید المرسلین بابنته و هی کاذبه فی دعواها غاصبه لمال غیرها نعوذ بالله من ذلک.
فجاءت بأمیر المؤمنین علیه السلام و شهد لها فلم یقبل شهادته قال: إنه یجر إلى نفسه و هذا من قله معرفته بالأحکام، و مع أن الله تعالى قد نص فی آیه المباهله أنه نفس رسول الله صلى الله علیه و آله فکیف یلیق بمن هو بهذه المنزله و استعان به رسول الله صلى الله علیه و آله بأمر الله تعالى فی الدعاء یوم المباهله أن یشهد بالباطل و یکذب و یغصب المسلمین أموالهم نعوذ بالله من هذه المقاله.
و شهد لها الحسنان علیهما السلام فرد شهادتهما و قال: هذان ابناک لا أقبل شهادتهما لأنهما یجر ان نفعا بشهادتهما، و هذا من قله معرفته بالأحکام مع أن الله تعالى قد أمر النبی صلى الله علیه و آله بالاستعانه بدعائهما یوم المباهله فقال: أبناءنا و أبناءکم و حکم رسول الله صلى الله علیه و آله بأنهما سیدا شباب أهل الجنه فکیف یجامع هذا شهادتهما بالزور و الکذب و غصب المسلمین حقهم نعوذ بالله من ذلک.
ثم جاءت بام أیمن فقال: امرأه لا یقبل قولها: مع أن النبی صلى الله علیه و آله قال: ام أیمن امرأه من أهل الجنه فعند ذلک غضبت علیه و على صاحبه و حلفت أن لا تکلمه و لا صاحبه حتى تلقا أباها و تشکو له فلما حضرتها الوفاه أوصت أن تدفن لیلا و لا یدع أحدا منهم یصلى علیها و قد رووا جمیعا أن النبی صلى الله علیه و آله قال: یا فاطمه إن الله یغضب لغضبک و یرضى لرضاک، انتهى کلامه قدس سره فی المقام.
قوله علیه السلام: (ثم ذکرت ما کان من أمرى و أمر عثمان- إلى قوله علیه السلام:و ما توفیقی إلا بالله علیه توکلت) هذا الفصل جواب عن قول معاویه: ثم لم تکن أشد منک حسدا لابن عمک عثمان- إلى قوله: و تلک من أمانی النقوس و ضلالات الهواء.
و اعلم أن احتجاجه هذا على معاویه فی أمر عثمان یتضح لک بعد استحضارک ما قدمنا من الطبری و غیره من قوله علیه السلام: ما زلت أذب عن عثمان حتى أنى لأستحی، و قوله علیه السلام: و الله لقد دفعت عنه حتى خشیت أن أکون آثما، و ما قدمنا من نصح أمیر المؤمنین علی علیه السلام عثمان و طلبه قعوده فی البیت، فراجع إلى ص ۱۸۳ و ص ۲۰۳ و ص ۳۱۱ و ص ۳۲۵ من ج ۱۶. و ص ۳۹۵ من ج ۱۷، و ص ۳ من ج ۱۸.
قوله علیه السلام: (حتى أتى قدره علیه) أى حتى أتى قتله المقدر له.
و قوله علیه السلام: (کلا و الله لقد علم الله المعوقین منکم- إلخ) إشاره إلى قوله عز و جل فی أوائل سوره الأحزاب: قد یعلم الله المعوقین منکم و القائلین لإخوانهم هلم إلینا و لا یأتون البأس إلا قلیلا أشحه علیکم فإذا جاء الخوف رأیتهم ینظرون إلیک تدور أعینهم کالذی یغشى علیه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوکم بألسنه حداد أشحه على الخیر أولئک لم یؤمنوا فأحبط الله أعمالهم و کان ذلک على الله یسیرا.
و هی من الایات التی نزلت فی الأحزاب الذین حاربوا رسول الله صلى الله علیه و آله فی غزوه الخندق و کان من الأحزاب قریش و کان فائدهم أبو سفیان بن حرب کما نص به حمله الأخبار منهم أبو جعفر الطبری فی التاریخ (ص ۱۴۶۵ ج ۳ من طبع لیدن) و ابن هشام فی السیره النبویه (ص ۲۱۵ ج ۲)، و کاتب الواقدی محمد ابن سعد فی الطبقات الکبرى (ص ۶۶ ج ۲ من طبع مصر) حیث قال: فکان جمیع القوم الذین وافوا الخندق ممن ذکر من القبائل عشره آلاف و هم الأحزاب و کانوا ثلاثه عساکر و عناج الأمر إلى أبی سفیان بن حرب- إلى آخر ما قال.
و المعوقون هم الذین یعوقون أى یمنعون غیرهم عن الجهاد مع رسول الله صلى الله علیه و آله و غزوه الأحزاب أى غزوه الخندق مذکوره فی کتب التفاسیر فی سوره الأحزاب، و فی کتب المغازی و السیر فراجع إلى مغازی رسول الله صلى الله علیه و آله للواقدی (ص ۲۹۰ من طبع مصر) و إلى السیره النبویه لابن هشام (ص ۲۱۴ ج ۲ من طبع مصر) و إلى تاریخ الطبری، و الطبقات الکبرى لابن سعد، حتى یتبین لک ما فعلت الشجره الملعونه بنو امیه بالإسلام و المسلمین.
قوله علیه السلام: (و ذکرت أنه لیس لی و لا لأصحابى إلا السیف- إلخ) هذا الفصل جواب عن قول معاویه: و لیس لک و لأصحابک عندی إلا السیف- إلخ.
و قد مضى نحوه فی الکتاب التاسع، فأجابه بقوله (فلقد أضحکت بعد استعبار) و ذلک أن تهدید معاویه لما کان فی غیر محله لأن مثل تخویفه أمیر المؤمنین علیه السلام بالسیف کصبی یخوف بطلا محامیا قال علیه السلام: لقد أضحکت، أى أضحکت غیرک من المؤمنین بتخویفک، و لما کان تصرفه فی امور الدین مما یبکی المؤمنین قال علیه السلام: بعد استعبار، أى بعد استعبارک أهل الدین بما یرون منک فی دین الله.
اقتباس و قوله علیه السلام: (من المهاجرین و الأنصار و التابعین باحسان) اقتباس من قول الله عز و جل: و السابقون الأولون من المهاجرین و الأنصار و الذین اتبعوهم بإحسان رضی الله عنهم و رضوا عنه و أعد لهم جنات تجری تحتها الأنهار خالدین فیها أبدا ذلک الفوز العظیم (التوبه: ۱۰۰).
و ذریه بدریه أی الذین هم من ذراری أهل بدر، و أخو معاویه، هو حنظله ابن أبی سفیان و خاله ولید بن عتبه و جده عتبه بن ربیعه و أهله أتباعه، و مضى نحو کلامه هذا فی الکتاب العاشر: فأنا أبو حسن قاتل جدک و خالک و أخیک شدخا یوم بدر و ذلک السیف معی و بذلک القلب ألقى عدوی، و سیأتی نحوه فی الکتاب الرابع و الستین: و عندی السیف الذی أعضضته بجدک و خالک و أخیک فی مقام واحد.
قوله علیه السلام: (و ما هی من الظالمین ببعید) أراد بالظالمین معاویه و أتباعه، و هو بعض آیه من قوله تعالى فی قصه قوم لوط: فلما جاء أمرنا جعلنا عالیها سافلها و أمطرنا علیها حجاره من سجیل منضود مسومه عند ربک و ما هی من الظالمین ببعید (هود: ۸۴) و هو علیه السلام ذکر فی هذا الکتاب عده آیات لا یخفى مناسبه کل واحده منها لموردها.
و معنى سائر الجمل واضح إلا أنه علیه السلام أخبر عن نفسه و عن الجحفل من المهاجرین و الأنصار و التابعین بأن أحب اللقاء إلیهم لقاء ربهم و إنما یلیق فی المقام أن نبحث عن لقاء الله تعالى، و لنا بفضله سبحانه رساله منفرده فی لقاء الله أرى الاتیان بها ههنا و درجها فی هذا الشرح أولى من أن تطبع و تنشر على حده فاطلبها بعد الترجمه.
الترجمه
این یکى از نامه هاى بسیار خوب أمیر علیه السلام است که بمعاویه نوشت:
أما بعد: نامه ات بمن رسیده در آن گفتى: خداى تعالى پیمبر را براى دینش برگزید و یاورانش را یارى کرد، روزگار أمر شگفتى از تو بر ما پوشیده داشت که آزمون خدا را و نعمت وجود پیمبر را بما گزارش مى دهى، در این کار برنده خرما به هجرى، یا آنکه استاد تیراندازیش را به کارزار بخواند مانى.
پنداشتى که برترین مردم در اسلام فلانى و فلانى است، اگر راست است بتو چه، و اگر نه عیب آن دامنگیرت نشود، تو را با فراتر و فروتر، و با تدبیر و بى تدبیر چه کار، آزادشدگان و فرزندانشان را چه رسد به تمیز میان مهاجرین أول، و ترتیب درجات و تعریف طبقاتشان، تیرى رها شد که از جنس تیرهاى دیگر نبود، حرف بیجائى از دهن نا أهل در آمد، و در آن امور کسى دارد زبان درازى می کند که دستور او فرمان بردن است.
آیا بر لنگى خود ایست نمى کنى، و آرام نمى گیرى، و کوتاه دستیت را نمى دانى که در حد خود باشى و تجاوز نکنى، شکست و پیروزى این و آن بتو چه تو در گمراهى بسر مى برى و از راستى بدرى.
نمى خواهم که بتو خبر دهم و با تو سخن بگویم ولى نعمت خداى تعالى را بازگو مى کنم که مى گویم: مگر نمى بینى که چون از مهاجرین کسى شهید مى شد- و البته براى هر یک فضلى است- یکى سید الشهداء بود که پیغمبر صلى الله علیه و آله بر جنازهاش هفتاد تکبیر بگفت؟ و دیگرى که دستهایش بریده شد او را طیار گفتند که با دو بال در بهشت پرواز مى کرد، و اگر خداى تعالى از خودستائى باز نمى داشت هر آینه فضائل کسى را مى شنیدى که دلهاى با إیمان بدانها آشنایند و شنونده اى انکار آنها نتواند کرد.
دست بردار از کسانى که گول دنیا خورده اند و از راه راست بدر رفتند ما برگزیدگان خداى خودیم و مردم برگزیدگان ما، آمیزش در زندگى با شما ما را از عزت دیرین باز نداشته و شما را بزرگ نکرده، چه پیمبر از ما است، و أبو سفیان مکذب از شما، حمزه أسد الله از ما است، و أسد الأحلاف- کسانى که هم پیمان شدند براى کشتن پیمبر در جنگ بدر- از شما، حسن و حسین بزرگان جوانان أهل بهشت از ما، و عقبه بن أبی معیط پدر فرزندان دوزخى از شما، بهترین زنان روزگار فاطمه از ما است، و حماله الحطب زن أبو لهب از شما، و دیگر خوبیها و نکوئىها که ما را است، و بدیها و زشتیها که شما را.
از اسلام ما که شنیدید و آگاهید، در زمان جاهلیت هم روزگار ما را نیالود، و مهتر و بهتر همه بودیم، و کتاب خدا این پایه را بما داده که با پیمبرش به کریمه اولو الأرحام وابسته، و به آیت إن أولى الناس نزدیکیم، پس ما بحکم آیه نخستین بقرابت به پیمبر سزاواریم، و بایه دوم بطاعت.
چون مهاجرین در روز سقیفه به رسول الله صلى الله علیه و آله بر أنصار احتجاج کردند بر آن پیروز شدند، پس اگر به پیمبر پیروز شدند حق با ما است نه با شما، و اگر نه که أنصار بر دعواى خود باقیند.
پنداشتى که من بر خلفا حسد بردم، و بر آنان ستم کردم، اگر این طور است به تو چه، دخل و ربطى به تو ندارد که از آنان بیگانهاى.
و گفتى: مرا چون شتر مهار کرده براى بیعت بردند، خواستى از این گفتارت مرا نکوهش کنى ستودى، و خواستى رسوایم کنى رسوا شدى، خوارى براى مسلمانى که مظلوم گردد ولى در دینش و در یقینش دو دل نباشد نیست.
این سخنانم حجت بر دیگرانست، روى سخنم با تو نیست، پاره از آنها پیش آمد و گفتم.
سپس در کار من و عثمان حرف بمیان آوردى تو باید از جانب او در این باره پاسخ گوئى، پس بنگر که کدام یک از من و تو به کشتن او اقدام و راهنمائى کردیم آیا آن کسى که دستش را مى گرفت و یاریش مى کرد، و از بدعتها و بدیهایش بازش مى داشت؟ یا آنکه عثمان چون وى را بیاریش خواست سر باز زد، و دیگران را بر او بشورانید؟ نه بخدا که خداى متعال از خوددارى کنندگان شما و کسانى که به برادرانشان گفتند بیائید بسوى ما و به کارزار نرفتند مگر اندکى، دانا است.
عذرخواهى نمی کنم از این که عثمان را از بدعتهایش باز مى داشتم و کارهاى ناروایش را تقبیح مىکردم، حال اگر هدایت و إرشاد گناه است و موجب سرزنش مى شود چه بسا سرزنش شده بیگناه است، و آنکه نخواهد نپذیرد از گفتار ناصح گمان بد مى برد، و من تا آنجا که در قدرتم بود جز اصلاح نخواستم و توفیق از خدا خواهم و بس، و توکلم با او است.
دیگر این که از شمشیر بیم داده اى، از این سخنت گریان را بخنده آوردى کى فرزندان عبد المطلب از دشمن روىگردان بودند و از شمشیر ترسان، اندکى درنگ کن تا حمل شیر نر بکارزار در آید، که آن گاه کسى بگیردت که تو او را مى خواستى، و بتو نزدیک مى شود مرگى که از آن دورى مى جستى.
و من با لشکرى بزرگ از مهاجر و أنصار و تابعین باحسان شتابان بسوى تو رهسپاریم، لشکر سخت أنبوهى که گرد سوارانش فضا را فرا گرفت و خود لباس مرگ در بر کرده اند بهترین دیدارشان دیدار خدایشان است، با آنان فرزندان و دودمان سربازان سلحشور و جنگاور روز بدرند، در دست آن پهلوانان شمشیر بنی هاشم است همان شمشیرهائى که در جنگ بدر بر سر برادر و دائى و جد و دودمانت فرود آمد، که آماده اند بر سر ستمکاران دیگر فرود آیند.
منهاج البراعه فی شرح نهج البلاغه(الخوئی)//میر حبیب الله خوئی
بازدیدها: ۳۹۳
دیدگاهها