و من كتاب له عليه السّلام إلى سهل بن حنيف الأنصارى، و هو عامله على المدينة فى معنى قوم من أهلها لحقوا بمعاوية
أَمَّا بَعْدُ- فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِمَّنْ قِبَلَكَ يَتَسَلَّلُونَ إِلَى مُعَاوِيَةَ- فَلَا تَأْسَفْ عَلَى مَا يَفُوتُكَ مِنْ عَدَدِهِمْ- وَ يَذْهَبُ عَنْكَ مِنْ مَدَدِهِمْ- فَكَفَى لَهُمْ غَيّاً- وَ لَكَ مِنْهُمْ شَافِياً فِرَارُهُمْ مِنَ الْهُدَى وَ الْحَقِّ- وَ إِيضَاعُهُمْ إِلَى الْعَمَى وَ الْجَهْلِ- فَإِنَّمَا هُمْ أَهْلُ دُنْيَا مُقْبِلُونَ عَلَيْهَا وَ مُهْطِعُونَ إِلَيْهَا- وَ قَدْ عَرَفُوا الْعَدْلَ وَ رَأَوْهُ وَ سَمِعُوهُ وَ وَعَوْهُ- وَ عَلِمُوا أَنَّ النَّاسَ عِنْدَنَا فِي الْحَقِ أُسْوَةٌ- فَهَرَبُوا إِلَى الْأَثَرَةِ- فَبُعْداً لَهُمْ وَ سُحْقاً- إِنَّهُمْ وَ اللَّهِ لَمْ يَنْفِرُوا مِنْ جَوْرٍ- وَ لَمْ يَلْحَقُوا بِعَدْلٍ- وَ إِنَّا لَنَطْمَعُ فِي هَذَا الْأَمْرِ أَنْ يُذَلِّلَ اللَّهُ لَنَا صَعْبَهُ- وَ يُسَهِّلَ لَنَا حَزْنَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ- وَ السَّلَامُ
اللغة
أقول: التسلّل: الذهاب واحدا بعد واحد. و الايضاع: الإسراع. و كذلك الإهطاع. و الأثرة: الاستبداد.
المعنى
فقوله: أمّا بعد إلى قوله: معاوية. إعلامه بعلمه بحالهم. و قوله: فلا تأسف. إلى قوله: مددهم. تسلية له عمّا فاته من عددهم و مددهم. و قوله: فكفى. إلى قوله: العدل. استدراج له عن الأسف على فرارهم بذكر معايبهم في ضميرين صغرى الأوّل: منهما قوله: فكفى. إلى قوله: الجهل. و تقدير كبراه: و كلّ من كان كذلك فلا يجوز الأسف عليه. و فرار فاعل كفى، و غيّا و شافيا تميز. و صغرى الثاني: قوله: و إنّما هم أهل الدنيا: أى لمّا كان شأنهم ذلك و عرفوا العدل عندنا و علموا تساوى الناس عندنا في الحقّ هربوا إلى الاستئثار و الاستبداد عند معاوية. و تقدير كبراه: و كلّ من كان بهذه الحال فلا يجوز الأسف عليه، و لذلك دعا عليهم بالبعد و السحق و هما مصدران وضعا للدعاء. ثمّ أقسم أنّهم لم يفرّوا من جور منه و لم يلحقوا بعدل من معاوية ليتأكّد حصره لأحوالهم الّتي هربوا لأجلها. ثمّ وعده بما يطمع من اللّه تعالى من تذليل ما صعب من أمر الخلافة لهم، و تسهيل حزنه بمشيئته سبحانه.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 5 ، صفحهى 226