و من خطبة له عليه السّلام عند المسير إلى الشام
الْحَمْدُ لِلَّهِ كُلَّمَا وَقَبَ لَيْلٌ وَ غَسَقَ- وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ كُلَّمَا لَاحَ نَجْمٌ وَ خَفَقَ- وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ غَيْرَ مَفْقُودِ الْإِنْعَامِ وَ لَا مُكَافَإِ
الْإِفْضَالِ- أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَعَثْتُ مُقَدِّمَتِي- وَ أَمَرْتُهُمْ بِلُزُومِ هَذَا الْمِلْطَاطِ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرِي- وَ قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَقْطَعَ هَذِهِ النُّطْفَةَ
إِلَى شِرْذِمَةٍ مِنْكُمْ- مُوَطِّنِينَ أَكْنَافَ دِجْلَةَ- فَأُنْهِضَهُمْ مَعَكُمْ إِلَى عَدُوِّكُمْ- وَ أَجْعَلَهُمْ مِنْ أَمْدَادِ الْقُوَّةِ لَكُمْ قال الشريف:
أقول: يعنى عليه السّلام بالملطاط السمت الذى أمرهم بنزوله و هو شاطى الفرات، و يقال ذلك الشاطىء البحر، و أصله ما استوى من الأرض. و يعنى بالنطفة ماء الفرات. و هو من غريب العبارات و أعجبها أقول: روى أنّ هذه الخطبة خطب بها عليه السّلام و هو بالنخيلة خارجا من الكوفة متوجّها إلى صفّين لخمس بقين من شوال سنه سبع ثلاثين
اللغة
وقب الليل: دخل.
و غسق: أظلم.
و خفق النجم: غاب.
و مقدّمة الجيش: أوّله.
و الشرذمة: النفر اليسير.
و الأكناف: النواحى.
وطن البقعة و استوطنها: اتّخذها وطنا.
و الأمداد: جمع مدد، و هو ما يمدّ به الجيش من الجند.
المعنى
و اعلم أنّه قيّد حمد اللّه باعتبار تكرّر وقتين و دوام حالين. و المقصود و إن كان دوام الحمد للّه إلّا أنّ في التقييد بالقيود المذكورة فوايد:
الأوّل: قوله: كلّما وقب ليل و غسق. فيه تنبيه على كمال قدرة اللّه تعالى في تعاقب الليل و النهار و استحقاقه دوام الحمد بما يلزم ذلك من ضروب الامتنان.
الثاني: قوله: كلّما لاح نجم و خفق. فيه تنبيه على ما يلزم طلوع الكواكب و غروبها من الحكمة و كمال النعمة كما سبقت الإشارة إليه.
الثالث: الحمد لله حال كونه غير مفقود الإنعام. و قد تكررّت الإشارة إلى فائدة هذا القيد.
الرابع: كونه غير مكافىء الإفضال. و فايدته التنبيه على أنّ إفضاله لا يمكن أن يقابل بجزاء. إذ كانت القدرة على الحمد و الثناء نعمة ثانية. و قد سبق بيان ذلك أيضا.
فأمّا قوله: أمّا بعد. إلى آخره.
فخلاصته أنّه عليه السّلام لمّا أراد التوجّه إلى صفّين بعث زياد بن النصر و شريح بن هانى في اثنى عشر ألف فارس مقدّمة له و أمرهم أن يلزموا شاطىء الفرات فأخذوا شاطئها من قبل البرّ ممّا يلي الكوفة حتّى بلغوا عانات. فذلك معنى أمره لهم بلزوم الملطاط و هو سمت شاطىء الفرات، و أمّا هو عليه السّلام فلمّا خرج من الكوفة انتهى إلى المدائن فحذّرهم و وعظهم ثمّ سار عنهم و خلّف عليهم عدىّ بن حاتم فاستخلص منهم ثمان مائة رجل فسار بهم و خلّف معهم ابنه زيدا فلحقه في أربعمائة رجل منهم فذلك قوله: و قد رأيت [أردت خ] أن أقطع هذه النطفة:
أى الفرات إلى شرذمة منكم موطنين أكناف دجلة و هم أهل المدائن. فأمّا المقدّمة فإنّه لمّا بلغهم أنّه عليه السّلام ساق على طريق الجزيرة و أنّ معاوية خرج في جموعه لاستقباله كرهوا أن يلقوهم و بينهم و بين علىّ عليه السّلام الفرات مع قلّة عددهم فرجعوا حتّى عبروا الفرات من هيت و لحقوا به فصوّب آرائهم في الرجوع إليه. و باقى الكلام ظاهر.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحرانی)، ج 2 ، صفحهى 126