خطبه۳۳شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبه له علیه السّلام فى استنفار الناس إلى أهل الشام

أُفٍّ لَکُمْ لَقَدْ سَئِمْتُ عِتَابَکُمْ- أَ رَضِیتُمْ بِالْحَیاهِ الدُّنْیا مِنَ الْآخِرَهِ عِوَضاً- وَ بِالذُّلِّ مِنَ الْعِزِّ خَلَفاً- إِذَا دَعَوْتُکُمْ إِلَى

جِهَادِ عَدُوِّکُمْ دَارَتْ أَعْیُنُکُمْ- کَأَنَّکُمْ مِنَ الْمَوْتِ فِی غَمْرَهٍ- وَ مِنَ الذُّهُولِ فِی سَکْرَهٍ- یُرْتَجُ عَلَیْکُمْ حَوَارِی

فَتَعْمَهُونَ- فَکَأَنَّ قُلُوبَکُمْ مَأْلُوسَهٌ فَأَنْتُمْ لَا تَعْقِلُونَ- مَا أَنْتُمْ لِی بِثِقَهٍ سَجِیسَ اللَّیَالِی- وَ مَا أَنْتُمْ بِرُکْنٍ یُمَالُ

بِکُمْ- وَ لَا زَوَافِرُ عِزٍّ یُفْتَقَرُ إِلَیْکُمْ- مَا أَنْتُمْ إِلَّا کَإِبِلٍ ضَلَّ رُعَاتُهَا- فَکُلَّمَا جُمِعَتْ مِنْ جَانِبٍ انْتَشَرَتْ مِنْ آخَرَ-

لَبِئْسَ لَعَمْرُ اللَّهِ سُعْرُ نَارِ الْحَرْبِ أَنْتُمْ- تُکَادُونَ وَ لَا تَکِیدُونَ- وَ تُنْتَقَصُ أَطْرَافُکُمْ فَلَا تَمْتَعِضُونَ- لَا یُنَامُ عَنْکُمْ وَ

أَنْتُمْ فِی غَفْلَهٍ سَاهُونَ- غُلِبَ وَ اللَّهِ الْمُتَخَاذِلُونَ- وَ ایْمُ اللَّهِ- إِنِّی لَأَظُنُّ بِکُمْ أَنْ لَوْ حَمِسَ الْوَغَى- وَ اسْتَحَرَّ

الْمَوْتُ- قَدِ انْفَرَجْتُمْ عَنِ ابْنِ أَبِی طَالِبٍ انْفِرَاجَ الرَّأْسِ- وَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأً یُمَکِّنُ‏ عَدُوَّهُ مِنْ نَفْسِهِ- یَعْرُقُ لَحْمَهُ وَ

یَهْشِمُ عَظْمَهُ- وَ یَفْرِی جِلْدَهُ لَعَظِیمٌ عَجْزُهُ- ضَعِیفٌ مَا ضُمَّتْ عَلَیْهِ جَوَانِحُ صَدْرِهِ- أَنْتَ فَکُنْ ذَاکَ إِنْ شِئْتَ-

فَأَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ دُونَ أَنْ أُعْطِیَ ذَلِکَ ضَرْبٌ بِالْمَشْرَفِیَّهِ- تَطِیرُ مِنْهُ فَرَاشُ الْهَامِ- وَ تَطِیحُ السَّوَاعِدُ وَ الْأَقْدَامُ- وَ

یَفْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِکَ مِمَّا یَشاءُ أَیُّهَا النَّاسُ- إِنَّ لِی عَلَیْکُمْ حَقّاً وَ لَکُمْ عَلَیَّ حَقٌّ- فَأَمَّا حَقُّکُمْ عَلَیَّ فَالنَّصِیحَهُ

لَکُمْ- وَ تَوْفِیرُ فَیْئِکُمْ عَلَیْکُمْ- وَ تَعْلِیمُکُمْ کَیْلَا تَجْهَلُوا وَ تَأْدِیبُکُمْ کَیْمَا تَعْلَمُوا- وَ أَمَّا حَقِّی عَلَیْکُمْ فَالْوَفَاءُ

بِالْبَیْعَهِ- وَ النَّصِیحَهُ فِی الْمَشْهَدِ وَ الْمَغِیبِ- وَ الْإِجَابَهُ حِینَ أَدْعُوکُمْ وَ الطَّاعَهُ حِینَ آمُرُکُمْ

أقول: روى أنّه  علیه السّلام خطب بهذه الخطبه بعد فراغه من أمر الخوارج و قد کان قام بالنهروان فحمد اللّه و أثنى علیه و قال: أمّا بعد فإنّ اللّه تعالى قد أحسن بنا نصرتکم فتوجّهوا من فورکم هذا إلى عدوّکم من أهل الشام. فقالوا له: قد نفدت نبالنا و کلّت سیوفنا ارجع بنا إلى مصرنا لنصلح عدّتنا، و لعلّ أمیر المؤمنین یزید فی عددنا مثل من هلک منّا لنستعین به. فأجابهم یا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَهَ الَّتِی کَتَبَ اللَّهُ لَکُمْ وَ لا تَرْتَدُّوا عَلى‏ أَدْبارِکُمْ«» الآیه فتلکّؤوا علیه و قالوا: إنّ البرد شدید. فقال: إنّهم یجدون البرد کما تجدون افّ لکم ثمّ تلا قوله تعالى قالُوا یا مُوسى‏ إِنَّ فِیها قَوْماً جَبَّارِینَ«» الآیه. فقام منهم ناس و اعتذروا بکثره الجراح فی الناس و طلبوا أن یرجع بهم إلى الکوفه أیّاما. ثمّ یخرج بهم. فرجع بهم غیر راض و أنزلهم نخیله. و أمرهم أن یزمّلوا معسکرهم و یوّطنوا على الجهاد أنفسهم و یقلّوا زیاره أهلهم. فلم یقبلوا و جعلوا یتسلّلون و یدخلون الکوفه حتّى لم یبق معه إلّا القلیل منهم. فلمّا رأى ذلک دخل الکوفه فخطب الناس. فقال: أیّها الناس استعدّوا لقتال عدوّ فی جهادهم القربه إلى اللّه و درک الوسیله عنده قوم حیازى عن الحقّ لا ینصرونه، موزعین بالجور و الظلم لا یعدلون به.
جفاه عن الکتاب نکب عن الدین یعمهون فی الطغیان، و یتسکّعون فی غمره الضلال وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّهٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَیْلِ و تَوَکَّلْ عَلَى اللَّهِ وَ کَفى‏ بِاللَّهِ وَکِیلًا قال: فلم ینفروا. فترکهم أیّاما ثمّ خطبهم هذه الخطبه فقال: افّ لکم. الفصل.

اللغه

افّ: کلمه تضجّر من الشی‏ء. و غمرات الموت: سکراته الّتی یغمر فیها العقل. و الذهول: النسیان و السهو. و یرتج علیکم: أى یفلق. و الحوار. المخاطبه. و تعمهون: تتحیّرون و تتردّدون. و المألوس: المجنون و المختلط العقل. و سجیس اللیالى و سجیس الأوجس: أى أبدا مدى اللیالی. و الزوافر: جمع زافره، و زافره الرجل أنصاره و عشیرته. و سعر: جمع ساعر، و إسعار النار تهییجها و إلهابها. و الامتعاض: الغضب. و حمس الوغى: اشتداد الحرب و جلبه الأصوات. و عرقت اللحم أعرقه: إذا لم أبق على العظم منه شیئا. و المشرّفیه: سیوف منسوبه إلى مشارف: قرى من أرض العرب تدنوا من الریف. و فراش الهام: العظام الرقیقه تلى القحف.

المعنى

و اعلم أنّه علیه السّلام لمّا أراد استنفارهم إلى الحرب. و کانوا کثیرا ما یتثاقلون عن دعوته استقبلهم بالتأنیف و التضجّر بما لا یرتضیه من أفعالهم.

و قوله: لقد سئمت عتابکم.  تفسیر لبعض ما تأنف منه.

و قوله: أ رضیتم بالحیاه الدنیا من الآخره عوضا، و بالذلّ من العزّ خلفا.
 استفهام على سبیل الإنکار علیهم یستلزم الحثّ على الجهاد فإنّ الجهاد لمّا کان مستلزما لثواب الآخره و لعزّه الجانب، و خوف الأعداء، و القعود عنه یستلزم فی الأغلب السلامه فی الدنیا و البقاء فیها لکن مع طمع العدوّ فیهم و ذلّتهم له کانوا بقعودهم عنه کمن اعتاض الدنیا من الآخره، و استخلف الذلّ من العزّه. و ذلک ممّا لا یرضى به ذو عقل سلیم. و عوضا و خلفا منصوبان على التمییز.

قوله إذا دعوتکم إلى جهاد عدوّکم. إلى قوله: لا تعقلون.
 تبکیت لهم و توبیخ برذائل تعرض لهم عند دعائه لهم إلى الجهاد.
الاولى: بأنّه تدور أعینهم حیره و تردّدا و خوفا من أحد أمرین: إمّا مخالفه دعوته، أو الإقدام على الموت. و فی کلا الأمرین خطر. ثمّ شبّه حالتهم تلک فی دوران أعینهم و حیرتهم بحال المغمور فی سکرات الموت، الساهى فیها عن حاضر أحواله، المشغول بما یجده من الألم. و نحوه قوله تعالى یَنْظُرُونَ إِلَیْکَ تَدُورُ أَعْیُنُهُمْ کَالَّذِی یُغْشى‏ عَلَیْهِ مِنَ الْمَوْتِ.
الثانیه: أنّه یرتج علیهم حواره، و یرتج فی موضع الحال و تعمهون عطف علیه أى یرتج علیکم فیتحیّرون. ثمّ شبّه حالهم عند دعائه إلى الجهاد تشبیها ثانیا بحال من اختلط عقله أى أنّهم فی حیرتهم و تردّدهم فی جوابه کمختلط العقل ما یفقه ما یقول.

الثالثه: أنّهم لیسوا له بثقه أبدا. و هو وصف لهم برذیله الخلف و الکذب المستلزم لعدم ثقته بأقوالهم.

الرابعه: کونهم لیسوا برکن یمیل به المستند إلیه فی خصمه. یقال: فلان رکن شدید. استعاره له من رکن الجبل و هو جانبه لما بینهما من المشارکه فی الشدّه و امتناع المعتصم به. و نحوه قوله تعالى قالَ لَوْ أَنَّ لِی بِکُمْ قُوَّهً أَوْ آوِی إِلى‏ رُکْنٍ«» أى قوىّ یمنعنی منکم و هو وصف بالتخاذل و العجز.

الخامسه: و لا زوافر عزّ یفتقر إلیهم. و هو وصف لهم برذیله الذلّ و الحقاره.

السادسه: تشبیههم بإبل ضلّ رعاتها، و الإیماء إلى وجه الشبه و هو أنّها کلّما جمعت من جانب انتشرت من جانب. إشاره إلى أنّهم ضعیفوا العزوم متشتّتوا الآراء لا یجتمعون على مصلحه بها یکون نظام أحوالهم فی الدارین. و قد علمت أنّ ذلک من نقصان القوّه العلمیّه فکانوا منها على رذیله البله.

السابعه: کونهم لیسوا بسعر نار الحرب: أى لیسوا من رجالها. و ذلک أنّ مدار الحرب على الشجاعه و الرأى. و قد سبقت منه الإشاره إلى ذمّهم بالفشل و ضعف الرأى.

فإذن لیسوا من رجال الحرب، و لمّا استعار لهیجان الحرب لفظ النار لما یستلزمانه من الأذى الشدید رشّح تلک الاستعاره بذکر الإسعار و وصف رجالها به. الثامنه: کونهم یکادون و لا یکیدون: أى یخدعون و یمکر بهم عدوّهم فی ایقاع الحیله، و لیس لهم قوّه المکر و الحیله به. و ذلک أیضا من رذیله ضعف الرأى.

التاسعه: کونهم تنقص أطرافهم فلا یمتعضون: أى یغار العدوّ فی کلّ وقت على بعض بلادهم فیحوزها فلا یشقّ ذلک علیکم و لا یدرککم منه أنفه و لا حمیّه، و هو وصف لهم برذیله المهانه.

العاشره: کونهم فی غفله ساهون مع انتباه عدوّهم. و هو وصف لهم برذیله الغفله أیضا عمّا یراد بهم، و قلّه عقلیّتهم لمصالح أنفسهم، و کلّ هذا التوبیخ تثقیف لهم و تنبیه لنفوسهم الراقده فی مراقد طبائعها على ما ینبغی لهم من المصالح الّتی یکون بها نظام أحوالهم على قانون الدین.

و قوله: غلب و اللّه المتخاذلون.
 تنبیه على أنّهم بتخاذلهم سیغلبون. و أورد الغلب المطلق بعلّه التخاذل لأنّهم للحکم العامّ أشدّ قبولا منهم له على أنفسهم إذ لو خصّصهم به فقال غلبتم و اللّه أو تخاذلتم لم یکن وقعه فی الذوق کوقعه عامّا.

و قوله: و أیم اللّه. إلى قوله: انفراج الرأس.
 أقسم أنّه لیظنّ بهم أنّهم عند اشتداد الحرب و حراره الموت ینفرجون عند انفراج الرأس: أى یتفرّقون أشدّ تفریق. و انفراج الرأس مثل. قیل: أوّل من تکلّم به أکثم بن صیفى فی وصیّه له: یا بنىّ لا تنفرجوا عند الشدائد انفراج الرأس فإنّکم بعد ذلک لا تجتمعون على عزّ. و فی معناه أقوال.
أحدها: قال ابن درید: معناه أنّ الرأس إذا انفرج عن البدن لا یعود إلیه و لا یکون بعده اتّصال و ذلک أشدّ انفراج.

الثانی: قال المفضّل، الرأس اسم رجل ینسب إلیه قریه من قرى الشام یقال لها بیت الرأس و فیها یباع الخمر. قال حسّان: کان سببه من بیت رأس یکون مزاجها عسلا و ماء و هذا الرجل قد انفرج عن قومه و مکانه فلم یعد إلیه فضرب به المثل فی المباینه و المفارقه.

الثالث: قال بعضهم: معناه أنّ الرأس إذا انفرج بعض عظامه عن بعض کان ذلک بعید الالتیام و العود إلى الصحّه.

الرابع: قال بعضهم: معناه انفرجتم عنّى رأسا أى بالکلّیّه.

الخامس: قیل معناه: انفراج من یرید أن ینجو برأسه.

السادس: قیل معناه: انفراج المرأه عن رأس ولدها حاله الوضع فإنّه یکون فی غایه من الشدّه و تفرّق الاتّصال و الانفراج. و نحوه قوله علیه السّلام فی موضع آخر: انفراج المرأه عن قبلها، و على کلّ تقدیر فمقصوده شدّه انفصالهم و تفرّقهم عنه لهم أحوج ما یکون إلیهم، و استحرار الموت یحتمل أن یراد به شدّته الشبیهه بالحراره مجازا کما سبق، و یحتمل أن یراد به خلوصه و حضوره فیکون اشتقاقه من الحریّه، و الجمله الشرطیه خبر أن المخفّفه من المثقّله. و اسمها الضمیر الشأن و هى مع اسمها و خبرها قائمه مقام مفعولى ظنّ، و فیه توبیخ لهم على التقصیر البالغ فی حقّه إلى حدّ أن یظنّ بهم الظنّ المذکور.

و قوله: و اللّه إنّ امرأ. إلى قوله: إن شئت.
 من لطیف الحیله فی الخطاب الموجب للانفعال عنه، و ذلک أنّه صوّر لهم أفعالهم من التخاذل على العدوّ و الضعف و سائر أفعالهم المذمومه الّتی الفوا التوبیخ و التعنیف بعباره تریهم إیّاها فی أقبح صوره و أشدّها کراهه إلیهم و أبلغها نکایه فیهم و هو تمکینهم للعدوّ من أنفسهم فإنّ أفعالهم من التخاذل و نحوه. و هی بعینها تمکین للعدوّ فیما یرید بهم و إعداد له و تقویه لحاله، و لمّا کان من عاده ظفر العدوّ احتیاج المال و القتل و تفریق الحال کنّى عن الأوّل بقوله: یعرق لحمه، و وجه استعاره عرق اللحم لسلب المال بکلّیّته ظاهر، و کذلک کنّى عن القتل و سائر أسباب الهلاک من فعل العدوّ بهشم العظم، و عن تمزیق الحال المنتظم بفرى الجلد. ثمّ لمّا کان من البیّن أنّ تخاذلهم تمکین لعدوّهم منهم و کان تمکین الإنسان لعدوّ من نفسه یفعل به الأفعال المنکره لا یکون إلّا عن عجز عظیم و ضعف فی القلب عن مقاومته لا جرم أثبت العجز و ضعف القلب لامرء مکّن عدوّه من نفسه و أکدّ ذلک بأنّ، و بالقسم البارّ، و کنّى بضعف القلب عن الجبن و أتى بذلک الإثبات على وجه عامّ لکلّ امرء فعل ذلک و لم یخصّهم بالخطاب و لا نسب تمکین العدوّ إلیهم صریحا و إن کانوا هم المقصودین بذلک رجاء لنفارهم عن الدخول تحت هذا العموم بالانقیاد  لأمره و الجهاد. ثمّ أردفه بالأمر أن یکونوا ذلک المرء الّذی وصفه بما وصفه أمرا على سبیل التهدید و التنفیر، و ذلک قوله: أنت فکن ذاک إن شئت. أى ذاک المرء الموصوف بالعجز و الضعف. خطاب للشخص المطلق الصادق على أىّ واحد منهم کان و أمر له أن یکون بصفه المرء الموصوف أوّلا تنفیرا له عمّا ذکره ممّا یلزم الإنسان من الأحوال الردیئه عند تمکینه عدوّه من نفسه.

و روى: أنّه خاطب بقوله: أنت فکن ذاک. الأشعث بن قیس. فإنّه روى: أنّه قال و هو یخطب و یلوم الناس عن تقاعدهم عن الحرب: هلّا فعلت فعل ابن عفان فقال علیه السّلام له: إنّ فعل ابن عفان مخزاه على من لا دین له و لا وثیقه معه، و إنّ امرء أمکن عدوّه من نفسه یهشم عظمه و یفرى جلده لضعیف رأیه ما فوق عقله أنت فکن ذاک إن شئت. الفصل.

و قوله. فأمّا أنا. إلى قوله: ما یشاء.
 لما خیّرهم أن یکونوا ذلک المرء على سبیل التهدید أردف ذلک بالتبرّء من حال المرء المذکور لیکون لهم به علیه السّلام اسوه فی النفار عن تمکین العدوّ من أنفسهم إلّا بعد بذل النفس فی الجهاد أى على تقدیر اختیار المخاطب تلک الحال فإنّه هو لا یختار ذلک الحال بل دون أن یعطى عدوّه من نفسه ذلک التمکین ضرب بالمشرّفیه یطیر منه الهام و تطیح منه السواعد و الأقدام، و کلّ ذلک کنایه عن أشدّ المجاهده، و یفعل اللّه بعد ذلک الجهاد و المناجزه ما یشاء من تمکین العدوّ أو عدم تمکینه فإنّ إلیه مصیر الامور و عواقبها.

و قوله: أیّها الناس. إلى آخره.
ذکر ما لهم علیه من الحقّ و ما له علیهم منه لیعرفهم أنّه أدّى ما علیه من الواجب لهم فینبغى لهم أن یخرجوا إلیه من واجب حقّه الّذی فرض اللّه علیهم فبدء ببیان حقّهم‏ علیه أدبا و استدراجا لطباعهم فإنّ البداءه بحقّ الغیر قبل حقّ النفس ألیق بالأدب و هم لسماعه أقبل. فذکر منها أربعه امور بها یکون صلاح حالهم فی الدارین.

أحدها: النصیحه لهم و هی حثّهم على مکارم الأخلاق و جذبهم إلى ما هو الألیق بهم فی معاشهم و معادهم.

الثانی: توفیر فیئهم علیهم بترک ظلمهم فیه و تفریقه فی غیر وجوهه ممّا لیس بمصلحه لهم کما نسبوه إلى من کان قبله.

الثالث: تعلیمهم کیلا یجهلوا. و إنّما لم یقل کیما یعلموا لأنّ ظهور المنّه علیهم بذکر نفى الجهل عنهم أشدّ من ظهورها فی ذکر عرض إیجاد العلم لهم و لذلک کان تأذّى الرجل و أنفته من أن یقال له: یا جاهل. أشدّ بکثیر من نفار من یقال له: لست بعالم.

الرابع: تأدیبهم کیما یعملوا. فهذه الامور الأربعه هی الواجبه على الإمام للرعیّه واحد منها یرجع إلى صلاح أبدانهم و قوامها: و هو توفیر فیئهم علیهم بضبطه، و عدم التصرف فیه لغیر وجوه مصالحهم. و إثنان یرجعان إلى صلاح حال نفوسهم إمّا من جهه إصلاح القوّه النظریّه: و هو التعلیم لغرض العلم أو من جهه إصلاح القوّه العملیّه و هو التأدیب لغرض العمل. و واحد مشترک بین مصلحتى البدن و النفس و نظام أحوالهما و هو النصیحه لهم. ثمّ أردف ذلک بیان حقّه علیه السّلام و ذکر أیضا أربعه.

الأوّل: الوفاء بالبیعه و هی أهمّ الامور إذ بها النظام الکلّىّ الجامع لهم معه.

الثانی: النصیحه له فی غیبته و حضوره و الذبّ عنه إذ بذلک نظم شمل المصلحه بینهم و بینه أیضا.

الثالث: إجابته حین یدعوهم من غیر تثاقل عن ندائه فإنّ للتثاقل عن دعوته ما علمت من قهر العدوّ. و غلبته علیهم و فوات مصالح عظیمه.

الرابع: طاعتهم له حین یأمرهم، و ظاهر أنّ شمل المصلحه لا ینتظم بدون ذلک. و أنت تعلم بأدنى تأمّل أنّ هذه الامور الأربعه و إن کانت حقوقا له علیهم إلّا أنّه إنّما یطلبها منهم لما یعود علیهم به من النفع فی الدنیا و الآخره فإنّ الوفاء ملکه تحت العفّه و النصیحه له سبب لانتظام امورهم به و إجابه دعوته إجابه لداعى اللّه الجاذب‏ إلى الخیر و المصلحه، و کذلک طاعه أمره طاعه لأمر اللّه إذ هو الناطق به، و قد علمت ما تستلزمه إطاعه اللّه من الکرامه عنده. و باللّه التوفیق و العصمه.

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن‏ میثم بحرانی)، ج ۲ ، صفحه‏ى ۷۷

بازدیدها: ۲۵

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.