خطبه۲۰شرح ابن میثم

و من خطبه له علیه السّلام

فَإِنَّ الْغَایَهَ أَمَامَکُمْ وَ إِنَّ وَرَاءَکُمُ السَّاعَهَ تَحْدُوکُمْ- تَخَفَّفُوا تَلْحَقُوا فَإِنَّمَا یُنْتَظَرُ بِأَوَّلِکُمْ آخِرُکُمْ قال الشریف:

أقول: إن هذا الکلام لو وزن، بعد کلام اللّه سبحانه و بعد کلام رسول اللّه صلى اللّه علیه و آله، بکل کلام لمال به راجحا، و برّز علیه سابقا. فأما قوله علیه السّلام «تخففوا تلحقوا» فما سمع کلام أقل منه مسموعا و لا أکثر محصولا و ما أبعد غورها من کلمه، و أنقع نطفتها من حکمه، و قد نبهنا فی کتاب الخصائص على عظم قدرها و شرف جوهرها

المعنى

أقول: لا شکّ أنّ هذه الکلمات الیسیره قد جمعت وجازه الألفاظ و جزاله المعنى المشتمل على الموعظه الحسنه و الحکمه البالغه و هی أربع کلمات: الاولى أنّ الغایه أمامکم. و اعلم أنّه لمّا کانت الغایه من وجود الخلق أن یکونوا عباد اللّه کما قال تعالى «وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِیَعْبُدُونِ»«» و کان المقصود من العباده إنّما هو الوصول إلى جناب عزّته و الطیران فی حظائر القدس بأجنحه الکمال مع الملائکه المقرّبین، و کان ذلک هو غایه الإنسان المطلوبه منه و المقصوده له و المأمور بالتوجّه إلیها بوجهه الحقیقی فإن سعى لها سعیها أدرکها و فاز بحلول جنّات النعیم و إن قصّر فی طلبها و انحرف سواء الصراط الموصل إلیها و قد علمت أنّ أبواب جهنّم عن جنبتی الصراط مفتّحه کان فیها من الهاوین، و کانت غایته فدخلها مع الداخلین.

فإذن ظهر أن غایه کلّ إنسان أمامه إلیها یسیر و بها یصیر. الثانیه قوله و إنّ ورائکم الساعه تحدوکم، و المراد بالساعه القیامه الصغرى و هی ضروره الموت، فأمّا کونها ورائهم فلأنّ الإنسان لمّا کان بطبعه ینفر من الموت و یفرّ منه و کانت العاده فی الهارب من الشی‏ء أن یکون ورائه مهروب منه و کان الموت متأخّرا عن وجود الإنسان و لاحقا تاخّرا و لحوقا عقلیّا أشبه المهروب منه المتأخّر اللاحق تأخّرا و لحوقا حسیّا، فلا جرم استعیر لفظ الجهه المحسوسه و هی الوراء. و أمّا کونها تحدوهم فلأنّ الحادی لمّا کان من شأنه سوق الإبل بالحداء و کان تذکّر الموت و سماع نواد به مقلقا مزعجا للنفوس إلى الاستعداد لامور الآخره و الاهبّه للقاء اللّه سبحانه فهو یحملها على قطع عقبات طریق الآخره کما یحمل الحادی الإبل على قطع الطریق البعیده الوعره لا جرم أشبه الحادی فأسند الحداء إلیه. الثالثه قوله تخفّفوا تلحقوا.

و لمّا نبّههم بکون الغایه أمامهم و أنّ الساعه تحدوهم فی سفر واجب و کان السابق إلى الغایه من ذلک السفر هو الفائز برضوان اللّه، و قد علمت أنّ التخفیف و قطع العلائق فی الأسفار سبب للسبق و الفوز بلحوق السابقین لا جرم أمرهم بالتخفیف لغایه اللحوق فی کلمتین: فالاولى منهما قوله تخفّفوا و کنّى بهذا الأمر عن الزهد الحقیقیّ الّذی هو أقوى أسباب السلوک إلى اللّه سبحانه و هو عباره عن حذف کلّ شاغل عن التوجّه إلى القبله الحقیقیّه و الإعراض عن متاع الدنیا و طیّباتها و تنحیه کلّ ما سوى الحقّ الأوّل عن مستن الإیثار فإنّ ذلک تخفیف لأثقال الأوزار المانعه عن الصعود فی درجات الأبرار الموجبه لحلول دار البوار و هی کنایه باللفظ المستعار، و هذا الأمر فی معنى الشرط، و الثانیه قوله تلحقوا و هو جزاء الشرط أی أن تخفّفوا تلحقوا، و المراد تلحقوا بدرجات السابقین الّذین هم أولیاء اللّه و الواصلون إلى ساحل عزّته، و ملازمه هذه الشرطیّه قد علمت بیانها فإنّ الجود الإلهیّ لا بخل فیه و لا قصور من جهته و الزهد الحقیقیّ أقوى أسباب السلوک إلى اللّه کما سبق فإذا استعدّت النفس بالإعراض عمّا سوى الحقّ سبحانه و توجّهت إلى استشراق أنوار کبریائه فلا بدّ أن یفاض علیها ما تقبله من الصوره التمامیّه فیلحق بدرجه السابقین و یتّصل بساحل العزّه فی مقام أمین. الرابعه فإنّما ینتظر بأوّلکم آخرکم أی إنّما ینتظر بالبعث الأکبر و القیامه الکبرى للّذین ماتوا أوّلا وصول الباقین و موتهم، و تحقیق ذلک الانتظار أنّه لمّا کان نظر العنایه الإلهیّه إلى الخلق نظرا واحدا و المطلوب‏

منهم واحد و هو الوصول إلى جناب عزّه اللّه الّذی هو غایتهم أشبه طلب العنایه الإلهیّه وصول الخلق إلى غایتهم انتظار الإنسان لقوم یرید حضور جمیعهم و ترقّبه بأوائلهم وصول أواخرهم فاطلق علیه لفظ الانتظار على سبیل الاستعاره، و لمّا صوّر هاهنا صوره انتظارهم لوصولهم جعل ذلک علّه لحثّهم على التخفیف و قطع العلائق، و لا شکّ أنّ المعقول لاولی الألباب من ذلک الانتظار حاثّ لهم أیضا على التوجّه بوجوه أنفسهم إلى اللّه و الإعراض عمّا سواه.
فهذا ما حضرنی من أسرار هذه الکلمات. و کفى بکلام السیّد- رحمه اللّه- مدحا لها و تنبیها على عظم قدرها، و قد استعار لفظ النطفه و هو الماء الصافی للحکمه. و باللّه التوفیق و العصمه

شرح ‏نهج‏ البلاغه(ابن‏ میثم بحرانی)، ج ۱ ، صفحه‏ى ۳۳۱

بازدیدها: ۱۳

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.