google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
180-200 خطبه ها شرح ابن ابی الحدیدخطبه ها شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

خطبه 191 شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

191 و من خطبة له ع

يَعْلَمُ عَجِيجَ الْوُحُوشِ فِي الْفَلَوَاتِ- وَ مَعَاصِيَ الْعِبَادِ فِي الْخَلَوَاتِ- وَ اخْتِلَافِ النِّينَانِ فِي الْبِحَارِ الْغَامِرَاتِ- وَ تَلَاطُمَ الْمَاءِ بِالرِّيَاحِ الْعَاصِفَاتِ- وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً نَجِيبُ اللَّهِ- وَ سَفِيرُ وَحْيِهِ وَ رَسُولُ رَحْمَتِهِ- أَمَّا بَعْدُ- فَإِنِّي أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي ابْتَدَأَ خَلْقَكُمْ- وَ إِلَيْهِ يَكُونُ مَعَادُكُمْ وَ بِهِ نَجَاحُ طَلِبَتِكُمْ- وَ إِلَيْهِ مُنْتَهَى رَغْبَتِكُمْ وَ نَحْوَهُ قَصْدُ سَبِيلِكُمْ- وَ إِلَيْهِ مَرَامِي مَفْزَعِكُمْ- فَإِنَّ تَقْوَى اللَّهِ دَوَاءُ دَاءِ قُلُوبِكُمْ- وَ بَصَرُ عَمَى أَفْئِدَتِكُمْ وَ شِفَاءُ مَرَضِ أَجْسَادِكُمْ- وَ صَلَاحُ فَسَادِ صُدُورِكُمْ- وَ طُهُورُ دَنَسِ أَنْفُسِكُمْ وَ جِلَاءُ غِشَاءِ أَبْصَارِكُمْ- وَ أَمْنُ فَزَعِ جَأْشِكُمْ وَ ضِيَاءُ سَوَادِ ظُلْمَتِكُمْ العجيج رفع الصوت و كذلك العج- وفي الحديث أفضل الحج العج و الثج- أي التلبية و إراقة الدم و عجيج أي صوت- و مضاعفة اللفظ دليل على تكرير التصويت- . و النينان جمع نون و هو الحوت- و اختلافها هاهنا هو إصعادها و انحدارها- . و نجيب الله منتجبه و مختاره- . و سفير وحيه رسول وحيه و الجمع سفراء مثل فقيه و فقهاء- .

و إليه مرامي مفزعكم إليه تفزعون و تلجئون- و يقال فلان مرمى قصدي أي هو الموضع الذي أنحوه و أقصده- . و يروى و جلاء عشى أبصاركم- بالعين المهملة و الألف المقصورة- و الجأش القلب- و تقدير الكلام و ضياء سواد ظلمة عقائدكم- و لكنه حذف المضاف للعلم به: فَاجْعَلُوا طَاعَةَ اللَّهِ شِعَاراً دُونَ دِثَارِكُمْ- وَ دَخِيلًا دُونَ شِعَارِكُمْ وَ لَطِيفاً بَيْنَ أَضْلَاعِكُمْ- وَ أَمِيراً فَوْقَ أُمُورِكُمْ وَ مَنْهَلًا لِحِينِ وُرُودِكُمْ- وَ شَفِيعاً لِدَرَكِ طَلِبَتِكُمْ وَ جُنَّةً لِيَوْمِ فَزَعِكُمْ- وَ مَصَابِيحَ لِبُطُونِ قُبُورِكُمْ- وَ سَكَناً لِطُولِ وَحْشَتِكُمْ وَ نَفَساً لِكَرْبِ مَوَاطِنِكُمْ- فَإِنَّ طَاعَةَ اللَّهِ حِرْزٌ مِنْ مَتَالِفَ مُكْتَنِفَةٍ- وَ مَخَاوِفَ مُتَوَقَّعَةٍ وَ أُوَارِ نِيرَانٍ مُوقَدَةٍ- فَمَنْ أَخَذَ بِالتَّقْوَى عَزَبَتْ عَنْهُ الشَّدَائِدُ بَعْدَ دُنُوِّهَا- وَ احْلَوْلَتْ لَهُ الْأُمُورُ بَعْدَ مَرَارَتِهَا- وَ انْفَرَجَتْ عَنْهُ الْأَمْوَاجُ بَعْدَ تَرَاكُمِهَا- وَ أَسْهَلَتْ لَهُ الصِّعَابُ بَعْدَ إِنْصَابِهَا- وَ هَطَلَتْ عَلَيْهِ الْكَرَامَةُ بَعْدَ قُحُوطِهَا- . وَ تَحَدَّبَتْ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ بَعْدَ نُفُورِهَا- وَ تَفَجَّرَتْ عَلَيْهِ النِّعَمُ بَعْدَ نُضُوبِهَا- وَ وَبَلَتْ عَلَيْهِ الْبَرَكَةُ بَعْدَ إِرْذَاذِهَا- فَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي نَفَعَكُمْ بِمَوْعِظَتِهِ- وَ وَعَظَكُمْ بِرِسَالَتِهِ وَ امْتَنَّ عَلَيْكُمْ بِنِعْمَتِهِ- فَعَبِّدُوا أَنْفُسَكُمْ لِعِبَادَتِهِ- وَ اخْرُجُوا إِلَيْهِ مِنْ حَقِّ طَاعَتِهِ‏

الشعار أقرب إلى الجسد من الدثار- و الدخيل ما خالط باطن الجسد و هو أقرب من الشعار- . ثم لم يقتصر على ذلك- حتى أمر بأن يجعل التقوى لطيفا بين الأضلاع- أي في القلب- و ذلك أمس بالإنسان من الدخيل- فقد يكون الدخيل في الجسد و إن لم يخامر القلب- . ثم قال و أميرا فوق أموركم- أي يحكم على أموركم كما يحكم الأمير في رعيته- . و المنهل الماء يرده الوارد من الناس و غيرهم- . و قوله لحين ورودكم أي لوقت ورودكم- . و الطلبة بكسر اللام ما طلبته من شي‏ء- . قوله و مصابيح لبطون قبوركم-جاء في الخبر أن العمل الصالح يضي‏ء قبر صاحبه- كما يضي‏ء المصباح الظلمة- .

و السكن ما يسكن إليه- . قوله و نفسا لكرب مواطنكم أي سعة و روحا- . و مكتنفة محيطة و الأوار حر النار و الشمس- . و عزبت بعدت و احلولت صارت حلوة- و تراكمها اجتماعها و تكاثفها- . و أسهلت صارت سهلة بعد إنصابها أي بعد إتعابها لكم- أنصبته أتعبته- . و هطلت سالت و قحوطها قلتها و وتاحتها- . و تحدبت عليه عطفت و حنت- . نضوبها انقطاعها كنضوب الماء ذهابه- .

و وبل المطر صار وابلا و هو أشد المطر و أكثره- و إرذاذها إتيانها بالرذاذ و هو ضعيف المطر- . قوله فعبدوا أنفسكم أي ذللوها و منه طريق معبد- . و اخرجوا إليه من حق طاعته- أي أدوا المفترض عليكم من العبادة- يقال خرجت إلى فلان من دينه أي قضيته إياه: ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْإِسْلَامَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي اصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ- وَ اصْطَنَعَهُ عَلَى عَيْنِهِ وَ أَصْفَاهُ خِيَرَةَ خَلْقِهِ- وَ أَقَامَ دَعَائِمَهُ عَلَى مَحَبَّتِهِ- أَذَلَّ الْأَدْيَانَ بِعِزَّتِهِ وَ وَضَعَ الْمِلَلَ بِرَفْعِهِ- وَ أَهَانَ أَعْدَاءَهُ بِكَرَامَتِهِ وَ خَذَلَ مُحَادِّيهِ بِنَصْرِهِ- وَ هَدَمَ أَرْكَانَ الضَّلَالَةِ بِرُكْنِهِ- وَ سَقَى مَنْ عَطِشَ مِنْ حِيَاضِهِ- وَ أَتْأَقَ الْحِيَاضَ بِمَوَاتِحِهِ- ثُمَّ جَعَلَهُ لَا انْفِصَامَ لِعُرْوَتِهِ وَ لَا فَكَّ لِحَلْقَتِهِ- وَ لَا انْهِدَامَ لِأَسَاسِهِ وَ لَا زَوَالَ لِدَعَائِمِهِ- وَ لَا انْقِلَاعَ لِشَجَرَتِهِ وَ لَا انْقِطَاعَ لِمُدَّتِهِ- وَ لَا عَفَاءَ لِشَرَائِعِهِ وَ لَا جَذَّ لِفُرُوعِهِ وَ لَا ضَنْكَ لِطُرُقِهِ- وَ لَا وُعُوثَةَ لِسُهُولَتِهِ وَ لَا سَوَادَ لِوَضَحِهِ- وَ لَا عِوَجَ لِانْتِصَابِهِ وَ لَا عَصَلَ فِي عُودِهِ- وَ لَا وَعَثَ لِفَجِّهِ وَ لَا انْطِفَاءَ لِمَصَابِيحِهِ- وَ لَا مَرَارَةَ لِحَلَاوَتِهِ- فَهُوَ دَعَائِمُ أَسَاخَ فِي الْحَقِّ أَسْنَاخَهَا- وَ ثَبَّتَ لَهَا آسَاسَهَا وَ يَنَابِيعُ غَزُرَتْ عُيُونُهَا- وَ مَصَابِيحُ شَبَّتْ نِيرَانُهَا- وَ مَنَارٌ اقْتَدَى بِهَا سُفَّارُهَا وَ أَعْلَامٌ قُصِدَ بِهَا فِجَاجُهَا- وَ مَنَاهِلُ رَوِيَ بِهَا وُرَّادُهَا- .

جَعَلَ اللَّهُ فِيهِ مُنْتَهَى رِضْوَانِهِ- وَ ذِرْوَةَ دَعَائِمِهِ وَ سَنَامَ طَاعَتِهِ- فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ وَثِيقُ الْأَرْكَانِ رَفِيعُ الْبُنْيَانِ- مُنِيرُ الْبُرْهَانِ مُضِي‏ءُ النِّيرَانِ- عَزِيزُ السُّلْطَانِ مُشْرِفُ الْمَنَارِ مُعْوِذُ الْمَثَارِ- فَشَرِّفُوهُ وَ اتَّبِعُوهُ وَ أَدُّوا إِلَيْهِ حَقَّهُ وَ ضَعُوهُ مَوَاضِعَهُ اصطنعه على عينه كلمة تقال لما يشتد الاهتمام به- تقول للصانع اصنع لي كذا على عيني- أي اصنعه صنعة كاملة كالصنعة التي تصنعها- و أنا حاضر أشاهدها بعيني- قال تعالى وَ لِتُصْنَعَ عَلى‏ عَيْنِي- . و أصفاه خيرة خلقه أي آثر به خيرة خلقه و هم المسلمون- و ياء خيرة مفتوحة- . قال و أقام الله دعائم الإسلام على حب الله و طاعته- . و المحاد المخالف قال تعالى مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ- أي من يعاد الله كأنه يكون في حد و جهة- و ذلك الإنسان في حد آخر و جهة أخرى- و كذلك المشاق يكون في شق و الآخر في شق آخر- . و أتأق الحياض ملأها و تئق السقاء نفسه يتأق تأقا- و كذلك الرجل إذا امتلأ غضبا- . قوله بمواتحه و هي الدلاء يمتح بها أي يسقى بها- . و الانفصام الانكسار و العفاء الدروس- . و الجذ القطع و يروى بالدال المهملة و هو القطع أيضا- . و الضنك الضيق- .

و الوعوثة كثرة في السهولة توجب صعوبة المشي- لأن الأقدام تعيث في الأرض- . و الوضح البياض- . و العوج بفتح العين فيما ينتصب كالنخلة و الرمح- و العوج بكسرها فيما لا ينتصب كالأرض و الرأي و الدين- . و العصل الالتواء و الاعوجاج- ناب أعصل و شجرة عصلة و سهام عصل- . و الفج الطريق الواسع بين الجبلين- يقول لا وعث فيه أي ليس طريق الإسلام بوعث- و قد ذكرنا أن الوعوثة ما هي- . قوله فهو دعائم أساخ في الحق أسناخها- الأسناخ جمع سنخ و هو الأصل- و أساخها في الأرض أدخلها فيها- و ساخت قوائم فرسه في الأرض تسوخ و تسيخ دخلت و غابت- . و الآساس بالمد جمع أسس مثل سبب و أسباب- و الأسس و الأس و الأساس واحد و هو أصل البناء- . و غزرت عيونها بضم الزاي كثرت- و شبت نيرانها بضم الشين أوقدت- و المنار الأعلام في الفلاة- . قوله قصد بها فجاجها- أي قصد بنصب تلك الأعلام- اهتداء المسافرين في تلك الفجاج- فأضاف القصد إلى الفجاج- . و روي روادها جمع رائد- و هو الذي يسبق القوم فيرتاد لهم الكلأ و الماء- . و الذروة أعلى السنام و الرأس و غيرهما- . قوله معوذ المثار- أي يعجز الناس إثارته و إزعاجه لقوته و متانته‏:

ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً ص بِالْحَقِّ- حِينَ دَنَا مِنَ الدُّنْيَا الِانْقِطَاعُ وَ أَقْبَلَ مِنَ الآْخِرَةِ الِاطِّلَاعُ- وَ أَظْلَمَتْ بَهْجَتُهَا بَعْدَ إِشْرَاقٍ وَ قَامَتْ بِأَهْلِهَا عَلَى سَاقٍ- وَ خَشُنَ مِنْهَا مِهَادٌ وَ أَزِفَ مِنْهَا قِيَادٌ- فِي انْقِطَاعٍ مِنْ مُدَّتِهَا وَ اقْتِرَابٍ مِنْ أَشْرَاطِهَا- وَ تَصَرُّمٍ مِنْ أَهْلِهَا وَ انْفِصَامٍ مِنْ حَلْقَتِهَا- وَ انْتِشَارٍ مِنْ سَبَبِهَا وَ عَفَاءٍ مِنْ أَعْلَامِهَا- وَ تَكَشُّفٍ مِنْ عَوْرَاتِهَا وَ قِصَرٍ مِنْ طُولِهَا- جَعَلَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بَلَاغاً لِرِسَالَتِهِ وَ كَرَامَةً لِأُمَّتِهِ- وَ رَبِيعاً لِأَهْلِ زَمَانِهِ وَ رِفْعَةً لِأَعْوَانِهِ وَ شَرَفاً لِأَنْصَارِهِ- ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ نُوراً لَا تُطْفَأُ مَصَابِيحُهُ- وَ سِرَاجاً لَا يَخْبُو تَوَقُّدُهُ وَ بَحْراً لَا يُدْرَكُ قَعْرُهُ- وَ مِنْهَاجاً لَا يُضِلُّ نَهْجُهُ وَ شُعَاعاً لَا يُظْلِمُ ضَوْءُهُ- وَ فُرْقَاناً لَا يُخْمَدُ بُرْهَانُهُ وَ تِبْيَاناً لَا تُهْدَمُ أَرْكَانُهُ- وَ شِفَاءً لَا تُخْشَى أَسْقَامُهُ- وَ عِزّاً لَا تُهْزَمُ أَنْصَارُهُ وَ حَقّاً لَا تُخْذَلُ أَعْوَانُهُ- فَهُوَ مَعْدِنُ الْإِيمَانِ وَ بُحْبُوحَتُهُ وَ يَنَابِيعُ الْعِلْمِ وَ بُحُورُهُ- وَ رِيَاضُ الْعَدْلِ وَ غُدْرَانُهُ وَ أَثَافِيُّ الْإِسْلَامِ وَ بُنْيَانُهُ- وَ أَوْدِيَةُ الْحَقِّ وَ غِيطَانُهُ وَ بَحْرٌ لَا يَنْزِفُهُ الْمُسْتَنْزِفُونَ- وَ عُيُونٌ لَا يُنْضِبُهَا الْمَاتِحُونَ- وَ مَنَاهِلُ لَا يَغِيضُهَا الْوَارِدُونَ- وَ مَنَازِلُ لَا يَضِلُّ نَهْجَهَا الْمُسَافِرُونَ- وَ أَعْلَامٌ لَا يَعْمَى عَنْهَا السَّائِرُونَ- وَ إِكَامٌ لَا يَجُوزُ عَنْهَا الْقَاصِدُونَ

اختلاف الأقوال في عمر الدنيا

قوله ع حين دنا من الدنيا الانقطاع- أي أزفت الآخرة و قرب وقتها- و قد اختلف الناس في ذلك اختلافا شديدا- فذهب قوم إلى أن عمر الدنيا خمسون ألف سنة- قد ذهب بعضها و بقي بعضها- . و اختلفوا في مقدار الذاهب و الباقي- و احتجوا لقولهم بقوله تعالى- تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ- فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ- قالوا اليوم هو إشارة إلى الدنيا- و فيها يكون عروج الملائكة و الروح إليه- و اختلافهم بالأمر من عنده إلى خلقه و إلى رسله- قالوا و ليس قول بعض المفسرين- أنه عنى يوم القيامة بمستحسن- لأن يوم القيامة لا يكون للملائكة و الروح عروج إليه سبحانه- لانقطاع التكليف- و لأن المؤمنين إما أن يطول عليهم ذلك اليوم- بمقدار خمسين ألف سنة- أو يكون هذا مختصا بالكافرين فقط- و يكون قصيرا على المؤمنين و الأول باطل- لأنه أشد من عذاب جهنم- و لا يجوز أن يلقى المؤمن هذه المشقة و الثاني باطل- لأنه لا يجوز أن يكون الزمان الواحد- طويلا قصيرا بالنسبة إلى شخصين-

اللهم إلا أن يكون أحدهما نائما- أو ممنوا بعلة تجري مجرى النوم فلا يحس بالحركة- و معلوم أن حال المؤمنين بعد بعثهم- ليست هذه الحال- . قالوا و ليست هذه الآية مناقضة للآية الأخرى- و هي قوله تعالى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ- ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ- كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ- و ذلك لأن سياق الكلام- يدل على أنه أراد به الدنيا- و ذلك لأنه قد ورد في الخبر- أن‏ بين الأرض و السماء مسيرة خمسمائة عام- فإذا نزل الملك إلى الأرض ثم عاد إلى السماء- فقد قطع في ذلك اليوم مسيرة ألف عام- أ لا ترى إلى قوله- يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ- أي ينزل الملك بالوحي و الأمر- و الحكم من السماء إلى الأرض- ثم يعود راجعا إليه و عارجا صاعدا إلى السماء- فيجتمع من نزوله و صعوده مقدار مسير ألف سنة- .

و ذكر حمزة بن الحسن الأصفهاني- في كتابه المسمى تواريخ الأمم- أن اليهود تذهب إلى أن عدد السنين- من ابتداء التناسل إلى سنة الهجرة لمحمد ص- أربعة آلاف و اثنتان و أربعون سنة و ثلاثة أشهر- . و النصارى تذهب إلى أن عدد ذلك خمسة آلاف- و تسعمائة و تسعون سنة و ثلاثة أشهر- . و أن الفرس تذهب إلى أن من عهد كيومرث- والد البشر عندهم إلى هلاك يزدجرد بن شهريار الملك- أربعة آلاف و مائة و اثنتين و ثمانين سنة- و عشرة أشهر و تسعة عشر يوما- و يسندون ذلك إلى كتابهم الذي جاء به زردشت- و هو الكتاب المعروف بأبستا- . فأما اليهود و النصارى- فيسندون ذلك إلى التوراة- و يختلفون في كيفية استنباط المدة- . و تزعم النصارى و اليهود- أن مدة الدنيا كلها سبعة آلاف سنة- قد ذهب منها ما ذهب و بقي ما بقي- . و قيل إن اليهود إنما قصرت المدة- لأنهم يزعمون أن شيخهم الذي هو منتظرهم- يخرج في أول الألف السابع- فلو لا تنقيصهم المدة- و تقصيرهم أيامها لتعجل افتضاحهم- و لكن سيفتضحون فيما بعد- عند من يأتي بعدنا من البشر- .

قال حمزة و أما المنجمون فقد أتوا بما يغمز هذا كله- فزعموا أنه قد مضى من الدنيا- منذ أول يوم سارت فيه الكواكب- من رأس الحمل إلى اليوم- الذي خرج فيه المتوكل بن معتصم بن الرشيد- من سامراء إلى دمشق- ليجعلها دار الملك و هو أول يوم من المحرم- سنة أربع و أربعين و مائتين للهجرة المحمدية- أربعة آلاف ألف ألف ألف ثلاث لفظات- و ثلاثمائة ألف و عشرون ألف سنة بسني الشمس- . قالوا و الذي مضى من الطوفان إلى صبيحة اليوم- الذي خرج فيه المتوكل إلى دمشق- ثلاث آلاف و سبعمائة و خمس و ثلاثون سنة- و عشرة أشهر و اثنان و عشرون يوما- .

و ذكر أبو الريحان البيروني- في كتاب الآثار الباقية عن القرون الخالية- أن الفرس و المجوس يزعمون- أن عمر الدنيا اثنا عشر ألف سنة- على عدد البروج و عدد الشهور- و أن الماضي منها إلى وقت ظهور زردشت- صاحب شريعتهم ثلاثة آلاف سنة- و بين ابتداء ظهور زردشت- و بين أول تاريخ الإسكندر- مائتان و ثمان و خمسون سنة- و بين تاريخ الإسكندر و بين سنته- التي كتبنا فيها شرح هذا الفصل- و هي سنة سبع و أربعين و ستمائة للهجرة النبوية- ألف و خمسمائة و سبعون سنة- فعلى هذا يكون الماضي إلى يومنا هذا- من أصل اثني عشر ألف سنة أربعة آلاف- و ثمانمائة و ثماني عشرة سنة- فيكون الباقي من الدنيا على قولهم أكثر من الماضي- .

و حكى أبو الريحان عن الهند في بعض كتبه- أن مدة عمر الدنيا مقدار تضعيف الواحد- من أول بيت في رقعة الشطرنج إلى آخر البيوت- . فأما الأخباريون من المسلمين فأكثرهم يقولون- إن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة-و يقولون إننا في السابع- و الحق أنه لا يعلم أحد هذا إلا الله تعالى وحده- كما قال سبحانه يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها- فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها إِلى‏ رَبِّكَ مُنْتَهاها- و قال لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ- لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها- قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ- . و نقول مع ذلك كما ورد به الكتاب العزيز- اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ- و اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ- و أَتى‏ أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ- . و لا نعلم كمية الماضي و لا كمية الباقي- و لكنا نقول كما أمرنا و نسمع و نطيع كما أدبنا- و من الممكن أن يكون ما بقي قريبا عند الله- و غير قريب عندنا كما قال سبحانه- إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَ نَراهُ قَرِيباً- . و بالجملة هذا موضع غامض يجب السكوت عنه- .

قوله ع و قامت بأهلها على ساق الضمير للدنيا- و الساق الشدة أي انكشفت عن شدة عظيمة- . و قوله تعالى وَ الْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ- أي التفت آخر شدة الدنيا بأول شدة الآخرة- . و المهاد الفراش و أزف منها قياد- أي قرب انقيادها إلى التقضي و الزوال- . و أشراط الساعة علاماتها- و إضافتها إلى الدنيا لأنها في الدنيا تحدث- و إن كانت علامات للأخرى و العفاء الدروس- .

و روي من طولها و الطول الحبل- . ثم عاد إلى ذكر النبي ص فقال- جعله الله سبحانه بلاغا لرسالته- أي ذا بلاغ و البلاغ التبليغ فحذف المضاف- . و لا تخبو لا تنطفئ- و الفرقان ما يفرق به بين الحق و الباطل- . و أثافي الإسلام جمع أثفية- و هي الأحجار توضع عليها القدر شكل مثلث- . و الغيطان جمع غائط و هو المطمئن من الأرض- . و لا يغيضها بفتح حرف المضارعة- غاض الماء و غضته أنا يتعدى و لا يتعدى- و روي لا يغيضها بالضم على قول من قال أغضت الماء- و هي لغة ليست بالمشهورة- . و الآكام جمع أكم مثل جبال جمع جبل- و الأكم جمع أكمة مثل عنب جمع عنبة- و الأكمة ما علا من الأرض و هي دون الكثيب:

جَعَلَهُ اللَّهُ رِيّاً لِعَطَشِ الْعُلَمَاءِ وَ رَبِيعاً لِقُلُوبِ الْفُقَهَاءِ- وَ مَحَاجَّ لِطُرُقِ الصُّلَحَاءِ وَ دَوَاءً لَيْسَ بَعْدَهُ دَاءٌ- وَ نُوراً لَيْسَ مَعَهُ ظُلْمَةٌ وَ حَبْلًا وَثِيقاً عُرْوَتُهُ- وَ مَعْقِلًا مَنِيعاً ذِرْوَتُهُ وَ عِزّاً لِمَنْ تَوَلَّاهُ- وَ سِلْماً لِمَنْ دَخَلَهُ وَ هُدًى لِمَنِ ائْتَمَّ بِهِ- وَ عُذْراً لِمَنِ انْتَحَلَهُ وَ بُرْهَاناً لِمَنْ تَكَلَّمَ بِهِ- وَ شَاهِداً لِمَنْ خَاصَمَ بِهِ وَ فَلْجاً لِمَنْ حَاجَّ بِهِ- وَ حَامِلًا لِمَنْ حَمَلَهُ وَ مَطِيَّةً لِمَنْ أَعْمَلَهُ- وَ آيَةً لِمَنْ تَوَسَّمَ وَ جُنَّةً لِمَنِ اسْتَلْأَمَ- وَ عِلْماً لِمَنْ وَعَى وَ حَدِيثاً لِمَنْ رَوَى وَ حُكْماً لِمَنْ قَضَى‏الضمير يرجع إلى القرآن جعله الله ريا لعطش العلماء- إذا ضل العلماء في أمر و التبس عليهم رجعوا إليه- فسقاهم كما يسقي الماء العطش- و كذا القول في ربيعا لقلوب الفقهاء- و الربيع هاهنا الجدول- و يجوز أن يريد المطر في الربيع- يقال ربعت الأرض فهي مربوعة- . و المحاج جمع محجة و هي جادة الطريق- و المعقل الملجأ- . و سلما لمن دخله أي مأمنا- و انتحله دان به و جعله نحلته- . و البرهان الحجة و الفلج الظفر و الفوز- و حاج به خاصم- .

قوله ع و حاملا لمن حمله- أي أن القرآن ينجي يوم القيامة- من كان حافظا له في الدنيا بشرط أن يعمل به- . قوله ع و مطية لمن أعمله استعارة- يقول كما أن المطية تنجي صاحبها إذا أعملها و بعثها على النجاء- فكذلك القرآن إذا أعمله صاحبه أنجاه- و معنى إعماله اتباع قوانينه و الوقوف عند حدوده- . قوله و آية لمن توسم أي لمن تفرس- قال تعالى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ- . و الجنة ما يستتر به و استلأم لبس لأمة الحرب و هي الدرع- . و وعى حفظ- . قوله و حديثا لمن روى- قد سماه الله تعالى حديثا فقال- اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ‏الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً- و أصحابنا يحتجون بهذه اللفظة- على أن القرآن ليس بقديم- لأن الحديث ضد القديم- .

و ليس للمخالف أن يقول- ليس المراد بقوله أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ما ذكرتم- بل المراد أحسن القول و أحسن الكلام- لأن العرب تسمي الكلام و القول حديثا- لأنا نقول لعمري إنه هكذا- و لكن العرب ما سمت القول و الكلام حديثا- إلا أنه مستحدث متجدد حالا فحالا- أ لا ترى إلى قول عمرو لمعاوية- قد مللت كل شي‏ء إلا الحديث- فقال إنما يمل العتيق- فدل ذلك على أنه فهم معنى تسميتهم الكلام و القول حديثا- و فطن لمغزاهم و مقصدهم في هذه التسمية- و إذا كنا قد كلفنا أن نجري على ذاته و صفاته- و أفعاله ما أجراه سبحانه في كتابه- و نطلق ما أطلقه على سبيل الوضع و الكيفية التي أطلقها- و كان قد وصف كلامه بأنه حديث- و كان القرآن في عرف اللغة- إنما سمي حديثا لحدوثه و تجدده- فقد ساغ لنا أن نطلق على كلامه أنه محدث و متجدد- و هذا هو المقصود

شرح ‏نهج ‏البلاغة(ابن ‏أبي ‏الحديد) ج 10

نمایش بیشتر

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

دکمه بازگشت به بالا
-+=