قصة غزوة أحد
الفصل الرابع في شرح قصة غزاة أحد- و نحن نذكر ذلك من كتاب الواقدي رحمه الله- على عاداتنا في ذكر غزاة بدر- و نضيف إليه من الزيادات- التي ذكرها ابن إسحاق و البلاذري- ما يقتضي الحال ذكره- . قال الواقدي- لما رجع من حضر بدرا من المشركين إلى مكة- وجدوا العير التي قدم بها أبو سفيان بن حرب- من الشام موقوفة في دار الندوة- و كذلك كانوا يصنعون- فلم يحركها أبو سفيان و لم يفرقها لغيبة أهل العير- و مشت أشراف قريش إلى أبي سفيان- الأسود بن عبد المطلب بن أسد- و جبير بن مطعم و صفوان بن أمية- و عكرمة بن أبي جهل و الحارث بن هشام- و عبد الله بن أبي ربيعة و حويطب بن عبد العزى- فقالوا يا أبا سفيان-
انظر هذه العير التي قدمت بها فاحتبستها- فقد عرفت أنها أموال أهل مكة- و لطيمة قريش- و هم طيبوا الأنفس- يجهزون بهذه العير جيشا كثيفا إلى محمد- فقدترى من قتل من آبائنا و أبنائنا و عشائرنا- فقال أبو سفيان- و قد طابت أنفس قريش بذلك قالوا نعم- قال فأنا أول من أجاب إلى ذلك- و بنو عبد مناف معي- فأنا و الله الموتور و الثائر- و قد قتل ابني حنظلة ببدر و أشراف قومي- فلم تزل العير موقوفة حتى تجهزوا للخروج- فباعوها فصارت ذهبا عينا- و يقال إنما قالوا يا أبا سفيان- بع العير ثم اعزل أرباحها- فكانت العير ألف بعير- و كان المال خمسين ألف دينار- و كانوا يربحون في تجاراتهم للدينار دينارا- و كان متجرهم من الشام غزة- لا يعدونها إلى غيرها- و كان أبو سفيان قد حبس عير بني زهرة- لأنهم رجعوا من طريق بدر- و سلم ما كان لمخرمة بن نوفل و لبني أبيه- و بني عبد مناف بن زهرة- فأبى مخرمة أن يقبل عيره- حتى يسلم إلى بني زهرة جميعا- و تكلم الأخنس فقال- و ما لعير بني زهرة من بين عيرات قريش- قال أبو سفيان لأنهم رجعوا عن قريش- قال الأخنس أنت أرسلت إلى قريش أن ارجعوا- فقد أحرزنا العير- لا تخرجوا في غير شيء فرجعنا- فأخذت بنو زهرة عيرها- و أخذ أقوام من أهل مكة- أهل ضعف لا عشائر لهم و لا منعة- كل ما كان لهم في العير- .
قال الواقدي- و هذا يبين أنه إنما أخرج القوم أرباح العير- قال و فيهم أنزل- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ- لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ الآية- . قال فلما أجمعوا على المسير- قالوا نسير في العرب فنستنصرهم- فإن عبد مناة غير متخلفين عنا- هم أوصل العرب لأرحامنا- و من اتبعنا من الأحابيش- فأجمعوا على أن يبعثوا أربعة من قريش- يسيرون في العرب يدعونهم إلى نصرهم- فبعثوا عمرو بن العاص و هبيرة بن وهب- و ابن الزبعرى و أبا عزة الجمحي- فأبى أبو عزة أن يسير- و قال من علي محمد يوم بدر- و حلفت ألا أظاهر عليه عدوا أبدا- فمشى إليه صفوان بن أمية فقال اخرج- فأبى و قال عاهدت محمدا يوم بدر- ألا أظاهر عليه عدوا أبدا- و أنا أفي له بما عاهدته عليه- من علي و لم يمن على غيري- حتى قتله أو أخذ منه الفداء- فقال صفوان اخرج معنا- فإن تسلم أعطك من المال ما شئت- و إن تقتل تكن عيالك مع عيالي- فأبى أبو عزة حتى كان الغد- و انصرف عنه صفوان بن أمية آيسا منه- فلما كان الغد جاءه صفوان و جبير بن مطعم- فقال له صفوان الكلام الأول فأبى- فقال جبير ما كنت أظن أني أعيش- حتى يمشي إليك أبو وهب في أمر تأبى عليه- فأحفظه فقال أنا أخرج- قال فخرج إلى العرب يجمعها و يقول-
إيه بني عبد مناة الرزام
أنتم حماة و أبوكم حام
لا تسلموني لا يحل إسلام
لا يعدوني نصركم بعد العام
و خرج النفر مع أبي عزة فألبوا العرب و جمعوا- و بلغوا ثقيفا فأوعبوا- فلما أجمعوا المسير- و تألب من كان معهم من العرب و حضروا- و اختلفت قريش في إخراج الظعن معهم- قال صفوان بن أمية- اخرجوا بالظعن فأنا أول من فعل- فإنه أقمن أن يحفظنكم- و يذكرنكم قتلى بدر فإن العهد حديث- و نحن قوم موتورون مستميتون- لا نريد أن نرجع إلى ديارنا- حتى ندرك ثأرنا أو نموت دونه- فقال عكرمة بن أبي جهل- أنا أول من أجاب إلى ما دعوت إليه- و قال عمرو بن العاص مثل ذلك- فمشى في ذلك نوفل بن معاوية الديلي- فقال يا معشر قريش هذا ليس برأي- أن تعرضوا حرمكم لعدوكم- و لا آمن أن تكون الدبرة لهم فتفتضحوا في نسائكم- فقال صفوان لا كان غير هذا أبدا- فجاء نوفل إلى أبي سفيان بن حرب- فقال له تلك المقالة فصاحت هند بنت عتبة- إنك و الله سلمت يوم بدر- فرجعت إلى نسائك نعم نخرج فنشهد القتال- فقد ردت القيان من الجحفة في سفرهم إلى بدر- فقتلت الأحبة يومئذ- فقال أبو سفيان لست أخالف قريشا- أنا رجل منها ما فعلت فعلت- فخرجوا بالظعن فخرج أبو سفيان بن حرب بامرأتين- هند بنت عتبة بن ربيعة- و أميمة بنت سعد بن وهب بن أشيم بن كنانة- و خرج صفوان بن أمية بامرأتين- برزة بنت مسعود الثقفي- و هي أم عبد الله الأكبر- و البغوم بنت المعذل من كنانة- و هي أم عبد الله الأصغر- و خرج طلحة بن أبي طلحة- بامرأته سلافة بنت سعد بن شهيد و هي من الأوس- و هي أم بنيه مسافع و الحارث- و كلاب و الجلاس بني طلحة بن أبي طلحة- و خرج عكرمة بن أبي جهل- بامرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام- و خرج الحارث بن هشام بامرأته- فاطمة بنت الوليد بن المغيرة- و خرج عمرو بن العاص- بامرأته هند بنت منبه بن الحجاج- و هي أم عبد الله بن عمرو بن العاص- و قال محمد بن إسحاق اسمها ريطة- و خرجت خناس بنت مالك بن المضرب- إحدى نساء بني مالك بن حسل- مع ابنها أبي عزيز بن عمير- أخي مصعب بن عمير من بني عبد الدار- و خرج الحارث بن سفيان بن عبد الأسد بامرأته- رملة بنت طارق بن علقمة الكنانية- و خرج كنانة بن علي بن ربيعة- بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف بامرأته- أم حكيم بنت طارق- و خرج سفيان بن عويف بامرأته- قتيلة بنت عمرو بن هلال- و خرج النعمان بن عمرو- و جابر مسك الذئب أخوه- بأمهماالدغينة- و خرج غراب بن سفيان بن عويف بامرأته- عمرة بنت الحارث بن علقمة الكنانية- و هي التي رفعت لواء قريش حين سقطت- حتى تراجعت قريش إلى لوائها- و فيها يقول حسان-
و لو لا لواء الحارثية أصبحوا يباعون
في الأسواق بالثمن البخس
قالوا و خرج سفيان بن عويف بعشرة من ولده- و حشدت بنو كنانة- و كانت الألوية يوم خرجوا من مكة ثلاثة- عقدوها في دار الندوة- لواء يحمله سفيان بن عويف لبني كنانة- و لواء الأحابيش يحمله رجل منهم- و لواء لقريش يحمله طلحة بن أبي طلحة- . قال الواقدي- و يقال خرجت قريش و لفها كلهم- من كنانة و الأحابيش و غيرهم على لواء واحد- يحمله طلحة بن أبي طلحة- و هو الأثبت عندنا- . قال و خرجت قريش- و هم ثلاثة آلاف بمن ضوى إليها- و كان فيهم من ثقيف مائة رجل- و خرجوا بعدة و سلاح كثير- و قادوا مائتي فرس- و كان فيهم سبعمائة دراع و ثلاثة آلاف بعير- فلما أجمعوا على المسير- كتب العباس بن عبد المطلب كتابا و ختمه- و استأجر رجلا من بني غفار- و شرط عليه أن يسير ثلاثا إلى رسول الله ص-
يخبره أن قريشا قد اجتمعت للمسير إليك- فما كنت صانعا إذا حلوا بك فاصنعه- و قد وجهوا و هم ثلاثة آلاف- و قادوا مائتي فرس و فيهم سبعمائة دراع- و ثلاثة آلاف بعير و قد أوعبوا من السلاح- فقدم الغفاري فلم يجد رسول الله ص بالمدينة- وجده بقباء- فخرج حتى وجد رسول الله ص على باب مسجد قباء- يركبحماره فدفع إليه الكتاب- فقرأه عليه أبي بن كعب و استكتم أبيا ما فيه- و دخل منزل سعد بن الربيع- فقال أ في البيت أحد- فقال سعد لا فتكلم بحاجتك- فأخبره بكتاب العباس بن عبد المطلب- فجعل سعد يقول يا رسول الله- و الله إني لأرجو أن يكون في ذلك خير- و أرجعت يهود المدينة و المنافقون- و قالوا ما جاء محمدا شيء يحبه- و انصرف رسول الله ص إلى المدينة- و قد استكتم سعد بن الربيع الخبر- فلما خرج رسول الله ص من منزله- خرجت امرأة سعد بن الربيع إليه- فقالت ما قال لك رسول الله ص- قال ما لك و لذاك لا أم لك-
قالت كنت أستمع عليكم- و أخبرت سعدا الخبر فاسترجع سعد- و قال لا أراك تستمعين علينا- و أنا أقول لرسول الله ص تكلم بحاجتك- ثم أخذ بجمع لمتها ثم خرج يعدو بها- حتى أدرك رسول الله ص بالجسر و قد بلحت- فقال يا رسول الله- إن امرأتي سألتني عما قلت فكتمتها- فقالت قد سمعت قول رسول الله ص- ثم جاءت بالحديث كله- فخشيت يا رسول الله أن يظهر من ذلك شيء- فتظن أني أفشيت سرك- فقال ص خل سبيلها- و شاع الخبر بين الناس بمسير قريش- و قدم عمرو بن سالم الخزاعي في نفر من خزاعة- ساروا من مكة أربعا- فوافوا قريشا و قد عسكروا بذي طوى- فأخبروا رسول الله ص الخبر- ثم انصرفوا و لقوا قريشا ببطن رابغ- و هو أربع ليال من المدينة- فنكبوا عن قريش- .
قال الواقدي- فلما أصبح أبو سفيان بالأبواء- أخبر أن عمرو بن سالم و أصحابه- راحوا أمس ممسين إلى مكة- فقال أبو سفيان أحلف بالله أنهم جاءوا محمدا- فخبروه بمسيرنا و عددنا و حذروه منا- فهم الآن يلزمون صياصيهم- فما أرانا نصيب منهم شيئا في وجهنا- فقال صفوان بن أمية- إن لم يصحروا لنا- عمدنا إلى نخل الأوس و الخزرج فقطعناه-فتركناهم و لا أموال لهم فلا يختارونها أبدا- و إن أصحروا لنا فعددنا أكثر من عددهم- و سلاحنا أكثر من سلاحهم- و لنا خيل و لا خيل معهم- و نحن نقاتل على وتر عندهم و لا وتر لهم عندنا قال الواقدي و كان أبو عامر الفاسق- قد خرج في خمسين رجلا من الأوس- حتى قدم بهم مكة- حين قدم النبي ص- يحرضها و يعلمها أنها على الحق- و ما جاء به محمد باطل- فسارت قريش إلى بدر و لم يسر معها- فلما خرجت قريش إلى أحد سار معها- و كان يقول لقريش- إني لو قدمت على قومي لم يختلف عليكم منهم اثنان- و هؤلاء معي نفر منهم خمسون رجلا- فصدقوه بما قال و طمعوا في نصره- .
قال الواقدي- و خرج النساء معهن الدفوف- يحرضن الرجال و يذكرنهم قتلى بدر في كل منزل- و جعلت قريش تنزل كل منهل- ينحرون ما نحروا من الجزر مما كانوا جمعوا من العين- و يتقوون به في مسيرهم- و يأكلون من أزوادهم مما جمعوا من الأموال- .
قال الواقدي- و كانت قريش لما مرت بالأبواء- قالت إنكم قد خرجتم بالظعن معكم- و نحن نخاف على نسائنا فتعالوا ننبش قبر أم محمد- فإن النساء عورة- فإن يصب من نسائكم أحدا قلتم هذه رمة أمك- فإن كان برا بأمه كما يزعم- فلعمري لنفادينكم برمة أمه- و إن لم يظفر بأحد من نسائكم- فلعمري ليفدين رمة أمه- بمال كثير إن كان بها برا- فاستشار أبو سفيان بن حرب- أهل الرأي من قريش في ذلك- فقالوا لا تذكر من هذا شيئا- فلو فعلنا نبشت بنو بكر و خزاعة موتانا- . قال الواقدي- و كانت قريش بذي الحليفة- يوم الخميس صبيحة عشر من مخرجهم من مكة- و ذلك لخمس ليال مضين من شوال- على رأس اثنين و ثلاثين شهرا من الهجرة- فلماأصبحوا بذي الحليفة- خرج فرسان منهم فأنزلوهم الوطاء- و بعث النبي ص عينين له- آنسا و مؤنسا ابني فضالة ليلة الخميس- فاعترضا لقريش بالعقيق فسارا معهم- حتى نزلوا الوطاء- و أتيا رسول الله ص فأخبراه- و كان المسلمون قد ازدرعوا العرض- و العرض ما بين الوطاء بأحد إلى الجرف إلى العرصة- عرصة البقل اليوم- و كان أهله بنو سلمة و حارثة و ظفر و عبد الأشهل- و كان الماء يومئذ بالجرف نشطة- لا يرمم سابق الناضح مجلسا واحدا- ينفتل الجمل في ساعته- حتى ذهبت بمياهه عيون الغابة- التي حفرها معاوية بن أبي سفيان- و كان المسلمون قد أدخلوا آلة زرعهم- ليلة الخميس المدينة- فقدم المشركون على زرعهم- فخلوا فيه إبلهم و خيولهم- و كان لأسيد بن حضير في العرض عشرون ناضحا تسقي شعيرا- و كان المسلمون قد حذروا- على جمالهم و عمالهم و آلة حرثهم- و كان المشركون يرعون يوم الخميس- فلما أمسوا جمعوا الإبل و قصلوا عليها القصيل- و قصلوا على خيولهم ليلة الجمعة- فلما أصبحوا يوم الجمعة خلوا ظهرهم في الزرع و خيلهم- حتى تركوا العرض ليس به خضراء- .
قال الواقدي فلما نزلوا و حلوا العقد و اطمأنوا- بعث رسول الله ص الحباب بن المنذر بن الجموح إلى القوم- فدخل فيهم و حزر و نظر إلى جميع ما يريد- و كان قد بعثه سرا و قال له- إذا رجعت فلا تخبرني بين أحد من المسلمين- إلا أن ترى في القوم قلة- فرجع إليه فأخبره خاليا- و قال له رأيت عددا- حزرتهم ثلاث آلاف يزيدون قليلا أو ينقصون قليلا- و الخيل مائتا فرس- و رأيت دروعا ظاهرة حزرتها سبعمائة درع- قال هل رأيت ظعنا- قال نعم رأيت النساء معهن الدفاف- و الأكبار و هي الطبول- فقال رسول الله ص- أردن أن يحرضن القوم و يذكرنهم قتلى بدر- هكذاجاءني خبرهم- لا تذكر من شأنهم حرفا- حسبنا الله و نعم الوكيل- اللهم بك أحول و بك أصول- .
قال الواقدي- و خرج سلمة بن سلامة بن وقش يوم الجمعة- حتى إذا كان بأدنى العرض إذا طليعة خيل المشركين- عشرة أفراس ركضوا في أثره- فوقف لهم على نشز من الحرة- فرشقهم بالنبل مرة- و بالحجارة أخرى حتى انكشفوا عنه- فلما ولوا جاء إلى مزرعته بأدنى العرض- فاستخرج سيفا كان له- و درع حديد كان له دفنا في ناحية المزرعة- و خرج بهما يعدو حتى أتى بني عبد الأشهل- فخبر قومه بما لقي- .
قال الواقدي- و كان مقدم قريش يوم الخميس لخمس خلون من شوال- و كانت الوقعة يوم السبت لسبع خلون من شوال- و باتت وجوه الأوس و الخزرج- سعد بن معاذ و أسيد بن حضير و سعد بن عبادة- في عدة منهم ليلة الجمعة- عليهم السلاح في المسجد بباب النبي ص- خوفا من تبييت المشركين- و حرست المدينة تلك الليلة حتى أصبحوا- و رأى رسول الله ص رؤيا ليلة الجمعة- فلما أصبح و اجتمع المسلمون خطبهم- .
قال الواقدي فحدثني محمد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد قال ظهر النبي ص المنبر- فحمد الله و أثنى عليه ثم قال- أيها الناس إني رأيت في منامي رؤيا- رأيت كأني في درع حصينة- و رأيت كأن سيفي ذا الفقار انفصم من عند ظبته- و رأيت بقرا تذبح و رأيت كأني مردف كبشا- فقال الناس يا رسول الله فما أولتها- قال أما الدرع الحصينة فالمدينة فامكثوا فيها- و أماانفصام سيفي عند ظبته فمصيبة في نفسي- و أما البقر المذبح فقتلى في أصحابي- و أما أني مردف كبشا- فكبش الكتيبة نقتله إن شاء اللهقال الواقدي و روي عن ابن عباس أن رسول الله ص قال أما انفصام سيفي فقتل رجل من أهل بيتي
قال الواقدي- و روى المسور بن مخرمة قال قال النبي ص و رأيت في سيفي فلا فكرهته- هو الذي أصاب وجهه عقال الواقدي و قال النبي ص أشيروا علي- و رأى ص ألا يخرج من المدينة لهذه الرؤيا- و رسول الله ص يحب أن يوافق على مثل ما رأى- و على ما عبر عليه الرؤيا- فقام عبد الله بن أبي فقال يا رسول الله- كنا نقاتل في الجاهلية في هذه المدينة- و نجعل النساء و الذراري في هذه الصياصي- و نجعل معهم الحجارة- و الله لربما مكث الولدان شهرا ينقلون الحجارة- إعدادا لعدونا- و نشبك المدينة بالبنيان- فتكون كالحصن من كل ناحية- و ترمى المرأة و الصبي من فوق الصياصي و الآطام- و نقاتل بأسيافنا في السكك- يا رسول الله إن مدينتنا عذراء ما فضت علينا قط- و ما خرجنا إلى عدو قط منها إلا أصاب منا- و ما دخل علينا قط إلا أصبناه- فدعهم يا رسول الله- فإنهم إن أقاموا أقاموا بشر محبس- و إن رجعوا رجعوا خاسرين مغلوبين لم ينالوا خيرا- يا رسول الله أطعني في هذا الأمر-
و اعلم أني ورثت هذا الرأي- من أكابر قومي و أهل الرأي منهم- فهم كانوا أهل الحرب و التجربة- . قال الواقدي فكان رأي رسول الله ص مع رأي ابن أبي- و كان ذلك رأي الأكابر من أصحاب رسول الله ص- من المهاجرين و الأنصار-فقال رسول الله ص امكثوا في المدينة- و اجعلوا النساء و الذراري في الآطام- فإن دخل علينا قاتلناهم في الأزقة- فنحن أعلم بها منهم- و رموا من فوق الصياصي و الآطام- و كانوا قد شبكوا المدينة بالبنيان- من كل ناحية فهي كالحصن- فقال فتيان أحداث لم يشهدوا بدرا- و طلبوا من رسول الله الخروج إلى عدوهم- و رغبوا في الشهادة و أحبوا لقاء العدو- و قالوا اخرج بنا إلى عدونا- و قال رجال من أهل النبه و أهل السن- منهم حمزة بن عبد المطلب و سعد بن عبادة- و النعمان بن مالك بن ثعلبة- و غيرهم من الأوس و الخزرج- إنا نخشى يا رسول الله- أن يظن عدونا- أنا كرهنا الخروج إليهم جبنا عن لقائهم- فيكون هذا جرأة منهم علينا- و قد كنت يوم بدر في ثلاثمائة رجل- فظفرك الله بهم- و نحن اليوم بشر كثير- و كنا نتمنى هذا اليوم و ندعو الله به- فقد ساقه الله إلينا في ساحتنا هذه- و رسول الله ص لما رأى من إلحاحهم كاره- و قد لبسوا السلاح يخطرون بسيوفهم- يتساومون كأنهم الفحول- و قال مالك بن سنان أبو أبي سعيد الخدري- يا رسول الله نحن و الله بين إحدى الحسنيين- إما يظفرنا الله بهم فهذا الذي نريد- فيذلهم الله لنا فتكون هذه وقعة مع وقعة بدر- فلا يبقى منهم إلا الشريد- و الأخرى يا رسول الله يرزقنا الله الشهادة- و الله يا رسول الله ما نبالي أيهما كان- إن كلا لفيه الخير- فلم يبلغنا أن النبي ص رجع إليه قولا و سكت- و قال حمزة بن عبد المطلب- و الذي أنزل عليه الكتاب لا أطعم اليوم طعاما- حتى أجالدهم بسيفي خارجا من المدينة- و كان يقال كان حمزة يوم الجمعة صائما و يوم السبت- فلاقاهم و هو صائم و قال النعمان بن مالك بن ثعلبة أخو بني سالم- يا رسول الله أنا أشهد أن البقر المذبح قتلى من أصحابك- و أني منهم فلم تحرمنا الجنة- فو الله الذي لا إله إلا هولأدخلنها-
قال رسول الله بم- قال إني أحب الله و رسوله و لا أفر يوم الزحف- فقال صدقت فاستشهد يومئذ- . و قال إياس بن أوس بن عتيك- يا رسول الله نحن بنو عبد الأشهل من البقر المذبح- نرجو يا رسول الله أن نذبح في القوم و يذبح فينا- فنصير إلى الجنة و يصيرون إلى النار- مع أني يا رسول الله- لا أحب أن ترجع قريش إلى قومها- فتقول حصرنا محمد في صياصي يثرب و آطامها- فتكون هذه جرأة لقريش- و قد وطئوا سعفنا فإذا لم نذب عن عرضنا فلم ندرع- و قد كنا يا رسول في جاهليتنا و العرب يأتوننا- فلا يطمعون بهذا منا- حتى نخرج إليهم بأسيافنا فنذبهم عنا- فنحن اليوم أحق إذ أمدنا الله بك- و عرفنا مصيرنا لا نحصر أنفسنا في بيوتنا- .
و قام خيثمة أبو سعد بن خيثمة فقال يا رسول الله- إن قريشا مكثت حولا تجمع الجموع- و تستجلب العرب في بواديها و من اتبعها من أحابيشها- ثم جاءونا قد قادوا الخيل- و اعتلوا الإبل حتى نزلوا بساحتنا- فيحصروننا في بيوتنا و صياصينا- ثم يرجعون وافرين لم يكلموا- فيجرئهم ذلك علينا حتى يشنوا الغارات علينا- و يصيبوا أطلالنا و يضعوا العيون و الأرصاد علينا- مع ما قد صنعوا بحروثنا- و يجترئ علينا العرب حولنا حتى يطمعوا فينا- إذا رأونا لم نخرج إليهم- فنذبهم عن حريمنا- و عسى الله أن يظفرنا بهم- فتلك عادة الله عندنا أو تكون الأخرى فهي الشهادة- لقد أخطأتني وقعة بدر و قد كنت عليها حريصا- لقد بلغ من حرصي أن ساهمت ابني في الخروج- فخرج سهمه فرزق الشهادة- و قد كنت حريصا على الشهادة- و قد رأيت ابني البارحة في النوم- في أحسن صوره يسرح في ثمار الجنة و أنهارها- و هو يقول الحق بنا ترافقنا في الجنة- فقد وجدت ما وعدني ربي حقا- و قد و الله يا رسول الله- أصبحت مشتاقا إلى مرافقته في الجنة- و قد كبرت سني و دق عظمي- و أحببتلقاء ربي- فادع الله يا رسول الله أن يرزقني الشهادة- و مرافقة سعد في الجنة- فدعا له رسول الله بذلك فقتل بأحد شهيدا- .
قال أنس بن قتادة- يا رسول الله هي إحدى الحسنيين- إما الشهادة و إما الغنيمة و الظفر بقتلهم- فقال رسول الله ص إني أخاف عليكم الهزيمة- . فلما أبوا إلا الخروج و الجهاد- صلى رسول الله يوم الجمعة بالناس ثم وعظهم- و أمرهم بالجد و الاجتهاد- و أخبرهم أن لهم الصبر ما صبروا- ففرح الناس حيث أعلمهم رسول الله ص- بالشخوص إلى عدوهم- و كره ذلك المخرج بشر كثير من أصحاب رسول الله- و أمرهم بالتهيؤ لعدوهم- ثم صلى العصر بالناس و قد حشد الناس- و حضر أهل العوالي و رفعوا النساء إلى الآطام- فحضرت بنو عمرو بن عوف بلفها- و النبيت و لفها و تلبسوا السلاح- فدخل رسول الله ص بيته- و دخل معه أبو بكر و عمر فعمماه و لبساه- و صف الناس له ما بين حجرته إلى منبره- ينتظرون خروجه- فجاءهم سعد بن معاذ و أسيد بن حضير- فقالا لهم قلتم لرسول الله ما قلتم- و استكرهتموه على الخروج- و الأمر ينزل عليه من السماء- فردوا الأمر إليه فما أمركم فافعلوه- و ما رأيتم فيه له هوى أو أدبا فأطيعوه- فبينا القوم على ذلك من الأمر- و بعض القوم يقول القول ما قال سعد- و بعضهم على البصيرة على الشخوص- و بعضهم للخروج كاره- إذ خرج رسول الله ص قد لبس لأمته- و قد لبس الدرع فأظهرها- و حزم وسطها بمنطقة من حمائل سيف من أدم- كانت بعد عند آل أبي رافع مولى رسول الله ص- و اعتم و تقلد السيف- فلما خرج رسول الله ص ندموا جميعا على ما صنعوا- و قال الذين يلحون على رسول الله ص- ما كان لنا أن نخالفك فاصنع ما بدا لك- و ما كان لنا أن نستكرهك- و الأمر إلى الله ثم إليك- فقال قد دعوتكم إلى هذا الحديث فأبيتم- و لا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها- حتى يحكم الله بينه و بين أعدائه- قال و كانت الأنبياء قبله- إذا لبس النبي لأمته لم يضعها- حتى يحكم الله بينه و بين أعدائه- ثم قال لهم انظروا ما أمرتكم به فاتبعوه- امضوا على اسم الله فلكم النصر ما صبرتم- .
قلت فمن تأمل أحوال المسلمين في هذه الغزاة- من فشلهم و خورهم و اختلافهم- في الخروج من المدينة و المقام بها- و كراهة النبي ص للخروج- ثم خروجه على مضض- ثم ندم القوم الذين أشاروا بالخروج- ثم انخزال طائفة كثيرة من الجيش عن الحرب- و رجوعهم إلى المدينة- علم أنه لا انتصار لهم على العدو أصلا- فإن النصر معروف بالعزم و الجد- و البصيرة في الحرب و اتفاق الكلمة- و من تأمل أيضا هذه الأحوال- علم أنها ضد الأحوال التي كانت في غزاة بدر- و أن أحوال قريش لما خرجت إلى بدر- كانت مماثلة لأحوال المسلمين لما خرجوا إلى أحد- و لذلك كانت الدبرة في بدر على قريش- .
قال الواقدي- و كان مالك بن عمرو النجاري مات يوم الجمعة- فلما دخل رسول الله ص فلبس لأمته و خرج- و هو موضوع عند موضع الجنائز صلى عليه- ثم دعا بدابته فركب إلى أحد- . قال الواقدي- و جاء جعيل بن سراقة إلى النبي ص- و هو متوجه إلى أحد- فقال يا رسول الله قيل لي إنك تقتل غدا- و هو يتنفس مكروبا- فضرب النبي ص بيده إلى صدره- و قال أ ليس الدهر كله غدا- قال ثم دعا بثلاثة أرماح فعقد ثلاثة ألوية- فدفع لواء الأوس إلى أسيد بن حضير- و دفع لواء الخزرج إلى الحباب بن المنذر بن الجموح- و يقال إلى سعد بن عبادة- و دفع لواء المهاجرين إلى علي بن أبي طالب ع- و يقال إلى مصعب بن عمير- ثم دعا بفرسه فركبه- و تقلد القوس و أخذ بيده قناة- زج الرمح يومئذ من شبه- و المسلمون متلبسون السلاح- قد أظهروا الدروع فهم مائة دارع- فلما ركب ص خرج السعدان أمامه يعدوان- سعد بن معاذ و سعد بن عبادة- كل واحد منهما دارع- و الناس عن يمينه و شماله حتى سلك على البدائع- ثم زقاق الحسى حتى أتى الشيخين- و هما أطمان كانا في الجاهلية- فيهما شيخ أعمى و عجوز عمياء يتحدثان- فسمي الأطمان الشيخين- فلما انتهى إلى رأس الثنية- التفت فنظر إلى كتيبة خشناء لها زجل خلفه- فقال ما هذه قال هذه حلفاء ابن أبي من اليهود-فقال رسول الله ص لا نستنصر بأهل الشرك على أهل الشرك- و مضى رسول الله ص و عرض عسكره بالشيخين- فعرض عليه غلمان- منهم عبد الله بن عمر بن الخطاب و زيد بن ثابت- و أسامة بن زيد و النعمان بن بشير- و زيد بن أرقم و البراء بن عازب- و أسيد بن ظهير و عرابة بن أوس- و أبو سعيد الخدري و سمرة بن جندب- و رافع بن خديج- .
قال الواقدي- فردهم رسول الله ص- قال رافع بن خديج فقال ظهير بن رافع- يا رسول الله إنه رام يعينني- قال و جعلت أتطاول و علي خفان لي- فأجازني رسول الله ص- فلما أجازني قال سمرة بن جندب- لمري بن سنان الحارثي و هو زوج أمه- يا أبيه أجاز رسول الله ص رافع بن خديج- و ردني و أنا أصرع رافعا- فقال مري يا رسول الله رددت ابني- و أجزت رافع بن خديج و ابني يصرعه- فقال رسول الله ص تصارعا- فصرع سمرة رافعا فأجازه رسول الله ص قال الواقدي- و أقبل ابن أبي فنزل ناحية العسكر- فجعل حلفاؤه و من معه من المنافقين يقولون لابن أبي- أشرت عليه بالرأي- و نصحته و أخبرته أن هذا رأي من مضى من آبائك- و كان ذلك رأيه مع رأيك- فأبى أن يقبله و أطاع هؤلاء الغلمان الذين معه- قال فصادفوا من ابن أبي نفاقا و غشا- فبات رسول الله ص بالشيخين- و بات ابن أبي في أصحابه- و فرغ رسول الله ص من عرض من عرض- و غابت الشمس فأذن بلال بالمغرب- فصلى رسول الله ص بأصحابه- ثم أذن بالعشاء فصلى رسول الله ص بأصحابه- و رسول الله ص نازل في بني النجار- و استعمل على الحرس محمد بن مسلمة في خمسين رجلا يطيفون بالعسكر- حتى ادلج رسول الله ص- و كان المشركون قد رأوا رسول الله ص حيث ادلج- و نزل بالشيخين فجمعوا خيلهم و ظهرهم- و استعملوا على حرسهم عكرمة بن أبي جهل- في خيل من المشركين- و باتت صاهلة خيلهم لا تهدأ- تدنو طلائعهم حتى تلصق بالحرة- فلا تصعد فيها حتى ترجع خيلهم- و يهابون موضع الحرة و محمد بن مسلمة- .
قال الواقدي- و قد كان رسول الله ص قال حين صلى العشاء- من يحفظنا الليلة- فقال رجل أنا يا رسول الله- فقال من أنت قال ذكوان بن عبد القيس- فقال اجلس- ثم قال ثانية من رجل يحفظنا الليلة- فقام رجل فقال من أنت- قال أبو سبع قال اجلس- ثم قال ثالثة مثل ذلك فقام رجل- فقال من أنت فقال أنا ابن عبد قيس- فمكث رسول الله ص ساعة- ثم قال قوموا ثلاثتكم- فقام ذكوان بن عبد قيس- فقال رسول الله و أين صاحباك- فقال ذكوان أنا الذي كنت أجيبك الليلة- قال فاذهب حفظك الله- . قلت قد تقدم هذا الحديث بذاته في غزوة بدر- و ظاهر الحال أنه مكرر-و أنه إنما كان في غزاة واحدة- و يجوز أن يكون قد وقع في الغزاتين- و لكن على بعد- .
قال الواقدي- فلبس ذكوان درعه و أخذ درقته- فكان يطوف على العسكر تلك الليلة- و يقال كان يحرس رسول الله ص لم يفارقه- . قال و نام رسول الله ص حتى ادلج- فلما كان في السحر قال رسول الله- أين الأدلاء من رجل يدلنا على الطريق- و يخرجنا على القوم من كثب- فقام أبو خثيمة الحارثي- فقال أنا يا رسول الله- و يقال أوس بن قيظي- و يقال محيصة- .
قال الواقدي- و أثبت ذلك عندنا أبو خثيمة- خرج برسول الله ص و ركب فرسه- فسلك به في بني حارثة- ثم أخذ في الأموال حتى مر بحائط مربع بن قيظي- و كان أعمى البصر منافقا- فلما دخل رسول الله ص حائطه- قام يحثي التراب في وجوه المسلمين- و يقول إن كنت رسول الله فلا تدخل حائطي- فلا أحله لك- .
قال محمد بن إسحاق- و قذ ذكر أنه أخذ حفنة من تراب- و قال و الله لو أعلم أني لا أصيب غيرك يا محمد- لضربت بها وجهك- . قال الواقدي- فضربه سعد بن زيد الأشهلي- بقوس في يده فشجه في رأسه- فنزل الدم- فغضب له بعض بني حارثة ممن هو على مثل رأيه- فقال هي على عداوتكم يا بني عبد الأشهل- لا تدعونها أبدا لنا- فقال أسيد بن حضير لا و الله و لكن نفاقكم- و الله لو لا أني لا أدري ما يوافق النبي ص- لضربت عنقه و عنق من هو على مثل رأيه- . قال و نهاهم النبي ص عن الكلام فأسكتوا- .
و قال محمد بن إسحاق- قال رسول الله ص دعوه فإنه أعمى البصر أعمى القلب- يعني مربع بن قيظي- . قال الواقدي و مضى رسول الله ص- فبينا هو في مسيره إذ ذب فرس أبي بردة بن نيار بذنبه- فأصاب كلاب سيفه- فسل سيفه فقال رسول الله ص- يا صاحب السيف شم سيفك- فإني أخال السيوف ستسل اليوم فيكثر سلها- .
قال و كان رسول الله ص يحب الفأل و يكره الطيرة- قال و لبس رسول الله ص من الشيخين- درعا واحدة حتى انتهى إلى أحد- فلبس درعا أخرى و مغفرا و بيضة فوق المغفر- فلما نهض رسول الله ص من الشيخين- زحف المشركين على تعبئة- حتى انتهوا إلى موضع أرض ابن عامر اليوم- فلما انتهى رسول الله ص إلى موضع القنطرة اليوم- جاءه و قد حانت الصلاة- و هو يرى المشركين فأمر بلالا فأذن- و أقام و صلى بأصحابه الصبح صفوفا- و انخزل عبد الله بن أبي من ذلك المكان في كتيبته- كأنه هيقه تقدمهم- فأتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام- فقال أذكركم الله و دينكم و نبيكم- و ما شرطتم له أن تمنعوه- مما تمنعون منه أنفسكم و أولادكم و نساءكم- فقال ابن أبي ما أرى أنه يكون بينهم قتال- و إن أطعتني يا أبا جابر لترجعن- فإن أهل الرأي و الحجى قد رجعوا- و نحن ناصروه في مدينتنا و قد خالفنا- و أشرت عليه بالرأي فأبى إلا طواعية الغلمان- فلما أبى على عبد الله بن عمرو أن يرجع- و دخل هو و أصحابه أزقة المدينة- قال لهم أبو جابر أبعدكم الله- إن الله سيغني النبي و المؤمنين عن نصركم- فانصرف ابن أبي و هو يقول أ يعصيني و يطيع الولدان- و انصرف عبد الله بن عمرو يعدو- حتى لحق رسول الله و هو يسوي الصفوف- فلما أصيب أصحاب رسول الله ص- سر ابن أبي و أظهر الشماتة- و قال عصاني و أطاع من لا رأي له- .
قال الواقدي- و جعل رسول الله ص يصف أصحابه- و جعل الرماة خمسين رجلا على عينين- عليهم عبد الله بن جبير و يقال سعد بن أبي وقاص- و الثبت أنه عبد الله بن جبير- قال و جعل أحدا خلف ظهره- و استقبل المدينة و جعل عينين عن يساره- و أقبل المشركون و استدبروا المدينة في الوادي- و استقبلوا أحدا- و يقال جعل عينين خلف ظهره- و استدبر الشمس و استقبلها المشركون- .
قال و القول الأول أثبت عندنا- أن أحدا كان خلف ظهره- و هو ع مستقبل المدينة قال و نهى أن يقاتل أحد حتى يأمرهم بالقتال- فقال عمارة بن يزيد بن السكن- أنى نغير على زرع بني قيلة و لما نضارب- و أقبل المشركون قد صفوا صفوفهم- و استعملوا على الميمنة خالد بن الوليد- و على الميسرة عكرمة بن أبي جهل- و لهم مجنبتان مائتا فرس و جعلوا على الخيل صفوان بن أمية- و يقال عمرو بن العاص- و على الرماة عبد الله بن أبي ربيعة- و كانوا مائة رام- و دفعوا اللواء إلى طلحة بن أبي طلحة- و اسم أبي طلحة عبد الله- بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي- و صاح أبو سفيان يومئذ- يا بني عبد الدار نحن نعرف أنكم أحق باللواء منا- و أنا إنما أتينا يوم بدر من اللواء- و إنما يؤتى القوم من قبل لوائهم- فالزموا لواءكم و حافظوا عليه- و خلوا بيننا و بينه فإنا قوم مستميتون موتورون- نطلب ثأرا حديث العهد- و جعل يقول إذا زالت الألوية- فما قوام الناس و بقاؤهم بعدها- فغضبت بنو عبد الدار و قالوا نحن نسلم لواءنا- لا كان هذا أبدا- و أما المحافظة عليه فسترى- ثم أسندوا الرماح إليه و أحدقت به بنو عبد الدار-و أغلظوا لأبي سفيان بعض الإغلاظ- فقال أبو سفيان فنجعل لواء آخر- قالوا نعم و لا يحمله إلا رجل من بني عبد الدار- لا كان غير ذلك أبدا- .
قال الواقدي- و جعل رسول الله ص يمشي على رجليه- يسوي تلك الصفوف- و يبوئ أصحابه مقاعد للقتال- يقول تقدم يا فلان و تأخر يا فلان- حتى إنه ليرى منكب الرجل خارجا فيؤخره- فهو يقومهم كأنما يقوم القداح- حتى إذا استوت الصفوف- سأل من يحمل لواء المشركين- قيل عبد الدار قال نحن أحق بالوفاء منهم- أين مصعب بن عمير- قال ها أنا ذا قال خذ اللواء- فأخذه مصعب فتقدم به بين يدي رسول الله ص- . قال البلاذري- أخذه من علي ع فدفعه إلى مصعب بن عمير- لأنه من بني عبد الدار- .
قال الواقدي- ثم قام ع فخطب الناس-فقال ص أيها الناس أوصيكم بما أوصاني به الله في كتابه- من العمل بطاعته و التناهي عن محارمه- ثم إنكم اليوم بمنزل أجر و ذخر لمن ذكر الذي عليه- ثم وطن نفسه على الصبر و اليقين و الجد و النشاط- فإن جهاد العدو شديد كريه قليل من يصبر عليه- إلا من عزم له على رشده- إن الله مع من أطاعه- و إن الشيطان مع من عصاه- فاستفتحوا أعمالكم بالصبر على الجهاد- و التمسوا بذلك ما وعدكم الله- و عليكم بالذي آمركم به- فإني حريص على رشدكم- إن الاختلاف و التنازع و التثبيط- من أمر العجز و الضعف- و هو مما لا يحبه الله- و لا يعطي عليه النصر و الظفر- أيها الناس إنه قذف في قلبي- أن من كان على حرام فرغب عنه- ابتغاء ما عند الله غفر الله له ذنبه- و من صلى على محمد صلى الله عليه و ملائكته عشرا- و من أحسن من مسلم أو كافر وقع أجره على الله- في عاجل دنياه أو في آجل آخرته- و من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر- فعليه الجمعة يوم الجمعة- إلا صبيا أو امرأة أو مريضا أو عبدا مملوكا- و من استغنى عنها استغنى الله عنه و الله غني حميد- ما أعلم من عمل يقربكم إلى الله إلا و قد أمرتكم به- و لا أعلم من عمل يقربكم إلى النار- إلا و قد نهيتكم عنه- و إنه قد نفث الروح الأمين في روعي- أنه لن تموت نفس حتى تستوفي أقصى رزقها- لا ينقص منه شيء و إن أبطأ عنها- فاتقوا الله ربكم و أجملوا في طلب الرزق- و لا يحملنكم استبطاؤه على أن تطلبوه بمعصية ربكم- فإنه لا يقدر على ما عنده إلا بطاعته- قد بين لكم الحلال و الحرام- غير أن بينهما شبها من الأمر- لم يعلمها كثير من الناس إلا من عصم- فمن تركها حفظ عرضه و دينه- و من وقع فيها كان كالراعي إلى جنب الحمى- أوشك أن يقع فيه و يفعله- و ليس ملك إلا و له حمى- ألا و إن حمى الله محارمه- و المؤمن من المؤمنين كالرأس من الجسد- إذا اشتكى تداعى إليه سائر جسده- و السلام عليكم- .
قال الواقدي فحدثني ابن أبي سبرة- عن خالد بن رباح عن المطلب بن عبد الله- قال أول من أنشب الحرب بينهم أبو عامر- طلع في خمسين من قومه معه عبيد قريش- فنادى أبو عامر و اسمه عبد عمرو- يا للأوس أنا أبو عامر- قالوا لا مرحبا بك و لا أهلا يا فاسق- فقال لقد أصاب قومي بعدي شر- قال و معه عبيد أهل مكة- فتراموا بالحجارة هم و المسلمون- حتى تراضخوا بها ساعة- إلى أن ولى أبو عامر و أصحابه- و يقال إن العبيد لم يقاتلوا- و إنهم أمروهم بحفظ عسكرهم- . قال الواقدي- و جعل نساء المشركين قبل أن يلتقي الجمعان- أمام صفوف المشركين- يضربن بالأكبار و الدفاف و الغرابيل- ثم يرجعن فيكن إلى مؤخر الصف- حتى إذا دنوا من المسلمين تأخر النساء- فقمن خلف الصفوف- و جعلن كلما ولى رجل حرضنه- و ذكرنه قتلى بدر- .
و قال الواقدي- و كان قزمان من المنافقين- و كان قد تخلف عن أحد- فلما أصبح عيره نساء بني ظفر- فقلن يا قزمان قد خرج الرجال و بقيت- استحي يا قزمان أ لا تستحيي مما صنعت- ما أنت إلا امرأة خرج قومك و بقيت في الدار- فأحفظنه فدخل بيته- فأخرج قوسه و جعبته و سيفه و كان يعرف بالشجاعة- و خرج يعدو حتى انتهى إلى رسول الله ص- و هو يسوي صفوف المسلمين- فجاء من خلف الصف- حتى انتهى إلى الصف الأول فكان فيه- و كان أول من رمى بسهم من المسلمين- جعل يرسل نبلا كأنها الرماح- و إنه ليكت كتيت الجمل- ثم صار إلى السيف ففعل الأفاعيل- حتى إذا كان آخر ذلك قتل نفسه- و كان رسول الله ص إذا ذكره قال من أهل النار- قال فلما انكشف المسلمون- كسر جفن سيفه و جعل يقول- الموت أحسن من الفرار- يا للأوس قاتلوا على الأحساب- و اصنعوا مثل ما أصنع- قال فيدخل بالسيف وسط المشركين- حتى يقال قد قتل ثم يطلع فيقول- أنا الغلام الظفري حتى قتل منهم سبعة- و أصابته الجراحة و كثرت فيه- فوقع فمر به قتادة بن النعمان فقال له أبا الغيداق- قال قزمان لبيك- قال هنيئا لك الشهادة- قال قزمان إني و الله ما قاتلت يا أبا عمرو على دين- ما قاتلت إلا على الحفاظ- أن تسير قريش إلينا فتطأ سعفنا- قال فآذته الجراحة فقتل نفسه-فقال النبي ص إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر
قال الواقدي و تقدم رسول الله ص إلى الرماة- فقال احموا لنا ظهورنا- فإنا نخاف أن نؤتى من ورائنا- و الزموا مكانكم لا تبرحوا منه- و إن رأيتمونا نهزمهم حتى ندخل عسكرهم- فلا تفارقوا مكانكم- و إن رأيتمونا نقتل فلا تعينونا و لا تدفعوا عنا- اللهم إني أشهدك عليهم- ارشقوا خيلهم بالنبل- فإن الخيل لا تقدم على النبل- و كان للمشركين مجنبتان- ميمنة عليها خالد بن الوليد- و ميسرة عليها عكرمة بن أبي جهل
قال الواقدي- و عمل رسول الله ص لنفسه ميمنة و ميسرة- و دفع اللواء الأعظم إلى مصعب بن عمير- و دفع لواء الأوس إلى أسيد بن حضير- و لواء الخزرج إلى سعد بن عبادة- و قيل إلى الحباب بن المنذر- فجعلت الرماة تحمي ظهور المسلمين- و ترشق خيل المشركين بالنبل- فولت هاربه قال بعض المسلمين- و الله لقد رمقت نبلنا يومئذ- ما رأيت سهما واحدا- مما يرمى به خيلهم يقع في الأرض- إما في فرس أو في رجل- و دنا القوم بعضهم من بعض- و قدموا طلحة بن أبي طلحة صاحب لوائهم- و صفوا صفوفهم- و أقاموا النساء خلف الرجال- يضربن بين أكتافهم بالأكبار و الدفوف- و هند و صواحبها يحرضن و يذمرن الرجال- و يذكرن من أصيب ببدر و يقلن-
نحن بنات طارق
نمشي على النمارق
إن تقبلوا نعانق
أو تدبروا نفارق
فراق غير وامق
قال الواقدي- و برز طلحة فصاح من يبارز- فقال علي ع له هل لك في مبارزتي- قال نعم فبرزا بين الصفين- و رسول الله ص جالس تحت الراية- عليه درعان و مغفر و بيضته- فالتقيا فبدره علي ع بضربة على رأسه- فمضى السيف حتى فلق هامته- إلى أن انتهى إلى لحيته فوقع- و انصرف علي ع- فقيل له هلا ذففت عليه- قال إنه لما صرع استقبلني بعورته- فعطفتني عليه الرحم- و قد علمت أن الله سيقتله هو كبش الكتيبة- .
قال الواقدي- و روي أن طلحة حمل على علي ع- فضربه بالسيف فاتقاه بالدرقة فلم يصنع شيئا- و حمل علي ع و على طلحة درع و مغفر- فضربه بالسيف فقطع ساقيه- ثم أراد أن يذفف عليه- فسأله طلحة بالرحم ألا يفعل فتركه و لم يذفف عليه- . قال الواقدي- و يقال إن عليا ع دفف عليه- و يقال إن بعض المسلمين مر به في المعركة فذفف عليه- قال فلما قتل طلحة سر رسول الله ص- و كبر تكبيرا عاليا و كبر المسلمون- ثم شد أصحاب رسول الله ص على كتائب المشركين- فجعلوا يضربون وجوههم حتى انتقضت صفوفهم- و لم يقتل إلا طلحة بن أبي طلحة وحده- .
قال الواقدي- ثم حمل لواء المشركين بعد طلحة- أخوه عثمان بن أبي طلحة- و هو أبو شيبة فارتجز و قال-إن علي رب اللواء حقا أن تخصب الصعدة أو تندقا- . فتقدم باللواء و النسوة خلفه- يحرضن و يضربن بالدفوف- فحمل عليه حمزة بن عبد المطلب رحمه الله- فضربه بالسيف على كاهله فقطع يده و كتفه- حتى انتهى إلىمؤتزره فبدا سحره- و رجع فقال أنا ابن ساقي الحجيج- ثم حمل اللواء أخوهما أبو سعد بن أبي طلحة- فرماه سعد بن أبي وقاص فأصاب حنجرته- و كان دراعا و عليه مغفر لا رفرف عليه- و على رأسه بيضته فأدلع لسانه إدلاع الكلب- .
قال الواقدي- و قد روي أن أبا سعد لما حمل اللواء- قام النساء خلفه يقلن-
ضربا بني عبد الدار
ضربا حماة الأدبار
ضربا بكل بتار
قال سعد بن أبي وقاص- فأحمل عليه فأقطع يده اليمنى- فأخذ اللواء باليد اليسرى- فأضربه على يده اليسرى فقطعتها- فأخذ اللواء بذراعيه جميعا و ضمه إلى صدره- و حنى عليه ظهره- قال سعد فأدخل سية القوس بين الدرع و المغفر- فأقلع المغفر فأرمي به وراء ظهره- ثم ضربته حتى قتلته و أخذت أسلبه درعه- فنهض إلي سبيع بن عبد عوف و نفر معه فمنعوني سلبه- و كان سلبه أجود سلب رجل من المشركين- درع فضفاضة و مغفر و سيف جيد- و لكن حيل بيني و بينه- .
قال الواقدي و هذا أثبت القولين- . قلت شتان بين علي و سعد- هذا يجاحش على السلب و يتأسف على فواته- و ذلك يقتل عمرو بن عبد ود يوم الخندق- و هو فارس قريش و صنديدها و مبارزه- فيعرض عن سلبه فيقال له- كيف تركت سلبه و هو أنفس سلب- فيقول كرهت أن أبز السبي ثيابه- فكأن حبيبا عناه بقوله-إن الأسود أسود الغاب همتها يوم الكريهة في المسلوب لا السلب- .
قال الواقدي- ثم حمل لواء المشركين بعد أبي سعد بن أبي طلحة- مسافع بن أبي طلحة- فرماه عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح فقتله- فحمل إلى أمه سلافة بنت سعد بن الشهيد- و هي مع النساء بأحد فقالت من أصابك- قال لا أدري سمعته يقول- خذها و أنا ابن الأقلح- فقالت أقلحي و الله- أي هو من رهطي و كانت من الأوس- . قال الواقدي- و روي أن عاصما لما رماه قال له- خذها و أنا ابن كسرة- و كانوا يقال لهم في الجاهلية بنو كسر الذهب- فقال لأمه لا أدري- إلا أني سمعته يقول خذها و أنا ابن كسرة- فقالت سلافة- أوسي و الله كسري أي أنه منا- فيومئذ نذرت سلافة- أن تشرب في قحف رأس عاصم بن ثابت الخمر- و جعلت لمن جاءها به مائة من الإبل- .
قلت فلما قتله المشركون في يوم الرجيع- أرادوا أن يأخذوا رأسه- فيحملوه إلى سلافة فحمته الدبر يومه ذلك- فلما جاء الليل فظنوا أن الدبر لا تحميه ليلا- جاء الوادي بسيل عظيم- فذهب برأسه و بدنه- اتفق المؤرخون على ذلك- . قال الواقدي- ثم حمل اللواء بعد الحارث- أخوه كلاب بن طلحة بن أبي طلحة- فقتله الزبير بن العوام- ثم حمله أخوه الجلاس بن طلحة بن أبي طلحة- فقتله طلحة بن عبيد الله- ثم حمله أرطاة بن عبد شرحبيل- فقتله علي بن أبي طالب ع- ثم حمله شريح بنقانط- فقتل لا يدرى من قتله- ثم حمله صواب غلام بني عبد الدار- فاختلف في قاتله- فقيل قتله علي بن أبي طالب ع- و قيل سعد بن أبي وقاص- و قيل قزمان و هو أثبت الأقوال- .
قال الواقدي- انتهى قزمان إلى صواب- فحمل عليه فقطع يده اليمنى- فاحتمل اللواء باليسرى فقطع اليسرى- فاحتضن اللواء بذراعيه و عضديه- و حنى عليه ظهره و قال- يا بني عبد الدار هل أعذرت- فحمل عليه قزمان فقتله- . قال الواقدي- و قالوا ما ظفر الله تعالى نبيه في موطن قط- ما ظفره و أصحابه يوم أحد- حتى عصوا الرسول و تنازعوا في الأمر- لقد قتل أصحاب اللواء و انكشف المشركون منهم لا يلوون- و نساؤهم يدعون بالويل بعد ضرب الدفاف و الفرح- .
قال الواقدي- و قد روى كثير من الصحابة ممن شهد أحدا- قال كل واحد منهم- و الله إني لأنظر إلى هند و صواحبها منهزمات- ما دون أخذهن شيء لمن أراده- و لكن لا مرد لقضاء الله- قالوا و كان خالد بن الوليد- كلما أتى من قبل ميسرة النبي ص- ليجوز حتى يأتيهم من قبل السفح- ترده الرماة حتى فعل و فعلوا ذلك مرارا- و لكن المسلمين أتوا من قبل الرماة- أن رسول الله ص أوعز إليهم- فقال قوموا على مصافكم هذه فاحموا ظهورنا- فإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا- و إن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا- فلما انهزم المشركون و تبعهم المسلمون- يضعون السلاح فيهم حيث شاءوا- حتى أجهزوهم عن المعسكر و وقعوا ينتهبونه- قال بعض الرماة لبعض- لم تقيمون هاهنا في غير شيء- قد هزم الله العدو- و هؤلاء إخوانكم ينهبون عسكرهم- فادخلوا عسكر المشركين فاغنموا مع إخوانكم- فقال بعضهم- أ لم تعلموا أن رسول الله ص قال لكم- احموا ظهورنا و إن غنمنا فلا تشركونا-فقال الآخرون- لم يرد رسول الله ص هذا- و قد أذل الله المشركين و هزمهم- فادخلوا العسكر فانتهبوا مع إخوانكم- فلما اختلفوا خطبهم أميرهم عبد الله بن جبير- و كان يومئذ معلما بثياب بيض- فحمد الله و أمرهم بطاعة رسوله- و ألا يخالف أمره- فعصوه و انطلقوا فلم يبق معه- إلا نفير ما يبلغون العشرة- منهم الحارث بن أنس بن رافع- يقول يا قوم اذكروا عهد نبيكم إليكم- و أطيعوا أميركم- فأبوا و ذهبوا إلى عسكر المشركين ينتهبون- و خلوا الجبل و انتقضت صفوف المشركين- و استدارت رحالهم و دارت الريح- و كانت إلى أن انتقض صفهم صبا- فصارت دبورا- فنظر خالد بن الوليد إلى خلاء الجبل و قلة أهله- فكر بالخيل و تبعه عكرمة بالخيل- فانطلقا إلى موضع الرماة- فحملوا عليهم فرماهم القوم حتى أصيبوا- و رمى عبد الله بن جبير حتى فنيت نبله- ثم طاعن بالرمح حتى انكسر- ثم كسر جفن سيفه فقاتل حتى قتل- و أفلت جعيل بن سراقة- و أبو بردة بن نيار- بعد أن شاهدا قتل عبد الله بن جبير- و كان آخر من انصرف من الخيل- فلحقا بالمسلمين قال الواقدي فروى رافع بن خديج- قال لما قتل خالد الرماة أقبل بالخيل و عكرمة بن أبي جهل يتلوه- فخالطنا و قد انتقضت صفوفنا- و نادى إبليس و تصور في صورة جعيل بن سراقة- أن محمدا قد قتل ثلاث صرخات- فابتلي يومئذ جعيل بن سراقة ببلية عظيمة- حين تصور إبليس في صورته- و إن جعيلا ليقاتل مع المسلمين أشد القتال- و إنه إلى جنب أبي بردة بن نيار و خوات بن جبير- قال رافع بن خديج- فو الله ما رأينا دولة كانت أسرع من دولة المشركين علينا- و أقبل المسلمون على جعيل بن سراقة يريدون قتله- يقولون هذا الذي صاح أن محمدا قد قتل- فشهد له خوات بن جبير و أبو بردة- أنه كان إلى جنبهما حين صاح الصائح- و أن الصائح غيره- .
قال الواقدي فروى رافع- قال أتينا من قبل أنفسنا- و معصية نبينا و اختلط المسلمون- و صاروا يقتلون و يضرب بعضهم بعضا- و ما يشعرون بما يصنعون من الدهش و العجل- و قد جرح يومئذ أسيد بن حضير جرحين- ضربه أحدهما أبو بردة بن نيار و ما يدري- يقول خذها و أنا الغلام الأنصاري- و كر أبو زعنة في حومة القتال- فضرب أبا بردة ضربتين ما يشعر أنه هو- يقول خذها و أنا أبو زعنة- حتى عرفه بعد فكان إذا لقيه قال- انظر ما صنعت بي- فيقول أبو زعنة- و أنت فقد ضربت أسيد بن حضير و لا تشعر- و لكن هذا الجرح في سبيل الله- فذكر ذلك لرسول الله ص- فقال هو في سبيل الله يا أبا بردة لك أجره- حتى كأنك ضربك أحد المشركين- و من قتل فهو شهيد- .
قال الواقدي و كان الشيخان- حسيل بن جابر و رفاعة بن وقش شيخين كبيرين- قد رفعا في الآطام مع النساء- فقال أحدهما لصاحبه لا أبا لك- ما نستبقي من أنفسنا- فو الله ما نحن إلا هامة اليوم أو غد- و ما بقي من أجلنا قدر ظمء دابة- فلو أخذنا أسيافنا فلحقنا برسول الله ص- لعل الله يرزقنا الشهادة- قال فلحقا برسول الله ص- فأما رفاعة فقتله المشركون- و أما حسيل بن جابر فالتفت عليه سيوف المسلمين- و هم لا يعرفونه حين اختلطوا- و ابنه حذيفة يقول أبي أبي حتى قتل- فقال حذيفة يغفر الله لكم و هو أرحم الراحمين- ما صنعتم فزاد به عند رسول الله ص خيرا- و أمر رسول الله بديته أن تخرج- و يقال إن الذي أصابه عتبة بن مسعود- فتصدق حذيفة ابنه بدمه على المسلمين- .
قال الواقدي- و أقبل يومئذ الحباب بن المنذر بن الجموح يصيح- يا آل سلمة فأقبلواعنقا واحدا- لبيك داعي الله لبيك داعي الله- فيضرب يومئذ جبار بن صخر ضربة في رأسه مثقلة و ما يدري- حتى أظهروا الشعار بينهم فجعلوا يصيحون- أمت أمت فكف بعضهم عن بعض- .
قال الواقدي- و كان نسطاس مولى ضرار بن أمية- ممن حضر أحدا مع المشركين- ثم أسلم بعد و حسن إسلامه- فكان يحدث قال- قد كنت ممن خلف في العسكر يومئذ- و لم يقاتل معهم عبد- إلا وحشي و صواب غلام بني عبد الدار- فكان أبو سفيان صاح فيهم- يا معشر قريش خلوا غلمانكم على متاعكم- يكونوا هم الذين يقومون على رحالكم- فجمعنا بعضها إلى بعض و عقلنا الإبل- و انطلق القوم على تعبئتهم- ميمنة و ميسرة و ألبسنا الرحال الأنطاع- و دنا القوم بعضهم من بعض- فاقتتلوا ساعة و إذا أصحابنا منهزمون- فدخل المسلمون معسكرنا و نحن في الرحال- فأحدقوا بنا فكنت فيمن أسروا- و انتهبوا المعسكر أقبح انتهاب- حتى إن رجلا منهم قال- أين مال صفوان بن أمية- فقلت ما حمل إلا نفقة في الرحل- فخرج يسوقني حتى أخرجتها من العيبة- خمسين و مائة مثقال ذهبا- و قد ولى أصحابنا و أيسنا منهم- و انحاش النساء فهن في حجرهن سلم لمن أرادهن- فصار النهب في أيدي المسلمين- .
قال نسطاس- فإنا لعلى ما نحن عليه من الاستسلام- و نظرت إلى الجبل فإذا خيل مقبلة تركض- فدخلوا العسكر فلم يكن أحد يردهم- قد ضيعت الثغور التي كان بها الرماة- و جاءوا إلى النهب و الرماة ينتهبون- و أنا أنظر إليهم متأبطي قسيهم و جعابهم- كل واحد منهم في يديه أو حضنه شيء قد أخذه- فلما دخلت خيلنا دخلت على قوم غارين آمنين- فوضعوا فيهم السيوف فقتلوهم قتلا ذريعا- و تفرق المسلمون في كل وجه-و تركوا ما انتهبوا و أجلوا عن عسكرنا- فارتجعنا بعد لم نفقد منه شيئا- و خلوا أسرانا و وجدنا الذهب في المعركة- و لقد رأيت يومئذ رجلا من المسلمين- ضم صفوان بن أمية إليه ضمة ظننت أنه سيموت- حتى أدركته و به رمق- فوجأت ذلك المسلم بخنجر معي فوقع- فسألت عنه فقيل رجل من بني ساعدة- ثم هداني الله بعد للإسلام- .
قال الواقدي فحدثني ابن أبي سبرة- عن إسحاق بن عبد الله عن عمر بن الحكم قال- ما علمنا أحدا من أصحاب رسول الله ص- الذين أغاروا على النهب- فأخذوا ما أخذوا من الذهب- بقي معه من ذلك شيء- يرجع به حيث غشينا المشركون- و اختلفوا إلا رجلين- أحدهما عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح- جاء بمنطقة وجدها في العسكر- فيها خمسون دينارا- فشدها على حقويه من تحت ثيابه- و جاء عباد بن بشر بصرة- فيها ثلاثة عشر مثقالا ألقاها في جيب قميصه- و فوقها الدرع و قد حزم وسطه- فأتيا بذلك رسول الله ص فلم يخمسه و نفلهما إياه- .
قال الواقدي- و روى يعقوب بن أبي صعصعة- عن موسى بن ضمرة عن أبيه- قال لما صاح الشيطان أزب العقبة- أن محمدا قد قتل لما أراد الله عز و جل من ذلك- سقط في أيدي المسلمين- و تفرقوا في كل وجه- و أصعدوا في الجبل- فكان أول من بشرهم- بكون رسول الله ص سالما كعب بن مالك- قال كعب عرفته- فجعلت أصيح هذا رسول الله- و هو يشير إلي بإصبعه على فيه- أن اسكت- .
قال الواقدي- و روت عميرة بنت عبد الله بن كعب بن مالك- عن أبيها قالت- قال أبي لما انكشف الناس- كنت أول من عرف رسول الله ص-و بشرت به المسلمين حيا سويا- عرفت عينيه من تحت المغفر- فناديت يا معشر الأنصار أبشروا- فهذا رسول الله ص- فأشار إلي رسول الله ص أن اصمت- قال و دعا رسول الله ص بكعب- فلبس لأمته و ألبس كعبا لأمة نفسه- و قاتل كعب قتالا شديدا- جرح سبعة عشر جرحا- .
قال الواقدي- و حدثني ابن أبي سبرة عن خالد بن رباح- عن الأعرج- قال لما صاح الشيطان أن محمدا قد قتل- قال أبو سفيان بن حرب- يا معشر قريش أيكم قتل محمدا- قال ابن قميئة أنا قتلته- قال نسورك كما تفعل الأعاجم بأبطالها- و جعل أبو سفيان يطوف بأبي عامر الفاسق في المعركة- هل يرى محمدا بين القتلى- فمر بخارجة بن زيد بن أبي زهير- فقال يا أبا سفيان هل تدري من هذا- قال لا قال هذا خارجة بن زيد- هذا أسيد بني الحارث بن الخزرج- و مر بعباس بن عبادة بن نضلة إلى جنبه- قال أ تعرفه قال لا- قال هذا ابن قوقل هذا الشريف في بيت الشرف- ثم مر بذكوان بن عبد قيس- فقال و هذا من ساداتهم- ثم مر بابنه حنظلة بن أبي عامر- فوقف عليه فقال أبو سفيان من هذا- قال هذا أعز من هاهنا علي هذا ابني حنظلة- قال أبو سفيان ما نرى مصرع محمد- و لو كان قتل لرأيناه كذب ابن قميئة- و لقي خالد بن الوليد- فقال هل تبين عندك قتل محمد- قال لا رأيته أقبل في نفر من أصحابه مصعدين في الجبل- فقال أبو سفيان هذا حق- كذب ابن قميئة زعم أنه قتله- . قلت قرأت على النقيب أبي يزيد رحمه الله- هذه الغزاة من كتاب الواقدي- و قلت له كيف جرى لهؤلاء في هذه الوقعة- فإني أستعظم ما جرى- فقال و ما في ذلك مما تستعظمه- حمل قلب المسلمين من بعد قتل أصحاب الألوية- على قلب المشركين فكسره-فلو ثبتت مجنبتا رسول الله- اللتان فيهما أسيد بن حضير و الحباب بن المنذر- بإزاء مجنبتي المشركين- لم ينكسر عسكر الإسلام- و لكن مجنبتا المسلمين- أطبقت إطباقا واحدا على قلب المشركين- مضافا إلى قلب المسلمين- فصار عسكر رسول الله ص قلبا واحدا- و كتيبة واحدة- فحطمه قلب قريش حطمة شديدة- فلما رأت مجنبتا قريش أنه ليس بإزائها أحد- استدارت المجنبتان من وراء عسكر المسلمين- و صمد كثير منهم للرماة- الذين كانوا يحمون ظهر المسلمين- فقتلوهم عن آخرهم- لأنهم لم يكونوا ممن يقومون لخالد و عكرمة- و هما في ألفي رجل- و إنما كانوا خمسين رجلا- لا سيما و قد ترك كثير منهم مركزه- و شره إلى الغنيمة فأكب على النهب قال رحمه الله- و الذي كسر المسلمين يومئذ- و نال كل منال خالد بن الوليد- و كان فارسا شجاعا و معه خيل كثيرة- و رجال أبطال موتورون- و استدار خلف الجبل- فدخل من الثغرة التي كان الرماة عليها- فأتاه من وراء المسلمين- و تراجع قلب المشركين بعد الهزيمة- فصار المسلمون بينهم في مثل الحلقة المستديرة- و اختلط الناس فلم يعرف المسلمون بعضهم بعضا- و ضرب الرجل منهم أخاه و أباه بالسيف- و هو لا يعرفه لشدة النقع و الغبار- و لما اعتراهم من الدهش و العجلة و الخوف- فكانت الدبرة عليهم بعد أن كانت لهم- و مثل هذا يجري دائما في الحرب- . فقلت له رحمه الله- فلما انكشف المسلمون و فر منهم من فر- ما كانت حال رسول الله ص- فقال ثبت في نفر يسير من أصحابه يحامون عنه- . فقلت ثم ما ذا- قال ثم ثابت إليه الأنصار- و ردت إليه عنقا واحدا بعد فرارهم و تفرقهم- و امتاز المسلمون عن المشركين و كانوا ناحية- ثم التحمت الحرب و اصطدم الفيلقان- .
قلت ثم ما ذا- قال لم يزل المسلمون يحامون عن رسول الله ص- و المشركون يتكاثرون عليهم- و يقتلون فيهم حتى لم يبق من النهار إلا القليل- و الدولة للمشركين- . قلت ثم ما ذا- قال ثم علم الذين بقوا من المسلمين- أنه لا طاقة لهم بالمشركين- فأصعدوا في الجبل فاعتصموا به- . فقلت له- فرسول الله ص ما الذي صنع- فقال صعد في الجبال- . قلت له أ فيجوز أن يقال إنه فر- فقال إنما يكون الفرار ممن أمعن في الهرب- في الصحراء و البيداء- فأما من الجبل مطل عليه و هو في سفحه- فلما رأى ما لا يعجبه أصعد في الجبل- فإنه لا يسمى فارا- ثم سكت رحمه الله ساعة- ثم قال هكذا وقعت الحال- فإن شئت أن تسمي ذلك فرارا فسمه- فقد خرج من مكة يوم الهجرة فارا من المشركين- و لا وصمة عليه في ذلك- .
فقلت له- قد روى الواقدي عن بعض الصحابة- قال لم يبرح رسول الله ص ذلك اليوم شبرا واحدا- حتى تحاجزت الفئتان- فقال دع صاحب هذه الرواية فليقل ما شاء- فالصحيح ما ذكرته لك- ثم قال كيف يقال- لم يزل واقفا حتى تحاجزت الفئتان- و إنما تحاجرا بعد أن ناداه أبو سفيان- و هو في أعلى الجبل بما ناداه- فلما عرف أنه حي و أنه في أعلى الجبل- و أن الخيل لا تستطيع الصعود إليه- و أن القوم إن صعدوا إليه رجالة لم يثقوا بالظفر به- لأن معه أكثر أصحابه- و هم مستميتون إن صعد القوم إليهم- و أنهم لا يقتلون منهم واحدا- حتى يقتلوا منهم اثنين أو ثلاثة- لأنهم لا سبيل لهم إلى الهرب- لكونهم محصورين في ذرو واحد- فالرجل منهم يحامي عن خيط رقبته- كفوا عن الصعود و قنعوا بما وصلوا إليه- من قتل من قتلوه في الحرب- و أملوايوما ثانيا يكون لهم فيه الظفر الكلي- بالنبي ص فرجعوا عنهم و طلبوا مكة- .
و روى الواقدي عن أبي سبرة- عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة- عن أبي الحويرث عن نافع بن جبير- قال سمعت رجلا من المهاجرين يقول- شهدت أحدا فنظرت إلى النبل يأتي من كل ناحية- و رسول الله ص في وسطها- كل ذلك يصرف عنه- و لقد رأيت عبد الله بن شهاب الزهري يقول يومئذ- دلوني على محمد- فلا نجوت إن نجا- و إن رسول الله ص إلى جنبه ما معه أحد- ثم جاوزه- و لقي عبد الله بن شهاب صفوان بن أمية- فقال له صفوان ترحت هلا ضربت محمدا- فقطعت هذه الشأفة- فقد أمكنك الله منه- قال ابن شهاب و هل رأيته- قال نعم أنت إلى جنبه- قال و الله ما رأيته- أحلف بالله إنه منا لممنوع- خرجنا أربعة تعاهدنا و تعاقدنا على قتله- فلم نخلص إلى ذلك- .
قال الواقدي فروى نملة- و اسم أبي نملة عبد الله بن معاذ- و كان أبوه معاذ أخا البراء بن معرور لأمه- قال لما انكشف المسلمون ذلك اليوم- نظرت إلى رسول الله ص و ما معه أحد- إلا نفير قد أحدقوا به من أصحابه- من المهاجرين و الأنصار- فانطلقوا به إلى الشعب- و ما للمسلمين لواء قائم و لا فئة و لا جمع- و إن كتائب المشركين لتحوشهم- مقبلة و مدبرة في الوادي- يلتقون و يفترقون ما يرون أحدا يردهم- .
قال الواقدي- و حدثني إبراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري- عن أبيه قال- حمل مصعب اللواء- فلما جال المسلمون ثبت به مصعب قبل ابن قميئة- و هو فارس فضرب يد مصعب فقطعها- فقال مصعب وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ- .و أخذ اللواء بيده اليسرى- و حنى عليه فضربه فقطع اليسرى- فضمه بعضديه إلى صدره-و هو يقول- وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ- ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه و اندق الرمح- و وقع مصعب و سقط اللواء- و ابتدره رجلان من بني عبد الدار- سويبط بن حرملة و أبو الروم فأخذه أبو الروم- فلم يزل بيده حتى دخل به المدينة- حين انصرف المسلمون- .
قال الواقدي- و قالوا إن رسول الله لما لحمه القتال- و خلص إليه و ذب عنه مصعب بن عمير و أبو دجانة- حتى كثرت به الجراحة- جعل رسول الله ص يقول- من رجل يشري نفسه- فوثب فئة من الأنصار خمسة- منهم عمارة بن زياد بن السكن فقاتل حتى أثبت- و فاءت فئة من المسلمين حتى أجهضوا أعداء الله- فقال رسول الله ص لعمارة بن زياد ادن مني- حتى وسده رسول الله ص قدمه- و إن به لأربعة عشر جرحا حتى مات- و جعل رسول الله ص يذمر الناس و يحضهم على القتال- و كان رجال من المشركين- قد أذلقوا المسلمين بالرمي- منهم حيان بن العرقة و أبو أسامة الجشمي- فجعل النبي ص يقول لسعد- ارم فداك أبي و أمي- فرمى حيان بن العرقة بسهم فأصاب ذيل أم أيمن- و كانت جاءت يومئذ تسقي الجرحى- فقلبها و انكشف ذيلها عنها- فاستغرب حيان بن العرقة ضحكا- و شق ذلك على رسول الله ص- فدفع إلى سعد بن أبي وقاص سهما لا نصل له- و قال ارم به- فرمى فوضع السهم في ثغرة نحر حيان- فوقع مستلقيا و بدت عورته- .
قال سعد- فرأيت النبي ص ضحك يومئذ- حتى بدت نواجذه- و قال استقاد لها سعد أجاب الله دعوتك- و سدد رميتك- و رمى يومئذ مالك بن زهير الجشمي- أخو أبي أسامة الجشمي المسلمين رميا شديدا- و كان هو و ريان بن العرقة- قد أسرعا في أصحاب رسول الله ص- و أكثرا فيهم القتل يستتران بالصخر و يرميان-فبينا هم على ذلك- أبصر سعد بن أبي وقاص مالك بن زهير- يرمي من وراء صخرة قد رمى و أطلع رأسه- فيرميه سعد فأصاب السهم عينه- حتى خرج من قفاه- فترى في السماء قامة- ثم رجع فسقط فقتله الله عز و جل- .
قال الواقدي- و رمى رسول الله ص عن قوسه يومئذ- حتى صارت شظايا- فأخذها قتادة بن النعمان و كانت عنده- و أصيبت يومئذ عين قتادة حتى وقعت على وجنته- قال قتادة- فجئت إلى رسول الله ص فقلت يا رسول الله- إن تحتي امرأة شابة جميلة- أحبها و تحبني- و أنا أخشى أن تقذر مكان عيني- فأخذها رسول الله ص فردها و انصرف بها- و عادت كما كانت- فلم تضرب عليه ساعة من ليل و نهار- و كان يقول بعد أن أسن- هي أقوى عيني و كانت أحسنهما- .
قال الواقدي- و باشر رسول الله ص القتال بنفسه- فرمى بالنبل حتى فنيت نبله- و انكسرت سية قوسه- و قبل ذلك انقطع وتره- و بقيت في يده قطعة تكون شبرا في سية القوس- فأخذ القوس عكاشة بن محصن يوتره له- فقال يا رسول الله لا يبلغ الوتر- فقال مده يبلغ- قال عكاشة فو الذي بعثه بالحق لمددته حتى بلغ- و طويت منه ليتين أو ثلاثة على سية القوس- ثم أخذه رسول الله ص- فما زال يرامي القوم- و أبو طلحة أمامه يستره مترسا عنه- حتى نظرت إلى سية قوسه قد تحطمت- فأخذها قتادة بن النعمان قال الواقدي- و كان أبو طلحة يوم أحد- قد نثل كنانته بين يدي النبي ص- و كان راميا و كان صيتا- فقال رسول الله ص- لصوت أبي طلحة في الجيش خير من أربعين رجلا- و كان في كنانته خمسون سهما- نثلها بين يديرسول الله ص- و جعل يصيح نفسي دون نفسك يا رسول الله- فلم يزل يرمي بها سهما سهما- و كان رسول الله ص- يطلع رأسه من خلف أبي طلحة بين أذنه و منكبه- ينظر إلى مواقع النبل حتى فنيت نبله- و هو يقول نحري دون نحرك- جعلني الله فداك- قالوا إنه كان رسول الله ص- ليأخذ العود من الأرض فيقول- ارم يا أبا طلحة فيرمي به سهما جيدا- .
قال الواقدي- و كان الرماة المذكورون من أصحاب رسول الله ص جماعة- منهم سعد بن أبي وقاص و أبو طلحة و عاصم بن ثابت و السائب بن عثمان بن مظعون- و المقداد بن عمرو و زيد بن حارثة- و حاطب بن أبي بلتعة و عتبة بن غزوان- و خراش بن الصمة و قطبة بن عامر بن حديدة- و بشر بن البراء بن معرور- و أبو نائلة ملكان بن سلامة و قتادة بن النعمان- .
قال الواقدي- و رمى أبو رهم الغفاري بسهم فأصاب نحره- فجاء إلى رسول الله ص فبصق عليه فبرأ- فكان أبو رهم بعد ذلك يسمى المنحور- . و روى أبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد اللغوي- غلام ثعلب- و رواه أيضا محمد بن حبيب في أماليه- أن رسول الله ص لما فر معظم أصحابه عنه يوم أحد- كثرت عليه كتائب المشركين- و قصدته كتيبة من بني كنانة- ثم من بني عبد مناة بن كنانة- فيها بنو سفيان بن عويف- و هم خالد بن سفيان و أبو الشعثاء بن سفيان- و أبو الحمراء بن سفيان و غراب بن سفيان- فقال رسول الله ص يا علي اكفني هذه الكتيبة- فحمل عليها و إنها لتقارب خمسين فارسا- و هو ع راجل- فما زال يضربها بالسيف- حتى تتفرق عنه ثم تجتمع عليه- هكذا مرارا حتى قتل بني سفيان بن عويف الأربعة- و تمام العشرة منها ممن لا يعرف بأسمائهم- فقال جبرئيلع لرسول الله ص- يا محمد إن هذه المواساة لقد عجبت الملائكة من مواساة هذا الفتى- فقال رسول الله ص و ما يمنعه و هو مني و أنا منه- فقال جبرائيل ع و أنا منكما- قال و سمع ذلك اليوم صوت من قبل السماء- لا يرى شخص الصارخ به ينادي مرارا-
لا سيف إلا ذو الفقار
و لا فتى إلا علي
فسئل رسول الله ص عنه- فقال هذا جبرائيل- . قلت و قد روى هذا الخبر جماعة من المحدثين- و هو من الأخبار المشهورة- و وقفت عليه في بعض نسخ مغازي محمد بن إسحاق- و رأيت بعضها خاليا عنه- و سألت شيخي عبد الوهاب بن سكينة رحمه الله عن هذا الخبر- فقال خبر صحيح فقلت فما بال الصحاح لم تشتمل عليه- قال أ و كلما كان صحيحا تشتمل عليه كتب الصحاح- كم قد أهمل جامعوا الصحاح من الأخبار الصحيحة- .
قال الواقدي- و أقبل عثمان بن عبد الله بن المغيرة المخزومي- يحضر فرسا له أبلق- يريد رسول الله ص عليه لأمة كاملة- و رسول الله ص متوجه إلى الشعب و هو يصيح- لا نجوت إن نجوت- فيقف رسول الله ص- و يعثر بعثمان فرسه في بعض تلك الحفر- التي حفرها أبو عامر الفاسق للمسلمين- فيقع الفرس لوجهه و سقط عثمان عنه- و خرج الفرس غائرا- فيأخذه بعض أصحاب رسول الله ص- و يمشي إليه الحارث بن الصمة فاضطربا ساعة بالسيفين- ثم يضرب الحارث رجله و كانت درعه مشمرة فبرك- و ذفف عليه و أخذ الحارث يومئذ سلبه- درعا جيدا و مغفرا و سيفا جيدا- و لم يسمع بأحد من المشركين سلب يومئذ غيره- و رسول الله ص ينظر إلى قتالهما- فسأل عن الرجل قيل عثمان بن عبد الله بن المغيرة- قال الحمد لله الذي أحانه- و قد كان عبد الله بن جحش أسره من قبل ببطن نخلة- حتى قدم به على رسول الله ص- فافتدى و رجع إلى قريش و غزا معهم أحدا- فقتل هناك- و يرى مصرع عثمان عبيد بن حاجز العامري- أحد بني عامر بن لؤي- فأقبل يعدو كأنه سبع- فيضرب حارث بن الصمة ضربة على عاتقه- فوقع الحارث جريحا حتى احتمله أصحابه- و يقبل أبو دجانة على عبيد بن حاجز- فتناوشا ساعة من نهار- و كل واحد منهما يتقي بالدرقة سيف صاحبه- ثم حمل عليه أبو دجانة فاحتضنه- ثم جلد به الأرض و ذبحه بالسيف كما تذبح الشاة- ثم انصرف فلحق برسول الله ص- .
قال الواقدي- و يروى أن سهل بن حنيف- جعل ينضح بالنبل عن رسول الله ص- فقال نبلوا سهلا فإنه سهل- و نظر رسول الله ص إلى أبي الدرداء- و الناس منهزمون في كل وجه- فقال نعم الفارس عويمر غير أنه لم يشهد أحدا- . قال الواقدي- و روى الحارث بن عبيد الله بن كعب بن مالك- قال حدثني من نظر إلى أبي سبرة بن الحارث بن علقمة- و لقي أحد المشركين فاختلفا ضربات- كل ذلك يروغ أحدهما عن الآخر- قال فنظر الناس إليهما- كأنهما سبعان ضاريان يقفان مرة و يقتلان أخرى- ثم تعانقا فوقعا إلى الأرض جميعا- فعلاه أبو سبرة فذبحه بسيفه كما تذبح الشاة- و نهض عنه فيقبل خالد بن الوليد- و هو على فرس أدهم أغر محجل- يجر قناة طويلة فطعن أبا سبرة من خلفه- فنظرت إلى سنان الرمح خرج من صدره-و وقع أبو سبرة ميتا- و انصرف خالد بن الوليد- يقول أنا أبو سليمان- .
قال الواقدي- و قاتل طلحة بن عبيد الله يومئذ- عن النبي ص قتالا شديدا- و كان طلحة يقول- لقد رأيت رسول الله ص حيث انهزم أصحابه- و كثر المشركون فأحدقوا بالنبي ص من كل ناحية- فما أدري أقوم من بين يديه أو من ورائه- أم عن يمينه أم شماله- فأذب بالسيف عنه هاهنا و هاهنا حتى انكشفوا- فجعل رسول الله ص يومئذ يقول لطلحة- لقد أوجب و روي لقد أنحب أي قضى نذره- . قال الواقدي- و روي أن سعد بن أبي وقاص ذكر طلحة فقال- يرحمه الله إنه كان أعظمنا غناء عن رسول الله ص- يوم أحد- قيل كيف يا أبا إسحاق قال- لزم النبي ص- و كنا نتفرق عنه ثم نثوب إليه- لقد رأيته يدور حول النبي ص يترس بنفسه- .
قال الواقدي- و سئل طلحة يا أبا محمد ما أصاب إصبعك- قال رمى مالك بن زهير الجشمي بسهم- يريد رسول الله ص و كان لا تخطئ رميته- فاتقيت بيدي عن وجه رسول الله ص- فأصاب خنصري فشل- . قال الواقدي و قالوا- إن طلحة قال لما رمي حس- فقال رسول الله ص- لو قال بسم الله لدخل الجنة و الناس ينظرون إليه- من أحب أن ينظر إلى رجل يمشي في الدنيا- و هو من أهل الجنة- فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله طلحة ممن قضى نحبه- .
قال الواقدي- و كان طلحة يحدث يقول- لما جال المسلمون تلك الجولة- ثم تراجعوا أقبل رجل من بني عامر بن لؤي- يدعى شيبة بن مالك بن المضرب- يجر رمحه و هو على فرس أغر كميت مدججا في الحديد- يصيح أنا أبو ذات الوذع- دلوني على محمد فأضرب عرقوب فرسه- فاكتسعت به ثم أتناول رمحه- فو الله ما أخطأت به عن حدقته- فخار كما يخور الثور- فما برحت به واضعا رجلي على خده حتى أزرته شعوب- .
قال الواقدي- و كان طلحة قد أصابته في رأسه المصلبة- ضربه رجل من المشركين ضربتين- ضربة و هو مقبل و ضربة و هو معرض عنه- و كان نزف منها الدم- قال أبو بكر- جئت النبي ص يوم أحد- فقال عليك بابن عمك- فأتي طلحة بن عبيد الله و قد نزف الدم- فجعلت أنضح في وجهه الماء و هو مغشي عليه- ثم أفاق- فقال ما فعل رسول الله ص- فقلت خيرا هو أرسلني إليك- فقال الحمد لله كل مصيبة بعده جلل- .
قال الواقدي- و كان ضرار بن الخطاب الفهري يقول- نظرت إلى طلحة بن عبيد الله- قد حلق رأسه عند المروة في عمرة- فنظرت إلى المصلبة في رأسه- فكان ضرار يقول أنا و الله ضربته- هو استقبلني فضربته ثم أكر عليه- و قد أعرض فأضربه ضربة أخرى قال الواقدي- و لما كان يوم الجمل- و قتل علي ع من قتل من الناس- و دخل البصرة جاءه رجل من العرب- فتكلم بين يديه و نال من طلحة- فزبره علي ع و قال- إنك لم تشهد يوم أحد- و عظم غنائه عن الإسلام مع مكانه من رسول الله ص- فانكسر الرجل و سكت- فقال له قائل من القوم- و ما كان غناؤه و بلاؤه يرحمه الله يوم أحد- فقال علي ع نعم يرحمه الله- لقد رأيته و إنه ليترس بنفسه دون رسول الله ص- و إن السيوف لتغشاه و النبل من كل ناحية- و ما هو إلا جنة لرسول الله ص يقيه بنفسه- فقال رجل- لقد كان يوم أحد يوما قتل فيه أصحاب رسول الله ص- و أصابت رسول الله ص فيه الجراحة- فقال علي ع أشهد لسمعت رسول الله ص يقول- ليت أني غودرت مع أصحابي بنحص الجبل- ثم قال علي ع- لقد رأيتني يومئذ و إني لأذبهم في ناحية- و إن أبا دجانة لفي ناحية يذب طائفة منهم- حتى فرج الله ذلك كله- و لقد رأيتني و انفردت منهم يومئذ فرقة خشناء- فيها عكرمة بن أبي جهل فدخلت وسطهم بالسيف- فضربت به و اشتملوا علي حتى أفضيت إلى آخرهم- ثم كررت فيهم الثانية حتى رجعت من حيث جئت- و لكن الأجل استأخر و يقضي الله أمرا كان مفعولا- .
قال الواقدي- و حدثني جابر بن سليم عن عثمان بن صفوان- عن عمارة بن خزيمة قال- حدثني من نظر إلى الحباب بن المنذر بن الجموح- و إنه ليحوشهم يومئذ كما تحاش الغنم- و لقد اشتملوا عليه حتى قيل قد قتل- ثم برز و السيف في يده و افترقوا عنه- و جعل يحمل على فرقة منهم- و إنهم ليهربون منه إلى جمع منهم-و صار الحباب إلى النبي ص- و كان الحباب يومئذ معلما بعصابة خضراء في مغفره- .
قال الواقدي- و طلع يومئذ عبد الرحمن بن أبي بكر- على فرس مدججا لا يرى منه إلا عيناه- فقال من يبارز أنا عبد الرحمن بن عتيق- فنهض إليه أبو بكر و قال أنا أبارزه- و جرد سيفه فقال له رسول الله ص- شم سيفك و ارجع إلى مكانك و متعنا بنفسك- . قال الواقدي و قال رسول الله ص- ما وجدت لشماس بن عثمان شبها إلا الجنة- يعني مما يقاتل عن رسول الله يومئذ- و كان رسول الله ص لا يأخذ يمينا و لا شمالا- إلا رأى شماس بن عثمان في ذلك الوجه- يذب بسيفه عنه حتى غشي رسول الله ص- فترس بنفسه دونه حتى قتل- فذلك قول رسول الله ص- ما وجدت لشماس شبها إلا الجنة- .
قال الواقدي و لما ولى المسلمون- حين عطف عليهم خالد بن الوليد من خلفهم- كان أول من أقبل من المسلمين بعد التولية- قيس بن محرث مع طائفة من الأنصار- و قد كانوا بلغوا بني حارثة فرجعوا سراعا- فصادفوا المشركين في كثرتهم فدخلوا في حومتهم- فما أفلت منهم رجل حتى قتلوا كلهم- و لقد ضاربهم قيس بن محرث- فامتنع بسيفه حتى قتل منهم نفرا- فما قتلوه إلا بالرماح نظموه- و لقد وجد به أربع عشرة طعنة جائفة و عشر ضربات بالسيف- .
قال الواقدي- و كان عباس بن عبادة بن نظلة- المعروف بابن قوقل- و خارجة بنزيد بن أبي زهير- و أوس بن أرقم بن زيد- و عباس رافع صوته يقول يا معشر المسلمين الله و نبيكم- هذا الذي أصابكم بمعصية نبيكم- وعدكم النصر فما صبرتم- ثم نزع مغفره عن رأسه و خلع درعه- و قال لخارجة بن زيد- هل لك في درعي و مغفري- قال خارجة لا أنا أريد الذي تريد- فخالطوا القوم جميعا- و عباس يقول ما عذرنا عند ربنا- إن أصيب نبينا و منا عين تطرف- قال فيقول خارجة لا عذر لنا و الله عند ربنا و لا حجة- فأما عباس فقتله سفيان بن عبد شمس السلمي- و لقد ضربه عباس ضربتين- فجرحه جرحين عظيمين فارتث يومئذ جريحا- فمكث جريحا سنة ثم استبل- و أخذت خارجة بن زيد الرماح فجرح بضعة عشر جرحا- فمر به صفوان بن أمية فعرفه- فقال هذا من أكابر أصحاب محمد- و به رمق فأجهز عليه- و قتل أوس بن أرقم- و قال صفوان من رأى خبيب بن يساف- و هو يطلبه فلا يقدر عليه- و مثل يومئذ بخارجة- و قال هذا ممن أغري بأبي يوم بدر يعني أمية بن خلف- و قال الآن شفيت نفسي حين قتلت الأماثل من أصحاب محمد- قتلت ابن قوقل و قتلت ابن أبي زهير- و قتلت أوس بن أرقم- .
قال الواقدي- و قال رسول الله ص يومئذ- من يأخذ هذا السيف بحقه- قالوا و ما حقه يا رسول الله- قال يضرب به العدو- فقال عمر أنا يا رسول الله فأعرض عنه- ثم عرضه رسول الله ص بذلك الشرط- فقام الزبير فقال أنا فأعرض عنه- حتى وجد عمر و الزبير في أنفسهما- ثم عرضه الثالثة فقام أبو دجانة- و قال أنا يا رسول الله آخذه بحقه فدفعه إليه- فصدق حين لقي به العدو و أعطى السيف حقه- فقال أحد الرجلين إما عمر بن الخطاب أو الزبير- و الله لأجعلن هذا الرجل الذي أعطاه السيف- و منعنيه من شأني قال فاتبعته- فو الله ما رأيت أحدا قاتل أفضلمن قتاله- لقد رأيته يضرب به حتى إذا كل عليه- و خاف ألا يحيك عمد به إلى الحجارة فشحذه- ثم يضرب به العدو حتى يرده كأنه منجل- و كان حين أعطاه رسول الله ص السيف مشى بين الصفين- و اختال في مشيته- فقال رسول الله ص حين رآه يمشي تلك المشية- إن هذه لمشية يبغضها الله تعالى إلا في مثل هذا الموطن- قال و كان أربعة من أصحاب النبي ص- يعلمون في الزحوف أحدهم أبو دجانة- كان يعصب رأسه بعصابة حمراء- و كان قومه يعلمون أنه إذا اعتصب بها أحسن القتال- و كان علي ع يعلم بصوفة بيضاء- و كان الزبير يعلم بعصابة صفراء- و كان حمزة يعلم بريش نعامة- .
قال الواقدي و كان أبو دجانة يحدث يقول- إني لأنظر يومئذ إلى امرأة تقذف الناس- و تحوشهم حوشا منكرا- فرفعت عليها السيف و ما أحسبها إلا رجلا- حتى علمت أنها امرأة- و كرهت أن أضرب بسيف رسول الله ص امرأة- و المرأة عمرة بنت الحارث- .
قال الواقدي- و كان كعب بن مالك يقول- أصابني الجراح يوم أحد- فلما رأيت المشركين يمثلون بالمسلمين- أشد المثل و أقبحها- قمت فتنحيت عن القتلى- فإني لفي موضعي أقبل خالد بن الأعلم العقيلي- جامع اللأمة يحوش المسلمين- يقول استوسقوا كما يستوسق جرب الغنم- و هو مدجج في الحديد يصيح- يا معشر قريش- لا تقتلوا محمدا ائسروه أسرا حتى نعرفه ما صنع- و يصمد له قزمان فيضربه بالسيف ضربة على عاتقه- رأيت منها سحره ثم أخذ سيفه و انصرف- فطلع عليه من المشركين فارس ما أرى منه إلا عينيه- فحمل عليه قزمان فضربه ضربة جزله اثنين- فإذا هو الوليد بن العاص بن هشام المخزومي- ثم يقول كعب إني لأنظر يومئذ و أقول- ما رأيت مثل هذا الرجل أشجع بالسيف- ثم ختم له بما ختم له به- فيقال له فما ختم له به- فيقول من أهل النار قتل نفسه يومئذ- .
قال الواقدي و روى أبو النمر الكناني- قال أقبلت يوم أحد و أنا من المشركين- و قد انكشف المسلمون و قد حضرت في عشرة من إخوتي- فقتل منهم أربعة و كان الريح للمسلمين أول ما التقينا- فلقد رأيتني و انكشفنا مولين- و أقبل أصحاب النبي ص على نهب العسكر- حتى بلغت الجماء ثم كرت خيلنا- فقلت و الله ما كرت الخيل إلا عن أمر رأته- فكررنا على أقدامنا كأننا الخيل- فنجد القوم قد أخذ بعضهم بعضا- يقاتلون على غير صفوف- ما يدري بعضهم من يضرب- و ما للمسلمين لواء قائم- و مع رجل من بني عبد الدار لواء المشركين- و أنا أسمع شعار أصحاب محمد بينهم- أمت أمت فأقول في نفسي ما أمت- و إني لأنظر إلى رسول الله ص و إن أصحابه محدقون به- و إن النبل ليمر عن يمينه و يساره- و يقع بين يديه و يخرج من ورائه- و لقد رميت يومئذ بخمسين مرماة- فأصبت منها بأسهم بعض أصحابه- ثم هداني الله إلى الإسلام- .
قال الواقدي- و كان عمرو بن ثابت بن وقش شاكا في الإسلام- و كان قومه يكلمونه في الإسلام- فيقول لو أعلم ما تقولون حقا ما تأخرت عنه- حتى إذا كان يوم أحد بدا له الإسلام- و رسول الله ص بأحد- و أخذ سيفه و أسلم و خرج حتى دخل في القوم- فقاتل حتى أثبت- فوجد في القتلى جريحا ميتا- فدنوا منه و هو بآخر رمق- فقالوا ما جاء بك يا عمرو قال الإسلام- آمنت بالله و برسوله و أخذت سيفي و حضرت- فرزقني الله الشهادة و مات في أيديهم- فقال رسول الله ص- إنه لمن أهل الجنة
قال الواقدي- فكان أبو هريرة يقول و الناس حوله- أخبروني برجل يدخل الجنة لم يصل لله تعالى سجدة- فيسكت الناس فيقول أبو هريرة- هو أخو بني عبد الأشهل عمرو بن ثابت بن وقش- . قال الواقدي- و كان مخيرق اليهودي من أحبار يهود- فقال يوم السبت و رسول الله ص بأحد- يا معشر يهود و الله إنكم لتعلمون أن محمدا نبي- و أن نصره عليكم حق- فقالوا ويحك اليوم يوم السبت- فقال لا سبت ثم أخذ سلاحه و حضر مع النبي ص- فأصيب فقال رسول الله ص مخيرق خير يهود- . قال الواقدي- و كان مخيرق قال حين خرج إلى أحد- إن أصبت فأموالي لمحمد يضعها حيث أراه الله فيه- فهي عامة صدقات النبي ص- .
قال الواقدي- و كان حاطب بن أمية منافقا- و كان ابنه يزيد بن حاطب رجل صدق- شهد أحدا مع النبي ص فارتث جريحا- فرجع به قومه إلى منزله- قال يقول أبوه و هو يرى أهل الدار يبكون عنده- أنتم و الله صنعتم هذا به- قالوا كيف قال أغررتموه من نفسه حتى خرج فقتل- ثم صرتم معه إلى شيء آخر تعدونه جنة- يدخل فيها حبة من حرمل- قالوا قاتلك الله قال هو ذاك- و لم يقر بالإسلام- .
قال الواقدي- و كان قزمان عسيفا من بني ظفر- لا يدرى ممن هو و كان لهم محبا-و كان مقلا و لا ولد له و لا زوجة- و كان شجاعا يعرف بذلك في حروبهم- التي كانت تكون بينهم- فشهد أحدا و قاتل قتالا شديدا- فقتل ستة أو سبعة- فأصابته الجراح فقيل للنبي ص- إن قزمان قد أصابته الجراح فهو شهيد- فقال بل من أهل النار فجاءوا إلى قزمان- فقالوا هنيئا لك أبا الغيداق الشهادة- فقال بم تبشرونني و الله ما قاتلنا إلا على الأحساب- قالوا بشرناك بالجنة- قال حبة و الله من حرمل- إنا و الله ما قاتلنا على جنة و لا على نار- إنما قاتلنا على أحسابنا- ثم أخرج سهما من كنانته- فجعل يتوجأ به نفسه- فلما أبطأ عليه المشقص أخذ السيف- فاتكأ عليه حتى خرج من ظهره- فذكر ذلك للنبي ص فقال- هو من أهل النار- .
قال الواقدي- و كان عمرو بن الجموح رجلا أعرج- فلما كان يوم أحد و كان له بنون أربعة- يشهدون مع النبي ص المشاهد أمثال الأسد- أراد قومه أن يحبسوه- و قالوا أنت رجل أعرج و لا حرج عليك- و قد ذهب بنوك مع النبي ص- قال بخ يذهبون إلى الجنة و أجلس أنا عندكم- فقالت هند بنت عمرو بن حزام امرأته- كأني أنظر إليه موليا قد أخذ درقته- و هو يقول اللهم لا تردني إلى أهلي- فخرج و لحقه بعض قومه يكلمونه في القعود- فأبى و جاء إلى رسول الله ص فقال- يا رسول الله- إن قومي يريدون أن يحبسوني- عن هذا الوجه و الخروج معك- و الله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة- فقال له أما أنت فقد عذرك الله و لا جهاد عليك- فأبى فقال النبي ص لقومه و بنيه- لا عليكم أن تمنعوه- لعل الله يرزقه الشهادة فخلوا عنه- فقتل يومئذ شهيدا- و كان أبو طلحة يحدث- يقول نظرت إلى عمرو بن الجموح حين انكشف المسلمون- ثم ثابوا و هو في الرعيل الأول- لكأني أنظر إلى ضلعه و هو يعرج في مشيته- و هو يقول أنا و الله مشتاق إلى الجنة- ثم أنظر إلى ابنه يعدو في أثره- حتى قتلا جميعا- .
قال الواقدي- و كانت عائشة خرجت في نسوة تستروح الخبر- و لم يكن قد ضرب الحجاب يومئذ- حتى كانت بمنقطع الحرة- و هي هابطة من بني حارثة إلى الوادي- لقيت هندا بنت عمرو بن حزام- أخت عبد الله بن عمرو بن حزام- تسوق بعيرا لها- عليه زوجها عمرو بن الجموح- و ابنها خلاد بن عمرو بن الجموح- و أخوها عبد الله بن عمرو بن حزام أبو جابر بن عبد الله- فقالت لها عائشة عندك الخبر- فما وراءك فقالت هند خير- أما رسول الله ص فصالح- و كل مصيبة بعده جلل- و اتخذ الله من المؤمنين شهداء- وَ رَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً- وَ كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَ كانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً- .
قلت هكذا وردت الرواية- و عندي أنها لم تقل كل ذلك و لعلها قالت- وَ رَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لا غير- و إلا فكيف يواطئ كلامها آية من كلام الله تعالى- أنزلت بعد الخندق و الخندق بعد أحد- هذا من البعيد جدا- . قال فقالت لها عائشة فمن هؤلاء- قالت أخي و ابني و زوجي قتلى- قالت فأين تذهبين بهم- قالت إلى المدينة أقبرهم بها- حل حل تزجر بعيرها فبرك البعير- فقالت عائشة لثقل ما حمل قالت هند ما ذاك به- لربما حمل ما يحمله البعيران و لكني أراه لغير ذلك- فزجرته فقام فلما وجهت به إلى المدينة برك- فوجهته راجعة إلى أحد فأسرع- فرجعت إلى النبي ص فأخبرته بذلك- فقال إن الجمل لمأمور هل قال عمرو شيئا- قالت نعم إنه لما وجه إلى أحد استقبل القبلة- ثم قال اللهم لا تردني إلى أهلي و ارزقني الشهادة- فقال ص فلذلك الجمل لا يمضي- إن منكم يا معشر الأنصار من لو أقسم على الله لأبره- منهم عمرو بن الجموح يا هند- ما زالت الملائكة مظلة على أخيك- من لدن قتل إلى الساعة ينظرون أين يدفن- ثم مكث رسول الله ص في قبرهم- ثم قال يا هند قد ترافقوا في الجنةجميعا- عمرو بن الجموح بعلك و خلاد ابنك- و عبد الله أخوك فقالت هند- يا رسول الله فادع الله لي عسى أن يجعلني معهم- . قال الواقدي- و كان جابر بن عبد الله يقول- اصطبح ناس يوم أحد الخمر- منهم أبي فقتلوا شهداء- .
قال الواقدي و كان جابر يقول- أول قتيل من المسلمين يوم أحد أبي- قتله سفيان بن عبد شمس أبو الأعور السلمي- فصلى عليه رسول الله ص قبل الهزيمة- .
قال الواقدي و كان جابر يحدث و يقول- استشهد أبي و جعلت عمتي تبكي- فقال النبي ص ما يبكيها- ما زالت الملائكة تظل عليه بأجنحتها حتى دفن- . قال الواقدي- و قال عبيد الله بن عمرو بن حزام- رأيت في النوم قبل يوم أحد بأيام- مبشر بن عبد المنذر أحد الشهداء ببدر- يقول لي أنت قادم علينا في أيام- فقلت فأين أنت قال في الجنة- نسرح منها حيث نشاء- فقلت له أ لم تقتل يوم بدر- قال بلى ثم أحييت- فذكر ذلك لرسول الله ص قال- هذه الشهادة يا جابر- .
قال الواقدي- و قال رسول الله ص يوم أحد- ادفنوا عبد الله بن عمرو بن حزام- و عمرو بن الجموح في قبر واحد- و يقال إنهما وجدا و قد مثل بهما كل مثلة- قطعت آرابهما عضوا عضوا- فلا تعرف أبدانهما- فقال النبي ص- ادفنوهما في قبر واحد- و يقال إنما أمر بدفنهما في قبر واحد- لما كان بينهمامن الصفاء- فقال ادفنوا هذين المتحابين في الدنيا في قبر واحد- . و كان عبد الله بن عمرو بن حزام- رجلا أحمر أصلع ليس بالطويل- و كان عمرو بن الجموح طويلا- فعرفا و دخل السيل بعد عليهما- و كان قبرهما مما يلي السيل فحفر عنهما- و عليهما نمرتان و عبد الله قد أصابه جرح في وجهه- فيده على وجهه فأميطت يده عن جرحه- فثعب الدم فردت إلى مكانها فسكن الدم- .
قال الواقدي- و كان جابر بن عبد الله يقول- رأيت أبي في حفرته و كأنه نائم- و ما تغير من حاله قليل و لا كثير- فقيل له أ فرأيت أكفانه- قال إنما كفن في نمرة خمر بها وجهه- و على رجليه الحرمل فوجدنا النمرة كما هي- و الحرمل على رجليه كهيئته- و بين ذلك و بين وقت دفنه ست و أربعون سنة- فشاورهم جابر في أن يطيبه بمسك- فأبى ذلك أصحاب النبي ص و قالوا- لا تحدثوا فيهم شيئا- . قال و يقال إن معاوية لما أراد أن يجري العين- التي أحدثها بالمدينة و هي كظلمة- نادى مناديه بالمدينة من كان له قتيل بأحد فليشهد- فخرج الناس إلى قتلاهم فوجدوهم رطابا يتثنون- فأصابت المسحاة رجل رجل منهم فثعبت دما- فقال أبو سعيد الخدري- لا ينكر بعد هذا منكر أبدا- .
قال و وجد عبد الله بن عمرو بن حزام- و عمرو بن الجموح في قبر واحد- و وجد خارجة بن زيد بن أبي زهير- و سعد بن الربيع في قبر واحد- فأما قبر عبد الله و عمرو فحول- و ذلك أن القناة كانت تمر على قبرها- و أما قبر خارجة و سعد فترك- و ذلك لأن مكانه كان معتزلا- و سوي عليهما التراب- و لقد كانوا يحفرون التراب- فكلما حفروا قترة من تراب فاح عليهم المسك- .
قال و قالوا إن رسول الله ص قال لجابر يا جابر- أ لا أبشرك فقال بلى بأبي و أمي- قال فإن الله أحيا أباك ثم كلمه كلاما- فقال له تمن على ربك ما شئت- فقال أتمنى أن أرجع فأقتل مع نبيك- ثم أحيا فأقتل مع نبيك فقال- إني قد قضيت أنهم لا يرجعون
قال الواقدي- و كانت نسيبة بنت كعب- أم عمارة بن غزية بن عمرو قد شهدت أحدا- و زوجها غزية- و ابناها عمارة بن غزية و عبد الله بن زيد- و خرجت و معها شن لها- في أول النهار تريد تسقي الجرحى- فقاتلت يومئذ و أبلت بلاء حسنا- فجرحت اثني عشر جرحا- بين طعنة برمح أو ضربة بسيف- فكانت أم سعد بنت سعد بن الربيع تحدث- فتقول دخلت عليها فقالت لها يا خالة- حدثيني خبرك فقالت- خرجت أول النهار إلى أحد- و أنا أنظر ما يصنع الناس و معي سقاء فيه ماء- فانتهيت إلى رسول الله ص و هو في الصحابة- و الدولة و الريح للمسلمين- فلما انهزم المسلمون- انحزت إلى رسول الله ص فجعلت أباشر القتال- و أذب عن رسول الله ص بالسيف- و أرمي بالقوس حتى خلصت إلى الجراح- فرأيت على عاتقها جرحا أجوف له غور- فقلت يا أم عمارة من أصابك بهذا- قالت أقبل ابن قميئة- و قد ولى الناس عن رسول الله ص- يصيح دلوني على محمد لا نجوت إن نجا- فاعترض له مصعب بن عمير و ناس معه- فكنت فيهم فضربني هذه الضربة- و لقد ضربته على ذلك ضربات- و لكن عدو الله كان عليه درعان- فقالت لها يدك ما أصابها- قالت أصيبت يوم اليمامة- لما جعلت الأعراب تنهزم بالناس- نادت الأنصار أخلصونا- فأخلصت الأنصار فكنت معهم- حتى انتهينا إلى حديقة الموت فاقتتلنا عليها ساعة- حتى قتل أبو دجانة على باب الحديقة- و دخلتهاو أنا أريد عدو الله مسيلمة- فيعرض لي رجل فضرب يدي فقطعها- فو الله ما كانت ناهية و لا عرجت عليها- حتى وقفت على الخبيث مقتولا- و ابني عبد الله بن يزيد المازني يمسح سيفه بثيابه- فقلت أ قتلته قال نعم- فسجدت شكرا لله عز و جل و انصرفت- .
قال الواقدي- و كان ضمرة بن سعيد يحدث عن جدته- و كانت قد شهدت أحدا تسقي الماء- قال سمعت رسول الله ص يقول يومئذ- لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان و فلان- و كان يراها يومئذ تقاتل أشد القتال- و إنها لحاجزة ثوبها على وسطها- حتى جرحت ثلاثة عشر جرحا- . قلت ليت الراوي لم يكن هذه الكناية- و كان يذكرهما باسمهما- حتى لا تترامى الظنون إلى أمور مشتبهة- و من أمانة المحدث أن يذكر الحديث على وجهه- و لا يكتم منه شيئا- فما باله كتم اسم هذين الرجلين- .
قال فلما حضرت نسيبة الوفاة كنت فيمن غسلها- فعددت جراحها جرحا جرحا فوجدتها ثلاثة عشر- و كانت تقول إني لأنظر إلى ابن قميئة- و هو يضربها على عاتقها- و كان أعظم جراحها لقد داوته سنة- ثم نادى منادي النبي ص بعد انقضاء أحد- إلى حمراء الأسد فشدت عليها ثيابها- فما استطاعت من نزف الدم- و لقد مكثنا ليلتنا نكمد الجراح حتى أصبحنا- فلما رجع رسول الله من حمراء الأسد- لم يصل إلى بيته- حتى أرسل إليها عبد الله بن كعب المازني يسأل عنها- فرجع إليه فأخبره بسلامتها فسر بذلك- .
قال الواقدي- و حدثني عبد الجبار بن عمارة بن غزية قال- قالت أم عمارةلقد رأيتني- و انكشف الناس عن رسول الله ص- فما بقي إلا نفير ما يتمون عشرة- و أنا و أبنائي و زوجي بين يديه نذب عنه- و الناس يمرون عنه منهزمين فرآني و لا ترس معي- و رأى رجلا موليا معه ترس- فقال يا صاحب الترس- ألق ترسك إلى من يقاتل- فألقى ترسه فأخذته- فجعلت أترس به على النبي ص- و إنما فعل بنا الأفاعيل أصحاب الخيل- و لو كانوا رجالة مثلنا أصبناهم- فيقبل رجل على فرس فضربني و ترست له- فلم يصنع سيفه شيئا- و ولى و أضرب عرقوب فرسه- فوقع على ظهره- فجعل النبي ص يصيح- يا ابن عمارة أمك أمك- قالت فعاونني عليه حتى أوردته شعوب- .
قال الواقدي و حدثني ابن أبي سبرة- عن عمرو بن يحيى عن أبيه- عن عبد الله بن زيد المازني- قال جرحت جرحا في عضدي اليسرى- ضربني رجل كأنه الرقل و لم يعرج علي و مضى عني و جعل الدم لا يرقأ- فقال رسول الله ص- اعصب جرحك فتقبل أمي إلي- و معها عصائب في حقويها قد أعدتها للجراح- فربطت جرحي و النبي ص واقف ينظر- ثم قالت انهض يا بني فضارب القوم- فجعل رسول الله ص يقول- و من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة- قالت و أقبل الرجل الذي ضربني- فقال رسول الله ص هذا ضارب ابنك- فاعترضت أمي له فضربت ساقه فبرك- فرأيت النبي ص تبسم حتى بدت نواجذه- ثم قال استقدت يا أم عمارة- ثم أقبلنا نعلوه بالسلاح حتى أتينا على نفسه- فقال النبي ص- الحمد لله الذي ظفرك و أقر عينك من عدوك- و أراك ثأرك بعينك- .
قال الواقدي- و روى موسى بن ضمرة بن سعيد عن أبيه- قال أتي عمر بن الخطاب في أيام خلافته بمروط- كان فيها مرط واسع جيد- فقال بعضهم إن هذا المرط بثمن كذا- فلو أرسلت به إلى زوجة عبد الله بن عمر- صفية بنت أبي عبيد- و ذلك حدثان ما دخلت على ابن عمر- فقال بل أبعث به إلى من هو أحق منها- أم عمارة نسيبة بنت كعب- سمعت رسول الله ص يوم أحد يقول- ما ألتفت يمينا و شمالا إلا و أنا أراها تقاتل دوني- .
قال الواقدي- و روى مروان بن سعيد بن المعلى قال- قيل لأم عمارة يا أم عمارة- هل كن نساء قريش يومئذ يقاتلن مع أزواجهن- فقالت أعوذ بالله- لا و الله ما رأيت امرأة منهن رمت بسهم و لا حجر- و لكن رأيت معهن الدفاف و الأكبار- يضربن و يذكرن القوم قتلى بدر- و معهن مكاحل و مراود- فكلما ولى رجل أو تكعكع- ناولته إحداهن مرودا و مكحلة- و يقلن إنما أنت امرأة- و لقد رأيتهن ولين منهزمات مشمرات- و لها عنهن الرجال أصحاب الخيل- و نجوا على متون خيلهم- و جعلن يتبعن الرجال على أقدامهن- فجعلن يسقطن في الطريق- و لقد رأيت هندا بنت عتبة و كانت امرأة ثقيلة- و لها خلق قاعدة خاشية من الخيل- ما بها مشي و معها امرأة أخرى- حتى كثر القوم علينا- فأصابوا منا ما أصابوا- فعند الله نحتسب ما أصابنا يومئذ- من قبل الرماة و معصيتهم لرسول الله ص- .
قال الواقدي- و حدثني ابن أبي سبرة- عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة- عن الحارث بن عبد الله- قال سمعت عبد الله بن زيد بن عاصم- يقول شهدت أحدامع رسول الله ص- فلما تفرق الناس عنه- دنوت منه و أمي تذب عنه- فقال يا ابن عمارة قلت نعم قال ارم- فرميت بين يديه رجلا من المشركين بحجر- و هو على فرس فأصيبت عين الفرس- فاضطرب الفرس حتى وقع هو و صاحبه- و جعلت أعلوه بالحجارة- حتى نضدت عليه منها وقرا- و النبي ص ينظر إلي و يتبسم- فنظر إلى جرح بأمي على عاتقها- فقال أمك أمك اعصب جرحها- بارك الله عليكم من أهل بيت- لمقام أمك خير من مقام فلان و فلان- و مقام ربيبك يعني زوج أمه- خير من مقام فلان- رحمكم الله من أهل بيت- فقالت أمي ادع لنا الله- يا رسول الله أن نرافقك في الجنة- فقال اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة-
قالت فما أبالي ما أصابني من الدنيا قال الواقدي- و كان حنظلة بن أبي عامر- تزوج جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول- فأدخلت عليه في الليلة التي في صبيحتها قتال أحد- و كان قد استأذن رسول الله ص أن يبيت عندها- فأذن له- فلما صلى الصبح غدا يريد النبي ص- فلزمته جميلة فعاد فكان معها- فأجنب منها ثم أراد الخروج- و قد أرسلت قبل ذلك إلى أربعة من قومها- فأشهدتهم أنه قد دخل بها- فقيل لها بعد لم أشهدت عليه- قالت رأيت كأن السماء فرجت- فدخل فيها ثم أطبقت- فقلت هذه الشهادة- فأشهدت عليه أنه قد دخل بي- فعلقت منه بعبد الله بن حنظلة- ثم تزوجها ثابت بن قيس بعد- فولدت له محمد بن ثابت بن قيس- و أخذ حنظلة بن أبي عامر سلاحه- فلحق برسول الله ص بأحد- و هو يسوي الصفوف فلما انكشف المشركون- اعترض حنظلة لأبي سفيان بن حرب- فضرب عرقوب فرسه فاكتسعت الفرس- و يقع أبو سفيان إلى الأرض- فجعل يصيح يا معشر قريش- أنا أبو سفيان بن حرب- و حنظلة يريد ذبحه بالسيف- فأسمع الصوت رجالا لا يلتفتون إليه من الهزيمة- حتى عاينه الأسود بن شعوب- فحمل على حنظلة بالرمح فأنفذه- و مشى حنظلة إليه في الرمح فضربه ثانية فقتله- و هرب أبو سفيان يعدو على قدميه- فلحق ببعض قريش فنزل عن صدر فرسه- و ردف وراءه أبا سفيان- فذلك قول أبي سفيان- يذكر صبره و وقوفه و أنه لم يفر- و ذكره محمد بن إسحاق-
و لو شئت نجتني كميت طمرة
و لم أحمل النعماء لابن شعوب
و ما زال مهري مزجر الكلب فيهم
لدن غدوة حتى دنت لغروب
أقاتلهم و أدعي يال غالب
و أدفعهم عني بركن صليب
فبكي و لا ترعى مقالة عاذل
و لا تسأمي من عبرة و نحيب
أياك و إخوانا لنا قد تتابعوا
و حق لهم من حسرة بنصيب
و سلي الذي قد كان في النفس إنني
قتلت من النجار كل نجيب
و من هاشم قرما كريما و مصعبا
و كان لدى الهيجاء غير هيوب
و لو أنني لم أشف نفسي منهم
لكانت شجا في الصدر ذات ندوب
فآبوا و قد أودى الجلابيب
منهم بهم كمد من واجم و كئيب
أصابهم من لم يكن لدمائهم
كفاء و لا في سنخهم بضريب
قال الواقدي- مر أبو عامر الراهب على حنظلة ابنه- و هو مقتول إلى جنب حمزة بن عبد المطلب- و عبد الله بن جحش- فقال إن كنت لأحدرك هذا الرجل- يعني رسول الله ص- من قبل هذا المصرع- و الله إن كنت لبرا بالوالد- شريف الخلق في حياتك- و إن مماتك لمع سراة أصحابك و أشرافهم- إن جزى الله هذا القتيل يعني حمزة خيرا- أو جزى أحدا من أصحاب محمد خيرا فليجزك- ثم نادى يا معشر قريش حنظلة لا يمثل به- و إن كان خالفني و خالفكم- فلم يأل لنفسه فيما يرى خيرا- فمثل بالناس و ترك حنظلة فلم يمثل به- . و كانت هند بنت عتبة- أول من مثل بأصحاب النبي ص- و أمرت النساء بالمثل و بجدع الأنوف و الآذان- فلم تبق امرأة إلا عليها معضدان و مسكتان و خدمتان- إلا حنظلة لم يمثل به- وقال رسول الله ص إني رأيت الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر- بين السماء و الأرض بماء المزن في صحاف الفضة- قال أبو أسيد الساعدي- فذهبنا فنظرنا إليه فإذا رأسه يقطر ماء- فرجعت إلى رسول الله ص فأخبرته- فأرسل إلى امرأته فسألها- فأخبرته أنه خرج و هو جنب- .
قال الواقدي- و أقبل وهب بن قابوس المزني- و معه ابن أخيه الحارث بن عقبة بن قابوس- بغنم لهما من جبل مزينة- فوجد المدينة خلوا فسألا أين الناس- قالوا بأحد- خرج رسول الله ص يقاتل المشركين من قريش- فقال لا نبتغي أثرا بعد عين- فخرجا حتى أتيا النبي ص بأحد- فيجدان القوم يقتتلون- و الدولة لرسول الله ص و أصحابه- فأغارا مع المسلمين في النهب- و جاءت الخيل من ورائهم- خالد بن الوليد و عكرمة بن أبي جهل- فاختلط الناس فقاتلا أشد القتال- فانفرقت فرقة من المشركين- فقال رسول الله ص من لهذه الفرقة- فقال وهب بن قابوس أنا يا رسول الله- فقام فرماهم بالنبل حتى انصرفوا- ثم رجع فانفرقت فرقةأخرى- فقال رسول الله ص من لهذه الكتيبة- فقال المزني أنا يا رسول الله- فقام فذبها بالسيف حتى ولت- ثم رجع فطلعت كتيبة أخرى- فقال النبي ص من يقوم لهؤلاء- فقال المزني أنا يا رسول الله- فقال قم و أبشر بالجنة- .
فقال المزني مسرورا يقول- و الله لا أقيل و لا أستقيل- فجعل يدخل فيهم فيضرب بالسيف- و رسول الله ص ينظر إليه و المسلمون- حتى خرج من أقصى الكتيبة- و رسول الله ص يقول اللهم ارحمه- ثم يرجع فيهم فما زال كذلك و هم محدقون به- حتى اشتملت عليه أسيافهم و رماحهم- فقتلوه فوجد به يومئذ عشرون طعنة بالرماح- كلها قد خلصت إلى مقتلي- و مثل به أقبح المثل يومئذ- ثم قام ابن أخيه- فقاتل كنحو قتاله حتى قتل- فكان عمر بن الخطاب يقول- إن أحب ميتة أموت عليها لما مات عليها المزني- .
قال الواقدي- و كان بلال بن الحارث المزني يحدث يقول- شهدنا القادسية مع سعد بن أبي وقاص- فلما فتح الله علينا و قسمت بيننا غنائمنا- أسقط فتى من آل قابوس من مزينة- فجئت سعدا حين فزع من نومه- فقال بلال قلت بلال- قال مرحبا بك من هذا معك- قلت رجل من قومي- قال ما أنت يا فتى من المزني الذي قتل يوم أحد- قال ابن أخيه قال سعد مرحبا و أهلا- أنعم الله بك عينا- لقد شهدت من ذلك الرجل يوم أحد مشهدا- ما شهدت من أحد قط- لقد رأيتنا و قد أحدق المشركون بنا من كل ناحية- و رسول الله ص وسطنا- و الكتائب تطلع من كل ناحية- و إن رسول الله ص يرمي ببصره في الناس يتوسمهم- و يقول من لهذه الكتيبة- كل ذلك يقول المزني أنا يا رسول الله- كل ذلك يرد الكتيبة فما أنسى آخر مرة قالها- فقال له رسول الله ص- قمو أبشر بالجنة- فقام و قمت على أثره- يعلم الله أني أطلب مثل ما يطلب يومئذ من الشهادة- فخضنا حومتهم حتى رجعنا فيهم الثانية- فأصابوه رحمه الله- و وددت و الله أني كنت أصبت يومئذ معه- و لكن أجل استأخر- ثم دعا من ساعته بسهمه فأعطاه و فضله- و قال اختر في المقام عندنا أو الرجوع إلى أهلك- فقال بلال إنه يستحب الرجوع فرجع- .
فقال الواقدي- و قال سعد بن أبي وقاص- أشهد لرأيت رسول الله ص واقفا على المزني و هو مقتول- و هو يقول رضي الله عنك فإني عنك راض- ثم رأيت رسول الله ص قام على قدميه- و قد ناله ع من ألم الجراح ما ناله- و إني لأعلم أن القيام يشق عليه على قبره- حتى وضع في لحده و عليه بردة- لها أعلام حمر- فمد رسول الله ص البردة على رأسه- فخمره و أدرجه فيها طولا- فبلغت نصف ساقيه فأمرنا فجمعنا الحرمل- فجعلناه على رجليه و هو في لحده ثم انصرف- فما حال أحب إلي من أن أموت عليها- و ألقى الله عليها من حال المزني قال الواقدي- و كان رسول الله ص يوم أحد- قد خاصم إليه يتيم من الأنصار- أبا لبابة بن عبد المنذر فطلب بينهما- فقضى رسول الله ص لأبي لبابة- فجزع اليتيم على العذق- فطلب رسول الله ص العذق إلى أبي لبابة لليتيم- فأبى أن يدفعه إليه- فجعل رسول الله ص يقول لأبي لبابة- ادفعه إليه و لك عذق في الجنة- فأبى أبو لبابة- و قال ثابت بن أبي الدحداحة- يا رسول الله أ رأيت إن أعطيت اليتيم عذقه من مالي- قال لك به عذق في الجنة- فذهب ثابت بن الدحداحة- فاشترى من أبي لبابة ذلك العذق بحديقة نخل- ثم رد العذق إلى الغلام-فقال رسول الله ص- رب عذق مذلل لابن الدحداحة في الجنة- فكانت ترجى له الشهادة بذلك القول- فقتل يوم أحد- .
قال الواقدي- و يقبل ضرار بن الخطاب فارسا يجر قناة له طويلة- فيطعن عمرو بن معاذ فأنفذه- و يمشي عمرو إليه حتى غلب فوقع لوجهه- قال يقول ضرار- لا تعدمن رجلا زوجك من الحور العين- و كان يقول زوجت يوم أحد- عشرة من أصحاب محمد الحور العين- .
قال الواقدي فسألت شيوخ الحديث- هل قتل عشرة- قالوا ما بلغنا أنه قتل إلا ثلاثة- و لقد ضرب يومئذ عمر بن الخطاب- حين جال المسلمون تلك الجولة بالقناة- و قال يا ابن الخطاب- إنها نعمة مشكورة ما كنت لأقتلك- . قال الواقدي- و كان ضرار يحدث بعد- و يذكر وقعة أحد- و يذكر الأنصار فيترحم عليهم- و يذكر غناءهم في الإسلام- و شجاعتهم و إقدامهم على الموت- ثم يقول لقد قتل أشراف قومي ببدر- فأقول من قتل أبا الحكم- فيقال ابن عفراء- من قتل أمية بن خلف- فيقال خبيب بن يساف- من قتل عقبة بن أبي معيط- فيقال عاصم بن ثابت- من قتل فلان بن فلان فيسمي لي من الأنصار- من أسر سهيل بن عمرو- فيقال مالك بن الدخشم- فلما خرجنا إلى أحد و أنا أقول- إن قاموا في صياصيهم فهي منيعة- لا سبيل لنا إليهم نقيم أياما ثم ننصرف- و إن خرجوا إلينا من صياصيهم أصبنا منهم- فإن معنا عددا أكثر من عددهم- و نحن قوم موتورون- خرجنا بالظعن يذكرننا قتلى بدر- و معنا كراع و لا كراع معهم- و سلاحنا أكثر من سلاحهم- فقضي لهم أن خرجوا فالتقينا- فو الله ما قمنا لهم حتى هزمنا و انكشفنا مولين- فقلت في نفسي هذه أشد من وقعة بدر- و جعلت أقول لخالد بن الوليد- كر على القوم- فيقول و ترى وجها نكر فيه- حتى نظرت إلى الجبل الذي كان عليه الرماة خاليا- فقلت يا أبا سليمان انظر وراءك- فعطف عنان فرسه و كررنا معه- فانتهينا إلى الجبل فلم نجد عليه أحدا له بال- وجدنا نفيرا فأصبناهم- ثم دخلنا العسكر- و القوم غارون ينتبهون عسكرنا- فأقحمنا الخيل عليهم- فتطايروا في كل وجه- و وضعنا السيوف فيهم حيث شئنا- و جعلت أطلب الأكابر من الأوس و الخزرج- قتلة الأحبة- فلا أرى أحدا هربوا- فما كان حلب ناقة حتى تداعت الأنصار بينها- فأقبلت فخالطونا و نحن فرسان- فصبرنا لهم و صبروا لنا- و بذلوا أنفسهم حتى عقروا فرسي- و ترجلت فقتلت منهم عشرة- و لقيت من رجل منهم الموت الناقع- حتى وجدت ريح الدم- و هو معانقي ما يفارقني- حتى أخذته الرماح من كل ناحية فوقع- فالحمد لله الذي أكرمهم بيدي- و لم يهني بأيديهم- .
قال الواقدي- و قال رسول الله ص يوم أحد- من له علم بذكوان بن عبد قيس- فقال علي ع- أنا رأيت يا رسول الله فارسا يركض في أثره حتى لحقه- و هو يقول لا نجوت إن نجوت- فحمل عليه فرسه و ذكوان راجل- فضربه و هو يقول- خذها و أنا ابن علاج فقتله- فأهويت إلى الفارس فضربت رجله بالسيف- حتى قطعتها من نصف الفخذ- ثم طرحته عن فرسه فذففت عليه- و إذا هو أبو الحكم بن أخنس بن شريق- بن علاج بن عمرو بن وهب الثقفي- .
قال الواقدي و قال علي ع- لما كان يوم أحد و جال الناس تلك الجولة- أقبل أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة- و هو دارع مقنع في الحديد ما يرى منه إلا عيناه- و هو يقول يوم بيوم بدر- فيعرض له رجل من المسلمين- فقتله أمية قال علي ع- و أصمد له فأضربه بالسيف على هامته- و عليه بيضة و تحت البيضة مغفر- فنبا سيفي و كنت رجلا قصيرا- و يضربني بسيفه فأتقي بالدرقة- فلحج سيفه فأضربه- و كانت درعه مشمرة فأقطع رجليه- فوقع و جعل يعالج سيفه- حتى خلصه من الدرقة- و جعل يناوشني و هو بارك- حتى نظرت إلى فتق تحت إبطه- فأحش فيه بالسيف- فمال فمات و انصرفت- . قال الواقدي- و في يوم أحد انتمى رسول الله ص فقال- أنا ابن العواتك و قال أيضا-
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب-.
قال الواقدي- بينا عمر بن الخطاب يومئذ في رهط من المسلمين قعود- مر بهم أنس بن النضر بن ضمضم- عم أنس بن مالك- فقال ما يقعدكم- قالوا قتل رسول الله ص- قال فما تصنعون بالحياة بعده- قوموا فموتوا على ما مات عليه- ثم قام فجالد بسيفه حتى قتل- فقال عمر بن الخطاب- إني لأرجو أن يبعثه الله أمة وحده يوم القيامة- وجد به سبعون ضربة في وجهه- ما عرف حتى عرفته أخته- . قال الواقدي- و قالوا إن مالك بن الدخشم- مر على خارجة بن زيد بن زهير يومئذ و هو قاعد- و في حشوته ثلاثة عشر جرحا- كلها قد خلصت إلى مقتل- فقال له مالك- أ ما علمت أن محمدا قد قتل- قال خارجة فإن كان محمد قد قتل- فإن الله حي لا يقتل و لا يموت- و إن محمدا قد بلغ رسالة ربه- فاذهب أنت فقاتل عن دينك- . قال- و مر مالك بن الدخشم أيضا على سعد بن الربيع- و به اثنا عشر جرحا كلها قد خلصت إلى مقتل- فقال أ علمت أن محمدا قد قتل- فقال سعد أشهد أن محمدا قد بلغ رسالة ربه- فقاتل أنت عن دينك- فإن الله حي لا يموت- .
قال محمد بن إسحاق- و حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن- بن أبي صعصعة المازني أخو بني النجار- قال قال رسول الله ص يومئذ- من رجل ينظر ما فعل سعد بن الربيع- أ في الأحياء هو أم في الأموات- فقال رجل من الأنصار- أنا أنظر يا رسول الله ما فعل- فنظر فوجده جريحا في القتلى و به رمق- فقال له إن رسول الله ص- أمرني أن أنظر في الأحياء أنت أم في الأموات- قال أنا في الأموات- فأبلغ رسول الله مني السلام- و قل له إن سعد بن الربيع يقول- جزاك الله خيرا عنا ما جزى نبيا عن أمته- و أبلغ قومك السلام عني- و قل لهم إن سعد بن الربيع يقول لكم- لا عذر لكم عند الله أن يخلص إلى نبيكم- و منكم عين تطرف- قال فلم أبرح عنده حتى مات- ثم جئت إلى رسول الله ص فأخبرته- فقال اللهم ارض عن سعد بن الربيع قال الواقدي- و حدثني عبد الله بن عمار- عن الحارث بن الفضيل الخطمي قال- أقبل ثابت بن الدحداحة يومئذ و المسلمون أوزاع- قد سقط في أيديهم- فجعل يصيح يا معشر الأنصار- إلي إلي أنا ثابت بن الدحداحة- إن كان محمد قد قتل- فإن الله حي لا يموت قاتلوا عن دينكم- فإن الله مظهركم و ناصركم- فنهض إليه نفر من الأنصار- فجعل يحمل بمن معه من المسلمين- و قد وقفت لهم كتيبة خشناء فيها رؤساؤهم- خالد بن الوليد و عمرو بن العاص- و عكرمة بن أبي جهل و ضرار بن الخطاب- و جعلوا يناوشونهم- ثم حمل عليه خالد بن الوليد بالرمح فطعنه- فأنفذه فوقع ميتا- و قتل من كان معه من الأنصار- فيقال إن هؤلاء آخر من قتل من المسلمين- في ذلك اليوم- و قال عبد الله بن الزبعرى يذكر يوم أحد-
ألا ذرفت من مقلتيك دموع
و قد بان في حبل الشباب قطوع
و شط بمن تهوى المزار و فرقت
نوى الحي دار بالحبيب فجوع
و ليس لما ولى على ذي صبابة
و إن طال تذراف الدموع رجوع
فدع ذا و لكن هل أتى أم مالك
أحاديث قومي و الحديث يشيع
و مجنبنا جردا إلى أهل يثرب
عناجيج فيها ضامر و بديع
عشية سرنا من كداء يقودها
ضرور الأعادي للصديق نفوع
يشد علينا كل زحف كأنها
غدير نضوح الجانبين نقيع
فلما رأونا خالطتهم مهابة
و خامرهم رعب هناك فظيع
فودوا لو أن الأرض ينشق ظهرها
بهم و صبور القوم ثم جزوع
و قد عريت بيض كأن وميضها
حريق وشيك في الآباء سريع
بأيماننا نعلو بها كل هامة
و فيها سمام للعدو ذريع
فغادرن قتلى الأوس عاصبة
بهم ضباع و طير فوقهن وقوع
و مر بنو النجار في كل تلعة
بأثوابهم من وقعهن نجيع
و لو لا علو الشعب غادرن أحمدا
و لكن علا و السمهري شروع
كما غادرت في الكر حمزة ثاويا
و في صدره ماضي الشباة وقيع
و قال ابن الزبعرى أيضا من قصيدة مشهورة و هي-
يا غراب البين أ سمعت
فقل إنما تندب أمرا قد فعل
إن للخير و للشر مدى
و سواء قبر مثر و مقل
كل خير و نعيم زائل و بنات
الدهر يلعبن بكل
أبلغا حسان عني آية
فقريض الشعر يشفي ذا الغلل
كم ترى بالجسر من جمجمة
و أكفا قد أترت و رجل
و سرابيل حسان شققت
عن كماة غودروا في المنتزل
كم قتلنا من كريم سيد
ماجد الجدين مقدام بطل
صادق النجدة قرم بارع
غير ملطاط لدى وقع الأسل
فسل المهراس من ساكنه
من كراديس و هام كالحجل
ليت أشياخي ببدر شهدوا
جزع الخزرج من وقع الأسل
حين حطت بقباء بركها
و استحر القتل في عبد الأشل
ثم خفوا عند ذاكم رقصا
رقص الحفان تعدو في الجبل
فقتلنا النصف من ساداتهم
و عدلنا ميل بدر فاعتدل
لا ألوم النفس إلا أننا
لو كررنا لفعلنا المفتعل
بسيوف الهند تعلو هامهم
تبرد الغيظ و يشفين الغلل
قلت كثير من الناس يعتقدون- أن هذا البيت ليزيد بن معاوية- و هو قوله ليت أشياخي- و قال من أكره التصريح باسمه- هذا البيت ليزيد- فقلت له إنما قاله يزيد متمثلا- لما حمل إليه رأس الحسين ع- و هو لابن الزبعرى فلم تسكن نفسه إلى ذلك- حتى أوضحته له فقلت أ لا تراه يقول- جزع الخزرج من وقع الأسل- و الحسين ع لم تحارب عنه الخزرج- و كان يليق أن يقول- جزع بني هاشم من وقع الأسل- فقال بعض من كان حاضرا- لعله قاله في يوم الحرة- فقلت المنقول أنه أنشده لما حمل إليه رأس الحسين ع- و المنقول أنه شعر ابن الزبعرى- و لا يجوز أن يترك المنقول إلى ما ليس بمنقول- . و على ذكر هذا الشعر- فإني حضرت و أنا غلام بالنظامية ببغداد- في بيت عبد القادر بن داود الواسطي المعروف بالمحب- خازن دار الكتب بها- و عنده في البيت باتكين الرومي- الذي ولي إربل أخيرا- و عنده أيضا جعفر بن مكي الحاجب- فجرى ذكر يوم أحد و شعر ابن الزبعرى هذا و غيره- و أن المسلمين اعتصموا بالجبل فأصعدوا فيه- و أن الليل حال أيضا بين المشركين و بينهم- فأنشد ابن مكي بيتين لأبي تمام متمثلا-
لو لا الظلام و قلة علقوا
بها باتت رقابهم بغير قلال
فليشكروا جنح الظلام و دروذا
فهم لدروذ و الظلام موالي
فقال باتكين- لا تقل هذا و لكن قل- وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ- حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَ تَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَ عَصَيْتُمْ- مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ- مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ- ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ- وَ لَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ- و كان باتكين مسلما- و كان جعفر سامحه الله مغموصا عليه في دينه
الجزء الخامس عشر
تتمة باب الكتب و الرسائل
تتمة 9 و من كتاب له ع إلى معاوية
تتمة الفصل الرابع في قصة غزوة أحد
بسم الله الرحمن الرحيم- و به ثقتي الحمد لله الواحد العدل
القول في أسماء الذين تعاقدوا من قريش على قتل رسول الله ص و ما أصابوه به في المعركة يوم الحرب
قال الواقدي تعاقد من قريش على قتل رسول الله ص- عبد الله بن شهاب الزهري و ابن قميئة- أحد بني الحارث بن فهر- و عتبة بن أبي وقاص الزهري- و أبي بن خلف الجمحي- فلما أتى خالد بن الوليد من وراء المسلمين- و اختلطت الصفوف- و وضع المشركون السيف في المسلمين- رمى عتبة بن أبي وقاص رسول الله ص بأربعة أحجار- فكسر رباعيته و شجه في وجهه- حتى غاب حلق المغفر في وجنتيه و أدمى شفتيه- . قال الواقدي- و قد روي أن عتبة أشظى باطن رباعيته السفلى- قال و الثبت عندنا- أن الذي رمى وجنتي رسول الله ص ابن قميئة- و الذي رمى شفته و أصاب رباعيته عتبة بن أبي وقاص- .
قال الواقدي أقبل ابن قميئة يومئذ و هو يقول- دلوني على محمد- فو الذي يحلف به لئن رأيته لأقتلنه- فوصل إلى رسول الله ص فعلاه بالسيف- و رماه عتبة بن أبي وقاص- في الحال التي جلله ابن قميئة فيها السيف- و كان ع فارسا و هو لابس درعين مثقل بهما- فوقع رسول الله ص عن الفرس في حفرة كانت أمامه- . قال الواقدي- أصيب ركبتاه جحشتا لما وقع في تلك الحفرة- و كانت هناك حفر حفرها أبو عامر الفاسق كالخنادق للمسلمين- و كان رسول الله ص واقفا على بعضها و هو لا يشعر- فجحشت ركبتاه- و لم يصنع سيف ابن قميئة شيئا إلا وهز الضربة بثقل السيف- فقد وقع رسول الله ص- ثم انتهض و طلحة يحمله من ورائه- و علي ع آخذ بيديه حتى استوى قائما- . قال الواقدي فحدثني الضحاك بن عثمان عن حمزة بن سعيد- عن أبي بشر المازني قال- حضرت يوم أحد و أنا غلام- فرأيت ابن قميئة علا رسول الله ص بالسيف- و رأيت رسول الله ص وقع على ركبتيه في حفرة أمامه- حتى توارى في الحفرة- فجعلت أصيح و أنا غلام حتى رأيت الناس ثابوا إليه- .
قال فأنظر إلى طلحة بن عبيد الله آخذا بحضنه حتى قام- . قال الواقدي و يقال- إن الذي شج رسول الله ص في جبهته ابن شهاب- و الذي أشظى رباعيته و أدمى شفتيه عتبة بن أبي وقاص- و الذي أدمى وجنتيه حتى غاب الحلق فيهما ابن قميئة- و إنه سال الدم من الشجة التي في جبهته- حتى أخضل لحيته-و كان سالم مولى أبي حذيفة يغسل الدم عن وجهه- و رسول الله ص يقول كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم- و هو يدعوهم إلى الله تعالى- فأنزل الله تعالى قوله لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ- أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ الآية-.
قال الواقدي و روى سعد بن أبي وقاص قال قال رسول الله ص يومئذ اشتد غضب الله على قوم دموا فا رسول الله ص- اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسول الله- اشتد غضب الله على رجل قتله رسول الله ص – قال سعد فلقد شفاني من عتبة أخي دعاء رسول الله ص- و لقد حرصت على قتله حرصا ما حرصت على شيء قط- و إن كان ما علمت لعاقا بالوالد سيئ الخلق- و لقد تخرقت صفوف المشركين مرتين أطلب أخي لأقتله- و لكنه راغ مني روغان الثعلب- فلما كان الثالثة قال رسول الله ص يا عبد الله ما تريد- أ تريد أن تقتل نفسك فكففت- فقال رسول الله ص اللهم لا تحولن الحول على أحد منهم- قال سعد- فو الله ما حال الحول على أحد ممن رماه أو جرحه- مات عتبة- و أما ابن قميئة فاختلف فيه- فقائل يقول قتل في المعرك- و قائل يقول إنه رمي بسهم في ذلك اليوم- فأصاب مصعب بن عمير فقتله- فقال خذها و أنا ابن قميئة- فقال رسول الله ص أقمأه الله- فعمد إلى شاة يحتلبها- فتنطحه بقرنها و هو معتلقها فقتلته- فوجد ميتا بين الجبال لدعوة رسول الله ص- و كان عدو الله رجع إلى أصحابه فأخبرهم أنه قتل محمدا- . قال و ابن قميئة رجل من بني الأدرم من بني فهر- .
و زاد البلاذري في الجماعة التي تعاهدت و تعاقدت- على قتل رسول الله ص يوم أحد عبد الله بن حميد بن زهير- بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي- . قال و ابن شهاب الذي شج رسول الله ص في جبهته- هو عبد اللهبن شهاب الزهري- جد الفقيه المحدث محمد بن مسلم- بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب- و كان ابن قميئة أدرم ناقص الذقن- و لم يذكر اسمه و لا ذكره الواقدي أيضا- . قلت سألت النقيب أبا جعفر عن اسمه فقال عمرو- فقلت له أ هو عمرو بن قميئة الشاعر قال لا هو غيره- فقلت له ما بال بني زهرة في هذا اليوم- فعلوا الأفاعيل برسول الله ص- و هم أخواله ابن شهاب و عتبة بن أبي وقاص- فقال يا ابن أخي حركهم أبو سفيان و هاجهم على الشر- لأنهم رجعوا يوم بدر من الطريق إلى مكة فلم يشهدوها- فاعترض عيرهم و منعهم عنها- و أغرى بها سفهاء أهل مكة فعيروهم برجوعهم- و نسبوهم إلى الجبن و إلى الإدهان في أمر محمد ص- و اتفق أنه كان فيهم مثل هذين الرجلين- فوقع منهما يوم أحد ما وقع- .
قال البلاذري مات عتبة يوم أحد من وجع أليم أصابه- فتعذب به و أصيب ابن قميئة في المعركة- و قيل نطحته عنز فمات- . قال و لم يذكر الواقدي ابن شهاب كيف مات- و أحسب ذلك بالوهم منه- . قال و حدثني بعض قريش- أن أفعى نهشت عبد الله بن شهاب في طريقه إلى مكة فمات- قال و سألت بعض بني زهرة عن خبره- فأنكروا أن يكون رسول الله ص دعا عليه- أو يكون شج رسول الله ص- و قالوا إن الذي شجه في وجهه عبد الله بن حميد الأسدي- . فأما عبد الله بن حميد الفهري- فإن الواقدي و إن لم يذكره- في الجماعة الذينتعاقدوا على قتل رسول الله ص- إلا أنه قد ذكر كيفية قتله- .
قال الواقدي و يقبل عبد الله بن حميد بن زهير- حين رأى رسول الله ص على تلك الحال- يعني سقوطه من ضربة ابن قميئة- يركض فرسه مقنعا في الحديد- يقول أنا ابن زهير دلوني على محمد- فو الله لأقتلنه أو لأموتن دونه- فتعرض له أبو دجانة- فقال هلم إلى من يقي نفس محمد ص بنفسه- فضرب فرسه فعرقبها فاكتسعت- ثم علاه بالسيف و هو يقول خذها و أنا ابن خرشة حتى قتله-و رسول الله ص ينظر إليه و يقول- اللهم ارض عن ابن خرشة كما أنا عنه راض- هذه رواية الواقدي و بها قال البلاذري- إن عبد الله بن حميد قتله أبو دجانة- . فأما محمد بن إسحاق فقال- إن الذي قتل عبد الله بن حميد علي بن أبي طالب ع- و به قالت الشيعة- .
و روى الواقدي و البلاذري- أن قوما قالوا إن عبد الله بن حميد هذا قتل يوم بدر- . فالأول الصحيح أنه قتل يوم أحد- و قد روى كثير من المحدثين- أن رسول الله ص قال لعلي ع حين سقط ثم أقيم- اكفني هؤلاء لجماعة قصدت نحوه- فحمل عليهم فهزمهم- و قتل منهم عبد الله بن حميد من بني أسد بن عبد العزى- ثم حملت عليه طائفة أخرى- فقال له اكفني هؤلاء- فحمل عليهم فانهزموا من بين يديه- و قتل منهم أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة المخزومي- . قال فأما أبي بن خلف- فروى الواقدي أنه أقبل يركض فرسه- حتى إذا دنا من رسول الله ص- اعترض له ناس من أصحابه ليقتلوه- فقال لهم استأخرواعنه ثم قام إليه و حربته في يده- فرماه بها بين سابغة البيضة و الدرع فطعنه هناك- فوقع عن فرسه فانكسر ضلع من أضلاعه- و احتمله قوم من المشركين ثقيلا- حتى ولوا قافلين فمات في الطريق- و قال و فيه أنزلت وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى- قال يعني قذفه إياه بالحربة-.
قال الواقدي و حدثني يونس بن محمد الظفري- عن عاصم بن عمر عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه- قال كان أبي بن خلف قدم في فداء ابنه- و كان أسر يوم بدر- فقال يا محمد إن عندي فرسا لي أعلفها- فرقا من ذرة كل يوم لأقتلك عليها- فقال رسول الله ص بل أنا أقتلك عليها إن شاء الله تعالى- . و يقال إن أبيا إنما قال ذلك بمكة- فبلغ رسول الله ص بالمدينة كلمته- فقال بل أنا أقتله عليها إن شاء الله- قال و كان رسول الله ص في القتال لا يلتفت وراءه- فكان يوم أحد يقول لأصحابه- إني أخشى أن يأتي أبي بن خلف من خلفي- فإذا رأيتموه فآذنوني- و إذا بأبي يركض على فرسه- و قد رأى رسول الله ص فعرفه- فجعل يصيح بأعلى صوته يا محمد لا نجوت إن نجوت- فقال القوم يا رسول الله- ما كنت صانعا حين يغشاك أبي فاصنع فقد جاءك- و إن شئت عطف عليه بعضنا- فأبى رسول الله ص و دنا أبي- فتناول رسول الله ص الحربة من الحارث بن الصمة- ثم انتفض كما ينتفض البعير- قال فتطايرناعنه تطاير الشعارير- و لم يكن أحد يشبه رسول الله ص إذا جد الجد- ثم طعنه بالحربة في عنقه و هو على فرسه لم يسقط- إلا أنه خار كما يخور الثور- فقال له أصحابه أبا عامر و الله ما بك بأس- و لو كان هذا الذي بك بعين أحدنا ما ضره- قال و اللات و العزى- لو كان الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا كلهم أجمعون- أ ليس قال لأقتلنه فاحتملوه- و شغلهم ذلك عن طلب رسول الله ص- حتى التحق بعظم أصحابه في الشعب- .
قال الواقدي- و يقال إنه تناول الحربة من الزبير بن العوام- قال و يقال إنه لما تناول الحربة من الزبير- حمل أبي على رسول الله ص ليضربه بالسيف- فاستقبله مصعب بن عمير حائلا بنفسه بينهما- و إن مصعبا ضرب بالسيف أبيا في وجهه- و أبصر رسول الله ص فرجة من بين سابغة البيضة و الدرع- فطعنه هناك فوقع و هو يخور- . قال الواقدي و كان عبد الله بن عمر يقول- مات أبي بن خلف ببطن رابغ منصرفهم إلى مكة- قال فإني لأسير ببطن رابغ بعد ذلك- و قد مضى هوي من الليل إذا نار تأجج فهبتها- و إذا رجل يخرج منها في سلسلة يجتذبها يصيح العطش- و إذا رجل يقول لا تسقه- فإن هذا قتيل رسول الله ص هذا أبي بن خلف- فقلت ألا سحقا و يقال إنه مات بسرف
القول في الملائكة نزلت بأحد و قاتلت أم لا
قال الواقدي حدثني الزبير بن سعيد- عن عبد الله بن الفضل قال- أعطى رسول الله ص مصعب بن عمير اللواء فقتل- فأخذه ملك في صورة مصعب- فجعل رسول الله ص يقول له في آخر النهار- تقدم يا مصعب فالتفت إليه الملك- فقال لست بمصعب- فعرف رسول الله ص أنه ملك أيد به- .
قال الواقدي سمعت أبا معشر يقول مثل ذلك- . قال و حدثتني عبيدة بنت نائل- عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص عنه- قال لقد رأيتني أرمى بالسهم يومئذ- فيرده عني رجل أبيض حسن الوجه لا أعرفه- حتى كان بعد فظننت أنه ملك- . قال الواقدي و حدثني إبراهيم بن سعد عن أبيه- عن جده سعد بن أبي وقاص قال- رأيت ذلك اليوم رجلين عليهما ثياب بيض- أحدهما عن يمين رسول الله ص- و الآخر عن شماله يقاتلان أشد القتال- ما رأيتهما قبل و لا بعد- قال و حدثني عبد الملك بن سليمان عن قطن بن وهب- عن عبيد بن عمير قال- لما رجعت قريش من أحد- جعلوا يتحدثون في أنديتهم بما ظفروا- يقولون لم نر الخيل البلق- و لا الرجال البيض الذين كنا نراهم يوم بدر- .
قال و قال عبيد بن عمير لم تقاتل الملائكة يوم أحد- . قال الواقدي و حدثني ابن أبي سبرة- عن عبد المجيد بن سهيل عن عمر بن الحكم قال- لم يمد رسول الله ص يوم أحد بملك واحد- و إنما كانوا يوم بدر- قال و مثله عن عكرمة- .
قال و قال مجاهد حضرت الملائكة يوم أحد و لم تقاتل- و إنما قاتلت يوم بدر- . قال و روي عن أبي هريرة أنه قال- وعدهم الله أن يمدهم لو صبروا- فلما انكشفوا لم تقاتل الملائكة يومئذ
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 14-15