google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
180-200 خطبه شرح وترجمه میر حبیب الله خوئیخطبه ها شرح و ترجمه میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 182 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 183 صبحی صالح

183- من خطبة له ( عليه ‏السلام  ) في قدرة اللّه و في فضل القرآن و في الوصية بالتقوى

الله تعالى‏

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ وَ الْخَالِقِ مِنْ غَيْرِ مَنْصَبَةٍ

خَلَقَ الْخَلَائِقَ بِقُدْرَتِهِ وَ اسْتَعْبَدَ الْأَرْبَابَ بِعِزَّتِهِ وَ سَادَ الْعُظَمَاءَ بِجُودِهِ

وَ هُوَ الَّذِي أَسْكَنَ الدُّنْيَا خَلْقَهُ وَ بَعَثَ إِلَى الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ رُسُلَهُ لِيَكْشِفُوا لَهُمْ عَنْ غِطَائِهَا

وَ لِيُحَذِّرُوهُمْ مِنْ ضَرَّائِهَا وَ لِيَضْرِبُوا لَهُمْ أَمْثَالَهَا وَ لِيُبَصِّرُوهُمْ عُيُوبَهَا وَ لِيَهْجُمُوا عَلَيْهِمْ بِمُعْتَبَرٍ مِنْ تَصَرُّفِ مَصَاحِّهَا وَ أَسْقَامِهَا

وَ حَلَالِهَا وَ حَرَامِهَا وَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِلْمُطِيعِينَ مِنْهُمْ وَ الْعُصَاةِ مِنْ جَنَّةٍ وَ نَارٍ وَ كَرَامَةٍ وَ هَوَانٍ

أَحْمَدُهُ إِلَى نَفْسِهِ كَمَا اسْتَحْمَدَ إِلَى خَلْقِهِ وَ جَعَلَ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدْراًوَ لِكُلِّ قَدْرٍ أَجَلًا وَ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَاباً

فضل القرآن‏

منهافَالْقُرْآنُ آمِرٌ زَاجِرٌ وَ صَامِتٌ نَاطِقٌ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ

أَخَذَ عَلَيْهِ مِيثَاقَهُمْ وَ ارْتَهَنَ عَلَيْهِمْ أَنْفُسَهُمْ

أَتَمَّ نُورَهُ وَ أَكْمَلَ بِهِ دِينَهُ وَ قَبَضَ نَبِيَّهُ ( صلى‏ الله ‏عليه‏ وآله  )وَ قَدْ فَرَغَ إِلَى الْخَلْقِ مِنْ أَحْكَامِ الْهُدَى بِهِ

فَعَظِّمُوا مِنْهُ سُبْحَانَهُ مَا عَظَّمَ مِنْ نَفْسِهِ

فَإِنَّهُ‏ لَمْ يُخْفِ عَنْكُمْ شَيْئاً مِنْ دِينِهِ وَ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئاً رَضِيَهُ أَوْ كَرِهَهُ إِلَّا وَ جَعَلَ لَهُ عَلَماً بَادِياً وَ آيَةً مُحْكَمَةً تَزْجُرُ عَنْهُ أَوْ تَدْعُو إِلَيْهِ

فَرِضَاهُ فِيمَا بَقِيَ وَاحِدٌ وَ سَخَطُهُ فِيمَا بَقِيَ وَاحِدٌ

وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرْضَى عَنْكُمْ بِشَيْ‏ءٍ سَخِطَهُ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَ لَنْ يَسْخَطَ عَلَيْكُمْ بِشَيْ‏ءٍ رَضِيَهُ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ

وَ إِنَّمَا تَسِيرُونَ فِي أَثَرٍ بَيِّنٍ وَ تَتَكَلَّمُونَ بِرَجْعِ قَوْلٍ قَدْ قَالَهُ الرِّجَالُ مِنْ قَبْلِكُمْ

قَدْ كَفَاكُمْ مَئُونَةَ دُنْيَاكُمْ وَ حَثَّكُمْ عَلَى الشُّكْرِ وَ افْتَرَضَ مِنْ أَلْسِنَتِكُمُ الذِّكْرَ

الوصية بالتقوى‏

وَ أَوْصَاكُمْ بِالتَّقْوَى وَ جَعَلَهَا مُنْتَهَى رِضَاهُ وَ حَاجَتَهُ مِنْ خَلْقِهِ

فَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِعَيْنِهِ وَ نَوَاصِيكُمْ بِيَدِهِ وَ تَقَلُّبُكُمْ فِي قَبْضَتِهِ

إِنْ أَسْرَرْتُمْ عَلِمَهُ وَ إِنْ أَعْلَنْتُمْ كَتَبَهُ قَدْ وَكَّلَ بِذَلِكَ حَفَظَةً كِرَاماً لَا يُسْقِطُونَ حَقّاً وَ لَا يُثْبِتُونَ بَاطِلًا

وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاًمِنَ الْفِتَنِ وَ نُوراً مِنَ الظُّلَمِ

وَ يُخَلِّدْهُ فِيمَا اشْتَهَتْ نَفْسُهُ وَ يُنْزِلْهُ مَنْزِلَ الْكَرَامَةِ عِنْدَهُ فِي دَارٍ اصْطَنَعَهَا لِنَفْسِهِ

ظِلُّهَا عَرْشُهُ وَ نُورُهَا بَهْجَتُهُ وَ زُوَّارُهَا مَلَائِكَتُهُ وَ رُفَقَاؤُهَا رُسُلُهُ فَبَادِرُوا الْمَعَادَ وَ سَابِقُوا الْآجَالَ

فَإِنَّ النَّاسَ يُوشِكُ أَنْ يَنْقَطِعَ بِهِمُ الْأَمَلُ وَ يَرْهَقَهُمُ الْأَجَلُ وَ يُسَدَّ عَنْهُمْ بَابُ التَّوْبَةِ

فَقَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي مِثْلِ مَا سَأَلَ إِلَيْهِ الرَّجْعَةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ

وَ أَنْتُمْ بَنُو سَبِيلٍ عَلَى سَفَرٍ مِنْ دَارٍ لَيْسَتْ بِدَارِكُمْ

وَ قَدْ أُوذِنْتُمْ مِنْهَا بِالِارْتِحَالِ وَ أُمِرْتُمْ فِيهَا بِالزَّادِ

وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ لِهَذَا الْجِلْدِ الرَّقِيقِ صَبْرٌ عَلَى النَّارِ فَارْحَمُوا نُفُوسَكُمْ فَإِنَّكُمْ قَدْ جَرَّبْتُمُوهَا فِي مَصَائِبِ الدُّنْيَا

أَ فَرَأَيْتُمْ جَزَعَ أَحَدِكُمْ مِنَ الشَّوْكَةِ تُصِيبُهُ وَ الْعَثْرَةِ تُدْمِيهِ وَ الرَّمْضَاءِ تُحْرِقُهُ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ بَيْنَ طَابَقَيْنِ مِنْ نَارٍ ضَجِيعَ حَجَرٍ وَ قَرِينَ شَيْطَانٍ

أَ عَلِمْتُمْ أَنَّ مَالِكاً إِذَا غَضِبَ عَلَى النَّارِ حَطَمَ بَعْضُهَا بَعْضاً لِغَضَبِهِ

وَ إِذَا زَجَرَهَا تَوَثَّبَتْ بَيْنَ أَبْوَابِهَا جَزَعاً مِنْ زَجْرَتِهِ

أَيُّهَا الْيَفَنُ الْكَبِيرُ الَّذِي قَدْ لَهَزَهُ الْقَتِيرُ كَيْفَ أَنْتَ إِذَا الْتَحَمَتْ أَطْوَاقُ النَّارِ بِعِظَامِ الْأَعْنَاقِ وَ نَشِبَتِ الْجَوَامِعُ حَتَّى أَكَلَتْ لُحُومَ السَّوَاعِدِ

فَاللَّهَ اللَّهَ مَعْشَرَ الْعِبَادِ وَ أَنْتُمْ سَالِمُونَ فِي الصِّحَّةِ قَبْلَ السُّقْمِ وَ فِي الْفُسْحَةِ قَبْلَ الضِّيقِ

فَاسْعَوْا فِي فَكَاكِ رِقَابِكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُغْلَقَ رَهَائِنُهَا

أَسْهِرُوا عُيُونَكُمْ وَ أَضْمِرُوا بُطُونَكُمْ وَ اسْتَعْمِلُوا أَقْدَامَكُمْ وَ أَنْفِقُوا أَمْوَالَكُمْ

وَ خُذُوا مِنْ أَجْسَادِكُمْ فَجُودُوا بِهَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَ لَا تَبْخَلُوا بِهَا عَنْهَا

فَقَدْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ‏وَ قَالَ تَعَالَى مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَ لَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ‏

فَلَمْ يَسْتَنْصِرْكُمْ‏مِنْ ذُلٍّ وَ لَمْ يَسْتَقْرِضْكُمْ مِنْ قُلٍّ اسْتَنْصَرَكُمْ وَ لَهُ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَ اسْتَقْرَضَكُمْ وَ لَهُ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ

وَ إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا

فَبَادِرُوا بِأَعْمَالِكُمْ تَكُونُوا مَعَ جِيرَانِ اللَّهِ فِي دَارِهِ

رَافَقَ بِهِمْ رُسُلَهُ وَ أَزَارَهُمْ مَلَائِكَتَهُ وَ أَكْرَمَ أَسْمَاعَهُمْ أَنْ تَسْمَعَ حَسِيسَ نَارٍ أَبَداً

وَ صَانَ أَجْسَادَهُمْ أَنْ تَلْقَى لُغُوباً وَ نَصَباً ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ‏

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ‏عَلَى نَفْسِي وَ أَنْفُسِكُمْ وَ هُوَ حَسْبُنَا وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج10  

و من خطبة له عليه السّلام و هى المأة و الثانية و الثمانون من المختار فى باب الخطب

الحمد للّه المعروف من غير رؤية، الخالق من غير منصبة، خلق الخلائق بقدرته، و استعبد الأرباب بعزّته، و ساد العظماء بجوده، و هو الّذي أسكن الدّنيا خلقه، و بعث إلى الجنّ و الإنس رسله،ليكشفوا لهم عن غطائها، و ليحذّروهم من ضرائها، و ليضربوا لهم أمثالها، و ليبصّروهم عيوبها، و ليهجموا عليهم بمعتبر من تصرّف مصاحّها و أسقامها، و حلالها و حرامها، و ما أعدّ سبحانه للمطيعين منهم و العصاة من جنّة و نار، و كرامة و هوان، أحمده إلى نفسه كما استحمد إلى خلقه، جعل لكلّ شي‏ء قدرا، و لكلّ قدر أجلا، و لكلّ أجل كتابا.

منها: في ذكر القرآن فالقرآن آمر زاجر، و صامت ناطق، حجّة اللّه على خلقه، أخذ عليهم ميثاقه، و ارتهن عليه أنفسهم، أتمّ نوره، و أكرم به دينه، و قبض نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و قد فرغ إلى الخلق من أحكام الهدى به، فعظّموا منه سبحانه ما عظّم من نفسه، فإنّه لم يخف عنكم شيئا من دينه، و لم يترك شيئا رضيه أو كرهه إلّا و جعل له علما باديا، و اية محكمة تزجر عنه أو تدعو إليه، فرضاه فيما بقي واحد، و سخطه فيما بقي واحد.

و اعلموا أنّه لن يرض عنكم بشي‏ء سخطه على من كان قبلكم، و لن يسخط عليكم بشي‏ء رضيه ممّن كان قبلكم، و إنّما تسيرون في أثر بيّن، و تتكلّمون برجع قول قد قاله الرّجال من قبلكم، قدكفاكم مؤنة دنياكم، و حثّكم على الشّكر، و افترض من ألسنتكم الذّكر، و أوصاكم بالتّقوى و جعلها منتهى رضاه، و حاجته من خلقه، فاتّقوا اللّه الّذي أنتم بعينه، و نواصيكم بيده، و تقلّبكم في قبضته، إن أسررتم علمه، و إن أعلنتم كتبه، قد وكّل بكم حفظة كراما، لا يسقطون حقّا، و لا يثبتون باطلا.

و اعلموا أنّ من يتّق اللّه يجعل له مخرجا من الفتن، و نورا من الظّلم، و يخلّده فيما اشتهت نفسه، و ينزّله منزلة الكرامة عنده في دار اصطنعها لنفسه، ظلّها عرشه، و نورها بهجته، و زوّارها ملائكته، و رفقاءها رسله، فبادروا المعاد، و سابقوا الاجال، فإنّ النّاس يوشك أن ينقطع بهم الأمل، و يرهقهم الأجل، و يسدّ عنهم باب التّوبة، فقد أصبحتم في مثل ما سأل إليه الرّجعة من كان قبلكم، و أنتم بنو سبيل على سفر من دار ليست بداركم، و قد أوذنتم منها بالارتحال، و أمرتم فيها بالزّاد.

و اعلموا أنّه ليس لهذا الجلد الرّقيق صبر على النّار، فارحموا نفوسكم فإنّكم قد جرّبتموها في مصائب الدّنيا أ فرأيتم جزع أحدكم من الشّوكة تصيبه، و العثرة تدميه، و الرّمضاء تحرقه، فكيف إذاكان بين طابقين من نار، ضجيع حجر، و قرين شيطان، أعلمتم أنّ مالكا إذا غضب على النّار حطم بعضها بعضا لغضبه، و إذا زجرها توثّبت بين أبوابها جزعا من زجرته، أيّها اليفن الكبير الّذي قد لهزه القتير، كيف أنت إذا التحمت أطواق النّار بعظام الأعناق، و نشبت الجوامع حتّى أكلت لحوم السّواعد.

فاللّه اللّه معشر العباد و أنتم سالمون في الصّحّة قبل السّقم، و في الفسحة قبل الضّيق، فاسعوا في فكاك رقابكم من قبل أن تغلق رهائنها، أسهروا عيونكم، و أضمروا بطونكم، و استعملوا أقدامكم و أنفقوا أموالكم، و خذوا من أجسادكم ما تجودوا بها على أنفسكم و لا تبخلوا بها عنها، فقد قال اللّه سبحانه- إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ- و قال:- مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَ لَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ- فلم يستنصركم من ذلّ، و لم يستقرضكم من قلّ، استنصركم و له جنود السّموات و الأرض و هو العزيز الحكيم، و استقرضكم و له خزائن السّموات و الأرض و هو الغنيّ الحميد، و إنّما أراد أن يبلوكم أيّكم أحسن عملا، فبادروا بأعمالكم، تكونوا مع جيران اللّه في داره، رافق بهم رسله، و أزارهم‏ملائكته، و أكرم أسماعهم أن تسمع حسيس نار أبدا، و صان أجسادهم أن تلقى لغوبا و نصبا- ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ- أقول ما تسمعون، و اللّه المستعان على نفسي و أنفسكم، و هو حسبنا و نعم الوكيل.

اللغة

(نصب) نصبا من باب تعب أعيا و عيش ناصب و ذو منصبة فيه كدّ و جهد و نصبه الهمّ أتعبه و (هجمت) عليه هجوما من باب قعد دخلت على غفلة منه، و هجمت على القوم جعلت يهجم عليهم يتعدّي و لا يتعدّى و (المصاح) جمع مصحّة مفعلة من الصحّة كمضار جمع مضرّة، و الصّوم مصحّة بفتح الصاد و كسرها أى فيه صحّة أو يصحّ به و (سخط) سخطا من باب تعب غضب.

و (رجع قول) قال الشارح البحراني أى المردد منه، و لعلّه وهم لأنّ الترديد معنى الترجيح مصدر باب التفعيل و منه ترجيع الصّوت و هو تحريكه، و ترجيع الأذان و هو تكرير فصوله، و في القاموس الرجيع من الكلام المردود إلى صاحبه و الروث و كلّ مردود و لم يذكر في معاني رجع الترديد، فالظاهر أنه بمعنى النفع من قولهم ليس له منه رجع أى نفع و فائدة قال في القاموس: الرجع النفع و رجع كلامي فيه أفاد.

و (يوشك) أن يكون كذا بكسر الشين من أفعال المقاربة مضارع أو شك يفيد الدنوّ من الشي‏ء، و قال الفارابي الايشاك الاسراع، و قال النحاة استعمال المضارع أكثر من الماضي و استعمال اسم الفاعل قليل و قد استعملوا ماضيا ثلاثيا فقالوا و شك مثل قرب و شكا، و في القاموس و شك الأمر ككرم سرع كوشك و أوشك أسرع السير كواشك و يوشك الأمر أن يكون و أن يكون الأمر و لا تفتح شينه أو لغة رديئةو (رهقت) الشي‏ء رهقا من باب تعب قربت منه، قال أبو زيد: طلبت الشي‏ء حتّى رهقته و كدت آخذه أو أخذته، و قال: رهقته أدركته و رهقه الدّين غشيه و (الطابق) وزان هاجر و صاحب و رويا معا الاجر الكبير، و ظرف يطبخ فيه معرب تابه و الجمع طوابيق و (اليفن) محرّكة الشيخ الكبير و (لغب) لغبا من باب قتل و تعب لغوبا أعيا و تعب.

الاعراب

الباء في قوله عليه السّلام: بمعتبر، للمصاحبة أو التعدية، و من في قوله: من تصرّف بيانية، و حلالها بالجرّ عطف على تصرّف أو على أسقامها، و قوله: و ما أعدّ اللّه، إما عطف على معتبر أو على عيوبها، و الى في قوله: أحمده إلى نفسه، لانتهاء الغاية كما في نحو الأمر إليك أى منته إليك قال ابن هشام: و يقولون أحمد إليك اللّه، أى انهى حمده إليك آه، و في قوله كما استحمد إلى خلقه، لانتهاء الغاية أيضا أو بمعنى من كما في قول الشاعر:

تقول و قد عاليت بالكور فوقها
أيسقى فلا يروى إلىّ ابن احمرا

أى منّى، و من في قوله: فعظموا منه زايدة أى عظموه، و ما في قوله: ما عظم مصدرية، و حاجته بالنصب عطف على منتهى.
و قوله: من ألسنتكم الذكر، قال الشارح المعتزلي من متعلّقة بمحذوف دلّ عليه المصدر المتأخر، تقديره: و افترض عليكم الذكر من ألسنتكم.

أقول: و كأنّه نظر إلى أنّ المصدر في تقدير أن و الفعل، و ان موصول حرفي لا يتقدّم معموله عليه فلا يجوز تعلّقه بنفس المصدر المذكور إلّا أنه يتوجّه عليه أنّ الظرف و الجارّ و المجرور يتّسع فيه ما لا يتّسع في غيره كما صرّح به المحقّقون من علماء الأدبية، و مثله قوله تعالى فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ فيصحّ فيهما تعلّقهما بالمصدر المذكور و لا حاجة إلى التقدير.

و قوله: ضجيع حجر حال من اسم كان، و على القول بأنّ كان الناقصة و أخواتهالا تعمل في الحال كما نسب إلى المحقّقين من علماء الأدبيّة فلا بدّ من جعل كان تامة بمعنى وجد، و على ذلك فيكون قوله: بين طابقين ظرفا لغوا متعلّقا بكان.

و قوله: فاللّه اللّه، نصب على الأغراء أى اتقوا اللّه، و هذا الفعل المحذوف هو متعلّق قوله في الصحة أى اتّقوه سبحانه في حال الصحّة، و قوله: قبل السقم إمّا بدل من قوله في الصحة أو حال مؤكدة من الصحّة، و قوله: خذوا من أجسادكم، حرف من نشوية، و جملة: وافق بهم رسله استيناف بيانيّ فكأنه سئل عن ثمرة الكون مع جيران اللّه فأجاب بأنّ ثمرته مرافقة الرّسل و زيارة الملائكة و غيرهما.

و قوله: و نعم الوكيل، عطف إمّا على جملة هو حسبنا، فيكون المخصوص محذوفا، و إمّا على حسبنا أى هو نعم الوكيل، فيكون المخصوص هو الضمير المتقدّم و على التقديرين و هو من عطف الانشاء على الاخبار و لا بأس به كما صرّح به ابن هشام و غيره.

المعنى

اعلم أنّ هذه الخطبة الشريفة مسوقة للثناء على اللّه سبحانه و وصف الكتاب العزيز و موعظة المخاطبين و وعدهم بالجنّة و وعيدهم من النار و افتتحها بما هو أحقّ بالافتتاح.
فقال (الحمد للّه) أى الثناء و الذكر الجميل حقّ له سبحانه و مختصّ به لاختصاص أوصاف الجمال و نعوت الكمال بذاته و أشار إلى جملة من تلك الصّفات فقال (المعروف من غير رؤية) أى معروف بالايات، موصوف بالعلامات، مشهود بما أبدعه من عجايب القدرة و شواهد العظمة في الأرضين و السّماوات، و ليست معروفيّته كمعروفيّة الأجسام و الجسمانيّات، و ذوى الكيفيّات و الهيات بأن يعرف برؤية العيون بمشاهدة العيان لكونه تعالى شأنه منزّها عن المقابلة و الجهة و المكان، و غيرها من لواحق الامكان، و انما تعرفه القلوب بحقايق الايمان على ما عرفت ذلك كلّه تفصيلا و تحقيقا في شرح المختار التاسع و الأربعين و المختار المأة و الثّامن و السّبعين.

و (الخالق من غير منصبة) يعني أنه خالق للمخلوقات بلا آلات و أدوات فلا يلحقه ضعف و تعب و اعياء و نصب.
و انما (خلق الخلايق ب) نفس (قدرته) الباهرة و مشيّته القاهرة المضمرة بين الكاف و النون، فأمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون (و استعبد الأرباب بعزّته) أى طلب العبوديّة من السادات و الملوك بقهره و غلبته (و ساد العظماء بجوده) إذ كلّ عظيم فهو بمقتضا امكانه داخر عند وجوده مفتقر إلى إفاضته وجوده.

(و هو الّذي أسكن الدّنيا خلقه) و بثّ فيها من كلّ دابّة (و بعث إلى الجنّ و الانس رسله) بمقتضى اللّطف و الحكمة و واتر إليهم أنبيائه (ليكشفوا لهم عن غطائها) و يرفعوا عنها سترها و حجابها و يسفروا عن وجهها نقابها (و ليحذروهم) منها و (من ضرّائها) و ليرغبوهم في الاخرة و في سرّائها (و ليضربوا لهم أمثالها).

لأنّ أكثر الأفهام لما كانت قاصرة عن إدراك ماهيّات الأشياء إلّا في موادّ محسوسة جرت عادة اللّه سبحانه و عادة رسله و أنبيائه في تبليغ الأحكام و بيان التكاليف و الكشف عن ماهيّات الأشياء على ضرب الأمثال تقريبا للأفهام حسبما عرفت توضيح ذلك في شرح الفصل الثالث من المختار المأة و الاثنين و السبعين.

و لما كان عمدة الغرض من بعث الرّسل و الأنبياء هو جذب الناس إلى طرف الحقّ، و كان حصول ذلك الغرض موقوفا على التنفير عن الدّنيا و الترغيب إلى الأخرى لا جرم أكثروا لها من الأمثال المنفرة، فشبّهوها في وقاحتها و قباحتها بالعجوز الهتماء الشمطاء، و في سرعة الفناء و الانقضاء بالظلّ الزائل و الضوء الافل، و في حسن صورتها و قبيح باطنها بالحيّة اللّين مسّها و القاتل سمّها إلى غير هذه من الأمثال المضروبة لها في الكتاب العزيز و الأخبار و كلمات الأنبياء و الأولياء الأخيار، و قد مضت جملة من تلك الأمثال في شرح الفصل الثاني من المختار الثاني و الثمانين.
(و ليبصّروهم عيوبها) حتّى يشاهدوا معايبها و يروا معاطبها و يعلموا أنّها و إن كانت يونق منظرها إلّا أنها يوبق مخبرها مع تضمّنها لقرب الزيال و ازف الانتقال و علز القلق و ألم المضض و غصص الجرض.

(و ليهجموا عليهم بمعتبر من تصرّف مصاحّها و اسقامها) أى ليدخلوا عليهم على حين غفلة منهم بما يوجب عبرتهم من تقلّباتها و تصرّفاتها على أهلها بالصحّة و السقم و اللّذة و الألم، فعن قليل ترى المرحوم مغبوطا، و المغبوط مرحوما و ترى أهلها يمسون و يصبحون على أحوال شتّى، فصحيح مشعوف بها مشغول بزخارفها، و مريض مبتلا، و ميّت يبكى، و آخر يعزّى، و عائد يعود، و آخر بنفسه يجود، فانّ في ذلك تذكرة و ذكرى و عبرة لاولى النهى إذ على أثر الماضي يمضى الباقي، و سبيل السلف يسلك الخلف.

و قوله (و حلالها و حرامها) قال الشارح المعتزلي يقول عليه السّلام ليدخلوا«» عليهم بما في تصاريف الدّنيا من الصحّة و السقم و ما أحلّ و ما حرّم على طريق الابتلاء به.
و قال الشارح البحراني بعد ما وافق الشارح المعتزلي في هذا المعنى: و يحتمل أن يكون عطفا على أسقامها باعتبار أنّ الحلال و الحرام من تصاريف الدّنيا، و بيانه أنّ كثيرا من المحرّمات لنبيّ كانت حلالا من نبيّ قبله و بالعكس، و ذلك تابع لمصالح الخلق بمقتضى تصاريف أوقاتهم و أحوالهم الّتي هى تصاريف الدّنيا. انتهى أقول: و أنت خبير بأنّ هذين المعنيين و إن كانا يصحّحان كون الحلال«» و الحرام مما هجم به الأنبياء و كونهما«» من تصاريف الدّنيا إلّا أنهما على هذين لا يكونان مما يوجب العبرة كما لا يخفى و قد جعلهما بيانا لقوله معتبر فلا بدّ أن يكون المعنى دخولهم على الأمم و تذكيرهم بتصاريف الحلال و الحرام على وجه يوجب الاعتبار مثل أن يذكروهم: بأنّ الاكتساب من الحلال يوجب في الدّنيا زيادة المال و بركة له، و في الاخرة يصون من غضب الرّب، و الاقتحام في الحرام يورث في الدّنيا تلف المال و ذهابه، و في الاخرة يعقّب الحسرة و الندامة و العطب.

و بأنّ الحلال ربما يتبدّل بالحرام بالظلم و الاثام كما قال عزّ من قائل: «فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ» و بأنّ الحرام قد يتبدّل بالحلال اذا اقتضت الضّرورة كحالة الاضطرار و المخمصة و نحو ذلك مما يوجب الاعتبار بهما و يبعث على القناعة بالحلال و الكفّ عن الحرام.

و أبلغ التذكر و العبرة بتصاريف الحلال و الحرام ما نطق به القرآن قال سبحانه وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها وَ ما خَلْفَها وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (و ما أعدّ) اللّه (سبحانه للمطيعين منهم.) أى من الجنّ و الانس (و العصاة من جنّة و نار) نشر على ترتيب اللّف أى جنّة للمطيعين و نار للعاصين (و كرامة) و رضوان للأوّلين و ذلّة (و هوان) للاخرين.

(أحمده إلى نفسه) أى أحمده سبحانه متقرّبا أو متوجّها به إليه تعالى أو منهيا حمدى إلى نفسه أى يكون حمدي منتهيا إليه و مخصوصا به عزّ و جلّ (كما استحمد إلى خلقه) أى يكون حمدى إيّاه في الكيفيّة و الكميّة على الوجه الّذي طلب الحمد موجّها طلبه إلى خلقه أو على الوجه الّذي طلبه منهم و المال واحد، و المراد بيان فضل الحمد و كونه على وجه الكمال و خلوصه عن شوب الشرك و الريا و قوله (جعل لكلّ شي‏ء قدرا) كقوله تعالى: قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدْراً أى مقدارا معيّنا من الكيفيّة و الكميّة ينتهى إليه، و حدّا محدودا يقف عنده ذلّه (و لكلّ قدر أجلا) أى لكلّ شي‏ء مقدّر وقتا مخصوصا يكون فيه انقضاؤه و فناؤه اذا بلغه (و لكلّ أجل كتابا) أى رقوما تعرفها الملائكة و تعلم بها انقضاء أجل من ينقضي أجله.

و قال الشارح البحراني: المراد بالكتاب العلم الالهي المعبّر عنه بالكتاب المبين و اللّوح المحفوظ المحيط بكلّ شي‏ء، و فيه رقم كلّ شي‏ء، انتهى، و الأظهر ما قلناه.

قال السيّد (ره) (منها) أى بعض فصول هذه الخطبة الشريفة (فى ذكر القرآن) و بعض أوصافه.
(فالقرآن آمر زاجر) وصفه بهما من باب التوسع و المجاز لأنّ الامر و الناهي هو اللّه سبحانه إلّا أنّ القرآن لما كان متضمّنا لأمره و نهيه اطلق عليه لفظ الامر و الناهي من باب اطلاق اسم السبب على المسبّب كما قاله الشارح البحراني، أو من باب سيف قاتل، و إنما القاتل الضارب كما قاله الشارح المعتزلي يعني تسمية الالة باسم ذى الالة.
أقول: لمّا كان القرآن مظهرا لامريّته و زاجريّته سبحانه يكفى هذا المقدار من العلاقة و الارتباط في صحّة التجوّز، و لا حاجة الى تمحّل إدخالها في إحدى العلائق المعروفة، و قد عرفت تحقيق ذلك في ديباجة الشرح.

(و صامت ناطق) وصفه بالصّمت لأنّه كلام مؤلّف من حروف و أصوات صامتة لأنّ العرض يستحيل أن يكون ناطقا، لأنّ النطق إنما يحصل بالأداة و اللّهوات و الكلام و الحروف يستحيل أن يكون ذا أداة تنطق بالكلام.
و يحتمل أن يكون وصفه به من باب المجاز إن قلنا إنّ الصّمت عبارة عن عدم النطق عمّن من شأنه أن يكون ناطقا بأن يكون النسبة بينهما مقابلة العدم و الملكة، و على هذا فيكون وصفه به من باب الاستعارة تشبيها له بالحيوان الغير الناطق.

و أما وصفه بالنطق فهو من باب الاستعارة التبعيّة أو المكنيّة مثل قولهم نطقت المال بكذا و الحال ناطقة بكذا، و قد عرفت شرحه في ديباجة الشرح في المسألة السابعة من مسائل المجاز، و في التقسيم الثاني من تقسيمات الاستعارة فليراجع ثمّة.

(حجّة اللّه على خلقه) لأنّ اللّه سبحانه يحتجّ على العباد بما أتاهم و عرّفهم به و بالقرآن عرف الأحكام و أبان مسائل الحلال و الحرام و أزال العذر به عن نفسه في عقاب العاصين أن يقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين.
و أيضا فهو معجزة للنبوّة و حجّة في صدقها «كذا» النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قد بعث رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم‏إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَ هُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى‏ وَ الرَّكْبُ أَسْفَلَ، و لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ.
(أخذ عليهم ميثاقه) أى أخذ الميثاق و العهد من المكلّفين على العمل به و بأحكامه، و المراد به ما ورد في بعض الايات و صدر عن لسان النبوّة من الحثّ و الترغيب عليه و الأمر باجلاله و إعظامه و القيام بمعالمه و أحكامه.
قال الشارح المعتزلي: و من الناس من يقول: المراد بذلك قصّة الذرّية قبل خلق آدم عليه السّلام كما ورد في الأخبار و فسّر قوم عليه الاية انتهى، و الأولى ما قلناه.

(و ارتهن عليه أنفسهم) لما كان ذمم المكلّفين مشغولة بما تضمّنه القرآن من التكاليف و الأحكام و كان اللّازم عليهم الخروج عن عهدة التكليف و تحصيل براءة الذّمة شبّههم بالعين المرهونة لدين المرتهن، فانّ فكّ رهانتها موقوف على أداء حقّ صاحب الدّين فكذا فكّ رهانة هؤلاء موقوف على عملهم بالتكاليف الشرعيّة و الأوامر المطلوبة.
و هو نظير قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في الخطبة الّتي خطب بها في فضيلة شهر رمضان أيّها الناس إنّ أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكّوها باستغفاركم، و ظهوركم ثقيلة من ذنوبكم فخففوا عنها بطول سجودكم.
(أتمّ نوره) أى جعل نوره تامّا كاملا.

أمّا كونه نورا فلأنه نور عقلىّ ينكشف به أحوال المبدأ و المعاد يهتدى به في ظلمات برّ الأجسام و بحر النفوس قال اللّه عزّ و جلّ يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ و أمّا تماميّته فلكونه أكمل أسباب الهداية أما في بدو الاسلام فلكونه أقوى المعجزات الموجبة لخروج النّاس من ظلمة الكفر إلى نور الاسلام، و أمّا بعده فلبقائه بين الأمة إلى يوم القيامة و اهتدائهم به إلى معالم الدّين و مناهج الشرع المبين يوما فيوما.

(و) بذلك الاعتبار أيضا (أكرم به دينه) أى جعله مكرما معزّزا به (و قبض نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و قد فرغ إلى الخلق من أحكام الهدى به) يجوز أن يكون الأحكام بكسر الهمزة أى فرغ من جعل الهداية بالقرآن محكمة أى متقنة مثبتة في قلوب المؤمنين لكنّ المضبوط فيما رأيته من النسخ بفتحها، فيكون المراد فراغته صلّى اللّه عليه و آله من أحكام الهداية أى من التكاليف الّتي يتوقّف الهداية به عليها، مثل قراءته و تعليمه و تفسير معانيه و توضيح مبانيه، و الالزام على العمل باحكامه و نحو ذلك مما يحصل به الاهتداء.

و كيف كان فالمراد أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يمض من الدّنيا إلّا بعد هداية الناس بالقرآن إلى معالم الاسلام.
روى في الكافي عن عبد العزيز بن مسلم عن الرّضا عليه السّلام أنّه قال: إنّ اللّه لم يقبض نبيّه صلّى اللّه عليه و آله حتّى أكمل له الدّين و أنزل عليه القرآن فيه تبيان كلّ شي‏ء بيّن فيه الحلال و الحرام و الحدود و الأحكام و جميع ما يحتاج إليه الناس كملا فقال عزّ و جلّ: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ‏ءٍ و أنزل في حجّة الوداع و هى آخر عمره صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ» و أمر الامامة من تمام الدّين و لم يمض حتّى بيّن لأمّته معالم دينهم و أوضح لهم سبيلهم و تركهم على قصد سبيل الحقّ و أقام لهم عليّا عليه السّلام إماما و ما ترك شيئا يحتاج إليه الأمة إلّا بيّنه، فمن زعم أنّ اللّه لم يكمل دينه فقد ردّ كتاب اللّه، و من ردّ كتاب اللّه فهو كافر.

و قد مرّ تمام تلك الرواية في شرح الفصل الخامس من المختار الثالث.
(فعظّموا منه سبحانه ما عظم من نفسه) أى عظّموه عزّ و جلّ مثل تعظيمه لنفسه، و المراد به وصفه بصفات الجلال و الاعظام و أوصاف الكمال و الاكرام الّتي نطق بها الكتاب، و أفصحت عنها السنّة النبويّة.
و علّل عليه السّلام وجوب تعظيمه بقوله: (فانّه لم يخف عنكم شيئا من دينه) و علّة ذلك باعتبار أنّ الشرعيات مصالح المكلّفين و إذا فعل الحكيم سبحانه بهم ما فيه‏صلاحهم فقد أحسن إليهم، و من جملة الشّرعيّات ما هو مقرّب إلى الثواب مبعّد من العقاب، و هذا أبلغ ما يكون من الاحسان و المحسن يجب تعظيمه و شكره بقدر الامكان لا سيّما إذا كان إحسانه بالنعم العظام و العطايا الجسام.

(و) أكّد عدم إخفائه شيئا من دينه بأنه (لم يترك شيئا رضيه) و أدّى إلى ثوابه (أو كرهه) و قرب من عقابه (إلّا) و عرّفه و بيّنه (و جعل له علما باديا) أى علامة ظاهرة (و آية محكمة) واضحة (تزجر) و تنهى (عنه) لكونه مكروها (أو) تامر و (تدعو إليه) لكونه مرضيّا.

و لما ذكر أنّ اللّه سبحانه قبض نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعد ما فرغ من بيان الأحكام و أنّه لم يخف شيئا من مراسم الدّين و معالم الاسلام فرّع عليه قوله: (فرضاه فيما بقى واحد و سخطه فيما بقى واحد) يعني أنّ مرضيّه فيما بقى واحد و سخطه فيما بقى من الأحكام بين الامة بعد مضىّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله واحد، و كذلك مسخوطه فيها واحد.
و هذا هو مذهب أهل الصواب من المخطئة القائلين بأنّ للّه سبحانه في كلّ واقعة حكما معيّنا واحدا و أنّ المصيب إليه من المجتهدين واحد و غيره خاطئ.

خلافا لأهل الخطاء من المصوّبة القائلين بتعدّد الأحكام و كثرتها و اختلافها على اختلاف آراء المجتهدين، و قد عرفت تفصيل الكلام في تحقيق التخطئة و التصويب في شرح المختار الثامن عشر المسوق في ذمّ اختلاف العلماء في الفتوى، و هناك فوايد نفيسة نافعة لتوضيح المقام.
و لما ذكر أنّ حكم اللّه سبحانه واحد بالنسبة إلى الأشخاص نبّه على اتّحاده بالنسبة إلى الأزمان فقال (و اعلموا أنّه لن يرض عنكم بشي‏ء سخطه على من كان قبلكم، و لن يسخط عليكم بشي‏ء رضيه ممّن كان قبلكم) يعني أنّ ما كان محرّما على السالفين الحاضرين في زمان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فهو محرّم على الغابرين العامين «الغائبين ظ»، و ما كان واجبا على الأوّلين فواجب على الاخرين، لأنّ شرع محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مستمرّ إلى يوم القيامة و حكمه على الواحد حكم على الجماعة، فلا يجوز تغيير الأحكام الثابتة بالكتاب‏و السنّة بالاراء و المقائيس و استحسانات العقليّة.

و هذا الكلام نظير ما تقدّم منه عليه السّلام في الفصل الثّاني من المختار المأة و الخامس و السّبعين من قوله: و اعلموا عباد اللّه أنّ المؤمن يستحلّ العام ما استحلّ عاما أوّل و يحرّم العام ما حرّم عاما أوّل و إنّ ما أحدث النّاس لا يحلّ لكم شيئا مما حرّم عليكم و لكنّ الحلال ما أحلّ اللّه و الحرام ما حرّم اللّه، و قد مضى منا في شرح هذا الكلام ما يوجب زيادة البصيرة في المقام هذا.

و قد اضطرب أنظار الشارح البحراني و المعتزلي في شرح هذه الفقرة و الفقرة السابقة عليه و قصرت يدهما عن تناول المراد كما يظهر ذلك لمن راجع إلى شرحيهما ثمّ إنّه بيّن اشتراك المخاطبين مع السابقين الأوّلين في التكاليف و الأحكام و أنّه تعالى لا يرضى منهم إلّا بما كان رضيه عنهم و لا يسخط عليهم إلّا بما سخط به عن الأولين أكّد ذلك بقوله (و انما تسيرون في اثر بيّن و تتكلّمون برجع قول قد قاله الرجال من قبلكم) و هو جملة خبريّة في معنى الانشاء.

يعني اذا كان تكليفكم متّحدا مع السابقين فلا بدّ لكم أن تسلكوا منهجهم و تحذوا حذوهم و تسيروا في آثارهم البيّنة الرّشد و تعملوا بما علموه من الأحكام الواضحة من الكتاب و السنّة، و أن تتكلّموا بقول نافع قد قالوه قبلكم و تنطقوا بكلام يعود منفعته و فايدته إليكم و إلى غيركم.

و هو كلّ كلام يفضى إلى الحقّ و يهدى إلى الصراط المستقيم و النهج القويم، و تخصيصه بكلمة التوحيد أى لا إله إلّا اللّه كما ذهب اليه الشارح المعتزلي لا دليل عليه مع اقتضاء الأصل عدمه فمحصّل المراد بالجملتين أمر المخاطبين بموافقة السلف الصالحين فعلا و قولا.

(قد كفاكم مؤنة دنياكم) قال الشارح البحراني: و تلك الكفاية إمّا بخلقها و ايجادها، و إمّا برزقه بكلّ ما كتب في اللّوح المحفوظ.
أقول: الظاهر هو الثّاني و هو نظير قوله عليه السّلام المتقدّم في الفصل الأوّل من المختار التسعين: عياله الخلق ضمن أرزاقهم و قدّر أقواتهم، و قد تقدّم في شرحه‏فوايد نافعة ههنا.

و أقول مضافا إلى ما سبق قال الامام سيّد العابدين و زين الساجدين عليه السّلام في دعائه التاسع و العشرين من الصحيفة الكاملة: و اجعل ما صرحت به من عدتك في وحيك و اتبعته من قسمك في كتابك قاطعا لاهتمامنا بالرزق الذي تكفّلت به، و حسما للاشتغال بما ضمنت الكفاية له، فقلت و قولك الحقّ الأصدق و أقسمت و قسمك الأبرّ الأوفي «وَ فِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَ ما تُوعَدُونَ» ثمّ قلت: «فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ».

قوله: «وَ فِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ» أى أسباب رزقكم بأن يرسل سبحانه الرّياح فتثير السحاب فيبسطه في السّماء فينزل الغيث و المطر فيخرج به من الأرض أنواع الأقوات و الملابس و المعايش.
و قيل: و في السّماء تقدير رزقكم أى ما قسمته لكم مكتوب في أمّ الكتاب الّذي هو في السّماء.
و في حديث أهل البيت عليهم السّلام: أرزاق الخلايق في السّماء الرّابعة تنزل بقدر و تبسط بقدر.

و قال الصّادق عليه السّلام الرّزق المطر ينزل من السّماء فيخرج به أقوات العالم و قوله: «وَ ما تُوعَدُونَ» قال الصّادق عليه السّلام هو أخبار القيامة و الرّجعة و الأخبار الّتي في السّماء، و قيل: هو الجنّة فوق السّماء السابعة و تحت العرش، ثمّ أقسم سبحانه بأنّ ما ذكره من أمر الرزق الموعود لحقّ مثل ما أنكم تنطقون، قال الزمخشري و هذا كقول النّاس إنّ هذا لحقّ كما أنك ترى و تسمع و مثل ما أنك ههنا، قيل إنّه لمّا نزلت هذه الاية قالت الملائكة هلك بنو آدم اغضبوا الرّب حتّى أقسم لهم على أرزاقهم و نقل في الكشاف عن الاصمعي قال أقبلت من جامع البصرة و طلع أعرابيّ على قعود فقال: من الرّجل قلت: من بني اصمع، قال: من أين اقبلت قلت: من موضع يتلى فيه كلام الرّحمان، قال: اتل علىّ، فتلوت: و الذاريات، فلمّا بلغت‏قوله «وَ فِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَ ما تُوعَدُونَ» قال: حسبك، فقام إلى ناقته فنحرها و وضعها على من أقبل و أدبر، و عمد إلى سيفه و قوسه فكسرهما و ولّي.

فلمّا حججت مع الرّشيد طفقت أطوف فاذا أنا بمن يهتف بي بصوت دقيق، فاذا أنا بالأعرابي قد نحل و اصفرّ فسلّم علىّ و استقرء السّورة فلمّا بلغت الاية صاح و قال: «قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا»، ثمّ قال: و هل غير ذلك فقرأت «فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ» فصاح و قال: يا سبحان اللّه من ذا الّذي أغضب الجليل حتّى حلف لم يصدّقوه بقوله حتّى ألجئوه إلى اليمين، قالها ثلاثا و خرجت معها نفسه.

(و حثكم على الشكر) لطفا بكم و رأفة لكم و رحمة عليكم، لأنّ شكره سبحانه موجب لزيادة نعمته كما أنّ كفرانها موجب لنقصانها قال عزّ من قائل: «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ».
(و افترض من ألسنتكم الذكر) أى أوجب عليكم أن تذكروه سبحانه بألسنتكم كما قال «فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَ اشْكُرُوا لِي وَ لا تَكْفُرُونِ» و قال «وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَ خِيفَةً وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ» و قد مضى تفصيل الكلام في ذكره تعالى و الأدلّة الواردة في فضله و الحثّ و الترغيب عليه في التنبيه الثاني من شرح الفصل السادس من فصول المختار الثاني و الثمانين.

(و أوصاكم بالتقوى) في قوله «وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ لَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ» و غيرها من الايات الّتي تقدّمت في شرح المختار الرّابع و العشرين.
(و جعلها منتهى رضاه) فانّها لما كانت موصلة إلى اللّه سبحانه مؤدّية إلى رضوانه موجبة لمحبّته و رضاه صحّ بهذا الاعتبار جعلها منتهى رضاه من خلقه كما قال عزّ و جلّ «بَلى‏ مَنْ أَوْفى‏ بِعَهْدِهِ» و قال «قُلْ أَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَ رِضْوانٌ».

(و) جعلها (حاجته من خلقه) استعار لفظ الحاجة لتأكّد الطلب أى طلبه‏المؤكّد فانّه سبحانه لما بالغ في الحثّ و الحضّ عليها و تكرّر منه تعالى طلبها و الأمر بها في غير واحدة من الايات شبّهها بالحاجة الّتي يفتقر إليها المحتاج و يبالغ في تحصيلها و الوصول إليها و الجامع المطلوبيّة المتأكّدة.

و لمّا نبّه على كونها سببا للوصول إلى رضوانه و غاية المطلوب من خلقه عقّبه بالأمر بها فقال (فاتقوا اللّه الّذي أنتم بعينه) أى بعلمه فاطلق العين و أريد العلم مجازا من باب تسمية المسبّب باسم السبّب، أو اللّازم باسم الملزوم إذ رؤية الشي‏ء سبب للعلم به و مستلزم له.

و في الاتيان بالموصول تأكيد الغرض المسوق له الكلام، فانه لما أمر بالتقوى و كانت التقوى حسبما قاله الصادق عليه السّلام عبارة عن أن لا يفقدك اللّه حيث أمرك و لا يراك حيث نهاك، أتى بالجملة الموصولة الوصفيّة تنبيها على أنّ اللّه عالم بكم خبير بأحوالكم بصير بأعمالكم سميع لأقوالكم، و من كان هذا شأنه فلا بدّ أن يتّقى منه حقّ تقاته إذ لا يعزب عنه شي‏ء من المعاصي و لا يخفى عليه شي‏ء من الخطايا كما يخفى على ساير الموالي بالنسبة من عبيدهم.

و أكّده اخرى بقوله (و نواصيكم بيده) يعني أنه قاهر لكم قادر عليكم متمكّن من التصرّف فيكم كيف شاء و أىّ نحو أراد لا رادّ لحكمه و لا دافع لسخطه و نواصيكم بيد قدرته، لا يفوته من طلب و لا ينجو منه من هرب.
و أكّده ثالثة بقوله (و تقلّبكم في قبضته) أى تصرّفكم في حركاتكم و سكناتكم تحت ملكه و قدرته و اختياره.
و قوله (إن أسررتم علمه و إن أعلنتم كتبه) هو أيضا في معنى التأكيد و أن غير الاسلوب على اقتضاء التفنّن، يعني أنّه عالم بالسرائر خبير بالضمائر سواء عليه ما ظهر منكم و ما بطن لا يحجب عنه شي‏ء ممّا يسرّ و ما يعلن كما قال عزّ من قائل: «سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَ مَنْ جَهَرَ بِهِ وَ مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَ سارِبٌ بِالنَّهارِ» هذا و يدلّ قوله: إن أعلنتم كتبه بمفهومه على أنّه لا يكتب ما لا يعلن و إن كان يعلمه، فيفيد عدم المؤاخذة على نيّة المعصية بمجرّدها، و قد مضى تحقيق الكلام‏فيه في شرح الفصل الخامس من المختار الثالث فليتذكّر.

و بذلك ظهر ما في قول الشّارح المعتزلي حيث قال: إنّ قوله عليه السّلام إن أسررتم آه ليس يدلّ على أنّ الكتابة غير العلم، بل هما شي‏ء واحد و لكنّ اللّفظ مختلف انتهى فتدبّر.
و عقّب قوله: كتبه بقوله (قد وكل بكم حفظة كراما) من باب الاحتراس فانه لما كان بظاهره متوهّما لكونه تعالى شأنه بنفسه كاتبا أتا بهذه الجملة دفعا لذلك التوهّم، و تنبيها على أنّ الموكّل بذلك الملائكة الحافظون لأعمال العباد.
قال تعالى «وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ» و هم طائفتان ملائكة اليمين للحسنات و ملائكة الشمال للسيئات قال عزّ و جلّ «إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ» هذا.

و في وصف الحفظة بالكرام«» و تعظيمهم بالثناء تفخيم لما وكّلوا به و أنه عند اللّه تعالى من جلائل الامور حيث يستعمل فيه هؤلاء الكرام، و فيه من التهويل من المعاصي ما لا يخفى.
و لهذه النكتة أيضا وصفهم ثانيا بقوله (لا يسفطون حقّا و لا يثبتون باطلا) أى لا يسقط من قلمهم ما هو ثابت له أو عليه، و لا يكتبون ما لا أصل له، و من المعلوم أنّ المكلّف إذا التفت إلى ذلك و تنبّه على شدّة محافظة الحفظة عليه و على أنّهم لا يتركون شيئا مما هو له أو عليه كان ذلك أقوى داعيا له على الازعاج عن المعاصي و الاقلاع عن السيئات.
قال الصّادق عليه السّلام: استعبدهم اللّه أى الكرام الكاتبين بذلك، و جعلهم شهودا على خلقه ليكون العباد لملازمتهم إيّاهم أشدّ على طاعة اللّه مواظبة و عن معصيته‏أشدّ انقباضا، و كم من عبد همّ بمعصيته فذكر مكانهم فارعوى، و كيف فيقول ربّي يراني و حفظتي علىّ بذلك تشهد، هذا.

و لما امر بالتقوى و أردفه بذكر ما يحذر من تركها عقّبه بذكر ما يرغب في الملازمة عليها فقال (و اعلموا أنّ من يتّق اللّه يجعل له مخرجا من الفتن) الموجبة للضلالة (و نورا من الظلم) أى من ظلمات الجهالة، و هو اقتباس من الاية الشريفة في سورة الطلاق قال سبحانه: «وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ».

روى في الصّافي عن القمّي عن الصّادق عليه السّلام قال: في دنياه، و من المجمع عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قرأها فقال: مخرجا من شبهات الدّنيا و من غمرات الموت و شدايد يوم القيامة و عنه عليه السّلام إنّي لأعلم آية لو أخذ بها النّاس كفتهم «وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ» الاية، فما زال يقولها و يعيدها.

(و يخلده فيما اشتهت نفسه) و هو أيضا اقتباس من الاية في سورة الأنبياء قال تعالى «لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَ هُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَ تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ».
(و ينزله منزل الكرامة عنده) أى في منزل أهله معزّزون مكرّمون عنده سبحانه (في دار اصطنعها لنفسه) أى اتّخذها صنعه و خالصته و اختصّها بكرامته كما قال سبحانه لموسى بن عمران: «وَ اصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي» قيل: هو تمثيل لما أعطاه اللّه من التقريب و التكريم.

قال الشارح البحراني: و الدّار الّتي اصطنعها لنفسه كناية عن الجنّة و نسبها إلى نفسه تعظيما لها و ترغيبا فيها، و ظاهر حسن تلك النسبة فانّ الجنّة المحسوسة أشرف دار رتّبت لأشرف المخلوقات، و أما المعقولة فيعود إلى درجات الوصول و الاستغراق في المعارف الالهيّة الّتي بها السعادة و البهجة و اللّذة التامّة، و هي جامع الاعتبار العقلي لمنازل أولياء اللّه و خاصّته و مقامات ملائكته و رسله، و من المتعارف أنّ الملك العظيم اذا صرف عنايته الى بناء دار يسكنها هو و خاصّته أن يقال انّه تختصّ‏بالملك و انّه بناها.

و قوله: (ظلّها عرشه) يدلّ على أنّ الجنّة فوق السّماوات و تحت العرش و اليه ذهب الاكثر.
قال الرّازي في تفسير قوله عزّ و جلّ: وَ سارِعُوا إِلى‏ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ: و ههنا سؤالات «إلى أن قال» السؤال الثّالث أنتم تقولون إنّ الجنّة في السّماء فكيف يكون عرضها كعرض السّماء.
و الجواب أنّ المراد من قولنا أنها في السّماء أنّها فوق السّماوات و تحت العرش قال في صفة الفردوس: سقفها عرش الرحمن، و قال: و سئل أنس بن مالك عن الجنّة في الأرض أم في السّماء قال: فأىّ أرض و سماء تسع الجنّة، قيل: فأين هي قال فوق السماوات السبع و تحت العرش.

و قال العلّامة المجلسي (ره) في البحار بعد ذكر الايات و الأخبار في وصف الجنّة و نعيمها: اعلم أنّ الايمان بالجنّة و النار على ما وردتا في الايات و الأخبار من غير تأويل من ضروريات الدّين و منكرهما أو مأوّلهما بما اوّلت به الفلاسفة خارج من الدّين.

و أما كونهما مخلوقتان الان فقد ذهب إليه جمهور المسلمين إلّا شرذمة من المعتزلة، فانهم يقولون: سيخلقان يوم القيامة، و الايات و الأخبار المتواترة دافعة لقولهم مزيفة لمذهبهم و الظاهر أنه لم يذهب إلى هذا القول السخيف أحد من الاماميّة إلّا ما ينسب إلى السيد الرّضيّ رضي اللّه عنه و أما مكانهما فقد عرفت أنّ الأخبار تدلّ على أنّ الجنّة فوت السماوات السبع و النار في الأرض السابعة، و نقل عن شارح المقاصد أنه قال: لم يرد نقل صريح في تعيين مكان الجنّة و النار، و الأكثرون على أنّ الجنّة فوق السماوات السبع و تحت العرش تشبّثا بقوله تعالى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى‏ عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى‏ و قوله عليه السّلام: سقف الجنّة عرش الرّحمن، و النار تحت الأرضين السبع، و الحقّ تفويض ذلك إلى علم‏العليم الخبير انتهى.

و ذهب بعضهم إلى أنّها في السّماء الرابعة نسبه الطبرسيّ في مجمع البيان إلى صحيح الخبر، و اللّه أعلم.
(و نورها بهجته) قال الطريحي و البهجة الحسن و منه رجل ذو بهجة، و البهجة السّرور و منه الدّعاء: و بهجة لا تشبه بهجات الدّنيا، أى مسرّة لا تشبه مسرّات الدّنيا، و فيه: سبحان ذي البهجة و الجمال، يعني الجليل تعالى انتهى.
أقول: فعلى المعنى الأوّل فالمراد أنّ نور الجنّة أى منوّرها جماله سبحانه عظمه الّتي تضمحلّ الأنوار دونها، فأهل الجنّة مستغرقة في شهود جماله، و نفوسهم مشرقة باشراق أنوار كماله كما قال عزّ من قائل «اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ» أى منوّرهما، فانّ كلّ شي‏ء استنار منهما و استضاء فبقدرته و جوده و افضاله.

روى في البحار من تفسير علىّ بن إبراهيم القمّي عن أبيه عن ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ للّه كرامة في عباده المؤمنين في كلّ يوم جمعة فاذا كان يوم الجمعة بعث اللّه إلى المؤمن ملكا معه حلّة فينتهى إلى باب الجنّة فيقول: استأذنوا لى على فلان، فيقال هذا رسول ربّك على الباب فيقول لأزواجه أىّ شي‏ء ترين على أحسن، فيقلن يا سيّدنا و الّذي أباحك الجنّة ما رأينا عليك شيئا أحسن من هذا بعث إليك ربّك فيتّزر بواحدة و يتعطّف بالأخرى فلا يمرّ بشي‏ء إلّا أضاء له حتى ينتهى إلى الموعد فاذا اجتمعوا تجلّى لهم الرّب تبارك و تعالى فاذا نظروا إليه خرّوا سجّدا، فيقول عبادي ارفعوا رؤوسكم ليس هذا يوم سجود و لا يوم عبادة قد رفعت عنكم المؤنة، فيقولون: يا ربّ و أيّ شي‏ء أفضل مما أعطيتنا، أعطيتنا الجنّة، فيقول لكم مثل ما في أيديكم سبعين ضعفا، فيرجع المؤمن في كلّ جمعة سبعين ضعفا مثل ما في يديه و هو قوله «وَ لَدَيْنا مَزِيدٌ» و هو يوم الجمعة إنّ ليلها ليلة غرّاء و يومها يوم أزهر فأكثروا فيها من التسبيح و التكبير و التهليل و الثناء على اللّه و الصّلاة على محمّد و آله.

قال فيمرّ المؤمن فلا يمرّ بشي‏ء إلّا أضاء له حتّى ينتهى إلى أزواجه، فيقلن و الّذي أباحنا الجنّة يا سيّدنا ما رأيناك قط أحسن منك الساعة فيقول: إنّي قد نظرت بنور ربّي الحديث.
قال العلّامة المجلسي (ره) قوله- تجلّى لهم الرّب- أى بأنوار جلاله و آثار رحمته و افضاله- فاذا نظروا إليه- أى إلى ما ظهر لهم من ذلك و على المعنى الثاني فالمراد أنّ نور الجنّة و أهلها ابتهاج اللّه سبحانه بها و بهم أما وصفه سبحانه بالابتهاج و البهجة فلما قال الحكماء و المتكلّمون المثبتون له تعالى اللّذة العقليّة من أنّ أجل مبتهج هو المبدأ الأوّل بذاته لأنّ الابتهاج و اللّذة عبارة عن إدراك الكمال فمن أدرك كمالا في ذاته ابتهج به و التذّ، و كماله تعالى أجلّ الكمالات و إدراكه أقوى الادراكات فوجب أن يكون لذّاته أقوى اللّذات.

قال صدر المتألّهين: أجلّ مبتهج بذاته هو الحقّ الأوّل، لأنه أشدّ إدراكا لاعظم مدرك له الشرف الأكمل و النور الأنور و الجلال الأرفع، و هو الخير المحض و بعده في الخيريّة و الوجود و الادراك هو الجواهر العقليّة و الأرواح النوريّة و الملائكة القدسيّة المبتهجون به تعالى، و بعد مرتبتهم مرتبة النفوس البشريّة و السعداء من أصحاب اليمين على مراتب ايمانهم باللّه.
و أما المقرّبون من النفوس البشريّة و هم أصحاب المعارج الروحانيّة فحالهم في الاخرة كحال الملائكة المقرّبين في العشق و الابتهاج به تعالى.

إذا عرفت ذلك ظهر لك أنّ ابتهاج اللّه بمخلوقاته راجع إلى ابتهاجه بذاته، لأنه لما ثبت أنه أشدّ مبتهج بذاته لما له من الشرف و الكمال كان ذاته أحبّ الأشياء إليه، و كلّ من أحبّ شيئا أحبّ جميع أفعاله و آثاره لاجل ذلك المحبوب، و كلّ ما هو أقرب إليه فهو أحبّ اليه و ابتهاجه به أكمل.

فثبت بذلك أنّ اللّه سبحانه مبتهج بالجنّة و أهلها لأنها دار كرامته و رحمته و أقرب المجعولات إليه، و كذلك أهلها لأنهم مقرّبو حضرته و محبوبون إليه و مكرّمون لديه كما أنهم مبتهجون به سبحانه و محبّون إيّاه.

و أما أنّ بهجته تعالى نور لها أى لأهلها فلكون محبّته و ابتهاجه سببا لاستنارة نفوسهم بما يفاض عليهم من الأنوار الملكوتيّة الّتي تغشى أبصار البصاير و يستغرق في الابتهاج بها الأولياء المقرّبون، و على ذلك فتسمية البهجة بالنور من باب تسمية السبب باسم المسبّب، هذا.
و انما خصّ بهجته بالذكر لأنها حسبما عرفت ملازمة للمحبّة، و محبّته تعالى لهم و رضوانه عنهم أعظم الخيرات و أفضل الكمالات.

روى في البحار عن العياشي عن ثوير عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال: إذا صار أهل الجنّة في الجنّة و دخل وليّ اللّه إلى جنانه و مساكنه، و اتكى كلّ مؤمن منهم أريكته حفّته خدّامه و تهدّلت عليه الثمار و تفجّرت حوله العيون و جرت من تحته الأنهار و بسطت له الزّرابي، و صففت له النمارق و أتته الخدّام بما شائت شهوته من قبل أن يسألهم ذلك قال: و يخرج عليهم الحور العين من الجنان فيمكثون بذلك ما شاء اللّه، ثمّ إنّ الجبّار يشرف عليهم فيقول لهم: أوليائي و أهل طاعتي و سكان جنّتي في جواري ألا هل انبئكم بخير مما أنتم فيه فيقولون: ربّنا و أىّ شي‏ء خير مما نحن فيه نحن فيما اشتهت أنفسنا و لذّت أعيننا من النعم في جوار الكريم، قال: فيعود عليهم بالقول، فيقولون: ربّنا نعم، فأتنا بخير مما نحن فيه، فيقول لهم تبارك و تعالى: رضاى عنكم و محبّتي لكم خير و أعظم مما أنتم فيه، فيقولون: نعم يا ربّنا رضاك عنّا و محبّتك لنا خير لنا و أطيب لأنفسنا، ثمّ قرء عليّ بن الحسين عليه السّلام هذه الاية «وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ مَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ».

(و زوّارها ملائكته) يعني أنّ الملائكة يزورون ساكنيها تعظيما لهم و تشريفا و تكريما حسبما عرفت الاشارة إليه في الرواية الّتي رويناها من روضة الكافي في شرح الفصل التاسع من المختار الأول.
(و رفقاؤها رسله) كما قال عزّ من قائل «وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً»رغب اللّه تعالى و كذا أمير المؤمنين أهل الطاعة و التّقوى بهذا الوعد و ما أحسنه من وعد و هو كونهم رفيق النّبيين الّذينهم في أعلا علّيين و الصدّيقين الّذين صدقوا في أقوالهم و أفعالهم، و الشهداء المقتول أنفسهم و أبدانهم بالجهاد الأكبر و الأصغر و الصالحين الّذين صلحت حالهم و استقامت طريقتهم.

روى في الصّافي من الكافي عن الصادق عليه السّلام: المؤمن مؤمنان: مؤمن وفى للّه بشروطه الّتي اشترطها عليه فذلك مع النّبيين و الصدّيقين و الشهداء و الصّالحين و حسن اولئك رفيقا، و ذلك ممّن يشفع و لا يشفع له، و ذلك ممّن لا يصيبه أهوال الدّنيا و لا أهوال الاخرة، و مؤمن زلّت به قدم فذلك كخامة الزرع كيفما كفته الريح انكفى، و ذلك ممّن يصيبه أهوال الدّنيا و أهوال الاخرة و يشفع له و هو على خير.

و فيه من الكافي و العياشي عن الصّادق عليه السّلام لقد ذكركم اللّه في كتابه فقال: «وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ» الاية، فرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الاية النبيّون و نحن في هذا الموضع الصدّيقون و الشهداء و أنتم الصّالحون فتسمّوا بالصّلاح كما سمّاكم اللّه، هذا.

و لجزالة هذا الوعد أعنى مرافقة النّبيين عقّب اللّه تعالى قوله «وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ» بقوله «ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَ كَفى‏ بِاللَّهِ عَلِيماً» و قد مضى بعض الكلام في وصف الجنّة و نعيمها في شرح الفصل الثالث من المختار الثامن و المأة، رزقنا اللّه نيلها بمنّه و جوده.

ثمّ إنه عليه السّلام لما أمر بالتقوى و نبّه على فضلها و عظم ما يترتّب عليها من الثمرات الدّنيويّة و الأخرويّة رتّب عليه قوله (فبادروا المعاد و سابقوا الاجال) أى سارعوا إلى المعاد بالمغفرة و التّقوى لأنّها خير الزّاد و استبقوا إلى الاجال بالخيرات و صالح الأعمال.

و المراد بالمعاد هو العود إلى الفطرة الاولى بعد الانتقال منها و النزول إلى الدّنيا فالاشارة إلى الابتداء بقوله تعالى «فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها» «وَ قَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ تَكُ شَيْئاً» و الاشارة إلى الانتهاء «كُلُّ شَيْ‏ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ»«كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَ يَبْقى‏ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ» فالبدو و الرّجوع متقابلان قال تعالى «يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ» فالعدم الخاصّ الأوّل للانسان هو الجنّة الّتي كان فيها أبونا آدم عليه السّلام و أمّنا حوّا، و الوجود بعد العدم هو الهبوط منها إلى الدّنيا «اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً» و العدم الثاني من هذا الوجود هو الفناء في التّوحيد، و الأوّل هو النزول و الهبوط، و الثاني هو العروج و الصّعود، و البداية النزول عن الكمال إلى النقص، و النهاية المعاد من النقصان إلى الكمال و اليه الاشارة بقوله «ارْجِعِي إِلى‏ رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَ ادْخُلِي جَنَّتِي» هذا.

و لما أمر عليه السّلام بالمبادرة إلى المعاد و المسابقة إلى الاجال علّله بقوله (فانّ الناس يوشك أن ينقطع بهم الأمل و يرهقهم الأجل) يعني أنه تقريب انقطاع آمالهم الخادعة و مفاجاة آجالهم المستورة (و) أن (يسدّ عنهم باب) الانابة و (التوبة) و من كان هذا شأنه فلا بدّ أن يتّقى ربّه و ينصح نفسه و يقدّم توبته و يغلب شهوته و يستغفر من خطيئته و يستقيل من معصيته، فانّ أجله مستور عنه و أمله خادع له، و الشيطان موكّل به يزيّن له المعصية ليركبها و يمّنيه التوبة ليسوّفها حتّى يهجم منيته عليه أغفل ما يكون عليها.

(فقد أصبحتم في مثل ما سأل إليه الرّجعة من كان قبلكم) أى أصبحتم في حال الحياة و الصحّة و سلامة المشاعر و القوى و البنية و ساير الأسباب الّتي يتمنّى من كان قبلكم الرجعة إليها لتدارك ما فات و اصلاح الزلّات و الهفوات، و قال: «رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ»، و لكنّهم قد حيل بينهم و بين ما يشتهون و قيل كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى‏ يَوْمِ يُبْعَثُونَ.

فالان و الخناق مهمل، و الروح مرسل، في راحة الأجساد، و باحة الاحتشاد و انتظار التوبة، و انفساح الحوبة، لا بدّ من اغتنام الفرصة و الانابة من الخطيئة قبل الضنك و الضيق، و الرّوع و الزهوق، و قبل أن يروع من الرّجعة و يعظم الحسرة(و أنتم بنو سبيل على سفر من دار ليست بداركم) شبّههم بأبناء السبيل تنبيها على أنّ كونهم في هذه الدّار بالعرض و أنّ وطنهم الأصلي هو الدّار الاخرة و أنهم مسافرون إليها.

(و) قوله (قد أوذنتم منها بالارتحال و أمرتم فيها بالزاد) قد تقدّم في شرح المختار الثالث و الستّين و غيره توضيح معنى الفقرة الأولى، و مرّ غير مرّة أنّ المراد بالزاد الّذي أمروا بأخذها هو التقوى قال عزّ و جلّ «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ» و الغرض من هاتين الفقرتين و سابقتهما التنفير عن الدّنيا و الترغيب إلى الأخرى و تنبيه المخاطبين من نوم الغفلة و الجهالة و إرشادهم إلى الاستعداد و تهيئة الزاد لسلوك مسالك الاخرة.

و بيان ذلك بلسان الرمز و الاشارة أنّ للّه تعالى عالمين: عالم الدّنيا و عالم الاخرة و نشأتين: الغيب و الشهادة و الملك الملكوت، و أنّ الناس في مبدء تكوّنهم مخلوقون من موادّ العالم الأسفل و لهم الارتقاء بحسب الفطرة الأولى الّتي فطر الناس عليها إلى جوار اللّه سبحانه قاله سبحانه برحمته و عنايته، خلق الأنبياء و بعثهم ليكونوا هداة الخلق إلى معادهم و قوادهم في السفر إليه و سابقوهم إلى منازلهم، كرؤساء القوافل و أنزل الكتب ليعلّمهم و يبيّن لهم كيفيّة السفر و الارتحال و أخذ الزاد و الراحلة و تعريف الأحوال عند الوصول إلى منازلهم في الاخرة.

و الخلق ما داموا في الدّنيا و لم يصلوا إلى أوطانهم الأصليّة، فهم في الظلمات على حالات متفاوتة مختلفة، فمنهم نائمون، الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا، الدّنيا منام و العيش فيها كالأحلام، و منهم موتى لقوله تعالى «أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ».
فمن مات عن هذه الحياة المجازية الموسومة باللّعب و اللّهو كما قال تعالى «إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ» فقد انتبه عن نوم الغفلة و حىّ بالحياة الأبديّة.

فانّ الموت على ضربين أحدهما الارادى المشار إليه بقوله عليه السّلام: موتوا قبل أن تموتوا، و الاخر الطبيعي و إليه الاشارة بقوله تعالى: «أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ».

فكلّ من مات بالموت الارادى أى قلع قلبه عن العلايق و الامنيّات و نهى نفسه عن الهوى و الشهوات فقد حىّ بالحياة السّرمديّة الطبيعيّة.
قال أفلاطن: مت بالارادة تحيى بالطبيعة، و كلّ من مات بالموت الطبيعي فقد هلك هلاكا أبديّا عقلا و ضلّ ضلالا بعيدا و من كان في هذه أعمى فهو في الاخرة أعمى و أضلّ سبيلا، هذا.

و لما أمر عليه السّلام بالتقوى و بشّر بما رتّب عليها من الثواب و حسن الماب أردف ذلك بالانذار و الوعيد من أليم السخط و العذاب فقال (و اعلموا أنه ليس لهذا الجلد الرقيق صبر على النار) الّتي قعرها بعيد، و حرّها شديد، و شرابها صديد، و عذابها جديد، و مقامعها حديد، لا يفتر عذابها، و لا يموت ساكنها، كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إنّ اللّه كان عزيزا حكيما.

روى في البحار من تفسير عليّ بن إبراهيم عن ابن أبي عمير عن أبى بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: يا بن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خوّفني فانّ قلبي قد قسى، فقال: يا با محمّد استعد للحياة الطويلة، فانّ جبرئيل جاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو قاطب و قد كان قبل ذلك يجي‏ء و هو متبسّم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا جبرئيل جئتني اليوم قاطبا فقال: يا محمّد قد وضعت منافخ النار، فقال صلّى اللّه عليه و آله: و ما منافخ النار يا جبرئيل فقال: يا محمّد إنّ اللّه عزّ و جلّ أمر بالنّار فنفخ عليها ألف عام حتّى ابيضّت، ثمّ نفخ عليها ألف عام حتّى احمرّت، ثمّ نفخ عليها ألف عام حتّى اسودّت، فهى سوداء مظلمة لو أنّ قطرة من الضريع قطرت في شراب أهل الدنيا لمات أهلها من نتنها، و لو أنّ حلقة واحدة من السلسلة الّتي طولها سبعون ذراعا وضعت على الدّنيا لذابت الدّنيا من حرّها، و لو أنّ سربالا من سرابيل أهل النار علّق بين السماء و الأرض لمات أهل الدّنيا من ريحه.

قال عليه السّلام فبكى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و بكى جبرئيل، فبعث اللّه إليهما ملكا فقال لهما: ربكما يقرئكما السلام و يقول قد امنتكما أن تذنبا ذنبا اعذّبكما عليه فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: فما رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جبرئيل متبسّما بعد ذلك.

ثمّ قال: إنّ أهل النار يعظمون النّار، و إنّ أهل الجنّة يعظمون الجنّة و النعيم و إنّ جهنّم إذا دخلوها هووا فيها مسيرة سبعين عاما فاذا بلغوا علاها قمعوا بمقامع الحديد، فهذه حالهم و هو قول اللّه عزّ و جلّ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ» ثمّ تبدّل جلودهم غير الجلود الّتي كانت عليهم، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام حسبك قلت: حسبي حسبى.

(فارحموا نفوسكم) إلى مصير هذه النّار الّتي علمت وصفها و عرفت حال أهلها (فانّكم قد جرّبتموها في مصائب الدّنيا) و لم تصبروا على أهون مصائبها و أحقر آلامها (أ فرأيتم جزع أحدكم من الشوكة تصيبه و العثرة تدميه و الرّمضاء) أى الأرض الشديدة الحرارة (تحرقه فكيف) حاله و تحمّله (إذا كان بين طابقين من نار) يغشيهم العذاب من فوقهم و من تحت أرجلهم و يقول ذوقوا ما كنتم تعملون (ضجيع حجر) أشير إليه في قوله: وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ قال ابن عبّاس و ابن مسعود: إنّها حجارة الكبريت لأنّها أحرّ شي‏ء إذا احميت و قيل إنهم يعذّبون بالحجارة المحمية بالنّار.

(و قرين شيطان) و هو المشار إليه في قوله سبحانه وَ مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ، و قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَ لكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ قال ابن عباس و غيره: أى شيطانه الّذي أغواه و إنما سمّى قرينه لأنه يقرن به في العذاب.
و في البحار من تفسير عليّ بن إبراهيم في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله تعالى وَ إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ قال عليه السّلام أما أهل الجنّة فزوّجوا الخيرات الحسان و أما أهل النار فمع كلّ إنسان منهم شيطان يعني قرنت نفوس الكافرين و المنافقين بالشياطين فهم قرناؤهم.

(أعلمتم أنّ مالكا) و هو اسم مقدّم خزنة النار و الملائكة الموكّلين لأمرها قال تعالى عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ روى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنه قال: و الّذي نفسى‏بيده لقد خلقت ملائكة جهنم قبل أن تخلق جهنّم بألف عام فهم كلّ يوم يزدادون قوّة إلى قوّتهم.

و في البحار من تفسير عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن الصّادق عليه السّلام في خبر المعراج قال: قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: فصعد جبرئيل و صعدت حتّى دخلت سماء الدّنيا فما لقيني ملك إلّا و هو ضاحك مستبشر حتّى لقيني ملك من الملائكة لم أر أعظم خلقا منه كريه المنظر ظاهر الغضب فقال لي مثل ما قالوا من الدّعا إلّا أنّه لم يضحك و لم أر فيه الاستبشار ما رأيت ممّن ضحك من الملائكة فقلت: من هذا يا جبرئيل فانّى قد فزعت منه، فقال: يجوز أن تفزع منه فكلّنا نفزع منه إنّ هذا مالك خازن النار لم يضحك قط و لم يزل منذ ولاه اللّه جهنّم يزداد كلّ يوم غضبا و غيظا على أعداء اللّه و أهل معصيته فينتقم اللّه به منهم و لو ضحك إلى أحد كان قبلك أو كان ضاحكا إلى أحد بعدك لضحك إليك، و لكنّه لا يضحك فسلّمت عليه فردّ السلام علىّ و بشّرني بالجنّة.

فقلت لجبرئيل و جبرئيل بالمكان الّذي وصفه اللّه «مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ»: ألا تأمره أن يريني النار فقال له جبرئيل: يا مالك أر محمّدا صلّى اللّه عليه و آله النار، فكشف منها غطائها و فتح بابا منها فخرج منها لهب ساطع في السّماء و فارت و ارتفعت حتّى ظننت ليتناولنى مما رأيت، فقلت: يا جبرئيل قل له: فليرد عليها غطائها، فأمرها فقال لها: ارجعى فرجعت إلى مكانها الّذي خرجت منه، الحديث، فقد علم به زيادة قوّته و شدّة غيظه و غضبه.

(إذا غضب على النار حطم بعضها بعضا لغضبه) أى أكله أو كسره و منه الحطمة اسم من أسماء جهنم قال تعالى لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ أى ليطرحنّ فيها قال مقاتل و هى تحطم العظام و تأكل اللحوم حتّى تهجم على القلوب و لتفخيم أمرها قال تعالى وَ ما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ المؤجّجة أضافها سبحانه إلى نفسه ليعلم أنها ليست كنيران الدّنيا.

(و اذا زجرها توثّبت بين أبوابها جزعا من زجرته) و لمّا حذّر من أهوال الجحيم و أفزعهم بذكر وصف مالك خازنها حذّرهم بأسلوب آخر و أيّهم بقوله: (أيّها اليفن) أى الشيخ (الكبير الّذي قد لهزه) أى خالطه (القتير) و المشيب، و تخصيصه بالخطاب من بين ساير المخاطبين لكونه أولى بالحذر و الاقلاع عن المعصية و الخطاء لاشراف عمره على الزوال و الانقضاء و قرب تورّطه في ورطات الاخرى.

(كيف أنت) استفهام على سبيل التقرير تقريعا على المعصية (إذا التحمت) أى التصقت و انضمّت (أطواق النار بعظام الأعناق) كما قال تعالى الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَ بِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَ.
(و نشبت الجوامع) أى علقت الأغلال الجامعة بين الأيدي و الأعناق (حتّى أكلت لحوم السّواعد) قال تعالى في سورة الرّحمن يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَ الْأَقْدامِ قال الطبرسيّ أى تأخذهم الزّبانية فيجتمع بين نواصيهم و أقدامهم بالغلّ، و في سورة الفرقان وَ إِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَ ادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً قال الطبرسيّ مقرّنين أى مصفّدين قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال.

(فاللّه اللّه) أى اتّقوه سبحانه يا (معشر العباد و أنتم سالمون في الصحّة قبل السقم) أى في زمان صحّتكم قبل أن ينزل بكم السّقم (و في الفسحة قبل الضيق) أى فى سعة الأعمار قبل أن تبدل بالضيق (فاسعوا في فكاك رقابكم) من النّار بالتوبة و التقوى (من قبل أن تغلق رهائنها) أصل غلق الرّهن عبارة عن بقائه في يد المرتهن لا يقدر راهنه على انتزاعه.

قال ابن الاثير و كان من فعل الجاهليّة أنّ الراهن إذا لم يؤدّ ما عليه في الوقت المعيّن ملك المرتهن الرّهن فأبطله الاسلام.
إذا عرفت ذلك فأقول: إنّ ذمم المكلّفين لكونها مشغولة بالتكاليف الشرعيّة المطلوبة منهم فكأنّها رهن عليها، و كما أنّ انتزاع الرّهن من يد المرتهن و التمكّن من التّصرف فيه موقوف على أداء الدّين، فكذلك تخليص الرّقاب موقوف على‏ الخروج من عهدة التكاليف، فمن أجل ذلك أمر عليه السّلام بالسّعى في فكاكها و استخلاصها و على ذلك فالاضافة في رهائنها من قبيل إضافة المشبّه به إلى المشبّه و ذكر الغلق ترشيح للتشبيه.

و لما أمر بالسّعى في الفكاك إجمالا أشار إلى ما به يحصل الفكّ تفصيلا و لكمال الاتّصال بين الجملتين ترك العاطف فقال: (أسهروا عيونكم) أى بالتهجّد و صلاة اللّيل و ساير النوافل و قد تقدّم بعض الأخبار في فضلها في شرح الفصل السادس من المختار الثاني و الثمانين.

و أقول هنا مضافا إلى ما سبق: روى الصّدوق في ثواب الأعمال عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: شرف المؤمن صلاة اللّيل و عزّ المؤمن كفّه عن النّاس.
و فيه عن معاوية بن عمار عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: عليكم بصلاة اللّيل فانها سنّة نبيّكم و دأب الصالحين قبلكم و مطردة الداء عن أجسادكم.
و بهذا الاسناد قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام صلاة اللّيل تبيض الوجه و صلاة اللّيل تطيب الرّيح، و صلاة اللّيل تجلب الرّزق.

و فيه عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: حدّثني أبي عن جدّي عن آبائه عن عليّ عليهم السّلام قال: قيام اللّيل مصحّة للبدن، و رضاء الرّبّ، و تمسّك بأخلاق النبيّين، و تعرّض لرحمة اللّه تعالى.
و عن إبراهيم بن عمرو رفعه إلى أبي عبد اللّه في قول اللّه عزّ و جلّ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ قال: صلاة المؤمن باللّيل تذهب بما عمل من ذنب بالنهار.

و فيه عن أبيه قال: حدّثني سعد بن عبد اللّه عن سلمة بن الخطاب عن محمّد بن الليث عن جعفر بن إسماعيل عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما السّلام أنّ رجلا سأل أمير المؤمنين عليه السّلام عن قيام اللّيل بالقرآن، فقال له عليه السّلام ابشر: من صلّى من اللّيل عشر ليله للّه مخلصا ابتغاء ثواب اللّه «يقول اللّه ظ» عزّ و جلّ لملائكته اكتبوا لعبدي هذا من الحسنات عدد ما انبت من النباتات في النيل «اللّيل خ» من حبّةو ورقة و شجرة و عدد كلّ قصبة و خوطة«» و مرعى.

و من صلّى تسع ليله أعطاه اللّه عشر دعوات مستجابات و أعطاه كتابه بيمينه يوم القيامة.
و من صلّى ثمن ليله أعطاه اللّه عزّ و جلّ أجر شهيد صابر صادق النيّة و شفع في أهل بيته.
و من صلّى سبع ليله خرج من قبره يوم القيامة و وجهه كالقمر ليلة البدر حتّى يمرّ على الصراط مع الامنين.
و من صلّى سدس ليله كتب مع الأوّابين و غفر له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر.
و من صلّى خمس ليله زاحم إبراهيم خليل اللّه في قبّته.
و من صلّى ربع ليله كان أوّل الفايزين حتّى يمرّ على الصّراط كالرّيح العاصف و يدخل الجنّة بغير حساب.
و من صلّى ثلث ليله لم يلق ملكا «لم يبق ملك خ» إلّا غبطه بمنزلته من اللّه عزّ و جلّ و قيل له ادخل من أىّ أبواب الجنّة الثّمانية شئت.

و من صلّى نصف ليله فلو اعطى ملاء الأرض ذهبا سبعين ألف مرّة لم يعدل أجره، و كان له بذلك أفضل من سبعين رقبة يعتقها من ولد إسماعيل.
و من صلّى ثلثى ليله كان له من الحسنات قدر رمل عالج أدناها حسنة أثقل من جبل أحد عشر مرّات.
و من صلّى ليلة تامّة تاليا لكتاب اللّه عزّ و جلّ ذكره راكعا و ساجدا و ذاكرا اعطى من الثواب أدناها أن يخرج من الذّنوب كما ولدته أمّه و يكتب له عدد ما خلق اللّه من الحسنات و مثلها درجات، و يبثّ النور في قبره و ينزع الاثم و الحسد من قلبه، و يجار من عذاب القبر و يعطى براءة من النار و يبعث من الامنين و يقول الرّب تبارك و تعالى لملائكته: ملائكتي انظروا إلى عبدي أحيى ليله ابتغاء مرضاتي أسكنوه الفردوس و له فيها مأئة ألف مدينة في كلّ مدينة جميع ما يشتهى الأنفس‏و تلذّ الأعين و ما لا يخطر على بال سوى ما أعددت له من الكرامة و المزيد و القربة.

(و أضمروا بطونكم) أى بالصيام و الجوع و قد مضى الأخبار في فضل الصوم في شرح المختار المأة و التاسع (و استعملوا أقدامكم) أى في القيام إلى الصلوات أو مطلق القربات كاستعمالها في تشييع الجنائز و السّعى إلى المساجد و المشى إلى المشاهد المشرّفة و نحوها.

روى في ثواب الأعمال باسناده عن الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: إنّ اللّه عزّ و جلّ ليهمّ أن يعذّب أهل الأرض جميعا حتّى لا يتحاشى منهم أحدا إذا عملوا بالمعاصي و اجترحوا السيئات، فاذا نظر إلى الشيّب ناقلى أقدامهم إلى الصّلاة و الولدان يتعلّمون القرآن رحمهم فأخّر ذلك عنهم.

(و أنفقوا أموالكم) أى في الزكاة و الصدقات و صنايع المعروف، و قد عرفت فضل هذه كلّها في شرح المختار المأة و التاسع أيضا (و خذوا من أجسادكم فجودوا بها على أنفسكم) و هو كناية عن إتعاب الأبدان و إذابتها بالعبادات و الرّياضات و سلوك مسالك الخيرات، و معلوم أنّ الأخذ من الأجساد بهذه القربات جود بها على النفوس و لذلك قال: جودوا بها عليها (و لا تبخلوا بها عنها) ثمّ استشهد على ما رامه بكلام الحقّ سبحانه و قال: (فقد قال اللّه سبحانه) في سورة محمّد صلّى اللّه عليه و آله (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) قال في مجمع البيان أى إن تنصروا دين اللّه و نبيّ اللّه بالقتال و الجهاد ينصركم على عدوّكم و يثبّت أقدامكم إى يشجعكم و يقوى قلوبكم لتثبتوا، و قيل: ينصركم في الاخرة و يثبّت أقدامكم عند الحساب و على الصراط، و قيل: ينصركم في الدّنيا و الاخرة و يثّبت أقدامكم في الدّارين و هو الوجه.

قال قتاده: حقّ على اللّه أن ينصر من نصره لقوله: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ و أن يزيد من شكره لقوله: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ، و أن يذكر من ذكره لقوله: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ.

(و قال) في سورة الحديد (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَ لَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) و نحوه في سورة البقرة إلّا أنّ فيها بدل قوله: وَ لَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ: أَضْعافاً كَثِيرَةً.
قال في مجمع البيان: ثمّ حث اللّه سبحانه على الانفاق فقال مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ أى ينفق في سبيل اللّه و طاعته، و المراد به الأمر «قَرْضاً حَسَناً» و القرض الحسن أن ينفق من حلال و لا يفسده بمنّ و لا أذى، و قيل: هو أن يكون محتسبا طيّبا به نفسه، و قيل: هو أن يكون حسن الموقع عند الانفاق فلا يكون خسيسا، و الأولى أن يكون جامعا لهذه الأمور كلّها فلا تنافي بينها «فَيُضاعِفَهُ لَهُ» أى يضاعف له الجزاء من بين سبع إلى سبعين إلى سبعمائة «وَ لَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ» أى جزاء خالص لا يشوبه صفة نقص، فالكريم الّذي من شأنه أن يعطى الخير الكثير فلما كان ذلك الأجر يعطى النفع العظيم وصف بالكريم و الأجر الكريم هو الجنّة.

و لما كان ظاهر النصرة موهما لكونها من الذلّة، و ظاهر القرض موهما لكونه من القلّة أردف ذلك من باب الاحتراس بقوله (فلم يستنصركم من ذلّ و لم يستقرضكم من قلّ) أى ليس استنصاره و استقراضه من أجل الذلّة و القلّة حسبما زعمته اليهود و قالوا: إنما يستقرض منّا ربّنا عن عوز فانما هو فقير و نحن أغنياء فأنزل اللّه سبحانه لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِياءُ بل سمّى نصرة دينه و نبيّه نصرة له و الانفاق في سبيله قرضا تلطّفا للدّعاء إلى فعلهما و تأكيدا للجزاء عليهما، فانّ النّصر يوجب المكافاة و القرض يوجب العوض.

و إليه أشار بقوله (استنصركم و له جنود السّموات و الأرض و هو العزيز الحكيم) يعني أنّه عزيز في سلطانه أي قادر قاهر لا يتمكّن أحد أن يمنعه من عذاب من يريد عذابه، ذو قدرة على الانتقام من أعدائه، و انّه حكيم في أفعاله واضع كلّا منها في مقام صالح له و لايق به.

(و استقرضكم و له خزائن السّموات و الأرض و هو الغنيّ الحميد) يعني غنيّ بنفسه عن غيره غير مفتقر إلى شي‏ء من مخلوقاته و محمود في أفعاله و صنايعه و أحكامه‏و أوامره.
(و انما أراد) باستقراضه و استنصاره (أن يبلوكم أيّكم أحسن عملا) و قد مرّ في شرح المختار الثاني و الستّين معنى بلاء اللّه سبحانه أى ابتلائه و اختباره.

(فبادروا بأعمالكم) إلى آجالكم (تكونوا مع جيران اللّه في داره) و المراد بهم أولياؤه المتّقون الّذين لا خوف عليهم و لا هم يحزنون، و استعار لفظ الجيران لهم باعتبار شمول الألطاف و العنايات الخاصّة الالهيّة لهم كما أنّ الجار ينال الكرامة من جاره و الاضافة فيه و في تاليه للتشريف و التكريم.

(رافق بهم رسله و أزارهم ملائكته) حسبما عرفت ذلك في شرح هذه الخطبة و غيرها (و أكرم أسماعهم أن تسمع حسيس نار أبدا) كما قال عزّ من قائل إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى‏ أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَ هُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ.

قال الطبرسيّ أى يكونون بحيث لا يسمعون صوتها الّذي يحسّ.
روى في الصّافي من المحاسن عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إنّه قال لعليّ عليه السّلام يا عليّ أنت و شيعتك على الحوض تسقون من أحببتم و تمنعون من كرهتم و أنتم الامنون يوم الفزع الاكبر في ظلّ العرش يوم يفزع الناس و لا تفزعون، و يحزن النّاس و لا تحزنون، و فيكم نزلت هذه الاية إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى‏ الاية، و فيكم نزلت لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ الاية.

و فيه من المحاسن عن الصّادق عليه السّلام قال: إنّ اللّه يبعث شيعتنا يوم القيامة على ما فيهم من الذّنوب أو غيره مبيضّة وجوههم مستورة عوراتهم آمنة روعتهم قد سهلت لهم الموارد و ذهبت عنهم الشدائد، يركبون نوقا من ياقوت فلا يزالون يدورون خلال الجنّة عليهم شرك من نور يتلألأ توضع لهم الموائد فلا يزالون يطعمون و الناس في الحساب، و هو قول اللّه تبارك و تعالى إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ الاية.
(و صان أجسادهم أن تلقى لغوبا و نصبا) كما قال سبحانه حكاية عنهم وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ‏فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَ لا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ.

قال في مجمع البيان أى أنزلنا دار الخلود يقيمون فيها أبدا لا يموتون و لا يتحوّلون عنها «مِنْ فَضْلِهِ» أى ذلك بتفضّله و كرمه «لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ» لا يصيبنا في الجنّة عناء و مشقّة «وَ لا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ» أى و لا يصيبنا فيها إعياء و متعبة في طلب المعاش و غيره.

و في الصّافي عن القمّي قال: النّصب العناء و اللّغوب الكسل و الضجر و دار المقامة دار البقاء، و قال صاحب الصافي: النّصب التّعب و اللّغوب الكلال إذ لا تكليف فيها و لا كدّ اتبع نفى النصب بنفى ما يتبعه مبالغة.
(ذلك) المذكور من النعم العظيمة (فضل اللّه) أى تفضّل منه سبحانه (يؤتيه من يشاء) من عباده (و اللّه ذو الفضل العظيم) يتفضّل بما لا يقدر عليه غيره و يعطى الكثير بالقليل (أقول ما تسمعون و اللّه المستعان على نفسي و أنفسكم) في حفظها عن متابعة الهوى و الشهوات و وقايتها من المعاصي و الهفوات (و هو حسبنا و نعم الوكيل) و نعم المعين و نعم النصير.

الترجمة

از جمله خطب شريفه آن وصيّ مختار و وليّ پروردگار است مى ‏فرمايد: حمد و ثنا مر خداوندى را سزاست كه شناخته شده بدون رؤيت، و خلق فرموده بدون رنج و مشقت آفريد مخلوقات را بقدرت كامله خود، و طلب بندگى نمود از سلاطين و ملوك با عزّت قاهره خود، و مالك واجب الاطاعة شد بر بزرگان با بخشش فراوان خود، و اوست آن كسي كه ساكن فرمود در دنيا آفريدگان خود را، و مبعوث كرد بسوى جنّ و انس پيغمبران خود را، تا اين كه كشف كنند مر ايشان را از پردهاى دنيا، و بترسانند ايشان را از پريشانيهاى دنيا، و بيان كنند از براى ايشان مثلهاى آن را، و بنمايند بر ايشان عيبهاى آن را، و تا هجوم آور بشوند بر ايشان با چيزى كه باعث عبرت ايشان بشود از صحّتهاى آن و بيماريهاى آن، و حلال آن و حرام آن‏و با آنچه كه مهيّا فرموده خداوند تعالى از براى اطاعت كنندگان از ايشان، و معصيت كنندگان ايشان از بهشت و جهنّم، و عزّت و خواري.

حمد مي كنم او را در حالتى كه قصد تقرّب مي كنم بسوى او چنان حمدى كه طلب كرده از مخلوقات خود گردانيد از براى هر چيزى اندازه معيّني، و از براى هر اندازه مدّت مخصوصي، و از براى هر مدّت نوشته مشخّصي.

بعضى ديگر از اين خطبه در ذكر قرآن كريم است مى‏ فرمايد: پس قرآن امر كننده است و نهى كننده، و ساكت است بحسب ظاهر و ناطق است بحسب باطن، حجّت پروردگار است بر خلقان او أخذ فرموده است بر او عهد و پيمان ايشان را، و رهن كرده است در مقابل او نفسهاى ايشان را، تمام فرمود نور آنرا و گرامى داشت با آن دين خود را، و قبض فرمود نبيّ خود را در حالتي كه فارغ شده بود بسوى خلق از احكام هدايت با آن.

پس تعظيم نمائيد از حقّ سبحانه و تعالى مثل تعظيم كردن او ذات خود را، پس بدرستى كه پنهان نداشته است حق تعالى از شما چيزى را از دين، و فرو نگذاشته چيزى را كه پسنديده يا ناخوش گرفته مگر اين كه گردانيده از براى آن علامتى ظاهر و آيه محكم كه منع نمايد از آن يا دعوت كند بسوى او پس رضاى خدا در چيزى كه باقي مانده يكى است و سخط و غضب او در چيزى كه باقي مانده يكى است.

و بدانيد كه حق تعالى هرگز راضى نمى ‏باشد از شما بچيزى كه دشمن گرفته است آنرا بر كسانى كه بودند پيش از شما، و هرگز غضب نمى‏ كند بر شما بچيزى كه رضا داشته بأو از كسانى كه بودند پيش از شما، و جز اين نيست كه بايد سير نمائيد در أثر واضح گذشتگان، و تكلّم نمائيد بكلام با منفعت كه گويا شدند بان مردانى كه پيش از شما بودند.

بتحقيق كه كفايت كرد خداوند عالم معيشت دنياى شما را، و تحريص فرمود شما را بر شكر، و واجب كرد از زبانهاى شما ذكر را، و وصيّت فرمود شما رابتقوى و پرهيزكاري، و گردانيد آنرا منتهى خوشنودي و حاجت خود از خلق، پس بپرهيزيد از خدائى كه شما در پيش نظر اوئيد، و پيشانيهاي شما در يد قدرت او است و گرديدن شما در قبضه اقتدار او است، هر گاه پنهان داريد چيزى را در قلب خودتان مي داند آنرا، و اگر اظهار نمائيد أعمال خود را نويسد آنرا، بتحقيق موكّل فرموده بان نوشتن ملائكه كه حافظانند با كرامت در حالتى كه اسقاط حق نمى ‏كنند و إثبات باطل نمى ‏نمايند، يعني چيز بي اصل را نمى ‏نويسند.

و بدانيد بدرستى كه هر كس بترسد از خدا و صاحب تقوى باشد قرار مى‏ دهد خدا از براى او بيرون آمدني از فتنها، و روشنى از ظلمتها، و مخلّد مى ‏نمايد او را در چيزى كه خواهش دارد نفس او، و نازل مى‏ فرمايد او را در منزل كرامت در نزد خود در خانه كه اختيار فرموده آنرا از براى خود، چنان خانه كه سقف آن عرش او است، و نور آن جمال او است، و زيارت كنندگان آن ملكهاى او است، و رفيقهاى آن پيغمبران او است.

پس بشتابيد بسوى معاد، و سبقت كنيد بسوى أجلها از جهت اين كه مردمان نزديكست كه بريده شود از ايشان آرزوها، و در يابد ايشان را أجلها، و بسته شود بروى ايشان در توبه.

پس بتحقيق كه صباح كرديد در مثل چيزى كه سؤال كردند بر گشتن بسوى آنرا اشخاصى كه بودند پيش از شما، و شما أبناء السّبيل هستيد بر سفر كردن از خانه كه نيست خانه شما، بتحقيق كه اعلام كرده شديد بكوچ كردن از آن، و مأمور شديد در آن بأخذ كردن توشه.

و بدانيد بدرستى كه نيست مر اين پوست لطيف را صبر كردن بر آتش سوزان پس رحم نمائيد نفسهاى خود را پس بدرستى كه شما تجربه نموديد نفوس خود را در مصائب و صدمات دنيا، پس ديده ‏ايد جزع و فزع يكى از شما را از خارى كه برسد بأو يا لغزيدني كه خون آلود سازد او را، يا زمين بسيار گرمى كه بسوزاند او را، پس‏ چگونه باشد حال او زمانى كه بشود در ميان دو تابه يا دو طبقه از آتش كه همخوا به سنگ سوزان باشد و همنشين شيطان، آيا دانسته ‏ايد اين كه مالك خازن جهنّم هر وقت غضب نمايد بر آتش بشكند بعضى از آتش بعضي ديگر را، و هر گاه زجر كند آتش را بر جهد شراره آن از ميان درهاى دوزخ از جهة جزع كردن آن از زجر او.

اى پير بزرگ سال كه آميخته است بأو پيرى و سستى چگونه است حالت تو زمانى كه متّصل شود و پيوند گردد طوقهاى آتش باستخوانهاى گردنها، و فرو روند غلهاى جامعه آتش در أعضاء، تا اين كه بخورد گوشتهاى بازوها را پس بترسيد از خدا أى بندگان خدا در حالتى كه شما سلامت هستيد در زمان صحّت پيش از بيمارى و در فراخى و وسعت پيش از تنگى، پس سعى نمائيد در گشادن و فكّ نمودن گردنهاى خودتان پيش از اين كه بسته شود گروهاى گردنها، بيدار كنيد چشمهاى خود را با تهجّد و قيام، و تهى سازيد شكمهاى خود را با گرسنگى و صيام، و استعمال نمائيد قدمهاى خود را در خيرات، و انفاق كنيد مالهاى خود را در زكاة و صدقات، و أخذ نمائيد از بدنهاى خودتان تا بخشش نمائيد با آنها بر نفسهاى خود و بخل نورزيد به آنها.

پس بتحقيق كه فرموده است حق تعالى در كلام مجيد خود «إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ» يعني اگر يارى كنيد خدا را يارى مي كند خدا شما را و ثابت مى ‏فرمايد قدمهاى شما را در مواضع لغيزدن.
و باز فرموده «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَ لَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ» يعني كسيست آن كسى كه قرض دهد خدا را قرض ‏دادن نيكو پس زياده گرداند آنرا از براى او و مر او راست أجر با كراهت.

پس يارى نخواست خداى تعالى از شما از بابت ذلّت، و قرض طلب نكرد از شما از جهت كمى و قلّت، يارى خواست از شما در حالتى كه از براى او است لشكرهاى آسمانها و زمين و حال آنكه او است صاحب عزّت و حكمت، و طلب قرض نمود از شما در حالتى كه از براى او است خزانهاى آسمانها و زمين و حال آنكه او است بى ‏نياز و ستوده،و جز اين نيست كه اراده فرموده كه امتحان نمايد شما را كه كدام از شما نيكوتر است از حيثيّت عمل.

پس مبادرت نمائيد بسوى عملهاى خودتان تا باشيد با همسايه اى خدا در خانه خدا كه رفيق ساخته ايشان را با پيغمبران خود، و بزيارت ايشان أمر نموده فرشتگان را و گرامى داشته گوشه اى ايشان را از اين كه بشنوند آواز آتش را هرگز، و نگه داشته جسدهاى ايشان را از آنكه برسد بمشقّت و كسالت، اين فضل و احسان خداست كه عطا مى‏ فرمايد آنرا بهر كس كه مى ‏خواهد از بندگان خود، و خداوند است صاحب فضل عظيم، من مى‏ گويم چيزى را كه مى ‏شنويد و خداست يارى خواسته شده، يعني از او استعانت مي كنم بر نفس خودم و بر نفسهاى أمّاره شما، و اوست كفايت كننده ما و چه خوب وكيل است.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نمایش بیشتر

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

دکمه بازگشت به بالا
-+=