خطبه۳۶شرح ابن میثم بحرانی

و من کلام له علیه السّلام یجرى مجرى الخطبه

فَقُمْتُ بِالْأَمْرِ حِینَ فَشِلُوا- وَ تَطَلَّعْتُ حِینَ تَقَبَّعُوا- وَ نَطَقْتُ حِینَ تَمْنَعُوا-وَ مَضَیْتُ بِنُورِ اللَّهِ حِینَ وَقَفُوا- وَ کُنْتُ أَخْفَضَهُمْ صَوْتاً وَ أَعْلَاهُمْ فَوْتاً- فَطِرْتُ بِعِنَانِهَا وَ اسْتَبْدَدْتُ بِرِهَانِهَا- کَالْجَبَلِ لَا تُحَرِّکُهُ الْقَوَاصِفُ- وَ لَا تُزِیلُهُ الْعَوَاصِفُ- لَمْ یَکُنْ لِأَحَدٍ فِیَّ مَهْمَزٌ وَ لَا لِقَائِلٍ فِیَّ مَغْمَزٌ- الذَّلِیلُ عِنْدِی عَزِیزٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ لَهُ- وَ الْقَوِیُّ عِنْدِی ضَعِیفٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ- رَضِینَا عَنِ اللَّهِ قَضَاءَهُ وَ سَلَّمْنَا لِلَّهِ أَمْرَهُ- أَ تَرَانِی أَکْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص – وَ اللَّهِ لَأَنَا أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَهُ- فَلَا أَکُونُ أَوَّلَ مَنْ کَذَبَ عَلَیْهِ- فَنَظَرْتُ فِی أَمْرِی- فَإِذَا طَاعَتِی قَدْ سَبَقَتْ بَیْعَتِی- وَ إِذَا الْمِیثَاقُ فِی عُنُقِی لِغَیْرِی

اللغه

أقول: التعتعه: الاضطراب فی الکلام عند الحصر. و تطلّع الأمر: اختباره و تعرّفه. و التقبّع: التقبّض. یقال: قبع القنفذ إذا قبض رأسه بین کتفیه. و الاستبداد: الانفراد. و الرهان: ما یرهن و یستبق علیه. و الهمز: الغیبه بالعیب، و کذلک الغمز.

قال بعض الشارحین: هذا الفصل فیه فصول أربعه التقطها الرضىّ رحمه اللّه من کلام طویل له علیه السّلام قاله بعد وقعه النهروان ذکر فیه حاله منذ توفّى رسول اللّه صلى اللّه علیه و آله و سلّم إلى آخر وقته.

الفصل الأوّل:

فقمت بالأمر حین فشلوا. إلى قوله: برهانها.
هذا الکلام ورد فی معرض افتخاره و إثبات فضیلته على سائر الصحابه لغایه قبول رأیه. فقیامه بالأمر حین فشلهم إشاره إلى فضیله شجاعته: أى فقمت بأمر اللّه بین یدی رسوله و بعده فی الحروب و المقامات الصعبه الّتی ضعفوا عنها و الأوقات الّتی فشلوا فیها و أمره فی ذلک ظاهر.

و قوله: و نطقت حین تعتعوا [تمنّعوا خ‏]. إشاره إلى ملکه الفصاحه المستتبعه لملکه العلم: أى نطقت فی القضایا المهمّه و الأحکام المشکله و المقاول الّتی حصرت فیها بلغاؤهم، فکنّى بنطقه و تعتعتهم عن فضاحتهم و عیّهم.

و قوله تطلّعت حین تقبّعوا. إشاره إلى کبر الهمّه فی تحصیل ما ینبغی للإنسان أن یحصّله من تعرّف الامور و اختبارها و النظر فی مصادرها و مواردها، و هی ملکه تحت الشجاعه، و لمّا کان التطّلع على الأمر یحتاج الإنسان فیه إلى نحو من التطاول و مدّ العنق و تحدیق العین و نحوه، و کان تعرّف الامور و اختبارها لابدّ فیه من بعث رائد الفکر الّذی هو عین النفس الّتی بها یبصر و تحدیقه نحو الامور المعقوله و إرسال المتخیّله لتفتیش خزائن المحسوسات أشبه ذلک التطلّع فاستعار له لفظ التطلّع و کنّى به عنه،

و قوله: حین تقبّعوا. أی کان تعرّفی للأمور حین قصورهم عن ذلک، و لمّا کان التقبّع یقابل مدّ العین و التطاول إلى رؤیه الأشیاء المسمّى تطلّعا، و کان قصور أفکارهم و عدم اعتبارهم للأشیاء یقابل مدّ الفکر و تطاول الذهن إلى معرفه الامور و کان قصور الفکر أیضا و العجز عن المعرفه یشبه التقبّع استعار لفظ التقبّع و کنّى به عنه.

و قوله: و مضیت بنور اللّه حین وقفوا. إشاره إلى فضیله العلم أى کان سلوکى لسبیل الحقّ على وفق العلم و هو نور اللّه الّذی لا یضلّ من اهتدى به. و ذلک حین وقفوا حائرین متردّدین جاهلین بالقصد و کیفیّه سلوک الطریق. و إنّما أثبت لنفسه هذه الفضائل و قرن کلّ فضیله له برذیله فیهم یقابلها لتبیّن فضله بالنسبه إلیهم إذ کان الغرض ذلک.

و قوله: و کنت أخفضهم صوتا و أعلاهم صوتا. کنّى بخفض الصوت عن ربط الجأش فی الامور و الثبات فیها و التصمیم على فعل ما ینبغی من غیر التفات إلى الحوادث [الجواذب خ‏] و الموانع على فعل ما هو خیر و مصلحه فإنّ کثره الأصوات و علوّها فی الأفعال الّتی هی مظنّه الخوف دلیل الفشل، و لا شکّ أنّ من کان أشدّ فی ذلک کان أعلى صوتا و أشدّ سبقا إلى مراتب الکمال و درجات السعاده ممّن کان أضعف فیه.

و قوله: فطرت بعنانها و استبددت برهانها. الضمیران یعودان إلى الفضیله و إن لم یجر لها ذکر لفظىّ فاستعار هاهنا لفظ الطیران للسبق العقلىّ لما یشترکان فیه من معنى السرعه، و استعار لفظى العنان و الرهان اللذین هما من متعلّقات الخیل للفضیله الّتی استکملتها نفسه تشبیها لها مع فضائل نفوسهم بخیل الحلبه، و وجه المشابهه أنّ الصحابه- رضى اللّه عنهم- لمّا کانوا یقتنون الفضائل و یستبقون بها إلى رضوان اللّه و سعادات الآخره کانت فضائلهم الّتی علیها یستبقون کخیل الرهان، و لمّا کانت فضیلته علیه السّلام أکمل فضایلهم و أتمّها کانت بالنسبه إلى فضائلهم کالفرس الّذی لا یشقّ غباره. فحسن منه أن یستعیر لسبقه بها لفظ الطیران، و یجرى علیها لفظ العنان و الرهان.

الفصل الثانی:

قوله: لا تحرّکه القواصف. إلى قوله: آخذ الحقّ منه.
و هذا الفصل یحکى فیه قیامه بأعباء الخلافه حین انتهائها إلیه و جریه فیها على القانون العدل و الأوامر الإلهیّه.

فقوله: کالجبل. تشبیه له فی الثبات على الحقّ بالجبل فکما لا تحرّکها قواصف الریاح و عواصفها کذلک هو لا تحرّکه عن سواء السبیل مراعاه هوى لأحد أو اتّباع طبع یخالف ما یقتضیه سنّه اللّه و شرعه بل هو ثابت على القانون العدل و موافقه الأمر الإلهىّ.

و قوله: لم یکن لأحد فیّ مهمز و لا لقائل فیّ مغمز. أی لم یکن فیّ عیب اعاب به. و قد راعى فی هذه القرائن الأربع مع الأربع الأخیره من الفصل الأوّل السجع المتوازى.

و قوله: الذلیل عندى عزیز حتّى آخذ الحقّ له. إعزازه للذلیل اعتناؤه بحاله و اهتمامه بأمر ظلامته، و من اعتنى بحال إنسان فقد أعزّه ثمّ جعل لإعزازه غایه هى أخذ الحقّ له، و کذلک قوله: و القوىّ عندى ضعیف حتّى آخذ الحقّ منه، فإنّ ضعف القوى هو قهره تحت حکمه إلى غایه یستوفى منه حقّ المظلوم.
فإن قلت: یفهم من هاتین الغایتین أنّ نظره إلى الذلیل بعد استیفاء حقّه و إلى‏ القوىّ بعد أخذ الحقّ منه لا یکون على السواء بل یکون التفاته إلى القوىّ أکثر و ذلک لیس من العدل.

قلت: إنّه لمّا لم یکن الغرض من الأمر بمساواه النظر بین الخلق إلّا أخذ حقّ الضعیف من القوىّ و عدم التظالم بینهم لم تجب مساواه النظر بین الضعیف و القوىّ إلّا من تلک الجهه. و لم یکن إعزازه المقوىّ و إکرامه فی غیر وجه الظلم قبیحا لجواز انفراده بفضیله یوجب إعزازه من جهه الدین أیضا.

الفصل الثالث:

قوله: رضینا عن اللّه قضاؤه و سلّمنا له أمره. إلى قوله: من کذب علیه.
قیل: ذکر ذلک علیه السّلام لما تفرّس فی طائفه من قومه أنّهم یتّهمونه فیما یخبرهم به عن النبیّ صلى اللّه علیه و آله و سلّم من أخبار الملاحم فی الامور المستقبله، و قد کان منهم من یواجهه بذلک کما روى أنّه لمّا قال: سلونى قبل أن تفقدونى فو اللّه لا تسألونى عن فئه تضلّ مائه و تهدى مائه إلّا أنبأتکم بناعقها و سائقها. قام إلیه أنس النخعىّ فقال: أخبرنى کم فی رأسى و لحیتى طاقه شعر. فقال علیه السّلام: و اللّه لقد حدّثنى حبیبى أنّ على کلّ طاقه شعر من رأسک ملک یلعنک، و أنّ على کلّ طاقه شعر من لحیتک شیطانا یغویک، و أنّ فی بیتک سخلا یقتل ابن رسول اللّه صلى اللّه علیه و آله و سلّم و کان ابنه سنان بن أنس قاتل الحسین علیه السّلام یومئذ طفلا یحبو، و سیأتى بعض تلک الأخبار.

فقوله: رضینا عن اللّه قضاءه و سلّمنا له أمره. قد عرفت أنّ الرضا بقضاء اللّه و التسلیم لأمره باب من أبواب الجنّه یفتحه اللّه لخواصّ أولیائه، و لمّا کان علیه السّلام سیّد العارفین بعد رسول اللّه صلى اللّه علیه و آله و سلّم و کان قلم القضاء الإلهىّ قد جرى على قوم بالتکذیب له و التهمه فیما یقول لا جرم هو کان علیه السّلام أولى الناس بلزوم باب الرضا. و قوله: أ ترانى أکذب. إلى قوله: علیه. استنکار لما صدر منهم فی حقّه من التکذیب، و إیراد حجّه لبطلان أوهامهم فی حقّه بصوره قیاس الضمیر مع نتیجته، و تقدیره و اللّه لأنا أوّل من صدّقه و کلّ من کان‏ أوّل مصدّق له فلن یکون أوّل مکذّب له ینتج أنّی لا أکون أوّل مکذّب له
الفصل الرابع: قوله: فنظرت فی أمرى إلى آخره.

فیه إحتمالان: أحدهما قال بعض الشارحین: إنّه مقطوع من کلام یذکر فیه حاله بعد وفاه الرسول صلى اللّه علیه و آله و سلّم و أنّه کان معهودا إلیه أن لا ینازع فی أمر الخلافه بل إن حصل له بالرفق و إلّا فلیمسک. فقوله: فنظرت فإذا طاعتى قد سبقت بیعتى: أى طاعتى لرسول اللّه صلى اللّه علیه و آله و سلّم فیما أمرنى به من ترک القتال قد سبقت بیعتى للقوم فلا سبیل إلى الامتناع منها.

و قوله: و إذا المیثاق فی عنقى لغیرى. أى میثاق رسول اللّه صلى اللّه علیه و آله و سلّم و عهده إلىّ بعدم المشاقّه، و قیل: المیثاق ما لزمه من بیعه أبى بکر بعد ایقاعها: أى فإذا میثاق القوم قد لزمنى فلم یمکننی المخالفه بعده. الاحتمال الثانی: أن یکون ذلک فی تضجّره و تبرّئه من ثقل أعباء الخلافه، و تکلّف مداراه الناس على اختلاف أهوائهم. و یکون المعنى إنّى نظرت فإذا طاعه الخلق لى و اتّفاقهم علىّ قد سبقت بیعتهم لى، و إذا میثاقهم قد صار فی عنقى فلم أجد بدّا من القیام بأمرهم و لم یسعنی عند اللّه إلّا النهوض بأمرهم و لو لم یکن کذلک لترکت کما قال من قبل: أما و اللّه لو لا حضور الحاضر و قیام الحجّه بوجود الناصر و ما أخذ اللّه على العلماء أن لا یقارّوا على کظّه ظالم و لا سغب مظلوم لألقیت حبلها على غاربها، و لسقیت آخرها بکأس أوّلها. و الأوّل أشهر بین الشارحین، و اللّه أعلم بالصواب.

شرح‏ نهج ‏البلاغه(ابن ‏میثم بحرانی)، ج ۲ ، صفحه‏ى ۹۳

بازدیدها: ۳۱

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.