
۲۳۶ و من خطبه له ع
أَحْمَدُهُ شُکْراً لِإِنْعَامِهِ- وَ أَسْتَعِینُهُ عَلَى وَظَائِفِ حُقُوقِهِ- عَزِیزَ الْجُنْدِ عَظِیمَ الْمَجْدِ- وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ- دَعَا إِلَى طَاعَتِهِ وَ قَاهَرَ أَعْدَاءَهُ جِهَاداً عَنْ دِینِهِ- لَا یَثْنِیهِ عَنْ ذَلِکَ اجْتِمَاعٌ عَلَى تَکْذِیبِهِ- وَ الْتِمَاسٌ لِإِطْفَاءِ نُورِهِ- فَاعْتَصِمُوا بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّ لَهَا حَبْلًا وَثِیقاً عُرْوَتُهُ- وَ مَعْقِلًا مَنِیعاً ذِرْوَتُهُ- وَ بَادِرُوا الْمَوْتَ وَ غَمَرَاتِهِ وَ امْهَدُوا لَهُ قَبْلَ حُلُولِهِ- وَ أَعِدُّوا لَهُ قَبْلَ نُزُولِهِ فَإِنَّ الْغَایَهَ الْقِیَامَهُ- وَ کَفَى بِذَلِکَ وَاعِظاً لِمَنْ عَقَلَ وَ مُعْتَبَراً لِمَنْ جَهِلَ- وَ قَبْلَ بُلُوغِ الْغَایَهِ مَا تَعْلَمُونَ مِنْ ضِیقِ الْأَرْمَاسِ- وَ شِدَّهِ الْإِبْلَاسِ وَ هَوْلِ الْمُطَّلَعِ- وَ رَوْعَاتِ الْفَزَعِ وَ اخْتِلَافِ الْأَضْلَاعِ- وَ اسْتِکَاکِ الْأَسْمَاعِ وَ ظُلْمَهِ اللَّحْدِ- وَ خِیفَهِ الْوَعْدِ وَ غَمِّ الضَّرِیحِ وَ رَدْمِ الصَّفِیحِ- فَاللَّهَ اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ- فَإِنَّ الدُّنْیَا مَاضِیَهٌ بِکُمْ عَلَى سَنَنٍ- وَ أَنْتُمْ وَ السَّاعَهَ فِی قَرَنٍ- وَ کَأَنَّهَا قَدْ جَاءَتْ بِأَشْرَاطِهَا وَ أَزِفَتْ بِأَفْرَاطِهَا- وَ وَقَفَتْ بِکُمْ عَلَى صِرَاطِهَا وَ کَأَنَّهَا قَدْ أَشْرَفَتْ بِزَلَازِلِهَا- وَ أَنَاخَتْ بِکَلَاکِلِهَا وَ انْصَرَفَتِ الدُّنْیَا بِأَهْلِهَا- وَ أَخْرَجَتْهُمْ مِنْ حِضْنِهَا- فَکَانَتْ کَیَوْمَ مَضَى وَ شَهْرٍ انْقَضَى- وَ صَارَ جَدِیدُهَا رَثّاً وَ سَمِینُهَا غَثّاً- فِی مَوْقِفٍ ضَنْکِ الْمَقَامِ وَ أُمُورٍ مُشْتَبِهَهٍ عِظَامٍ- وَ نَارٍ شَدِیدٍ کَلَبُهَا عَالٍ لَجَبُهَا- سَاطِعٍ لَهَبُهَا مُتَغَیِّظٍ زَفِیرُهَا- مُتَأَجِّجٍ سَعِیرُهَا بَعِیدٍ خُمُودُهَا- ذَاکٍ وُقُودُهَا مَخُوفٍ وَعِیدُهَا- عَمٍ قَرَارُهَا مُظْلِمَهٍ أَقْطَارُهَا- حَامِیَهٍ قُدُورُهَا فَظِیعَهٍ أُمُورُهَا- وَ سِیقَ الَّذِینَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّهِ زُمَراً- قَدْ أُمِنَ الْعَذَابُ وَ انْقَطَعَ الْعِتَابُ- وَ زُحْزِحُوا عَنِ النَّارِ وَ اطْمَأَنَّتْ بِهِمُ الدَّارُ- وَ رَضُوا الْمَثْوَى وَ الْقَرَارَ- الَّذِینَ کَانَتْ أَعْمَالُهُمْ فِی الدُّنْیَا زَاکِیَهً- وَ أَعْیُنُهُمْ بَاکِیَهً- وَ کَانَ لَیْلُهُمْ فِی دُنْیَاهُمْ نَهَاراً تَخَشُّعاً وَ اسْتِغْفَارًا- وَ کَانَ نَهَارُهُمْ لَیْلًا تَوَحُّشاً وَ انْقِطَاعاً- فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُمُ الْجَنَّهَ مَآباً وَ الْجَزَاءَ ثَوَاباً- وَ کَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَ أَهْلَهَا- فِی مُلْکٍ دَائِمٍ وَ نَعِیمٍ قَائِمٍ- فَارْعَوْا عِبَادَ اللَّهِ مَا بِرِعَایَتِهِ یَفُوزُ فَائِزُکُمْ- وَ بِإِضَاعَتِهِ یَخْسَرُ مُبْطِلُکُمْ- وَ بَادِرُوا آجَالَکُمْ بِأَعْمَالِکُمْ- فَإِنَّکُمْ مُرْتَهَنُونَ بِمَا أَسْلَفْتُمْ- وَ مَدِینُونَ بِمَا قَدَّمْتُمْ- وَ کَأَنْ قَدْ نَزَلَ بِکُمُ الْمَخُوفُ- فَلَا رَجْعَهً تُنَالُونَ وَ لَا عَثْرَهً تُقَالُونَ- اسْتَعْمَلَنَا اللَّهُ وَ إِیَّاکُمْ بِطَاعَتِهِ وَ طَاعَهِ رَسُولِهِ- وَ عَفَا عَنَّا وَ عَنْکُمْ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ- الْزَمُوا الْأَرْضَ وَ اصْبِرُوا عَلَى الْبَلَاءِ- وَ لَا تُحَرِّکُوا بِأَیْدِیکُمْ وَ سُیُوفِکُمْ فِی هَوَى أَلْسِنَتِکُمْ- وَ لَا تَسْتَعْجِلُوا بِمَا لَمْ یُعَجِّلْهُ اللَّهُ لَکُمْ- فَإِنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْکُمْ عَلَى فِرَاشِهِ- وَ هُوَ عَلَى مَعْرِفَهِ حَقِّ رَبِّهِ- وَ حَقِّ رَسُولِهِ وَ أَهْلِ بَیْتِهِ مَاتَ شَهِیداً- وَ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ- وَ اسْتَوْجَبَ ثَوَابَ مَا نَوَى مِنْ صَالِحِ عَمَلِهِ- وَ قَامَتِ النِّیَّهُ مَقَامَ إِصْلَاتِهِ لِسَیْفِهِ- فَإِنَّ لِکُلِّ شَیْءٍ مُدَّهً وَ أَجَلًا وظائف حقوقه الواجبات المؤقته- کالصلوات الخمس و صوم شهر رمضان- و الوظیفه ما یجعل للإنسان فی کل یوم- أو فی کل شهر أو فی کل سنه- من طعام أو رزق-و عزیز منصوب لأنه حال من الضمیر فی أستعینه- و یجوز أن یکون حالا من الضمیر المجرور فی حقوقه- و إضافه عزیز إلى الجند- إضافه فی تقدیر الانفصال- لا توجب تعریفه لیمتنع من کونه حالا- .
و قاهر أعداءه حاربهم و روی و قهر أعداءه- . و المعقل ما یعتصم به و ذروته أعلاه- . و امهدوا له اتخذوا مهادا- و هو الفراش و هذه استعاره- . قوله ع فإن الغایه القیامه- أی فإن منتهى کل البشر إلیها و لا بد منها- . و الأرماس جمع رمس و هو القبر- و الإبلاس مصدر أبلس أی خاب و یئس- و الإبلاس أیضا الانکسار و الحزن- . و استکاک الأسماع صممها- . و غم الضریح ضیق القبر و کربه- و الصفیح الحجر و ردمه سده- .
و السنن الطریق و القرن الحبل- . و أشراط الساعه علاماتها- و أزفت قربت و أفراطها جمع فرط- و هم المتقدمون السابقون من الموتى- و من روى بإفراطها- فهو مصدر أفرط فی الشیء- أی قربت الساعه بشده غلوائها- و بلوغها غایه الهول و الفظاعه- و یجوز أن تفسر الروایه الأولى- بمقدماتها و ما یظهر قبلها من خوارق العادات المزعجه- کالدجال و دابه الأرض و نحوهما- و یرجع ذلک إلى اللفظه الأولى- و هی أشراطها و إنما یختلف اللفظ- . و الکلاکل جمع کلکل و هو الصدر- و یقال للأمر الثقیل قد أناخ علیهم بکلکله- أی هدهم و رضهم کما یهد البعیر البارک من تحته- إذا أنحى علیه بصدره- . قوله ع و انصرفت الدنیا بأهلها أی ولت- و یروى و انصرمت أی انقضت- .
و الحضن بکسر الحاء ما دون الإبط إلى الکشح- . و الرث الخلق و الغث الهزیل- . و مقام ضنک أی ضیق- . و شدید کلبها أی شرها و أذاها- و اللجب الصوت و وقودها هاهنا بضم الواو- و هو الحدث و لا یجوز الفتح- لأنه ما یوقد به کالحطب و نحوه- و ذاک لا یوصف بأنه ذاک- . قوله ع عم قرارها- أی لا یهتدى فیه لظلمته و لأنه عمیق جدا- و یروى و کأن لیلهم نهار- و کذلک أختها على التشبیه- . و المآب المرجع و مدینون مجزیون- .
قوله ع فلا رجعه تنالون- الروایه بضم التاء أی تعطون- یقال أنلت فلانا مالا أی منحته- و قد روی تنالون بفتح التاء- . ثم أمر أصحابه أن یثبتوا- و لا یعجلوا فی محاربه من کان مخالطا لهم- من ذوی العقائد الفاسده کالخوارج- و من کان یبطن هوى معاویه- و لیس خطابه هذا تثبیطا لهم عن حرب أهل الشام- کیف و هو لا یزال یقرعهم و یوبخهم- عن التقاعد و الإبطاء فی ذلک- و لکن قوما من خاصته- کانوا یطلعون على ما عند قوم من أهل الکوفه- و یعرفون نفاقهم و فسادهم- و یرومون قتلهم و قتالهم فنهاهم عن ذلک- و کان یخاف فرقه جنده و انتثار حبل عسکره- فأمرهم بلزوم الأرض و الصبر على البلاء- .
و روی بإسقاط الباء من قوله بأیدیکم- و من روى الکلمه بالباء جعلها زائده- و یجوز ألا تکون زائده- و یکون المعنى و لا تحرکوا الفتنه بأیدیکم و سیوفکم- فی هوى ألسنتکم فحذف المفعول- . و الإصلات بالسیف مصدر أصلت أی سل- .
و اعلم أن هذه الخطبه من أعیان خطبه ع- و من ناصع کلامه و نادره- و فیها من صناعه البدیع الرائقه المستحسنه- البریئه من التکلف ما لا یخفى- و قد أخذ ابن نباته الخطیب- کثیرا من ألفاظها فأودعها خطبه- مثل قوله شدید کلبها عال لجبها- ساطع لهبها متغیظ زفیرها- متأجج سعیرها بعید خمودها- ذاک وقودها مخوف وعیدها- عم قرارها- مظلمه أقطارها حامیه قدورها فظیعه أمورها- فإن هذه الألفاظ کلها اختطفها- و أغار علیها و اغتصبها- و سمط بها خطبه و شذر بها کلامه- .
و مثل قوله هول المطلع و روعات الفزع- و اختلاف الأضلاع و استکاک الأسماع- و ظلمه اللحد و خیفه الوعد- و غم الضریح و ردم الصفیح- فإن هذه الألفاظ أیضا- تمضی فی أثناء خطبه و فی غضون مواعظه
شرح نهج البلاغه(ابن أبی الحدید) ج ۱۳
بازدیدها: ۲۷
دیدگاهها