نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 110 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

111- و من خطبة له ( عليه ‏السلام  ) في ذم الدنيا

أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُحَذِّرُكُمُ الدُّنْيَا

فَإِنَّهَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ

حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ

وَ تَحَبَّبَتْ بِالْعَاجِلَةِ

وَ رَاقَتْ بِالْقَلِيلِ

وَ تَحَلَّتْ بِالْآمَالِ

وَ تَزَيَّنَتْ بِالْغُرُورِ

لَا تَدُومُ حَبْرَتُهَا

وَ لَا تُؤْمَنُ فَجْعَتُهَا

غَرَّارَةٌ ضَرَّارَةٌ

حَائِلَةٌ زَائِلَةٌ

نَافِدَةٌ بَائِدَةٌ

أَكَّالَةٌ غَوَّالَةٌ

لَا تَعْدُو إِذَا تَنَاهَتْ إِلَى أُمْنِيَّةِ أَهْلِ الرَّغْبَةِ فِيهَا وَ الرِّضَاءِ بِهَا

أَنْ تَكُونَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى سُبْحَانَهُ

كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً

تَذْرُوهُ الرِّياحُ

وَ كانَ اللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ مُقْتَدِراً

لَمْ يَكُنِ امْرُؤٌ مِنْهَا فِي حَبْرَةٍ إِلَّا أَعْقَبَتْهُ بَعْدَهَا عَبْرَةً

وَ لَمْ يَلْقَ فِي سَرَّائِهَا بَطْناً

إِلَّا مَنَحَتْهُ مِنْ ضَرَّائِهَا ظَهْراً

وَ لَمْ تَطُلَّهُ فِيهَا دِيمَةُ رَخَاءٍ

إِلَّا هَتَنَتْ عَلَيْهِ مُزْنَةُ بَلَاءٍ

وَ حَرِيٌّ إِذَا أَصْبَحَتْ لَهُ مُنْتَصِرَةً أَنْ تُمْسِيَ لَهُ مُتَنَكِّرَةً

وَ إِنْ جَانِبٌ مِنْهَا اعْذَوْذَبَ وَ احْلَوْلَى أَمَرَّ مِنْهَا جَانِبٌ فَأَوْبَى

لَا يَنَالُ امْرُؤٌ مِنْ غَضَارَتِهَا رَغَباً

إِلَّا أَرْهَقَتْهُ مِنْ نَوَائِبِهَا تَعَباً

وَ لَا يُمْسِي مِنْهَا فِي جَنَاحِ أَمْنٍ

إِلَّا أَصْبَحَ عَلَى قَوَادِمِ خَوْفٍ

غَرَّارَةٌ غُرُورٌ مَا فِيهَا

فَانِيَةٌ فَانٍ مَنْ عَلَيْهَا

لَا خَيْرَ فِي شَيْ‏ءٍ مِنْ أَزْوَادِهَا إِلَّا التَّقْوَى

مَنْ أَقَلَّ مِنْهَا اسْتَكْثَرَ مِمَّا يُؤْمِنُهُ

وَ مَنِ اسْتَكْثَرَ مِنْهَا اسْتَكْثَرَ مِمَّا يُوبِقُهُ

وَ زَالَ عَمَّا قَلِيلٍ عَنْهُ

كَمْ مِنْ وَاثِقٍ بِهَا قَدْ فَجَعَتْهُ

وَ ذِي طُمَأْنِينَةٍ إِلَيْهَا قَدْ صَرَعَتْهُ

وَ ذِي أُبَّهَةٍ قَدْ جَعَلَتْهُ حَقِيراً

وَ ذِي نَخْوَةٍ قَدْ رَدَّتْهُ ذَلِيلًا

سُلْطَانُهَا دُوَّلٌ

وَ عَيْشُهَا رَنِقٌ

وَ عَذْبُهَا أُجَاجٌ

وَ حُلْوُهَا صَبِرٌ

وَ غِذَاؤُهَا سِمَامٌ

وَ أَسْبَابُهَا رِمَامٌ

حَيُّهَا بِعَرَضِ مَوْتٍ

وَ صَحِيحُهَا بِعَرَضِ سُقْمٍ

مُلْكُهَا مَسْلُوبٌ

وَ عَزِيزُهَا مَغْلُوبٌ

وَ مَوْفُورُهَا مَنْكُوبٌ

وَ جَارُهَا مَحْرُوبٌ

أَ لَسْتُمْ فِي مَسَاكِنِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَطْوَلَ أَعْمَاراً

وَ أَبْقَى آثَاراً

وَ أَبْعَدَ آمَالًا

وَ أَعَدَّ عَدِيداً

وَ أَكْثَفَ جُنُوداً

تَعَبَّدُوا لِلدُّنْيَا أَيَّ تَعَبُّدٍ

وَ آثَرُوهَا أَيَّ إِيْثَارٍ

ثُمَّ ظَعَنُوا عَنْهَا بِغَيْرِ زَادٍ مُبَلِّغٍ

وَ لَا ظَهْرٍ قَاطِعٍ

فَهَلْ بَلَغَكُمْ أَنَّ الدُّنْيَا سَخَتْ لَهُمْ نَفْساً بِفِدْيَةٍ

أَوْ أَعَانَتْهُمْ بِمَعُونَةٍ

أَوْ أَحْسَنَتْ لَهُمْ‏ صُحْبَةً

بَلْ أَرْهَقَتْهُمْ بِالْقَوَادِحِ

وَ أَوْهَقَتْهُمْ بِالْقَوَارِعِ

وَ ضَعْضَعَتْهُمْ بِالنَّوَائِبِ

وَ عَفَّرَتْهُمْ لِلْمَنَاخِرِ

وَ وَطِئَتْهُمْ بِالْمَنَاسِمِ

وَ أَعَانَتْ عَلَيْهِمْ رَيْبَ الْمَنُونِ

فَقَدْ رَأَيْتُمْ تَنَكُّرَهَا لِمَنْ دَانَ لَهَا

وَ آثَرَهَا وَ أَخْلَدَ إِلَيْهَا

حِينَ ظَعَنُوا عَنْهَا لِفِرَاقِ الْأَبَدِ

وَ هَلْ زَوَّدَتْهُمْ إِلَّا السَّغَبَ

أَوْ أَحَلَّتْهُمْ إِلَّا الضَّنْكَ

أَوْ نَوَّرَتْ لَهُمْ إِلَّا الظُّلْمَةَ

أَوْ أَعْقَبَتْهُمْ إِلَّا النَّدَامَةَ

أَ فَهَذِهِ تُؤْثِرُونَ أَمْ إِلَيْهَا تَطْمَئِنُّونَ

أَمْ عَلَيْهَا تَحْرِصُونَ

فَبِئْسَتِ الدَّارُ لِمَنْ لَمْ يَتَّهِمْهَا

وَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا عَلَى وَجَلٍ مِنْهَا

فَاعْلَمُوا وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ

بِأَنَّكُمْ تَارِكُوهَا وَ ظَاعِنُونَ عَنْهَا

وَ اتَّعِظُوا فِيهَا بِالَّذِينَ قَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً

حُمِلُوا إِلَى قُبُورِهِمْ فَلَا يُدْعَوْنَ رُكْبَاناً

وَ أُنْزِلُوا الْأَجْدَاثَ

فَلَا يُدْعَوْنَ ضِيفَاناً

وَ جُعِلَ لَهُمْ مِنَ الصَّفِيحِ أَجْنَانٌ

وَ مِنَ التُّرَابِ أَكْفَانٌ

وَ مِنَ الرُّفَاتِ جِيرَانٌ

فَهُمْ جِيرَةٌ لَا يُجِيبُونَ دَاعِياً

وَ لَا يَمْنَعُونَ ضَيْماً

وَ لَا يُبَالُونَ مَنْدَبَةً

إِنْ جِيدُوا لَمْ يَفْرَحُوا

وَ إِنْ قُحِطُوا لَمْ يَقْنَطُوا

جَمِيعٌ وَ هُمْ آحَادٌ

وَ جِيرَةٌ وَ هُمْ أَبْعَادٌ

مُتَدَانُونَ لَا يَتَزَاوَرُونَ

وَ قَرِيبُونَ لَا يَتَقَارَبُونَ

حُلَمَاءُ قَدْ ذَهَبَتْ أَضْغَانُهُمْ

وَ جُهَلَاءُ قَدْ مَاتَتْ أَحْقَادُهُمْ

لَا يُخْشَى فَجْعُهُمْ

وَ لَا يُرْجَى دَفْعُهُمْ

اسْتَبْدَلُوا بِظَهْرِ الْأَرْضِ بَطْناً

وَ بِالسَّعَةِ ضِيقاً

وَ بِالْأَهْلِ غُرْبَةً

وَ بِالنُّورِ ظُلْمَةً

فَجَاءُوهَا كَمَا فَارَقُوهَا

حُفَاةً عُرَاةً

قَدْ ظَعَنُوا عَنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ إِلَى الْحَيَاةِ الدَّائِمَةِ وَ الدَّارِ الْبَاقِيَةِ

كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِين‏

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج8  

و من خطبة له عليه السّلام و هى المأة و العاشرة من المختار في باب الخطب

و رواها المحدّث العلامة المجلسى (قد) في البحار من كتاب مطالب السؤول باختلاف كثير تطلع عليه انشاء اللَّه بعد شرح ما رواه الرضىّ (قد) و هو قوله أمّا بعد فإنّي أحذّركم الدّنيا فإنّها حلو خضرة حفّت بالشّهوات، و تحبّبت بالعاجلة، و راقت بالقليل، و تحلّت بالآمال، و تزيّنت بالغرور، لا تدوم حبرتها، و لا تؤمن فجعتها، غرّارة، ضرّارة، حائلة زائلة، نافدة، بائدة، أكّالة، غوّالة، لا تعدو إذا تناهت إلى أمنيّة أهل الرّغبة فيها و الرّضا بها أن تكون كما قال اللَّه تعالى سبحانه: كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَ كانَ اللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ مُقْتَدِراً لم يكن امرء منها في حبرة إلّا أعقبته بعدها عبرة، و لم يلق من سرّائها بطنا إلّا منحته من ضرّائها ظهرا، و لم تطلّه فيها ديمة رخاء إلّا هتنت عليه مزنة بلاء، و حرىّ إذا أصبحت له منتصرة أن تمسي له متنكّرة، و إن جانب منها اعذوذب و احلولي أمرّ منها جانب فأوبى، لا ينال امرء من غضارتها رغبا إلّا أرهقته من نوائبها تعبا، و لا يمسي منها في جناح أمن إلّا أصبح على قوادم خوف، غرّارة غرور ما فيها، فانية فان من عليها، لا خير في شي‏ء من أذوادها إلّا التّقوى، من أقلّ منها استكثر ممّا يؤمنه، و من استكثر منها استكثر ممّا يوبقه، و زال عمّا قليل عنه، كم من واثق بها قد فجعته، و ذي طمأنينة قد صرعته، و ذي أبّهة قد جعلته حقيرا، و ذي نخوة قدردّته ذليلا، سلطانها دول، و عيشها رنق، و عذبها أجاج، و حلوها صبر، و غذائها سمام، و أسبابها رمام، حيّها بعرض موت، و صحيحها بعرض سقم، ملكها مسلوب، و عزيزها مغلوب، و موفورها منكوب، و جارها محروب، ألستم في مساكن من كان قبلكم أطول أعمارا، و أبقى آثارا، و أبعد آمالا، و أعدّ عديدا، و أكثف جنودا، تعبّدوا للدّنيا أيّ تعبّد، و آثروها أيّ إيثار، ثمّ ظعنوا عنها بغير زاد مبلّغ، و لا ظهر قاطع، فهل بلغكم أنّ الدّنيا سخت لهم نفسا بفدية، أو أعانتهم بمعونة، أو أحسنت لهم صحبة، بل أرهقتهم بالفوادح، و أوهنتهم بالقوارع، و ضعضعتهم بالنّوائب، و عفرتهم للمآخر، و وطئتهم بالمناسم، و أعانت عليهم ريب المنون، فقد رأيتم تنكّرها لمن دان لها و آثرها و أخلد إليها حتّى ظعنوا عنها لفراق الأبد، هل زوّدتهم إلّا السّغب، أو أحلّتهم إلّا الضّنك، أو نوّرت لهم إلّا الظّلمة، أو أعقبتهم إلّا النّدامة، أ فهذه تؤثرون أم إليها تطمئنّون أم عليها تحرصون فبئست الدّار لمن لم يتّهمها و لم يكن فيها على وجل منها، فاعلموا و أنتم تعلمون بأنّكم تاركوها و ظاعنون عنها، و اتّعظوا فيها بالّذين قالوا من أشدّ منّا قوّة، حملوا إلى قبورهم، فلا يدعون ركبانا، و أنزلوا الأجداث فلا يدعون ضيفانا، و جعل لهم من الصّفيح أجنان، و من التّراب أكفان، و من الرّفات جيران، فهم جيرة لا يجيبون داعيا، و لا يمنعون ضيما، و لا يبالون مندبة، إن جيدوا لم يفرحوا، و إن قحطوا لم يقنطوا، جميع و هم آحاد، و جيرة و هم أبعاد، متدانون لا يتزاورون، و قريبون لا يتقاربون، حلماء قد ذهبت أضغانهم، و جهلاء قد ماتت أحقادهم، لا يخشى فجعهم، و لا يرجى دفعهم، استبدلوا بظهر الأرض بطنا، و بالسّعة ضيقا، و بالأهل غربة، و بالنّور ظلمة، فجاءوها كما فارقوها حفاة عراة، قد ظعنوا بأعمالهم إلى الحياة الدّائمة، و الدّار الباقية، كما قال سبحانه: يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِ‏ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ.

اللغة

(الحبرة) بفتح الحاء المهملة و ضمّها ايضا و سكون الباء الموحدة النعمة و الحثن و الوشى و (حائلة) من حال الشي‏ء الحول إذا تغيّرو (غاله) غو لا من باب قال قتله و (الهشيم) من النبات اليابس المتكسّر و لا يقال له الهشيم و هو رطب و (ذرت) الرّيح الشي‏ء ذروا و أذرّت و ذرّته أطارته و نسفته و (الطّل) المطر الخفيف و يقال أضعف المطر و (الدّيمة) بالكسر المطر يدوم أيّاما في سكون بلا رعد و برق و (هتنت) السماء تهتن هتنا و هتونا و تهاتنت انصبّت و (المزنة) القطعة من السّحاب ذى الماء أو الأبيض منه و (رغبا) بفتح الغين مصدر رغب مثل تعب تعبا و (أرهقته) تعبا الحقت ذلك به و اغشته ايّاه و (القوادم) مقاديم الريش و (منتصرة) في أكثر النسخ بالنون ثمّ التاء من الانتصار بمعنى الانتقام و في بعضها بالعكس من تنصّر أى تكلّف النّصرة و (الابّهة) و زان سكّرة العظمة و البهجة و الكبر و النخوة و (الصبر) بكسر الباء نبات معروف ثمّ يطلق على كلّ مرّ و (السمام) بالكسر جمع السّم مثلّثة و (المناسم) جمع منسم بكسر السّين كمسجد و هو باطن الخفّ و قيل هو للبعير كالسنبك للفرس و (السغب) محرّكة الجوع في تعب و (الصفيح) وجه كلّ شي‏ء عريض

الاعراب

قوله: أن تكون كما قال اللَّه تعالى بحذف حرف الجرّ متعلّقة بتعدو أى لا تتجاوز عن أن تكون، و حذفها عن ان المصدرية و اختها ان مطّرد و منه قوله سبحانه: وَ تَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ.

و فاعل حرىّ ضمير مستكن عايد الى الدّنيا، و التذكير باعتبار أنّ المراد و ان شأنها جدير بأن يفعل كذا، و اللّام في قوله: له منتصرة، للتعليل، و في قوله: له متنكّرة للتقوية، و على رواية متنصّرة من التنصّر، فاللّام ثمّة أيضا للتقوية كما لا يخفى و جانب في قوله: ان جانب اعذوذب اه، مرفوع بفعل محذوف يفسّره ما بعده على حدّ قوله تعالى وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ.

و زال، عطف على استكثر اى من استكثر منها زال المستكثر منها عما قليل عنه، و قوله: ألستم في مساكن، استفهام تقريرىّ، و قوله عليه السّلام: تعبّد و اللدّنيا الجملة استينافية بيانية و أىّ تعبّد، بنصب أىّ صفة محذوف الموصوف أى تعبّدوا للدّنيا تعبّدا أىّ تعبّد، و الظاهر أنّ أىّ هذه في الأصل هى أىّ الاستفهاميّة، لأنّ معنى مررت برجل أىّ رجل برجل عظيم أو كامل يسأل عن حاله لأنه لا يعرفه كلّ أحد حتّى يسأل عنه ثمّ نقلت عن الاستفهاميّة الى الصفة فاعتور عليها اعراب الموصوف و الاستفهام في قوله فهل بلغكم، على سبيل الانكار و الابطال، و في قوله: هل ذوّدتهم إلّا السّغب للتقرير و في قوله: أ فهذه تؤثرون، على سبيل التوبيخ و التقريع، و قوله: فاعلموا و أنتم تعلمون بأنّكم تاركوها، تعدية اعلموا بالباء لتضمينه معنى اليقين، أو أنّ الباء زايدة و جملة و أنتم تعلمون معترضة على حدّ قوله:

ألا هل أتاها و الحوادث جمّة            بأنّ امرء القيس بن تملك يبقرا

فانّ جملة و الحوادث جمّة معترضة بين الفعل أعنى أتاها، و معموله الذى هو بأن اه. و الباء زايدة فيه أيضا و يحتمل جعل الجملة حالا من مفعول اعلموا فتكون في محلّ النصب، و على هذا فهى في المعنى قيد لعامل الحال و وصف له بخلاف ما لو كانت معترضة فانّ لها تعلّقا بما قبلها لكن ليست بهذه المرتبة أشار إلى ذلك صاحب الكشاف في تفسير قوله « ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَنْتُمْ ظالِمُونَ».

بعذاب أليم، حيث استعير التبشير الذي هو الاخبار بما يظهر سرور المخبر له للانذار الّذي هو ضدّها بادخاله في جنسها على سبيل التهكّم، أى انذرهم بعذاب أليم.

(و لم تطلّه فيها ديمة رخاء إلّا هتنت عليه مزنة بلاء) اسناد هتنت إلى مزنة من باب التوسّع و المعني أنّه لم تمطر على أحد في الدّنيا ديمة أى مطر خفيف موجب على رخاء حاله و سعة عيشه إلّا انصبّت عليه أمطار كثيرة من مزنة البلاء و سحابة فتوجب شدّة حاله و ضيق عيشه، و الغرض أنها إذا اعطت أحدا قليلا من الخير أعقبت ذلك بكثير من الضّر (و حرىّ إذا أصبحت له منتصرة أن تمسى له متنكّرة) يعنى أنها جديرة حين أصبحت محبّة لامرء منتقمة لأجله من عدوّه أو متكلّفة لنصره بأن تمسى مبغضة و متغيّرة له (و ان جانب منها اعذوذب و احلولى) أى صار عذبا و حلوا (أمرّ منها جانب فأوبى) أى صار مرّا فأوقع في المرض و في هذا المعنى قال الشاعر:

ألا انّما الدّنيا غضارة أيكة            إذا اخضرّ منها جانب جفّ جانب‏

فلا تكتحل عيناك منها بغيره‏

على ذاهب منها فانك ذاهب‏

(لا ينال امرء من غضارتها رغبا إلا أرهقته من نوائبها تعبا) أراد أنّه لا يبلغ أحد من طيب عيشها وسعتها و نعمتها رغبته و إرادته إلّا حملته و أغشته من نوائبها و مصائبها التعب و المشقة كما هو يدرك بالعيان و مشاهد بالوجدان، و لا يخفى ما في اتيان ينال بصيغة المضارع و ارهقته بصيغة الماضي من النّكتة اللطيفة، و هى الاشارة إلى أنّ نيل الرّغبة من غضارتها أمر متوقّع مشكوك و ارهاق التعب من نوائبها أمر محقق ثابت.

(و لا يمسى منها في جناح أمن إلّا أصبح على قوادم خوف) أراد به عدم ثبات أمنها و سرعة انتقاله منه الى الخوف، و لا يخفى ما في تخصيص الأمن بالجناح و الخوف بالقوادم لأنّ الجناح محلّ الأمن و السّاكن تحته مصون من الأذى و نيل المكروه متحصّن بحصن السّلامة ألا ترى أنّ الطائر يحصّن فرخه بجناحه حفظا له من المكاره و الآلام، و أما القوادم و هى مقاديم الرّيش فلا ريب أنّ الرّاكب عليها في معرض خطر عظيم و سقوط قريب هذا.

و قال الشارح البحراني (ره) و إنما خصّ الامن بالجناح، لأنّ الجناح محلّ التغيّر بسرعة فتنبه به على سرعة تغييراتها و إنّما خصّ الخوف بالقوادم من الجناح لأنّ القوادم هى رأس الجناح و هى الأصل في سرعة حركته و تغيّره، و هو في مساق ذمّها و التخويف منها، فحسن ذلك التخصيص و مراده أنّه و إن حصل فيها أمن و هو في محلّ التّغير السّريع و الخوف اليه أسرع لتخصيصه بالقوادم انتهى، و الأظهر ما ذكرناه.

(غرّارة غرور ما فيها فانية فان من عليها) لا يخفى ما في هاتين القرينتين من حسن الاشتقاق و جزالة المعنى، فانّ القرينة الأولى تنبيه على خسّة الدّنيا و حقارتها و على أنّ ما فيها تدليس و تلبيس و غرور و باطل بمنزلة امرأة شوهاء هتماء زخرفت من ظاهرها و البست انواع الحلىّ و الحلل تدليسا و تفتينا فاغترّ بها و افتتن من رأى حسن ظاهرها غافلا عن قبح باطنها، و القرينة الثانية تذكرة لكونها مع هذه الخسّة و الحقارة في معرض الفناء و الزوال و الازوف و الانتقال، و كذلك الرّاغبون فيها و الخاطبون لها كما قال عزّ من قائل « كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَ يَبْقى‏ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ» (لا خير في شي‏ء من أزوادها إلّا التّقوى) لأنه هو الذى يتقوّى به لسلوك سفر الآخرة و طىّ منازلها، و الوصول الى حظيرة القدس الّتي هى غنية كلّ طالب و منية كلى راغب، و لذلك امر بذلك ربّ العزّة بقوله: وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى‏.

و قد تقدّم توضيح ذلك بما لا مزيد عليه في شرح الخطبة الخامسة و السّبعين، و إنما جعله من أزواد الدّنيا لأنّ تحصيله إنما يكون فيها و الآخرة دار جزاء لا تكليف كما سبق بيانه في شرح الخطبة الثانية و السّتين، و تقدّم ثمّة أيضا ما يوضح أنّ غير التقوى من أزواد الدّنيا لا خير فيها، و يشهد بذلك قوله سبحانه:الْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ خَيْرٌ أَمَلًا.

(من أقلّ منها استكثر ممّا يؤمنه و من استكثر منها استكثر ممّا يوبقه) يعنى أنّ من ذهب في الدّنيا و اكتفى بالقليل من متاعها طلب الكثير ممّا يوجب أمنه و نجاته في الآخرة، و من رغب فيها طلب الكثير من متاعها استكثر مما يوجبه هلاكه فيها، لأنه ان كان من الحلال ففيه طول الحساب، و ان كان من الحرام ففيه أليم العذاب.

(و زال عمّا قليل عنه) إشارة إلى مفسدة اخرى فيما استكثره مضافة إلى ايجابه هلاكه و هى أنّه لم يبق له بل زال بعد حين قليل عنه.

ثمّ أشار عليه السّلام إلى مفاسد الرّكون اليها و الاعتماد عليها بقوله: (كم من واثق بها قد فجعته) بأنواع الأحزان (و ذى طمأنينة اليها قد صرعته) في مصارع الهوان (و ذى ابّهة) و عظمة (قد جعلته حقيرا) مهينا (و ذى نخوة) و كبر (قد ردّته ذليلا) مستكينا (سلطانها دول) يتداوله السّلاطين بينهم يكون تارة لهؤلاء و لهؤلاء اخرى (و عيشها رنق) متكدّر (و عذبها اجاج) مالح (و حلوها صبر) مرّ استعار لفظى العذب و الحلو للذّاتها و لفظى الاجاج و المرّ لما يشوبها من الكدر و الأسقام و الجامع الاشتراك في الالتذاذ و الايلام (و غذائها سمام) قاتلة (و أسبابها) أى حبالها (رمام) بالية (حيّها بعرض موت و صحيحها بعرض سقم) أراد به إشراف الأحياء بالممات و الأصحاء بالأسقام و قربهم منها (ملكها مسلوب و عزيزها مغلوب و موفورها منكوب و جارها محروب) أى وافر المال و صاحب الثروة فيها مثاب و جارها حريب أى مأخوذ منه جميع ماله هذا.

و لما حذّر من الدّنيا بذكر معايبها أكدّ ذلك بالتنبيه على السّابقين فيها و قال (ألستم في مساكن من كان قبلكم) لكونهم (أطول أعمارا) فقد لبث نوح عليه السّلام في قومه ألف سنة الّا خمسين عاما، و مثله كثير (و أبقى آثارا) كما يشهد به الهرمان‏و الايوان و سدّ يأجوج و منارة الاسكندريّة و نحوها (و أبعد آمالا) لأنّ الأعمار إذا كانت أطول كانت الآمال أبعد لترتّب طول الأمل على طول العمر غالبا (و أعدّ عديدا) أى عدّد كثيرا من الجيوش (و أكثف جنودا) كفرعون و بخت نصر و غيرهما.

(تعبّدوا للدّنيا أىّ تعبّد) أى قصّروا هممهم في الدّنيا و أظهروا العبوديّة و التذلل لها و أخذوها معبودا لهم و تعبّدوا الها كمال تعبّد (و آثروها أىّ إيثار) أى اختاروها على الآخرة تمام اختيار (ثمّ ظعنوا) و ارتحلوا (عنها بغير زاد مبلّغ) له إلى منزله (و لا ظهر) أى مركوب (قاطع) لطريقه و هما استعارتان للّطاعات و القربات المؤدية له إلى حظيرة القدس الموصلة إلى مجلس الانس (فهل بلغكم أنّ الدّنيا سخت لهم نفسا بفدية) استفهام على سبيل الانكار كما أشرنا إليه سابقا، و المراد أنها جادت«» لهم حين ارتحالهم منها بطيب نفسها فداء ليكون عوضا عنهم حتّى لا يموتوا و لا يرتحلوا، أو أنها ما بذلت لهم نفسا بأن تكون في هذا النفس فداء لهم (أو أعانتهم بمعونة أو أحسنت لهم صحبة) مع فرط محبّتهم لها و غاية رغبتهم اليها و شدّة انسهم بها (بل أرهقتهم بالفوادح) أى أغشتهم بالمثقلات (و أوهنتهم بالقوارع) أى أضعفتهم بالمحن و الدّواهى القارعات (و ضعضعتهم بالنوائب) و المصائب (و عفرتهم للمناخر) أى ألصقتهم على العفر و التراب لانوفهم (و وطئتهم بالمناسم) و الاخفاف و داستهم بالسّنابك و الاظلاف (و أعانت عليهم ريب المنون) أى كانت معينا لحوادث الدّهر عليهم (فقد رأيتم تنكّرها) و تغيّرها (لمن دان لها) و تقرّب بها (و آثرها) و اختارها على غيرها (و أخلد إليها) و اعتمد عليها (حتّى ظعنوا عنها لفراق الأبد) أى مفارقة دائمة لا عود بعدها (هل زوّدتهم إلّا السّغب) و الجوع (أو أحلّتهم إلّا الضنك) و الضّيق (أو نوّرت لهم إلّا الظّلمة) أى جعلت الظلمة نورا لهم كما جعلت الجوع لهم زادا (أو أعقبتهم إلّا الندامة) و الحسرة (أ فهذه) الغدّارة الغرّارة (تؤثرون أم اليها تطمئنّون أم عليها تحرصون) مع ما رأيتم من مكائدها و جرّبتم من خياناتها (فبئست الدار لمن لم يتّهمها) في نفسه (و لم يكن فيها على و جل منها) على عرضه فكانت موجبة لهلاكه و عطبه و أمّا المتّهم لها بالخديعة و الغرور و الخائف منها و الحذر فنعمت الدّار في حقّه لكونه منها على و جل دائم و خوف لازم، فيأخذ حذره بعد عدّته و يقدم الزاد ليوم المعاد و يتزوّد لحال رحيله و وجه سبيله (فاعلموا و أنتم تعلمون) و استيقنوا (بأنكم تاركوها و ظاعنون) أى مرتحلون (عنها و اتّعظوا فيها بالّذين) كانوا قبلكم و (قالوا من أشدّ منّا قوّة) و عدّة و انتقلوا عن دورهم و (حملوا إلى قبورهم فلا يدعون ركبانا و انزلوا الأجداث) بعد الادعاث«» (فلا يدعون ضيفانا) يعنى انهم انقطعت عنهم بعد ارتحالهم أسماء، الأحياء فلا يسمّون بالركبان و لا بالضيفان و كانت عادة العرب انهم إذا ركبوا يسمّون ركبانا، و إذا نزلوا يسمّون ضيفانا، و هؤلاء الأموات مع كون الجنائز حمولة لهم و كونهم محمولين عليها كالراكبين لا يطلق عليهم اسم الركب«»، و كذلك هم مع نزولهم بالأجداث و القبور لا يطلق عليهم اسم الضيف و ان كان تسمية الضيف إنما هى بذلك الاسم باعتبار نزوله، و هذا الاعتبار موجود فيهم مأخوذ من ضافه ضيفا إذا نزل عنده فافهم (و جعل لهم من الصّفيح أجنان) أى من وجه الأرض العريض قبور (و من التراب أكفان) و في بعض النسخ بدله أكنان، و هى السّتاير جمع الكن و هى السترة أى ما يستتر به، و على ذلك فالكلام على حقيقته، و على الرواية الاولى فلا بدّ من ارتكاب المجاز بأن يقال إنّ جعل التراب أكفانا لهم باعتبار إحاطته عليهم كالأكفان أو باعتبار المجاورة بينه و بينها، أو من أجل اندراس الكفن و انقلابه ترابا كما قيل، و الأظهر الأوّلان (و من الرفات) و العظام البالية (جيران فهم جيرة) أى جيران كما في بعض‏ النسخ (لا يجيبون داعيا و لا يمنعون ضيما) أى ظلما عن أنفسهم أو عمّن استجار بهم لانقطاع الاقتدار عنهم (و لا يبالون مندبة) أى لا يكترثون بالندب و البكاء على ميّت (إن جيدوا لم يفرحوا و إن قحطوا لم يقنطوا) يعنى أنّهم إن جادت السماء عليهم بالمطر لا يفرحون و ان احتبست عنهم المطر لا ييأسون كما هو شأن. الأحياء فانّهم يفرحون عند الخصب و يحزنون عند الجدب (جميع) أى مجتمعون (و هم آحاد) متفرّدون (و جيرة و هم أبعاد) متباعدون (متدانون لا يتزاورون و قريبون لا يتقاربون) إلى هذا المعنى نظر السّجاد عليه السّلام في ندبته حيث قال:

و اضحوا رميما في التراب و اقفرت
مجالس منهم عطّلت و مقاصر

و حلّوا بدار لا تزاور بينهم‏
و أنّى لسّكان القبور التزاور

فما أن ترى إلّا جثي قد ثووا بها
مسنمة تسفى عليه الأعاصر

و قال آخر:

لكلّ اناس معمر في ديارهم
فهم ينقصون و القبور يزيد

فكاين ترى من دار حيّ قد اخربت‏
و قبر بأكنان التّراب جديد

هم جيرة الأحياء أما مزارهم
فدان و أمّا الملتقى فبعيد

(حلماء قد ذهبت أضغانهم و جهلاء قد ماتت أحقادهم) يعنى أنهم بموتهم و انقطاع مادّة الحياة عنهم صار و احلماء جهلاء لا يشعرون شيئا فارتفع عنهم الضغن و الحقد و الحسد و ساير الصّفات النفسانيّة المتفرّعة عن الحياة، و توصيفهم بالحلم و الجهل في تلك الحال من باب التوسّع و المجاز باعتبار أنهم لا يستفزّهم الغضب و لا يشعرون و إلّا فالحلم هو الصّفح و الاناة و العقل و الجهل عدم العلم عمّن من شأنه أن يكون عالما و هما من صفات الأحياء كما لا يخفى.

(لا يخشى فجعهم و لا يرجى دفعهم) يعنى أنهم بارتفاع الاقتدار عنهم لا يخشون و لا يرجون فلا يخشى أحد من أن ينزل عليه بهم فجيعة و رزيّة و لا يرجو أحد أن يدفع بهم من نفسه نازلة و بلية (استبدلوا بظهر الأرض بطنا و بالسّعة ضيقا و بالأهل غربة و بالنّور ظلمة).

ضربوا بمدرجة الفناء قبائهم
من غير أطناب و لا أوتاد

ركب أناخوا لا يرجّى منهم
قصد لاتهام و لا انجاد

كرهوا النزول فانزلتهم وقعة
للدّهر نازلة لكلّ مفاد«»

فتهافتوا عن رحل كلّ مذلّل
و تطاوحوا عن سرج كلّ جواد

بادون في صور الجميع و انّهم‏
متفرّدون تفرّد الأحياء

 

(فجاءوها كما فارقوها حفاتا عراتا) قيل:«» انّ المراد بمجيئهم اليها فيها و بمفارقتهم لها خروجهم عنها، و وجه الشبه كونهم حفاتا عراتا و قيل«» انّ المراد بمجيئهم اليها دفنهم فيها و بمفارقتهم لها خلقتهم منها كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ و هو أقرب من الأوّل بل أقوى، لأنّ جملة فجاءوها معطوفة على جملة استبدلوا، و الفاء العاطفة موضوعة للتعقيب و الترتيب و لا ترتيب كما لا تعقيب بين مضمون الجملتين على الأوّل، و أمّا على الثاني فهو من قبيل عطف تفصيل المجمل على المجمل على حدّ قوله: وَ نادى‏ نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي الآية و هاهنا لما ذكر عليه السّلام استبدا لهم بظهر الأرض بطنها عقّب ذلك ببيان تفصيل حالهم بأنّهم جاءوا اليها حالكونهم حافين عارين ليس لهم نعال و لا لبايس. و لكن ينبغي أن يعلم أنّ اللازم على هذا القول حمل المفارقة على الولادة حتّى يستقيم كونهم حفاتا عراتا.

أقول: و الأظهر عندى يرجع الضمير في قوله فجاءوها كما فارقوها إلى ظهر الأرض، و التأنيث باعتبار المضاف إليه، فانه قد يكتسب المضاف المؤنث من المضاف إليه المذكر التأنيث إذا صحّت اقامته مقامه كما في قوله: «كما شرقت صدر القناة من الدّم» و يراد بمجيئهم إليها بعثهم فيها و إعادتهم إليها بعد مفارقتهم لها

كما قال تعالى: مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِيها نُعِيدُكُمْ و على هذا فالأنسب جعل حفاتا عراتا حالين من ضمير الجمع في جاءوها لا فارقوها إلّا أنّه يبعده قوله: (قد ظعنوا عنها بأعمالهم إلى الحياة الدّائمة و الدّار الباقية) إذ الظاهر كونه حالا من فاعل فارقوها مؤكّدة لعاملها كما أنّ حفاتا عراتا مؤسّسة و إن أمكن توجيهه بأنّه على جعله حالا من ضمير جاءوها يكون فيه نحو من التوكيد أيضا، و يؤيّد ذلك أنّ الحياة الدائمة إنما هو بعد البرزخ و البعث.

فان قلت: هذا التوجيه ينافيه الضمير في عنها، لأنّ ظعنهم على ما ذكرت إنما هو عن بطن الأرض، و الضمير في جاءوها كان راجعا ظهر الأرض.

قلت: غاية الأمر يكون أنه من باب الاستخدام، و لا يقدح ذلك في كونه حالا منه فافهم جيدا، و يقرّب ما ذكرناه من الوجه استشهاده عليه السّلام بالآية الشريفة أعنى قوله (كما قال سبحانه) أى في سورة الأنبياء: يوم نطوى السّماء كطىّ السّجلّ للكتب (كما بدئنا أوّل خلق نعيده وعدا علينا إنّا كنّا فاعلين) فانّها مسوقة لبيان حال البعث و النشور، و معناها نبعث الخلق كما ابتدأناه، أى قدرتنا على الاعادة كقدرتنا على الابتداء.

روى في الصّافي عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله أنه قال: تحشرون يوم القيامة عراتا حفاتا كما بدئنا أوّل خلق نعيده، و قيل معناها كما بدأناهم في بطون امّهاتهم حفاتا عراتا عز لا كذلك نعيدهم.

قال الطبرسيّ روى ذلك مرفوعا و هو يؤيّد القول الثاني أعني قول من قال أنّ المراد بفارقوها خلقهم منها و ان كان لا يخلو عن دلالة على ما استظهرناه أيضا فليتأمل و قوله تعالى: وعدا، منصوب على المصدر أى وعدناكم ذلك وعدا علينا انجازه إنّا كنّا فاعلين ذلك لا محالة.

تكملة

اعلم أنّ هذه الخطبة رواها المحدّث العلّامة المجلسي «قد» في البحار من كتاب مطالب السؤول لمحمّد بن طلحة باختلاف كثير أحببت ايرادها بتلك الطريق على عادتنا المستمرّة.

قال: قال عليه السّلام: احذّركم الدّنيا فانّها خضرة حلوة حفّت بالشّهوات و تخيبت بالعاجلة و عمّرت بالآمال و تزيّنت بالغرور و لا يؤمن فجعتها و لا يدوم خيرها، ضرّارة غدّارة غرّارة زايلة بايدة أكّالة عوّالة، لا تعدو إذا تناهت إلى امنيّة أهل الرّضا بها و الرّغبة فيها أن يكون كما قال اللَّه عزّ و جلّ: كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ. على أنّ امرأ لم يكن فيها في حيرة «حبرة ظ» إلّا أعقبته بعدها عبرة، و لم يلق من سرّائها بطنا إلّا منحته من ضرّائها ظهرا، و لم تنله فيها ديمة رخاء إلّا هتنت عليه مزنة بلاء، و حرىّ إذا أصبحت له متنصّرة أن تمسى له متنكّرة، فان جانب منها اعذوذب لامرء و احلولى، أمرّ عليه جانب و أوباه، و ان لقى امرء من غضارتها زوّدته من نوابئها تعبا، و لا يمسى امرء منها في جناح أمن إلّا أصبح في خوافي خوف و غرور.

فانية فان من عليها من أقلّ منها استكثر مما تؤمنه و من استكثر منها لم تدم له و زال عما قليل عنه، كم من واثق بها قد فجعته و ذى طمأنينة اليها قد صرعته، و ذي خدع قد خدعته، و ذي ابّهة قد صيّرته حقيرا و ذي نخوة قد صيّرته خائفا فقيرا، و ذي تاج قد أكبّته لليدين و الفم، سلطانها دول، و عيشها رنق، و عذبها اجاج، و حلوها صبر، و غذائها سمام، و أسبابها رمام، حيّها بعرض موت، و صحيحها بعرض سقم، و منيعها بعرض اهتضام، عزيزها مغلوب، و ملكها مسلوب، و ضيفها مثلوب، و جارها محروب.

ثمّ من وراء ذلك هول المطلع و سكرات الموت و الوقوف بين يدي الحكم العدل ليجزى الّذين أساءوا بما عملوا و يجزي الذين أحسنوا بالحسنى، ألستم في منازل من كان أطول منكم أعمارا و آثارا، و أعدّ منكم عديدا، و أكثف جنودا و أشدّ منكم عنودا تعبّدوا الدّنيا أيّ تعبّد، و آثروها أىّ ايثار، ثمّ ظعنوا عنها بالصغار فهل يمنعكم أنّ الدّنيا سخت لهم بفدية أو أغنت عنهم فيما قد أهلكهم من خطب، بل قد أوهنتهم بالقوارع، و ضعضعتهم بالنوائب، و عفّرتهم للمناخر، و أعانت عليهم ريب المنون.

فقد رأيتم تنكّرها لمن دان بها و أجدّ اليها حتّى ظعنوا عنها بفراق ابدالى آخر المستند، هل أحلّتهم الّا الضنك، أو زوّدتهم إلّا التّعب، أو نورّت لهم إلّا الظلمة، أو أعقبتهم إلّا النّار، أ فهذه تؤثرون، أم على هذه تحرصون، أم إلى هذه تطمئنّون، يقول اللَّه جلّ من قائل: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَ حَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ فبئست الدار لمن لا يتّهمها و ان لم يكن فيها على و جل منها، اعلموا و أنتم تعلمون أنكم تاركوها لا بدّ فانما هى كما نعّتها اللَّه لهو و لعب، و اتّعظوا بالذين كانوا يبنون بكلّ ريع آية تعبثون و يتّخذون مصانع لعلّهم يخلدون، و اتّعظوا بالّذين قالوا من أشدّ منّا قوّة، و اتّعظوا باخوانكم الّذين نقلوا إلى قبورهم لا يدعون ركبانا قد جعل لهم من الضّريح أكنانا و من التراب أكفانا و من الرّفات جيرانا، فهم جيرة لا يجيبون داعيا، و لا يمنعون ضيما، قد بادت أضغانهم، فهم كمن لم يكن و كما قال اللَّه عزّ و جلّ: فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَ كُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ استبدلوا بظهر الأرض بطنا، و بالسّعة ضيقا، و بالأهل غربة، جاءوها كما فارقوها بأعمالهم إلى خلود الأبد كما قال عزّ من قائل: يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ

الترجمة

از جمله خطب شريفه آن بزرگوار امام انام است در مذمّت دنيا و تحذير خلايق از آن غدّار و بى‏ وفا كه فرموده: أما بعد از حمد و ثناء خداوند ربّ الأرباب و صلوات بر سيّد ختمى مآب، پس بدرستى كه من مى‏ ترسانم شما را از دنيا پس بتحقيق كه آن شيرين است و سبز يعنى نفس لذّت مى‏ برد از آن بجهت حلاوت و خضرويت و طراوت آن در حالتى كه أحاطه كرده شده است بخواهشات نفسانية، و اظهار محبّت نموده است بطالبان خود بلذّتهاى عاجله خود، و بشكفت آورده مردمان را بزيورهاى قليل و اندك، و آراسته گشته باميدهاى بى‏ بنياد، و آرايش يافته بباطل و فساد، دوام نمى‏ يابد سرور آن، و ايمن نمى‏ توان شد از درد و مصيبت آن، فريبنده ايست مضرّت رساننده تغيير يابنده ايست زايل شونده، موصوف است بفنا و هلاك، و متّصف است بكثرت خوردن مردمان و أخذ نمودن و هلاك كردن ايشان، تجاوز نمى‏ كند وقتى كه متناهى شد بنهايت آرزوى كسانى كه راغب هستند در آن، و خوشنودند بآن از اين كه باشد حال آن بقرارى كه خداوند متعال بيان فرموده و وصف نموده در سوره كهف كه فرموده: مثل زندگانى دنيا همچه آبى است كه نازل كردم آنرا از آسمان پس آميخته شد بآن آب گياه زمين پس برگشت آن گياه خشك و درهم شكسته پس پراكنده مى ‏گرداند آنرا بادها و از بيخ بر مي كند و هست خدا بهر چيز صاحب اقتدار محصّل مرام اينست كه خدا تشبيه نموده صفت زندگانى دنيا را در بهجت و لذّت و سرور و شكفتگى آن كه آخرش منتهى مى‏شود بمرگ و هلاك بصفت گياهى كه مى‏رويد از زمين بسبب آبى كه از آسمان نازل مى‏شود كه پنج روز سبز و خرّم و تر و تازه ميباشد، و بعد از آن در زمان قليلى خشك و شكسته مى‏گردد، و بادها آن را از بيخ كنده و مى‏پرانند.

بهار عمر بسى دلفريب و رنگين است            ولى چه سود كه دارد خزان مرگ از پى‏

پس فرمود: نيست هيچ مردى از دنيا در سرور و شادى مگر اين كه در پى در آورد او را بعد از آن شادى بگريه و زارى، و ملاقات نكرد هيچ أحدى از خير و منفعت دنيا بشكمى مگر اين كه بخشش نمود بآن از دشوارى و مشقت خود آتشى را، و نباريد بأحدى در دنيا باران نرم آسانى و رفاهيّت مگر اين كه ريخته شد بر او باران بزرگ قطره از أبر بلا و مصيبت، و سزاوار است زمانى كه بامداد كند مر او را داد ستاننده آنكه شبانگاه كند او را تغيير نماينده و ناخوش شمرنده، و اگر بسيار خوش و شيرين باشد جانبى از آن دنيا تلخ مى‏گردد جانبى ديگر از آن، و ناخوشى مى‏آورد، نرسد هيچ مردى از طيب عيش و نعمت دنيا برغبت و ارادتى مگر اين كه پوشانيد و بار كرد او را از حوادث و مصائب خود تعب و مشقّتى، و شبانگاه نكرد احدى از دنيا در بال امنيت و آسايش مگر اين كه صباح نمود بر پرهاى دراز خوف و ترسى.

دنيا بسيار فريبنده است فريب است آنچه در او است، فنا يابنده است فانيست آن كسيكه بر او است، هيچ خير و منفعتى نيست در چيزى از توشهاى دنيا مگر پرهيزكارى و تقوى، هر كس كه اندك نمود از لذايذ دنيا و شهوات آن بسيار خواست از چيزى كه ايمن گرداند او را از عذاب قيامت و هر كس كه بسيار خواست از شهوات دنيا بسيار خواست از چيزى كه هلاك نمايد او را در آخرت و زايل شد بعد از اندك زمانى از آن.

بسا اعتماد كننده بدنيا كه دردمند ساخت او را، و بسا صاحب اطمينانى بسوى آن كه در خاك هلاك انداخت او را، و بسا صاحب عظمتى كه گردانيد او را حقير و بى‏ مقدار، و بسا صاحب نخوتى كه گردانيد او را ذليل و خوار، سلطنت و پادشاهى آن دوران كننده است از دستى بدستى، و عيش آن كدر آميز است و آب شيرين آن شور است و بيمزه، و حلاوتهاى آن تلخ، و طعامهاى آن زهرهاى قاتل است، و ريسمانهاى آن پوسيده است، زنده آن در معرض مرگست و صحيح آن در معرض ناخوشى است، ملك و مال آن ربوده شده است، و عزيز آن مغلوب‏است، و صاحب ثروت آن صاحب نكبت شده است، و همسايه آن ربوده شده از آن تمام مال او.

آيا نيستيد شما در مسكنهاى كسانى كه بودند پيش از شما در حالتى كه درازتر بودند از حيثيّت عمرها، و باقى‏تر بودند از حيثيّت اثرها، و دورتر بودند از حيثيّت آرزوها، و آماده‏تر بودند از حيثيّت شمار، و انبوه‏تر بودند از حيثيّت لشكر پرستيدند از براى دنيا پرستيدنى و برگزيدند آنرا چه برگزيدنى، پس از آن كوچ كردند از آن بدون توشه كه بمنزل برساند، و بدون مركبى كه قطع مراحل نمايد.

پس آيا رسيد بشما كه دنيا سخاوت ورزيد از براى آنها از روى طيب نفس بفديه دادن، و رها نمودن ايشان، يا آنكه يارى كرد ايشان را بمعاونتى، يا اين كه خوب نمود از براى ايشان صحبتى و معلوم است كه هيچكدام از اينها ننمود بلكه پوشانيد بايشان و بار نمود ايشان را كارهاى سنگين، و ضعيف نمود بمحنتهاى كوبنده و مضطرب كرد ايشان را بحوادث، و بخاك ماليد ايشان را بسوراخهاى دماغها، و لگدكوب كرد ايشان را بدستها و پايها، و اعانت نمود بضرر ايشان حادثات دوران را.

پس بتحقيق ديديد شما تغير دنيا را مر آن كسى را كه تقرّب جست بآن و برگزيد او را و چسبيد بآن تا اين كه كوچ كردند از آن بفراق دائمى آيا توشه داد ايشان را بغير از گرسنگى، يا فرود آورد ايشان را غير از تنگى، يا روشن كرد از براى ايشان غير از تاريكى، يا آنكه از پى در آورد ايشان را غير از پريشانى، آيا پس اين دنياى بى‏اعتبار اختيار مى‏ كنيد يا بسوى آن مطمئن مى‏ باشيد يا بر او حريص مى ‏شويد پس بد سرائى است آن از براى كسى كه متّهم ندارد او را و نباشد در او بر ترس و هراس از آن.

پس بدانيد و اعتقاد نمائيد و شما عالم هستيد بآن كه شما ترك كننده آن هستيد، و كوچ كننده‏ايد از آن، و پند گيريد در آن به آن كسانى كه گفتند كه كيست‏ سخت‏تر از ما از حيثيّت قوت، برداشته شدند بسوى قبرهاى خود، پس خوانده نشدند سواران، و فرود آورده شدند در قبور پس خوانده نشدند مهمانان، و گردانيده شد از براى ايشان از روى زمين قبرها و از خاك كفنها يا پوشاكها و از استخوانهاى پوسيده همسايها، هستند كه اجابت نمى ‏كنند خواننده را، و ممانعت نمى ‏كنند ظلم را، و باك نمى ‏دارند از نوحه و زارى، اگر داده شدند باران شاد نگشتند، و اگر رسيدند بقحط و تنگى نوميد نشدند.

اجتماع دارند و حال آنكه ايشان تنهايند، و همسايگانند و حال آنكه ايشان دورند، نزديكند بيكديگر و حال آنكه ايشان زيارت يكديگر نمى‏توانند كنند، و خويشند بهمديگر و حال آنكه اظهار خويشى نمى‏نمايند، حليم هستند در حالتى كه رفته است كينهاى ايشان، نادانند در حالتى كه مرده است جسدهاى ايشان، ترسيده نمى‏ شود از اندوه و مصيبت ايشان، و اميد گرفته نمى ‏شود دفع نمودن ايشان، عوض كردند بظاهر زمين باطن را، و بفراخى تنگيرا، و بانسيت غريبى را، و بنور و روشنى تاريكى را.

پس آمدند بروى زمين چنانچه مفارقت كردند از آن در حالتى كه پا برهنگان و تن برهنگانند در حالتى كه كوچ نمودند از آن با عملهاى خودشان بسوى زندگانى دائمى و سراى باقى چنانكه فرموده است حق سبحانه و تعالى: همچنان كه در ابتداء آفريديم خلق را اعاده مى‏كنيم ايشان را وعده كرديم آن را وعده كردنى در حالتى كه بر ما است وفا كردن بآن بدرستى كه ما كنندگانيم آنرا لا محاله وعده بعث و اعاده را داده و قادر هستيم بر انجاز آن وعده.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.