نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 132 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 132 صبحی صالح

132- و من خطبة له ( عليه ‏السلام ) يعظ فيها و يزهد في الدنيا

حمد اللّه‏

نَحْمَدُهُ عَلَى مَا أَخَذَ وَ أَعْطَى
وَ عَلَى مَا أَبْلَى وَ ابْتَلَى
الْبَاطِنُ‏ لِكُلِّ خَفِيَّةٍ
وَ الْحَاضِرُ لِكُلِّ سَرِيرَةٍ
الْعَالِمُ بِمَا تُكِنُّ الصُّدُورُ وَ مَا تَخُونُ الْعُيُونُ
وَ نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ
وَ أَنَّ مُحَمَّداً نَجِيبُهُ وَ بَعِيثُهُ
شَهَادَةً يُوَافِقُ فِيهَا السِّرُّ الْإِعْلَانَ وَ الْقَلْبُ اللِّسَانَ

عظة الناس‏

و منهافَإِنَّهُ وَ اللَّهِ الْجِدُّ لَا اللَّعِبُ
وَ الْحَقُّ لَا الْكَذِبُ
وَ مَا هُوَ إِلَّا الْمَوْتُ أَسْمَعَ دَاعِيهِ وَ أَعْجَلَ حَادِيهِ
فَلَا يَغُرَّنَّكَ سَوَادُ النَّاسِ مِنْ نَفْسِكَ
وَ قَدْ رَأَيْتَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِمَّنْ جَمَعَ الْمَالَ وَ حَذِرَ الْإِقْلَالَ وَ أَمِنَ الْعَوَاقِبَ طُولَ أَمَلٍ وَ اسْتِبْعَادَ أَجَلٍ كَيْفَ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ فَأَزْعَجَهُ عَنْ وَطَنِهِ
وَ أَخَذَهُ مِنْ مَأْمَنِهِ
مَحْمُولًا عَلَى أَعْوَادِ الْمَنَايَا يَتَعَاطَى بِهِ الرِّجَالُ الرِّجَالَ
حَمْلًا عَلَى الْمَنَاكِبِ وَ إِمْسَاكاً بِالْأَنَامِلِ
أَ مَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَأْمُلُونَ بَعِيداً
وَ يَبْنُونَ مَشِيداً
وَ يَجْمَعُونَ كَثِيراً
كَيْفَ أَصْبَحَتْ بُيُوتُهُمْ قُبُوراً
وَ مَا جَمَعُوا بُوراً
وَ صَارَتْ أَمْوَالُهُمْ لِلْوَارِثِينَ
وَ أَزْوَاجُهُمْ لِقَوْمٍ آخَرِينَ
لَا فِي حَسَنَةٍ يَزِيدُونَ
وَ لَا مِنْ سَيِّئَةٍ يَسْتَعْتِبُونَ
فَمَنْ أَشْعَرَ التَّقْوَى قَلْبَهُ بَرَّزَ مَهَلُهُ
وَ فَازَ عَمَلُهُ
فَاهْتَبِلُوا هَبَلَهَا
وَ اعْمَلُوا لِلْجَنَّةِ عَمَلَهَا
فَإِنَّ الدُّنْيَا لَمْ تُخْلَقْ لَكُمْ دَارَ مُقَامٍ
بَلْ خُلِقَتْ لَكُمْ مَجَازاً لِتَزَوَّدُوا مِنْهَا الْأَعْمَالَ إِلَى دَارِ الْقَرَارِ
فَكُونُوا مِنْهَا عَلَى أَوْفَازٍ
وَ قَرِّبُوا الظُّهُورَ لِلزِّيَالِ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج8  

و من خطبة له عليه السّلام و هى المأة و الثاني و الثلاثون من المختار في باب الخطب
نحمده على ما أخذ و أعطى، و على ما أبلى و ابتلى، الباطن لكلّ خفيّة، و الحاضر لكلّ سريرة، العالم بما تكنّ الصّدور، و ما تخون العيون، و نشهد أن لا إله غيره، و أنّ محمّدا صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم نجيبه و بعيثه، شهادة يوافق فيها السّرّ الإعلان، و القلب اللّسان. منها: فإنّه و اللَّه الجدّ لا اللّعب، و الحقّ لا الكذب، و ما هو إلّا الموت أسمع داعيه، و أعجل حاديه، فلا يغرّنّك سواد النّاس من نفسك، فقد رأيت من كان قبلك ممّن جمع المال، و حذر الإقلال، و أمن العواقب طول أمل، و استبعاد أجل، كيف نزل به الموت فأزعجه عن وطنه، و أخذه من مأمنه محمولا على أعواد المنايا، يتعاطى به الرّجال الرّجال، حملا على المناكب، و إمساكا بالأنامل، أما رأيتم الّذين يأملون‏ بعيدا، و يبنون مشيدا، و يجمعون كثيرا، كيف أصبحت بيوتهم قبورا، و ما جمعوا بورا، و صارت أموالهم للوارثين، و أزواجهم لقوم آخرين، لا في حسنة يزيدون، و لا من سيّئة يستعتبون، فمن أشعر التّقوى قلبه برز مهله، و فاز عمله، فاهتبلوا هبلها، و اعملوا للجنّة عملها، فإنّ الدّنيا لم تخلق لكم دار مقام، بل خلقت لكم مجازا لتزوّدوا منها الأعمال إلى دار القرار، فكونوا منها على أوفاز، و قرّبوا الظّهور للزّيال.

اللغة

قال الشّارح المعتزلي (أبلى) أى أعطى يقال: قد أبلاه اللَّه بلاء حسنا أى أعطاه قال زهير:

جزى اللَّه بالاحسان ما فعلا بكم
و أبلاهما خير البلاء الذي يبلو

و أمّا قوله (و ابتلى) فالابتلاء إنزال مضرّة بالانسان على سبيل الاختبار كالمرض و الفقر و المصيبة، و قد يكون بمعنى الاختبار في الخير إلّا أنّه كثيرا ما يستعمل في الشّر.
أقول: و الظاهر أنّ استعمال البلاء في الاعطاء أيضا على الغالب لا دائما، و إلّا فقد قال سبحانه: و لنبلونكم بشي‏ء من الخوف و الجوع و نقص من الأموال و الأنفس و الثّمرات.

و التحقيق أنّ الابلاء و الابتلاء كلاهما من البلاء بمعنى الاختبار و الامتحان قال الفيروزآبادي: ابتليت الرّجل اختبرته و امتحنته كبلوته بلوا، ثمّ قال: و البلاء يكون منحة و يكون محنة، و في المصباح بلاه اللَّه بخير أو شرّ يبلوه بلوا و أبلاه بالألف و ابتلاه ابتلاء بمعنى امتحنه، و الاسم بلاء مثل سلام، و البلوى و البليّة مثله و (كننته) أكنه من باب قتل سترته، و أكننته بالألف أخفيته، و قال أبو زيد الثلاثي و الرّباعى لغتان في السرّو في الاخفاء جميعا و تكنّ الصّدور في النّسخ من باب الافعال.

و (اللعب) في بعض النسخ بفتح اللّام و كسرها و في بعضها بتخفيف العين قال ابن قتيبة و لم يسمع في التخفيف فتح اللّام مع السكون و هو الظاهر من الفيروزآبادي قال: لعب كسمع لعبا و لعبا و لعبا و تلعابا ضدّ جدّ و هو لعب و لعب و (الكذب) أيضا في بعض النسخ بفتح الأوّل و كسر الثاني و في بعضها بالسّكون و (دعا) المؤذّن الناس إلى الصّلاة فهو داعى اللَّه و (حدوت) بالابل حثثتها على السّير بالحداء و حدوته على كذا بعثته عليه و (المشيد) من شدت البيت أشيده من باب باع بنيته بالشّيد و هو بالكسر الجصّ و (البور) الفاسد الهالك و قوم بور أى هلكى قال سبحانه: و كنتم قوما بورا، و هو جمع باير كحول و حايل.

و (يستعتبون) في بعض النسخ على البناء للفاعل و في بعضها على البناء للمفعول، و (برز مهله) أى فاق أو بمعنى أبرز أى أظهر، و المهل شوط الفرس هكذا قال الشّارح المعتزلي، و شوط الفرس جريه مرّة إلى غاية، و الأظهر أنّ المهل بمعنى التقدّم في الخير كما قاله في القاموس و (اهتبل) فلان الصّيد بغاه و طلبه و اهتبل كلمة حكمة اغتنمها، و الهبال و زان شداد الصيّاد، و ذئب هبال أى محتال، و اهتبل هبلك محرّكة عليك بشأنك و (الأوفاز) جمع و فز بسكون الفاء و يحرّك أيضا و هو العجلة و (الظهور) كأظهر جمع ظهر الرّكاب و هم مظهرون أى لهم ظهور ينقلون عليها و (زايله) مزايلة و زيالا أى فارقه

الاعراب

قوله: فانّه و اللَّه آه الضّمير إمّا راجع إلى متقدّم ذكره لفظا في تضاعيف كلامه عليه السّلام و أسقطه السّيد (ره) و التقطه غيره على ما هو عادته من التقطيع و الالتقاط أو أنّه ضمير الشّان كما في قولك هو الأمير مقبل أى الشأن هذا.

قال نجم الأئمة: و هذا الضمير في الحقيقة كأنه راجع إلى المسئول عنه بسؤال‏ مقدّر كأنه سمع ضوضاة و جلبة فاستبهم الأمر فسأل بالشأن و القصة، فقلت هو الأمير مقبل، أى الشأن هذا، فلما كان المعود إليه الذى تضمنه السؤال غير ظاهر قبل اكتفى في التفسير بخبر هذا الضمير بتعقّبه بلا فصل لأنه معين للمسئول عنه و مبيّن له، فبان لك بهذا أنّ الجملة بعد الضمير لم يؤت بها لمجرّد التّفسير، بل هى كسائر اخبار المبتدات لكن سمّيت تفسيرا لما قرّرته، و القصد بهذا الابهام ثمّ التفسير تعظيم الأمر و تفخيم الشّأن، فعلى هذا لا بدّ أن يكون مضمون الجملة المفسّرة شيئا عظيما يعتنى به فلا يقال: هو الذّباب يطير، و قد يخبر عن ضمير الأمر المستفهم منه تقديرا بالمفرد تقول: هو الأمر حتّى لا تبقى على صرفه باقية.

و قال أيضا في موضع آخر في شرح قول ابن الحاجب: المضمر ما وضع لمتكلّم أو مخاطب أو غايب تقدّم ذكره لفظا أو معنى أو حكما: و التقدّم الحكمى أن يكون المفسّر مؤخّرا لفظا و ليس هناك ما يقتضى تقدّمه على محلّ الضّمير إلّا ذلك الضّمير، فنقول إنه و ان لم يكن متقدّما على الضمير لا لفظا و لا معنى إلا أنّه في حكم المتقدّم نظرا إلى وضع ضمير الغائب و إنّما يقتضى ضمير الغائب تقدّم المفسر لأنّه وضعه الواضع معرفة لا بنفسه بل بسبب ما يعود إليه، فان ذكرته و لم يتقدّم مفسّره بقى مبهما منكرا لا يعرف المراد به حتّى يأتي تفسيره بعده و تنكيره خلاف وضعه، فالشي‏ء الحامل لهم على مخالفة مقتضى وضعه بتأخير مفسّره عنه قصد التفخيم و التعظيم في ذكر ذلك المفسّر بأن يذكروا أوّلا شيئا مبهما حتّى يتشوّق نفس السامع إلى العثور على المراد به ثمّ يفسّروه، فيكون أوقع في النفس و أيضا يكون ذلك المفسّر مذكورا مرّتين بالاجمال و التّفصيل ثانيا فيكون آكد انتهى.

و قوله: أسمع داعيه و أجل حاديه، منصوبان على الحال أمّا لفظا لو كان أفعل بصيغة التفضيل فيكون داعيه و حاديه مجرورين بإضافة افعل إليهما من باب إضافة الصّفة إلى مفعوله، و لو كان اسمع فعلا ماضيا من باب الافعال فداعيه منصوب بالمفعولية كذا في أكثر النّسخ و الجملة منصوبة المحلّ على الحال من الموت و العامل معنى الضمير أعنى هو لأنّه للشّأن و الشأن بمعنى المصدر كما في قولك ما شأنك‏ واقفا و المصدر في معنى الفعل مضافا إلى تقويته معنى بشبه الفعل اخرى، كأنّه قيل: ما الشّأن المسئول عنه إلّا الموت فافهم جيّدا، و إضافة داعيه إلى الضّمير من باب اضافة الصّفة إلى المفعول، و كذلك الكلام في أعجل حاديه، و قوله: فلا يغرّنّك سواد النّاس من نفسك، قال الشارح المعتزلي من ههنا إمّا بمعنى الباء أى لا يغرنّك النّاس بنفسك و صحّتك و شبابك فتستبعد الموت اغترارا بذلك فتكون متعلّقة بالظاهر، و إمّا أن تكون متعلّقة بمحذوف تقديره متمكنا من نفسك و راكنا إليها.

أقول: فعلى ما ذكره تكون بمعنى الباء السببيّة، و لكنّ الأظهر أن تكون بمعنى عند كما قاله أبو عبيدة في قوله تعالى: لن تغنى عنهم أموالهم و لا أولادهم من اللَّه شيئا، فالمعنى لا يغرّنّك سواد النّاس مجتمعين عندك، و يحتمل أن يكون بمعناها الأصلى، أى لا يغرنّك النّاس من إصلاح نفسك و لا يشغلونك عن التّوجه إلى ذاتك.

و طول أمل منصوب على المفعول له لأمن أوله و للأفعال السابقة أيضا على سبيل التّنازع، قال الشّارح المعتزلي: و يجوز أن ينصب على البدل من المفعول المنصوب برأيت و هو من و يكون التّقدير فقد رأيت طول أمل من كان، و هذا بدل الاشتمال، و قد حذف منه الضمير العائد كما حذف من قوله تعالى: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ «انتهى» و لا بأس به و العايد المحذوف في الآية لفظة منه أى النّار منه و قيل النّار مرفوع خبر لمبتدأ محذوف أى هو النّار و قيل: التقدير ذى النّار، هذا و روى في بعض النّسخ بطول أمل.

و حملا و امساكا إمّا منصوبان على المصدر و العامل محذوف حال من فاعل يتعاطى، أو مفعوله أى حالكونهم يحملونه حملا فيكون حالا مقدّرة على حدّ: فادخلوها خالدين، أو مفعولان لأجله أى يتعاطونه للحمل و الامساك، و مشيدا صفة حذف موصوفه أى بناء مشيدا و قصرا مشيدا، و مهله في بعض النّسخ بالرّفع‏و بعضها بالنّصب.

المعنى

اعلم أنّ مدار هذه الخطبة على فصلين: أحدهما حمد اللَّه المتعال و الاشارة إلى جملة من نعوت الكبرياء و الجمال، و الثّاني التنفير من الدّنيا و الوصيّة بالزهد و التقوى.

اما الفصل الاول

فهو قوله (نحمده على ما أخذ و أعطى) أى على أخذه و إعطائه، و المراد بالاعطاء واضح، و أمّا الأخذ فيجوز أن يراد به أخذ الميثاق في عالم الذرّ بالتوحيد و النّبوة و الولاية كما يشهد به قوله سبحانه: و إذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم و أشهدهم على أنفسهم أ لست بربّكم الآية، أو أخذ عموم التكاليف أو خصوص الحقوق الماليّة كالخمس و الزّكاة و الصّدقات، أو أخذ ما أعطاه على بعض العباد و ابتلائهم بالفقر و المسكنة بعد الغنى و الثّروة، فانّ أخذ ذلك كلّه من العباد لما كان فعلا جميلا منه سبحانه و تعالى عائدا منفعته إليهم و نعمة منه عزّ و جلّ عليهم استحقّ بذلك حمدا و شكرا و إن كان في بعضها ضرر دنيويّ إلّا أنّ ثمرتها الاخروية أعظم و جزائها أدوم.

و يحتمل أن يكون المراد به أخذ المجرمين، و مؤاخذة العاصين، و إعطاء المحسنين، و إنعام الصّالحين (و) نحمده (على ما أبلى و ابتلى) أى على اختباره و امتحانه بالخير و الشّر و النفع و الضّرر، لأنّ البلاء للأولياء كرامة، و الصّبر على المكاره و التحمل على المشاق من أفضل العبادات و أعظم القربات، و إنّما يوفّى الصّابرون أجرهم بغير حساب، و قد تقدّم تحقيقه في شرح الخطبة المأة و الثّالثة عشر فتذكّر.

(الباطن لكلّ خفيّة) أى الخبير البصير بكلّ ما يبطن و يخفى (الحاضر لكلّ سريرة) أي العالم بكلّ ما يسرّ و يكتم، و إن تجهر بالقول فانّه يعلم السّر و أخفى (العالم بما تكنّ الصّدور) و تستره (و ما تخون العيون) و تسترقه من الرّمزات و اللّحظات على وجه الخيانة و الخلاف كما قال عزّ من قائل: و اللَّه يعلم خائنة الأعين و ما تخفى الصّدور، و قد مضى تحقيق الكلام في عموم علمه سبحانه بالجزئيات و الكلّيات و ما يتّضح به معنى هذه الفقرات في شرح الفصل السّادس و السّابع من الخطبة الاولى و شرح الخطبة الرّابعة و السّتين و الخامسة و الثّمانين.

(و نشهد أن لا إله) إلّا اللَّه (غيره) متوحّدا في عزّ جلاله متفرّدا في قدس جماله، متعاليا عن نقص كماله (و أنّ محمّدا صلّى اللَّه عليه و آله نجيبه و بعيثه) أى عبده المنتجب المصطفى من بين كافّة الخلق و المرسل المبعوث إلى عامّتهم (شهادة يوافق فيها السّر الاعلان و القلب اللّسان) أى صادرة عن صميم القلب و وجه الخلوص و توافق الباطن للظّاهر.

و أما الفصل الثاني (منها)

فهو قوله عليه السّلام (فانّه و اللَّه الجدّ لا اللّعب و الحقّ لا الكذب و ما هو إلّا الموت) لا يخفى ما في هذا الكلام من التّهويل و التخويف و الانذار بالموت لما فيه على و جازته من وجوه التّاكيد و ضروب التّفخيم البالغة إلى عشرة بعضها لفظيّة و بعضها معنويّة كما هو غير خفيّ على العارف بأسرار البلاغة و بدايعها.

أولها التأكيد بانّ و الثاني الاتيان بضمير الشأن إبهاما للمرام و قصدا للتّفخيم و الاعظام و تشويقا للسّامعين إلى ما يتلوه من النّبا العظيم الثالث اسميّة الجملة الرابع الاعتراض بين شطرى الكلام بقسم، و إنّه لقسم لو تعلمون عظيم الخامس الاخبار بأنّه جدّ ليس بهزل السادس تعريف الجدّ بالّلام قصدا للمبالغة من باب زيد الشّجاع أى الكامل في هذا الوصف السابع تعقيبه بانّه ليس بلعب الثامن إردافه بأنّه حقّ لا كذب و فيه من وجوه التّأكيد ما في قرنيه التاسع الاتيان بضمير الشّأن ثانيا قصدا لزيادة التمكن ما يعقبه في ذهن السّامعين لأنّ‏ المحصول بعد الطلب أعزّ من المنساق بلا تعب العاشر الاتيان بكلمة الحصر أعني ما و إلّا.

و اتبع ذلك كلّه بالوجه الحادى عشر فقال (أسمع داعيه) و بالوجه الثاني عشر فقال (و أعجل حاديه) أى أسمع من دعاه إلى اللّه سبحانه أى المدعوّ له و أسرع من ساقه إلى مكانه و حثّه إلى السّير اليه و نسبة الاسماع و الاعجال إلى الموت من التوسّع و التوكيد بهذا كلّه لشدّة ما رآه من المخاطبين من الغفلة و نومة الجهالة و اشتغالهم عن ذكر الموت و ما يحلّ عليهم من الفناء و الفوت و عن أخذ الذّخيرة و الزّاد ليوم المعاد، فأنزلهم منزلة المنكرين إيقاظا لهم عن رقدة الغافلين، و أعلمهم أنّ الموت حقّ يقين ليس منه خلاص و لا مناص لا فرار و لا محار، و أنّه يدركهم و لو كانوا في بروج مشيّدة و إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون.

(فلا يغرنّك سواد النّاس) و كثرتهم و اجتماعهم حولك (من نفسك) و من الاشتغال باصلاحها، و قال الشّارح البحراني: أى فلا يغرنّك من نفسك الأمارة بالسّوء وسوستها و استغفالها لك عن ملاحظة الموت برؤية سواد النّاس أى كثرتهم إذ كثيرا مّا يرى الانسان الميت محمولا فيتداركه من ذلك رقّة و روعة، ثمّ يعاوده الوسواس الخنّاس و يأمره باعتبار كثرة المشيّعين له من النّاس. و أن يجعل نفسه من الاحياء الكثيرين بملاحظة شبابه و صحته و يأمره باعتبار أسباب موت ذلك الميّت من القتل و سائر الأمراض، و باعتبار زوال تلك الأسباب في حقّ نفسه و بالجملة فيبعّد في اعتباره عند الموت بكلّ حيلة.

فنهى عليه السّلام السّامعين عن الانخداع للنّفس بهذه الخديعة، و أسند الغرور إلى سواد النّاس لأنّه مادّته، و نبّه على فساد تلك الخديعة و الاغترار بقوله (فقد رأيت من كان قبلك ممّن جمع المال و حذر الاقلال) أى خاف من الافتقار و مسائة الحال (و أمن العواقب) و اطمئنّ بالأقارب (طول أمل و استبعاد أجل كيف نزل به الموت)و حلّ بساحته الفناء و الفوت (فأزعجه) و أقلعه (عن وطنه) و سكنه (و أخذه عن مأمنه) و مسكنه، و أرهقته منيّته دون الأمل، و شذّ به عنه تخرّم الأجل (محمولا على أعواد المنايا) و النّعوش (يتعاطى به الرّجال الرّجال) و يتداولونه (حملا له على المناكب و امساكا بالأنامل) أى بالأيدي تسمية للكلّ باسم جزئه.

ثمّ أكّد فساد الاغترار بتقرير آخر فقال (أما رأيتم الذين يأملون) أملا (بعيدا و يبنون) قصرا (مشيدا و يجمعون) مالا (كثيرا كيف أصبحت) أى صارت (بيوتهم قبورا و ما جمعوا بورا) أى فاسدا هالكا (و صارت أموالهم للوارثين و أزواجهم لقوم آخرين) بلى و هو مدرك بالعيان يشهد به التجربة و العيان (لا في حسنة يزيدون و لا من سيئة يستعتبون) أى لا يمكن لهم الزّيادة في الحسنات و لا طلب أن يعتب أى يرضى اللّه منهم في السّيئات، و على البناء للمجهول فالمعنى أنّه لا يطلب منهم الاعتاب و الاعتذار بعد الانتقال إلى دار القرار، و ذلك لأنّ استزاده الحسنات و استعتاب السّيئات إنّما هو في دار التّكليف و حالة الحياة و أمّا الآخرة فهو دار الجزاء، فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم و لا هم يستعتبون، فان يصبروا فالنّار مثوى لهم و إن يستعتبوا فما هم من المعتبين، و قد تقدّم توضيح ذلك في شرح الفصل الخامس من فصول الخطبة الثّانية و الثّمانين.

و لما نبّه على زوال الدّنيا و فنائها أردفه بما هو زاد الاخرى و ذخيرتها فقال (فمن أشعر التقوى قلبه) أى لازمه لزوم الشعار بالجسد (برز مهله) أى فاق على أقرانه في جريه إلى مكانه أى تقدّمهم في السّير و اكتساب الخير أو أنّه أبرز جريه و بان سبقه (و فاز عمله) أى نال إلى جزاء عمله و أدرك منتها أمله (فاهتبلوا هبلها) و اغتنموا فرصتها و عليكم بشأنها (و اعملوا للجنّة عملها) الّذي به تدركونها و تستحقّونها.

(فانّ الدّنيا لم تخلق لكم دار مقام) لتنافسوا فيها (و انّما خلقت لكم مجازا لتزوّدوا منها) صالح (الأعمال) و تتقوّوا للوصول بها (إلى دار القرار)و مصاحبة الأبرار (فكونوا منها على أو فاز) و عجلة (و قربوا الظهور) و الرّكاب (للزّيال) و المفارقة.

قال الشّارح المعتزلي أمرهم أن يكونوا فيها على سرعة في قطع عقباتها و عجّل في الارتحال عنها، لأنّ التّأنّي فيها يستلزم الالتفات إلى لذاتها و الغفلة عن المقصد الحقّ، و استعار له لفظ الظهور و هى الرّكاب مطايا الآخرة و هي الأعمال الصّالحة و تقريبها للزّيال هو العناية بالأعمال المقرّبة إلى الآخرة المستلزمة للبعد عن الدّنيا و الاعراض عنها و مفارقتها.

الترجمة

از جمله خطب آن بزرگوار و مقتداى أخيار است: حمد مي كنم معبود بحق را بر اين كه أخذ فرمود و عطا نمود، و بر اين كه امتحان كرد با خير و شر خبير است بهر أمر پنهان، و حاضر است مر هر سرّ نهان را، عالم است به آن چه پوشيده است آن را سينها، و بر آنچه خيانت مي كند در آن چشمها، و شهادت مى‏ دهيم كه نيست معبودى غير از او، و اين كه محمّد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه و آله برگزيده اوست و فرستاده شده اوست، چنان شهادتي كه موافقت نمايد در آن ظاهر و باطن، و قلب با زبان.

بعض ديگر از فقرات خطبه اينست كه فرموده: پس بدرستى كه آن حقيقت است نه بازيچه، و راست است نه دروغ، و نيست آن مگر مرگ در حالتى كه شنوانيد خواننده خود را، و شتابانيد راننده خود را، پس مغرور و فريفته ننمايد ترا سياهى مردمان و كثرت ايشان از اصلاح حال تو، و حال آنكه بتحقيق ديدي تو كسى را كه بود پيش از تو از آن كسى كه جمع كرد مال را و ترسيد از افتقار و پريشاني، و ايمن شد از عواقب امور بجهة درازي آرزو، و بعيد شمردن أجل چگونه فرود آمد باو مرگ پس بر كند او را از وطن مألوف خود و بگرفت او را از محلّ أمن خود در حالتى كه برداشته شده بود بر چوبهاى‏ مركبها فرا مى‏گرفتند او را مردان از مردان بنوبة بجهة برداشتن بر دوشها، و نگه داشتن با دستها، آيا نديديد كساني را كه آرزوى دور و دراز مى‏ كردند، و قصرهاى محكم مى ‏ساختند، و جمع مى ‏نمودند مالهاى بسيار را گرديد خانهاى ايشان قبرها و آنچه كه جمع مى‏ نمودند نيست و نابود، و گشت مالهاى ايشان مال وارثان، و زنان ايشان أز براى ديگران، نه در ثواب قدرت زياده دارند، و نه از گناه قدرت استرضا و معذرت.

پس كسى كه شعار قلب خود نمود تقوى و پرهيزكارى را ظاهر شد پيش قدمى او، و فائز شد بعمل خود، پس اهتمام كنيد اهتمامى كه لايق آن تقوى باشد، و عمل نمائيد بجهت بهشت عملى كه به آنجا برساند، پس بدرستى كه دنياى غدّار خلق نشده است از براى شما سراى اقامت و قرار، و جز اين نيست خلق شده است براى شما راه گذرگاه تا توشه برداريد از آن عملهاى شايسته را كه برساند شما را بسوى سراى قرار، پس باشيد از آن بر شتاب، و نزديك گردانيد پشتهاى مركب را از براى رحلت و مفارقت نمودن از اين دنياى فانى و بى ‏وفا.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.