نامه 73 شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

73 و من كتاب له ع إلى معاوية

أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي عَلَى التَّرَدُّدِ فِي جَوَابِكَ-  وَ الِاسْتِمَاعِ إِلَى كِتَابِكَ-  لَمُوَهِّنٌ رَأْيِي وَ مُخَطِّئٌ فِرَاسَتِي-  وَ إِنَّكَ إِذْ تُحَاوِلُنِي الْأُمُورَ-  وَ تُرَاجِعُنِي السُّطُورَ-  كَالْمُسْتَثْقِلِ النَّائِمِ تَكْذِبُهُ أَحْلَامُهُ-  وَ الْمُتَحَيِّرِ الْقَائِمِ يَبْهَظُهُ مَقَامُهُ-  لَا يَدْرِي أَ لَهُ مَا يَأْتِي أَمْ عَلَيْهِ-  وَ لَسْتَ بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ بِكَ شَبِيهٌ-  وَ أُقْسِمُ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَوْ لَا بَعْضُ الِاسْتِبْقَاءِ-  لَوَصَلَتْ مِنِّي إِلَيْكَ قَوَارِعُ تَقْرَعُ الْعَظْمَ-  وَ تَنْهَسُ اللَّحْمَ-  وَ اعْلَمْ أَنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ ثَبَّطَكَ-  عَنْ أَنْ تُرَاجِعَ أَحْسَنَ أُمُورِكَ-  وَ تَأْذَنَ لِمَقَالِ نَصِيحِكَ وَ السَّلَامُ لِأَهْلِهِ روي نوازع جمع نازعة أي جاذبة قالعة-  و روي تهلس اللحم و تلهس بتقديم اللام-  و تهلس بكسر اللام-  تذيبه حتى يصير كبدن به الهلاس و هو السل-  و أما تلهس فهو بمعنى تلحس أبدلت الحاء هاء-  و هو عن لحست كذا بلساني بالكسر-  ألحسه أي تأتي على اللحم حتى تلحسه لحسا-  لأن الشي‏ء إنما يلحس إذا ذهب و بقي أثره-  و أما ينهس و هي الرواية المشهورة فمعناه يعترق- .

 

و تأذن بفتح الذال أي تسمع- . قوله ع إني لموهن رأيي بالتشديد-  أي إني لائم نفسي-  و مستضعف رأيي في أن جعلتك نظيرا-  أكتب و تجيبني و تكتب و أجيبك-  و إنما كان ينبغي أن يكون جواب مثلك السكوت لهوانك- . فإن قلت فما معنى قوله على التردد- . قلت ليس معناه التوقف-  بل معناه الترداد و التكرار-  أي أنا لائم نفسي-  على أني أكرر تارة بعد تارة أجوبتك عما تكتبه ثم قال-  و إنك في مناظرتي و مقاومتي بالأمور التي تحاولها-  و الكتب التي تكتبها كالنائم يرى أحلاما كاذبة-  أو كمن قام مقاما بين يدي سلطان-  أو بين قوم عقلاء ليعتذر عن أمر-  أو ليخطب بأمر في نفسه-  قد بهظه مقامه ذلك-  أي أثقله فهو لا يدري هل ينطق بكلام هو له أم عليه-  فيتحير و يتبلد و يدركه العمى و الحصر- .

قال و إن كنت لست بذلك الرجل فإنك شبيه به-  أما تشبيهه بالنائم ثم ذي الأحلام-  فإن معاوية لو رأى في المنام في حياة رسول الله ص أنه خليفة-  يخاطب بإمرة المؤمنين و يحارب عليا على الخلافة-  و يقوم في المسلمين مقام رسول الله ص-  لما طلب لذلك المنام تأويلا و لا تعبيرا-  و لعده من وساوس الخيال و أضغاث الأحلام-  و كيف و أنى له أن يخطر هذا بباله-  و هو أبعد الخلق منه-  و هذا كما يخطر للنفاط أن يكون ملكا-  و لا تنظرن إلى نسبه في المناقب-  بل انظر إلى أن‏الإمامة هي نبوة مختصره-  و أن الطليق المعدود من المؤلفة قلوبهم-  المكذب بقلبه و أن أقر بلسانه-  الناقص المنزلة عند المسلمين-  القاعد في أخريات الصف- 

إذا دخل إلى مجلس فيه أهل السوابق من المهاجرين-  كيف يخطر ببال أحد أنها تصير فيه-  و يملكها و يسمه الناس وسمها-  و يكون للمؤمنين أميرا-  و يصير هو الحاكم في رقاب أولئك العظماء-  من أهل الدين و الفضل-  و هذا أعجب من العجب-  أن يجاهد النبي ص قوما بسيفه و لسانه ثلاثا و عشرين سنة-  و يلعنهم و يبعدهم عنه-  و ينزل القرآن بذمهم و لعنهم و البراءة منهم-  فلما تمهدت له الدولة-  و غلب الدين على الدنيا-  و صارت شريعة دينية محكمة-  مات فشيد دينه الصالحون من أصحابه-  و أوسعوا رقعة ملته-  و عظم قدرها في النفوس-  فتسلمها منهم أولئك الأعداء-  الذين جاهدهم النبي ص فملكوها و حكموا فيها-  و قتلوا الصلحاء و الأبرار-  و أقارب نبيهم الذين يظهرون طاعته-  و آلت تلك الحركة الأولى و ذلك الاجتهاد السابق-  إلى أن كان ثمرته لهم-  فليته كان يبعث فيرى معاوية الطليق و ابنه-  و مروان و ابنه خلفاء في مقامه يحكمون على المسلمين-  فوضح أن معاوية فيما يراجعه و يكاتبه به-  كصاحب الأحلام- .

و أما تشبيهه إياه بالقائم مقاما قد بهظه-  فلأن الحجج و الشبه و المعاذير-  التي يذكرها معاوية في كتبه أوهن من نسج العنكبوت-  فهو حال ما يكتب كالقائم ذلك المقام-  يخبط خبط العشواء-  و يكتب ما يعلم هو و العقلاء من الناس أنه سفه و باطل- . فإن قلت فما معنى قوله ع-  لو لا بعض الاستبقاء-  و هل كانت الحال تقتضي أن يستبقي-  و ما تلك القوارع التي أشار إليها- .

 

قلت قد قيل-  إن النبي ص فوض إليه أمر نسائه بعد موته-  و جعل إليه أن يقطع عصمة أيتهن شاء إذا رأى ذلك-  و له من الصحابة جماعة يشهدون له بذلك-  فقد كان قادرا على أن يقطع عصمة أم حبيبة-  و يبيح نكاحها الرجال عقوبة لها و لمعاوية أخيها-  فإنها كانت تبغض عليا كما يبغضه أخوها-  و لو فعل ذلك لانتهس لحمه-  و هذا قول الإمامية-  و قد رووا عن رجالهم أنه ع تهدد عائشة بضرب من ذلك-  و أما نحن فلا نصدق هذا الخبر-  و نفسر كلامه على معنى آخر-  و هو أنه قد كان معه من الصحابة قوم كثيرون-  سمعوا من رسول الله ص يلعن معاوية بعد إسلامه-  و يقول إنه منافق كافر و إنه من أهل النار-  و الأخبار في ذلك مشهورة-  فلو شاء أن يحمل إلى أهل الشام-  خطوطهم و شهاداتهم بذلك-  و يسمعهم قولهم ملافظة و مشافهة لفعل-  و لكنه رأى العدول عن ذلك-  مصلحة لأمر يعلمه هو ع-  و لو فعل ذلك لانتهس لحمه و إنما أبقى عليه- . و قلت لأبي زيد البصري لم أبقى عليه-  فقال و الله ما أبقى عليه مراعاة له و لا رفقا به-  و لكنه خاف أن يفعل كفعله-  فيقول لعمرو بن العاص و حبيب بن مسلمة-  و بسر بن أبي أرطاة و أبي الأعور و أمثالهم-  ارووا أنتم عن النبي ص-  أن عليا ع منافق من أهل النار-  ثم يحمل ذلك إلى أهل العراق-  فلهذا السبب أبقى عليه

شرح ‏نهج ‏البلاغة(ابن ‏أبي ‏الحديد) ج 18

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.